Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

〈مواضع أخرى〉

وننظر أيضا فى الأشياء التى حالها بعضها عند بعض حال متشابهة — مثال ذلك أن حال اللذيذ عند اللذة مشابهة لحال النافع عند الخير. وذلك أن كل واحد من ذينك محدث لكل واحد من هذين. فإن اللذة إن كانت الذى هو الخير، فإن اللذيذ يكون هو النافع، إن كان من البين أنه يكون محدثا للخير، لأن اللذة خير. وكذلك يجرى الأمر فى الكون والفساد — مثال ذلك أنه إن كان «أن يبنى» الإنسان هو أن يفعل، فإن «قد بنى» هو أن قد فعل؛ وإن كان «أن يتعلم» الإنسان هو أن يتذكر، فإن «قد تعلم» هو أن قد تذكر؛ وإن كان «أن ينحل» الإنسان هو أن يفسد، فإن «قد انحل» هو أن قد فسد، فإن الانحلال هو فساد ما. — وكذلك يجرى الأمر فى المكونة والمفسدة والقوى والاستعمالات. وبالجملة، فينبغى للمبطل والمصحح أن يبحثا فى أى تشابه كان على مثال ما قلنا فى الكون والفساد. وذلك أنه إن كان المفسد محللا، فالإفساد تحليل. وإن كان المكون محدثا، فالتكون إحداث، والتكون حدث. وكذلك يجرى الأمر فى القوى والاستعمالات. وذلك أن القوة إن كانت حالاً فإن الشىء إذا كان يقوى فهو بحال ما. وإن كان استعمال شىء من الأشياء فعلا، فالذى يستعمل يفعل، والذى قد استعمل قد فعل.

وإن كان المقابل للنوع عدماً، فالإبطال يكون على وجهىن: الأول منهما إن كان المقابل فى الجنس الموصوف؛ وذلك أنه بالجملة إما ألا يكون العدم فى جنس واحد بعينه أصلا، أو لا يكون فى الأخير — مثال ذلك أن البصر إن كان فى الجنس الأخير — أعنى فى الحس — فالعمى ليس هو حساً. والثأنى أن العدم إن كان يقابل الجنس والنوع، ولم يكن المقابل فى المقابل، فليس الموصوف فى الموصوف. — فالمبطل ينبغى له أن يستعملها على ما وصفنا؛ فإما المصحح فعلى جهة واحدة فقط. وذلك أن المقابل إن كان فى المقابل، فإن الذى قدم ووضع يكون فى الذى قدم ووضع — مثال ذلك أن العمى إن كان عدم حس ما، فإن البصر حس ما.

وينبغى أيضا أن ننظر فى السوالب بالعكس، كما فعلنا فى العرض، بمنزلة ما إن كان اللذيذ هو الخير، فالذى ليس بخير ليس بلذيذ، لأنه ليس يمكن، إن كان الخير جنساً للذيذ، أن يكون شىء ما لذيذ ليس بخير. وذلك أن الأشياء التى لا يحمل عليها الجنس ليس يحمل عليها شىء من الأنواع. وكذلك ينبغى للمصحح أن ينظر: فإنه إن كان ما ليس بخير ليس بلذيذ، فاللذيذ خير؛ فيجب من ذلك أن يكون الخير جنسا للذيذ.

وإن كان النوع مضافا، فينبغى أن ننظر إن كان الجنس أيضا مضافا. وذلك أنه إن كان النوع أيضا من المضاف، فإن الجنس من المضاف، كالحال فى الضعف والكثير الأضعاف: فإن كل واحد منهما من المضاف. وإن كان الجنس من المضاف، فليس واجباً ضرورةً أن يكون النوع أيضا من المضاف؛ وذلك أن العلم من المضاف، والنحو ليس هو من المضاف له، ويكون ما قيل قبل ليس يظن به أنه حق، لأن الفضيلة هى الجميل وهى الخير. والفضيلة من المضاف، والخير والجميل ليسا من المضاف، كأنهما كيفيتان.

وأيضا ننظر إن لم يكن النوع يقال بالقياس إلى شىء واحد بعينه بذاته وبالجنس — مثال ذلك أنه إن كان الضعف يقال له ضعف للنصف، فينبغى أن يكون الكثير الأضعاف كثير أضعاف للنصف. فإن لم يكن كذلك، فليس الكثير الأضعاف جنساً للضعف.

وأيضا ننظر إن كان لا يقال بالقياس إلى واحد بعينه بالجنس وبجميع أجناس الجنس. وذلك أن الضعف إن كان كثير الأضعاف للنصف، فإن الفاضل يقال فاضلا للنصف. وبالجملة، يقال بالقياس إلى النصف جميع الأجناس التى فوق. والعناد فى هذا هو أنه ليس يجب ضرورةً أن يقال بالقياس إلى واحد بعينه بذاته وبالجنس، لأن العلم إنما يقال علم بالمعلوم، والملكة والحال ليستا تقالان للمعلوم، لكن للنفس.

