Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Quod Animi Mores Corporis Temperamenta Sequantur (The Faculties of the Soul follow the Mixtures of the Body)

(الباب السابع فى تأثير مزاج الدم على قوى النفس، وفى الدلالات الفراسية على أخلاق الإنسان، حسب ما قال أرسطوطاليس فى كتابه فى أعضاء الحيوان وكتابه فى الأخبار عن الحيوان)

وقد يستبين أن أرسطاطاليس إنما يرى أن النفس تابعة لمزاج الدم الذى من الأم وهو الذى قال: إن البدن يكون منه، من قوله هذا الذى قاله فى المقالة الثانية من كتابه فى أعضاء الحيوان فإنه قال: إن الدم الكثير الغليظ الكثير الحرارة يفعل القوة والجلد أكثر، والدم الأكثر لطاقة الأكثر برودة يفعل الحس والفهم أكثر. والحال فيما يقوم لسائر الحويان مقام الدم كالحال فى الدم. ومن أجل ذلك صارت الزنابير وما أشبهها من الحيوان أكثر فهما بالطبع من كثير من الحيوان ذوات الدم، ومن الحيوان ذات الدم أيضا ما كان منها ذا دم بارد لطيف هو أفهم ممن هو منها على خلاف ذلك، وأفضلها كلها ما كان منها حار الدم ولطيفة وصافيه، لأن هذه أجود فى النجدة وفى الفهم. ومن أجل ذلك صارت هذه الفضيلة تتبين فى الأعضاء الفوقانية دون السفلانية واليمانية دون الشمالية والذكور دون الإناث. فقد بان من هذا القول أن أرسطاطاليس يرى أن قوى النفس تابعة لطبيعة الدم، وقد بين هذا الرأى أيضا فيما بعد هذا الكلام من هذه المقالة بيانا ليس بدون ما تقدم، فقال: وأما الشظايا فمن الدم ما هى موجودة فيه ومنه ما ليست موجودة فيه مثل دم الأيايل والظباء. ولذلك ليس يجمد مثل هذا الدم، لأن الدم المائى أكثر برودة، ومن أجل ذلك لا ينعقد. وأما الدم الأرضى فينعقد إذا لهبت رطوبته وتبخرت والشظايا التى تكون فى الدم هى أرضية. وقد يعرض أن يكون كثير مما أشبه هذا الحيوان أبعد وأعمق آراء، وليس ذلك لبرودة الدم بل للطاقته وصفائه، فإن الدم الأرضى ليس فيه واحدة من هاتين الخصلتين. والحيوان الذى رطوبته ألطف وأصفى هو أسرع حسا. ومن ذلك قد نجد بعض الحيوان العديم الدم له نفس أكثر فهما من بعض الحيوان ذوات الدم كما قلنا آنفا مثل الزنابير والنمل وما أشبه ذلك. وأما الكثير المائية فهو أجبن، وذلك لأن الأفزاع برد، ومن أجل ذلك قد يجب أن ما كان من الحيوان مزاج قلبه على هذه الصفة فهو معد مهيأ لهذا الاألم، لأن الماء فى طبيعته معد لأن يجمد بالبرودة. ولذلك صار الحيوان العديم الدم فى جملة القول أكثر فزعا من الحيوان ذوات الدم، إذا فزعت فبعضها يبطل حركته وربما انبعث من بعضها فضول وربما تغيرت ألوانها. وأما ما كان دمه من الحيوان كثير الشظايا غليظا، فهى فى طبائعها أكثر أرضية وفى أخلاقها ذوات غضب مخرج لها إلى الطيش والعجز فيه، وذلك لأن الغضب يحدث حرارة. والأشياء التى هى أكثر صلابة إذا سخنت أسخنت أكثر من الأشياء الرطبة، والشظايا صلبة أرضية، فتقوم من أجل ذلك فى البدن مقام التكميد وتحدث فى وقت الغضب غليان. ولذلك صارت الثيران والخنازير البرية ذوات غضب وطيش، لأن دم هذه فيه من الشظايا أكثر، ودم الثيران أكثر من جميع الدماء سرعة فى الجمود. فإن أخذت الشظايا من الدم لم يجمد، وكما أنه لو أخذ إنسان من الطين ما فيه من الأرضية لم يجمد الماء كذلك الدم أيضا منا، لأن الشظايا من الأرض. فإن لم تؤخذ منه الشظايا جمد كما تجمد الارض الرطبة من البرد وذلك لانه اذا انعصر الحار بالبرد تهبل معه الرطب كما قلنا آنفا وجمد، لا لأنه يجف بالحرارة بل لأنه يجف بالبرودة، وهو فى البدن رطب لمكان الحرارة التى فى الحيوان. فلما قدم أرسطاطاليس هذا الكلام أتبعه بأن قال إن: طبيعة الدم التى هى فى الحيوان سبب أشياء كثيرة فى الأخلاق وفى الحس، وبحق كان ذلك، لأنه هو مادة البدن كله، وذلك لأن الغذاء هو مادة والدم هو الغذاء الأخير، ومن أجل ذلك قد يفعل أصنافا كثيرة إذا كان حارا أو باردا أو لطيفا أو غليظا أو صافيا أو كدرا.

