Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

〈البحث عن الألفاظ المشتركة〉

فما وصفناه كاف فى أمر المقدمات. وينبغى أن نبحث عما يقال على أنحاء كثيرة. وليس يجب أن نلتمس وصف الأشياء التى تقال على جهات مختلفة فقط، بل يجب أن نصف أيضا أقاويلها — مثال ذلك أن العدل والشجاعة ليس إنما يقال فيهما إنهما خير بخلاف الجهة التى يقال بها إن المصح والمخصب خير فقط، لكن وبأن تلك كيفيات ما، وهذه فاعلات شىء ما، لا أنها كيفيات ما. وكذلك يجرى الأمر فى سائر الأخر.

وينبغى أن ننظر لهذه الأشياء: هل الشىء يقال على أنحاء كثيرة بالنوع أم على نحو واحد؟ فنبحث أولا عن الضد، إن كان يقال على أنحاء كثيرة كان مختلفا فى النوع أو فى الاسم. وذلك أن بعض الأشياء تكون مختلفة بالأسماء من أول أمرها، بمنزلة «الحاد» فإن ضده فى الصوت «الثقيل»، وفى العظم الكال. فمن البين أن ضد الحاد يقال على أنحاء كثيرة. وإذا كان هذا يقال على أنحاء كثيرة، فالحاد أيضا يقال كذلك، لأن فى كل واحد منهما يوجد الضد. وذلك أنه لا يوجد المضاد للثقيل والكال واحداً بعينه. والمضاد لكل واحد منهما هو الحاد. وأيضا ضد الثقيل فى الصوت الحاد، وفى العظم الخفيف؛ فالثقيل إذاً يقال على أنحاء كثيرة، لأن ضده يقال على أنحاء كثيرة. وكذلك النظيف، فإن ضده فى الحى السمج، وفى الثوب الوسخ: فالنظيف إذاً اسم مشترك. وفى بعض الأشياء المشتركة لا تختلف الأسماء أصلا، لكن الاختلاف فيها بين لا محالة بالنوع، كالحال فى الأبيض والأسود فإنه قد يقال صوت أبيض وصوت أسود، وكذلك لون أبيض ولون أسود؛ فليس بينهما اختلاف فى الأسماء. فأما بالنوع فاختلافهما بين جدا؛ وذلك أن الأبيض ليس يقال فى الصوت وفى اللون على مثال واحد؛ وذلك بين من الحس، لأن الحس بالأشياء التى هى واحدة بعينها فى النوع واحد بعينه. والأبيض الذى يقال على الصوت وعلى اللون ليس يحكم عليه بحاسة واحدة، لكن أحدهما يحكم عليه بحاسة البصر والآخر بالسمع. وكذلك الحاد الذى يقال فى الطعوم والذى يقال فى الأعظام: أحدهما يحكم عليه باللمس والآخر بالذوق. وذلك أن هذين ليس يختلفان بالأسماء، لا فى أنفسهما ولا فى أضدادها، لأن كل واحد منهما هو الكال.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان لأحد المعنيين ضد ما، والآخر ليس له ضد من الأضداد على الإطلاق — مثال ذلك أن اللذة التى تكون من قبل الشرب ضدها الأذى الذى يكون من قبل العطش، واللذة التى تكون من قبل العلم بأن القطر مبابن للضلع ليس لها ضد. فاللذة إذاً مما يقال على أنحاء كثيرة. والمحبة التى تكون بالفكر ضدها البغضة. فأما المحبة التى تكون فى فعل الجسم فلا ضد لها؛ فمن البين أن المحبة اسم مشترك.

وأيضا ينبغى أن ننظر فى المتضادات التى بينها وسط، إذا كان صنف منها يوجد فيه وسيط، والصنف الآخر: إما ألا يوجد فيه وسيط، أو إن كان يوجد فى الصنفين وسيط إلا أنه ليس هو واحداً بعينه، بمنزلة الأبيض والأسود: فإن فميا بينهما فى الألوان وسيطاً هو الأدكن، وليس بينهما فى الصوت وسيط، اللهم إلا أن يكون فيما بينهما المتخلخل كما يزعم قوم أن الصوت المتخلخل وسط بين الأبيض والأسود. فالأبيض إذاً اسم مشترك؛ وكذلك الأسود.

وأيضا ينبغى أن ننظر إذا كان صنف منها فيه وسائط كثيرة، وصنف آخر فيه وسيط واحد، كالحال فى الأسود والأبيض. فإن الوسائط بينهما فى الألوان كثيرة، وفى الصوت واحد وهو المتخلخل.

