Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

‌فإنّك تعرفه إن تذكّرتَ مزاج الهواء كان في ذلك الربيع، وذلك أنّه قال: «إنّه كان بارداً شماليّاً مطيراً كثير الغيوم». ولو كانت الرياح الشماليّة فقط هي التي قرعت الأعين وأنكتْها، لكان «الرمد» سيعرض منها من غير سيلان. ولمّا كان مع تلك الرياح الشماليّة رطوبة كثيرة، وجب أن يكون مع ذلك «الرمد» «سيلان»، يعني «رطوبة»، لأنّ مزاج الهواء الذي أحدثه كان رطباً.

فأمّا «الوجع» فقد يحدث في الأعين في الحالتين جميعاً، أعني إن كان حدوث الرمد مع سيلان فإن كان من غير سيلان، من برد فقط. فإنّ البرد أيضاً وحده قد يكتفي في إحداث الوجع في العين. ويشبه أن يكون الوجع في تلك الحال كان زائداً لاجتماع البرد مع السيلان.

فأمّا «إبطاء نضوج» ذلك الرمد وطول لبثه فللرطوبة والبرد، وذلك أنّ الفضول التي تتحلّب وتنصبّ إلى الأعضاء إنّما تنضج إذا استولت عليها وقهرتها الحرارة الغريزيّة. واستيلاؤها عليها وقهرتها لها يكون أسهل إذا كانت الرطوبة يسيرة ولم تكن بالباردة جدّاً، ومتى كانت الرطوبة كثيرة باردة عسر نضجها. والحرارة الغريزيّة أيضاً التي في البدن متى كانت قويّة، كان إنضاجها للفضول أسرع، ومتى كانت ضعيفة، لم تستول على تلك الرطوبات وتقهرها إلّا بكدّ وفي مدّة أطول.

ولذلك كان من يبرأ منهم من رمده «يعاوده» من الرأس، وذلك أنّ الأعين كانت تكون قد ضعفت من ذلك «الرمد»؛ فإذا لقيها الهواء وهو بالحال التي قد وصفها، أعني بارداً شماليّاً مطيراً غيوميّاً، وجب أن يُنكيها، ولا يزال يتولّد في الأعين التي «رمدها» بهذه الحال «رمص يسير يعسر انقلاعه». أمّا قلّت فلأنّ الرطوبة التي في تلك الأعين يعسر نضجها، وأمّا عسر انقلاعها فلتكاثف العين الحادث بسبب برد الهواء.

ويجب ضرورة أن يكون أهل ثاسس بقوا الربيع كلّه في تلك السنة، وليس تزاد أعينهم إلّا شرّاً، ثمّ إنّ الغلظ الصلب الذي حدث فيها نضج في الصيف وتحلّل قليلاً قليلاً، لأنّ الأمراض التي تتولّد في مدّة طويلة، وخاصّة من أسباب باردة رطبة، ليس يمكن أن تتحلّل سريعاً. فبالواجب قال إنّ سكون تلك الأعراض التي حدثت في الأعين إنّما كان «نحو الخريف».

قال أبقراط: فأمّا في الصيف والخريف فعرض لهم اختلاف الدم والزحير وزلق الأمعاء واختلاف أشياء من جنس المرار رقيقة كثيرة نيّة‌