Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

〈غموض الحد〉

فأحد مواضع ما يوصف وصفاً غامضاً أن يكون الشىء الموصوف من المتفقة أسماؤها. مثال ذلك أن الكون هو المصير إلى الجوهر، وأن الصحة اعتدال الأشياء الحارة والباردة. وذلك ان المصير والاعتدال من المتفقة أسماؤها. فليس يتبين أيما يريد أن يقول من المعنى التى يدل عليها ما يقال على أنحاء كثيرة. وكذلك إن كان المحدود أيضاً يقال على جهات كثيرة فذكره قبل أن يفصل جهاته، لأنه لا يبين حد أيما منها وفى. وقد يمكن أن يعدل على أن القول لن يطابق جميع الأشياء التى وفى حدها. ويمكن أن يفعل مثل هذا خاصة إذا لم يشعر باتفاق الاسم. وقد يمكن أيضا إذا لخص ما يقال فى الحد على كم جهة يقال أن يعمل قياساً: وذلك أنه إن كان لم يقل على شىء من هذه الجهات قولاً كافياً، فمن البين أنه لم يحد على ما ينبغى.

وموضع آخر وهو إن كان قال الشىء على جهة الاستعارة — مثال ذلك إن كان سمى العلم الذى لا ينتقل، أو سمى الهيولى خاصة أو سمى العفة اتفاقا: وذلك أن كل ما يقال على جهة الاستعارة فإنه غامض غير بين. وقد يمكن أن يقول من قال الشىء على جهة الاستعارة على أنه قاله على الحقيقة، فإن الحد الموصوف لا يطابقه كالحال فى العفة؛ وذلك أن كل اتفاق إنما يكون فى النغم. وإيضا إن كان الاتفاق جنساً للعفة لكان شىء واحد بعينه يكون فى جنسين لا يحوى أحدهما الآخر، وذلك أنه لا الاتفاق يحوى الفضيلة، ولا الفضيلة تحوى الاتفاق.

وأيضاً إن كان يستعمل أسماءً غير موضوعة كما فعل أفلاطن عند تسميته «العين»: «المظللة بالحاجب»، ويسمى «الرتيلاء»: «متعفنة اللسعة»، وتسميته «المخ»: «المتولد فى العظام». وذلك أن كل ما لم تجر فيه العادة فهو غير بين.

وبعض الأسماء لا تقال باتفاق الاسم ولا بالعبارة — مثال ذلك القول بأن الناموس مقدار ومثال الأشياء العادلة بالطبع. وما جرى هذا المجرى شر من الاستعارة، وذلك أن الاستعارة قد تجعل المعنى معلوما بضرب من الضروب لمكان التشابه، إذ كان كل من يستعمل الاستعارة فإنما يستعملها لمكان تشابه ما؛ فأما ما جرى هذا المجرى فليس يجعل الشىء معلوماً. وذلك أنه ليس يوجد التشابه الذى به الناموس قدر ومثال، ولا جرت العادة بأن يقال. فلذلك متى قال إن الناموس بالحقيقة قدر ومثال، أن يكون قد كذب. وذلك أن المثال هو الذى كونه بتشبيه، وهذا شىء ليس هو موجوداً للناموس. ومتى قال إنه كذلك ليس على الحقيقة، فمن البين أنه قال ذلك قولا غامضا وأردأ من أى شىء كان مما يقال على جهة الاستعارة.

وأيضاً إن لم يكن حد الضد بيناً أصلاً من الذى قد وصف. وذلك أن التى توصف على ما يجب قد تدل — مع ما تدل عليه — على أضدادها، أو إن كان الموصوف فى نفسه لا يبين من أمره تحديد لأى شىء هو، لكن بمنزلة أحوال الصور العتيقة إن لم يرسم أحد عليها دلالتها لم يعلم ما كل واحد منها.