Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Quod Animi Mores Corporis Temperamenta Sequantur (The Faculties of the Soul follow the Mixtures of the Body)

(الباب الحادى عشر فى تضمنات موضوع المقالة بالنسبة إلى الاخلاق)

فهذا القول إذاً ليس يدفع ولا يعطل الفوائد الفاضلة التى تستفاد بالفلسفة بل يشرحها ويعلم ما هو مجهول منها عند كثير من الفلاسفة، وذلك لأن الذين ظنوا أن جميع الناس قابلون للفضيلة، وقولهم مساو لقول من قال: إنه ليس يولد الإنسان شريرا فى طبيعته، والذين ظنوا أنه ليس أحد يختار العدل لنفس العدل، إنما يظن كل واحد منهم فى الطبيعة الإنسية على النصف، وذلك لأنه ليس جميع الناس بمبغضين للعدل بطبيعتهم ولا كلهم محبين، لأن الفريقين إنما هما كذلك من قبل أمزاج الأبدان، إلا أنهم يقولون: فكيف إذاً نحمد أو نذم أو نحب أو نبغض الإنسان بالعدل، وهو لا يكون خيرا ولا شريرا من قبل نفسه بل من قبل المزاج الذى إنما اكتسبه من أسباب أخر؟ فنقول: إن لنا أجمعين فى الطبيعة أن نألف الخير ونقبله ونحبه ونهرب من الشر وندفعه ونبغضه، من غير أن نتقدم فنقيس هل ذلك بالطبع أم بغير الطبع أم فعله فيه غيره، وذلك أنا قد نبغض العقارب والرتيلاء والافاعى ونقتلها وان كانت من طبيعتها صنعت كذلك وليس هى صيرت أنفسها. والإله الأول العظيم يقول افلاطن انه غير منوع ولا مكون ويسميه خيرا جوادا ونحن جميعا نحبه حبا طبيعيا، وإن كان كذلك منذ الدهر وليس هو جعل نفسه كذلك، لأنه ليس بمكون ولا مصنوع بل لم يزل كذلك. فبالحق إذاً نبغض الناس الأشرار من غير أن نتفكر فى السبب الذى أصارهم الى ذلك ويحل الأحرار منا بخلاف ذلك المحل، فنقبلهم ونحبهم، وإن كانوا صاروا كذلك من الطبع وان كانوا من التاديب والتعليم وان كانوا صاروا بالارادة. وبالق نقتل الذين حالهم فى الشرغير قابلة للعلاج لثلاث علل: واحدة منها لكيما لا يؤذونا إن بقوا أحياء، والثانية ليكما يدخل بهم الفزع على أشباههم بأنهم يعاقبون إن هم جنوا ةمثل جنايتهم، والثاثلة أنهم إذ كانوا من الفساد فى حال شر غير قابل للعلاج، فإن الموت أصلح لهم من البقاء على دوام شرارتهم، فإن من طبائع الانفس ما تبلغ بها الشرارة إلى حد لو أن الموسى أدبتها دع أن أقول سقراطيس أو فيثاغورس لم يمكن فيها الميل إلى الفضيلة.

