Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الأولى من كتاب طوپيقا، نقل أبى عثمان الدمشقى 〈الجدل وموضوعه — الحجج〉

〈غرض هذا البحث〉

قال:

إن قصدنا فى هذا الكتاب أن نستنبط طريقا يتهيأ لنا به أن نعمل من مقدمات ذائعة قياسا فى كل مسئلة تقصد، وأن نكون — إذا أجبنا جوابا — لم نأت فيه بشىء مضاد. فينبغى أن نقول أولا ما هو القياس، وما هى أصنافه حتى يحصل لنا القياس الجدلى إذ كنا هذا القياس نلتمس فى هذا الكتاب. فنقول:

إن القياس قول إذا وضعت فيه أشياء لزم من تلك الأشياء الموضوعة شىء آخر غيرها من الاضطرار — فالبرهان هو القياس الذى يكون من مقدمات صادقة أولية، أو من مقدمات يكون مبدأ المعرفة بها قد حصل من مقدمات ما أولية صادقة.

والقياس الجدلى هو الذى ينتج من مقدمات ذائعة.

والمقدمات الصادقة الأولى هى التى تصدق بذاتها، لا بغيرها؛ وذلك أنه ليس ينبغى لنا أن نلتمس فى مبادئ العلوم اليقينية «لم الشىء»، لكن ينبغى أن يكون كل واحد من مبادئ العلوم اليقينية صادقاً بنفسه. والمقدمات الذائعة هى التى يظنها جميع الناس أو أكثرهم أو جماعة الفلاسفة أو أكثرهم أو المشهورون منهم والذين فى غاية النباهة.

والقياس الممارى هو الذى يكون من مقدمات ذائعة فى الظاهر، وليست ذائعةً على الحقيقة؛ أو الذى يكون فى الظاهر من مقدمات ذائعة أو من ذائعة فى الظاهر، لأنه ليس كل ما كان ذائعا فى الظاهر فهو أيضا ذائعاً. وذلك أنه ليس شىء من الأشياء التى يقال فيها إنها ذائعة يكون تصوره فى جميع حالاته مموهاً كما يعرض فى مبادئ أقاويل الممارين، لأن طبيعة الكذب تتبين فيها على المكان فى أكثر الأمر لمن معه أدنى فطنة، فضلا عن غيره. فالأول من القياسين المماريين اللذين وصفنا ينبغى أن يسمى قياسا. وأما الثانى فينبغى أن يسمى مماريا، فأما 〈أن يسمى〉 قياسا، فلا؛ لأنه فى الظاهر قياس، إلا أنه ليس ينتج.

وها هنا أيضا غير هذه القياسات المذكورة كلها، وهى المغالطات التى تكون من الأشياء التى تخص بعض العلوم، بمنزلة ما يعرض فى الهندسة وما جانسها من العلوم. فإنه قد يشبه أن يكون هذا الصنف يخالف القياسات التى وصفنا، لأن الذى يرسم شكلا باطلا ليس يعمل قياسا من مقدمات صادقة أولية، ولا من مقدمات ذائعة: إذ كان ليس يدخل فى الحد، وذلك أنه ليس يقتضب ما يظنه جميع الناس ولا ما يراه أكثرهم، ولا ما يظنه الفلاسفة أو أكثرهم أو المشهورون جداً منهم، لكنه يعمل القياس من المقدمات التى تخص الصناعة، إلا أنها ليست صادقة. لأنه إذا رسم أنصاف الدوائر على غير ما ينبغى، أو أخرج بعض الخطوط على غير طريق إخراجها، استعمل المغالطة.

فلينزل أن أنواع القياسات، إذا حصلناها على طريق الرسم، هى هذه التى وصفنا. وبالجملة، نقول إن هذا مبلغ ما نريد تحصيله فى جميع ما وصفنا وما سنصفه من بعد، لأنه ليس قصدنا فى شىء منها استيفاء القول المستقصى. ولكن الذى نريد أن نصفه من أمرها على طريق الرسم لما رأينا فيه من الغناء والكفاية فى هذا الطريق الذى نحونا نحوه، وهو أن يكون يتهيأ لنا أن نتعرف كل واحد منها كيفما كان.