Data Entry
«المتفقة أسماؤها» — يقال إنها التى الاسم فقط عام لها، فأما قول الجوهر الذى بحسب الاسم، فمخالف. ومثال ذلك: الإنسان، والمصور — حيوان ؛فإن هذين الاسم فقط عام لها، فأما قول الجوهر الذى بحسب الاسم فمخالف؛ وذلك أن موفياً إن وفى فى كل واحد منهما ما معنى أنه حيوان، كان القول الذى يوفى فى كل واحد منهما خاصاً له.
و«المتواطئة أسماؤها» — يقال إنها التى الاسم عام لها، وقول الجوهر الذى بحسب الاسم واحد بعينه أيضا. ومثال ذلك: الإنسان، والثور — حيوان ؛وقول الجوهر واحد بعينه أيضا، وذلك أن موفيا إن وفى فى كل واحد منها ما معنى أنه حيوان، كان القول الذى يوفى واحداً بعينه.
و«المشتقة أسماؤها» — يقال إنها التى لها لقب شىء بحسب اسمه، غير أنها مخالفة فى التصريف، ومثال ذلك: الفصيح — من الفصاحة، والشجاع — من الشجاعة.
التى تقال: منها ما تقال بتأليف، ومنها ما تقال بغير تأليف. فالتى تقال بتأليف كقولك: الإنسان يحضر، الثور يغلب، والتى تقال بغير تأليف كقولك: الإنسان، الثور، يحضر، يغلب.
الموجودات: منها ما تقال على موضوع ما وليست ألبتة فى موضوع ما
كقولك: «الإنسان»: فقد يقال على إنسان ما وليس هو ألبتة فى موضوع ما.
ومنها ماهى فى موضوع وليست تقال أصلا على موضوع ما (وأعنى بقولى:
«فى موضوع»، الموجود فى شىء لا كجزء منه، وليس يمكن أن يكون
قوامه من غير الذى هو فيه): ومثال ذلك:» نحو ما»، فإنه فى موضوع،
أى فى النفس، 〈وليس〉 يقال أصلا على موضوع ما؛ و«بياض ما»
هو فى موضوع، أى فى الجسم (إذ كان كل لون فى جسم)، وليس يقال
ألبتة على موضوع ما. ومنها ما تقال على موضوع وهى أيضا فى موضوع.
ومثال ذلك: «العلم»، فإنه فى موضوع، أى فى النفس، ويقال على
موضوع أى على الكتابة. ومنها ما ليست هى فى موضوع، ولا تقال على
موضوع، ومثال ذلك: «إنسان ما» أو «فرس ما»، فإنه ليس
شىء من ذلك وما جرى مجراه لا فى موضوع، ولا يقال على موضوع .
متى حمل شىء على شىء حمل المحمول على الموضوع، قيل كل ما يقال على المحمول على الموضوع أيضا. مثال ذلك: أن الإنسان يحمل على إنسان ما، ويحمل على الإنسان الحيوان، فيجب أن يكون الحيوان على إنسان ما أيضا محمولا، فإن إنسانا ما هو إنسان وهو حيوان.
الأجناس المختلفة التى ليس بعضها مرتباً تحت بعض، فإن فصولها أيضا فى النوع مختلفة، من ذلك أن فصول الحيوان كقولك: المشاء، والطير، وذو الرجلين، والسابح؛ وفصول العلم ليست أشياء من هذه، فإنه ليس يخالف علم علماً بأنه ذو رجلين. — فأما الأجناس التى بعضها تحت بعض، فليس مانع يمنع من أن يكون فصول بعضها فصول بعض بأعيانها، فإن الفصول التى هى أعلى تحمل على الأجناس التى تحتها حتى تكون جميع فصول الجنس المحمول هى بأعيانها فصول الجنس الموضوع.
كل واحد من التى تقال بغير تأليف أصلا، فقد يدل إما على «جوهر» وإما على «كم»، وإما على «كيف»، وإما على «إضافة»، وإما على «أين»، وإما على «متى»، وإما على «موضوع»، وإما على «أن يكون له»، وإما على «يفعل»، وإما على «ينفعل». فالجوهر على طريق المثال كقولك: إنسان، فرس. والكم كقولك: ذو ذراعين، ذو ثلاث أذرع. والكيف كقولك: أبيض، كاتب. والإضافة كقولك: ضعف، نصف. وأين كقولك: فى لوقين، فى السوق. ومتى كقولك: أمس، عاما أول. وموضوع كقولك: متكىء، جالساً. وأن يكون له كقولك: متنعل، مسلح. ويفعل كقولك: يقطع، يحرق. وينفعل: ينقطع، يحترق.
وكل واحد من هذه التى ذكرت إذا قيل 〈قيل〉 مفردا على حياله، فلم يقل بإيجاب ولا سلب أصلا. لكن بتأليف بعض هذه إلى بعض تحدث الموجبة والسالبة. وإن كل موجبة أو سالبة يظن أنها إما صادقة، وإما كاذبة. والتى تقال بغير تأليف أصلا فليس منها شىء صادقاً ولا كاذبا، ومثال ذلك: أبيض، يحضر، يظفر.
فأما الجوهر الموصوف بأنه أول بالتحقيق والتقديم والتفضيل فهو الذى لا يقال على موضوع ما، ولا هو فى موضوع ما. ومثال ذلك: إنسان ما، وفرس ما. فأما الموصوفة بأنها جواهر ثوان فهى الأنواع التى فيها توجد الجواهر الموصوفة بأنها أول. ومع هذه الأجناس هذه الأنواع أيضا. ومثال ذلك أن إنسانا ما هو فى نوع، أى فى الإنسان؛ وجنس هذا النوع الحى. فهذه الجواهر توصف بأنها ثوان كالإنسان والحى. — وظاهر مما قيل أن التى تقال على موضوع فقد يجب ضرورةً أن يحمل اسمها، وقولها يقال على ذلك الموضوع. ومثال ذلك أن الإنسان يقال على موضوع أى على إنسان ما، فاسمه يحمل عليه، فإنك تحمل الإنسان على إنسان ما، وقول الإنسان يحمل على إنسان ما. فإن إنساناً ما هو إنسان، وهو حى، فيكون الاسم والقول يحملان على الموضوع. فأما التى فى موضوع ففى أكثرها لا يحمل على الموضوع، لا اسمها ولا حدها، وفى بعضها ليس مانع يمنع من أن يحمل اسمها على الموضوع؛ فأما قولها فلا يمكن. مثال ذلك: أن الأبيض هو فى موضوع، أى فى الجسم، وهو يحمل على الموضوع؛ وذلك أن الجسم قد يوصف بأنه أبيض. فأما قول الأبيض فليس يحمل فى حال من الأحوال على الجسم.
وكل ما سواها فإما أن يكون على موضوعات، أى يقال على الجواهر الأول؛ وإما أن يكون فى موضوعات، أى يقال فيها، وذلك ظاهر من قبل التصفح للجزئيات: مثال ذلك أن الحى يحمل على الإنسان، فهو أيضا على إنسان ما. فإنه إن لم يكن ولا على واحد من أشخاص الناس فليس هو ولا على إنسان أصلا؛ وأيضا إن اللون فى الجسم، فهو أيضا فى جسم ما، فإنه إن لم يكن فى واحد من الجزئية فليس هو ولا فى الجسم أصلا.
فيجب أن يكون كل ما سواها إما أن يكون على موضوعات، أى يقال على الجواهر الأول؛ وإما أن يكون فى موضوعات، أى يقال فيها. فيجب إذاً إن لم يكن الجواهر الأول ألا يكون سبيل إلى أن يوجد شىء من تلك الأخر. وذلك أن كل ما سواها فإما أن يكون على موضوعات، أى يقال عليها؛ وإما فى موضوعات، أى فيها.
