Data Entry
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه استعين، لا اله الا هو.
مقالة الاسكندر الأفروديسى يقتص ويبين فيها رأى ديمقراطيس وأبيقورش وسائر أحداث الفلاسفة الباقين فى العناية. ترجمة أبى بشر متى بن يونس القنائى من السريانى الى العربى.قال ان الذين تفلسفوا فى أمر العناية وأفادوا غيرهم فى ذلك علما ما أما بعضهم فزعم أنه ان كانت العناية كلمة ما وروية الاهية بحسبها يكون حدوث | الأشياء التى تحدث بالطبع فى العالم، فلا شىء من الأشياء ما تحدث يكون حدوثه عن العناية. وذلك أنهم زعموا أن اسم العناية صفر لا معنى تحته، فانه لا شىء من الأشياء التى تحدث يصدر حدوثها عن رأى الله ورويته. وذلك أن الله، عز وجل، بزعمهم خارج عن جميع المرتبة التى تجرى هذا المجرى ولا هو يشوبه مشقة فى شىء من ذلك وتشاغل ولا هو أيضا يشقى غيره فيه. وزعموا أن جميع الأشياء التى تكون وتتكون بالطبع انما تكون من تلقاء أنفسها وعن الاتفاق الذى يعرض الأشياء أخر عن أشياء أخر.
وزعموا أنه عند ما يعرض كيف ما اتفق للأجسام الأولى
الغير متجزئة (التى وضعها المتمسكون بهذا المذهب مبادئ
لجميع الموجودات) بالحركة المتصلة الغير دائرة التى تحركها
ضرورة هذة الأجسام فى الخلاء الذى لا نهاية له الموجود فى
الكل أن يكون اما بعضها فتأتلف بعضها مع بعض
وزعموا أيضا أن اختلاف الأشياء الكائنة | يصدر عن اختلاف أشكال الأجسام الغير متجزئة التى تتشابك بعضها حول بعض، وذلك الى الاختلاف الذى بحسب الشكل لا يحصره نهاية، وأن ذلك يكون أيضا عن مرتبتها وحال وضعها وترتيبها وكيفية وضعها بعضها عند بعض، فانه ليس الأشياء التى تتكون عنها واحدة بأعيانها، متى لم يكن نظامها ووضعها عند تأليفها محفوظا واحدا بعينه.
وممن كان من أهل المذهب اما من تقادم عهده من
القدماء فلوقيفس وديمقراطيس، واما من أتى بعد هؤلاء تأخرا
فأبيقورس والذين تفلسفوا بحسب رأيه ابتغوا هذا المذهب.
وقوم آخر كأن رأيهم | وحكمهم فى الفلسفة ورأيهم فى أمر
العناية مضادا لرأى هؤلاء وحكمهم فيه من جميع الوجوه والجهات.
وقد يشهد على صحة ذلك الأشياء الظاهرة. وذلك أن لزوم الأشياء التى تكون بالطبع للنظام لما كأن دائما وغير متفاوت صار ميكتا مناقضا للقول بأن هذه الأشياء تكون عن الاتفاق، من قبل أنه لا شىء من الأشياء الكائنة بالبخت وعن الاتفاق يوجد محدودا، لاكن انما كونه فى الندرة وحاله فى زمان ما مخالفة لحاله فى زمان آخر مختلفة الى أحوال مختلفة.
وأيضا مما يجرى من تقدمه الانذار والحكم بالأشياء العزمعة بالكون الذى بعضه يكون بالوحى وبعضه بالرؤيا وبعضه بالعرافة هو دليل ظاهر أن الآلهة تعنى بالأشياء التى هاهنا وأن العناية بها هى فعل الآلية .
والقياس أيضا قد يوافق ذلك كما أن فى منازل ذوى الألباب
والأفهام لا يقع أمر من الأمور خارجا عن عناية أربابها، بل
تشتمل عنايتهم جميع أمر منازلهم ونظامه وبهذا ما يخالفون
ذوى المهانه والرعن من الناس، كذلك يجب أن يكون الآلهة
اذا كانوا فى الغاية من الفهم، قواما بمعونه العالم ومرتبتهم
الخاصية. فانهم لولم تكن لهم عناية بالأشياء التى فيه، فذلك
يكون اما لأنهم غير مؤثرين لذلك وغير قادرين عليه أيضا واما
فانه كان القول بشىء من هذه الأقسام غير لائق بالآلهة، فهو مردود. وذلك أن القول بأنهم غير قادرين على العناية بالأشياء التى هاهنا | هو قول غير لائق بالآلهة من جميع الجهات. فان هذا القول يجعل الله، عز وجل، أعجز من الناس، اذ كان الناس لا يتعذر عليهم ولا يمتنع تدبيرهم لمنازلهم ويكون هذا المقدار متعذرا ممتنعا على الآلهة. والقول أيضا بأنهم غير محبين للعناية بالأشياء التى هاهنا، فهو شىء غريب عن الآلهة جدا. وذلك أن هذا فعل حاسد ومن طبعه فى غاية التردؤ والفساد والتشاغل أعنى الامتناع من فعل الأولى والأجدر، من حيث هو قادر على فعل ذلك.
فان كان كل واحدة من هاتين الخلتين هى غريبة مباينة للآلهة ولا الخلتان جميعا لله، عز وجل، فلا يتهيأ أن يوجدا فيه معا لا اثنتاهما جملةً ولا واحدة منهما على انفراد، فبقى اذن أن يكون الله، عز وجل، قادرا على العناية بالأشياء التى هاهنا ومحبا لذلك أيضا. وان كان محبا لذلك وقادرا عليه، فظاهر أنه يصرف عنايته اليها، فلا شىء اذن من الأشياء يكون من غير علم الله وارادته، لا حقير ولا دنى.