وأيضا ننظر إن كان الجنس والنوع يقالان على مثال واحد فى التصاريف — مثال ذلك قولنا بكذا أو لكذا أو بجهة من الجهات غير هاتين. وذلك أن الجنس يقال مثل النوع فى الضعف وفى الأجناس التى فوقه، لأنا نقول إنه ضعف لكذا، وكثير الأضعاف لكذا. وكذلك العلم يقال لكذا، وأجناسه مثله، أعنى الحال والملكة. والعناد فى هذا أن الأمر فى بعض المواضع ليس يجرى هذا المجرى. وذلك أن المخالف والمضاد يقالان لكذا، والغير جنس لهما. وليس يقال «غير لكذا»، بل: «غير كذا».

وأيضا ننظر إن كان ما يقال من المضاف على مثال واحد فى التصريف ليس ينعكس على مثال واحد، كالحال فى الضعف والكثير الأضعاف. وذلك أن كل واحد منها يقال لكذا؛ وكذلك يقالان فى الأنعكاس، لأن النصف والكثير الأجزاء إنما يقالان لكذا. وكذلك يجرى الأمر فى العلم وفى الظن: «فإن هذين يقالان لكذا. والمعلوم والمظنون ينعكسان على ذلك المثال. فإن كان فى بعض الأشياء ليس يقع الأنعكاس على مثال واحد، فمن البين أن أحدهما ليس هو جنسا للآخر.

وأيضا ننظر إن كان الجنس والنوع ليس يقالان بالمساواة فى التصريف. وذلك أنه قد يظن أن كل واحد منهما يقال على مثال واحد وبأنحاء متساوية، كالحال فى الهبة والعطية. وذلك أنه قد يقال «هبته» و«هبة له»، و«عطيته» و«عطية له» — والعطية جنس للهبة، وذلك أن الهبة عطية لا يكافأ عليها. وفى بعضها يلزم ألا تقال المساواة فى التصريف. وذلك أن الضعف ضعف لشىء؛ والزائد زائد على شىء وفى شىء؛ والأعظم أعظم من شىء ولشىء. فليس ما وصفنا أجناسا للضعف، لأنها ليست تقال مساويةً للنوع وفى التصريف، أو لا يكون بالجملة القول بأن الجنس والنوع يقالان بالمساواة فى التصريف حقا.

وينبغى أن ننظر إن كان المقابل جنسا للمقابل — مثال ذلك أن يكون كثير الأضعاف جنساً للضعف، وأن يكون الكثير الأجزاء جنساً للنصف. وذلك أنه واجب أن يكون المقابل جنساً للمقابل. فإن وضع واضع العلم: الشىء الذى هو الحس، فيحتاج أن يضع أيضا المعلوم: الشىء الذى هو المحسوس. وليس الأمر كذلك، لأن ليس كل معلوم فهو محسوس. وذلك أن بعض المعقولات معلومة. فليس المحسوس إذا جنسا للمعلوم. وإن لم يكن هذا هكذا، فليس الحس جنسا للعلم.

والتى تقال على طريق الإضافة منها ما هى ضرورة فى تلك الأشياء التى بالقياس إليها يقال أو لديها، بمنزلة الحال أو الملكة والاعتدال. وذلك أنه ليس يمكن أن تكون هذه الأشياء التى ذكرنا فى شىء من الأشياء، إلا فيما يقال بالقياس إليها — ومنها ما ليس يجب ضرورةً أن يكون فى الأشياء التى بالقياس إليها يقال؛ إلا أن ذلك ممكن فيها — مثال ذلك إن كانت النفس معلومة، فإنه ليس يمنع مانع أن يكون للنفس علمها. إلا أن ذلك ليس بالضرورى، لأنه قد يمكن أن يكون هذا العلم بعينه فى شىء آخر — ومنها ما ليس يمكن على الإطلاق أن يكون فى تلك الأشياء التى بالقياس إليها يقال، مثل الضد فى الضد ولا المعلم فى المعلوم إن لم يتفق أن يكون المعلوم نفساً أو إنسانا. فلما كان هذا كذا، ينبغى أن ننظر إن وضع واضع الجنس الذى هو بهذه الصفة فيما ليس هو بهذه الصفة — مثال ذلك إن قال إن الذكر بقاء العلم. وذلك أن كل بقاء إنما هو فى الباقى ولدى الباقى. فبقاء العلم إذن إنما هو فى العلم. فالذكر إذن فى العلم، لأنه بقاء العلم. وذلك غير ممكن، لأن كل ذلك إنما يوجد فى النفس.

وهذا الموضع الموصوف عام للعرض أيضا، لأنه لا فرق بين قولنا إن البقاء جنس للذكر، وبين قولنا إنه عرض يعرض له. وذلك أنه إن كان الذكر كيفما كان بقى العلم، فقد يليق به هذا القول بعينه.