والنوع — من الجواهر الثانية — أولى بأن يوصف جوهراً من الجنس،
لأنه أقرب من الجوهر الأول. وذلك أن موفيا إن وفى الجوهرالأول
ما هو كان إعطاؤه النوع أشد ملاءمةً وأبين فى الدلالة عليه من إعطائه
الجنس. مثال ذلك أنه إن وفى إنساناً ما ما هو، كان إعطاؤه أنه إنسان
أبين فى الدلالة عليه من إعطائه أنه حى، فإن ذلك أخص بإنسان ما، وهذا
أعم؛ وإن وفى شجرةً ما ما هى، كان إعطاؤه أنها شجرة أبين فى الدلالة عليها
من إعطائه أنها نبت. وأيضا فإن الجواهر الأول لما كانت موضوعة
وأما ما كان من الأنواع ليس هو جنسا، فليس الواحد منها أولى من
الآخر بأن يوصف جوهرا، إذ كان ليس توفيتك فى إنسان ما أنه إنسان
أشد ملائمة من توفيتك فى فرس ما أنه فرس. وكذلك ليس الواحد من
الجواهر الأول أولى من الآخر بأن يوصف جوهرا، إذ كان ليس إنسان
ما أولى بأن يوصف جوهرا من فرس ما. وبالواجب صارت الأنواع
والأجناس وحدها دون غيرها تقال بعد الجوهر الأول جواهر ثوانى،
لأنها وحدها تدل على الجواهر الأول من بين ما تحمل عليه؛ فإن موفيا إن
وفى إنساناً ما ما هو، فوفاه بنوعه أو بجنسه كانت توفيته له ملائمة؛ وإذا
وفاه بأنه إنسان كان ذلك أبين فى الدلالة عليه من توفيته له بأنه حى؛ وإن
وفاه بشىء مما سوى ذلك أى شىء كان، كانت توفيته له غريبة مستنكرة:
كما إذا وفى بأنه أبيض أو أنه يحضر أو شىء من أشباه ذلك أى شىء كان.
فبالواجب قيلت هذه دون غيرها جواهر. وأيضا لأن الجواهر الأول
موضوعة لسائر الأمور كلها، وسائر الأمور كلها محمولة عليها، أو موجودة
وقد يعم كل جوهر أنه ليس فى موضوع، فإن الجوهر الأول ليس
يقال على موضوع، ولا هو فى موضوع. والجواهر الثوانى قد يظهر بهذا
الوجه أنه ليس شىء منها فى موضوع. فإن الإنسان يقال على موضوع،
أى على إنسان ما، وليس هو فى موضوع، أى فيه. وذلك أن الإنسان
ليس هو فى إنسان ما؛ وكذلك أيضا الحى يقال على موضوع، أى على
إنسان ما، وليس الحى فى إنسان ما. وأيضا التى فى موضوع، فليس
مانع يمنع من أن يكون اسمها فى حال من الأحوال يحمل على موضوع. وأما
قولها فلا سبيل إلى أن يحمل عليه. فأما الجواهر الثوانى فإنه يحمل على
الموضوع قولها واسمها، فإنك تحمل على إنسان ما قول الإنسان وقول الحى.
فيجب من ذلك أن الجوهر ليس هو مما فى موضوع، إلا أن هذا ليس
بخاصة للجوهر، لكن الفصل أيضا هو مما ليس فى موضوع، فإن الماشى
وذا الرجلين يقالان على موضوع، أى على الإنسان؛ وليسا فى موضوع،
وذلك أن ذا الرجلين ليس هو فى الإنسان، ولا الماشى. وقول الفصل
أيضا محمول على الذى يقال عليه الفصل، مثال ذلك أن المشاء إن كان
ومما يوجد للجواهر وللفصول أن جميع ما يقال منهما إنما يقال على طريق المتواطئة أسماؤها، فإن كل حمل يكون منهما فهو إما أن يحمل على الأشخاص، وإما على الأنواع؛ فإنه ليس من الجواهر الأول حمل أصلا، اذ كان ليس يقال على موضوع ما ألبتة. فأما 〈فى〉 الجواهر الثوانى فالنوع يحمل على الشخص، والجنس على النوع وعلى الشخص. وكذلك الفصول تحمل على الأنواع وعلى الأشخاص. والجواهر الأول تقبل قول أنواعها وأجناسها، والنوع يقبل قول جنسه، إذ كان كل ما قيل على المحمول فإنه يقال أيضا على الموضوع؛ وكذلك تقبل الأنواع والأشخاص قول فصولها أيضا. وقد كانت المتواطئة أسماؤها هى التى الاسم عام لها والقول واحد بعينه أيضا؛ فيجب أن يكون جميع ما يقال من الجواهر ومن الفصول فإنما يقال على طريق المتواطئة أسماؤها.
وقد يظن بكل جوهر أنه يدل على مقصود إليه بالإشارة. فأما
الجواهر الأول فبالحق الذى لا مرية فيه أنها تدل على مقصود إليه
بالإشارة، لأن ما يستدل عليه منها شخص واحد بالعدد. وأما الجواهر
ومما للجواهر أيضا أنه لا مضاد لها. فماذا يضاد الجوهر الأول، كإنسان ما! فإنه لا مضاد له؛ ولا للإنسان أيضا، ولا للحيوان مضاد. إلا أن ذلك ليس خاصا بالجوهر، لكنه فى أشياء أيضا كثيرة غيره، مثال ذلك فى الكم: فإنه ليس لذى الذراعين مضاد، ولا للعشرة، ولا لشىء مما يجرى هذا المجرى، إلا أن يقول قائل: إن القليل ضد الكثير، أو الكبير ضد الصغير، لكن الكم المنفصل لا مضاد له.
وقد يظن بالجوهر أنه لا يقبل الأكثر والأقل. ولست أقول إنه
ليس جوهر بأكثر من جوهر فى أنه جوهر، (فإن ذلك شىء قد قلنا به)
لكنى أقول: إن ما هو فى جوهر جوهر ليس يقال أكثر ولا أقل:
مثال ذلك أن هذا الجوهر إن كان إنسانا فليس يكون إنساناً أكثر
وقد يظن أن أولى الخواص بالجوهر أن الواحد منه بالعدد هو بعينه
قابل للمتضادات، والدليل على ذلك أنه لن يقدر أحد أن يأتى بشىء مما
ليس هو جوهراً، الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات، مثال ذلك
أن اللون الواحد بالعدد هو بعينه لن يكون أبيض وأسود، والفعل الواحد
بالعدد هو بعينه يكون مذموما أو محمودا، وكذلك نحو الأمر فى سائر الأشياء
مما ليس بجوهر. فأما الجوهر فإن الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل
للمتضادات، مثال ذلك: «إنسان ما»، فإن هذا الواحد هو بعينه يكون
أبيض حيناً وأسود حينا، وحارا وباردا، وطالحا وصالحا. ولن يوجد
ما يجرى هذا المجرى فى شىء مما سوى الجوهر أصلا اللهم إلا أن يرد ذلك
وأما الكم فمنه منفصل، ومنه متصل. وأيضا منه ما هو قائم من أجزاء فيه لها وضع بعضها عند بعض، ومنه من أجزاء ليس لها وضع. فالمنفصل مثلا هو: العدد والقول؛ والمتصل: الخط، والبسيط، والجسم، وأيضا مما يطيف بهذه الزمان والمكان.
فإن أجزاء العدد لا يوجد لها حد مشترك أصلا يلتئم عنده بعض
أجزائه ببعض، مثال ذلك أن الخمسة — إذ هى جزء من العشرة —
فأما الخط فمتصل، لأنه قد يتهيأ أن يؤخذ حد مشترك تتصل به أجزاؤه: كالنقطة؛ وفى البسيط الخط، فإن أجزاء السطح قد تتصل بحد ما مشترك، وكذلك أيضا فى الجسم قد تقدر أن تأخذ حدا مشتركا وهو الخط أو البسيط، تتصل به أجزاء الجسم — ومما يجرى هذا المجرى أيضا الزمان والمكان. فإن العرض من الزمان يصل ما بين الماضى منه وبين المستأنف. والمكان أيضا من المتصلة، لأن أجزاء الجسم تشغل مكانا، وهى تتصل بحد ما مشترك، فتكون أجزاء المكان أيضا التى يشغلها واحد واحد من أجزاء الجسم تتصل بالحد بعينه الذى به تتصل أجزاء الجسم؛ فيجب أن يكون المكان أيضاً متصلا، إذ كانت أجزاؤه تتصل بحد واحد مشترك.
