Data Entry
بسم الله الرحمان الرحيم، اللهم يسر برحمتك
مقالة الاسكندر الأفروديسى فى الحس وكيف هو على مذهب أرسطوقال الاسكندر ان أرسطو لما فرغ من كتابه الذى يدعى كتاب النفس من القول فى صفة القوة الغاذية، أردف قوله فى صفة الحس وكيف يكون. غير أنه ذكر أولا جميع الحواس فقال فيها بقول كلى، ثم بين كل واحد على حدة [ليس فيما فيه كل واحد على حدته].
ثم قال ان الحس 〈يكون〉 بأن يتحرك الشىء ويقبل الأثر (فان الحس انما يكون بحركة ما وأثر) [لأنه لا يتغير من المغير].
فنقول نحن ان الفيلسوف عنى بقوله هذا أن الحس يكون بتغير وقبول الأثر، ثم ذكر كيف يكون الأثر وكيف يكون المؤثر فيه. وذلك أن من الأولين من قال ان الشبـ[ـيـ]ـه يقبل الأثر من شبهه ومنهم من قال ان الضد يقبل الأثر من ضده.
وانما ذكر الفيلسوف ذلك، لأنه مما يلائم ما يريد من صفة الحس وأى شىء هو، فان كان مؤثرا، بما أثر فيه المؤثر فيه، والحس هو أثر من الآثار وانما أثر من مؤثر.
غير أن الحكيم طلبه، قبل أن يلخص الحس، فقال لم لا يحس الحواس ذواتها، اذ كانت محسوسة، لاكنها تحس بالمحسوسات الخارجة فقط؟
فأطلق | هذه المسئلة بأن قال ان الحس انما هو بالقوة،
فلما فرغ الحكيم من قوله ان الحس يكون بقبول الآثار وان الحس ضربان اما بالقوة واما بالفعل، أتبع قوله فقال كيف يكون القابل للآثار ومما يقبل تلك، أمن شبهه أم من ضده.
فلخص ذلك بأن قال ان القابل للآثار المنفعل يقبل الآثار من المحرك بالفعل على الهيئة التى يقوى المنفعل المؤثر فيه على أن يكون عليها. فأرى بقوله هذا أن الشىء المنفعل المؤثر فيه ربما قبل الأثر والفعل من شبهه وربما قبل الفعل والأثر من ضده.
وذلك أن الشىء المنفعل المؤثر فيه لا يشبه الفاعل المؤثر قبل أن ينفعل ويقبل الأثر، فاذا انفعل وقبل الأثر صار شبه الفاعل المؤثر.
فنرجع الآن الى ما كنا فيه فنقول ان الحس الكائن بالقوة لا يشبه المؤثر الفاعل فيه قبل أن يقبل الأثر والفعل، فاذا قبل الأثر والفعل صار شبهه [لا محالة بل يصير واحدا].
وقال الحكيم بعد فراغه مما ذكرنا وقوله «ان الحس ضربان أحدهما بالقوة والآخر بالفعل»، ان القوة والفعل ينفصل كل واحد منهما بفصلين، ليرينا أن الحس لا يتحرك ولا ينفعل بالحقيقة، لأنه ليس خروج كل قوة الى الفعل يكون بالانفعال والحركة.
فقال ان كل شىء كائن بالقوة يكون على ضربين: أحدهما كالذى فى قوته وطبيعته أن يقبل التعليم، وان كان ليس بعالم، والضرب الآخر كالعالم القابل للعلم والحكمة وان كان لا يعلم، فانه عالم. وكذلك العالم 〈بالفعل〉 على ضربين 〈أحدهما〉 العالم الذى لا يعلم والضرب الآخر العالم الذى يعلم.
فلما فرغ الحكيم من تحصيل القوة والفعل وأن كل واحد منهما على نوعين، قال ان الشىء اذا كان بالقوة | من النوع الأول، أعنى اذا كان ممكنا لقبول الشىء ، لا يؤول الى الفعل بغير استحالة، أعنى بغير انفعال وقبول الأثر، واذا كان الشىء بالقوة من النوع الثانى، أعنى اذا كان قويا على الفعل محكما له، وان كان غير فاعل، فذلك يؤول الى الفعل بغير استحالة، أعنى بغير انفعال وقبول الأثر، مثل الكاتب الماهر البارع: اذا كتب، لم يستحل.
