Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

فإن فهمنا عنه أنّ قوله في جميع أصحاب تلك الأمراض، لم يكن هذا القول ممّا ينتفع به دون أن يلخّص ويحدّد في أيّ تلك الأمراض كان «الفتيان والشباب والمتناهون في الشباب» يهلكون، وفي أيّها كان يهلك «أصحاب الشعر السبط الأسود وكحل العيون»، وفي أيّها كان يهلك «من تدبيره تدبير خفض وبطالة وكسل»، وفي أيّها كان يعطف «أصحاب الأصوات الرقيقة الخشنة»، وفي أيّها «اللثغ»، وفي أيّها «من يسرع إليه الغضب»، وفي أيّها «النساء». فإنّه إن لم يلخّص جميع هذه الأشياء، لم ينتفع بهذا الكلام الذي قيل في تقدمة المعرفة ولا في مداواة الأمراض.

وإن فهمنا عنه أنّ قوله هذا ليس هو في جميع الأمراض، لكنّه إنّما هو في الأمراض التي كان في ذكرها فقط، وهي أمراض البرسام، فإنّه على حال قد يعسر علينا جدّاً وجود الأسباب التي من أجلها هلك عدد كثير ممّن ذكر. ومع هذا أيضاً فإنّ قوله «إنّه هلك عدد كثير» يحتمل معنيين: أحدهما أنّ كثيراً ممّن كان على الصفة التي وصف أصابهم البرسام، وكان ذلك البرسام الذي عرض في ذلك الوقت برساماً قتّالاً، فلذلك قيل «إنّه مات عدد كثير». والمعنى الآخر أنّ أكثر من أصابه البرسام هلك.

فيصير التماسنا للإخبار بالأسباب يحتمل الوجهين: أحدهما أن نبيّن أنّ جميع من وصفه مستعدّ متهيّئ لقبول البرسام في تلك الحال من الهواء، والآخر أن نبيّن أنّ الذين وصفهم خاصّة كانوا أولى أصحاب البرسام بأن يموتوا.

فهذا مبلغ كثرة الغموض وشدّته في هذا القول. وينبغي أن يتقدّم تكشّف ما غمض منه وجوه مزاج كلّ واحد من الأبدان التي وصفها، وذلك أنّه لا يمكن أن يتبيّن أنّ ما قيل في هذا القول يوافق لتلك الحال من الهواء دون هذا. وقد نجد أبقراط قد ذكر في قوله هذا من الأسنان أقواها حرّاً، وبهم «الفتيان والشباب والمنتاهون في الشباب»، وذكر من طبائع الأبدان ما يعسر تحلّله منها.

فقد بيّنّا في كتابنا في المزاج وفي كتب أخر غيره أنّ «البدن الأزعر» والذي «لونه إلى البياض وشعره سبط أسود» ومن كان «أكحل العين» ومن كان «تدبيره تدبير خفض وبطالة وكسل» أقلّ تحلّلاً من غيره،‌