Data Entry
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة القول الأول من الكتاب الذى وضع ارسطاطاليس الفيلسوف فى معرفة طباع الحيوان البرى والبحرىوفيه صفة مزاوجة ومولد جميع الحيوان، وصفة ما يكون منه من جماع، مع تصنيف أعضائها الباطنة والظاهرة وتلخيص أفعالها وأعمالها ومنافعها ومضارها، وكيف يضاد ما يضاد منها، وفى أى الأماكن يكون، ومتى ينتقل من موضع إلى موضع، لحال حضور الصيف والشتاء، ومن ماذا معاش كل واحد من الحيوان، أعنى ما كان من صنف الطير والسباع وسمك البحر، وما يأوى فيه من السباع أيضاً.
إن بعض أجزاء أجساد الحيوان تسمى غير مركبة،
وهى الأجزاء التى تجزأ فى أجزاء يشبه بعضها بعضاً (مثل ما يجرى بصفة
لحم فى بضاع شتى)؛ وبعض أجزائها تسمى مركبةً، وهى التى تجزأ فى
أجزاء لا يشبه بعضها بعضاً (مثل اليد، فإن اليد لا تجزأ فى أيد كثيرة،
ولا الوجه فى أوجه كثيرة). وبعض ما كان على مثل هذه الحال لا يقال له
جزء فقط، بل يسمى عضواً أيضاً، وذلك مثل الأعضاء اللواتى هى
كليات وفيها أجزاء أخر مثل الرأس والساق واليد وجميع العضد والصدر.
فإن جميع هذه الأعضاء يقال لها كليات، ولها أجزاء أخر. وجميع الأجزاء
التى لا يشبه أجزاؤها بعضها بعضاً مركبة من التى أجزاؤها يشبه بعضها بعضاً،
مثل اليد: فإنها مركبة من جسم وعصب وعظام.
〈الفوارق بين الأجزاء〉
وجميع الأعضاء اللائى فى بعض أجناس الحيوان 〈إما أن〉 يشبه بعضها
وأيضاً بعض الأعضاء التى يشبه أجزاؤها بعضها بعضاً لينة ورطبة،
وبعضها يابسة صلبة. فأما الرطبة منها فإنها 〈إما أن〉 تكون رطبةً على كل
حال، أو تكون رطبة ما كانت فى الطباع التى هى فيه [٣]، مثل الدم،
ومائية الدم، والشحم، والثرب، والمخ، والمنى، والمرة، واللبن
فى كل ما كان له لبن، واللحم، وما كان ملائماً لهذه الأشياء التى سميناها.
وبنوع آخر: الفضول، مثل البلغم، وما يجتمع من فضلة الطعام فى البطن
وأيضاً أصناف الحيوان تختلف من قبل تدبير معاشها، وأفعالها،
وغذائها، وأجزائها التى ذكرنا بقول مقتصد. وسصنف فيما يستقبل جنساً
جنساً، وكل ما يعرض له من الأعراض، وأصناف اختلافها من قبل تدابير
أعمارها وأشكالها وأفعالها، فتقول: إن بعضها مائية، وبعضها برية. والمائية
تقال بنوعين: إما لأن مأواها وغذاءها فى الماء، وتقبل الماء فى باطنها ثم
تدفعه، فإذا عدمته لا تقوى على الحياة فى البر، مثلما يعرض لكثير من
السمك؛ وإما أن يكون غذاؤها ومأواها فى الماء، ولا تقبل الماء فى بطنها،
بل تقبل الهواء، وتلد خارجاً من الماء، 〈وبعضها له أرجل〉 مثل الحيوان
الذى يسمى باليونانية انودريس، ولاطقس، والتمساح، 〈وبعضها
له أجنحة مثل زمج الماء αιΘυια la mouette〉 والطائر الذى يسمى
ومن الحيوان البرى ما يقبل الهواء ويخرجه، أعنى يتنفس، مثل الإنسان
وجميع الحيوان البرى الذى له رئة. ومنه ما لا يقبل الهواء، وحياته وغذاؤه مما
فوق الأرض، مثل الدبر والنحل وسائر الحيوان المحزز وإنما سمى
محززاً كل ما كان له تحزيز فى مقدم جسده أو فى مؤخره. وكما قلنا:
كثير من الحيوان البرى يكسب طعمه وغذاءه من الماء.
وأيضاً بعض الحيوان ثابت على صورة واحدة، وبعضه متغير. فأما
الحيوان الثابت على صورته فمأواه الماء. وأما الحيوان البرى فليس بثابت،
بل يتغير. وبعض الحيوان يعيش فى الماء لأنه لاصق بصخرة مثل أجناس
الحلزون. وفيما يظن للسفنج — وهو العام — شىء من الحس؛ والدليل على
ذلك أنه لا ينجذب ولا يفارق الصخرة التى هو بها لاصق إن لم يحركه ويجذبه
أحد بغتةً، كما يزعم أهل الخبرة. وبعض الحيوان لاصق بصخرة وهو
مرسل إذا طلب الطعام، مثل الجنس الذى يسمى باليونانية أقاليفى:
فإن منه ما يبرز عن موضعه ليلاً، ويرعى، ثم يرجع إليه. وكثير من الحيوان
مرسل وليس بمتحرك عن مكانه مثل الحلزون، والتى تسمى باليونانية
هلوثوريا. وبعضه يغوص برأسه مثل السمك والذى يسمى مالاقيا
وكل ما كان جرمه ليناً مثل الذى يسمى قاربو. وبعض الحيوان سيار
ومن المشاء ما هو طيار، وما يمشى على بطنه مثل مشى الدود وحركته. فأما جميع الطير فإنه يمشى. وكل ما كان جناحه من جلد يمشى أيضاً، مثل الوطواط، لأن له رجلين. وبعض الطير ردىء الرجلين، ولذلك يقال إنه ليس له أرجل، مثل الخطاف، وهو طائر جيد الجناح. وكل ما يشبهه من الطير جيد الجناح ردىء الرجلين. وصورها جميعاً متشابهة. فأما صنف منها — وهو الذى يقال له دريفانيس فإنه لا يظهر إلا بعد المطرة التى تكون فى أجزاء الصيف. وفى ذلك الأوان يظهر ويبدو. وجنس هذا الطائر قليل جداً، ولذلك لا يظهر إلا فى الحين مرةً. 〈ومعظم الحيوان قادر على السباحة والمشى〉.
وأيضاً أصناف الطير تختلف من قبل أفعالها وتدابير معايشها، لأن
منها ما يكون مع كثير من أصحابه؛ مثل الرف الذى يطير، ومنها ما
يفارق سائر الطير الذى يناسبه ويشبهه وينفرد [٥] بنفسه، وذلك
يعرض فى الطير والحيوان المشاء، وما يعوم منه. ومن الحيوان ما يفعل
الفعلين: فيكون مرة متوحداً منفرداً، ومرة مجتمعاً مع ما كان مثله. ومن
الحيوان المنفرد ما هو مدينى، ومنه ما يأوى القرى والمزارع. فأما الطير الذى
يأوى مع أصحابه ويشاركهم بالجنس فمثل الحمامة والغرنوق والطير الذى يقال
له ققنس (فأما ما كان من الطير الذى له أظفار معقفة، أعنى منحنية
فليس يمكن أن يكون معه شىء من أمثاله)؛ وكذلك يعرض لكثير من
أجناس السمك، مثل الذى يسمى باليونانية دروماذاس وثونو
وبيلاموداس وأميا. فأما الإنسان فإنه يفعل الفعلين جميعاً، لأنه ربما توحد
وانفرد بنفسه، وربما كان مع الجماعة. فأما الحيوان المدينى فهو الذى يفعل
كل ما ينسب إلى جنسه فعلاً واحداً ويعمل عملاً واحداً. وليس يفعل مثل
هذا الفعل كل حيوان يأوى مع أمثاله. ومثل ما وصفنا: الانسان، والنحلة،
والدبر، والنملة، والغرنوق. ومن هذا الحيوان ما يرأسه رأس ويكون
ومن الطير ما يأكل الحبوب (ومنه ما يأكل الحبوب)؛ ومنه ما يأكل كلا، ومنه ما يأكل طعاماً خاصاً مثل جنس النحل وجنس العنكبوت: فإن طعم النحل العسل وأشياء أخر كثيرة من الحلو، فأما العنكبوت فإن معاشه من صيد الذباب. ومنها ما يعيش من أكل السمك. وبعضها صيادة، وبعضها مدخرة لطعمها، وبعضها على خلاف ذلك. ولبعض الحيوان مسكن ومأوى، وبعضه لا مسكن له. فأما الذى له مسكن منها فمثل الخلد والفأر والنحل والنمل. فأما ما ليس له مسكن، فمثل كثير من الحيوان المحزز الجسد وما كان منه ذا أربعة أرجل. وأيضاً بعض الحيوان يأوى فى شقوق الصخر والحيطان والأماكن الضيقة مثل السام أبرص، والحيات. وبعضها يكون فوق الأرض مثل الفرس والكلب. ولبعضه أحجار موافقة لمأواها، وبعضها على خلاف ذلك. وأيضاً بعضها يتحرى ويكسب مصلحة معاشه ليلاً مثل البومة والوطواط؛ وبعضها يتحرك ويعيش فى النهار.
وبعضها أنيسة فى كل حين، وبعضها وحشية فى كل حين. وأما
وأيضاً بعض الحيوان يصوت، وبعضها لا يصوت، ولبعضها دوى. وبعض الحيوان ناطق 〈وبعضها〉 صامت، وبعضها لحنة حسنة الصوت، وبعضها ليست بلحنة. ويعرض لجميع الحيوان الذى يصوت شىء آخر مشترك أعنى كثرة الكلام والضوضاء عند أوان سفادها، ما خلا الإنسان.
وبعض الطير وحشى مثل الفاختة، وبعضها جبلى مثل الهدهد، 〈وبعضها يعيش مع بنى الإنسان، مثل الحمام العادى〉.
ومنها ما يكثر النكاح، مثل جنس الحجل والديكة. ومنها تقية زكية، مثل جنس الطائر الذى يسمى باليونانية قراقويدون، فإن جميع ما كان من هذا الجنس لا يسفد إلا فى الحين مرة.
وأيضاً بعض الحيوان البحرى لجى وبعضه شاطئى، وبعضه صخرى.
وأيضاً بعض الحيوان مهارشة مقاتلة، وبعضها حافظة. وإنما أعنى 〈بقولى〉: مهارشةً مقاتلة: ما يحمل منها ويشد على ما يمر به ويدفع عن نفسه بجهده كل ما يريد أن يضربه. فأما الحافظة، فعلى خلاف ذلك.
〈اختلافات الطباع〉
فالحيوان يختلف بجميع الأصناف التى وصفنا. ويختلف أيضاً بأنواع
أخلاقها، لأن بعضها وديع قليل الغضب ليس بجاهل، مثل البقرة. وبعضها
غضوب جاهل لا يقبل شيئاً من الأدب، مثل الخنزير البرى. وبعض الحيوان
جزوع، مثل الأيل 〈والأرنب البرى〉. وبعضها عادم الحرية
مغتال، مثل الحية. وبعضها جرىء جلد كريم شريف، مثل الأسد.
وبعضها مغتال قوى شديد وحشى، مثل الذئب. وأيضاً بعض الحيوان منكر،
ردىء الفعل، مثل الثعلب. وبعضها غضوب متحبب ملاق، مثل [٧]
الكلب. وبعضها وديع يكيس ويستأنس سريعاً، مثل الفيل. وبعضها حيى
حفوظ، مثل الإوز. وبعضها حسود محب للجمال، مثل الطاووس.
فأما الحيوان الذى له رأى ومشورة فهو الإنسان فقط. وكثير من الحيوان يحفظ
ولجميع الحيوان عضوان يشترك فيهما: أعنى العضو الذى به يقبل الطعام، والذى به يخرجه. وهذان العضوان أيضاً متفقان بقدر الأنواع التى وصفنا، أعنى بالمنظر، أو بالزيادة والنقص، أو بالملاءمة، أو بالوضع. وأيضاً لها عضو آخر مشترك، أعنى الذى إليه يصير الطعام بعد دخوله فى الفم، وهو البطن. وينبغى أن يعلم أن الفضلة التى تكون فى أجواف الحيوان الذى له عضو قبول للفضلة الرطبة له أيضاً وعاء قبول للفضلة اليابسة، فأما الحيوان الذى له وعاء قبول للفضلة اليابسة فليس له عضو قبول للفضلة الرطبة أيضاً على كل حال. فكل حيوان له مثانة فله بطن أيضاً. وليس كل ما له بطن فله مثانة أيضاً.
ولجميع الحيوان — الذى له زرع ويتولد منه حيوان مثله — عضو موافق له. فينبغى أن يعلم أن كل ذكر من الحيوان يلقى زرعه فى الأنثى. فأما الأنثى فإنها تلقى زرعها فى داخل رحمها. ومن الحيوان ما ليس فيه ذكر، ولا أنثى. ولجميع الحيوان — الذى له زرع ويتولد منه ولد — أعضاء موافقة لخلقة المحمول والمولود. وتلك الأعضاء أيضاً تختلف بالصورة، لأن لبعض الإناث رحماً، ولبعضها عضواً آخر ملائماً للرحم. فهذه الأعضاء التى تكون فى جميع الحيوان، أو فى كثير منها: باضطرار وما لا بد منه.
وفى جميع الحيوان جنس واحد مشترك عام، أعنى الحس. وليس العضو الذى يكون فيه الحس يسمى باسم واحد خاص، لأن ذلك العضو فى بعض الحيوان متفق هو فهو، وفى بعضها عضو ملائم له.
