Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

‌وإنّا قد نرى أنّه ليس يحتاج في تعرّف حالات المرض الحاضرة في أمراضهم وتقدمة المعرفة بما تؤول إليه وما يحتاج إليه في علاجها إلى استقصاء أمر الأسماء.

ولسنا نرى أيضاً الناس يمتحنون الأطبّاء بهذا، لكنّهم إنّما يمدحون الطبيب إذا رأوا المريض قد وجد راحة من فصد فصد الطبيب، أو رأوا قد أطعمه طعامه في وقته، فإنّ هذا أيضاً ممّا يقدر من ليس عنده علم بالطبّ أن يمتحنه ويختبره. فمتى يرى أنّه ليس على المكان حين يُطعم الطبيب المريض طعامه تبتدئ به الحمّى، لكنّ من بعد مدّة طويلة، ومتى أيضاً يُسقي الطبيب المريض ماء بارداً أو أدخله إلى الحمّام فأقلعت عنه الحمّى، فإنّ الناس يحمدونه ويعجبون به، وكذلك متى تقدّم فأخبر بشيء ممّا هو كائن.

فبهذه الأسباب يحمد الطبيب الحمد الصحيح. فأمّا من شأنه طريق السوفسطائيّة فإنّه يفني عمره وأعمار من يصغي إليه في الخصومة في الأسماء وما تدلّ عليه.

ولمّا كان غرضنا في هذا الكتاب ليس هو صفة المعاني التي تحتاج إليها في الطبّ، فقد قلنا ذلك في كتب أخر وبلغنا منه مقدار الكفاية، لكنّ غرضنا في هذا الكتاب إنّما هو البحث عن معنى أبقراط في هذا الكلام، فقد يمكن أن نأتي على ذلك بالاقتصار على هذا الوجه.

فأقول إنّه قد قال فيما تقدّم: «إنّه كانت الأعراض التي عرضت لأكثرهم: حمّيات اقشعراريّة دائمة حادّة لا تفارق أصلاً، إلّا أنّ طريق هيجانها مجانب للغبّ، فتكون في يوم أخفّ ثمّ تكرّ في الآخر»، ثمّ قال في هذا الكلام الذي نحن في تفسيره: «فأمّا الحمّى المجانبة للغبّ فقد تكون منها أمراض حادّة، وهذه الحمّى أقتل سائر الحمّيات»، فالأمر بأنّ هذه الحمّى حمّى «قتّالة» قد حدّده أبقراط وصرح به. فأمّا الأمر في أنّ كلّ حمّى تقلع فليست بقتّالة فقد دلّ عليه في كتاب الفصول حين قال: «إنّ كلّ حمّى لا تفارق ثمّ تقوى دائماً في اليوم الثالث فهي حمّى ذات خطر، وعلى أيّ وجه فارقت، فهي تدلّ على أنّه لا خطر فيها».

فكيف يجوز لقائل أن يقول إنّ الحمّى المجانبة للغبّ هي من الحمّيات التي تقلع — وهو متبع في قوله ذلك أبقراط — وقد يعلم أنّ الذين يقولون إنّ من حمّ أربع وعشرون ساعة، ثمّ أقلعت عنه الحمّى أربع وعشرون ساعة — فحمّاه حمّى مجانبة للغبّ متوسّطة — يجعلون هذه الحمّى من الحمّيات التي تفارق؟ وكذلك أيضاً لمّا كانوا يجعلون الحمّى المجانبة للغبّ القصيرة والطويلة إنّما تخالف هذه المتوسّطة بعدد الساعات، ويشيرون إلى أنّهما جميعاً تقلعان، فهم بذلك يبعدون من رأي أبقراط،‌