وأيضا منه ما هو قائم من أجزاء فيه، لها وضع بعضها عند بعص ومنه من أجزاء ليس لها وضع. مثال ذلك أن أجزاء الخط لها وضع بعضها عند بعض، لأن كل واحد منها موضوع بحيث هو. وقد يمكنك أن تدل وترشد أين كل واحد منها موضوع فى السطح، وبأى جزء من سائر الأجزاء يتصل. وكذلك أيضا أجزاء السطح لها وضع ما، وذلك أنه قد يمكن على هذا المثال فى كل واحد منها أن تدل عليه أين هو موضوع، وأى الأجزاء يصل ما بينها، وكذلك أجزاء المصمت وأجزاء المكان. — وأما العدد فلن يقدر أحد أن يرى فيه أن أجزاءه لها وضع ما بعضها عند بعض، ولا أنها موضوعة بحيث ما، ولا أن أجزاءاً ما من أجزائه يتصل بعضها ببعض. ولا أجزاء الزمان، فإنه لا ثبات لشىء من أجزاء الزمان؛ وما لم يكن ثابتا، فلا سبيل إلى أن يكون له وضع ما، بل الأولى أن يقال إن لها ترتيبا ما، لأن بعض الزمان متقدم، وبعضه متأخر؛ وكذلك العدد، لأن الواحد فى العد قبل الاثنين، والاثنين قبل الثلاثة، فيكون بذلك ترتيب ما. فأما وضعاً فتكاد ألا تقدر أن تأخذ لها. والقول أيضا كذلك، لأنه لا ثبات لشىء من أجزائه؛ فإنه إذا نطق به مضى فلم يكن إلى أخذه فيما بعد سبيل؛ فيجب ألا يكون لأجزائه وضع، إذ كان لا ثبات لشىء منها. فمنه إذن ما يقوم من أجزاء لها وضع، ومنه من أجزاء ليس لها وضع.
فهذه فقط التى ذكرت يقال لها بالتحقيق «كم»؛ وأما كل ماسواه فبالعرض يقال ذلك فيها. فإنا إنما نقول فيما سوى هذه إنها كم ونحن نقصد قصد هذه، مثال ذلك: أنا نقول فى البياض إنه ماد كثير؛ وإنما نشير إلى أن البسيط كثير؛ ونقول فى العمل إنه طويل، وإنما نشير إلى أن زمانه طويل؛ ونقول أيضا فى الحركة إنها كثيرة؛ — فإن كل واحد من هذه ليس يقال له كم بذاته. والمثال فى ذلك أن موفيا إن وفى: لم هذا العمل؟ فإنما يحده بالزمان، فيقول: عمل سنة أو ما أشبه ذلك؛ وإن وفى: كم هذا الأبيض؟ فإنما يحده بالبسيط، فإنه إنما يقول فى مبلغ البياض بمبلغ البسيط؛ فتكون هذه فقط التى ذكرت يقال لها بالتحقيق وبذاتها كم. فأما ما سواها فليس منها شىء هو بذاته كم، بل إن كان ولا بد فبالعرض.
والكم أيضا لا مضاد له أصلا. فأما فى المنفصلة فظاهر أنه ليس له
مضاد أصلا، كأنك قلت لذى الذراعين أو لذى الثلاث الأذرع أو للسطح،
أو لشىء مما أشبه ذلك، فإنه ليس لها ضد أصلا إلا أن يقول قائل: إن
الكثير مضاد للقليل، أو الكبير للصغير، وليس شىء من هذه ألبتة كماً،
لكنها من المضاف. — وذلك أنه ليس يقال فى شىء من الأشياء ألبتة
بنفسه إنه كبير أو صغير، بل بقياسه إلى غيره. مثال ذلك أن الجبل
قد يوصف صغيرا، أو السمسمة كبيرة بأن هذه أكبر مما هو من جنسها،
وأكثر ما ظنت المضادة فى الكم موجودةً فى المكان، لأن المكان الأعلى يضعون أنه مضاد للمكان الأسفل، ويعبرون بالمكان الأسفل المكان الذى يلقى الوسط. وإنما ذهبوا إلى ذلك لأن البعد بين الوسط وبين أطراف العالم أبعد البعد. ويشبه أن يكونوا إنما اجتلبوا الحد لسائر المتضادات من هذه، لأنهم إنما يحدون المتضادات بأنها التى بعدها بعضها من بعض غاية البعد ويجمعها جنس واحد.
وليس بمظنون بالكم أنه قابل الأكثر والأقل، مثال ذلك: ذو الذراعين، فإنه ليس هذا ذا ذراعين بأكثر من هذا. وكذلك فى العدد، مثال ذلك: الثلاثة والخمسة، فإنه ليس يقال إن هذه خمسة بأكثر مما هذه ثلاثة، أو إن هذه ثلاثة بأكثر مما هذه ثلاثة. ولا يقال أيضا فى زمان إنه زمان بأكثر من غيره، ولا يقال بالجملة فى شىء مما ذكر الأكثر ولا الأقل، فيكون إذاً الكم غير قابل الأكثر والأقل.
وأخص خواص الكم أنه يقال مساوياً وغير مساو؛ ومثال ذلك الجثة: تقال مساوية وغير مساوية. وكل واحد من سائر ما ذكر على هذا المثال يقال مساو وغير مساو. وأما سائر ما لم يكن كماً فليس يكاد يظن به أنه يقال مساويا وغير مساو، مثال ذلك: الحال، ليس يكاد أن تقال مساوية ولا غير مساوية، بل الأحرى أن تقال شبيهة. والأبيض ليس يكاد أن يقال مساويا وغير مساو بل شبيه.
فيكون أخص خواص الكم أنه يقال مساوياً وغير مساو.
يقال فى الأشياء إنها من المضاف متى كانت ماهياتها إنما تقال بالقياس
إلى غيرها أو على نحو آخر من أنحاء النسبة إلى غيرها، أى نحو كان. مثال
ذلك أن الأكبر ماهيته إنما تقال بالقياس إلى غيره، وذلك أنه إنما يقال
أكبر من شىء؛ والضعف ماهيته بالقياس إلى غيره، وذلك أنه إنما يقال
ضعفا لشىء؛ وكذلك كل ما يجرى هذا المجرى. — ومن المضاف أيضا هذه
الأشياء: مثال ذلك: الملكة، والحال، والحس، والعلم، والوضع. فإن جميع
ما ذكر من ذلك فماهيته إنما تقال بالقياس إلى غيره ولا غير، وذلك أن الملكة
وقد توجد أيضا المضادة فى المضاف، مثال ذلك: الفضيلة والخسيسة، كل واحد مضاد لصاحبه، وهو من المضاف؛ والعلم والجهل. — إلا أن المضادة ليست موجودة فى كل المضاف، فإنه ليس للضعفين ضد، ولا للثلاثة الأضعاف، ولا لشىء مما كان مثله.
وقد يظن بالمضاف أنه أيضا يقبل الأكثر والأقل، لأن الشبيه يقال أكثر شبها وأقل شبها؛ وغير المساوى يقال أكثر وأقل. وكل واحد منهما من المضاف، فإن الشبيه إنما يقال شبيها بشىء، وغير المساوى غير مساو لشىء. ولكن ليس كله يقبل الأكثر والأقل، فإن الضعف ليس يقال ضعفا أكثر ولا أقل، ولا شيئا مما كان مثله.
والمضافات كلها ترجع بالتكافؤ بعضها على بعض فى القول، مثال
ذلك: العبد، يقال عبد للمولى، والمولى يقال مولى للعبد؛ والضعف
ضعف للنصف، والنصف نصف للضعف؛ والأكبر أكبر من الأصغر،
والأصغر أصغر من الأكبر. وكذلك أيضا فى سائرها، ما خلا أنها فى مخرج
اللفظ ربما اختلف تصريفهما، مثال ذلك: العلم، يقال علم بمعلوم،
والمعلوم معلوم للعلم؛ والحس حس بمحسوس، والمحسوس محسوس للحس.