وزعم قوم أن أفلاطون قد كان يرى هذا الرأى، وأما من أمره،
فان كان من الشنع القبيح من جميع الجهات أن يوضع سبب وجود العالم والرتبة الموجودة فيه الاتفاق وما من تلقاء نفسه، فلا شىء آخر يكون سببا لذلك الا | الله، تبارك وتعالى. فانه ان لم يكن ذلك عن الاتفاق، فكون كل واحد من الأشياء | أيضا التى تكون فيه عن الروية والعقل ومن أجل شىء ما محدود منفرد، وهذا مجرى 〈العناية ... وأما ابطال〉 القوة بأن هذه الأشياء تكون عن الاتفاق هو سبب العناية، فذلك من أن المبطلين للعناية يضعون سبب هذه الأشياء هو الاتفاق.
والظن أيضا [ظن] بأن العناية لا تصل ولا الى واحد مما
هاهنا هو ظن يراه قوم ما، من قبل أن كثيرا ممت يحدث فى
ومع هذا أيضا فان هذا الرأى هو موصل الى نفس سامعيه
اعتقادات شنعة فى الله، عز وجل. وذلك أن الله، ان كان
موجودا، حتى يكون وكده الاعتناء بنا ومقصده التقسيط على
الأشياء التى قلنا 〈لـ〉ـكل واحد من الخيرات والشرور بحسب
الاستحقاق تقسيطا متساويا بحسب الاستحقاق، كما يعلق
القائلون بذلك. وزعموا أنا لسنا نرى شيئا من ذلك يجرى
أو يكون، لاكنا نرى ونشاهد الأشرار من الناس متقلبين فى
الخيرات باقين فيها ونجد الصالحين والأخيارمنهم على
ضد هذه الحال، وهو أن أمورهم لا تدانى شيئا من الاستقامة
فى تدبير معاشهم وفى حيوتهم، وزعموا أنه لا وجود لله أصلا
البتة. غير أن القول بهذا وحمل الانسان نفسه على مثل
القول أيضا ان جميع الأشياء التى ها هنا تجرى أمورها بحسب الاستحقاق (فان جميع أجزائه داخل فى معونة الكل) والاستقامة ليس قول من يتحرى الحق، لاكنه قول من يبرئ الشر بالشر ويعتصم بالدواء.
وقد ينبغى أن نلتمس تلخيص عناية الله بالقول، من حيث لا يكون منا فى ذلك معاندة للأشياء الظاهرة المشاهدة فى الأشياء الكائنه، على أن من يشاهد من أمرها مخالف لما نقوله فى ذلك. ولا أيضا نوجد دافعين لأسبابها الى ما لا مقنع فيه أصلا، لاكن يوافق زيد عن ما يصنعه واضعه فى ذلك وهو تابع فى وضعة اياه للأشياء التى يقع التصديق بها مما يكون.
وأيضا فان الذين يقولون ان الله، عز وجل، يلحظ جميع الجزئيات والأوحاد وتفقده لها وعنايته بها متصلة بلا دثور، فقد يلزمهم الشناعة بأنهم مناقضون لأنفسهم واللأشياء المتقدمة المتعارفة.
وذلك أن الناس بأجمعهم مقرون وهم أيضا كذلك بأنه، كما
أن من الأشياء ما وجودها ضرورى من غير أن يمكن فيها ألا
توجد فى وقت من الأوقات، كذلك فيها أشياء ما عدمها
ضرورى ووجودها ممتنع غير ممكن فى وقت الأوقات. وهذا
مع ما هو عليه من الظهور هو شىء يقر به جميع من هو سليم
فان الذين يضعون أن عناية الله، عز وجل، تجرى هذا المجرى مبطلون له بأسره، وذلك أن الأشياء التى هى بطبعها غير ممكنة يحكمون عليها أنها ممكنة. على أن القول بأن الآلهة انما يؤثرون ما كان من الأشياء ممكنا فقط أوجب كثيرا من القول بأن الممتنعة هى ممكنة للآلهة. وذلك أنه بحسب القول الأول يكون كل ممكن، فهو ما كان داخلا فى ارادة الله والداخلة فى ارادة الله انما هى الأشياء التى يمكن فيها أن توجد وتحدث وحدها دون غيرها، من قبل أن الله أعلم بطبيعة الممتنع والممكن من جميع الأشياء. وأيضا فالروية والاهتمام بالأشياء الكثيرة معا ممتنع، فان التصور لأشياء كثيرة معا هو أمر داخل فى أمر الامتناع.
فكما أن الاقتصاص لأشياء كثيرة فى زمان | واحد بعينه هو غير ممكن لانسان واحد بعينه، متى رام الا خبار عن أمر كل واحد يصغه بالقول على مثال واحد، كذلك لا يمكن الانسان الواحد الاهتمام معا بأشياء كثيرة، لا سيما ان كانت الأشياء التى الاهتمام بها غير متشابهة. وذلك أن الروية والاهتمام والتعليم هى كلمة ما للنفس على انفرادها من غير قرع يكون بالصوت.
وكذلك اذا لم يكن الاهتمام بأشياء كثيرة ممكنا، لم يكن أيضا ولا عناية الله بكل واحد | من الأوحاد ممكنة، اذ كان يجب ضرورة، متى جرى الأمر فى عنايته بها هذا المجرى، أن ينقص نظره اليها والتصفح لجميعها وأن يحرك رويته فيها بأسرها على ما هى علية من أنها غير متناهية وعلى ما بيتها من اختلافات لا نهاية لها.
وكان ذلك غير ممكن. فان العلم بأشياء كثيرة معا، فليس هو غير ممكن. وذلك أنه ليس بالمتعذر أن يكون انسان مع علمه بالأخبار الموسيقية عالما بأمور ما هندسية. وأما الاهتمام بأشياء كثيرة أولا أولا معا والروية فيها حتى يتصفح برويته كل واحد منها ويحرك اهتمامه بواحد واحد منها، فغير ممكن. وقد يجب ضرورة فى أمر من يتقدم فيعنى بالأشياء الجزئية والأوحاد معا. أن يكون أيضا يروى فى واحد واحد منها معا على انفراده.