فلما بين الحكيم فقال انه ليس كل قوة تؤول الى الفعل
وتنتقل اليه باستحالة وقبول الأثر، فصل الاستحالة أيضا
والانفعال فقال ان الاستحالة نوعان أحدهما الاستحالة
الكائنة من القوة الى الفعل، أعنى القوة التى من النوع الأول،
وهى الكائنة بفساد الشىء من ضده المخرجة للشىء من حاله
التى هى عليها. فأما النوع الثانى، فهو الاستحالة الكائنة من
القوة الى الفعل، أعنى القوة التى من النوع الثانى، وهى
... وان يدعى هذا النوع استحالة حقا، لأن الاستحالة الحق تؤول من شىء الى شىء وضد الى ضد. فان سماها أحد استحالة، كان جنسا آخر وطبيعة أخرى من طبائع الاستحالات. فان العالم قد يعلم بغير استحالة ولا حركة مؤثرة. فان كان لم يستحل، لم ينتقل أيضا عن حاله، لا انتقالا كيفيا ولا انتقالا موضعيا.
فقد استبان أن الحس الكائن بالقوة من النوع الثانى يؤول
فلما فرغ الحكيم من ذكر هذه الأشياء وتلخيصها، فصل أيضا التنقل فقال متى تنتقل القوة الى الفعل باستحالة ومتى تنتقل القوة الى الفعل بغير استحالة. فقال ان انتقال القوة المتهيئة الى الفعل يكون بغير استحالة، وهى القوة الكائنة من النوع الثانى، يشبه | العلم اذا لم يكن بالتعليم (فانه يعلم الشىء بغير حركة ولا استحالة، ولا يسمى حينئذ هذا العلم حركة ولا استحالة)، لاكن 〈يكون〉 نوعا آخر من أنواع الانتقال، وهو المتمم المكمل 〈لـ〉ـظاهر العلم. فأما العلم الكائن بالتعليم، وهو النوع الأول من القوة، فانه لا يكون الا (؟) بحركة واستحالة، وقد يسمى هذا التنقل حركة واستحالة.
فان كان هذا على ذا، ينبغى أن نقول ان [نوع] الاستحالة نوعان أحدهما الاستحالة الكائنة من القوة الى التهيئة، أعنى تهيئة الفعل، والآخر الكائن من التهيئة الى الفعل.
فلما فرغ الحكيم من تلخيص هذه الأشياء، رجع الى الحس وبين وأوضح الحس الكائن بالقوة من النوع الأول وكيف يكون ومن أى الأشياء ينتقل الى التهيئة، وما الحس الكائن بالقوة من النوع الثانى وكيف يكون ومن أى الأشياء ينتقل الى الفعل.
فقال ان الحس الكائن با〈لقوة من ا〉لنوع الأول المنتقل الى
التهيئة يكون عند كون الحيوان. فان الحيوان الذى فى
الكون ليس بمتهيئ لحس الأشياء (؟) بعد، لاكنه قابل
لتهيئة الحس. فاذا كون وفرغ منه، كان حينئذ تهيئة
فلما فرغ الحكيم من صفة الحس الكائن بالقوتين وكيف يكون
كل واحد منهما، ذكر بعد ذلك أيضا كيف يكون الحس
بالفعل فقال ان الحس بالفعل يكون كالعلم سواءً. غير أنه
ولخص الحكيم ذلك وبينه، وذلك أنه قال ان الحس ينال الأشياء الجزئية التى لا يمكن أن تكون فى داخل الحاس، فان لها أشخاصا ثابتة قائمة. فأما العقل 〈والعلم〉 فيعرفان، الأشياء الكلية التى ليست لها أشخاص ثابتة قائمة، لاكن يكون قوامها وثباتها فى داخل الفكرة والذهن.
وبين الحكيم وأوضح كيف يكون ذلك بأن قال ان قوام
الأشياء الكلية وعلة | كونها هى الأشياء الجزئية وفيها ثباتها.
وأما [قوام] الكلية (فانها كلية عامية) فقوامها فى الفكرة. فلذلك
صار قوام الكلية فى فكر المفكر وصارت استطاعة الفكر فيها اليه،
ونقول 〈انه〉 كما أن الحس لا يقدر أن يحس محسوسه الا بحضوره، كذلك الصناعات أيضا لا تقدر أن تفعل شيئا ما الا بحضور المصنوع، أقول أن الصانع لا يسطيع أن يصوغ الأشياء الا بحضور نحاس وحديد أو شىء من العناصر التى يمكنه أن يفعل فيها.
وقد لخص الحكيم فى كتابه، أعنى كتاب النفس، وبين فيه لم صارت استطاعة الفكر فينا ولم تكن استطاعة الحس فينا تلخيصا مستقصى.
