Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

〈إسهاب الحد〉

فمن أمثال هذه الأشياء ينبغى أن نبحث إن كان قال قولاً غامضاً.

وإن كان ذكر فى التحديد أكثر مما يجب فينبغى أن ننظر أولاً إن كان استعمل شيئاً يوجد لكلها أو بالجملة للموجودات أو الأشياء التى هى والمحدود تحت نوع خاص، فإنه واجب ضرورةً أن يكون هذا يقال على أكثر مما قال ذاك. وذلك أنه واجب أن يكون الجنس يفصل من الأشياء الأخر، والفصل يفصل من شىء من الأشياء التى تحت جنس واحد. فإن الموجود لجميعها على الإطلاق لا يفصل من شىء فيها، فأما الموجود لجميع التى هى تحت جنس واحد لا يفصل من التى تحت جنس واحد بعينه. فزيادة ما يجرى هذا المجرى إذن باطلة. أو إن كان الذى يزاد خاصا، وإذا رفع كان الباقى خاصاً ويدل على الجوهر — مثال ذلك إن زيد فى حد الإنسان: «قابل للعلم» كان ذلك باطلاً، لأن هذا إذا رفع منه كان القول الباقى خاصا له ويدل على جوهره. وبالجملة أقول: كل ما كان إذا رفع كان الباقى يدل على المحدود ما هو، فهو باطل. وكذلك يجرى أمر تحديد النفس إذا كان عددا يحرك ذاته، وذلك أن الذى يحرك ذاته هو نفس كما حده أفلاطن. إلا أنا نقول إن هذا الذى قيل خاصة وليس يدل على الجوهر إذا رفع العدد. وبأى جهة من هاتين كان الأمر فقد يصعب إيضاحه. وقد ينبغى أن نستعمل فى جميع ما يجرى هذا المجرى بحسب ما يليق به. وأيضاً فإن حد البلغم أنه أول رطوبة تتولد من الغذاء غير منهضمة. وذلك أن قولنا: «أول»، واحد وليس بكثير. فزيادتنا إذن «منهضمة» باطل، لأن هذا إذا رفع كان القول الباقى خاصة، إلا أنا نقول: لا. وذلك أنه يمكن أن يكون هذا وشىء آخر غيره من الغذاء. فليس البلغم إذاً على الإطلاق أول رطوبة من الغذاء، لكن أول مما لم ينهضم، فيجب كذلك أن يزاد فى الحد: «غير منهضمة»، لأنه إذا قيل على جهة العموم لم يكن القول صدقاً، إذ كان ليس هو أول جميعها.

وأيضاً إن كان شىء مما فى القول لا يوجد لجميع الأشياء التى تحت نوع واحد، فإن تحديد مثل هذا قد حد من الذين يستعملون ما يوجد بكل الموجودات. وذلك أنه بتلك الجهة إن كان القول الثانى خاصاً، فإن القول كله يكون خاصاً، لأن الخاصة بالجملة إذا أضيف إليها شىء — أى شىء كان — صادقاً، فإن القول بأسره يكون خاصا. وإن كان شىء مما فى القول ليس يوجد لجميع الأشياء التى تحت نوع واحد، فليس يمكن أن يكون القول بأسره خاصاً، لأنه ليس يرجع بالتكافؤ فى الحمل — مثال ذلك قولنا: حى، مشاء، ذو رجلين، ذو أربع أذرع — فإن هذا القول لا يرجع بالتكافؤ فى الحمل على الأمر، من قبل أنه ليس يوجد ذو أربعة أذرع لجميع الأشياء التى تحت نوع واحد.

وأيضاً إن كان ذكر شيئاً واحداً بعينه مرارا كثيرة — مثال ذلك إذا قال إن الشهوة التوقان إلى اللذيذ، فإن كل شهوة إنما هى للذيذ، فيصير لذلك الشىء الواحد بعينه للشهوة موجوداً للذيذ، فيكون التوقان إذن للذيذ، لأنه لا فرق بين قولنا: «شهوة» وبين قولنا: «توقان للذيذ»، فكل واحد منهما إذن يوجد للذيذ. ونقول إن هذا ليس بالمنكر لأن الإنسان ذو رجلين. فالذى هو واحد بعينه للانسان يصير ذا رجلين؛ وقولنا: حى مشاء ذو رجلين شىء واحد بعينه للانسان، فيصير الحى المشاء ذو الرجلين ذا رجلين. ولكنه ليس يلزم لهذا السبب أمر منكر، لأنا لم نحمل ذا الرجلين على حى مشاء ذى الرجلين، وذلك أن بهذا الوجه يكون ذو الرجلين قد حمل على شىء واحد بعينه مرتين، لكن ذا الرجلين يقال على الحى المشاء ذى الرجلين. فذو الرجلين إذن إنما حمل مرةً واحدةً فقط. وكذلك يجرى الأمر فى الشهوة، لأن قولنا للذيذ لم يحمل على التوقان، وإنما حمل على القول كله، فيصير الحمل فى هذا الموضع أيضاً مرةً واحدة. وليس اللفظ باسم واحد بعينه مرتين من الأشياء المنكرة؛ لكن المنكر هو أن يحمل شىء واحد بعينه على شىء مل مراراً كثيرة، بمنزلة ما عمل كسانوقراطس بالفهم حيث قال إنه محدد للموجودات وعالم بها. وذلك أن المحدد عالم ما. فقد ذكرنا شيئاً واحداً بعينه مرتين بزيادتنا فى القول: «عالم». وكذلك الذين يقولون إن البرد هو عدم الحرارة بالطبع. وذلك أن كل عدم فإنما هولما يوجد بالطبع. فالزيادة فى هذا القول: «ما يوجد فى الطبع» باطل، لأنه قد كان يكتفى بأن يقول: عدم الحرارة، لأن العدم نفسه يدل على أنه لشىء بالطبع يقال.

وأيضا إن كان الشىء قيد كليا فزيد عليه جزئى، بمنزلة ما نقول إن الدعة انتفاض الأشياء الموافقة والواجبة، وذلك أن الواجب موافق ما، فهو إذن محصور فى الموافق، فذكر الواجب ها هنا فضل. وذلك أنه ذكر كلياً ثم أضاف إليه جزئيا. أو إن قال قائل إن الطب العلم بالأمور المصححة للحى، والإنسان، أو قال إن الناموس صورة الأشياء الجميلة بالطبع والعادلة — وذلك أن العدل جميل ما — فقد ذكر قائل هذا القول شيئاً واحداً مراراً كثيرة.