فانه ان قال قائل ان العناية بالأشياء التى هاهنا ليست
تكون معا، بل يكون منها شىء بعد شىء، فانه غير تابع
اللأصول الموضوعة، فانه قد وضع أن لا شىء من الأشياء أصلا
يكون من التى قلنا توجد أوتكون فى وقت ما خلوا من
العناية. فأما ما يعترض من العوارض وكل واحد من الأشياء
الموجودة وسيرتها (؟) عند تشاغل الفهم عنها (؟) والمعتنى
بأشياء ما أخر، فهى خارجة عن مثل هذه العناية مع ما أن
الانقطاع والفترة أيضا التى تعرض فى التوسط والانتقال
ولا أيضا القول بأن المعتنين أكثر من واحد يفسخ هذا الطعن، الا أن يكون الانسان يلزم العناية بكل واحد من الأشياء التى يعنى بها الا ما هو مواظب على العناية بها فيضيفها | اليه. وهذا مع أنه فعل سوء خبيت، فالقول فيه شنع من كل جهة، من قبل أن الجزئيات والأوحاد أنفسها قد توجد فى أوقات مختلفة على أحوال وفى وقت تكون كثيرة فى عددها وفى وقت تكون أقل ومن قبل أن الآلهة يوجدون خدما لنا.
وذلك أنه ان وضع واضع أن الاهتمام والروية فى جميع الأشياء معا والاعتناء بكل شىء على هذا النحوالذى قيل هو شىء ممكن للآلهة، غير أن مثل هذه السيرة غير لائقة بالآلهة من جميع الجهات، من قبل〈أن〉هذه السيرة يتكلفون بها دوام التشاغل وهى بعيدة من جميع الأفعال الجزئية المهذبة. وذلك أن مثل هذه السيرة ليست أيضا بلائقة لمن كان من الناس عفيف السيرة وطاهرة الطريقة، ولا انسان من الناس من ذوى الرأى السديد الحسن يختار أن يعيش بهذه السيرة، ما دام ولم يضطره الى ذلك مضطر، وذلك 〈أنه〉 وان كان بعض الناس قبل التجربة والجنكة فى الأمور قد يختار مثل هذه السيرة، غير أنه، متى توسطها وسار فيها، فان هربه منها أيضا وتجنبه لها ليس هو بدون تجنبه وهربه من سائر الأشياء المهروب منها.
ومثل هذه السيرة ليس انما هى غير لائقة وغير أهل للآلهة لما فيها من التشاغل والأذى لاكن بعدها من ذلك أكثر لما فيها من الاشراف والنظر والفهم للأشياء التى تكون بها مثل هذه العناية، بأن أشياء كثيرة من الجزئية والأوحاد هى غريبة غير متأتية لعلم الله من كل جهة.
وذلك أنه ان كان من الواجب أنه كما أن الآلهة مخالفة لما فى الطبع، كذلك يكون الأشياء التى تشرف عليها فيها المناسبة لها والمنظورات الخاصة لها مخالفة لما لخصنا وما بينا النظر فيه، فبأى سبيل لا يكون النظر فى مثل هذه الأشياء والعناية التى تجرى هذا المجرى عائقين لها عن الفضيلة والفصل الذى لها بالطبع. فانه ان قال قائل ان لا شىء فى أفعال الله أشرف وأشرف من سياسة الأشياء التى هاهنا وهى السياسة التة تجرى هذا المجرى، فقد كفى به عنه وذهب عليه سبب محبته لنفسه أن قوله ذلك القول هو القول | بأن الله هو من أجل الأشياء المائتة، اذ كان الاعتناء بهذه الأشياء هوالغرض الذى يقصد اليه والغاية له.
غير أن كل ما كان من أجل شىء آخر فهو دون ذلك الشىء.
ولذلك يكون أيضا الله، عز وجل، بحسب رأى أهل هذا المذهب
ثانيا فى المرتبة ودون الأشياء التى يعتنى بها. فان الراعى
أخص من الأشياء التى يرعاها ويعتنى بها، اذ كان كماله
وغايته خصت تلك الأشياء والتوسع عليها وأما الملك فليس
يجرى عنايته بالأشياء التى هو ملك عليها هذا المجرى، حتى
يكون متفقدا نفسه لسائر الأشياء الكلية والجزئية ولا يخلى ولا
ومع ذلك فيا ليت شعرى الى الناس يصرف الله مثل هذه العناية فقط، من غير أن يصرفها الى سائر الحيوان والنبات والى سائر الأشياء الموجودة، أم يبلغ تفقده واعتناؤه الى كل واحد من هذه أيضا على انفرادها. فان كانت العناية انما هى مصروفة الى الناس فقط، فلأى سبب لا يعتنى بسلامة الأشياء الباقية ونظامها؟ وذلك أن الأولى والأليق أن توجد هذه أيضا لازمة للنظام والترتيب ومن الواجب أن يكون أمر هذه أيضا لازما للتقسيط وتكون أحوالها بحسب الاستحقاق وما يوجبه العدل.
فان امتناعه من العناية فذلك يكون اما لأنه غير قادر على ذلك ولا محب له، واما أن يكون هو قادرا الا أنه غير مريد لذلك، واما أن يكون مريدا لذلك غير قادر عليه. فان كانت هذه الأقسام شنعة، فمن البين أنه مختار لذلك قادر عليه أيضا، فاذن عنايته بهذه شبيهة بعنايته بالناس، اذ كان القول الذى تقدمنا به قويا ومقنعا.
وذلك أن الله، تبارك وتعالى، هو الأصل لجميع | القوة الحقيقية
وذلك أن مثل هذه السيرة وهى سيرة عبودية ومذهب هو
فى غاية المهانة. ومع ما تقدم القول فيه من ذلك يكون هو
سببا للشرور أيضا وعنه تصدر. وأيضا ما تقدم من القول فى
العناية الجارية هذا المجرى هو أظهر جهلا ولا معنى له
أصلا، متى نقلها انسان الى الأشرار فسأل وقال «يا ليت
وذلك أن بحسب هذا القول ولا واحد من الناس يوجد شريرا، اذ كان الآلهة قادرين ومختارين أيضا على أن يجعلوا الناس بأجمعهم أخيارا من، قبل أن القول بأنه الآلهة، مع ما أنهم غير مختارين لذلك، هم غير قادرين هو قول ينسب الآلهة الى ما ليست له بأهل .
