Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

‌ذكر الأسباب التي بها يكون توليد تلك الأمراض، لقد كنّا نحن نستخرجها ونعرفها ممّا وصفه في كتاب الفصول، وذلك أنّ ما وصفه هناك كافٍ للمستعمل للقياس في أن يبلغه إلى وجود ما يطلبه من هذا الباب.

فقد ينبغي لك أن تعلم أمراً قد بيّنته مراراً كثيرة في كثير من كتبي بياناً كافياً، وأنا واصف منه في هذا الموضع أيضاً ما لا بدّ منه في هذا الغرض الذي قصدنا إليه: فإنّه ليس يمكن أن تُعرَف الأصناف الجزئيّة من تراكيب أشياء بأعيانها، لا في صناعة الطبّ ولا في غيرها، بالتجربة لكثرتها، لكنّ السبيل إلى معرفة جميعها سبيل واحدة، وهو طريق معرفة أصولها، كمعرفة الأحرف في صناعة الكتاب. فينبغي أن ننظر أنّ الأصول هي أصول علم حالات الهواء، ومِحمَل الشيء الذي نبني عليه نظرنا في طبيعة الأمر الذي إليه نقصد، كما تعلّمنا في كتاب البرهان.

وأنا راجع في القول في هذا ومبتدئه منذ أوّله ومقتصّه عن آخره على الولاء حتّى لا أدع منها شيئاً.

فأقول إنّ أوقات السنة تخالف بعضها بعضاً بالرطوبة واليبس والحرّ والبرد، لأنّ الشتاء أقوى سائر أوقات السنة رطوبة وبرداً والصيف أقواها حرّاً ويبساً؛ والربيع متوسّط بالحقيقة فيما بين الحالتين، وذلك أنّه ليس يغلب فيه واحد من الضدّين الآخرين، لا الرطوبة ولا اليبس ولا البرد ولا الحرّ، ولا بالعكس حتّى يكون اليبس أغلب من الرطوبة أو الحرّ من البرد، لكنّه كأنّه قد اجتمعت فيه من الأضداد أجزاء متساوية وجميع أجزائه متشابهة. وذلك أنّ النهار كلّه كأنّه على حال واحدة وكذلك الليل، إذ كان ليس يحدث فيه في النهار والليل كثير تفاضل كالتفاضل الذي نراه يكون في الخريف، لأنّ الأسحار في الخريف باردة وفي انتصاف النهار حرّ شديد وفي وقت المساء يعود البرد. فبالواجب نقول إنّ الخريف مختلف المزاج بخلاف حال الربيع، إذ كان الربيع مستوي المزاج، إلّا أنّ الأغلب على حال في الخريف اليبس على الرطوبة والبرد على الحرّ.

فهذا هو مزاج كلّ واحد من أوقات السنة على الأمر الأكثر. وتغيّر الشتاء حتّى يصير صيفاً والصيف حتّى يصير شتاء يكون منه شيء قليل حتّى لا يحسّ في الزمان كلّه، ويكون منه شيء مقادير أعظم حتّى يحسّ عند انقلاب كلّ وقت إلى الوقت المجاوز له، إلّا أنّ تلك المقادير، وإن كانت ذوات قدر، فإنّها لا تنسب إلى المعظم والمفاجأة.

†والأ⟨…⟩اط† من ذلك أنّ السماك الرامح‌