Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Quod Animi Mores Corporis Temperamenta Sequantur (The Faculties of the Soul follow the Mixtures of the Body)

(الباب الثامن فى التأثيرات الإقليمية على أخلاق الإنسان وعقله حسب ما قال إبقراط فى كتاب أصناف الهواء والمياه والمواضع)

فإنه قد وضع فى كتابه فى أصناف الهواء والمياه والمواضع أولا لما ذكر المدن المائلة إلى الشمال هذا القول [قولا]، قال: وأخلاقهم أكثر قسوة وجفاء. ومن بعد ذلك قال فى المدن المائلة إلى الشرق هذا القول، قال: أجهر أصواتا وأصلح أخلاقا ممن يسكن المدن المائلة إلى الشمال، وهم فى الفهم والغضب أيضا أفهم منهم. ومن بعد ذلك لما انبسط فى الكلام أطنب فى الشرح وقال: أقول إن بلاد آسيا أفضل من بلاد أوروفى كثيرا فى طبيعة كل شىء من النبات ومن الناس، لأن جميع ذلك فى آسيا أحسن وأعظم، وهذه البلاد خير من تلك، وأخلاق من فيها من الناس أسكن وأفعالهم أحسن، والسبب فى ذلك مزاج أزمنة السنة. يريد بذلك أن مزاج أزمان السنة ليس هو سببا لما ذكرت من الأشياء التى هى سوى الخلق بل هو سبب للأخلاق أيضا. وقد أوضحت أيضا أنه إنما يقول: إن أزمان السنة تخالف بعضها بعضا بالحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة بقياسات كثيرة وضعتها فى الكتاب الذى برهنت فيه أنه حافظ لرأيه فى العناصر فيما وضعه فى كتابه على طبيعة الإنسان وفى سائر كتبه كلها. وكذلك أيضا فيما يتلو هذا الكلام المتقدم أخبر بهذا الرأى بعينه لما أخذ فى ذكر البلاد المعتدل الذى قال: إنه يجعل أخلاق الناس أيضا معتدلة. وقال: إنها ليست بمحترقة جدا من الحرارة ولا بكثيرة اليبس والجفوف [و]من قلة المطر وعدم الماء ولا متقبضة مضغوطة بالبرودة. ومن أجل ذلك قال فيما بعد: أما النجدة والقوة واحتمال التعب وشدة الغضب، فإنه غير ممكن فى مثل هذه الطيعة لا للبلدى ولا للطارئ، ولكن اللذة لا محالة يجب أن تغلب عليه. وإذا أمعن فى كتابه هذا أيضا قال: أما القول فى عدمان غضب الناس ونجدتهم، فعلى هذا: ألا إن أهل آسيا أقل محاربة من أهل أوروفى وأسكن أخلاقا، والسبب فى ذلك أزمان السنة خاصة، وذلك لأنها ليس تتغير تغيرا كثيرا لا إلى الحر ولا إلى البرد بل تغيرا قريبا. ومن بعد هذا بقليل يقول أيضا: وقد تجد أهل آسيا أيضا مختلفين، فبعضهم أكثر فضيلة وبعضهم أقل فضيلة، والسبب فى ذلك تغير الأزمنة التى ذكرنها آنفا. وإذا أمعن فى المقالة أيضا وصار إلى الكلام فى سكان أوروفى وضع هذا الكلام: وأما الخلق القاسى العديم الخاصة الغضوب، فإنه يكون فى مثل هذه الطبيعة. ومن بعد هذا أيضا فى موضع آخر من الكلام يقول: أما الذين يسكنون الموضع الجبلى الخشن الوعر المرتفع الجيد الماء الذى يكون فيه أزمان السنة العظيمة التغيير والاختلاف، فبالحق عظام يصلحون للتعب وللحروب والنجدة، ومن كانت طبيعته كذلك فإن أخلا قه قاسية سبعية. وأما الذين يسكونون فى المواضع الغائرة النزهة المرحبة المخسفة التى تهب فيها الرياح الحارة أكثر من الرياح الباردة ويستعملون المياه الحارة، فإنهم لا يكونون عظاما ولا على القانون، وأما فى العرض فإنهم يزدادون، وهو ذوو لحم وشعرهم أسود وألوانهم الى السواد أقرب منها إلى البياض والبلغم فيهم أقل من المرة. وأما أخلاق النجدة والحروب والتعب فإنها بالبطع ليست بموجودة ولكن إن تردف السنة فعلت بهم ذلك. يريد بالسنة التدبير السنى فى كل واحد من البلدان، وهو الذى نسميه التربية البلدية والتأديب البلدى والعادة البلدية 〈وهو〉 الذى ينبغى أن يخطر ببالى [ببالك] فيما أريد ذكره بعد قليل. فإنى الساعة أحب أن أزيد من قوله هذه الشهادات، قال: وأما الذين يسكنون بلدا مرتفعا أملس كثير الرياح جيد الماء، فإنهم يكونون عظاما متشابهين وأخلاقهم قليلة النجدة كثيرة السلامة. وأتبع ذلك بذكر البلدان، فقال: وأما الذين فى البلدان الرقيقة العديمة الماء والشجر التى فصول أزمان السنة فيها غير معتدلة، فإنهم بالحق ذوو صلابة أقوياء مائلون إلى البياض والحمرة أكثر من ميلهم الى السواد، وهم فى أخلاقهم وغضبهم متجبرون وينفردون بآرائهم. ومما استغنى به عن ذكر شهادات كثيرة من كلامه قوله: وقد تجد أكثر ذلك صور الناس وحالاتهم تابعة لطبيعة البلد. وقد ذكر فى مواضع كثيرة من هذا الكتاب أن البلاد إنما تخالف البلاد بالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ومن أجل ذلك قد يقول فيما بعد هذا: حيث تكون الأرض سمينة جيدة الماء ويكون الماء الذى فيها يعلوها حتى يكون فى الصيف حارا وفى الشتاء باردا وتكون أزمان السنة جيدة، فإن الناس يكونون ذوى لحم ضعفاء المفاصل ذوى رطوبة لا يستطيعون التعب ذوى رداءة فى أنفسهم، ومن أجل ذلك قد يعتريهم على الأكثر الكسل والنعاس ويكونون غلاظا فى الصناعات، ليس لهم الطاقة ولا دقة. وقد أخبر فى هذا الكلام وبين أنه ليس الأخلاق فقط تتبع أمزاج الزمان بل كلال الفكر والفهم تابعان لها. وقد ذكر أيضا فى الكلام الذى بعد هذا شيئا شبيها بهذا، وقال: فأما حيث يكون البلاد مرتفعا منتضبا وعرا ويكون البرد يقبضه ويضغطه والشمس تحرقه، فإنه يجب أن يكون الناس هناك ذوى صلابة وقوة ذات بقاء أقوياء المفاصل ذوى الشعر، والحركة للأعمال فى مثل هذه الطبائع حادة سريعة والسهر غالب فيها، وهؤلاء فى أخلاقهم متجبرون معجبون منفردون بالرأى، وفيهم من القسوة وعدم الخلطة أكثر مما فيهم من السلامة والسكينة، وهم فى الصناعات أدق وأنفذ وفهمهم أكثر ويصلحون للحروب أكثر. وفى هذا الكلام أيضا قد قال قولا يبين أنه ليس الأخلاق فقد يتبع أمزاج البلد بل بعض الناس يكونون أكثر دقة ونفاذا فى الصناعات وأفهم وبعضهم أقل فهما وأغلظ.

