Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الثالثة منه 〈تلاوة مواضع العرض〉

〈مواضع〉

قال:

ينبغى أن ننظر من هذه الأشياء أى الأمور آثر أو أفضل، 〈سواء〉 كانت الأمور اثنين أو أكثر من ذلك. ويجب أولا أن نعلم أنا لسنا نجعل البحث فى الأشياء الكثيرة التباعد التى لبعضها من بعض فرق عظيم، لأنه ليس أحد يشك فيقول أى الأمرين آثر: السعادة أم الغنى؟ لكن فى الأشياء المتقاربة التى يلحقنا فيها الشك دائما فى أيما منها ينبغى أن نضيف الأكبر، من قبل أنا لا نرى للواحد على الآخر شيئاً من الفصل. فمن البين فى أمثال هذه أنه إذا تبين فضل واحد أو أكثر أذعن الفكر بأن الذى يوجد فيه الفضل هو الآثر.

فأول ذلك أن ما هو أطول زمانا وأكثر ثباتا آثر مما هو دونه فى هذه الحال. وما يفضله عند الاختيار الرجل الأديب والصالح أو الشريعة الصحيحة، أو الذى يختاره فى واحد واحد من الأشياء ذوو الفضل بما هم كذلك أو العلماء من واحد من أجناس العلم أو ما يختاره الأكثر أو الكل بمنزلة ما يختاره فى صناعة الطب والنجارة أكثر المتطببين والنجارين أو كلهم؛ أو ما يختاره بالجملة أكثر الناس، أو كلهم، وما تختاره جميع الأشياء — بمنزلة الحيوان —، فإن جميع الأشياء تشتاق الخير.

وينبغى أن يكون ما نحن مزمعون أن نصفه يسوق إلى شىء نافع — أى شىء كان. والأفضل والاآثر على الإطلاق هو ما كان بحسب العلم الأفضل؛ والذى هو كذلك عند واحد هو ما كان بحسب العلم الذى يخصه؛ وبعد ذلك الشىء الذى هو المشار إليه أفضل من الذى ليس هو فى جنسه مثل أن العدالة أفضل من العادل، وذلك أن تلك فى جنس الخير، وهذا لا، وتلك بالذات خير، وهذا لا. وذلك أنه ليس يقال فى شىء من الأشياء إن الجنس ذات له، متى لم يكن موجوداً فى الجنس — مثال ذلك أن الإنسان الأبيض ليس اللون ذاتا له، وكذلك فى الأشياء الأخر. والمأثور من أجل نفسه آثر من المأثور من أجل غيره — مثال ذلك أن الصحة آثر من الرياضة لأن تلك مأثورة من أجل نفسها، وهذه من أجل غيرها. — والمأثور بذاته آثر من الذى هو بالعرض، مثال ذلك أن كون الأصدقاء عدولاً آثر من كون الأعداء 〈كذلك〉، فإن ذاك مأثور بنفسه، وهذا بالعرض، وذلك أنا إنما نحب أن يكون أعداؤنا عدولا بالعرض لئلا ينالنا منهم ضرر. وهذا المعنى والذى قبله شىء واحد، وإنما يختلفان بالجهة. وذلك أن كون الأصدقاء عدولاً إنما تحبه بنفسه وإن لم ترتج من ذلك شيئاً ولو كانوا بالهند، وإما محبتنا لأن يكون أعداؤنا عدولاً فإنما هو من أجل شىء آخر وهو لئلا ينالنا منهم ضرر.

وما كان سببا للخير بذاته آثر مما هو سبب بالعرض، كما أن الفضيلة آثر من البخت، لأن تلك سبب بذاتها، وهذا سبب بالعرض. وكذلك ما جرى هذا المجرى. وعلى هذا المثال الأمر فى الضد، وذلك أن الذى هو سبب للشر بذاته يتجنب أكثر مما هو سبب له بالعرض بمنزلة الرذيلة والبخت، فإن تلك بذاتها شر، والبخت بالعرض. وما كان على الإطلاق عند كل إنسان خيرا آثر مما هو خير عند واحد، بمنزلة ما أن الصحة آثر من البط، لأن تلك خير على الإطلاق، وهذا خير عند واحد وهو الذى يحتاج إلى البط. وما كان بالطبع آثر مما ليس هو بالطبع، بمنزلة ما أن العدالة آثر من العادل، لأن تلك بالطبع، وهذا مكتسب. وما كان موجوداً للشىء الأفضل والأكرم فهو آثر، مثل أن ما هو موجود لله آثر مما هو موجود للإنسان، وما هو موجود للنفس آثر مما هو للبدن. وما يخص الأفضل أفضل بالأشياء المشتركة فى كليهما ليس يختلفان. فأما بالأشياء التى تخصهما فقد يفضل أحدهما صاحبه. وما كان فى الأمور التى هى أفضل أو أقدم أو أكرم، فهو أفضل — مثل أن الصحة أفضل من الشدة والجمال، لأن تلك فى الأشياء الرطبة واليابسة، وبالجملة فى الأشياء التى هى أول ما منه تركب الحى، وهذان فى الأشياء الأخيرة، وذلك أن الشدة فى العصب والعظام، والجمال يظن به أنه اعتدال ما للأعضاء. — والغاية آثر مما يسوق إلى الغاية. وإن كان ما يسوق إليهما اثنين، فأقر بهما إليها آثر. وبالجملة، ما يسوق إلى الغاية فى المعاش آثر من الذى يسوق إلى شىء آخر، مثال ذلك أن ما ينتفع به فى السعادة آثر مما ينتفع به فى الأدب. — وما هو ممكن آثر مما هو غير ممكن. — وأيضا متى كان شيئان فاعلين، فإن الذى غايته أفضل هو آثر. وأيضا من مقايسة الفاعل إلى الغاية إذا فضلت الغاية على الغاية بأكثر من فضلها على فاعلها، كان الفاعل آثر من الغاية — مثال ذلك أنه إن كانت السعادة تفضل الصحة بأكثر من فضل الصحة على المصح، فإن الفاعل للسعادة أفضل من الصحة. وذلك أنه بحسب ما تفضل السعادة الصحة يفضل فاعل السعادة على فاعل الصحة، والصحة تفضل المصح بقليل، ففاعل السعادة يفضل المصح بأكثر مما تفضل الصحة المصح. فمن البين أن فاعل السعادة آثر من الصحة، وذلك أنه يفضل على شىء واحد بعينه بشىء كثير.

وأيضا فإن الأجود بذاته والأكرم والأحمد هو آثر، بمنزلة أن الصحة آثر من الغنى، والعدالة من الشدة، لأن تلك من الأشياء الكريمة المحمودة بذاتها، وهذه ليست بذاتها، لا بل من أجل غيرها. وذلك أنه ليس أحد يكرم الغنى لذاته، لكن لشىء آخر. فأما الصحة فتكرم بنفسها وأن لم يقدر أن ينالنا منها شىء آخر.