لكن ربما ظنا غير متكافئين متى لم يضف إلى الشىء الذى إليه يضاف —
إضافةً معادلةً، بل فرط المضيف، مثال ذلك: الجناح إن أضيف إلى
ذى الريش لم يرجع بالتكافؤ ذو الريش على الجناح، لأن الأول لم تكن
إضافته معادلةً، أعنى الجناح إلى ذى الريش. وذلك أنه ليس من طريق
أن ذا الريش ذو الريش أضيف إليه فى القول الجناح، لكن من طريق
أنه ذو جناح، إذ كان كثير غيره من ذوى الأجنحة لا ريش له. فإن
جعلت الإضافة معادلةً رجع أيضا بالتكافؤ، مثال ذلك: الجناح جناح
لذى الجناح، وذو الجناح بالجناح هو ذو جناح. وخليق أن يكون ربما
نضطر إلى اختراع الاسم متى لم نجد اسما موضوعا إليه تقع الإضافة معادلةً،
مثال ذلك: أن السكان إن أضيف إلى الزورق لم تكن إضافته معادلة،
لأنه ليس من طريق أن الزورق زورق أضيف إليه فى القول: «السكان»
إذ كان قد يوجد زواريق لا سكان لها، ولذلك لا يرجع بالتكافؤ، لأنه
ليس يقال إن الزورق زورق بالسكان. لكن خليق أن تكون الإضافة أعدل
فكل الإضافات إذا أضيفت على المعادلة قيل إنها يرجع بعضها على
بعض بالتكافؤ. فإن الإضافه إن وقعت جزءا ولم تقع إلى الشىء الذى
إليه تقال النسبة لم ترجع بالتكافؤ، أعنى أنه لا يرجع بالتكافؤ شىء ألبتة من
المتفق فيها أنها مما يقال إنه يرجع بالتكافؤ، ولها أسماء موضوعة فضلا عن
غيرها متى وقعت الإضافة إلى شىء من اللوازم، لا إلى الشىء الذى إليه تقع
النسبة فى القول. مثال ذلك أن العبد إن لم يضف إلى المولى لكن إلى
الإنسان، أو إلى ذى الرجلين أو إلى شىء مما يشبه ذلك لم يرجع بالتكافؤ
لأن الإضافة لم تكن معادلة. — وأيضا متى أضيف شىء إلى الشىء الذى
إليه ينسب بالقول إضافةً معادلةً، فإنه إن ارتفع سائر الأشياء كلها العارضة
لذلك بعد أن يبقى ذلك الشىء وحده الذى إليه الإضافة فإنه ينسب إليه
قد يظن 〈أن〉 كل مضافين فهما معا فى الطبع، وذلك حق فى أكثرها؛
فإن الضعف موجود والنصف معا، وإن كان النصف موجودا فالضعف
موجود، وإن كان العبد موجودا فالمولى موجود، وكذلك تجرى الأمور
وقد يظن أنه ليس يصح فى كل مضافين أنهما معا فى الطبع، وذلك
أن المعلوم مظنون بأنه أقدم من العلم، لأن أكثر تناولنا العلم بالأشياء من بعد
وجودها، وأقل ذاك أو لا شىء ألبتة يوجد [من] العلم والمعلوم جاربين
معا. وأيضا المعلوم إن فقد فقد معه العلم به، فأما العلم فليس يفقد معه
المعلوم، وذلك أن المعلوم إن لم يوجد، لم يوجد العلم، لأنه لا يكون حينئذ
علم بشىء ألبتة. فأما إن لم يوجد العلم، فلا شىء مانع من أن يكون المعلوم.
مثال ذلك تربيع الدائرة: أن يكون معلوما فعلمه لم يوجد بعد. فأما هذا
المعلوم نفسه فآنيته قائمة. وأيضا الحى إذا فقد لم يوجد العلم، فأما المعلوم
فقد يمكن أن يكون كثير منه موجودا. — وكذلك يجرى الأمر فى باب الحس
أيضا، وذلك أنه قد يظن أن المحسوس أقدم من الحس به، لأن المحسوس
إذا فقد فقد معه الحس به. فأما الحس فليس يفقد معه المحسوس. وذلك
أن الحواس إنما وجودها بالجسم وفى الجسم. وإذا فقد المحسوس فقد الجسم
أيضا إذا كان الجسم شيئاً من المحسوسات. وإذا لم يوجد الجسم فقد الحس
أيضا، فيكون المحسوس يفقد معه الحس. فأما الحس فليس يفقد معه
المحسوس، فإن الحى إذا فقد فقد الحس، وكان المحسوس موجودا مثل
الجسم والحار والحلو والمر وسائر المحسوسات الأخر كلها. وأيضا فإن الحس
ومما فيه موضع شك: هل الجواهر ليس جوهر منها يقال من باب
المضاف على حسب ما يظن، أو ذلك ممكن فى جواهر ما من الجواهر
الثوانى؟ — فأما فى الجواهر الأول فإن ذلك حق، وذلك أنه ليس يقال
من المضاف: لا كلياتها ولا أجزاؤها، فإنه ليس يقال فى إنسان ما إنه إنسان
ما لشىء، ولا فى ثور ما إنه ثور ما لشىء؛ وكذلك أجزاؤها أيضا، فإنه ليس
يقال فى يد ما إنها يد ما لإنسان؛ ولا يقال فى رأس ما إنه رأس ما لشىء، بل
رأس لشىء. — وكذلك فى الجواهر الثانية فى أكثرها: فإنه ليس يقال إن
الإنسان إنسان لشىء، ولا إن الثور ثور لشىء، ولا إن الخشبة خشبة لشىء،
بل يقال إنها ملك لشىء. فأما فى هذه فإن الأمر ظاهر أنها ليست من
المضاف. — وأما فى بعض الجواهر الثوانى فقد يدخل فى أمرها الشك،
مثال ذلك أن الرأس يقال إنه رأس لشىء، واليد يقال إنها يد لشىء، وكل
واحد مما أشبه ذلك — فيكون قد يظن أن هذه من المضاف. فإن كان
تحديد التى من المضاف قد وفى على الكفاية فحل الشك الواقع فى أنه ليس
جوهر من الجواهر يقال من المضاف: إما مما يصعب جدا، وإما مما
لا يمكن. وإن لم يكن على الكفاية لكن كانت الأشياء التى من المضاف
وبين من ذلك أن من عرف أحد المضافين محصلاً عرف أيضا ذلك
الذى إليه يضاف محصلاً. وذلك ظاهر من هذا: فإن الإنسان متى علم أن
هذا الشىء من المضاف، وكان الوجود للمضاف هو مضافا على نحو من
الأنحاء، فقد علم أيضا ذلك الشىء الذى هذا عنده بحال من الأحوال. فإنه
إن لم يعلم أصلا ذلك الشىء الذى هذا عنده بحال من الأحوال لم يعلم
ولا أنه عند شىء بحال من الأحوال. وذلك بين أيضا فى الجزئيات، مثال
ذلك: الضعف، فإن من علم الضعف على التحصيل فإنه على المكان يعلم
أيضا ذلك الشىء الذى هو ضعفه محصلا. فإنه إن لم يعلمه ضعفا لشىء
واحد محصل فليس يعلمه ضعفا أصلاً. وكذلك أيضا إن كان يعلم أن هذا
المشار إليه أحسن، فقد يجب ذلك ضرورة أن يكون يعلم أيضا ذلك
الشىء الذى هذا أحسن منه محصلا، فإنه ليس يجوز أن يكون إنما يعلم أن
هذا أحسن مما دونه فى الحسن، فإن ذلك إنما يكون توهما، لا علما، وذلك
أنه ليس يعلم يقينا أنه أحسن مما هى دونه، فإنه ربما اتفق ألا يكون شىء
فأما الرأس واليد وكل واحد مما يجرى مجراهما مما هى جواهر، فإن ماهياتها أنفسها قد تعرف محصلةً. فأما ما يضاف إليه فليس واجبا أن يعرف، وذلك أنه لا سبيل إلى أن يعلم على التحصيل رأس من هذا، ويد من هذه. فيجب من ذلك أن هذه ليست من المضاف. وإن لم تكن هذه من المضاف فقد يصح القول أنه ليس جوهر من الجواهر من المضاف. إلا أنه خليق أن يكون قد يصعب التقحم على إثبات الحكم على أمثال هذه الأمور ما لم تتدبر مرارا كثيرة. فأما الشك فيها فليس مما لا درك فيه.
