Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

〈مواضع〉

أما أولا فننظر إن كانت الخاصة وصفت جيداً أو لم توصف جيدا. والدليل على أنها وصفت جيدا أو لم توصف، أن تكون الخاصة قد وصفت لشىء بأشياء هى أعرف أو بأشياء ليست أعرف: أما الذى يبطل فإن وصفها بأشياء ليست أعرف، وأما المصحح فإن وصفها بأشياء أعرف. — وإذا كانت بأشياء ليست أعرف، فمنها أن ينظر إن كان الذى وصف به الخاصة أشد إغماضا من الشىء الذى وصفت خاصته. فإن بهذا الوجه لا تكون الخاصة موضوعة وضعا جيدا، لأنا إنما نستعمل الخاصة لنعلم، كما نستعمل الحد. فينبغى أن يكون تلخيصنا إياها بأشياء هى أعرف. فإنا بهذا الوجه أحرى أن نفهمها فهما كافيا — مثال ذلك أنه لما كان الذى يضع أن خاصة النار أنها أشبه الأشياء بالنفس قد استعمل ما هو أغمض من النار، أعنى النفس. فإن معرفتنا بالنار: ما هى؟ أكثر من معرفتنا بالنفس — لم يكن وضع هذه الخاصة للنار وضعاً جيداً، أعنى أنها أشبه الأشياء بالنفس.

ومنها أن ننظر إن لم يكن وجود هذا الشىء لهذا وجوداً أعرف. وذلك أنه ليس ينبغى أن يكون أعرف من الأمر الذى يوصف به، لكن يكون وجودها له أيضا أعرف، لأنه إن لم يعلم أنه لهذا موجود، لم يعلم ولا أنه لهذا وحده موجود. فأى شىء من هذين إن عرض، كانت الخاصة غير بينة — مثال ذلك أنه لما كان الذى يضع أن خاصة النار أنها الشىء الذى فيه أولاً من شأن النفس أن يوجد، قد استعمل ما هو أغمض من النار، وهو إن كانت النفس توجد فى هذه وإن كانت توجد فيها أولا، لم يكن وضع هذه الخاصة للنار وضعاً جيداً، أعنى الشىء الذى فيه أولا من شأن النفس أن توجد. — وأما المصحح فينظر إن كانت الخاصة تكون بما هو أعرف. وإن كانت بما هو أعرف فى كل واحد من الصنفين فإن بهذا يكون وضع الخاصة وضعاً جيدا. وذلك أن المواضع المصححة لما يوضع وضعا جيدا: منها ما يكون بهذا النحو وحده، ومنها ما يرى على الإطلاق أن وضعه وضع جيد — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن خاصة الحى أن له حسا قد وصف الخاصة بما هو أعرف فى كل واحدة من الجهتين، صار قولنا أن له حسا خاصة للحى موصوفة على هذا الوجه وصفا جيدا.

وبعد ذلك فينبغى للمبطل أن ينظر إن كان شىء من الأسماء التى توصف فى الخاصة تقال على أنحاء كثيرة، أو إن كان القول بأسره يدل على معانى كثيرة؛ فإن الأمر إذا كان كذلك، لم تكن الخاصة وضعت وضعا جيدا — مثال ذلك أنه لما كان قولنا: «يحس» قد يدل على معنيين على أن الموصوف بذلك حساً، وعلى أنه لم يستعمل الحس، لم يكن قولنا فى الحى إن من شأنه أن يحس خاصة موضوعة وضعاً جيداً. ولذلك ليس ينبغى أن نستعمل: لا أسماء تقال على أنحاء كثيرة، ولا قولا يدل على الخاصة؛ لأن ما يقال على أنحاء كثيرة يجعل الموصوف غامضا، فيتحير فيه المحتج فلا يعلم أى المعانى يريد من التى يقال عليها ذلك الاسم والقول، والخاصة إنما يؤتى بها ليعرف الشىء. ومع هذا أيضا فواجب ضرورة أن نكشف أمر اللذين يصفون الخاصة بهذا الوصف المنكر إذا جعل جاعل القياس شيئاً يختلف فيه، أعنى على ما يقال فيه بأنحاء كثيرة. — فأما المصحح فينظر أن لا يكون شىء من الأسماء ولا القول بأسره يدل على معانى كثيرة. فإن الخاصة على هذا تكون موضوعة وضعا جيدا — مثال ذلك أنه لما كان قولنا: «جسم»، لا يدل على معانى كثيرة، ولا قولنا أسهل ما يتحرك إلى المكان الأعلى، ولا مجموع القول المركب من هذه الألفاظ، كان القول فى النار أنها الجسم الذى هو أسفل ما يتحرك إلى المكان الأعلى، خاصة موضوعةً على هذا وضعاً جيدا.