فأما نحن فترجع 〈الآن〉 الى ما كنا فيه فنقول بقول جامع
ان الحكيم حد الحس فقال انه هو الكائن بالقوة من النوع
الثانى، الكائن كالمحسوس بالفعل. فانه الذى ينفعل ويقبل
وانما عنى الحكيم بالانفعال الاستحالة، وليس هذا النوع
من أنواع الاستحالة الصادقة، لاكن لما لم نقدر أن نسمى
الأشياء كلها على حقائق اسمائها، سمينا هذا النوع استحالة
فقد استبان الآن وصح أن حد الحس هو الانتقال الكائن من القوة الثانية الى الفعل بلا انفعال ولا استحالة ولا حركة البتة، كما بين الحكيم بأقاويل مضطرة مقنعة.
[قال المفسر] انا نريد الآن أن نذكر نحن رؤوس ما ذكر الحكيم ونبينه بقول موجز(؟) مختصر ليقوى الفكر على حفظها.
فنقول ان الحكيم ذكر أولا الحس وبينه بأن قال ان الحس يكون بالانفعال والحركة.
ثم ذكر الانفعال وفحص عنه وهل ينفعل الشىء من شبهه أم من ضده.
ثم سأل فقال لم لا يحس الحواس ذواتها اذ كانت مححسوسة. فأطلق المسئلة بأن قال ان الحس هو بالقوة، فينبغى أن يكون | محسوسة بالفعل، أعنى المحسوس القادر أن يصير الحس بالفعل حسا.
ثم فصل الحس فقال ان الحس نوعان أحدهما بالقوة والآخر بالفعل.
ثم فصل الفعل والانفعال فقال ان الفعل حركة من الفاعل والانفعال تحريك من المؤثر فى المفعول (؟).
ثم ذكر الانفعال فقال ان الشىء ينفعل ويتحرك من الفاعل الذى هو بالفعل على الحال التى يقدر المنفعل أن يكون عليها. فلذلك صار الشىء، ما دام فى طريق الانفعال، لا يشبه الفاعل، فلما انفعل وقبل الأثر، صار شبهه.
فقال الحكيم لذلك ان الحس نوعان، اما بالقوة واما بالفعل،
ثم فصل القوة بأن قال ان القوة نوعان أحدهما القوة التى فى ذاتها قبول الفعل، وهى القوة الهيولانية، والنوع الثانى هو القوة المتهيئة للفعل.
ثم فصل الفعل أيضا بأن قال ان الفعل نوعان أحدهما هو الفاعل المتهيئ للفعل، وان كان ساكنا غير فاعل، و〈النوع〉 الثانى هو بالفعل والعمل، [أى أنه ليس بساكن (؟)].
ثم ذكر أيضا القوة فقال انه ليس كل قوة تؤول الى الفعل تؤول وتنتقل 〈اليه〉 باستحالة.
ثم فصل الاستحالة أيضا فقال ان الاستحالة نوعان أحدهما يكون بانفعال والآخر بغير انفعال وتحرك.
ثم فصل الانفعال أيضا فقال ان الانفعال نوعان أحدهما
بغير فساد من ضده ولا خروج من حال الى حال، لاكنه يكون
بحفظ الشىء على حاله وصموده وذهابه الى تمامه وكماله
فقد بين الحكيم بقوله هذا أن الحس، وان انفعل من محسوسه، لاكنه لا ينفعل كسائر الأشياء التى تنفعل وتفسد وتنتقل من حال 〈الى حال〉، بل ينفعل الحس كالصاعد الى تمامه وكماله، بلا فساد منه ولا انتقال من حال الى حال كانتقال الحبة الى السنبلة والسنبلة الى الحبة.
ثم ذكر الحكيم الحس أيضا فقال ان هذا [النوع] لا يدعى استحالة حقا، لأنه لا ينفعل ويقبل الأثر بفساد، وانما سميناه بهذا | الاسم لما لم نجد له اسما ملائما له لضيق الاسماء واللغة.
فلما فرغ الحكيم من تلخيص هذه الأشياء، حد الحس فقال
فقد استبان الآن وصح بأقاويل مضطرة 〈مقنعة〉 أن الحس هو الكائن بالقوة الثانية، المنفعل المؤثر 〈فيه〉 الذاهب الى الفعل من المحسوس بلا استحالة ولا حركة البتة.
تمت المقالة فى الحس، والحمد لله كثيرا، كما هو أهله