وأسمى «بالكيفية» تلك التى لها يقال فى الأشخاص: كيف هى. والكيفية مما يقال على أنحاء شتى: —
فليسم نوع واحد من الكيفية ملكةً وحالا. وتخالف الملكة الحال
فى أنها أبقى وأطول زمانا: ومما يجرى هذا المجرى العلوم والفضائل، فإن
العلم مظنون به أنه من الأشياء الباقية التى تعسر حركتها، وإن كان الإنسان إنما
شدا من العلم، ما لم يحدث عليه تغير فادح من مرض أو غيره مما أشبهه.
ومن البين أنه إنما يقتضى اسم الملكة الأشياء التى هى أطول زمانا وأعسر حركة، فإنهم لا يقولون فيمن كان غير متمسك بالعلوم تمسكا يعتد به، لكنه سريع التنقل، أن له ملكة. على أن لمن كان بهذه الصفة حالاً ما فى العلم: إما أخس وإما أفضل، فيكون الفرق بين الملكة وبين الحال أن هذه سهلة الحركة، وتلك أطول زمانا وأعسر تحركا. — والملكات هى أيضا حالات، وليس الحالات ضرورةً الملكات، وكان من كانت له ملكة فهو بها بحال ما أيضا من الأحوال. وأما من كان بحال من الأحوال فليست له لا محالة ملكة.
وجنس آخر من الكيفية هو الذى به نقول: ملاكزيين أو محاضريين
أو مصحاحين أو ممراضين، أو بالجملة ما قيل بقوة طبيعية أو لا قوة. وذلك
وجنس ثالث من الكيفية كيفيات انفعالية وانفعالات، ومثالات ذلك هذه الحلاوة والمرارة وكل ما كان مجانساً لهذين؛ وأيضا الحرارة والبرودة والبياض والسواد. وظاهر أن هذه كيفيات، لأن ما قبلها قيل فيه بها: كيف هو: ؟ مثال ذلك العسل، يقال: حلو، لأنه قبل الحلاوة، والجسم يقال أبيض لأنه قبل البياض. وكذلك يجرى الأمر فى سائرها.
ويقال كيفيات انفعالية ليس من قبل أن تلك الأشياء أنفسها التى قبلت
هذه الكيفيات انفعلت شيئا، فإن العسل ليس يقال حلوا من قبل أنه انفعل
شيئا؛ ولا واحد من سائر ما أشبهه. وعلى مثال هذه أيضا الحرارة والبرودة
تقالان كيفيتين انفعاليتين ليس من قبل أن تلك الأشياء أنفسها التى قبلتها
انفعلت شيئا، بل إنما يقال لكل واحد من هذه الكيفيات التى ذكرناها
فأما البياض والسواد وسائر الألوان فليس إنما تقال كيفيات انفعالية
بهذه الجهة التى بها قيلت هذه التى تقدم ذكرها، لكن من قبل أنها أنفسها
إنما تولدت عن انفعال. ومن البين أنه قد يحدث عن الانفعال تغايير كثيرة
فى الألوان: من ذلك أن المرء إذا خجل احمر، وإذا فزع اصفر، وكل واحد
مما أشبه ذلك. فيجب من ذلك إن كان أيضا إنسان قد ناله بالطبع بعض
هذه الانفعالات من عوارض ما طبيعية، فلازم أن يكون لونه مثل ذلك
اللون. وذلك أنه إن حدثت الآن عند الخجل حال ما لشىء مما للبدن فقد
يمكن أيضا أن تحدث تلك الحال بعينها فى الجبلة الطبيعية فيكون اللون أيضا
بالطبع مثله. فما كان من هذه العوارض كان ابتداؤه عن انفعالات
ما عسرة، حركتها ذات ثبات، فإنه يقال لها كيفيات: فإن الصفرة والسواد
إن كان تكونه فى الجبلة الطبيعية فإنه يدعى كيفية إن كنا قد يقال فينا به:
كيف نحن؟ أو كان إنما عرضت الصفرة أو السواد من مرض مزمن
أو من إحراق شمس فلم تسهل عودته إلى الصلاح أو بقى ببقائنا — قيلت
هذه أيضا كيفيات. وذلك أنه قد يقال فينا بها على ذلك المثال كيف نحن.
فأما ما كان حدوثه عما يسهل انحلاله ووشيك عودته إلى الصلاح قيل
انفعالات، وذلك أنه لا يقال به فى أحد: كيف هو، فإنه ليس يقال عن
وعلى هذا المثل يقال فى النفس أيضا كيفيات انفعاليه وانفعالات. فإن كان تولده فيها منذ أول التكوين عن انفعالات ما فإنها أيضا تقال كيفيات، ومثال ذلك تيه العقل والغضب وما يجرى مجراها، فإنهم به يقال فيهم بها: كيف هم، فيقال غضوب وتائه العقل، وكذلك أيضا سائر أصناف تيه العقل إذا لم تكن طبيعيةً لكن كان تولدها عن عوارض ما أخر يعسر التخلص منها. أو هى غير زائلة أصلا يقال كيفيات، وذلك أنه يقال فيهم بها: كيف هم. — وما كان حدوثه فيها عن أشياء سهلة وشيكة العودة إلى الصلاح فإنها تقال انفعالات مثل ذلك الإنسان إن غم فأسرع غضبه: فإنه ليس يقال غضوبا من أسرع غضبه بمثل هذا الانفعال، بل أحرى أن يقال إنه انفعل شيئا، فتكون هذه إنما تقال انفعالات، لا كيفيات.
وجنس رابع من الكيفية: الشكل والخلقة الموجودة فى واحد واحد؛
ومع هذين أيضا الاستقامة والانحناء و〈أى〉 شىء 〈آخر〉 إن كان
يشبه هذه. وكل واحد من هذه يقال: كيف الشىء؟ فإنه قد يقال فى الشىء
بأنه مثلث أو مربع: كيف هو، وبأنه مستقيم أو منحن. ويقال أيضا
كل واحد بالخلقة: كيف هو. — فأما المتخلخل والمتكاثف، والخشن
والأملس فقد يظن أنها تدل على كيف ما، إلا أنه قد يشبه أن تكون هذه
وما أشبهها مباينة للقسمة التى فى الكيف. وذلك أنه قد يظهر أن كل واحد
ولعله قد يظهر للكيفية ضرب ما آخر، إلا أن ما يذكر خاصةً من ضروبها فهذا مبلغه.
فالكيفبات هى هذه التى ذكرت؛ وذوات الكيفية هى التى يقال بها على
طريق المشتقة أسماؤها أو على طريق آخر منها كيف كان. — فأما فى أكثرها
أو فى جميعها، إلا الشاذ منها، فإنما يقال على طريق المشتقة أسماؤها، مثال
ذلك: من البياض — أبيض، ومن البلاغة — بليغ، ومن العدالة —
عدل؛ وكذلك فى سائرها. وأما فى الشاذ منها فلأنه لم يوضع للكيفيات
أسماء، فليس يمكن أن يكون يقال منها على طريق المشتقة أسماؤها،
مثال ذلك: المحاضرى أو الملاكزى الذى يقال بقوة طبيعية. فليس يقال
فى اللسان اليونانى عن كيفية من الكيفيات على طريق المشتقة أسماؤها.
وذلك أنه لم يوضع للقوى فى اللسان اليونانى اسم فيقال بها هؤلاء كيف هم،
كما وضع للعلوم وهى التى بها يقال ملاكزون أو مناضلون من طريق الحال:
وربما كان لها اسم موضوع 〈للكيف〉، ولا يقال المكيف بها على طريق المشتقة أسماؤها؛ مثال ذلك من الفضيلة مجتهد، فإن الذى له فضيلة إنما يقال مجتهد. ولا يقال فى اللسان اليونانى من الفضيلة على طريق المشتقة أسماؤها. وليس ذلك فى الكثير.
