Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

〈المسئلة الجدلية والوضع الجدلى〉

والمسئلة المنطقية هى طلب معنى ينتفع به فى الإيثار للشىء والهرب منه، أو فى الحق والمعرفة — إما هو بنفسه وإما من قبل أنه معين على شىء آخر من أمثال هذه، أو ما يكون الفلاسفة تعتقد أيضا فيه لا كذا ولا كذا، وإما ما يكونون يعتقدون فيه ضد ما يعتقده الجمهور، وإما ما يكون كل واحد من الفريقين يضاد صاحبه فيما يعتقد فيه. وذلك أن بعض المسائل ينتفع بمعرفته فى الإيثار للشىء أو فى الهرب منه — مثال ذلك قولنا: هل اللذة مؤثرة، أم لا. وبعضها ينتفع به فى العلم به فقط، مثل قولنا: هل العالم أزلى، أم لا؟ وبعضها لا ينتفع بها أنفسها فى شىء من هذين المعنيين، بل هى معينة على بعض هذه. وذلك أن كثيراً من الأشياء ليس نريد أن نعلمها هى فى أنفسها، بل إنما نريدها لغيرها، أعنى لنعلم بها أشياء أخر. وهاهنا أيضا مسائل لها قياسات متضادة، وذلك أنه قد يقع فيها شك: هل هى كذا، أم ليس هى كذا؟ من قبل أن فى كلا المعنيين أقاويل مقعنة، والتى ليس لنا أيضا فيها حجة إذ هى عظيمة لظننا بأن قولنا فيها: لم ذلك؟ عسر — مثال ذلك: هل العالم أزلى، أم لا؟ فإن لمطالب أن يطالب بأمثال هذه. فقد حصلت المسائل والمقدمات كما قلنا.

والوضع هو رأى مبدع لبعض المشهورين بالفلسفة — مثال ذلك ما قاله أنطستانس أنه ليس لأحد أن يناقض، وما قاله ايراقليطس من أن كل شىء يتحرك، وما قاله مالسس من أن الكل واحد. وذلك أن من الحزن أن يهتم الإنسان بقول شاذ يحكم بضد الآراء، أو يهتم بالأشياء التى فيها قول مضاد للآراء — مثال ذلك القول بأن ليس كل موجودا إما مكونا وإما أزليا، كما تقول السوفسطائية إن الذى هو موسيقار ويصير نحوياً ليس هو متكونا ولا أزليا. وذلك أن هذا، وإن كان لا يراه أحد، فقد يظن به أنه شىء لأن فيه قولاً.

فالوضع أيضا مسئلة، وليس كل مسئلة وضعا، لأن بعض المسائل يجرى مجرى ما لا يعتقد فيها أن الأمر كذا أو كذا، والأمر فى أن الوضع مسألة ما، بين، وذلك أنه واجب ضرورة مما قلنا إما أن يتشكك الجمهور فى الوضع على الفلاسفة، وإما أن يتشك أحد الفريقين: أيهما كان، على أنفسهم، من قبل أن الوضع رأى ما مبدع.

وتكاد أن تكون المسائل الجدلية فى هذا الموضع تسمى أوضاعا؛ وليس فى ذلك خلاف كيفما قيل، لأنا لسنا نريد بقسمتها أن نخترع لها اسما، لكن الذى نريد 〈هو〉 ألا يذهب علينا فصولها أيما هى.

وليس ينبغى لنا أن نبحث عن كل مسئلة، ولا عن كل وضع؛ لكن يجب أن يكون بحثنا عما شك فيه شاك مما يحتاج فيه إلى قول، لا إلى عقوبة أو حس. وذلك أن الذين يشكون فيقولون: هل ينبغى أن يعبد الله، أم لا؟ وأن يجب أن يكرم الوالدان أم لا؟ يحتاجون إلى عقوبة. والذين يشكون فيقولون: هل الثلج أبيض، أم لا؟ — يحتاجون إلى حس. ولا يجب أن يتشكك أيضا فيما كان البرهان عليه قريبا جدا، ولا فيما كان البرهان عليه بعيدا جدا، فإن ذاك ليس فيه شك، وهذا أبعد كثيرا من أن يكون مقدمة يرتاض بها.