وأنا أعجب من الرواقيين كيف طنوا أن جميع الناس فى طبيعتهم متهيئون لقبول الفضيلة، إلا أن آراءهم تميل عنها من قبل الذين يعاشرونهم ويحاورونهم. وأدع جميع الأشياء الأخر التى تنقص كلامهم هذا وتبطله، وأسألهم عن هذه الواحدة فى الناس الأشرار الأولين الذين لم يتقدمهم إنسان آخر شرير، من أين وممن اكتسبوا الميل الى الشر؟ فإنه ليس لهم فى ذلك جواب، كما أنهم إذا رأوا أيضا صبيان صغار أشرار جدا لم يمكنهم أن يقولوا من الذى علمهم الشر، ولا سيما إذا نشأ صبيان كثير منشأ واحدا بعينه مع آباء بأعيانهم أو معلمين أو مؤدين بأعيانهم وكانوا متضادى الطبائع. فإنى لا أحسب أنه يكون شىء أكثر مضادة من صبيين، أحدهما ودود سمح والآخر حسود، أو أحدهما رحيم والآخر مسرور بالشر الذى ينال الناس، أو أحدهما جبان عن كل شىء والآخر جرىء على كل شىء، أو أحدهما جاهل جدا والآخر عاقل جدا، أو أحدهما محب للصدق والآخر محب للكذب. وقد نجد الصبيان وإن كانوا نشؤوا مع آباء بأعيانهم أو معلمين أو مؤدبين قد يخالف بعضهم بعضا بهذه الأضداد التى ذكرناها. وليس أحد من الفلاسفة اليوم يتفطن فى مثل هذه الامور، وينبغى فيما أحسب ألا نقول فلاسفة بل نقول مدعين للفلسفة، وذلك لأنهم لو كانوا يتفلسفون على الحقيقة لكان الذى يحفظونه ويجعلون فطنتهم فيه هذا أن يجعلوا أوائل براهينهم من الأشياء الظاهرة للحس. وإن الفلاسفة القدماء خاصة من بين الناس كانوا يستعملون ذلك، وسماهم الناس فى ذلك الزمان حكماء من غير أن يضعوا كتبا ولا علما منطقيا ولا علما طبيعيا ولكنهم ابتدءوا بعلم الفضائل الخليقة من الأشياء الظاهرة للحس، وكانوا يظهرون ذلك بالفعل لا بالكلام. وهؤلاء الفلاسفة لما رأوا الصبيان قد يسوءون فى الابتداء، وإن أدبوا أدبا فاضلا من غير أن يروا شيئا يكون لهم فى ذلك مثالا وقدورة فى الشرارة، قال بعضهم: إن الناس كلهم أشرار بالطبع، وبعضهم قال: إن كلهم إلا القليل أشرار. وذلك لأنه بالحق إنما يوجد صبى غير مذموم فى الندرة، ومن أجل ذلك أولئك 〈الذين〉 لم يروا مثل هذا بنوا على جنيع الناس أنهم أشرار بالطبع. وأولئك الذين رأوا واحد واثنين فى الندرة لم يقولوا: إن الناس كلهم أشرار، ولكن أكثرهم. فإن ترك الإنسان عنه الأهواء التى تدعو إليها للجاجة وحب الغلبة وأحب أن ينظر فى الأمور برأى لا تغلب عليه الأهواء الرديئة مثل الفلاسفة القدماء، فإنه يجد الصبيان المتهيئين للفضائل قليلين جدا، فيذهب عنه بذلك الظن بأنا كلنا ممكن فينا قبول الفضائل، وأن آراءنا إنما تميل إلى الشر من الآباء أو من المعلمين أو المؤدبين، لأن الصبيان لا يلقون قوما آخر غير هؤلاء.

والذين يلقون: إن آراءنا تزيغ من قبل اللذة والأذى، لأن اللذة لها استدعاء واجتلاب إليها والأذى مكروه مهروب منه جهال جدا، لأنا إن كنا كلنا مميلين إلى اللذة واللذة ليست بخير بل هى كما ال أفلاطن مصيدة عظيمة للشر، فنحن بأجمعنا أشرار بالطبع، وإن لم نكن كلنا كذلك ولكن بعضنا، فأولئك هم الأشرار بالطبع. وأيضا إن لم تكن فينا قوة قوية مميلة إلى الفضيلة أكثر من ميلها إلى اللذة أو قوة أقوى من القوة التى نجدها بنا إلى اللذة، فنحن بأجمعنا أشرار بالطبع لأن القوة الفاضلة فينا أضعف والقوة الرديئة أقوى. وإن كانت الفاضلة أقوى، فما الذى صير الناس الأشرار الأولين إلى أن غلبت عليهم القوة الضعيفة؟