فذوات الكيفية تقال التى تدعى من الكيفيات التى ذكرت على طريق المشتقة أسماؤها أو على طريق آخر منها كيف كان.
وقد يوجد أيضا فى الكيف مضادة، مثال ذلك أن العدل ضد الجور وكذلك البياض والسواد وسائر ما أشبه ذلك، وأيضا ذوات الكيفية بها: مثال ذلك الجائر للعادل، والأبيض للأسود. إلا أن ذلك ليس فيها كلها. فإنه ليس للأشقر ولا للأصفر ولا لما أشبه ذلك من الألوان ضد أصلا، وهى ذوات كيفية. وأيضا إن كان أحد المتضادين — أيهما كان — كيفاً، فإن الآخر أيضا يكون كيفا. ذلك بين لمن تصفح سائر النعوت، مثال ذلك إن كان العدل ضد الجور وكان العدل كيفا — وإن الجور أيضا كيف — فإنه لا يطابق الجور ولا واحداً من سائر النعوت: لا الكم مثلا والمضاف ولا أين ولا واحدا من سائر ما يجرى مجراها بتةً ما خلا الكيف، وكذلك فى سائر المتضادات التى فى الكيف.
وقد يقبل أيضا الكيف الأكثر والأقل، فإنه يقال إن هذا أبيض بأكثر من غيره وبأقل؛ وهذا عادل بأكثر من غيره أو بأقل.
وهى أنفسها تحتمل الزيادة، فإن الشىء الأبيض قد يمكن أن يزيد بياضه فيصير أشد بياضا، وليس كلها ولكن أكثرها. فإنه مما يشك فيه: هل يقال عدالة أكثر أو أقل من عدالة، وكذلك فى سائر الحالات. فإن قوما يمارون فى أشباه هذه فيقولون إنه لا يكاد أن يقال عدالة أكثر ولا أقل من عدالة، ولا صحة أكثر ولا أقل من صحة؛ ولكنهم يقولون إن «لهذا» صحةً أقل مما لغيره، وعلى هذا المثال: «لهذا» كتابة أقل من كتابة غيره وسائر الحالات. فأما ما يسمى بها فإنها تقبل الأكثر والأقل بلا شك، فإنه يقال إن هذا أبلغ من غيره وأعدل وأصح؛ وكذلك الأمر فى سائرها.
وأما المثلث والمربع فلن يظن أنهما يقبلان الأكثر والأقل؛ ولا شىء من سائر الأشكل ألبتة: فإن ما قبل قول المثلث أو قول الدائرة فكله على مثال واحد مثلثات ودوائر؛ وما قبله فليس يقال إن هذا أكثر من غيره فيه، فإنه ليس المربع فى أنه دائرة أكثر من المستطيل إذ كان ليس يقبل ولا واحد منهما قول الدائرة. وبالجملة، إنما يوجد أحد الشيئين أكثر من الآخر إذا كانا جميعا يقبلان قول الشىء الذى يقصد له. فليس كل الكيف إذاً يقبل الأكثر والأقل. فهذه التى ذكرت ليس منها شىء هو خاصة الكيفية.
فأما «الشبيه» «وغير الشبيه» فإنما يقالان فى الكيفيات وحدها؛ فإنه ليس يكون هذا شبيهاً بغيره بشىء غير ما هو به كيف. فتكون خاصة الكيفية أن بها يقال شبيه وغير شبيه.
وليس ينبغى أن يتداخلك الشك فتقول: إنا قصدنا للكلام فى الكيفية فعددنا كثيرا من المضاف، إذ الملكات والحالات من المضاف، فإنه تكاد أن تكون أجناس هذه كلها وما أشبهها إنما تقال من المضاف. وأما الجزئيات فلا شىء منها ألبتة، فإن العلم وهو جنس ماهيته، إنما يقال بالقياس إلى غيره. وذلك أنه إنما يقال علم بشىء؛ فأما الجزئيات فليس شىء منها ماهيته تقال بالقياس إلى غيره، مثال ذلك: النحو، ليس يقال نحواً بشىء، ولا الموسيقى هى موسيقى بشىء، اللهم إلا أن تكون هذه أيضا قد تقال من المضاف من طريق الجنس، مثال ذلك: النحو يقال علما بشىء لا نحواً بشىء، والموسيقى علماً بشىء لا موسيقى بشىء. فيجب أن تكون الجزئيات ليس من المضاف. ويقال لنا ذوو كيفية — بالجزئيات؛ وذلك أنه إنما لنا هذه: فإنا إنما يقال لنا علم — بأن لنا من العلوم الجزئية. فيجب من ذلك أن تكون أيضا — أعنى الجزيئات — كيفيات، وهى التى بها ندعى ذوى كيفية — وليس هذه من المضاف. وأيضا أن ألغى شىء واحد بعينه كيفاً ومضافا، فليس بمنكر أن يعد فى الجنسين جميعا.
وقد يقبل يفعل وينفعل مضادةً، والأكثر والأقل. فإن «يسخن» مضاد «ليبرد»، «ويسخن» مضاد «ليبرد»، «ويلذ» مضاد «ليتأذى» — فيكونان قد يقبلان المضادة. وقد يقبلان أيضا الأكثر والأقل: فإن يسخن قد يكون أكثر وأقل، ويسخن أكثر وأقل، ويتأذى أكثر وأقل. فقد يقبل إذن «يفعل» و«ينفعل» الأكثر والأقل.
فهذا مبلغ ما نقوله فى هذه.
وقد قيل فى الموضوع أيضا فى باب المضاف أنه إنما يقال من الوضع على طريق المشتقة أسماؤها.
فأما فى الباقية، أعنى فى متى، وأين، وفى له، فإنها إذ كانت واضحة لم نقل فيها شيئا سوى ما قلناه بدءاً من أنه يدل: أما على «له» فمنتعل، متسلح؛ وأما على «أين» فمثل قولك: فى لوقين وسائر ما نقلناه فيها.
فهذا ما نكتفى به من القول فى الأجناس التى إياها قصدنا.
وقد ينبغى أن نقول فى المتقابلات على كم جهة من شأنها أن تتقابل،
فنقول: إن الشىء يقال إنه يقابل غيره على أربعة أوجه: إما على طريق
فما كان يقابل على طريق المضاف فإن ماهيته إنما تقال بالقياس إلى الذى إياه تقابل أو على نحو آخر من أنحاء النسبة إليه، مثال ذلك الضعف عند النصف، فإن ماهيته إنما تقال بالقياس إلى غيره، وذلك أنه إنما هو ضعف لشىء. والعلم أيضا يقابل المعلوم على طريق المضاف. وماهية العلم إنما تقال بالقياس إلى المعلوم. والمعلوم أيضا فماهيته إنما تقال بالنسبة إلى مقابله، أى إلى العلم، فإن المعلوم إنما يقال إنه معلوم عند شىء أى عند العلم. فما كان إذاً يقابل على طريق المضاف فإن ماهيته إنما تقال بالقياس إلى غيره، أو يقال بعضها عند بعض على نحو آخر.
فأما على طريق المضادة فإن ماهيتها لا تقال أصلاً بعضها عند بعض،
بل إنما يقال إن بعضها مضادة لبعض. فإنه ليس يقال: إن الخير هو
خير للشرير، بل مضاد له، ولا الأبيض أبيض للأسود، بل مضاد له،
فتكون هاتان المقابلتان مختلفتين. وما كان من المتضادة هذه حالها، أعنى
فإن فى بعض الأمور قد وضعت أسماء للأوساط، مثال ذلك أن بين
الأبيض وبين الأسود الأدكن والأصفر. وفى بعضها لا يمكن العبارة عن
فأما «العدم» و«الملكة» فإنهما يقالان فى شىء واحد بعينه، مثال ذلك البصر والعمى فى العين، وعلى جملة من القول: كل ما كان من شأن الملكة أن تكون فيه ففيه يقال كل واحد منهما. وعند ذلك نقول فى كل واحد مما هو قابل للملكة إنه عادم عند ما لا تكون موجودةً للشىء الذى من شأنها أن تكون موجودة له وفى الحين الذى من شأنها أن تكون له فيه: فإنا إنما نقول: «أدرد» لا لمن لم تكن له أسنان، ونقول «أعمى» لا لمن لم يكن له بصر، بل إنما نقول ذلك فيما لم يكونا له فى الوقت الذى من شأنهما أن يكونا له فيه. فإن البعض ليس له حين يولد لا بصر ولا أسنان، ولا يقال فيه إنه أدرد ولا إنه أعمى.