وأشنع | من جميع الأقاويل القول بأن الله، عز وجل، ينفذ فى جميع الأشياء ويخترقها، من حيث هو محدثها، وأن عنايته مصروفة اليها على هذه الجهة. وذلك أن القائلين بذلك والمعتقدين له، مع ما أن قولهم هذا موهم (؟) وأنهم يجعلونه جزءا من الأشياء الحقيرة الدنية وأن الجسم يداخل الجسم، وهم مع ذلك غير موافقين فى كلامهم هذه الأشياء الظاهرة أصلا.
وذلك أن لا الملوك للذين فى طاعتهم ولا المعلمون
للمتعلمين ولا الرعاة لما يرعونه ولا واحد من أصناف المعتنين
لشىء من الأشياء بالجملة انما يصرف عناويته الى المعتنى به
من حيث هو متحد به على الحقيقة وأن يقوم بمعونته على هذا
النحو. فانه يجب ضرورة أن يكون المعتنى مفارقا منحازا عن
المعتنى به، وذلك أن المعتنى غير محتاج الى آخر، وأما
المعتنى به، فيحتاج لا محالة الى معونة المعتنى .
والقول يمثل هذه العناية بالأشياء التى هاهنا هو أشنع كثيرا بحسب من يقول ان الخير انما هو الحسن وحده فقد، فعندما تسمح الآلهة للأشياء التى ها هنا بمثل أى خبر من الخيرات، يصرفون اليها مثل هذه العناية، وذلك أن الخير هو تحت امر استطاعتنا من غير أن نكون محتاجين فى اقتنائه الى الآلهة فى وجهة من الوجوه.
والقول بأن الله يرصدنا من قبل الأشياء الغير متغيرة وأن فهمه تابع لما يحدث عنا قول من هو أجهل الناس بذاته وبما يقوله.
ولا القول أيضا بأن مثل هذه العناية تكون عن سكينات هى خادمة ما لله هو قول واجب. وذلك أن القول بأنه قد يوجد حيوانات ما مركبة من نفس وبدن وهى مستحيلة الا أنها غير فاسدة لا يسهل تسليمه، من قبل أنه قد يظن أن الأمر المناسب للغير فاسد الا يقبل المتغير والقابل للتأثير والفساد.
وان سلم انسان ذلك، كان القول بأن وجود مثل هذه
الحيوانات مع ما هو فيها | بالفضيلة فى طبعها وبالقرب من
الله، عز وجل انما هو من أجلنا هو | أشنع. ومع هذا أيضا
العناية بالأشياء التى هاهنا التى مجراها هذا المجرى هى
وذلك أن الموتانات وما يعرض للزروع من اليرقانات والحرق والبرد وشقاء تحت الخيار من الناس وسعادة تحت اخسائهم وما أشبه ذلك هى كافية فى اظهار كذب هذا الرأى وبطلانه. فان الانسان ان هو حمل نفسه وقال ان هذه ليست شرورا، فسيضطره الأمر الى القول بأن أضدادها ليست خيرات. فما الذى يبذل لنا اذى الآلهة، وما الذى يمنعنا أو ما الذى يشير علينا والى ماذا يرشدنا الآلهة والسكينات ومما ذا ينهوننا؟ أما انه غير ممكن أن تكون عناية الله بالكل على هذا النحو وانه لو أمكن ذلك لما كان من اللائق أن يقرن مثل هذه بالله.
فللانسان أن يتبين من مثل هذه الأشياء. ولهذا السبب، متى كان انسان معتزما على أن يخلوعن كل واحد من الرأيين، أعنى الرأى الذى يبطل العناية ابطالا كليا، من قبل أنه رأى كاذب فى جميع الجهات، والرأى الذى يحدث العناية التى الى الأفراد والأوحاد وببعضها على الجزئيات، لأنه غير موافق للأشياء الكائنة ومن قبل أن صاحبه يعتقد فى الله ما ليس هو أهله، واجب فى أمر العناية التمسك برأى خاص مفرد به، عندما يحذر من الكذب الموجود فى كل واحد من ذينك الرأيين، كأنه لا سبيل له الى وجود رأى يحسب ما أرى أصدق وأصح غير الرأى الذى يقول به أرسطوطاليس. وذلك أنا نجد أن هذا الرأى وحده فقط هو الحافظ لما هو أهل للآلهة والموافق للاشياء الظاهرة.
وذلك أن أرسطو يقول ان سلامة الأشياء التى هاهنا وكونها وبقائها الذاتية الأبدية التى لها بالنوع يقال أنه ليس خلوا من العناية الالهية وان القوة المنبعثة عن الشمس والقمر والكواكب الأخر التى سيرتها سيرة الشمس على رأيه هى السبب بحسب رأيه لكون الأشياء التى قوامها بالطبع ولحفظها. وذلك أنه يرى أن انتظام حركة هذه الكواكب واعتدال أبعادها عن الأشياء التى هاهنا أسباب لهذه الأشياء، والمتقدم فى ذلك لسائر الكواكب الشمس.
أما أن هذه الأشياء هذا مجراها وهذه حالتها، فبين من هذا الوجه يقول بأنه لو كان بعد الشمس عن الأرض بعدا آخر غير هذا البعد الذى يوجد لها أو لو أن حركتها ونقلتها لم تكونا فى الفلك المائل أو كان اذن كونها لها فى هذا الفلك، غير أنه لم تكن تابعة لدوران فلك الكواكب الثابتة، لاكن أيضا كانت تتحرك الحركة الخاصية بها فقط، ليس انما كنا نعدم سائر الأشياء الأخر الموجودة لنا فى مسكننا، لا كنه لما كان يكون أيضا سبيل الى كون الحيوان والنبات ولا أيضا كون الأجسام البسيطة التى سلامتها انما تتم لها بسبب التغير المنتظم الذى لها بعضها الى بعض.