وفى كل حيوان رطوبة إذا عدمها — إما من قبل الطباع، وإما من
قبل قسر وشدة [٨] — يبيد ويبلى. وفيه أيضاً العضو الذى تجتمع فيه تلك
الرطوبة، وهى فى بعض الحيوان دم، وفى بعضها رطوبة أخرى ملائمة للدم،
وأيضاً فى بعض الحيوان دم، مثل الإنسان والفرس، وجميع ما ليس له أرجل ألبتة، أو له رجلان أو أربعة أرجل. وليس فى بعض الحيوان دم مثل النحل والدبر وبعض الحيوان البحرى مثل الذى يسمى باليونانية سبيا وقرابوس، وجميع ما له أكثر من أربعة أرجل.
وأيضاً بعض الحيوان يلد حيواناً، وبعضه يبيض بيضاً، وبعضه يلد يرقاً.
وإنما أسمى بيضةً: التى يكون الفرخ من جزء من أجزائها، وسائر ذلك
يكون غذاءه حتى ينمى ويكمل. وأسمى دودة التى من كلها يكون كل
الحيوان انفصل وقت صورته ونشأ. وينبغى أن نعلم 〈أن〉 بعض الحيوان
الذى يلد حيواناً أيضاً إنما يلد فى رحمه بيضاً أولاً. فإذا تم صار منه شبيه
بدود. فإذا ولد ذلك الدود قبل صورته تامةً، وكان منه حيوان مثل الحيوان
البحرى الذى يسمى [٩] باليونانية سلاشى. وبعض الحيوان يلد فى الرحم
حيواناً مثله؛ فإذا تم خلقه وكمل، خرج إلى خارج، مثل الإنسان والفرس،
وكلها يلد حيواناً مثله. وبعض البيض يكون صلب الخزف وفى داخله لونان
من الرطوبات، مثل بيض الطير. ومن البيض ما هو لين، وللرطوبة التى فى
داخله لون واحد، مثل بيض الحيوان الذى يسمى سلاشى. وبعض الدود
الذى يولد من الحيوان متحرك من ساعته، وبعضه لا يتحرك إلا بعد أيام.
وأيضاً لبض الحيوان أرجل، ولبعضها لا. والذى له أرجل أيضاً مختلف، لأن منه ما له رجلان فقط، مثل الإنسان والطير؛ ومنه ما له أربعة أرجل، مثل الفرس والثور وما كان من هذا الصنف؛ ومنه ما له أرجل كثيرة، مثل النحلة والدبر والحيوان الذى يسمى ذو أربعة وأربعين رجلاً. وأرجل جميع الحيوان أزواج، ليس بأفراد.
فأما الحيوان المائى الذى يعوم، فإن له أجنحةً مثل السمك، ومنه ما له
أربعة أجنحة: اثنان منها فى بطنه، واثنان فيما يلى الظهر، مثل السمك الذى
يسمى خروسفروس واللبراق. ومنها ما له جناحان، مثل جميع
السمك المستطيل الأملس، مثل الأنكليس والذى يسمى باليونانية 〈دليا
وبعضها ليست له أجنحة قط، مثل الذى يسمى باليونانية〉 اسمورنيا
وكل ما معاشه من الماء مثل معاش الحية من الأرض. وليس لبعض السمك
فأما ما كان من السمك الجاسى الجلد، مثل الذى يسمى باليونانية قرابس [١٠] فإنه يتحرك بذنبه حركةً سريعةً مع حركة أجنحته. والتمساح يتحرك ويعوم برجليه: وذنبه بقدر ما يقاس صغير إلى كبير، وذنب التمساح بذنب السمكة التى تسمى غلانيس.
ولبعض الطيور ريش مثل العقاب والبازى. وبعضه محزز الجسد، مثل
ومن الطير الذى ليس له دم ما لجناحيه غلاف، لأن جناحيه تحت غطاء يسترهما، مثل الدبر والجعل. ومنه ما له غطاء رقيق شبيه بالقشر. ومما وصفنا ما له جناحان؛ ومنه ما له أربعة أجنحة. فأما التى لها أربعة أجنحة، فهى التى لها عظم، أو لها فى مؤخرها حمة. فأما التى لها جناحان فهى التى ليس لها عظم وهى التى تلسع بخرطومها الذى فى مقدم رؤسها. وليس لشىء مما لجناحه غلاف حمة. فأما التى لها جناحان فقط فهى تلسع بالخرطوم الذى فى مقدم رأسها، مثل الذباب والبعوض وذباب الدواب. وجميع الحيوان الذى ليس له دم، أصغر جثة من الحيوان الذى له دم، ما خلا الحيوان البحرى فإن منه حيواناً ليس له دم أكبر من حيوان له دم. وذلك يكون قليلاً يسيراً، مثل بعض السمك الذى يقال له مالاقيا، فإن هذا الجنس يكون عظيماً جداً فى الأماكن الحارة، لا سيما فى اللجج أكثر من الأماكن التى تقرب من البر، وخاصة فى المواضع التى تكثر فيها المياه العذبة الطيبة.
وجميع ما يتحرك من الحيوان يتحرك بأربعة أعضاء من أعضائها،
وأما السرطانات فإن لها ستة أرجل تتحرك بها حركة معتدلة.
والأجناس الكلية التى منها تجزأ سائر الأجناس فهذه: أما الواحد فجنس الطير، والآخر جنس السمك، والآخر جنس السباع البحرية العظيمة الجثث. ولجميع هذه الأجناس دم. ومن الحيوان جنس آخر، أعنى الجاسى الخزف، وهو كل ما كان من أصناف الحلزون. وأيضاً جنس آخر، وهو الذى يسمى لين الخزف، مثل الذى يسمى قارابوا وأجناس من أجناس السراطين، والذى يسمى اسطاقوس، وجنس آخر يسمى مالاقيا مثل طوثيدس وطوڤس وسبيا. وجنس آخر يقال له جنس [الطير] المحزز الجسد. وليس لشىء من هذا الجنس دم ألبتة. فأما ما كان من الحيوان البحرى الذى له أرجل فهو كثير الأرجل. ومن الحيوان المحزز الجسد ما يطير، ومنه ما لا يطير.
فأما ما كان من سائر أجناس الحيوان، فإنه ليس بعظيم، لأنه لا يحيط
بأصناف كثيرة، بل منها ما هو مبسوط ليس فيه جنس آخر، مثل الإنسان.
ومنها ما فيه أصناف مختلفة، ولكن لا يسمى بأسماء بينة معروفة. وينبغى أن
تعلم أن لجميع الحيوان — الذى يلد حيواناً مثله — شعراً. فأما الحيوان الذى
يبيض فله تفليس فى جسده، 〈و〉أعنى بالتفليس آثاراً شبيهة بآثار القشور إذا
وفى البحار أصناف حيوان لا يجمعها جنس واحد مشترك. وفى البر
أيضاً حيوان على مثل هذه الحال لا ينتسب إلى جنس واحد محيط بها، بل لكل
واحد منها صورة مفردة خاصة له، مثل الإنسان والأسد والأيل
والفرس والكلب. وما أشبه ذلك: فجميع الحيوان الذى ذنبه كثير الشعر
منسوب إلى جنس واحد، مثل البراذين والخيل والحمير
[والطير، فإن ذنب الطير كثير الريش شبيه بالشعر] 〈والحيوانات التى
تسمى فى سوريا باسم الهاميون ημεουοε واسمه مستمد من مشابهتها للبغال،
وإنما وصفنا جميع هذه الأصناف وموافقة واختلاف أجناس الحيوان بقول حزم. ومن أراد أن يتفقد ذلك كله سيعرف تحقيق قولنا. ونحن سنصف — فيما يستأنف — كل جنس من هذه الأجناس على حدة، ونلطف النظر فيه بقدر مبلغ رأينا وعلمنا. وإنما تقدمنا وذكرنا ما ذكرنا لكى نبين الفصول التى بين الحيوان أولاً، مع جميع الأعراض التى تعرض لها. ثم نصف، فيما يستقبل، علل ذلك كله — فإن هذا المأخذ والمسلك طباعى مستقيم، وفيه يكون البيان والإيضاح: فنحن نذكر أولاً أعضاء الحيوان الذى هو منها مركب، فإن اختلاف الحيوان بهذه الأعضاء يكون، خاصةً لأن لبعضها كل الأعضاء، وبعضها على خلاف ذلك. والأعضاء أيضاً تختلف من قبل المرتبة، والوضع، والزيادة، والنقص، والصورة، والملاءمة، ومضادات الآفات والأعراض، كما [١٣] قلنا وفصلنا فيما سلف.
〈صفة أعضاء الإنسان وأجزائه〉
وينبغى لنا أن نذكر أعضاء الإنسان أولاً، لأنه أكرم وأعظم شأناً من
جميع الحيوان؛ وهو عندنا أعرف وأثبت من غيره باضطرار. فكمثل ما
فالأعضاء العظيمة من أعضاء الجسد: الرأس، والعنق، والتنور،
والعضدان، والساقان. وجميع ما بين العنق إلى منتهى البطن يقال له تنور.
فينبغى أن يعلم أن جزء الرأس الذى فيه نبات الشعر يسمى فروة الرأس؛
وجزؤه الذى فى المقدم يسمى يافوخاً، وهو موضع العظم الذى لا
يصلب بعد الولادة إلا أخيراً بعد أن يصلب ويشتد جميع عظام الجسد. فأما
مؤخر الرأس فإنه يسمى نقرة القفا. وفيما بينها وبين اليافوخ وسط الرأس،
وهو يسمى القمحدوة. وتحت اليافوخ: الدماغ. وأما ما تحت نقرة القفا،
ففارغ. وقحف الرأس مخلوق من عظم صلب مستدير يحيط به
جلد ولحم، وفيه خياطة من قبل الطباع. وتلك الخياطة فى رءوس النساء
واحدة مستديرة حول قحف الرأس. فأما رءوس الرجال ففيها خياطات
فأما تحت فروة الرأس من قدام فهو يسمى وجهاً. وليس [هو] من الصواب أن يسمى ذلك الجزء وجهاً فى شىء من الحيوان خلا الإنسان. والناحية العليا من [١٤] الوجه، أعنى التى بين اليافوخ والعينين يسمى جبيناً. وإذا كان هذا الجبين عظيماً جداً يدل على أن صاحبه ثقيل إلى البلادة ما هو، وإذا كان صغيراً يدل على جودة حركة، وإذا كان عريضاً يدل على أن صاحبه قليل العقل، وإذا كان مستديراً يدل على أن صاحبه غضوب.
وتحت الجبهة الحاجبان. وإذا كان الحاجبان مستقيمين، كأنه خط، يدل
على لين وتأنيث واسترخاء. وإذا كانا منفرجين آخذين إلى طرف الأنف فهو
يدل على أن صاحبه كيس خفيف لطيف فى جميع أموره. وإذا كان
اعوجاجها مائلاً إلى الصدغين فهو دليل على أن صاحبه مستهزئ ردىء
وتحت الحاجبين: العينان. وأجزاؤها الشفر الأعلى، والأسفل. فأما داخل العينين فإن الرطوبة التى تبصر بها تسمى حدقة. وما يلى الحدقة يقال لها: سواد العين. وما كان خارجاً من ذلك السواد يقال 〈له〉 بياض العين. ومن أجزاء العين أيضاً زاوية الأشفار التى تلى الأنف، والزاوية الأخرى التى تلى الأصداغ. والمأق الأعلى والأسفل. فإذا كان المأق وما يلى زاوية العين صغيراً دقيقاً، 〈فهذا〉 يدل على رداءة حال صاحبه وسوء مسلكه وسيرته. وإذا كان ذلك الموضع كثير اللحم، مثل ما يعرض لعين الحدأة، يدل على خبث ورداءة وفجور.
ولجميع أجناس الحيوان عينان، وإن لم تكن تامةً، ما خلا الحيوان البحرى الذى جلده صلب شبيه بالخزف. فأما جميع الحيوان الذى يلد حيواناً مثله فله عينان، ما خلا الخلد فإنه عادم العينين فيما يظهر منه، لأنه لا يبصر ألبتة. وأما إن شق أحد الجلدة التى على أماكن عينيه وسلخها سلخاً رقيقاً، فإنه سيجد مواضع العينين وسوادها على حالها كأنه إنما تصيبه الضرورة والفساد وذهاب البصر فى أوان الولادة لحال نبات الجلد على العينين.
[فأما الحاجبان الواقعان على العينين فإنهما دليلان على أن صاحبها حسود].
فأما بياض العين فإنه يكاد أن يكون متشابهاً فى جميع الناس. وأما [١٥] سواد العين فمختلف، لأنه ربما كان شديد السواد، وربما كان شديد الزرقة، وربما كان أشهل، وربما كان إلى الحمرة ما هو: فإذا كان على مثل هذه الحال، دل على أن سيرة صاحب تلك العين سيرة جميلة، وعلى أنه حاد العقل. وإنما اختلاف ألوان سواد العين خاصةً فى الإنسان. فأما فى سائر الحيوان فليس هو بمختلف، ما خلا الخيل: فإنه ربما اختلفت ألوان سواد أعينها: فمنها ما يكون أشهل، وأزرق، وأسود العين.
وينبغى أن يعلم أنه ربما كانت العينان كبيرتين، وربما كانت صغيرتين،
وربما كانتا وسطين. فما كان منها وسط القدر فهو دليل حسن حال صاحبها
فى ذكائه وعقله ومروءته. وربما كانت العين ناتئة، وربما كانت غائرة،
وربما كانت فيما بين ذلك. فإذا كانت العين غائرةً، فهى تدل على حدة فى
جميع الحيوان. وإذا كانت ناتئة فهى دليلة على اختلاط عقل وسوء حال.