وليس أن تعدم الملكة وأن توجد الملكة هما العدم والملكة. من ذلك
أن البصر ملكة، والعمى عدم؛ وليس أن يوجد البصر هو البصر، ولا أن
يوجد العمى هو العمى. فإن العمى هو عدم ما. فأما أن يكون الحيوان
أعمى فهو أن يعدم البصر وليس هو العدم، فإنه لو كان «العمى» و«أن
يوجد العمى» شيئاً واحدا بعينه، لقد كانا جميعا ينعت بهما شىء واحد
بعينه. غير أنا نجد الإنسان يقال له أعمى ولا يقال له عمى على وجه من
الوجوه — ومظنون أن هذين أيضا يتقابلان، أعنى أن تعدم الملكة وأن
وليس أيضا ما تقع عليه الموجبة والسالبة موجبةً ولا سالبةً؛ فإن الموجبة قول موجب. ويقال فى هذه أيضا إنها يقابل بعضها بعضا مثل الموجبة والسالبة؛ فإن فى هذه أيضا جهة المقابلة واحدة بعينها، وذلك أنه كما الموجبة تقابل السالبة. مثال ذلك قولك «إنه جالس» لقولك «إنه ليس بجالس»، كذلك يتقابل أيضا الأمران اللذان يقع عليهما كل واحد من القولين، أعنى «الجلوس» ل «غير الجلوس».
فأما أن العدم والملكة ليسا متقابلين تقابل المضاف فذلك ظاهر، فإنه ليس ماهيته تقال بالقياس إلى مقابله. وذلك أن البصر ليس هو بصراً بالقياس إلى العمى، ولا ينسب إليه على جهة أخرى أصلا. وكذلك أيضا ليس يقال العمى عمى للبصر، بل إنما يقال: العمى عدم للبصر؛ فأما «عمى للبصر» فلا يقال. — وأيضا فإن كل مضافين فكل واحد منهما يرجع على صاحبه فى القول بالتكافؤ؛ فقد كان يجب فى العمى أيضا لو كان من المضاف أن يرجع بالتكافؤ على ذلك الشىء الذى إليه يضاف بالقول، لكنه ليس يرجع بالتكافؤ؛ وذلك أنه ليس يقال إن البصر هو بصر للعمى.
ومن هذه الأشياء يتبين أيضا أن التى تقال على طريق العدم والملكة
ليست متقابلة تقابل المضادة، فإن المتضادين اللذين ليس بينهما متوسط
أصلا قد يجب ضرورةً أن يكون أحدهما موجوداً دائماً فى الشىء الذى
فأما فى العدم والملكة فليس يصح ولا واحد من الأمرين اللذين ذكرا؛
وذلك أنه ليس يجب ضرورةً أن يوجد دائما فى القابل أحدهما أيهما كان.
فإن ما لم يبلغ بعد إلى أن يكون من شأنه أن يبصر فليس يقال فيه لا أنه أعمى
وأيضا فإن المتضادات، إن كان القابل موجودا، فقد يمكن أن يكون تغير
من كل واحد من الأمرين إلى الآخر ما لم يكن الواحد موجوداً لشىء بالطبع
مثل ما للنار الحرارة. فإن الصحيح قد يمكن أن يمرض، والأبيض قد
يمكن أن يصير أسود، والبارد قد يمكن أن يصير حاراً، والصالح قد يمكن
أن يصير طالحا، والطالح قد يمكن أن يصير صالحا. فإن الصالح إذا نقل
إلى معاشرة من هو على مذاهب وأقاويل أجمل، فإنه قد يأخذ فى طريق
الفضيلة ولو يسيرا؛ وإن هو أخذ فى هذه الطريق مرة واحدة فمن البين
أنه إما أن ينتقل عما كان عليه على التمام، وإما أن يمعن فى ذلك إمعانا
كثيراً، وذلك أنه كلما مر ازدادت سهولة الحركة عليه إلى الفضيلة. وإذا
ومن البين أن التى تتقابل على طريق الموجبة والسالبة فليس تقابلها ولا على واحد من هذه الأنحاء التى ذكرت، فإن فى هذه وحدها يجب ضرورةً أن يكون أبداً أحدها صادقا والآخر كاذبا، وذلك أنه لا فى المتضادات يجب ضرورةً أن يكون أبداً أحدهما صادقا والآخر كاذبا، ولا فى المضاف، ولا فى العدم الملكة: مثال ذلك الصحة والمرض متضادان، وليس واحدة منهما لا صادقا ولا كاذبا؛ وكذلك الضعف والنصف يتقابلان على طريق المضاف وليس واحد منهما لا صادقا ولا كاذبا. ولا أيضا التى على جهة العدم والملكة مثل البصر والعمى. وبالجملة، فإن التى تقال بغير تأليف أصلا فليس شىء منها لا صادقاً ولا كاذبا، وهذه التى ذكرت كلها إنما تقال بغير تأليف.
إلا أنه قد يظن أن ذلك يلزم خاصةً فى المتضادات التى تقال بتأليف،
فإن «سقراط صحيح» مضاد لـ«ـسقراط مريض». لكنه ليس يجب ضرورة
فأما فى الموجبة والسالبة فأبداً 〈سواء〉 كان موجوداً أو لم يكن
موجودا، 〈فإن〉 أحدهما يكون كاذبا والآخر صادقاً. فإن القول بأن
«سقراط مريض» وأن «سقراط ليس مريضا» إن كان سقراط موجودا
فظاهر أن أحدهما صادق أو كاذب، وإن لم يكن موجودا فعلى هذا المثال:
فإن القول بأن «سقراط مريض» إذا لم يكن سقراط موجودا كان كاذبا،
والقول بأنه ليس مريضا صادق، فيكون فى هذه وحدها خاصةً أحد القولين
والشر ضرورةً مضاد للخير؛ وذلك بين بالاستقراء فى الجزئيات، مثال ذلك المرض للصحة، والجور للعدل، والجبن للشجاعة؛ وكذلك أيضا فى سائرها. فأما المضاد للشر فربما كان الخير، وربما كان الشر؛ فإن النقص هو شر يضاده الإفراط وهو شر؛ وكذلك التوسط مضاد لكل واحدة منهما وهو خير؛ وإنما يوجد ذلك فى اليسير من الأمور؛ فأما فى أكثرها فإنما الخير دائما مضاد للشر.
وأيضا فإن المتضادين ليس واجباً ضرورةً متى كان أحدهما موجودا أن يكون الباقى موجوداً: وذلك أنه إن كانت الأشياء كلها صحيحةً، فإن الصحة تكون موجودة؛ فأما المرض فلا. وإن كانت الأشياء كلها بيضاء فإن البياض موجود؛ فأما الأسود فلا. وأيضا إن كان أن «سقراط صحيح» مضاداً لأن «سقراط مريض» وكان لا يمكن أن يكونا جميعا موجودين فيه بعينه، فليس يمكن متى كان أحد هذين المتضادين موجوداً أن يكون الباقى أيضا موجودا. فإنه متى كان موجوداً أن «سقراط صحيح» قليس يمكن أن يكون موجودا أن «سقراط مريض».
ومن البين أن كل متضادين فإنما شأنهما أن يكونا فى شىء واحد بعينه: فإن الصحة والمرض فى جسم الحى، والبياض والسواد فى الجسم على الإطلاق، والعدل والجور فى نفس الإنسان.
وقد يجب فى كل متضادين إما أن يكونا فى جنس واحد بعينه؛ وإما أن يكونا فى جنسين متضادين؛ وإما أن يكونا أنفسهما جنسين: فإن الأبيض والأسود فى جنس واحد بعينه، وذلك أن جنسهما اللون. فأما العدل والحق ففى جنسين متضادين، فإن الجنس لذاك فضيلة، ولهذا رذيلة. وأما الخير والشر فليس فى جنس، بل هما أنفسهما جنسان لأشياء.