وذلك أن لو كان بعد الشمس عنا يكون يوجد أقرب الينا مما هو الآن ولم يكن بعدها عنا هذا البعد الذى يوجد لها الآن، لكانت تحمى الموضع الذى تلى 〈من〉 الأرض احماءً تتجاوز به الاعتدال لقرب حركتها وذلك كان يكون أحمى من هذا الموضع، ولو كانت على خلاف هذه الحال، فكان بعدها عنه أكثر من هذا البعد، لكان يكون احماؤها أقل. وأما أنه لو كان يتفق شىء من ذلك، لما كان يمكن كون جنس أجناس الحيوانات والنباتات.
فللانسان أن يأخذ لذلك تصديقا كافيا من مواضع ما من الأرض التى يقال فيها غير مسكونة للغلبة من كل واحد من هاتين الكيفيتين عليها.
وذلك أن سبب خلو هذه المواضع من الأرض من الحيوان والنبات، فقد يجب أن يعتقد أن هذا هو بعينه سبب فقد الأرض بأسرها أيضا لهذين وأنه من الأليق الأولى أن تكون هذه الحادثة فى الأرض كلها لهذا السبب بعينه، من قبل أنه الأليق الأولى أن يكون ما يعرض من تغير المزاج الكائن فى جملة الأرض بأسرها بسبب الحر والبرد والحوادث التى تعرض بسسب هذين أكثر وأشد مما يوجد الآن فى أجزاء ما من الأرض، أعنى المزاج الذى من أجله يصح من أمر بعض أجزاء الأرض | أنها غير مسكونة، اما بعضها 〈فلكثرة الحر واما بعضها〉 فلكثرة البرد. وذلك أنه اذا كانت جملة الأرض فى ذلك مجاوزة بأضعاف كثيرة حال جزء جزء منها، فليس يتهيأ أن يتصور التناسب الذى بين الأرض وبين أجزائها فى كثرة الحر والبرد وقلتهما، ولا فى الوهم أيضا، متى ارتفعت الشمس عنها الى فوق وبعدت عنها قليلا.
فانه ما أحسن ما قال أوميرس، حيث يحكى الحافظ «يا الله، لا أرتفع عن الأرض، ويداخل الناس البرد فيتلغون ويفسدون». وهو أيضا الحافظ «يا الله، لا أتعدى الطريق المنتظمة بسبب ما يعرض عند ذلك من الحرارة التى تداخل حينئذ الناس، وذلك أن جنس الناس يبطل حينئذ عندما يعرض له الذوبان».
والأمر فى أن اعتدال بعد الشمس عن الأرض هو | سبب سلامة الأشياء التى على الأرض والتى فيها، فبين ظاهر لجميع الناس. وأما أن ذلك بها يتم ويكون بسبب حركتها فى الفلك المائل أيضا، فللانسان أن يبين ذلك ويعلمه بسهولة ان هو تفقد الأمر أدنى تفقد.
وذلك أنه لو لم تتحرك على هذا الفلك بل كانت تتحرك على بعض الدوائر المتوازية، لما كان يكون عند ذلك لا الصيف ولا الشتاء ولا تغير آخر من التغيرات، بل كان يكون نظام أوقات السنة نظاما واحدا بعينه، من قبل أن بعد الشمس من الناس أجمعين دائما بالتساوى، وكانت تتحرك أما عند قوم ما فعلى سمت رؤوسها دائما (واذا كان لها هذا النظام، كانت تكون لهؤلاء القوم سببا للصيف) وأما عند قوم ما، فاذا كان يكون بعدها عنهم أكثر، كانت تكون لهم سببا للشتاء.
فأما أن هذه الأشياء لو كانت تكون على هذه الجهة، لما كان يمكن أن يسلم شىء مما هاهنا. فذلك واضح بين لجميع الناس، اذا كان الأمر فى أن تغيرات أوقات السنة المنتظمة بعضها الى بعض هى نافعة فى كون الأشياء التى هاهنا وسلامتها بينا ظاهرا.
غير أنه ولا لو كانت حركتها أيضا فى الفلك المائل على ما هى الآن ولم يكن لها أيضا مع ذلك حركة مع الكل، كان يوجد سبيل الى سلامة | تعاقب الليل والنهار الذى هو سبب لراحة الحيوانات وهدوئها اللذان يكونان لها بعقب التعب، بل كان يكون فى واحد من المساكن الحر فى جميع السنة أو أى زمان يتحرك فيه الشمس الى أن تعود الى موضعها، أما نصف من ذلك فالليل وأما النصف الآخر فالنهار.
وأما أن سبب سلامة ما هاهنا وبقائه هذا هو اعتدال بعد
الشمس عنها وحركتها فى هذا الفلك المائل وحركتها المضاعفة،
فذلك ظاهر بين . فان الانسان ان رام أن يزيل بالقول شيئا
من هذا النظام الموجود له، فانه انما يروم انتقاض أمر جميع
ما فى الأرض واضطرابه.
وأيضا فانه لو لم تكن حركته فى الفلك المائل لاكن فى بعض
الدوائر المتوازية، لما كان يصدر عنه اعتدال البرد والمعونة
الكائنة عن الحرارة التى تجرى الآن ومقتبس لها عنه فى مسكننا.
أما أن الأجسام الالهية وحركتها (هى سبب ما هى عليه من الانتظام) هى سبب كون الأشياء التى على الأرض وسبب سلامتها، كما قال أرسطو، وليس بسبب ذلك البخت وما من تلقاء نفسه، فللانسان أن يبين ذلك بالقول ويوقف عليه توقيفا ظاهرا من أشياء كثيرة.
فأما أن نجعل غرضنا القول فى الشمس والقمر وسائر الكواكب الباقية، من حيث يلتمس البرهان على أن الآلهة موجودة وأن حركتها بالنفس والعقل، فليس ذلك مما هو نافع للفعل الأفضل، ومع أن التصديق الذى عليه بالطبع والاعتقاد المتقدم المتفق عليه العام لجميع الناس فى ذلك هو أوضح من كل برهان.
