Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

‌من هذين الجنسين من الأمراض بما أصف، وهو أنّه متى اعترى مرض واحد عدّة كثيرة في وقت واحد، فينبغي أن نوجب السبب في ذلك لأعمّ الأشياء وأولاها بأن يكون جميع الناس يستعمله، وذلك هو الهواء الذي نستنشقه. فإنّه من البيّن أنّ تدبير كلّ واحد من الناس ليس هو السبب في المرض إذا كان قد اشتمل على الكلّ، شابّهم وشيخهم، وإناثهم وذكورهم، وشارب الخمر منهم وشارب الماء، والمغتذي بسويق الشعير منهم والمغتذي بالخبز، ومن تعبه يسير منهم ومن تعبه كثير، فليس إذاً التدبير هو السبب في المرض إذ كان تدبير الناس مختلفاً متصرّفاً على جميع أنحائه، ثمّ كان المرض الذي يحدث واحداً بعينه. فأمّا متى كانت الأمراض التي تحدث في وقت واحد مختلفة، فبيّن أنّ التدبير الذي يستعمله كلّ واحد من الناس الذين يمرضون هو السبب في مرضه».

ففي هذا الكلام قد أوجب أبقراط أنّ السبب في جميع الأمراض التي تحدث لجماعة كثيرة معاً في بلد واحد على خلاف ما اعتادوا إنّما هو مزاج الهواء المحيط بهم. فأمّا في المقالة الثانية من هذا الكتاب، حيث قال إنّ أهل الموضع الذي يقال له «أينس»، لمّا أكلوا الحبوب في جوع أصابهم حدث بهم ضعف في الرجلين، ولمّا أكلوا الكرسنّة أصابهم وجع في الركبتين، فلم يجعل السبب في المرض الذي وصف مزاج الهواء، لكنّه جعله التدبير. وقد يمكن أن يُحدث شرب الماء الرديء في وقت من الأوقات مرضاً عامّيّاً، وقد بلغنا أنّه حدث ذلك لأهل عساكر.

وكذلك أيضاً قد يعرض ذلك لسبب طبيعة الموضع الذي ينزله أهل عسكر فيطول مقامهم فيه، إذا كان في ذلك الموضع أو قريب منه إمّا آجام ونقائع وإمّا وهدات يخرج منها بخار رديء قتّال. وهذه الأسباب إنّما تُحدث الأمراض بسبب ما يؤثّر في الهواء ويفسده، فهي على هذا القياس محصورة في القول الذي تقدّم. وأمّا الأمراض من هذا الجنس الذي يحدث من‌