وإذا كانت فيما بين ذلك فهى ممدوحة لأنها تدل على خير. وربما كانت العين
كثيرة التغميض، وربما كانت كثيرة الانفتاح قليلة الحركة. وربما كانت فيما
بين ذلك. فإذا كانت العين كثيرة الانفتاح قليلة التغميض، 〈فإنها〉 تدل
ومن أجزاء الرأس: الأذن. وهى آلة السمع. وليست توافق شيئاً من
النفس: ولذلك نقول إن ألقيمون الشاعر كاذب، حيث زعم أن
المعزى تتنفس بآذانها. والناحية السفلى من الأذن تسمى شحمة الأذن. وما كان
من الناحية العليا مستديرة تسمى محارةً. وتركيب الأذن من غضروف
والأنف آلة جنس الشهيق، وبه يكون النفس، وهو مجاز
وفيما يلى أنف الإنسان الوجنتان، وتحت الوجنتين الفك، وعليه يكون نبات شعر اللحية. وجميع الحيوان يحرك 〈الفك〉 الأسفل ما خلا التمساح [١٧] فإنه يحرك الفك الأعلى.
وتحت الأنف الشفتان، وهى مخلوقة من لحم جيد الحركة. فأما داخل الشفتين فهو يسمى الفم، ومنه ما يسمى حنكاً؛ ومنه ما يسمى لساناً، وهو آلة حس كل مذوق، وإنما ذلك الحس فى طرفه، فأما ما عرض منه فإنه أقل حساً. واللسان يحس بجميع ما يحس سائر الجسد، أعنى الحار والبارد، والجاسى واللين؛ ويفعل ذلك بجميع أجزائه. وربما كان اللسان عريضاً، وربما كان دقيقاً، وربما كان فيما بين العرض والدقة، وهو الذى يستحب أعنى الأوسط: فإنه أوفق لجودة الحركة وإيضاح الكلام وبيانه. وربما كان اللسان مرسلاً، وربما كان فيه رباط وعقد، مثل ما يعرض لمن به لثغة أو غير ذلك من آفات اللسان. وإنما خلقة اللسان من لحم رخو. ومن أجزائه العضو الذى يكون على أصله، وأيضاً من أجزاء الفم اللثة، وهى مخلوقة من لحم. وفى اللثة الأسنان. وفى الحنك العضو الذى يسمى طيطلة، أعنى اللهاة — وهو موضوع على عرق، وهو موافق للصوت. وربما كثرت رطوبته وانتفخ، فإذا عرض له ذلك يسمى عنبة، وربما خنق الإنسان. وأصل اللسان فى جوانب الحلق: اللوزتان.
فأما العضو الذى بين الوجه والتنور — أعنى الصدر — وما يليه فهو يسمى: «عنق». وفيه أنبوبتان: واحدة فى مقدم الحلق، وهى التى تسمى الحنجرة، والأنبوبة الأخرى خلفه وهى التى تسمى المرىء، وفم المعدة. وخلقة الأنبوبة التى فى مقدم الحلق من غضروف. وهى آلة الصوت والتنفس. فأما أنبوبة المرىء فخلقتها من لحم، وهى لاصقة بالفقار. وأما ما تحت الفقار فإنه يسمى ما بين الكتفين. فهذه أعضاء الإنسان التى من رأسه إلى التنور.
فأما التنور فإنه يجزأ فى مقدمه بجزئين، أعنى أجزاء الصدر. وفيه الثديان؛ وفى الثديين حلمتان. والثديان آلة اللبن فى الإناث وبهما يصفى. وربما كان فى ثدى الذكورة لبن يسير لا يظهر لحال نشافة خلقتها. فأما خلقة ثدى النساء فمن لحم رخو مجوف مملوء.
وبعد التنور فى مقدم الجسد: البطن. وفيه السرة التى يقال إنها أصل
[١٨] البطن وتحت السرة فى كلا الجانبين: الحالبان. وفى آخر البطن موضع
العانة. والوركان خلف الحالبين. وما خلف الوركين من الظهر يسمى
فأما الإناث فلها عضو خاص، أعنى الرحم. وفى آخر العانة: الذكر. وخلقته من لحم وغضروف. وهو ينبسط وينقبض. والذى ينتفخ منه عند شهوة المجامعة الغضروف. وطرفه يسمى كمرة. والجلد الذى يغطيه يسمى قلفة. وإذا انقطع منها شىء لا يلتئم، كما لا يلتئم ما دق من طرف الوجنة.
وتحت الذكر: الأنثيان. وليست خلقتهما مثل خلقة اللحم، ولا بعيدة منها وسنلطف فى ذكر خلقتهما فيما نستأنف.
[والذكر مجاز الفضلة الرطبة، ومجاز المنى].
〈وعضو التناسل فى المرأة له وضع مضاد لعضو الذكور. ذلك أن ما تحت العانة أجوف بدلاً من أن يكون بارزاً كما هى الحال عند الذكر. كذلك يوجد خارج الرحم قناة لمرور منى الذكر. ولكلا الجنسين قناة لتصريف الفضلة الرطبة〉.
فأما مكان الذبحة فإنه مشترك فيما بين العنق والصدر. والإبط مكان مشترك فيما بين الصدر والأضلاع والعضدين والأكتاف. فأما مكان الأربية فهو مكان مشترك بين الفخذ والقحقح والمريطا. وفوق المريطا صفاق البطن.
فهذه صفة الصدر وما يليه من مقدمة. فأما ما خلفه فإنه يسمى الظهر.
ومن أجزاء الظهر الأكتاف والفقار. فأما الأضلاع فهى مشتركة فيما بين الصدر والظهر. وهى ثمانية من كل ناحية.
وفى جسد الإنسان الناحية العليا والسفلى، والمقدم والمؤخر، والناحية
اليمنى والناحية اليسرى. والأعضاء التى فيها يشبه بعضها بعضاً، أعنى التى فى
الناحية اليمنى، والتى فى الناحية اليسرى، وإن كانت أعضاء الناحية اليمنى
أقوى من الأعضاء التى فى الناحية اليسرى. فأما الأعضاء التى فى الظهر فليس
تشبه الأعضاء التى فى مقدم الجسد، ولا تشبه أيضاً الأعضاء التى فى أسفل
وعظم العضد واحد، وعظام الذراع اثنان. وبعد الذراع الكفان المجزآن بالأصابع. وكل إصبع مجزأة بثلاثة أجزاء وبثلاثة عظام ومفاصل، ما خلا الإبهام، فإنها تجزأ بجزئين؛ وفيها عظمان ومفصلان. وانقباض الأصابع يكون إلى داخل، وانبساطها يكون إلى خارج. ومرفق اليد وموضع أصل العضد ينقبض، وينبسط كمثل. وما يلى داخل الكف، وهو مجزأ بخطوط وأثانى بينة. وإذا كانت تلك الخطوط اثنين أو ثلاثة تشق كل الكف، 〈فهذا〉 يدل على طول العمر. وإذا كانت اثنين قصيرين 〈فهذا〉 يدل على قلة العمر. فأما ظهر الكف فإنه معرق كثير العظام قليل اللحم.
وفى أسفل الجسد الفخذان والركبتان. وعلى الركبة العظم الذى يسمى
الداعصة، ثم الساقان. ومقدم الساق يقال له أنف الساق، ومؤخره يقال
〈له〉 بطن الساق. وخلقته من لحم وعصب وعروق. وفيما بين أسفل الساق
والقدم: الكعب. ومؤخر القدم يسمى العقب. وما تحت طرف القدم يسمى
صدر القدم. وما يلى أعلى القدم كثير العظام والعصب. وفى طرف القدم:
الأصابع والأظفار. وفى جميع الأصابع انقباض وانبساط. وإذا كان أسفل
القدم غليظاً سميناً ليس بعميق ولا منجذب، وكان صاحب تلك القدم يطأ
فهذه الأعضاء مشتركة للإناث والذكورة. وأما وضع جميع أعضاء الجسد: بقدر ما يشير الأعلى والأسفل، والمقدم والمؤخر، واليمين والشمال — فإن جميع الأعضاء التى فى الظاهر من الجسد بينة للحس معروفة للكل. وإنما ذكرناها وسميناها لكيما يكون قولنا تاماً، ولأنا نريد أن نقيس بهذه الأعضاء جميع أعضاء سائر الحيوان، ولا يخفى علينا شىء من وضعها ولا أشكالها.
وأجزاء الإنسان خاصةً مخلوقة موضوعة بقدر [٢٠] خلقه. ووضع
جميع هذا لعلل — أعنى أن ناحية جسد الإنسان العليا والسفلى، ومقدمه
ومؤخره، واليمين واليسار: مخلوق خلقة طباعية بقدر خلقة هذا العالم.
وليس ذلك فى سائر الحيوان، لأن من الحيوان ما ليس فيه جميع هذه الأعضاء؛
ومنه ما فيه هذه الأعضاء، ولكن ليس وضعها مثل وضع أعضاء الإنسان، فإن
رأس الإنسان موضوع فوق جميع جسده بقدر خلقة الكل، كما قلنا فيما
وبعد الرأس: العنق، والصدر، والظهر. فأما الصدر فهو مقدم الجسد. والظهر موضوع فى مؤخر الجسد. والبطن موضوع بعد الصدر، و〈أما〉 الصلب فتاليه. وبعد ذلك المحاشى، والوركين؛ ثم الأفخاذ، والساقان؛ ثم القدمان.
فأما الحواس وآلة الحواس، مثل العينين والمنخرين واللسان فإنها موضوعة كلها فى مقدم الوجه. فأما السمع وآلة السمع فهى موضوعة فى جوانب الرأس قبالة العينين. وعينا الإنسان قريبة بعضهما من بعض بقدر عظم رأسه أكثر من جميع الحيوان. وحس اللمس فى الإنسان لطيف جداً أكثر من سائر الحواس. وبعده حس المذاق؛ وهى فى الإنسان أيضاً لطيفة. فأما سائر الحواس — أعنى البصر والمشمة والسمع — فإنها فى الإنسان دون ما هى فى كثير من الحيوان.
فهذا وضع أعضاء الجسد فيما يلى الناحية الظاهرة منه، بقدر ما رتبها
الطباع، وأسماؤها كما سمينا فيما سلف. وهى معروفة بينة لحال العادة التى
جرت. وأما الأعضاء التى فى باطن الجسد، فعلى خلاف ذلك، لأنها ليست
فالدماغ موضوع فى مقدم رأس الإنسان، وهو موضوع على مثل هذه الحال [٢١] فى سائر رءوس الحيوان. ولجميع الحيوان الذى له دم: دماغ أيضاً. وللحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية مالاقيا: دماغ. وحوله شغافان. فأما الإنسان فدماغه كبير جداً بقدر عظم رأسه. وهو رطب جداً، وحوله شغافان يحيطان به من كل ناحية. والصفاق الذى يلى العظم أقوى من الآخر جداً. فأما الصفاق الذى يلى الدماغ فهو فى القوة دون الصفاق الذى سميناه الآخر. والدماغ مجزأ بجزئين فى جميع الحيوان. وخلف الدماغ دماغ آخر فى بطن من بطون الرأس مخالف لهذا الدماغ الذى فى مقدم الرأس، بالنظر واللمس.
فأما مؤخر الرأس فهو مجوف خال بقدر عظم كل رأس. ورءوس بعض الحيوان عظيمة، ووجوهها أصغر من رءوسها، وذلك فى بعض الحيوان المستدير الوجه. ولبعض الحيوان رأس صغير، ولحيان كبيران طويلان، مثل جنس جميع الحيوان الذى ذنبه كثير الشعر.
وليس فى الدماغ دم ألبتة، ولا فيه عرق من العروق؛ وهو بارد تحت
اللمس. وفى وسطه موضع عميق مستطيل. فالدماغ فى جميع الحيوان على ما
ذكرنا. فأما الصفاق الذى يليه ففيه عروق. وإنما الصفاق شبيه بجلد رقيق
وفى كل عين ثلاثه سبل آخذة إلى جوف الرأس. فأما الأعظم والأوسط منها فإنهما آخذان إلى مؤخر الرأس. فأما الصغير فهو آخذ إلى الدماغ بعينه. وأما السبيل الأصغر فهو الذى يلى الأنف خاصةً. والسبيلان العظيمان أحدهما قريب من الآخر، ومذهبهما واحد. وأحدهما يلقى الآخر قبل أن ينتهى إلى مكانهما. وذلك بين فى السمك خاصة، لأن هذين السبيلين فى السمك يقربان من الدماغ. فأما السبيلان الصغيران فإن أحدهما يبعد من الآخر جداً وليس يلتقيان ألبتة.
〈الرقبة والرئة〉
وفى داخل العنق يوجد المرىء، وهو ضيق مستطيل. والوريد
موضوع فى مقدم العنق، وخلفه المرىء فى الناحية [٢٢] التى تلى القفا. فهذا
وضعهما فى جميع الحيوان الذى له مرىء ووريد، أعنى قصبة الرئة. وإنما
يكون هذا الوريد فى جميع الحيوان الذى له رئة. وخلقة الوريد من غضروف.
وتلك القصبة لاصقة بالعرق العظيم والعرق الكبير الآخر الذى يسمى
باليونانية أورطى، فإن نفخ أحد فى قصبة الرئة، دخلت الريح إلى
المواضع العميقة المجوفة التى فى الرئة، ولذلك ينتفخ وتنتفخ جميع الرئة، فإن فى
الرئة ثقباً وأماكن مجوفة، خلقتها من غضروف. وأواخر تلك الثقب ضيقة
حادة، فأما أصولها فواسعة. وتلك القصبة لاصقة بالقلب أيضاً، كأنها
مربوطة برباط خلقته من غضروف وعصب دقيق شبيه بالشعر. ويعلو ذلك
كله شحم. والمكان الذى يكون [٢٣] فيه التزاق القصبة والرئة عضو متحكك.