وأيضا ينبغى أن نبحث عما يتقابل على طريق التناقض: هل يقال على أنحاء كثيرة. وذلك أن هذا إن كان يقال على أنحاء كثيرة، فإن المقابل له قد يقال أيضا على أنحاء كثيرة، مثال ذلك: الذى لا يبصر؛ فإنه يقال على أنحاء كثيرة: أحدهما على الذى ليس له بصر، والآخر على الذى لا يستعمل البصر. وإذا كان هذا يقال على أنحاء كثيرة، فواجب ضرورةً أن يكون الذى يبصر يقال على أنحاء كثيرة. وذلك أن كل واحد من صنفى قولنا: «لا يبصر» يقابله شىء ما، أعنى أن الذى ليس له بصر يقابله الذى له بصر، والذى لا يستعمل البصر يقابله المستعمل للبصر.

وأيضا ينبغى أن نبحث عن التى تقال على طريق العدم والملكة: فإن أحدهما إن كان يقال على أنحاء كثيرة، فإن الآخر يقال كذلك: مثاله أن الإحساس إن كان يقال على أنحاء كثيرة فى النفس والبدن، فإن عدم الإحساس يقال على أنحاء كثيرة فى النفس والبدن. والأمر فى أن الأشياء التى ذكرناها فى هذا الموضع تتقابل على جهة العدم والملكة بين، لأن من شأن الحيوان أن يكون له كل واحد من الحسين، أعنى حس النفس وحس البدن.

وأيضا ينبغى أن نبحث عن التصاريف. وذلك أنه إن كان العدل يقال على أنحاء كثيرة، فالعدالة تقال على أنحاء كثيرة. وذلك أن فى كل واحدة من الجهتين اللتين يقال فيهما العدل قد توجد عدالة ما — مثال ذلك أنه قد يقال للذى يحكم بحسب رأيه وللذى يحكم بما يجب، إنهما قد حكما حكماً بالعدل؛ وعلى ذلك المثال يجرى الأمر فى العدالة. وكذلك أيضا إن كان المصح يقال على أنحاء كثيرة، فإن الصحيح أيضا يقال على أنحاء كثيرة — مثال ذلك أن الذى يفعل الصحة يقال له مصح، وكذلك الذى يحفظ الصحة والذى يدل عليها. والصحيح أيضا قد يقال على الذى يفعل ويحفظ ويدل 〈على الصحة〉. وعلى هذا المثال يجرى الأمر فى سائر الأخر، أعنى أنه إذا كان شىء يقال على أنحاء كثيرة، فإن التصريف الذى يؤخذ منه يقال أيضا على أنحاء كثيرة. وإن كان التصريف يقال على أنحاء كثيرة، فإنه هو أيضا يقال على أنحاء كثيرة.

وينبغى أن نبحث عن أجناس الحمل الذى بحسب الاسم: هل هى واحدة بعينها فى الجميع؟ وذلك أنها إن لم تكن واحدة بعينها، فمن البين أن الموصوف اسم مشترك — مثال ذلك المحمود، فإنه فى الأطعمة ما يحدث اللذة، وفى الطب ما يحدث الصحة، وفى النفس ما تكون به بحال ما، أعنى عفيفة أو شجاعة أو عادلة. وكذلك فى الإنسان أيضا. ويقال فى الشىء إنه محمود فى بعض الأوقات، مثل الكائن فى وقته. وذلك أنه قد يقال محمود للكائن فى وقته؛ ويقال مراراً كثيرة على الكم كما يقال على المعتدل، فإنه قد يقال للمعتدل أيضا محمود. فالمحمود إذاً اسم مشترك. وكذلك الأبيض؛ فإنه فى الجسم اللون، وفى الصوت الحس المسموع؛ وكذلك الحاد، إذ ليس يقال واحدا بعينه على جميع الأشياء — مثال ذلك قولنا: صوت حاد، للسريع، كما يقول أصحاب التأليف فى الأعداد؛ وقولنا الزاوية الحادة، للتى هى أصغر من قائمة؛ وقولنا: سكين حاد، للحادة الزاوية.

وينبغى أن نبحث عن أخبار الأشياء التى تحت اسم واحد بعينه: هل هى مختلفة وليس بعضها مرتبا تحت بعض، كقولنا للآلة حمار وللحيوان حمار. وذلك أن الحد الذى بحسب اسمها مختلف، لأن الحيوان يقال بحال ما، والآلة تقال بحال أخرى. وإن كانت الأجناس بعضها تحت بعض فليس يلزم ضرورة أن تكون الأقاويل مختلفة — مثال ذلك الغراب: فإن الحى وذا الريش جنس له. فإذا نحن قلنا فى الغراب إنه ذو ريش وحى، فقد قلنا إنه بحال ما. فالجنسان إذا كلاهما محمول عليه. وكذلك إذا قلنا فى الغراب إنه حى طائر ذو رجلين، فقد قلنا إنه ذو ريش. وبهذا الوجه يحمل الجنسان كلاهما وقولاهما على الغراب.