فليس بى إلى ذكر جميع العلامات الفراسية التى ذكرها فى المقالة الثانية والسادسة من كتاب أبيذيميا حاجة، ولكنى أقتصر على هذا القول وحده ليكون شهادة، قال: من كان العرق الذى فى ساعده ينبض بسرعة، فهو جنونى حاد الغضب، ومن كان هذا العرق منه ينبض بسكون، فإنه يكون كليلا، الذى يريد بقوله هذا هو أن الناس الذين يكون الشريان الذى فى ساعدهم يضرب مجسه الذى يجسه ضربا قويا هو جنونيون ذوو حدة عند الغضب. وقد بينت مرارا كثيرة أن القدماء كانوا يسمون الشريانات عروقا، إلا أنهم لم يكونوا يسمون جميع حركات الشريانات نبضا، خلا الحركة التى يحسها الإنسان وهى لا محالة القوية. وأما أبقراط فإنا نجده أول مرتبكا بهذه العادة التى غلبت من بعد، وذاك أنه قد ذكر فى بعض المواضع النبض وأراد به جميع حركات الشريانات أيتها كانت، وأما فى هذا الكلام فإنه استعمل العادة القديمة واستدل بحركة الشريان القوية على الإنسان أنه جنونى حاد الغضب، وذلك لأن الشريانات تنبض هذا النبض من قبل كثرة الحرارة قى القلب، وكثرة الحرارة تجعل الناس جنونيين ذوى حدة فى الغضب وبرودة المزاج تجعلهم كسالى ذوى توانى وإبطاء وعسر الحركة.