فهذه حال قصبة الرئة. فهى معبر ومسيل ريح الشفتين إذا دخلت وإذا خرجت. وليس تقبل القصبة شيئاً من الطعام ولا الشراب: لا يابساً، ولا رطباً، إن لم يقع فيها شىء بغتةً. فإن عرض ذلك، سعل صاحبه سعالاً متتابعاً حتى يلقيه. فإن بقى منه شىء، كان علة خنق، أو موت، أو أمراض مزمنة ومهلكة.
〈المرىء〉وأما المرىء — وهو الذى يسمى فم المعدة — فإنه موضوع خلف القصبة، لاصق بها. وابتداؤه من ناحية الفم العليا التى تلى أصل اللسان. وهو لاصق بالقصبة، كما وصفنا. وبينهما رباط من صفاق رقيق يضمهما. وهو آخذ إلى الحجاب الذى فى الجوف ومنه يأخذ إلى البطن. وخلقته من لحم يمكن أن يمتد ويتسع بالطول والعرض.
〈البطن〉
فأما بطن الإنسان فإنه شبيه ببطن الكلب، وإن كان أوسع منه. ومن
البطن يخرج معىً مبسوط ملتف التفافاً يسيراً، وهو عريض. وأما البطن
الأسفل فهو شبيه ببطن خنزير، لأنه عريض. وجزؤه الآخذ إلى المقعدة
قصير ثخين. فأما الثرب فهو لاصق بوسط البطن. وخلقته من صفاق يعلوه
وفوق المعى يكون المعى الأوسط، وهو شبيه بصفاق، وهو أيضاً عريض سمين، وهو لاصق بالعرق العظيم وبالعرق الذى يسمى أورطى، وفيه عروق كثيرة ضعيفة تمتد وتنتهى إلى وضع المعى وهى تبتدئ من فوق، وتنتهى إلى أسفل.
فهذه خلقة وحال المرىء والقصبة والبطن والمعى.
وأما القلب فإن فيه ثلاثة بطون. وهو موضوع فوق الرئة، حيث
تفترق قصبة الرئة بأنبوبتين. وفى القلب صفاق سمين غليظ فى المكان الذى
يلصق به العرق الغليظ والعرق الذى يسمى أورطى، وذلك فى الناحية الضيقة
الحادة منه. والناحية الحادة من القلب موضوعة [٢٤] على الصدر فى جميع
الحيوان الذى له رئة، والذى ليس له رئة، أعنى أن الجزء الحاد منه موضوع
فى مقدم الجسد، وذلك يخفى مراراً شتى على الذى يشق الجسد لمعاينة خلقة
الجوف، لأنه ربما انقلب. فأما المنحدب من القلب فهو موضوع فوق
الجزء الحاد منه، وهو من لحم صفيق صلب وفى بطون القلب عروق.
وليس هو بكبير، ولا منظر خلقته مستطيل، بل إلى الاستدارة ما هو. وطرفه الواحد ضيق حاد. وله ثلاثة بطون، كما قلنا فيما سلف. والبطن الذى فى الناحية اليسرى عظيم. والذى فى الوسط معتدل العظم. والذى فى الناحية اليمنى صغير. وذلك البطن الأوسط والصغير مثقبان بثقب آخذة إلى ناحية الرئة، وذلك بين فى أسفل البطون. والبطن الأعظم لاصق بالعرق العظيم، وهو الذى به يلتصق المعى الأوسط أيضاً؛ فأما البطن الأوسط فهو لاصق بالعرق الذى يسمى أورطى.
وفى القلب سبيل آخذة إلى الرئة، تفترق بقدر افتراق أنابيب القصبة فى جميع الرئة، وهى تتبع الافتراق الذى يفترق من القصبة فى كل ناحية. وافتراق القصبة فوق افتراق السبل الآخذة من القلب إلى الرئة. ولحال التزاق بعضها ببعض تقبل ريح الهواء الذى يدخل فى القصبة وتؤديه إلى القلب، لأن العرق الواحد يأخذ إلى عمق السبيل الأيسر. وأما العرق العظيم، والعرق الذى يسمى أورطى — فإنا سنذكر حالهما معاً فيما نستأنف.
وفى الرئة دم كثير أكثر من الدم الذى يكون فى سائر أعضاء
وليس فى سائر أعضاء الجوف شىء آخر فيه دم كثير، ما خلا القلب. فأما الدم الذى فى الرئة فليس بثابت. وأما القلب فالدم فيه ثابت، لأنه يكون فى جميع بطونه. والدم الذى فى البطن الأوسط لطيف دقيق صاف جداً.
وتحت الرئة حجاب الصدر، وهو لاصق بالأضلاع والجنبين والفقار. وفى أوسطه أجزاء دقيقة خلقتها من صفاق. وفيه أيضاً عروق ممتدة. والحجاب الذى فى جسد الإنسان غليظ بقدر قياسه إلى جميع جثته.
وتحت الحجاب من الجانب الأيمن: الكبد. وتحته من الجانب الأيسر: الطحال. ووضع هذه الأعضاء على حال واحدة فى جميع الحيوان الذى له هذه الأعضاء، من قبل خلقة الطبيعة. وربما تبدل وضع هذه الأعضاء فى بعض الحيوان، وإنما ذلك صنف من أصناف العجائب.
وطحال الإنسان ضيق مستطيل شبيه بطحال الخنزير. وأما كبد
الإنسان فهو مستدير شبيه بكبد الثور. وفيه إناء المرة الصفراء. وفى بعض
والكبد لاصق بالعرق العظيم وليس يسارى شيئاً من أجزاء العرق الذى يسمى أورطى. فأما العرق العظيم فهو لاصق بالكبد، حيث المكان الذى يسمى بواب الكبد. والطحال لاصق بالعرق العظيم فقط، لأن جزءاً منه يمتد وينتهى إلى الطحال.
وبعد هذه الأعضاء الكليتان وهما موضوعتان على الفقار وخلقتهما شبيهة بخلقة كلى البقر. والكلية اليمنى أرفع وضعاً من الكلية اليسرى؛ وذلك بين فى أجناس جميع الحيوان التى لها كلى. وشحم الكلية اليمنى أقل من شحم الكلية اليسرى، وهى أيضاً أجف جفافاً. 〈والأمر هكذا لدى سائر الحيوان〉.
ومن العرق العظيم والعرق الذى يسمى أورطى يخرج عرقان ينتهيان إلى
أجساد الكليتين، وليسا يدخلان فى أعماقهما، فإن فى وسط كل كلية عمقاً
شبيهاً ببطن، وربما كان أكبر وربما كان أصغر. وذلك يوجد فى جميع
كلى الحيوان، ما خلا كلى الحيوان البحرى الذى يسمى فوقى، فإن
كليتيه يشبهان كلى البقر؛ وهى صلبة جداً أكثر من جميع الكلى. [٢٦]
والذكر لاصق بعنق المثانة والسبيل التى تخرج من العروق وتنتهى إلى المثانة ثم تأخذ إلى الأنثيين 〈والذكر خلقته غضروفية. ويلتصق بالذكر الانثيان عند الذكور〉. وسنذكر حال خلقة الانثيين وخلقة الأرحام فيما يستأنف.
وينبغى أن تعلم أن جميع أعضاء الجوف فى الذكورة والإناث متفقة
متشابهة، ما خلا الأرحام؛ ومنظرها يعرف من الرسم الموضوع فى «علم
فهذه حال خلقة أعضاء الإنسان فى باطن جسده والتى خارجه ووصفها على ما وصفنا.
تم تفسير القول الأول من كتاب أرسطاطاليس الفيلسوف فى الحيوان وطبائعها وألوانها. ويتلوه:
إن بعض أجزاء الحيوان متشابهة متفقة، كما قلنا فيما سلف. وذلك يكون فى أصناف الحيوان [٢٧] التى تشترك بالأجناس. وبعض أعضاء الحيوان مختلفة بقدر اختلاف أجناسها، كما قلنا فيما سلف مراراً شتى. فجميع الحيوان المختلف بالأجناس يكون مختلفاً بصورة الأعضاء أكثر ذلك. وربما كان الاختلاف بالملاءمة فقط.
فلجميع الحيوان، الذى له أربعة أرجل وهو يلد حيواناً، من الأعضاء: رأس، وعنق، وأعضاء الرأس. وصورة أعضاء كل واحد منها مخالف لغيره. فإن عظم عنق الأسد واحد متصل ليس فيه شىء من الخرز؛ فأما جميع جوفه فهو شبيه بجوف الكلب.
وللحيوان الذى له أربعة أرجل ويلد حيواناً — بدل يدى الإنسان: الرجلان المقدمتان. وما كان منها مشقوق الرجلين المقدمتين له أصابع، فهو يستعملها كما يستعمل الإنسان يده فى أشياء كثيرة. وليست الرجل المقدمة اليسرى من أرجل الحيوان مرسلة سهلة الحركة، مثل يد الإنسان اليسرى بأدون ذلك؛ ما خلا الفيل فليس أصابع رجليه مفصلة تفصيلاً بيناً كتفصيل أصابع أرجل سائر الحيوان. ورجلاه المقدمتان أعظم من المؤخرتين كثيراً. وله خمسة أصابع فى الرجلين المؤخرتين، وله كعبان صغيران بقدر قياس عظم جسمه. وله خرطوم طويل يستعمله بقدر استعمال الإنسان يديه، وبه يتناول الطعم والشرب ويؤديه إلى فيه ويؤدى به إلى راكبه وسائسه ما أراد. وبخرطومه أيضاً يقلع الشجر بأصولها، وإذا سبح فى الماء يرفع خرطومه ويتقمع ويلقى الماء. وذلك الخرطوم مخلوق من غضروف. وليس فى الحيوان شىء يكون له يميناً، أعنى يستعمل اليد اليسرى كما يستعمل اليد اليمنى، ما خلا الإنسان.
ولجميع الحيوان عضو ملائم لقدر الإنسان، ولكن ليس هو شبيهاً به، لأن الإنسان عريض الصدر، فأما سائر الحيوان فضيق الصدر. وليس لشىء من الحيوان ثديان فى مقدمه ما خلا الإنسان. وأما الفيل فله ثديان اثنان ولكن ليس هما فى صدره.
فأما انثناء يدى ورجلى الإنسان فربما كان ذلك فى بعض الحيوان مختلفاً أيضاً، ما خلا الفيل. وما كان من الحيوان [الذى] له أربعة أرجل وهو يلد حيواناً مثله فهو يثنى الرجلين المقدمتين إلى ما بين [٢٨] يديه، ويثنى الرجلين المؤخرتين إلى خلفه. فأما الفيل فإنه يجلس وهو يثنى رجليه، ولكن لا يقوى على أن يثنى الأربعة الأرجل، لحال ثقل جثته، بل يتوكأ على جانبه الأيسر أو الأيمن وينام وجسده على مثل هذا الشكل. وهو يثنى الرجلين المؤخرتين مثل الإنسان.
فأما الحيوان الذى له أربعة أرجل الذى يبيض بيضاً، مثل السام أبرص والجرذون وهى العظاية وما يشبه هذا الصنف فإنه يثنى جميع أرجله إلى ما بين يديه ويميلها إلى جانب واحد. وكذلك يفعل جميع الحيوان الذى له أرجل كثيرة. فأما الإنسان فإنه يثنى رجليه قبالته، أعنى إلى ما بين يديه إلى داخل ويميل ذلك الانثناء إلى ناحية صدره قليلاً ويثنى رجليه إلى ما بين يديه أيضاً. وليس فى الحيوان شىء يثنى رجليه المقدمتين والمؤخرتين إلى ما خلف جميعاً ألبتة. فأما انثناء اليد التى تكون فى ناحية مفصل المنكبين فهو على خلاف انثناء المرفقين والساقين وناحية الفخذين فلأن الإنسان يثنى هذه الأماكن على خلاف انثناء سائر أطراف جميع الحيوان الذى له مفاصل عند منكبه يثنى تلك الأماكن على خلاف انثناء بقية أعضائه.
وكذلك يفعل جميع أجناس الطير: فإنها تثنى رجليها إلى خلف، وتثنى أجنحتها التى صارت لها مكان التدبر إلى مقدمها. فأما الحيوان البحرى الذى يسمى فوقى، فإنه مثل الحيوان ذى الأربعة الأرجل مضروراً من قبل طباعه، لأن رجليه تعد مراجع أكتافه وهى تشبه اليدين، لأنها مثل أيدى الدواب. ولرجليه خمسة أصابع، وفى كل إصبع ثلاثة مفاصل تثنى. وفى آخر كل إصبع من أصابعه ظفر ليس بكبير. وأما رجلاه المؤخرتان فلهما خمسة أصابع ومفاصل وأظفار. وانثناؤهما يكون مثل انثناء الرجلين المقدمتين. فأما شكل رجليه فإنه شبيه بأذناب السمك.
فأما حركات أصناف الحيوان فمختلفة. ومنها ما إذا شاء حرك مرةً الرجل اليمنى المقدمة أولاً، ومرةً الرجل اليسرى المقدمة أولاً. ومنها ما يقدم الرجل اليمنى المقدمة أبداً، مثل الأسد والجمال البخاتى والعراب.
〈خصائص أخرى: الشعر〉ولعامة [٢٩] الحيوان الذى له أربعة أرجل: أذناب؛ وكذلك للحيوان البحرى الذى يسمى فوقى ذنب صغير شبيه بذنب الأيل. وسنصف، فيما يستأنف، حال أجناس الحيوان التى صورتها صورة قرود.
