Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

〈دراسة عناصر الجدل تفصيلا〉

وينبغى أن نقول: ما الحد؟ وما الخاصة؟ وما الجنس؟ وما العرض؟

فالحد هو القول الدال على ماهية الشىء. وقد يوصف أيضا بأنه قول مكان اسم، أو قول مكان قول، لأنه قد يمكننا أن نحد بعض الأشياء التى يستدل عليها بقول. فأما الذين يجعلون الصفة بالاسم كيفما كان فمن البين أنهم ليس يوفون تحديد المعنى، لأن كل تحديد فهو قول ما. إلا أنه ينبغى أن نجعل ما يجرى هذا المجرى داخلا فى باب الحد، مثل قولنا: اللائق جميل. وكذلك قولنا: هل الحس والعلم شىء واحد بعينه؟ أم أحدهما غير الآخر؟ فإن أكثر البحث أيضا إنما يكون فى الحدود عن: هل الشىء واحد بعينه، أو هو غير؟ وبالجملة، فينبغى أن نسمى جميع الأشياء التى هى والحدود تحت صناعة واحدة بعينها الداخلة فى باب الحدود.

والأمر فى أن جميع ما قلناه الآن حاله هذه الحال بين من ذاته. فإنا إذا قدرنا أن نقول الشىء بعينه والغير، أمكننا الاحتجاج فى الحدود أيضا بهذا الوجه بعينه. وذلك أنا إذا بينا أنه ليس فيها الشىء بغيته، نكون قد أبطلنا التحديد. غير أن المعنى الذى وصفنا الآن لا ينعكس، لأنه ليس يكفى فى تثبيت الحد أن نبين أن الشىء بعينه فيه موجود. فأما فى إبطاله فقد يكفى أن نبين أنه ليس فيه الشىء بعينه.

والخاصة هى ما لم يدل على ماهية الشىء وكان موجودا للأمر وحده وراجعا عليه فى الحمل. مثال ذلك: قبول علم النحو للإنسان: فإنه مهما كان الإنسان موجوا، فالقابل لعلم النحو موجود. ومهما كان القابل لعلم النحو موجودا، فالإنسان موجود. وذلك أنه ليس أحد يقول إن الخاصة يمكن أن توجد لغير ما هى له خاصة، بمنزلة النوم للإنسان، لا ولو اتفق أن يوجد له وحده فى وقت من الأوقات. فإن قيل لما يجرى هذا المجرى خاصة، فليس يقال له خاصة، على الإطلاق، لكن فى بعض الأوقات وبالإضافة إلى شىء. فإن وجود الشىء يمنةً إنما يقال إنه خاصة له فى بعض الأوقات؛ وذو الرجلين فإنما يقال إنه خاصة بالإضافة إلى شىء — بمنزلة ما هو للإنسان بالإضافة إلى الفرس وإلى الكلب. والأمر بين فى أنه ليس شىء مما يمكن أن يوجد لشىء آخر غير الشىء الذى هو له يرجع عليه بالتكافؤ فى الحمل. وذلك أنه ليس يجب ضرورةً متى وجد شىء ينام أن يكون الإنسان موجودا.

والجنس هو المحمول على كثيرين مختلفين بالنوع من طريق ما هو. وينبغى أن يقال إن الأشياء التى تحمل من طريق ما هو — وهى التى يليق بنا أن نأتى بها إذا سئلنا عن الشىء الموضوع: ما هو؟ كما يليق بنا إذا سئلنا عن الإنسان ما 〈هو〉 أن نقول إنه حيوان. فأما ما يسأل عنها هل هى فى جنس واحد بعينه وهى مختلفة، أم فى جنسين مختلفين، فإنما هى فى مذهب الجنس، لأن ما يجرى هذا المجرى يدخل هو والجنس فى طريق واحد بعينه. وذلك أنا إذا قلنا إن الحيوان جنس للإنسان، وكذلك للثور، نكون قد قلنا إن هذين داخلان فى جنس واحد بعينه. فإن نحن بينا أنه جنس لأحدهما، غير جنس للآخر، نكون قد قلنا إن هذين ليسا بداخلين فى جنس واحد بعينه. والعرض هو ما لم يوجد واحداً من هذه: لا حدا، ولا خاصةً، ولا جنسا، وهو موجود فى الشىء، أو هو الذى يمكن أن يوجد لواحد بعينه كائنا ما كان، وألا يوجد — بمنزلة الجلوس، فإنه يمكن أن يوجد لواحد بعينه كائنا ما كان وألا يوجد؛ وكذلك الأبيض، فإنه ليس مانع يمنع أن يكون شىء واحد بعينه مرةً أبيض، ومرة غير أبيض. والثانى من حدى العرض أجود من الأول، لأن الأول إذا قيل احتاج من يريد أن يفهمه أن يتقدم فيعلم ما الحد والجنس والخاصة. فأما الثانى فكامل بنفسه، يستغنى به على حدته فى معرفة الموصوف ما هو. وينبغى أن نضيف إلى العرض مقايسات الأشياء بعضها إلى بعض كيفما كانت إذا قيلت من العرض، مثال ذلك قولنا: أيهما آثر؟: الجميل، أو النافع؟ وأى المذهبين ألذ: الذى تستعمل فيه الفضيلة، أو الذى ينهمك فيه الشهوات؟ وغير ذلك مما يقال على هذا المثال. فإن البحث فى أمثال هذه كلها إنما هو عن: أى الاثنين يكون لزوم المحمول به أحرى؟

وبين من هذه أنه ليس يمنع مانع فى بعض الأوقات وبالإضافة إلى شىء أن يكون العرض خاصة: 〈بمنزلة〉 الجلوس الذى هو عرض. فمتى ألفى إنسان جالسا وحده، صار الجلوس له فى ذلك الوقت حينئذ خاصة. وإذا لم يكن جالسا هو وحده، فالجلوس له خاصة بالإضافة إلى ما ليس هو جالسا. فليس يمنع إذاً مانع من أن يكون العرض فى بعض الأوقات وبالإضافة إلى شىء، خاصة. فأما خاصة على الإطلاق، فلا يكون.