وبعد هذا فلينظر المبطل إن كان الشىء الذى يوصف، خاصته تقال على أنحاء كثيرة ولم يلخص المعنى منها الذى له نضع الخاصة، فإن بهذا الوجه لاتكون الخاصة موصوفة على ما ينبغى. والأسباب التى لها وجب ذلك ليس تخفى معرفتها من الأشياء التى تقدم ذكرها، إذ كان من الواجب ضرورة أن تعرض تلك الأشياء بعينها — مثال ذلك أنه لما كان قولنا هذا «يعلم» يدل على شيئين: على أن له علما، وعلى أنه يستعمل العلم صار قولنا: «هذا يعلم» ليس هو خاصة «موضوعة» على ما ينبغى إذا لم يكن المعنى منهما الذى تقال له الخاصة ملخصا أيما هو. — فأما المصحح فيبطل ألا يكون الشىء الذى توصف خاصته يقال على أنحاء كثيرة، بل يكون واحدا بسيطا: فإن بهذا الوجه توضع الخاصة عليه وضعاً جيدا — مثال ذلك أنه لما كان الإنسان يقال قولا مطلقا وعلى نحو واحد، صار قولنا فيه: إنه حى آنس بالطبع، خاصةً موضوعة عليه على ما يجب.

وبعد ذلك فينظر المبطل إن كان الواحد بعينه قد كرر فى الخاصة، فإنهم كثيرا ما يفعلون ذلك فى الخواص وهم لا يشعرون، كما يفعلونه فى الحدود، فليس الخاصة إذن التى يعرض فيها ذلك بموضوعة على ما ينبغى، إذ كان ما تكرر قد يغلط السامع، فواجب إذن ضرورة أن يكون القول غامضا وأن يظن بمن يقوله مع ذلك أنه يهمر همرا. وتكرير المعنى الواحد فى القول يكون على وجهين: أحدهما إذا كرر الاسم الواحد بعينه، بمنزلة ما يجعل الإنسان خاصة النار أنها جسم ألطف الأجسام — فإن قائل هذا القول قد كرراسم الجسم مرتين؛ والثانى متى استعمل الإنسان الأقاويل مكان الأسماء، بمنزلة مايجعل الإنسان خاصة الأرض أنها جوهر من الأجسام ينتقل بالطبع إلى المكان الأسفل، ثم يستعمل مكان «الأجسام» «جواهر بصفة كذا»؛ وذلك أن قولنا: «جسم» و«جوهر بصفة كذا» شىء أحد. فيكون قائل هذا القول قد كرر اسم الجوهر. فليس إذن واحدة من هاتين الخاصتين موضوعةً على ما يجب.

فأما المصحح فينظر ألا يكون يستعمل الاسم الواحد بعينه مكرراً، فإن بهذا الوجه تكون الخاصة موضوعةً على ما يجب — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن الإنسان قابل للعلم ليس يستعمل اسما واحداً مكررا، صار ذلك خاصةً للانسان موضوعة على مايجب. — وبعد ذلك فينظر المبطل إن كان قد وصف فى الخاصة اسماً يوجد لكل شىء. فإن ما لا يفصل من أشياء ليس ينتفع به. والشىء الذى يقال فى الخواص ليس ينتفع به. والشىء الذى يقال فى الخواص ينبغى أن يكون يفصل كالشىء الذى يقال فى الحدود. فإن وضعت الخاصة هكذا لم يكن وضعها على ما يجب — مثال ذلك أنه لما كان الذى يضع خاصة العلم أنه ظن لا يزول التصديق به من القياس، إذ هو واحد بعينه قد استعمل فى الخاصة ما يوجد لكل شىء، وهو الواحد، لم يكن وضع خاصة العلم وضعا كما يجب. — فأما المصحح فينظر ألا يستعمل أمرا عاميا أصلا، لكن يستعمل ما كان مفصلا من شىء، فإن الخاصة بهذا حينئذ تكون موضوعة على ما يجب — مثال ذلك أن الذى يضع أن خاصة الحى أن له نفسا لم يستعمل شيئا مشتركا أصلا؛ فخاصة الحى موضوعة بهذا وضعا جيدا، أعنى أن له نفسا.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن كان قد وصف خواص كثيرة، فإنه إذا فعل هذا لم تكن الخاصة موضوعة، على ما يجب. فكما أنه فى الحدود لا ينبغى أن يزاد شىء سوى القول الذى يدل على الجوهر، كذلك أيضا وفى الخواص ليس ينبغى أن يوصف شىء أصلا سوى القول الذى يجعل ما قيل خاصة. فإن ما يجرى هذا المجرى ليس ينتفع به — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن خاصة النار هى أنها ألطف الأجسام وأخفها قد وصف أكثر من خاصة واحدة، وذلك أن كل واحد من هذين قد يصدق على النار وحدها. فليس وضع خاصة النار: أنها ألطف الأجسام وأخفها، وضعا جيدا. فأما المصحح فينظر ألا يصف خواص كثيرة لشى واحد بعينه، بل واحدة؛ فإن بهذا الوجه تكون الخاصة موضوعة وضعا جيدا — مثال ذلك أن الذى يقول إن خاصة الرطب هو أن يواتى أن كل شكل قد وصف خاصة واحدة، لاخواص كثيرة، فخاصة الرطب قد وضعت بهذا الوجه وضعا جيدا.