والحيوان الذى له أربعة كثير الشعر فى كل جسده. وليس شىء منه مثل
الإنسان مكشوف الجسد قليل الشعر قصير الشعر، ما خلا الرأس: فإن رأس
الإنسان كثير الشعر طويله أكثر من جميع الحيوان. ومقدم كل حيوان ذى
شعر كثير الشعر، ومؤخره أملس أو قليل الشعر، فأما الإنسان فعلى خلاف
ذلك. وفى الشفرين من أشفار عين الإنسان شعر، أعنى الشفر الأعلى والشفر
الأسفل. وفى إبطيه وموضع العانة شعر. فأما سائر الحيوان فليس له شعر فى
الأماكن التى ذكرنا، ما خلا الشفر الأعلى؛ فأما الشفر الأسفل فليس له
شعر. ولكن ربما كان شعر نابت تحت الشفر الأسفل. وبعض الحيوان
الذى له أربعة أرجل وله شعر — أزب الجسد كله، مثل شعر الخنزير والدب
والكلب. وبعض الحيوان أزب كثير الشعر فيما يلى مقدم العنق، وهو الحيوان
الذى له ناصية، مثل الأسد وما أشبهه. وبعض الحيوان أزب فيما يلى مقدم
العنق إلى ناحية الرأس وأطراف الكتفين، مثل جميع ما له عرف، أعنى الفرس
والبغل، ومن الحيوان البحرى مما له قرون مثل البقر البرى. والحيوان
الذى يسمى فرس أيل فإن فى ناحية طرف أكتافه شعراً، والفهد وما
يشبه صنفه؛ وللحيوان الذى يسمى فرس أيل شعر تحت حلقه شبيه
بلحية، وله قرون، ولرجليه أظلاف. فأما الإناث من هذا الصنف فليس
فأما الجمال فلها عضو خاص ليس يكون فى سائر الحيوان، أعنى
السنام الذى يكون على ظهرها. ولبعض النجاتى سنامان، وربما تركب
الجمال على أسنمتها إذا هى أناخت. ولإناث الجمال أربعة ثدى، مثل
البقر. وللجمال أذناب مثل أذناب الحمير. فأما محاشمها فخلف. وفى كل
رجل من أرجل الجمل ركبة؛ وفى ذلك المكان تنثنى الرجل. وفى كل كعب
شبيه بكعب رجل البقر، لأنه صغير بقدر عظم الجثة. وهو سمج المنظر.
وأرجل الجمل مشقوقة باثنين، وليس لها أسنان فى الفك الأعلى، بل فى الفك
الأسفل. ومؤخر رجليها مشقوق شقاً يسيراً. وفيما بين شقوق رجليها جلد
شبيه بالجلد الذى بين شقوق رجلى الإوز. وما تحت رجليه كثير اللحم، مثل
كثرة لحم أرجل الدب. ولذلك يلبسون رجل الجمل بجلود قوية شبيهة
وأرجل جميع الحيوان التى لها أربعة أرجل مخلوقة من عظم وعصب ولحم يسير. وسائر الحيوان الذى له رجلان كمثل، ما خلا الإنسان. وأرجل أصناف الطير كمثل. وأما الإنسان فعلى خلاف ذلك، لأن رجليه كثيرتا اللحم، ولا سيما فيما يلى الوركين والفخذين وبطون الأسوق.
وبعض الحيوان الذى له أربع أرجل وله دم: فذلك الحيوان مشقوق أطراف الأرجل، مثل الإنسان فإنه مشقوق أطراف اليدين والرجلين بأصابع. وعلى هذه الصفة: الأسد والفهد وما يشبه هذا الصنف. وبعض الحيوان الذى ذكرنا مشقوق الرجلين بجزئين وفى أطراف ذينك الشقين أظلاف بدل الأظافير، مثل العنز والشاة والأيل والفرس النهرى. وبعض الحيوان ليس بمشقوق الرجلين، وله فى طرف كل رجل حافر، مثل حافر الفرس والبغل والحمار وما يشبه هذا الصنف. فأما جنس الخنازير فمختلف: لأن فى البلدة التى تسمى باليونانية 〈ألوريا〉 والتى تسمى باؤنيا وفى بلدان أخر خنازير ليس لها فى كل رجل إلا ظلف واحد، وفى غيرها من البلدان [٣١] خنازير لها فى كل رجل ظلفان. وكل ما كان مشقوق مقدم الرجلين بظلفين فهو جزء رجله أيضاً مشقوق. وكل ما كان مقدم حافره متصلاً فما خلفه أيضاً متصل.
ولبعض الحيوان قرون، وليس لبعضها قرون. وكثير من الحيوان ذوات
القرون مشقوقة الأظلاف من قبل الطباع، مثل الثور والأيل والعنز والشاة.
ولم يظهر قط حيوان له قرنان ليس بمشقوق الأظلاف. فأما الحيوان الذى له
قرن واحد وحافر واحد فى كل رجل: فقليل، مثل الحمار الهندى. فأما
وبعض الحيوان مشقوق الرجلين بظلفين وله ناصية وقرون
معقفة إلى داخل كل واحد منها مائلاً إلى الآخر، مثل البقر البرى
〈الذى يعيش فى باؤنيا وميديا〉. وجميع الحيوان الذى له قرون ذو أربعة
ووضع الثدى أيضاً مختلف فى سائر الحيوان إذا قيس بعضه إلى بعض
وإلى الإنسان. والآلة الموافقة للجماع والسفاد مختلفة أيضاً. وذلك لأن ثدى
بعض الحيوان فى صدورها أو قريب منها، وليس لها إلا ثديان وحلمتان،
ومذاكير بعض الحيوان داخلة أجسادها، مثل الدلفين وما
يشبهه. وهذه المذاكير فى بعض الحيوان مرسلة مع الأنثيين أيضاً، مثل
الإنسان؛ وبعضها لاصقة ببطونها. ومنها ما هو مرسل قليلاً، وما هو مرسل
أكثر من ذلك — فذلك فيها مختلف مثل ما يعرض للخنزير البرى والفرس.
ووضع ذكر الفيل شبيه بوضع ذكر الفرس، ولكنه صغير وليس بملائم
لعظم جثته. وليست انثياه خارجة ظاهرةً، بل داخلة قريبة من كليتيه.
فهذا حال وضع مذاكير الحيوان واختلافه. وبعض الحيوان يبول إلى خلف مثل الأسد. والجمل 〈والأرنب البرى〉 وغير ذلك مما يشبهها. [٣٣] فأما جميع إناث الحيوان فهى تبول إلى خلف.
وفى خلقة مذاكير الحيوان اختلاف كثير، لأن ذكر بعضها من لحم وغضروف مثل الإنسان: الذى ينقبض وينتفخ منه الغضروف وليس اللحم الذى فيه. وذكر بعض الحيوان من عصب، مثل الجمل والأيل. وذكر بعضها من عظم، مثل الذئب والثعلب وما يشبهها.
وأيضاً إذا كمل الإنسان تكون الناحية العليا من جسده أقل من الناحية
السفلى؛ فأما سائر الحيوان فعلى خلاف ذلك. وإنما تسمى الناحية العليا من
الجسد: الجزء الذى من الرأس إلى أماكن مخرج الفضول. وما كان من هناك
إلى أطراف الرجلين فهو يسمى الناحية السفلى. فإذا كان الإنسان حدثاً،
تكون ناحية جسده العليا أعظم من السفلى. وإذا كبر، فيكون على
خلاف ذلك. وهذه هى علة اختلاف سيره وحركته إذا كان جسده فى
زيادة، وإذا كمل، وإذا ولى. فإن الصبى أول ما يتحرك يمشى على يديه
وفى أسنان الحيوان اختلاف كثير أيضاً. ولجميع الحيوان الذى له أربعة أرجل وهو يلد حيواناً مثله: أسنان. ولبعضها أسنان فى الفك الأعلى والفك الأسفل. ولبعضها على خلاف ذلك، من قبل أنه ليس لها مقاديم الأسنان فى الفك الأعلى. ومنها ما هو على هذه الحال، وليس له قرون، مثل الجمل. ولبعض الحيوان نابان، مثل ذكورة الخنازير. وليس لبعضها أنياب. وأيضاً بعض الحيوان حاد الأسنان مختلف الوضع مطبق على بعض، مثل الأسد والفهد والكلب. وأسنان بعضها على خلاف ذلك، مثل الفرس والثور. وليس يكون شىء من الحيوان له ناب وقرون ولا حاد الأسنان كما ذكرنا وله قرن، بل يكون له شىء واحد مما ذكرنا فقط. [٣٤] ومقاديم أسنان كثير من الحيوان حادة، وأسنانه الداخلة عريضة ليست بحادة. فأما الحيوان البحرى المسمى بفوقى فإن جميع أسنانها حادة مختلفة يطبق بعضها على بعض فإن جنسه جنس غير مخالف لجنس السمك، فإن جميع السمك حاد الأسنان.
وليس فى هذه الأجناس التى وصفنا من أجناس الحيوان شىء له صفان
فأما الإنسان فإنه يلقى أسنانه وغيره من الحيوان أيضاً مثل الفرس والبغل والحمار. وإنما يلقى الإنسان مقاديم أسنانه، فأما الأضراس، فلا. وليس فى الحيوان شىء يلقى الأضراس. وأما الخنزير فليس يلقى شيئاً من أسنانه ألبتة.
فأما طرح الأسنان للكلاب فمشكوك فيه، لأن بعض الناس يظنون أنها لا تلقى شيئاً من أسنانها. ومنهم من يظن أنها تلقى النابين فقط. وقد استبان طرح أسنانها لغير واحد. وإنما تطرح المقادم مثل الإنسان، وذلك يخفى على كثير من الناس لأنها لا تلقى منها شيئاً قبل أن ينبت مكانه آخر مثله. وخليق أن يكون مثل هذا العرض يعرض لسائر الحيوان البرى. فأما أنيابها فإنها تلقيها. وإنما يعرف حدث الكلاب وما طعن فى السن من قبل الأسنان. لأن أسنان ما كان منها حدثاً بيض حادة. فأما أسنان ما طعن فى السن فهى سود ليست بحادة.
وقد يعرض للخيل عرض مخالف لما يعرض لسائر الحيوان. فإن جميع الحيوان إذا طعن فى السن تسود أسنانه. فأما الفرس فهو يكون أبيض [٣٥] الأسنان إذا كبر. والنابان يفرقان بين الأسنان الحادة والعريضة، أعنى الأضراس. وذلك من قبل أن خلقتهما مشتركة وأسفلهما عريض وأعلاهما حاد. وما كان من الذكورة فهو أكثر أسناناً من الإناث، وذلك بين فى الناس والمعزى والخراف والخنازير. فأما فى سائر الحيوان فليس يستبين ذلك. وينبغى أن تعلم أن الذين أسنانهم كثيرة، تكون أعمارهم طويلة أكثر ذلك. فأما الذين أسنانهم قليلة مفترقة فأولئك قصيرة أعمارهم أكثر ذلك.
والأضراس التى تنبت فى داخل اللثة إنما تنبت للرجال والنساء بعد العشرين سنة. وقد نبتت لبعض النساء فى سن الثمانين 〈أضراس〉، ونباتها يكون بوجع شديد ولا سيما إذا لم تنبت فى الأوان الذى ينبغى أن تنبت فيه. 〈ومثل هذا قد يحدث أيضاً فى الرجال. لكن هذا لا يحدث إلا عند عدم نبات الأضراس إبان الشباب〉.
فأما الفيل فله أربع أسنان فى ناحية فمه، وفى الناحية الأخرى أربع أيضاً. وبها يطحن طعامه طحناً غليظاً. وله أيضاً سنان أخريان كبيرتان. وهما تكونان فى الفيل الذكر عظيمتين بينتين، فأما فى الأنثى فصغيرتان. وأسنان الفيل مائلة إلى الناحية السفلى. وإذا ولد الفيل تظهر له أسنان من ساعته مولودة معه. فأما أسنانه الكبار فليست تظهر حتى يشب.
ولسان الفيل صغير جداً، وهو داخل. فلذلك تعسر معاينته على الذى يريد أن يعاينه.
وأفواه الحيوان أيضاً مختلفة العظم، لأن بعضها مشقوقة الأفواه جداً، مثل الكلب والأسد والفهد وجميع ما كان من الحيوان حاد الأسنان مختلفاً يطبق بعضها على بعض. ومن الحيوان ما هو صغير الفم، مثل الإنسان. ومنها ما أفواهها معتدلة فيما بين العظم والصغر، مثل جنس الخنازير.
وأما الفرس النهرى الذى يكون بأرض مصر فإن له ناصية مثل الفرس،
ورجلاه مشقوقتان: كل رجل بجزئين، ولهما أظلاف مثل البقر. وهو
أفطس الوجه. وفى رجليه كعاب مثل كعاب أرجل الحيوان الذى له فى كل
رجل ظلفان. وذنبه شبيه بذنب خنزير. وصوته كصوت الفرس. وعظمه
كعظم حمار. وجلده غليظ جداً ولذلك يتهيأ منه بساط. فأما جوفه
ومن الحيوان ما هو مشترك الطبيعة، أعنى فيما بين طبيعة الإنسان وذوات الأربعة الأرجل مثل القرود التى تسمى باليونانية قيبوس ϰηβοσ، والذين رءوسهم رءوس كلاب ϰυνυϰεΦαλοι. وإنما سمى «قيبوس» القرد الذى له ذنب. فأما الذين رءوسهم رءوس كلاب فمناظرهم شبيهة بمناظر القرود، إلا أنهم أعظم جثثاً وأقوى، ووجوههم تشبه وجوه الكلاب، وأخلاقهم أخلاق برية خشنة صعبة، وأسنانهم شبيهة بأسنان الكلاب، وهى قوية جداً.