و المعاند للقول والمضاد بأن أمر الأشياء التى قلنا
وسلامتها انما تتم بالآلهة قول من يقول فى الآلهة أن وجودها
من أجلنا وأن أفعالها الخاصة بها تتم بمثابرتها علينا وبحفظها
ورصدها لنا ولكل واحد من الأمور الصادرة عنها وانما تمنع بعض
أمورنا وتعوقه عن الكون وبعضها تطلق وتأمر فيه. وذلك أن هذا
الاعتقاد وهذا الظن لا يليقان بالآلهة أصلا، من قبل أنه ولا
ما كان من الأفعال الانسانية أفضل وأشرف يؤثر أن يكون من
أجل شىء آخر، بل كونها من أجل ذاتها . وذلك أن كون
النظر العقلى انما هو وجود الكمال له بالفعل نفسه الذى يكون
بالنظر بالفعل. وأكثر من | ذلك كثيرا وأولى أن يكون الله تعالى
انما يفعل الأفعال الخاصة به المناسبة له من أجل ذاته، لا
من حيث غرضه فى ذلك ومقصوده سلامة الأشياء التى هاهنا
وخلاصها ومن حيث أفعاله مردودة مضافة اليها.
فكما أن كل واحد من الخيرات الأخر ينتفع بحضوره ووجوده
والأشياء التى | تجاوره على أن لا شىء من أفعاله انما يصدر
عنه من أجل منفعتها (وذلك أن الصحة ليس يصدر عنها فعل
من الأفعال تقصد به منفعة الشىء المقتنى للصحة)،
وأما الله عز وجل، فليس جوهره والمنفعة عنه على هذا النحو
بل هوسبب الخيرات العظيمة لجميع الموجودات بحسب ما
يمكن فيها الاشتراك فى الخيرات، من حيث هو قيم بأمر هذا
الكل وبطبيعة جميع الموجودات. فأما هو، فحياته فى غاية
السعادة، وأما الاعتناء بالأشياء الباقية وسلامتها وبالأشياء
التابعة فى هذا المسكن، فليظهر لها من الفضل وعلى القصد
الثانى . وذلك أنه ليس انما لا يشوبه شىء من الحسد فقط
فقد تقال العناية بحسب رأيه على ضربين (وهذه هى الاعتناء الكائن عن الآلهة بالأشياء التى تكون بالطبع على القصد الأول). وذلك أنه يصح من أمر الفيلسوف أنه يقول بأن وجود العناية الى نحو فلك القمر، الا أنه يقول بأن العناية أيضا تكون بالأشياء التى تحت فلك القمر وبالعالم .فانه هو الزاعم بأن الانسان يولده الانسان والشمس.
وذلك أن انتظام الأشياء التى هاهنا بأسره | عنده هو
انتظام حركة الأجسام الالهية .فاذا ما قيل ان وجود العناية
الى نحو فلك القمر، فانما يقال أن العناية موجودة هناك.
وذلك أن الذى يوجد له فى طبعه الخاص به السرمدية وحسن النظام هو غير محتاج فى أمر وجوده الى معونة آخر فى وجه من الوجوه، وهذا حال جميع الجسم الالهى. وأما وجود العناية بحسب رأيه فى الأشياء التى تحت فلك القمر (هو على أنها فى الأشياء التى تكون بها عناية، وهذه حال الأشياء التى هاهنا التى هى المحتاجة الى العناية)، فانها محتاجة فى أن توجد بالجملة الى معونة آخر.
فان كل ما له عناية، فانما عنايته بشىء. وكذلك الجسم الالهى
أيضا ان كانت له عناية، فعنايته لا يمكن أن تكون بنفسه، فانه
غير محتاج الى ذلك أصلا. فقد بقى أن تكون عنايته بشىء آخر
غيره، والباقى غير الجسم الالهى انما هو الجسم المتغير الذى
فى الكون فقط، وهذه حال الجسم الذى تحت فلك القمر. فهذا
وقد يجب ضرورة أن تكون عناية الجسم الالهى مصروفة الى ما ليست كحاله، لا بأن تكون مصروفة اليه على جهة العرض من جميع الجهات. وذلك أنه غير جائز أن تكون عناية شىء بالشىء التابع له ضرورة على جهة العرض، من غير أن يكون لذاته الخاص به فى أمر ذلك من كل جهة من الجهات، من قبل أنه غير عارف أيضا بمبدئه. ولا أيضا عناية الآلهة بهذه الأشياء على القصد الأول من جميع الوجوه حتى تكون أفعالها الخاصة بها من أجل هذه الأشياء.
وذلك أنه ولا واحدة من هاتين الحالتين هى أهل للآلة، فان القول فى أفعال الآلهة التى هى لها على القصد الأول العناية بالأشياء التى هاهنا على أن الأفعال الخاصة بها انما هى لها من أجل وجود الأشياء التى هاهنا ونظامها وأن حركاتها نحو ذلك هو قول خارج عن القياس، اذ كان، كما قلنا مرارا كثيرة، كل ما هو من أجل شىء آخر غيره | وهو دون ذلك الشىء وأخس منه.
وكان القول بأن عناية الله هى الجارية هذا المجرى، يؤول الى هذا المعنى وهو أن يكون وجود الله عز وجل من أجل الأشياء التى ها هنا. وما هوغير واجب أكثر من هذا القول بأن الله تعالى معنى بالأوحاد الجزئية من الأشياء التى ها هنا على القصد الأول وأنه يعتنى بها ويحفظ جميع كثرتها وجميع أحوالها وأفعالها، من حيث هو راصد لها ومتفقد لأمرها، وهذا الرأى، مع ما قد تبين أنه غير واجب، فقد تبين أيضا أنه غير ممكن.
فالقول أيضا بأنه غير عارف بالأشياء الكائنة من أجله هو
شنع من كل الوجوه. فكان من الواجب أن تكون الآلهة أعلم من
جميع الأشياء بأن طبيعتها الخاصة بها هى فاعلة للخيرات.
فكان اللازم لعلمها بذلك علمها بالأشياء التابعة لمثل هذه
الطبيعة. وذلك أنه غير واجب أن يكون العارف بأن طبيعته
يلزمها أن يكون عنده العلم بأن هذه تحصى ما كان من
الأشياء شأنه أن يحصى، ولا يكون علم الفاعل للخيرات
بالخيرات تابعا لعلمه بأنه فاعلها
فليس فعل الآلهة اذن الذى لها على القصد الأول نظام
العالم والأشياء التى تكون عنها ها هنا وسلامتها، ولا أيضا
يكون عنها هذه الأمور من غير علمها بها وعن غير ارادتها.