فبهذه الأشياء وبخ الراوقيين أعلمهم كلهم فوسيذونيوس الذى يذمونه ويعذلونه سائر الرواقيين بسبب الأشياء التى بها وحدها يتسأهل المدحة الكثيرة، لأن أولئك رضوا واختاروا إيثار آرائهم وهواهم هذا. وأما فوسيذونيوس فإنه اختار ترك هذا الهوى الرواقى على ترك الحق. ومن أجل ذلك فى كتابه على الآلام يرى آراء نضادة لآراء خروسيفوس جدا، وكذلك أيضا فى كلامه فى أصناف الفضائل، ويذم خروسيفوس ويعذلة فى أشياء كثيرة مما تكلم به فى أقواله المنطقية، وأكثر من ذلك أيضا عذلة إياه على أشياء كثيرة مما تكلم فيها فى أقواله فى أصناف الفضيلة. فقد بان إذاً أن فوسيذونيوس أيضا لم يكن يرى أن الشر يدخل على الناس من خارج من غير أن يكون له فى أنفسنا شىء من الأصول الخاصية التى منها مبدأه ونباته ثم يتفرغ بعد ويمنى، بل الأمر على خلاف ذلك. وذلك أن فينا ترد الفضائل والشرور، وليس حاجتنا إلى الهرب من الأشرار كحاجتنا إلى اتباع من يصلح وينمنع من نماء الشرارة، وذلك لأن الأمر ليس على ما يقولون أن الشر كله يدخل أنفسنا من خارج بل أكثر الشر هو للأشرار من أنفسهم، والذى يداخل منه من خارج هو أقل من هذا كثيرا. ومن هؤلاء الأشرار يكتسب الجزء العديم النطق من أجزاء النفس أخلاقا وعادات ردئية والجزء الفكرى آراء وظنونا كاذبة، كما أنا إذا تأدبنا بتأديب قوم أخيار ذوى فضائل اكتسبت النفس الناطقة آراء وظنونا صادقة والنفس العديمة النطق أخلاقا وعادات حسنه جيادا. والذى يتبع المزاج فى الجزء الفكرى من أجزاء النفس سرعة الفهم والجهل والكثرة والقلة فى ذلك، وفى الجزء العديم النطق الحركات المعتدلة والمفرطة وفى هذا أيضا كثرة وقلة. وأما الأمزاج فإنها تابعة للكون الأول والتدابير الجيدة الكيموس والردئية الكيموس، وبعض هذه يمنى بعضا، وذلك أنه يحدث من قبل المزاج الحار حدة الغضب وحدة الغضب أيضا يشتعل ويلهب الحرارة الغريزية، وبخلاف ذلك من كان مزاجه معتدلا، وكان لذلك حركات نفسه معتدلة، قد ينتفع بها فى جودة الكيموس.

فقولنا نحن أيضا موافق للأشياء الظاهرة بالحس، ويشرح ويفسر أسباب ما يصيبنا من الآلام ومن الشراب ومن الأدوية، وأسباب ما نكتسب من التدابير الجيدة والرديئة وأسباب ما ننتفع به من الأعمال والتعاليم ويبين أيضا ليس بدون لك علة الاختلاف الطبيعى من الصبيان. وأما الذين يظنون أن النفس لا تنتفع بمزاج الدبن ولا تضر، فإنه ليس يمكنهم أن يقولو فى اختلاف الصبيان شيئا ولا أن يخبروا بسبب شىء من المنافع والمضار التى تكون لنا من التدابير ومن الأدوية، كما أنه لا يمكنهم أن يخبروا بالعلة فى اختلاف الشعول الذى من أجله كان بعضهم ذا غضب وبعضهم عديم الغضب وبعضهم ذو فهم وبعضهم عديم الفهم. فإن فى الصقالبة رجلا واحدا كان فيلسوفا وهو أناخرسيس، وأما فى أثينية فقد كان كثير من الفلاسفة، وكذلك أيضا فى أبديرى ممن هوعديم الفهم كثير، وأما أثينية فهم قليل.

تم كتاب جالينوس فى أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما.

عورض بالأصل فصح.

والحمد لله وحده وصلواته على رسوله محمد وآله وسلم.