فأما القرود فهى كثيرة الشعر فى مقاديم أجسادها؛ لأنها من ذوات الأربع
الأرجل وظهورها كمثل. وشعورها غليظة. فأما وجوه القرود ففيها مشابه
كثيرة من وجوه الناس، أعنى بالأنف والأذنين والأسنان: فإن لها مقاديم
أسنان مثل الناس، وأضراسها شبيهة بأضراس الناس. وفى أشفار عينها شعر.
فأما سائر الحيوان الذى له الأربع الأرجل فليس له شعر إلا فى الشفر الأعلى.
فأما الذى يسمى قيبوس ϰηβοσ — كما قلنا فيما سلف — فلها أذناب. فأما أجواف القرود فإنها شبيهة بجوف الإنسان فى كل حال.
فهذه الأعضاء الخارجة التى فى أجساد الحيوان الذى يلد حيواناً، ووضعها، وشكلها على كل حال — فهو على ما وصفنا.
فأما الحيوان الذى له دم ويبيض بيضاً، مثل الحيوان الذى ليس له رجلان وله دم، فله رأس وعنق وظهر ومقدم ومؤخر جسد؛ وما كان منها ذا أربع أرجل فله ساقان، وعضو شبيه بصدر الحيوان الذى يلد حيواناً وله ذنب. وجميعها مشقوقة الرجلين كثيرة الأصابع. ولها من آلة الحواس لسان، ما خلا التمساح الذى يكون بأرض مصر، فإن لسانه شبيه بلسان بعض السمك. وقد ذكرنا، فيما سلف، أن ليس للسمك لسان إلا عضو صغير يشبه بشوكة ليس بمرسل. ومن السمك ما لا يظهر له لسان ألبتة، بل يوجد مكان اللسان أملس ليس بمفصل. ولذلك لا يظهر منه شىء إن لم يمل أحد شفة السمكة جداً.
وليس لهذا الحيوان الذى وصفنا أذنان، وإنما لها فى رءوسها ثقب فقط، وهو سبيل السمع. وليس لشىء منها ثديان ولا انثيان ولا محاشى ظاهرة خارجاً، بل باطناً. وليس لها شعر، بل كلها مفلسة الجلود. وهى حادة الأسنان.
وللتمساح أعين شبيهة بأعين الخنازير، وهى عظيمة الأسنان، ولها أنياب وأظافير يديها ورجليها قوية. وجلودها صلبة قوية لا تنشق إلا بعسر وشدة. وهى تبصر فى الماء بصراً ضعيفاً. فأما إذا كانت خارجة من الماء فبصرها حاد جداً. وأكثر مأواها الماء، لأنه أدفأ من الهواء الخارج.
وأما الحيوان الذى يسمى باليونانية خماليون Χαμχιλεων فجميع [٣٨]
جسده شبيه بجسد السام أبرص. فأما أضلاعه فطويلة تنتهى إلى قرب أسفل
بطنه مثل أضلاع السمك. ووسط فقاره ناتىء مثل فقار السمك. فأما وجهه
فشبيه بوجه الحيوان الذى يقال له خويروفيثيقوس: مركب من قرد
وخنزير، وله ذنب طويل جداً، آخره دقيق، وهو يلتوى جداً مثل
سير. وجثته مرتفعة عن الأرض أكثر من السام أبرص وما يشبهه. وانثناء
وكل جسده خشن مثل جسد الجرذون. و〈كلتا〉 عينيه غائرة عظيمة مستديرة يحدق بها جلد شبيه بجلد جميع جسده. وليس يغطى عينيه بذلك الجلد ألبتة. وهو يحرك عينه إلى كل ناحية بنوع مستدير.
فأما تغير لونه فإنه يكون إذا نفخ جلده. ولونه يكون أيضاً إلى السواد ما هو، مثل لون الجرذون، ويكون أيضاً باهتاً 〈أصفر〉 مثل لون السام أبرص، ويكون فيه سواد مبقع مثل السواد فى جلد الفهد. وهذا التغيير يكون فى جميع جسده. وعيناه أيضاً تتغيران مثل تغير سائر الجسد. وذنبه كمثل. فأما حركته فبطيئة جداً، مثل حركة السلحفاة. وإذا مات يكون أصفر.
فأما موضع معدته وقصبة رئته فشبيه بخلقة السام أبرص. وليس فى
جسده شىء من اللحم غير شىء يسير فى ناحية رأسه ولحيته وأصل ذنبه. وله
دم [فى أصل ذنبه. و] فيما يلى القلب 〈وفى〉 المكان الذى فوق القلب، و〈فى〉
ولأصناف الطير [٣٩] أيضاً بعض الأعضاء، شبيه بأعضاء الحيوان
الذى ذكرنا: لأنه لجميعها رأس وعنق وظهر وما خلف الجسد ومقدم، ولها
عضو ملائم للصدر. ولكل طائر ساقان، مثل الإنسان؛ وهو يثنيهما إلى
خلف مثل الحيوان الذى له أربع أرجل، كما قلنا فيما سلف. وليس
لشىء من الطائر رجلان متقدمتان، ولا يدان؛ بل جناحان، لأن ذلك خاص
له من بين سائر الحيوان. وورك الطير طويل شبيه بفخذ، وهو يكون فى
ولأجناس الطائر 〈فم〉 خاص، أعنى أن ليس لها شفة ولا أسنان
بل منقار. وليس لها منخر ولا أذنان، بل لها سبل الحواس: فسبيل المنخر
فى مناقدها، وسبيل السمع فى رءوسها. ولجميعها أعين مثل سائر الحيوان. وهى
تغمض عينيها بغير أشفار. فأما ما يثقل من الطير فهو يغمض عينيه بالشفر
وليس أيضاً لشىء من أصناف الطير تفليس، ولا شعر، بل ريش فقط. ولجميع الريش أصل مجوف مثل القصبة. ولها أذناب أيضاً. ومن الطائر ما يبسط رجليه إذا طار. ومنها ما يضمها إلى بطنه. ولجميع أصناف الطير ألسن مختلفة، لأن لبعضها ألسناً مستطيلة، ولبعضها ألسن عريضة وبعض أجناس الطائر يتكلم كلاماً شبيهاً بكلام الإنسان، وهى العريضة الألسن خاصة. وليس من الحيوان الذى يبيض بيضاً عضو ناتىء، أعنى الذى يكون على أصل اللسان، ويغطى برأس سبيل قصبة الرئة، بل يجمع ويفتح ذلك السبيل إذا طعم طعمه بقدر ما لا ينزل فيها شىء من الطعام مما له ثقل ويكون مؤذياً للرئة.
ولبعض أجناس الطائر مثل اصبع، وهى الصيصة، نابتة فى أسافل الساق. وليس يمكن أن يكون منها شىء معقف المخاليب ويكون له ذلك العضو. وما كان من الطائر معقف المخاليب فهو جيد الطيران. وما كان منها له ذلك العضو الذى فى الساق الناتىء فهو ثقيل الطيران.
ولبعض أجناس الطائر شىء ناتىء فى وسط رءوسها شبيه بقنزعة. وربما كان ذلك النتوء من ريش؛ فأما الديك فله فى رأسه شىء ناتىء خاص إلا أنه ليس بلحم ولا هو ببعيد من اللحم فى طباعه.
وينبغى أن تعلم أن جنس السمك مفرد من سائر الحيوان المائى. وله أصناف وأجناس كثيرة وصور مختلفة. ولجميع أصناف السمك رءوس ومقاديم أجساد، وظهور، وفى مقاديم أجسادها بطونها وأمعاؤها. ولها أذناب متصلة ليست بمفترقة وإن كانت مختلفة الصورة. وليس يكون شىء من أصناف السمك له عنق ولا ذكر ولا انثيان ألبتة، لا داخلاً ولا خارجاً، أعنى الباطن والظاهر. وليس لشىء منها ثديان أيضاً ألبتة ولا لشىء من الحيوان الذى لا يلد حيواناً، بل الذى تحمل فى بطونها حيواناً من ساعتها ولا يكون فى أرحامها بيض قبل أن يتغير ويصير هناك حيواناً. فأما الدلفين فهو يلد حيواناً، ولذلك له ثديان. ولكن ليس له ثديان فوق، بل قريباً من المفاصل. وليس لثدييه حلمتان [٤١] بينتان؛ بل فيهما عنقان يشبهان السواقى، وفى كل ناحية من نواحى الثديين عين واحدة، ومنها يسيل اللبن. وترضع جراؤه وهى تتبع 〈أمها〉: وقد عاين ذلك غير واحد من الناس معاينة بينة.
وأما أصناف السمك، فليس لها ثديان كما قلنا فيما سلف، ولا سبيل جماع من خارج؛ ولها شىء خاص، أعنى حلقة الآذان التى فى رءوسها، وهى التى بها تخرج وتدفع الماء إذا هى قبلته بأفواهها. ولبعض أصناف السمك أربعة أجنحة، مثل السمك المستطيل، أعنى الانكليس، وهو المارماهى وما يشبهه. ولبعضه جناحان فقط، وهما قريبان من آذانها. وليس لبعض السمك المستطيل جناح البتة، ولا آذان مفصلة مثل تفصيل آذان سائر السمك، 〈مثال ذلك أبو مرينا〉.
وآذان السمك أيضاً تختلف، لأن لبعضها غطاءً يسيراً يغطى الآن،
وليس لبعضها غطاء مثل جميع السمك الذى يسمى باليونانية سلاشى.
وجميع ما كان لآذانه غطاء تكون آذانه فى ناحية من نواحى رأسه.
وأما الذى يسمى سلاشى — وهى عريضة الأجساد — فآذانه مائلة إلى ناحية
ظهورها: فأما ما كان منها مستطيل الجسد فآذانه مائلة إلى الناحية السفلى،
〈مثل الرعاد torpille والورنك raie. وما كان منها طويلاً فآذانه
(= خياشيمه) موجودة على الجوانب، مثلما هى الحال فى كل القروش
(كلاب البحر) squales〉. فأما السمك الذى يسمى ضفدع 〈البحر〉
وأيضاً أصناف السمك تختلف بخلقة آذانها، لأن بعضها مبسوط الآذان،
وبعضها مثناة، والآذان الأخيرة اللاصقة بأجساد جميع السمك
مبسوطة. وأيضاً لبعض السمك آذان يسيرة، ولبعضها آذان كثيرة،
ولكن تعدادها متساو فى الجانبين. وأقل ما يكون من آذان السمك أذن
واحدة مثبتة فى كل ناحية من نواحى رأسها. ولبعضها أذنان فى كل ناحية:
إحداهما مبسوطة، والأخرى مضاعفة 〈مثلما هى الحال عند خنزير الماء〉.
ولبعضها أذنان مبسوطتان فى كل ناحية 〈إحداهما بسيطة والأخرى مضاعفة،
مثلما هى الحال فى سمكة الجونجراس والاسكاروس. فأما الالوپس،
وكذلك السونرجيس والاسمورينا والانخليس فلها أربعة خياشيم بسيطة فى كل
جانب. وبعضها الآخر له أربعة أيضاً، ولكنها موضوعة على صفين فيما عدا
الأخير، وذلك مثل السمك المسمى كخلى labre ϰιχλη، والفرخ περϰη،
فأما السمكة التى تسمى باليونانية قسيفياس [ξιΦια] فلها ثمانية آذان مضاعفة. فهذه حال آذان السمك واختلافها وتصنيفها.
وبين أجناس السمك وبين سائر [٤٢] الحيوان أيضاً اختلاف من قبل أنه ليس بشىء من السمك شعر مثل ما للحيوان الذى يلد حيواناً، ولا لأجسادها تفليس مثل تفليس أجساد الحيوان الذى له أربعة أرجل ويبيض بيضاً، ولا لها ريش مثل ما لجنس الطائر، بل لكثرة أجناس السمك فلوس، وبعضها خشنة الجلود 〈وعددها قليل؛ وقليل جداً من السمك جلده أملس. أما السلاشى فبعضها خشنة، والبعض الآخر أملس: فالجونجروس γογγροσ والانكليس εγχελυσ والتن θυννοσ ملساء〉.
ولجميع أصناف السمك أسنان حادة مختلفة كثيرة الصفوف، 〈باستثناء
الاسكاروس〉 ولبعض السمك أسنان فى ألسنتها. وألسنتها جاسية خشنة شبيهة
بالشوك، وهى لاصقة بأفواهها بقدر ما لا يظن أحد أن لها ألسناً. وبعض
السمك والحيوان البحرى عظيم الفم مشقوق جداً، مثل بعض الحيوان الذى له
أربع أرجل ويلد حيواناً. وليس لها آلة بينة فى الحواس، ما خلا العينين،
لأنه ليس لها أذنان ولا منخران، بل لها سبيل السمع والمشمة فقط. وليس
وليس لجميع أصناف السمك دم. وبعضها يلد حيواناً، وبعضها يبيض بيضاً. فجميع السمك الذى له قشور يبيض بيضاً؛ فأما جميع الذى يسمى سلاشى فهو يلد حيواناً، ما خلا الذى يسمى ضفدع 〈البحر〉.
فأما جنس الحيات فهو مشترك فيما بين الذى له دم. 〈ومنه〉 البرى، والمائى: لأن أكثر الحيات يأوى فى البر، وقليل منها يأوى فى مياه الأنهار. وفى البحر أيضاً حيات تشبه — بصورتها وخلقة أجسادها — خلقة حيات البر، ما خلا رءوسها فإنها خشنة صلبة جداً 〈تشبه رءوس الجونجروس congre 〉. وفى البحر أجناس حيات كثيرة مختلفة الألوان. وليس تأوى فى الأماكن العميقة المياه جداً، بل فى الأماكن التى تقرب من البر. وليس لشىء من أجناس الحيات أرجل، ولا لأجناس السمك.
