Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Quod Animi Mores Corporis Temperamenta Sequantur (The Faculties of the Soul follow the Mixtures of the Body)

(الباب الثانى فى اختلاف أفعال النفس وآلالمها عند الأطفال مثلا، وفى نسبة أفعال النفس الى قواها، وفى الأفعال الخاصة بأجزاء النفس الثلاثة عند رأى أفلاطن)

ومبدأ جميع القول الذى نريد ذكره هو معرفة اختلاف أفعال النفس وآلامها الظاهرة فى الصبيان الصغار التى منها يتبين قواها وذلك أن منهم من نجده جبانا جدا ومنهم جرىء جدا ومنهم شره ورغيب جدا ومنهم على خلاف ذلك ومنهم ذو قحة ومنهم ذو حياء وأصناف كثيرة شبيهة بهذه نجدها فيهم قد ذكرتها فى موضع آخر.

وأما هاهنا بعد فأكتفى بأن أبين بمثالات أذكرها أن قوى أنواع النفس الثلاثة وأجزائها الثلاثة قد تكون بالطبع فى الصبيان مختلفة. فإنه قد يمكننا أن نتتج من هذا أن طبيعة النفس ليست لكلهم واحدة بعينها، واسم الطبيعة فى هذا الموضع بدل على الشىء الذى يدل عليه اسم الجوهر، لأنه لو لم يكن جوهر أنفسهم مختلفا لكانت أفعالهم كلهم واحدة بأعيانها وكانوا كلهم يألمون آلاما واحدة بأعيانها من أسباب واحدة بأعيانها. فقد وضح أن جوهر أنفس الصبيان مختلف بقدر اختلاف أفعالها والآمها. وإن كان ذلك كذلك فهى مختلافة فى قواها أيضا. وكثير من الفلاسفة قد ارتبكوا فى هذا الموضع، وذلك لأنهم لم يفهموا معنى القوة بالحقيقة، لأنهم فيما أحسب يتوهمون القوى كأنها أشياء حالة من الجواهر، كما نحل نحن فى المنازل، ولا يعلمون أن كل شىء مما يكون فله سبب ما فاعل يفهم على الجهه الإضافة إليه وأن هذا السبب إذا أنزلته شيئا من الاشياء، إلا أنه سبب كان له اسم مفرد، وإذا عملت على أنه سبب من جهه نسبته الى الشىء الكائن منه فهو قوة للشىء الكائن منه. ومن أجل ذلك قد نقول: إن عدد قوى الجوهر كعدد أفعاله.

ومثال ذلك أنا نقول: إن للصبر قوة مسهلة وقوة مقوية للمعدة وقوة ملحمة للجراحات الطريئة التى بدمها وقوة خاتمة للقروح المساوية لسطح الجلد وقوة مجففه لرطوبة الأجفان، وليس الفاعل لكل واحد من هذه الأفعال شيئا سوى الصبر، لأنه هو الفاعل لها، ولأنه يستطيع أن يفعلها قد يقال: إن له من القوى بحسب ما له من الأفعال. وذاك أنا نقول: إن الصبر يمكنه أن يسهل وأن يقوى المعده وأن يلحم الجراحات وأن يختم القروح وأن يجفف العينين الرطبتين، كأنه لا فرق بين قولنا: إن الصبر يمكنه ان يسهل، وقثولنا: إن له قوة مسهلة. وكذلك أيضا قولنا: إنه يمكنه 〈أن〉 يجفف العينين الرطبتين يدل على الشىء الذى يدل عليه قولنا: إن له قوة مجففه للعينين الرطبتين.

وعلى هذا النحو أيضا إذا قلنا: إن النفس الفكرية الساكنة فى الدماغ يمكنها أن تحس بالحواس ويمكنها أن تذكر المحسوسات بذاتها وأن تفهم وتعرف اتفاق الأشياء واختلافها وتفهم الحل والتركيب، لم ندل بذلك على شىء سوى ما يدل عليه إذا نحن عبرنا اللفظ فقلنا: إن النفس الفكرية لها قوى كثية، وهى الحس والفكر والفهم وسائر القوى الباقية، ولأنا ليس نقول: إنه إنما لها أن تحس فقط بقول مطلق بل قد نقول: إنها ترى أنواع ما ترى وتسمع وتذوق وتشم وتلمس، قد نقول أيضا قوة مبصرة وسامعه وشامة وذواقة ولامسة.

وكذلك كان يقول أفلاطن فى القوة الشهوانية التى للنفس، وكانت عادته أن يستعمل هذا الاسم أحيانا على جهة العموم لاعلى جهة الخصوص. وقد كان يقول: إن لهذه النفس شهوات كثيرة، وللنفس الغضبية شهوات كثيرة وأكثر من هاتين أنواع شهوات النفس الثالثة، وهى التى سماها بهذا السبب من جهة الغالب عليها شهوانية، وذلك لأن من عادة الناس أن يسموا أحيانا لبعض الاشياء الغالبة فى جنسها باسم الجنس كله كما اذا قلنا: ان هذا القول من قول الشاعرة وهذا من قول الشاعر، فهمنا أن الشاعر الذى عنى هو أوميرس وأن الشاعرة سافو. وكذلك يسمون السبع الأسد وأشياء كثيرة شبية يسمونها من جهة الغلبة.

فالمسمى على جهة استعمال العموم فى اسم الشهوة: أما للحق والعلم والتعلم واللب والحفظ وفى جملة القول الأشياء الحسنة والجميلة، فهو جزء النفس الذى نسميه بالعادة الجزء الفكرى، وأما للحرية والغلبة والقهر والرياسة والمديح والكرامة، فالجزء الغضبى، وأما للنكاح والتلذذ بكل ما يؤكل أو يشرب، فالجزء الذى سماه أفلاطن من جهة الغالب عليه الشهوانى. وليس يمكن أن تكون لهذه النفس شهوة الأشياء الجميلة الحسنة، ولا للنفس الفكرية شهوة ال نكاح أو الشراب أو الأطعمة ولا شهوة الغلبه والرياسة والمديح والكرامة، وكذلك أيضا ليس يمكن أن يكون للنفس الغضبية شىء من الشهوات النفس الفكرية أو الشهوانية.