فأما الأجناس التى لا يقال بعضها تحت بعض فليس يلزم فيها ذلك. وذلك أنا ليس إذا قلنا آلة فقد قلنا حى، ولا إذا قلنا حى فقد قلنا آلة. وينبغى أن تعلم أنه ليس إنما يقال أجناس مختلفة ليس بعضها تحت بعض فى الموضوع فقط، بل قد يقال أيضا فى الضد. وذلك أنه إن كان الضد يقال على أنحاء كثيرة، فمن البين أن الموضوع أيضا يقال على أنحاء كثيرة.

وقد ينتفع أيضا بالنظر فى الحد الذى يكون عن المركب، مثل الجسم الأبيض والصوت الأبيض. وذلك أن خاصة كل واحد منهما إذا رفعت، فينبغى أن يبقى القول واحدا بعينه. وهذا أمر ليس يلزم فى المتفقة أسماؤها كالحال فى اللذين وصفناهما الأن، وذلك أن أحدهما يصير جسماً له لون بحال كذا، والآخر صوت حسن المسموع. فإذا ارتفع منهما الجسم والصوت لم يكن الباقى منهما شيئا واحدا بعينه، وقد كان يجب أن يكون كذلك لو كان الأبيض الذى قيل فى كليهما اسماً متواطئا.

وقد يخفى علينا فهم الاتفاق فى الاسم فى الأقاويل نفسها أيضا مرارا كثيرة. ولذلك أيضا ينبغى أن نبحث عن الأقاويل، مثال ذلك إن قال قائل إن الدال على الصحة والفاعل للصحة هو الذى حاله عند الصحة حال اعتدال، لم يجب أن يدفع، لكن يجب أن يبحث عن قوله حال اعتدال ما هو فى كل واحد منهما فنقول: إن هذا هو ما كان بمقدار كذا حتى تحدث الصحة، وهذا ما كان بحال كذا حتى يدل على سجية ما.

وأيضا ينبغى أن ننظر ألا تكون متفقة فى الشبه أو فى الأكثر، بمنزلة قولنا: صوت أبيض وثوب أبيض، وطعم حاد وصوت حاد؛ فإن هذه ليست تقال بيضاً وحادة على مثال واحد فى الشبه؛ ولا أن أحدهما أكثر من الآخر. فالأبيض إذاً والحاد من المتفقة فى الأسماء. وذلك أن المتواطئة كلها متفقة، إذ كانت تقال إما أحدهما أكثر من الآخر، وأما أنهما على مثال واحد فى الشبه. — ولأن الأجناس المختلفة التى ليس بعضها تحت بعض ففصولها أيضا مختلفة بالنوع بمنزلة الحى والعلم (فإن فصولهما مختلفة)، فينبغى أن ننظر هل الأشياء التى تحت اسم واحد بعينه فصول لأجناس مختلفة ليس بعضها تحت بعض — مثال ذلك أن الحاد للصوت وللحجم: فإن صوتا يخالف صوتا بأنه حاد، وكذلك حجم يخالف حجما. فالحاد إذاً اسم مشترك، وذلك أنهما فصلان لأجناس مختلفة ليس بعضها تحت بعض.

وأيضا ينبغى أن ننظر هل فصول الأشياء، التى هى بعينها تحت اسم واحد بعينه، مختلفة — بمنزلة اللون الذى فى الأغانى. فإن الذى فى الأجسام فصوله الذى يجمع البصر ويفرقه، والذى فى الأغانى ليس فصوله هذه بعينها. فاللون إذاً من المتفقة فى الاسم، لأن الأشياء التى هى واحدة بعينها فصولها واحدة بعينها.

وأيضا لأن النوع ليس هو لشىء من الأشياء فصلا. فينبغى أن ننظر فى الشيئين اللذين تحت اسم واحد: هل أحدهما نوع والآخر فصل — مثال ذلك «الأبيض»، فإن الذى فى الصوت فصل. وذلك أن صوتا يخالف صوتا بأنه أبيض.

فينبغى أن يكون بحثنا عما يقال على أنحاء كثيرة فى هذه الأشياء وأمثالها.