يقال إن شيئا متقدم لغيره على أربعة أوجه: أما الأول وعلى التحقيق فبالزمان، وهو الذى به يقال إن هذا أسن من غيره، أو هذا أعتق من غيره. فإنه إنما يقال أسن وأعتق من جهة أن زمانه أكثر.
وأما الثانى فما لا يرجع بالتكافؤ فى لزوم الوجود، مثال ذلك أن الواحد متقدم للاثنين، لأن الاثنين متى كانا موجودين لزم بوجودهما وجود الواحد. فإن كان الواحد موجوداً فليس واجباً ضرورةً وجود الاثنين، فيكون لا يرجع التكافؤ من وجود الواحد لزوم وجود الاثنين. ومظنون أن ما لا يرجع منه بالتكافؤ فى لزوم الوجود فهو متقدم.
فأما المتقدم الثالث فيقال على مرتبة ما، كما يقال فى العلوم وفى الأقاويل. فإن فى العلوم البرهانية قد يوجد المتقدم والمتأخر فى المرتبة، وذلك أن الاسطقسات متقدمة للرسوم فى المرتبة، وفى الكتابة حروف المعجم متقدمة للهجاء؛ وفى الأقاويل أيضا على هذا المثال: الصدر للاقتصاص فى المرتبة.
وأيضا مما هو خارج عما ذكر: الأفضل والأشرف قد يظن أنه متقدم فى الطبع. ومن عادة الجمهور أن يقولوا فى الأشرف عندهم والذين يخصونهم بالمحبة إنهم متقدمون عندهم. ويكاد أن يكون هذا الوجه أشد هذه الوجوه مباينة.
فهذا أيضا يكاد أن يكون مبلغ الأنحاء التى يقال عليها المتقدم.
ومظنون أن هاهنا نحواً آخر للمتقدم خارجاً من الأنحاء التى ذكرت.
فإن السبب من الشيئين اللذين يرجعان بالتكافؤ فى لزوم الوجود على أى جهة
كان سبباً لوجود الشىء الآخر — فبالواجب يقال إنه متقدم بالطبع. ومن
البين أن هاهنا أشياءً ما تجرى هذا المجرى: أن «الإنسان موجود» —
يرجع بالتكافؤ لزوم الوجود على القول الصادق فيه. فإنه إن كان الإنسان
فيكون قد يقال إن شيئا متقدم لغيره على خمسة أوجه.
يقال «معـاً» على الإطلاق والتحقيق فى الشيئين إذا كان تكونهما فى زمان واحد بعينه، فإنه ليس واحد منهما متقدماً ولا متأخرا؛ وهذان يقال فيهما إنهما «معا» فى الزمان.
ويقال «معا» بالطبع فى الشيئين إذا كانا يرجعان بالتكافؤ فى لزوم الوجود ولم يكن أحدهما سبباً أصلا لوجود الآخر. مثال ذلك فى الضعف والنصف، فإن هذين يرجعان بالتكافؤ، وذلك أن الضعف إن كان موجودا فالنصف موجود، والنصف إذا كان موجودا فالضعف موجود. وليس ولا واحد منهما سبباً لوجود الآخر.
والتى هى من جنس واحد قسيمة بعضها لبعض يقال إنها «معا» بالطبع.
و«القسيمة بعضها لبعض» يقال إنها التى بتقسيم واحد، مثال ذلك:
فأما الأجناس فإنها أبداً متقدمة، وذلك أنها لا ترجع بالتكافؤ بلزوم الوجود، مثال ذلك أن السابح إن كان موجودا فالحى موجود. واذا كان الحى موجوداً فليس واجباً ضرورة أن يكون السابح موجودا.
فالتى تقال إنها «معا» بالطبع هى التى ترجع بالتكافؤ بلزوم الوجود، وليس واحد من الشيئين سبباً أصلا لوجود الآخر؛ والتى هى جنس واحد قسيمة بعضها لبعض. فأما التى تقال على الإطلاق إنها معا فهى التى تكونها فى زمان واحد بعينه.
أنواع الحركة ستة: التكون، والفساد، والنمو، والنقص، والاستحالة، والتغير بالمكان.
فأما سائر هذه الحركات بعد الاستحالة فظاهر أنها مخالفة بعضها لبعض. وذلك أنه ليس التكون فسادا، ولا النمو نقصا، ولا التغير بالمكان، وكذلك سائرها. — فأما الاستحالة فقد يسبق إلى الظن فيها أنه يجب ضرورةً أن يكون ما يستحيل 〈إنما يتم〉 بحركة ما من سائر الحركات. وليس ذلك بحق: فإنا نكاد أن يكون فى جميع التأثيرات التى تحدث فينا، أو فى أكثرها، تلزمنا الاستحالة، وليس يشوبنا فى ذلك شىء من سائر الحركات، فإن المتحرك بالتأثير ليس يجب: لا أن ينمى ولا أن يلحقه نقص؛ وكذلك فى سائرها. فتكون الاستحالة غير سائر الحركات. فإنها لو كانت هى وسائر الحركات شيئاً واحداً لقد كان يجب أن يكون ما استحال فقد نما لا محالة، أو نقص، أو لزمه شىء من سائر الحركات. لكن ليس ذلك واجباً. وكذلك أيضا ما نما أو تحرك حركةً ما أخرى: كان يجب أن يستحيل. لكن كثيرا من الأشياء تنمى ولا تستحيل، ومثال ذلك أن المربع إذا أضيف إليه ما يضاف حتى يحدث العلم فقد تزايد، إلا أنه لم بحدث فيه حدث حاله عما كان عليه. وكذلك فى سائر ما يجرى هذا المجرى. — فيجب من ذلك أن تكون هذه الحركات مخالفةً بعضها لبعض.
والحركة على الإطلاق يضادها السكون. وأما الحركات الجزئية فتضادها الجزئيات. وأما التكون فيضاده الفساد، والنمو يضاده النقص، والتغير بالمكان يضاده السكون فى المكان. وقد يشبه أن يكون قد يقابل هذه الحركة خاصةً التغير إلى الموضع المضاد لذلك الموضع، مثال ذلك: التغير إلى فوق للتغير إلى أسفل، والتغير إلى أسفل للتغير إلى فوق. — فأما الحركة الباقية من الحركات التى وصفت فليس بسهل أن يعطى لها ضد، فقد يشبه أن لا يكون لهذه ضد، اللهم إلا أن يجعل جاعل فى هذه أيضا المقابل هو السكون فى الكيف أو التغير إلى ضد ذلك الكيف، كما جعل المقابل فى الحركة فى المكان السكون فى المكان أو التغير إلى الموضع المضاد. فإن الاستحالة تغير بالكيف. فيكون يقابل الحركة فى الكيف السكون فى الكيف أو التغير إلى ضد ذلك الكيف، مثل مصير الشىء أسود بعد أن كان أبيض، فإنه يستحيل إذا حدث له تغير إلى ضد ذلك الكيف.
أن «له» يقال على أنحاء شتى.
وذلك أنها تقال إما على طريق الملكة والحال أو كيفية ما أخرى:
فإنه يقال فينا إن «لنا» معرفة، و«لنا» فضيلة. — وإما على طريق
ولعله قد يظهر لقولنا «له» أنحاء ما أخر. فأما الأنحاء التى جرت العادة باستعمالها فى القول فنكاد أن نكون قد أتينا على تعديدها.
[تم كتاب أرسطوطالس المسمى قاطيغوريا أى المقولات ... (وصححه) الحسن بن سوار من نسخة يحيى بن عدى التى بخطه، وهى التى قابل بها الدستور الذى بخط اسحق الناقل. قوبل به نسخة كتبت من خط عيسى بن اسحق بن زرعة، نسخها أيضا من نسخة يحيى بن عدى المنقولة من دستور الأصل الذى بخط اسحق بن حنين؛ فكان موافقاً. والحمد لله على إنعامه].