ويكون فى البحر أيضاً من الحيوان الذى يقال له 〈أم〉 أربعة وأربعين،
وفى البحر سمكة صغيرة تسمى ماسكة السفينة، لأنها تعرض للسفينة وهى تسير فى البحر فتمسكها وتمنعها من [٤٣] المسير، بقوة طباعية وغريزية فيها. وكثير من الناس يستعمل هذه السمكة فى أشياء موافقة للخصومة والمصادقة. وليست هى مما يؤكل. وقد زعم أهل الخبرة بها أن لها أرجلاً، وذلك باطل، وإنما يظن أن لها أرجلاً لأن أجنحتها شبيهة بأرجل.
فقد وصفنا جميع أعضاء الحيوان التى تكون فى خارج الجسد، وبينا كم هى، وأيما هى، أعنى أعضاء أجناس الحيوان التى لها دم، ووصفنا الاختلاف الذى به يخالف بعضها بعضاً.
فأما حيننا هذا فإنا نهم بذكر تصنيف الأعضاء التى فى باطن أجساد
〈وجميع ذوات الأربع التى تلد حيواناً مثلها لها مرىء وقصبة هوائية، مكانهما كما هو عند الإنسان. والأمر كذلك بالنسبة إلى ذوات الأربع التى تبيض بيضاً والطيور، ما خلا〉 أن أعضاءها تختلف بالمناظر وبقول عام: لجميع الحيوان الذى يقبل الهواء فى جوفه ويتنفس رئة وقصبة الرئة ومعدة؛ ووضع المعدة والقصبة فى مكان واحد، وإن لم تكن هذه الأعضاء متشابهة. فأما الرئة فهى مختلفة فى المنظر والوضع فى جميع الحيوان الذى له هذا العضو. ولجميع الحيوان الدمى قلب وصفاق، أعنى الحجاب، ولكن ليس هو بظاهر فيما صغر من الحيوان، لحال دقته وصغره. وفى قلب البقر عظم، وفى قلب الجمل أيضاً، وفى بعض الخيل. فأما سائر قلوب الحيوان فليست فيها عظام.
وليس لبعض الحيوان رئة، مثل أصناف السمك وكل ما له أذنان يقبل بهما الماء ويخرجه. ولجميع الحيوان الدمى كبد. فأما الطحال فلكثير منها، وليس للكل. فأما كثير من الحيوان الذى لا يلد حيواناً مثله بل يبيض بيضاً فله طحال صغير جداً، ولذلك يخفى على حس البصر. وطحال بعض أجناس الطير على مثل هذه الحال، مثل البزاة والحمام والبومة والحدأة. فأما الطير الذى يسمى أغوقفالوس، الذى رأسه شبيه برأس عنز، فليس له طحال ألبتة. 〈والأمر هكذا أيضاً بالنسبة إلى ذوات الأربع التى تبيض: فإن طحالها صغير جداً، مثلما هى الحال فى السلحفاة، وسلحفاة المياه العذبة، والجدجد crapaud والعظاية، والتمساح، والضفدع〉.
ولبعض الحيوان مرارة تكون فى الصفاق لاصقة بالكبد، وليس لبعضها مرارة. فمن الحيوان الذى له أربع [٤٤] أرجل ويلد حيواناً ما ليس له مرارة، مثل الأيل والفرس والبغل والحمار والحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية فوقى وبعض الخنازير. فأما الأيل التى تسمى باليونانية أخايا (Αχατα) فلها مرارة فى أذنابها فيما يظن كثير من الناس، وهى رطوبة تشبه بلونها المرة وليست هى رطبة مثلها، بل هى مثل رطوبة الطحال.
وفى رءوس جميع الأيائل دود حى، وهو يكون تحت اللسان فى العمق الذى هناك وفيما يلى الحزة اللاصقة بالرأس. 〈وحجمها لا يقل عن حجم أكبر ديدان العفونة. وتشكل مجموعات متكدسة〉 وهى بالعدد عشرون.
وليس للأيلة مرارة كما قلنا، بل معاها مرة جداً ولذلك لا تأكلها الكلاب إن لم تكن جائعةً جداً. 〈والفيل أيضاً ليس لكبده مرارة؛ لكن إذا شرح، نجد، فى المكان الذى فيه تتكون المرارة عند من له مرارة من الحيوان، رطوبة تسيل بكمية متفاوتة المقدار، تشبه المرارة〉.
فأما 〈من بين〉 الحيوان الذى يصل ماء البحر إلى جوفه وله رئة،
فالدلفين ليس له مرارة. فأما جميع أصناف الطائر وجميع أجناس السمك
وكل حيوان ذو أربع أرجل وكل ما يبيض بيضاً فله مرارة أكثر وأقل.
〈وربما كانت المرارة عند بعض السمك مقابلة للكبد، كما هى الحال عند
سمك القروش squales والسلورا والملاك والورنك الأملس raıe lĭsse
والرعاد، ومن الأسماك الطويلة: الانقليس البحرى والمطرقة ζυγαινα.
وفى سمك الأورانسكوب αλλιωνυμοσ تكون المرارة لاصقة بالكبد،
وحجمها أكبر حجم عند الأسماك، بالنسبة إلى حجمها〉. وربما كانت
فأما الحيوان الذى له أربعة أرجل وهو يلد حيواناً مثله، فله كليتان ومثانة. فأما الحيوان الذى له أربع أرجل ويبيض بيضاً فليس له كليتان ولا مثانة، أعنى من الطائر والسمك. فأما من الحيوان الذى له أربعة أرجل فللسلحفاة البحرية كليتان شبيهتان بكليتى البقر. وكليتا البقر فى المنظر كأنها مركبة من كلىً صغار كثيرة. وجميع جوف البقر البرى شبيه بجوف البقر الإنسى.
ووضع جميع هذه الأعضاء فى كل الحيوان واحد متشابه. فأما القلب [٤٥] فهو موضوع فى جميع الحيوان فى وسط الصدر، ما خلا الإنسان فإن قلب الإنسان مائل إلى الناحية اليسرى، كما قلنا فيما سلف. والجزء الحاد من أجزاء القلب مائل إلى مقدم الصدر فى جميع الحيوان، ما خلا السمك، لأن الجزء الحاد من القلب فى السمك مائل إلى ناحية الرأس والفم؛ وإنما هو متعلق بالمكان الذى فيه تلتقى الآذان (= الخياشيم) التى فى الناحية اليسرى 〈مع تلك التى〉 فى الناحية اليمنى. ومن القلب يخرج سبيل آخر ويمتد حتى ينتهى إلى كل واحد من الآذان. وتلك السبل عظيمة فيما عظم من السمك، وصغيرة فيما صغر من السمك. فأما فيما عظم منه جداً فإنه يصاب سبيل آخر من القلب إلى الآذان، مجوف أبيض شبيه بقصبة.
وليس لأجناس السمك فم معدة، ما خلا أصنافاً منها يسيرة معروفة مثل الانكليس والذى يسمى باليونانية غنقروس (γογγροσ)، فإن لها فم معدة صغيراً جداً.
وأكباد 〈الحيوانات التى لها كبد〉 تكون فى الناحية اليمنى. وربما
كانت مشقوقة بجزئين من الطرف الأعلى إلى الناحية السفلى؛ وربما كانت
متصلة ليس فيها شىء من الافتراق. وإذا كانت الكبد مجزأة بجزئين، يكون
فأما الطحال فهو موضوع فى جميع الحيوان فى الناحية اليسرى من قبل الطباع. ووضع الكليتين واحد متشابه فى جميع الحيوان الذى له كلى. وربما شق إنسان بعض أجواف الحيوان فوجد الطحال فى الناحية اليمنى، والكبد فى الناحية اليسرى. وكل ما كان من هذا الصنف فإنه ينسب إلى العجائب.
وأما قصبة الرئة فإنها فى جميع الحيوان تنتهى إلى الرئة — وسنصف فيما يستقبل كيف يكون ذلك. فأما فم المعدة فهو آخذ إلى البطن، لأنه يمر بالصفاق، أعنى الحجاب الذى فى البطن. فهذه حال فم المعدة فى جميع الحيوان الذى له معدة. فإنا قد بينا فيما سلف من قولنا أنه ليس لكثير من أجناس السمك فم معدة، بل معدتها، أعنى بطونها، لاصقة برءوسها، وليس فيما [٤٦] بين رءوسها وبطونها عضو آخر متوسط بينها. ولذلك يعرض لما عظم منها خروج معدتها من أفواهها إذا هى طلبت أكل السمك الذى هو أصغر منها.
ولجميع الأجناس التى وصفنا بطون، وهى موضوعة وضعاً متشابهاً لأنها
موضوعة تحت الحجاب، وبعدها المعى، وهى تنتهى إلى مخرج الطعام.
فهذه صفة بطون الحيوان الذى له قرون وليس له أسنان فى الفك الأعلى
والفك الأسفل معاً. وربما كان فم المعدة آخذاً إلى وسط البطن، وربما كان
آخذاً إلى ناحية من نواحيه. فأما الحيوان الذى له أسنان فى الفك الأعلى والفك
الأسفل فله بطن واحد مثل الإنسان والأسد والكلب والدب والذئب. 〈أما
ابن آوى فأجزاؤه الباطنة كلها مشابهة لأجزاء الذئب.〉 فلجميع هذه
الأصناف من أصناف الحيوان بطن واحد، وبعد البطن المعى. ولكن بطون
بعضها أعظم من بطون غيرها مثل الخنزير والدب 〈وبطن الخنزير فيها من
الثنيات الملساء عدد أقل جداً. وبطون بعضها أصغر جداً، وليست أكبر كثيراً
من المعى، مثلما هى الحال فى الأسد، والكلب والإنسان. وفى الحيوانات
الأخرى يختلف شكل البطن (= المعدة) تبعاً للأشكال التى رأيناها: فهو
يكون أحياناً مثل شكل معدة الخنزير، وأحياناً أخرى مثل شكل معدة الكلب،
والأمر كذلك فيما يتعلق بالحيوانات الأكبر والحيوانات الأصغر. فعند هذه
وطباع المعى مختلف فى الحيوان الذى له أسنان فى الفكين جميعاً، وفى الفك الواحد. وذلك الاختلاف من قبل العظم والغلظ [٤٧] والانثناء. وجميع معى الحيوان الذى ليس له أسنان فى الفكين أعظم من معى الحيوان الذى له أسنان فى الفكين لأن جثتها أعظم من جثة غيرها وقليل منها يكون صغير الجثة، وليس لشىء من الحيوان الصغير الجثة قرن. ولبعض الحيوان معى دقيق يشق المعى الأعظم. ولا يمكن أن يكون شىء من الحيوان مستقيم المعى إن لم يكن له أسنان فى الفكين جميعاً.
فأما الفيل فله معى كثير التشبيك، ولذلك يظن الذى يعاينه أن له أربع بطون. وفى ذلك المعى يكون طعمه، وليس له وعاء آخر غيره يكون فيه طعمه، ما خلا معاه. وجميع جوفه شبيه بجوف الخنزير، فأما كبده فهو أكبر من كبد الثور أربعة أضعاف. وسائر جوفه كمثل. فأما طحاله فهو صغير بقدر ملائمة جثته.
وبقدر هذا النوع بطون ومعى الحيوان الذى له أربع أرجل وهو يبيض
بيضاً، مثل السلحفاة البحرية والسام أبرص والتمساح 〈بنوعيه وبالجملة
فأما أجناس الحيات فأجوافها وأمعاؤها شبيهة بأجواف وأمعاء الحيوان الذى له أربع أرجل ويبيض بيضاً، وخاصة تشبه أجواف السام أبرص إن توهم أحد أن السام أبرص مستطيل ليس له أرجل، لأن الحيات وما كان من أصناف السام أبرص مفلسة الظهور ملس البطون، ولذلك يشبه بعضها بعضاً بالخلقة، ولكن ليس للحيات خصىً، بل لها سبيلان تلتئم الواحدة بالأخرى، مثل سبيل السمك. وأرحام الحيات مستطيلة مشقوقة بجزئين. فأما سائر أجوافها فشبيه بأجواف السام أبرص، غير أنها مستطيلة ضيقة، لحال ضيق وطول جثتها. ولذلك تخفى أجوافها على كثير ممن يعاينها، لحال شبه بعضها ببعض. وقصبة رئة الحيات طويلة جداً و〈فم〉 معدتها مستطيل؛ وطرف القصبة يغمر الفم، ولذلك يظن الذى يعاين ذلك الطرف أنه متصل بناحية أصل اللسان. وألسن الحيات دقيقة مستطيلة سود مشقوقة [٤٨] باثنين، ولذلك يخرج من أفواهها كثيراً. وهو خاص للحيات وما كان من أجناس السام أبرص: تكون أطراف ألسنتها مشقوقة باثنين. وألسن الحيات خاصةً مشقوقة، وأطرافها دقيقة جداً، شبيهة بشعر. ولسان الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية فوقى مشقوق أيضاً.
فأما بطن الحية فهو ضيق شبيه بمعى واسع. وذلك المعى شبيه بمعى
كلب. وللحية بعد البطن معىً دقيق ينتهى إلى موضع مخرج الفضلة. ولها
وقد زعم بعض الناس أنه يعرض للحيات مثل العرض الذى يعرض لفراخ الخطاف وأنه إن ضرب أحد عينيها بإبرة أو بشىء آخر حاد أعماها، نبتت أيضاً استئنافاً وتعود أعينها إلى الصحة كما كانت أولاً. وأذناب الحيات والسام أبرص تنبت إذا هى قطعت.