ولا أيضا الوجود لهذه الأشياء بسبب آخر غير هذه، لاكن
وجود هذه الأشياء ونظامها تابعان لتلك. وليس يجرى كون
هذه الأشياء هذا المجرى عن غير علم الآلهة ولا أيضا عن علم
غير ارادتها. وذلك أن القول بأن الله هو كامل الوجود والخير
فكما أن ما كان من الأشياء حارا فى طبعه يلزمه أن يكون بطبعه متمما لما جاوره وأمكن فيه قبول هذا الانفعال، من غير أن يكون هو يفعل شيئا ما من أجل ذلك لاكن يكون ثابتا حافظا فقط لطبعه الخاص به، كذلك أيضا ما كان فى طبيعته بهذه الحال، أعنى بالحال التى عليها يوجد الله، يلزم أن يكون جميع الأشياء المجاورة له، كيف ما اتفق من المجاورة، يمكن فيها الاشتراك فى قوته. فانها تشترك فى الخير بمبلغ ما يمكن فيها القبول لذلك، وهى فى ذلك نظائر الأشياء التى تحمى بمجاورة الشىء الحار لها.
وذلك أنه ليس من الواجب أن يكون ما كان من الأجسام المتغيرة مما هو مجاور لأجسام متغيرة الذى يمكن فيه أن يرجع فينفعل عن الفاعل بمنفعل عنه على أن قوى الأشياء الفاعلة التى بها يفعل لا تبقى سليمة على ما هى عليه وترجع مع ذلك 〈فـ〉ـتنفعل عنه ثانية، ولا يكون سهولة انفعال الأجسام المجاورة للأشياء الحافظة لقواها واحدة بأعيانها متشابهة من قيل أنها غير متغيرة عن هذه الأشياء أكثر من ذلك بكثير. وأما القوة الالهية، فقد تتأدى وتصل الى الأشياء الهيولانية التى تحت فلك القمر على هذه الجهة.
فقد كنا بينا أن جميع الجرم الالهى يتحرك بطبعه حركة دورية، وقد تبين أن الحركة السرمدية والمتصلة والمتساوية هى لما كان من الأجسام طبيعيا غير فاسد ولهذا السبب لما كان مبدأ حركته فيه صارت هذه الحركة وحدها موجودة له فى طبعه. وقد يتحرك الحركة الدورية حول جميع الجسم الهيولانى الذى فى الكون، وهذا الجسم، لما كان متغيرا مستحيلا، وهو متصل بالطبع على نحو من الأنحاء بذلك الجرم. وذلك أنه 〈لما〉 ليس يوجد خلاء ما بينهما، صار لمجاورته له وتماسه يقتبس من قوته الصادرة عنه، والقوة التى تتأدى عن الأجرام الالهية الى الأجسام المتغيرة المستحيلة توجد وتكون فيها لمجاورتها للطبائع التى هاهنا.
ولهذا السبب صح من أمر جميع ما قوامه بالطبيعة أن فيه
ولهذا السبب صار الشىء | الطبيعى قبل الأشياء كلها، بعد أنه صناعة الاهية. فهذه القوة وهذه الطبيعة، لما كانت الاهية وعن الآلهة، صارت تفيد الأشياء التى توجد فيها من الاشتراك بها بمبلغ ما فيها من الامكان لذلك.
فما كان من هذا الجسم مبلغ الامكان فيه أن يكون مشتركا
بالنفس، فانها تجعل ما كانت هذه حاله | من الجسم متنفسا،
وتجعل الباقى غير متنفس. وما كان له منه مع هذه الحال الامكان
والمتنفس بحسب حكم الطبيعة ومعناها أفضل من غير المتنفس، وما كان من المتنفس ذا حس، فهو أفضل مما ليس هو كذلك، والأكمل من جميع المتنفسة الميتة ما كان من هذه مقتنيا للعقل.
ولذلك صار الانسان من بين سائر الأشياء التى هاهنا الاهيا جدا وهو أكمل ما يكون من الأشياء التى قوامها بالطبع فى الأجسام الميتة التى فى الأرض.
وذلك أن القوة الالهية التى سميناها أيضا الطبيعة وتقوم
الأشياء التى توجد فيها وتصوغها بنسبة ما ونظام، من غير أن
فانه غير جائز أن يكون مولودات الحيوانات المائتة تظهر فى أفعالها وحركاتها أمارات وعلامات على جنسها ويكون المتولد عن الآلهة غير حافظ فى الأشياء التى يوجد فيها حسن النظام الذى هو من الالهية.
وينبغى أن نعلم أن الحركة التى تكون عن | الطبيعة شبيهة
على وجه من الوجوه بما يظهر فيما يكون عن أصحاب الأعجوبات
والحيل. فان هذه كثيرا ما نراها، وهى غير متنفسة، تكون
وينبغى أن نعلم أن وجود هذا المعنى للطبيعة أكثر كثيرا من قبل أنها صانع هو أفضل. فان المتقدم للكون فى الأشياء التى يوجد فيها دائما بالفعل فاعل لما هو بعده فى المرتبة، الى أن يبلغ الأمر الذى يجرى كونه على هذا الأمر من النظام، كمالا محدودا، ما لم يعق عن ذلك عائق. وذلك أن جميع ما يكون بالطبع له كمال ما، وهذا الكمال هو الذى 〈الأشياء〉 اذا حصلت فيه كفت وأمسكت عن الكون.
كما نرى فيما يكون عن الصناعة أن الأمر يوجد على هذا من الحال. الا أن فى الصناعات، اذا تقدم الصناع، فعرفوا الغاية المقصود اليها يجعلونها أغراضهم فى الأشياء التى تكون عنهم. وأما الطبيعة والأشياء التى تكون عنها، فانما تتكامل وتتم العناية بها عن لزوم واتصال الأشياء الكائنة.