وقد رايت أنه وإن كان لأرسطاطاليس كلام كثير غير هذا فى هذا المعنى فى كتابه على الحيوان وفى كتابه فى المسائل، فإن اقتصاصى لجميع كلامه من الفضل، لأنه قد يكتفى بواحدة من هذه الشهادات فى الدلالة على رأى أرسطاطاليس فى أمزجة البدن وقوى النفس، إلا أنى زائد كلامه فى المقالة الاولى من كتابه فى الأخبار عن الحيوان الذى فى الدلائل الفراسية. فإن بعض ما [ما] ذكر هناك مرتفع إلى المزاج بلا واسط وبعضه بتوسط الدلائل الفراسية، ولا سيما على رأى أرسطاطاليس، وذلك لأن أرسطاطاليس يرى أن خلقة جميع البدن فى كل واحد من أجناس الحيوان تهيأ وتعد ملائمة لأخلاق النفس وقواها. ومثال ذلك أن [كان] كون الحيوان ذوات الدم من الدم الذى من الأم، وأخلاق النفس تابعة لمزاج هذا الدم كما نبه فى كلامه الذى قدمت وصفه. وخلقة الأعضاء الآليه تعد وتهيأ ملائمة لأخلاق النفس على رأى أرسطاطاليس ومن أجل ذلك قد يدل دلالات كثيرة على أخلاق النفس ومزاج البدن. وبعض الدلائل الفراسية تدل على الأمزاج بلا شىء واسط، وهى الدلائل الكائنة من اللون ومن الشعر ومن الصوت ومن أفعال الأعضاء.

فننصت الآن لقول أرسطاطاليس فى المقالة الأولى من الأخبار عن الحيوان، قال: وأما من الوجه فالجزء الذى أسفل من مقدم الرأس فيما بينه وبين العين يسمى الجبهة. ومن كان هذا الجزء منه كبيرا كان أبطأ حركة، ومن صغر هذا منه كان أسرع حركة، ومن كان فيه عريضا كان طياشا، ومن كان فيه مستديرا كان غضوبا. فهذا واحد من أقويله، وله قول آخر قاله بعد هذا بقليل على هذا النحو قال: أسفل من الجبهة الحاجبان. فإن كانا مستويين فإنهما يدلان على سخنة رخوة، وإن كانا مائيلين إلى ناحية الأنف فإنهما يدلان على خلق كيس، وإن كانا مائلين إلى ناحية الأصداغ فإنهما يدلان على خلق أحمق هزلى. ومن بعد هذا الكلام بقليل قال: وأما الجزء الذى يتصل عنده الجفن الأعلى والجفن الأسفل فهو مأق العين، ومن المآقى اثنان عند الأنف واثنان مما يلى الأصداغ. وإذا كانت المآقى مستطيلة فإنهما يدلان على خلق ردىء، وإن كانا اللذان يليان الأنف لحما كالذى للإقطانس فإنهما يدلان على الشرارة. ومن بعد ذلك أيضا قال: وأما العينان فإن بياضهما وأكثر ذلك متشابهة فى الناس، وأما المسمى سوادا فيختلف، وذلك أنه فى بعض الناس أسود خالص وفى بعضهم شديد الزرقة وفى بعضهم أشهل، وهذا خاصة يدل على خلق فاضل جدا. ومن بعد ذلك يضع هذا القول: والعينان منها كبار ومنها صغار وأفضلها كلها المتوسطة. ومنها ناتئه إلى خارج جاحظة جدا ومنها غائرة إلى داخل ومنها واسطة بين ذلك، والغائرة منها تدل على حدة بصر فى جميع الحيوان، وأما المتوسطة فتدل على خلق فاضل، و〈منها〉 المحدقة [القلية] النظر ومنها القليلة التحديق ومنها المتوسطة وهى تدل على خلق فاضل جدا، وأما من القسمين الباقيين فالحدقة تدل على قحة والقليلة التحديق على 〈عدم〉 ثبات. ومن بعد هذا بقليل لما أخذ فى ذكر الأذنين تكلم فى عظمهما بهذا الكلام، قال: بعضها كبار وبعضها صغار وبعضها متوسطة، وبعضها كبيرة النتوء وبعضها ليس لها نتوء بتة وبعضها متوسطة فى ذلك، فالمتوسطة منها فى الوجهين تدل على خلق فاضل، وما كان منها كبيرا وناتئا فإنه يدل على عى فى المنطق وهذيان. فهذا ما وضع أرسطاطاليس فى كتابه فى القصص عن الحيوان. وقد ذكر فى كتبه الأخر مرارا كثيرة آراء فراسية، لو لا أننى أفنى الزمان باطلا وأن يظن بى أنى مطيل الكلام لأبنت الشهادات من ذلك الكلام. وأنا قادر أن أستشهد من كان متقدما لجميع الأطباء والفلاسفة فى استنباط علم ذلك، أعنى بقراط.