Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الرابعة منه 〈المواضع المشتركة للجنس〉

〈مواضع〉

قال:

وبعد هذا ينبغى أن نبحث عن الأشياء النافعة فى الجنس والخاصة. وهذه الأشياء اسطقسات للأشياء النافعة فى الحدود. والبحث عن هذه بعينها فقلما يستعمله الجدليون. فإن وضع جنس شىء من الأشياء، فينبغى أولا أن ننظر فى جميع الأشياء المجانسة للشىء الموصوف: هل يوجد شىء منها لا يحمل عليه ذلك الجنس، كالحال فى العرض؟ — مثال ذلك: إن وضع الخير جنساً للذة، فينبغى أن ننظر إن كانت لذة ما ليست بخير. وذلك أن الأمر إن كان كذا، فمن البين أن الخير ليس بجنس للذةن لأن الجنس يحمل على جميع الأشياء التى تحت نوع واحد بعينه. — وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان لا يحمل من طريق ما هو، لكن يحمل بمنزلة العرض، كما يحمل الأبيض على الثلج، والمتحرك من ذاته على النفس، وذلك أنه ليس الأبيض ذاتاً للثلج، ولا المتحرك من ذاته ذاتا للنفس؛ وإنما يعرض للنفس أن تتحرك كما يعرض للحى مراراً أن يمشى وأن يكون شيئا ماشيا. وأيضا فإن المتحرك يشبه أن يكون ليس يدل على ما الشىء، بل على الفاعل والمفعول؛ وكذلك الأبيض ليس يدل على ما هو الثلج، لكن يدل على أى شىء هو. فليس يحمل واحد منها إذن من طريق ما الشىء، والجنس يحمل من طريق ما الشىء.

وينبغى أن ننظر خاصةً فى تحديد العرض إن كان ينطبق على الجنس الموصوف — مثال ذلك الأشياء التى ذكرناها الآن أيضا. وذلك أنه قد يمكن أن يكون شىء يحرك نفسه وأن لا يحركها؛ وكذلك يمكن أن يكون شىء أبيض وألا يكون. فليس واحد منهما إذاً جنسا، لكن عرضا. لأنا قد كنا قلنا إن العرض هو الذى يمكن أن يوجد لشىء وألا يوجد.

