Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Quod Animi Mores Corporis Temperamenta Sequantur (The Faculties of the Soul follow the Mixtures of the Body)

(الباب الرابع فى تأثيرات اليبوسة والرطوبة على فهم النفس وجهلها حسب ما ورد فى كتال طيماوس، وفى الرد على رأى أندرونيقوس المشاء ورأى الرواقيين فى النفس)

أفترى قوى النفس يمكن فيها التغيير من مزاج الحرارة والبرودة ولا يمكن فيها ذلك من الرطوبة واليبوسة، أم قد يوجد على ذلك دلائل كثيرة من الأدوية والتدرابير التى يتدبر بها فى كل يوم ولعلى سأفصلها لك فيما أستأنف، إذا أنا بدأت بذكر ما وضع أفلاطن بما بين من رأيه فى أن النفس تؤول من رطوبة البدن الى نسيان ما كانت تعرفه قبل أن ترتبط بالبدن. فإنه قال فى كتاب طيماوس: إن الله جل وعز حين خلق الإنسان ربط النفس التى ليست بميتة بجسم سائل ذائب، يعنى بذلك رطوبة جوهر الأطفال. وأتبع هذا الكلام بهذه الألفاظ بأعيانها فقال: وأما النفوس التى ربطت بالنهر العظيم، فإنها لم تكن تغلب ولا تغلب وكانت تحارب وتحارب بالقسوة. ومن بعد هذا الكلام بقليل قال أيضا: ولأن الموج الذى كان يغرق وينحسر كان عظيما، وهو الذى كان يغدو، كانت الآلام الحادثة من الأشياء المصادقة فى كل يوم تحدث تخليطا عظيما. فمن أجل هذه الآلام كلها صارت النفس الآن فى الابتداء تكون أول ما ترتبط بالبدن الميت عديمة العقل. فإذا قل مجىء مجرى النماء والغذاء، رجعت الاستدارات الى السكون فعادت الى طريقها وكلما امتد الزمان كان ترتيبها أكبر، وصار كل واحد من الأدوار الى الشكل الطبيعى، وأصلحت الاستدارات للاختلاف والاتفاق، كما ينبغى أن تسمى بالاستقامة 〈و〉صيرت الذى يكون لها عاقلا. يؤيد بقوله: فإذا قل مجىء مجرى النماء والغذاء، أن يدل على الرطوبة التى ذكرها آنفا وصيرها علة لجهل النفس، لأن اليبس فى مائيته يؤدى النفس الى العقل والرطوبة الى الجهل.

فإن كانت الرطوبة تفعل عدم العقل واليبوسة تفعل العقل، فاليبوسة فى الغاية تفعل غاية العقل، واليبوسة المخلوطة بالرطوبة تقلل من العقل الكامل بقدر مشاركة الرطوبة بها. فإن الحيوان الميت موجود بدنه عديم الرطوبة مثل جرام الكواكب ليس، ولا واحد على هذه الصفة ولا قريب منها. فإذاً ليس من الأجسام الحية المائتة شىء يقرب من غاية العقل، لأن هذه بحسب ما فيها من الرطوبة يكون ما فيها من عدم العقل.

فإذا كان الجزء الفكرى من أجزاء النفس وجوهره جوهر خاص قد يتغير بتغير مزاج البدن، فما الذى ينبغى أن تتوهم فى النوع الميت! أقول إنه بين انه يتعبد لمزاج البدن غاية التعبد.وأجود من هذا ألا يقال: إنه يتعبد، بل يقال: الجزء الميت من أجزاء النفس هو مزاج البدن. وذاك أنا قد بينا فيما سلف أن الفنس الميتة هى مزاج البدن، فمزاج القلب هو النوع الغضبى من أنواع النفس، وممزاج الكبد هو النوع الذى يسميه أصحاب أفلاطن الشهوانى ويسمونه أصحاب أرسطاطاليس المغذى والنباتى.

وأما أندرونيقوس المشاء فإنى أمدحه مدحا كثيرا على أنه أقدم فقضى على جوهر النفس قضية كلية بلا مراقبة من غير أن يعقد الكلام ويغمضه. وقد أجد هذا الرجل يفعل ما وصفته به فى أشياء أخر كثيرة، وإرادته هذه حسنة عندى مقبولة. ولكن لأنه قال: إنها إما مزاج وإما قوة تابعة للمزاج، قد أذمه وألومه فى زيادة قوة، وذلك لأن النفس جوهر ذات قوى كثيرة، وقد ذكر أرسطاطاليس وفصل مع ذلك اشتراك الاسم تفصيلا حسنا. وذاك أنه لما كان الجوهر يقال على الهيولى والصورة والجسم المؤلف منهما، قضى بأن النفس جوهر على جهة الصورة. وليس يمكن أن يقال: إن هذه الصورة شىء سوى المزاج، على ما أوضحنا آنفا.

وهذا الجنس من أجناس الجوهر يخص النفس على رأى الرواقيين أيضا إلا أن روح الطبيعة عندهم أرطب وأبرد وروح النفس أيبس وأحر. فتحصل أن هذا الروح هو هيولى خاصية للنفس وأما صورة هذا الهيولى فهو ضرب من ضروب المزاج يكون باعتدال الجوهر الهوائى والجوهر النارى، لأنه ليس يمكن أن يقال إن النفس هواء فقط، ولا إنها نار فقط، وذلك لأن بدن الحيوان لا يمكن أن يكون فى غاية البرودة ولا فى غاية الحرارة ولا يثبت على إفراط إحدى الجهتين على الإكثار. إذ كان متى أفرط عليه أحدهما وجاوز فيه الاعتدال إن كانت النار المجاوزة فيه الاعتدال حم. وإن كان الهواء برد برودة مفرطة وكمد لونه وعسر حسه، وذلك لأن الهواء فى نفسه عندهم بارد. فقد بان ووضح لك أن جوهر النفس على رأى الرواقيين يكون بمزاج ما من الهواء والنار. وإن خروسبس 〈صار الى الفهم من أجل اعتدال مزاجهما، و〉إنما صاروا الى الجهل والحمق بنو أبقراط الذين يشهدون بهم القومود وتخلطهما فيهم على غير الاعتدال، ولكن لعل بعض الناس يقول : فليس ينبغى إذن أن يمدح خروسبس على فهمه ولا يذمون أولئك على حمقهم وجهلهم، وكذلك أيضا فى أفعال النفس الغضيبة ليس ينبغى أن يمدح ذوى النجدة ولا يذم ذوى الجبن، وأيضا فى أفعال النفس الشهوانية لا ينبغى أن يمدح الأعفاء ولا يذم أهل الشره والشبق.