Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

‌ثمّ وصف بعدها حال الربع وحال الحمّى المجانبة للغبّ، صار الآن إلى صفة الحمّيات التي تنوب بالنهار ⟨وتفتر بالليل والتي تنوب بالليل وتفتر بالنهار⟩، وسمّى إحداهما «نهاريّة» والأخرى «ليليّة». وأمّا التي تنوب بالليل فسمّاها «ليليّة»، وأمّا التي تنوب بالنهار فسمّاها «نهاريّة». والشيء الذي كان مدح به الحمّى الليليّة قد ذمّها به، وذلك أنّه لم يطلق قوله فيقول: «إنّ الحمّى الليليّة ليست بقتّالة»، لكنّه ألحق فيه «جدّاً». فإن كانت هذه الحمّى «ليست بقتّالة جدّاً»، فبيّن أنّها قتّالة على كلّ حال، وإن كانت هذه الخصلة فيها ضعيفة. فأمّا الحمّى النهاريّة فلم يقتصر على أن ينسبها إلى أنّها «أطول»، حتّى ينسبها إلى أنّها «ربّما مالت إلى السلّ». فيجب من هذا أن يكون من هذا الوجه أيضاً أردأ من تلك.

ورداءة هذه الحمّى من وجهين: أحدهما أنّها كانت تنوب في الوقت الذي من شأن البدن أن يكون إلى أن يتحلّل ويسخف وتتّسع مسامّه أقرب منه إلى أن ينقبض ويتكاثف، وجب أن يكون أخبث وأردأ. والوجه الثاني أنّ الوقت الذي يدبّر فيه ما يحتاج إليه من التدبير وقت مكروه، وذلك أنّ الطبيب يضطرّ إلى أن يدبّر المريض بما يحتاج إليه من التدبير في الوقت الذي كان ينبغي أن ينام فيه المريض. ولذلك ينتقض بدنه على طول الأيّام ويصير إلى حال السلّ، لأنّه بين حالتين، بين ألّا ينام بالليل فيكون لا يستوفي نومه، وبين أن ينام بالنهار فيكون عيشه بعيش الخفاش أشبه منه بعيش الناس.

قال أبقراط: وأمّا السبع فطويلة وليست بقتّالة. وأمّا التسع فهي أطول منها وليست أيضاً بقتّالة.

قال جالينوس: إنّه ما يحسن بك ألّا تصدّق أبقراط، إذ كان قد يدلّ بكلامه هذا أنّه إنّما كتب هذا بعد أن رآه. ولا ينبغي أيضاً أن تتكذّب فتقول إنّك أنت أيضاً قد رأيتَ ذلك، وأنت لم تره. وإنّما ينبغي أن تتفقّد هذا بعناية وتختبر حقيقته بالتجربة وتحذر أن يعرض لك شيء شبيه بما عرض لكثير من الناس، وذلك أنّهم رأوا إنساناً قد اتّفق له أن حمّ في يوم من الأيّام، ثمّ حمّ ثانيةً في اليوم السابع من ذلك، ثمّ ثالثةً في اليوم السابع من الثاني، وظنّوا بأنّ هذا الدور دور حمّى سباعيّة.

فإنّه قد يمكن أن يكون هذا بالاتّفاق، ويمكن أن يكون من قبل مشابهة التدبير. وذلك أنّه قد يكون من المريض ألّا يكون مرضه يسكن عنه السكون الصحيح، لكن يبقى في بدنه من مرضه بقايا. فإذا لم يتحفّظ من هذه حاله في تدبيره، فكثيراً ما يعرض له أن يحمّ في السادس من اليوم الذي فارقته الحمّى، وكثيراً ما يعرض له أن يحمّ في اليوم السابع، وربّما حمّ في الثامن، وربّما حمّ في غيره من الأيّام، ثمّ تسكن عنه تلك الحمّى، ويظنّ أنّه قد تخلّص منها تخلّصاً صحيحاً. فتدبير مثل ذلك التدبير الأوّل فتعود حاله إلى الحالة الأولى في عدد مساوي العدد الأوّل من الأيّام بسبب البقايا التي بقيت في بدنه من مرضه.‌