وينبغى أن ننظر إن لم يكن الجنس والنوع فى قسمة واحدة بعينها، لكن يكون هذا جوهراً وهذا كيفاً، أو يكون هذا مضافا وهذا كيفا — مثال ذلك أن الثلج واللقلق جوهر، والأبيض ليس بجوهر، لكن كيف، فليس الأبيض إذاً جنسا للثلج ولا للقلق. وأيضا فإن العلم من الأشياء المضافة، والخير والجميل كيف ما، فليس إذاً الخير والجميل جنساً للعلم، لأن الأشياء التى هى أجناس للمضافات ينبغى أن تكون هى أيضا من المضافات، كالحال فى الضعف، لأن الكثير الأضعاف — إذ هو جنس للضعف — هو من المضافات أيضا. وبالجملة، أقول إنه ينبغى أن يكون الجنس والنوع بحت قسمة واحدة أبدا. وذلك أنه إن كان النوع جوهرا، فينبغى أن يكون الجنس كذلك أيضا. وإن كان النوع كيفاً، فينبغى أن يكون الجنس مثله كيفاً — مثال ذلك: إن كان الأبيض كيفاً فاللون كيف. وكذلك يجرى الأمر فى سائر الأشياء الأخر.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان بالضرورة أو ممكناً أن يشارك الجنس الشىء الموضوع فى الجنس. وحد الاشتراك هو أن يكون الشىء يقبل حد مشاركة. فمن البين أن الأنواع تشارك الأجناس، والأجناس لا تشارك الأنواع. وذلك أن النوع يقبل حد الجنس، والجنس لا يقبل حد النوع. فينبغى أن ننظر إن كان الجنس الموصوف يشارك النوع أو يمكن أن يشاركه — مثال ذلك إن وصف إنسان من الناس شيئا بأنه جنس للموجود أو للواحد، فإنه قد يلزم أن يشارك الجنس النوع. وذلك أن الموجود والواحد يحملان على جميع الأشياء: فقولهما إذاً يحمل على جميع الأشياء.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان النوع الموصوف يصدق على شىء من الأشياء، والجنس لا «يصدق» — مثال ذلك: إن وضع الموجود أو المعلوم جنساً للمظنون، وذلك أن المظنون قد يحمل على ما ليس بموجود، لأن كثيراً مما ليس بموجود مظنون. فأما الموجود والمعلوم فليس يحملان على ما ليس بموجود. فليس إذاً الموجود ولا المعلوم جنساً للمظنون، لأن الأشياء التى يحمل عليها النوع فقد ينبغى أن يحمل عليها الجنس.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان يمكن ألا يشارك الموضوع فى الجنس لشىء من الأنواع. فإنه ليس يمكن أن يكون شىء يشارك الجنس، وهو غير مشارك لشىء من الأنواع، إن لم يكن نوع من الأنواع التى فى القسمة الأولى. فإن هذه فقط تشارك الجنس وحده. فإن وضعت الحركة جنساً للذة، فينبغى أن ننظر إن كانت اللذة ليست نقلة ولا استحالة ولا واحدة من سائر الحركات الأخر؛ فإنه من البين أنها متى لم تكن واحدة منها لم تشارك واحدة من أنواعها، فليس تشارك إذاً جنسها، لأنه من الاضطرار أن يكون المشارك للجنس مشاركاً لشىء من الأنواع. فليس إذاً اللذة نوعا للحركة، ولا شخصا من أشخاصها، ولا مما تحت نوع من أنواع الحركة. وذلك أن الأشخاص قد تشارك الجنس والنوع — مثال ذلك: «إنسان ما»، فإنه يشارك الإنسان ويشارك الحى.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان الموضوع فى الجنس يقال على أكثر مما يقال عليه الجنس — مثال ذلك أن المظنون يقال على أكثر مما يقال عليه الموجود، لأن الموجود وما ليس بموجود مظنون. فليس إذاً المظنون نوعاً للموجود، لأن الجنس يقال أبداً على أكثر مما يقال عليه النوع.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان النوع والجنس يقالان بالسواء — مثال ذلك إن وضع واحد من الأشياء اللازمة لكل شىء جنساً، وآخر نوعا بمنزلة الموجود والواحد، فإن كل الموجود واحد، وكل الواحد موجود. فليس أحدهما إذاً جنسا للآخر، لأنهما يقالان بالتساوى.

وكذلك ينبغى أن ننظر إن وضع الأول والمبدأ أحدهما فى الآخر. وذلك أن المبدأ أول، والأول مبدأ: فهما إما أن يكونا شيئا أحداً، أو لا يكون أحدهما جنساً للآخر. والأصل فى أمثال هذه كلها أن الجنس يقال على أكثر مما يقال عليه النوع والفصل، وذلك أن الفصل يقال على أقل مما يقال عليه الجنس.

وينبغى أن ننظر إن كان الجنس الموصوف ليس هو جنسا لشىء من الأشياء التى لا تختلف بالنوع. وإن لم يظن به ذلك، فلينظر المثبت إن كان جنسا لشىء منها. وذلك أن جنس جميع الأشياء — التى لا تختلف بالنوع — واحد بعينه. فإن تبين أنه جنس لواحد منها، فمن البين أنه جنس لجميعها. وإن تبين أنه ليس هو جنساً لواحد منها، فمن البين أنه ولا لواحد منها — مثال ذلك إن وضع واضع خطوطاً لا تتجزأ وقال: إن ما لا ينقسم جنس لها. وذلك أن الجنس الموصوف ليس هو جنسا للخطوط المنقسمة، إذ كانت غير مخالفة فى النوع، لأن جميع الخطوط المنقسمة غير مختلفة فى النوع.