وذلك أنه لو كان من الممكن فى كل جسم مما هاهنا أن يكون
مشاركا للنفس والعقل، لقد كان كل ما يتكون عن الطبيعة ذا
عقل. ولاكن لما كان ذلك غير ممكن، 〈فانما كان بعض الأجسام
مشاركة للنفس والعقل〉. وذلك أنا لسنا نرى ولا فيما يكون عن
الصناع أيضا أن كون الشىء من أى مادة اتفق من الأشياء
وذلك أن هذا هو السبب فى أن يكون الانسان تتفاضل أحواله فى وقت دون وقت وأن يكون الناس بعضهم أطبع من بعض وأجود قريحة وتهيؤاً وبعضهم فى ذلك أسوأ حالا من بعض وبعضهم فى قرائحهم أشد تخلفا وبعضهم أشد تقدما.
فلهذا السبب طبيعة بعض الأشياء هى مقتنية لغايتها
وكمالها الخاص بها لشىء آخر ولا يمكن فيها أن تكون بأعيانها
تقتنى نفسا، بمنزلة كل واحد من الأجسام الأخر البسيطة التى
فى الكون. وبعضها | يمكن فيها أن تكون مشاركة بالنفس أيضا،
وبعضها انما مبلغ الأمر فيها أن تمعن وتدرج الى نحو الاشتراك
وتوجد الطبيعة والعناية الالهية بالأشياء التى هاهنا بمبلغ
الامعان فيها الى نحو كون جوهر هذه الأشياء والفصل الذى
بحسب الجوهر والصورة الموجودة فيها. وذلك أن كون القوة
التى عن الله فى الجسم الفاسد الذى له قوة وتماسك على
قبول ذلك الى هذا المقدار، أعنى الى كون | جوهره وصورته،
ووجود هذه القوة بكونها فى هذه الأشياء التى هاهنا عن
مجاورتها لتلك الأجسام الالهية وحركتها التى تجرى على نحو
ما كما قلنا. وهذه القوة قد تحرك الأشياء على جهة مثال حركة
وهذه المعانى قد نجد أرسطو يذكرها ويدونها فى كثير
من كتبه، كما من عادته | أن يدون ويذكر هذه المعانى. ولا بأس
أن نذكر نحن أيضا لتصحيح ما قلناه فى هذه المعانى شيئا
شيئا ما قلناه فى ذلك بايجاز فى كتاب السماء وفى مقالته فيما
بعد الطبيعة. فانه فى المقالة الأولى من كتاب السماء، عندما
فأما فى المقالة الأولى من كتابه فيما بعد الطبيعة، فعند ما
يتكلم فى العلة الأولى ويلخص أمر الحركة التى تكون عنها
فى الجسم الالهى، عندما يقول «انها تحرك كالمعشوق»، ويضيف
الى ذلك هذا القول 〈«وأما بالمتحرك فتحرك الأشياء الباقية»،〉
فهوأنه يعنى بتلك «الباقية» الأشياء التى تحت فلك القمر وجميع
الجسم السماوى. وهو يصرح بأن سبب تغير هذه الأشياء التى
وذلك أن القول بأن أحق الأسباب لتغير الأشياء التى هاهنا واستحالتها الحركة الدائمة المتصلة التى للأجسام السماوية الالهية هو واجب كثيرا من الوضع بأن الهيولى، لما كانت هى وتغيراتها متصلة دائمة، فلذلك يلزم ضرورة أن تصير الأشياء التى تكون أسبابا للتى تكون بعدها، ومن وضع 〈من وضع〉 أسبابا ما على الموالاة تجرى هذا المجرى. وذلك أن هذا الوضع ليس يحق ولا يوافق أيضا الأشياء الظاهرة، من قبل أن ولا واحد من الأشياء التى تتقدم يوجد هو سبب لشىء مما بعده وأشياء كثيرة تكون باطلا ولا أيضا التى تكون عن التتابع بعضها لبعض يرى أن جميعها انما تكون من أجل التى تتكون قبلها.
وأما أن نضيف كون الأشياء التى تحت الأجسام الالهية الى دورانها الحسن | النظام والدائم، فذلك أنه موافق للأشياء الظاهرة وهوأوجب من جميع الأشياء كثيرا. والأجسام الالهية بتوسط الطبيعة ليس انما تعنى فى أمر الأشياء التى هاهنا بكونها فقط، بل تعنى أيضا بوجودها وسلامتها من بعد كونها كما قلنا.
فكما أن الأب يفيض الى ولده ما كان من الأملاك ضرورى فى باب حياته، كذلك الطبيعة منحت جميع الأشياء المحتاجة الى الغذاء غذاء كافيا اما الأشياء المنتشئة فى الارض، فلطفت لها فى أمر غذائها عندما جعلته لها بتوسط الأرض، واما الأشياء التى تبدل أماكنها، فعندما جعلت لها الثمار التى هى بالطبع معتدلة لكل واحد من المواضع التى تنتقل اليها، واما الأشياء التى تجول جميع المواضع وتسعى اليها على سير واحد بعينه، ففى مكان أعدت للناس الغذاء وفرغت من اعداد ذلك وآثرتهم بذلك بمنزلة انسان يفضل ويشرف المحبوبين من أولاده على آخرين، كذلك الطبيعة ليست انما أفادتنا ومنحت ما هو ضرورى فى أمر حياتنا فقط، لاكن لم تنقص ولم تخل لنا ولا واحد من الأشياء الأخر، مثلا أقول مما يمكن اعداده فى أمر حياة هى الغاية فى الفضيلة.
فان طبيعتنا ليست بمحتاجة الى كثير معونة وحيلة من خارج
فى أمر المعاش الذى هو فى غاية الفضيلة الذى كان فيه
وعنها أيضا يفعل الأفعال التى تشوق الى قنية السعادة
المناسبة له. وذلك أن المعرفة بالالهيات انما تحصل لنا عن
العقل، وهى المعرفة التى بنا خاصة نخالف بها سائر الحيوانات
فان كان الناس بالقوة، فمن قبل ما هو بهذا من الحال فهو
غير تام ولا هو كامل ضعيف. وما كان من جميع الأشياء بالقوة،
تمت المقالة والحمد لله كثيرا كما هو أهله.