〈أحشاء السمك〉فأما خلقة ما يلى المعى والبطن فشبيهة بخلقة ما يلى بطن ومعى السمك، لأن بطن كل حية واحدة مبسوطة. وإنما تختلف بطون أصناف السمك بأشكالها، لأنها ربما كانت شبيهةً بأمعاء، مثل بطن السمكة التى تسمى باليونانية سقاروس (σχαροσ) وهى سمكة تجتر. فأما عظم المعى فهو مبسوط وإن كان فيه انثناء فإنه ينحل من ذلك الانثناء ويكون واحداً.
ولأجناس السمك وأجناس كثير من الطير شىء خاص، أعنى فروعاً تكون خارجة من أمعائها. ولكن ذلك يكون [٤٩] فيما كان من أصناف الطير فى الناحية السفلى، مع قلة؛ فأما فى أصناف السمك فتلك الفروع تكون فى الناحية العليا، وربما كانت تلك الفروع كثيرة 〈كما هى الحال فى السمك البورى البحرى goujon والقرشى squale والفرخ perche، وعقرب البحر، وسمك موسى sole، والترليا trigle والأسفاروس σπαροσ. والبورى mulet له فروع كثيرة على جانب من المعدة، وعلى الجانب الآخر لا يوجد غير فرع واحد. ولبعض السمك عدد قليل منها، مثل الهوفاتس hépatus والجلوكوس glaucus؛ كذلك ليس لسمك المرجان daurade غير قليل منها. وأفراد النوع الواحد يختلف بعضها عن بعض: فبعض سمك المرجان له عدد أكبر من الفروع، والبعض الآخر له عدد أقل〉. وفى السمك ما ليس لأمعائه فروع 〈: كما هى الحال فى معظم السلاشى. أما سائر السمك فبعضها له عدد قليل منها، والبعض الآخر له عدد كبير. وفى جميع الأحوال التى يكون للسمك فيها فروع، فإن هذه الفروع متعلقة وملحقة بالمعدة نفسها〉.
وفى خلقة أجواف أصناف الطائر اختلاف كثير، إذا قيست إلى خلقة
سائر أجواف الحيوان وإلى خلقة بعضها، لأن فى أجواف بعض الطير حوصلة،
مثل ما للديك، والفاختة والحمامة. وإنما خلقة الحوصلة من جلد عظيم عميق
يكون فيه الطعام الذى لم ينضج بعد. والطرف الأعلى أضيق من فم
المعدة، ثم 〈بعد ذلك〉 تكون أوسع منه. والطرف الذى يلى البطن أيضاً
فأما معى الطائر فهو دقيق 〈وإذا〉 تحلل من تشبيكه 〈كان بسيطاً〉. 〈و〉كما قلنا فيما سلف، فإنما ذلك التشبيك فى الناحية السفلى عند تمام المعى، وليس فى الناحية العليا مثل معى السمك. وليس تشبيك المعى فى جميع أصناف الطائر، بل فى كثير منها، مثل الديك والحجلة، 〈والبطة، وغراب الليل واللوقالس، والاسقلفوس، والإوزة، والبجعة، والحبارى، والبومة〉. وربما كان ذلك أيضاً [٥٠] فى الطائر الصغير الجثة، ولكن يكون تشبيكاً يسيراً جداً، مثلما يوجد فى العصفور.
تم القول الثانى من كتاب أرسطاطاليس الفيلسوف فى طبائع الحيوان وتركيبها
فقد ذكرنا حال سائر الأعضاء التى فى باطن أجزاء الحيوان، وأحصينا كم وأيما هى واختلاف أصنافها. فأما حيننا هذا، فإنا نذكر الأعضاء الموافقة للولادة، أعنى الخصى وغير ذلك فإنها ليست بظاهرة فى جميع الإناث، بل باطنة. فأما الذكورة فلها خطى مختلفة بأنواع شتى.
فينبغى أن يعلم أنه ليس لبعض الحيوان الذى له دم: خصىً ألبتة؛
ولبعض الذكورة خصى، وهى باطنة فى أماكن مختلفة: لأنها فى بعضها تكون
لاصقة بالفقار قريبةً من موضع الكلى، وفى بعضها تكون لاصقةً بالبطن.
وما كان منها ظاهراً فهو مختلف أيضاً، لأنها ربما كانت لاصقة بالبطن،
وينبغى أن يعلم أنه ليس لشىء من أصناف وأجناس السمك خصى ولا لشىء مما له آذان (= خياشيم) يقبل بها الماء ويدفعه: ولا لشىء من أجناس الحيات ولا لجميع الحيوان الذى ليس له أرجل و〈لا〉 هو يلد حيواناً مثله فى جوفه. فأما أجناس الطائر فلها خصىً لاصقة بفقارها. ولجميع الحيوان الذى له أربع أرجل ويبيض بيضاً مثل السام أبرص والسلحفاة والجرذون والقنفذ 〈وهو مما〉 يلد حيواناً فى جوفه. فأما الحيوان الذى له خصى لاصقة ببطنه فهو مثل الدلفين وما يشبهه من الحيوان الذى ليس له أرجل. فأما الحيوان الذى له أربع أرجل ويلد حيواناً مثله فى جوفه فمثل الفيل. فأما سائر الحيوان الذى ذكرنا فله خصى بينة ظاهرة وهى متعلقة [٥١] بالبطن والمكان المتصل به، أعنى الذى يليه. وقد وصفنا، فيما سلف، اختلافها: لأنها تكون فى بعض الحيوان متصلة بالبطن ليست بمرسلة: 〈مثلما هى الحال فى نوع الخنازير؛ وفى البعض الآخر تكون مرسلة〉، مثل خصى الناس.
فلبعض الحيوان خصى، وليست لبعضها خصى، كما وصفنا أولاً.
فأما الحيات فلها سبيلان آخذان من ناحية الحجاب إلى نواحى الفقار. وذانك
فأما جميع الحيوان الذى يبيض بيضاً وله رجلان أو أربعة أرجل فله خصىً تحت الحجاب، وهى فى بعضها بيض، وفى بعضها صفراء اللون مشتبكة محتبسة بعروق دقاق جداً. وسبلها تلتئم إلى سبيل واحد، كما [وصفنا] عند السمك، 〈أعنى〉 فوق موضع مخرج الفضلة. 〈وهذا السبيل هو الذى يكون القضيب〉: وذلك أيضاً مختلف، لأنه ليس يبين فيما صغر منها؛ فأما فيما عظم منها فبين، مثلما يكون فى الوز وما يشبهه فى عظم الجثة، فإنه يكون فيها ظاهراً بيناً ولا سيما إذا كان السفاد حديثاً.
فأما السبل فهى لاصقة بالفقار تحت البطن والمعى فيما بين العرق العظيم
الذى يخرج منه سبيلان، ويأخذ إلى كل واحد من الخصى وهذه
السبيل فى السمك على مثل هذه الحال. وكما قلنا فيما سلف: إن هذه السبيل
تكون فى أوان سفاد السمك مملوءةً زرعاً، ولذلك تكون ظاهرةً جداً. فاذا جاز
أوان السفاد تكون غامضة خفية. كذلك تكون خصى أجناس الطير قبل أوان
السفاد: فإنها صغار خفية، فإذا سفدت ظهرت خصاها كثيرة بينة جداً،
وكما قلنا فيما سلف إن خصى بعض الحيوان فى مقادمها لاصقة ببطونها، مثل الدلفين، وخصى بعضها خارجة ظاهرة [٥٢] فى آخر بطونها. فأما سائر ذلك فهى فيها متشابهة لأن بعضه قريب من بعض، والاختلاف الذى بينها من قبل أن خصى بعضها تكون مفردةً بذاتها فى جلد يسترها ويغطيها.
وخلقة الخصى فى جميع الحيوان المشاء الذى يلد حيواناً مثله على مثل هذه
الحال: يخرج سبيلان — خلقتهما من عروق — من العرق الأعظم الذى يسمى
باليونانية أورطى. وينتهى كل واحد من السبيلين إلى رأس كل واحد من
الخصى. ويخرج سبيلان آخران من الكلى، وهما مملوآن دماً. فأما السبيلان اللذان
يخرجان من العرق الذى يسمى أورطى، فليس منهما دم. فأما من ناحية رأس كل
واحد من الخصى، فانه يخرج سبيل أصفق من السبيل الآخر، وهو من
عصب، ثم يعطف أيضاً إلى رأس الخصية. ويجتمع السبيلان فيلتئمان إلى
متمدم الذكر. والسبيلان اللذان يعطفان، أعنى الناتئين على الخصى، فهما
مستوران بصفاق واحد، ولذلك يظن الذى يعاينهما أنهما سبيل واحد إن لم
يشق الصفاق ويفرق فيما بينهما. 〈و〉فى هذين السبيلين اللاصقين
فى الخصى رطوبة أقل من الرطوبة التى توجد فى السبيلين اللذين يخرجان من
العرق الذى يسمى أورطى. فأما فى السبيلين الآخذين إلى الذكر، فانه توجد
رطوبة بيضاء. ويخرج سبيل من المثانة وينتهى إلى الناحية العليا من الذكر.
فاذا نزعت أو قطعت الخصى تنجذب هذه السبل إلى الناحية العليا. وربما رض بعض الناس خصى الحيوان إذا كانت صغيرة، وربما أخصوها بعد أن تكبر. وقد عرض لثور من الثيران أنه خصى، ثم سفد من ساعته، وعلقت منه الأنثى، وولدت. فهذه صفة خصى الحيوان وخلقتها واختلافها.
〈خصائص الرحم〉
فأما أرحام الحيوان الذى له رحم فهى أيضاً مختلفة لا يشبه بعضها بعضاً.
فأما أرحام الطير الذى يبيض بيضاً فى الظاهر فهى مختلفة، لأن أرحام جميع أصناف الطير موضوعة تحت الحجاب، وأرحام أصناف السمك فى أسفل البطن، كمثل ما يكون فى الحيوان الذى يلد حيواناً وله رجلان أو أربع أرجل، 〈مع هذا الفارق وهو أن〉 أرحامها دقاق مستطيلة خلقتها من عصب، ولذلك يظن أن أرحام السمك 〈الصغير جداً〉 مستطيلة متصلة وأن البيض الذى يكون فيها مجتمع فى وعاء واحد: وليس هو كما يظنون، وإنما هو بيض مفترق فى جزئين، ولذلك يفترق البيض أيضاً فى أجزاء كثيرة.
فأما أرحام أصناف الطير فإن أنابيبها من أسفل مخلوقة من لحم صلب
فهذه حال الأرحام فى الحيوان الذى له أربع أرجل ويبيض بيضاً، مثل السلحفاة والسام أبرص والضفدع وكل ما يشبه هذا الصنف، لأن أعناق أرحامها من أسفل مخلوقة من لحم، فأما الافتراق والبيض ففوق، تحت الحجاب. فأما ما كان من الحيوان الذى ليس له رجلان، وهو يبيض فى جوفه ويلد حيواناً فى الظاهر 〈وذلك مثل القروش squales وسائر السلاشى، كما تدعى [ويسمى: «سلاشى» كل حيوان يلد حيواناً وليس له أرجل ولكن له خياشيم]〉 [٥٤] فإن أرحامها مفترقة باثنين، وهى تحت الحجاب، مثل أرحام أصناف الطير. وفى ذينك الفرقين يكون البيض فى الناحية العليا التى تلى الحجاب. وإذا نزل إلى الناحية السفلى حيث المكان الواسع، يكون حيواناً. وذلك بين فى جميع الحيوان الذى يسمى باليونانية غالا γαλεοι وسلاشى σελαχη — وإنما يسمى سلاخوس σελαχοσ الحيوان البحرى الذى ليس له رجلان وله أذنان (=خيشومان) ويلد حيواناً. واختلاف أرحام هذه الأصناف — وهذا الاختلاف الذى بين خلقة الأرحام وأشكالها — يظهر من الشق والمعاينة.
وفى أرحام أجناس الحيات أيضاً اختلاف فيما بينها وبين أرحام سائرها من
الحيوان، وفيما بين بعضها البعض، لأن جميع أجناس الحيات تبيض بيضاً.
وأرحام الحيوانات التى تبيض فى باطنها وفى الظاهر، تكون فوق بطونها. فأما ما يلد منها حيواناً، فرحمه قريب من الفقار. وما يبيض بيضاً فى جوفه ويلد فى الظاهر حيواناً فهو مشترك فيما بين الأمرين اللذين وصفنا، لأن جزء أرحامها الذى يكون فى الحيوان قريب من الفقار، فأما الجزء الذى منه يكون الخروج، وهو المكان الذى فيه البيض، ففوق المعى.
وأيضاً فى خلقة الأرحام، إذا قيست بعضها إلى بعض، اختلاف آخر من قبل أن الحيوان الذى له قرن وليس له أسنان فى الفك الأعلى والفك الأسفل تكون فى أرحامه عروق ظاهرة كثيرة إذا كانت حاملة، 〈وتلك حال — من بين〉 بعض الحيوان الذى له أسنان فى الفكين — [كمثل] الفأر والوطواط 〈والأرنب الجبلى〉 وما [٥٥] يشبهها؛ فأما سائر الحيوان الذى له أسنان فى الفكين ويلد حيواناً وله أرجل فأرحامه ملس، وما يحمل فيها يكون متعلقاً بالرحم، وليس بأفواه العروق التى وصفنا.
فهذه حال أعضاء الحيوان التى أجزاؤها لا يشبه بعضها بعضاً: ما كان منها باطناً، وما كان فى الظاهر.
فأما أمر أجزاء الحيوان التى أجزاؤها يشبه بعضها بعضاً، فإن المشترك العام منها وهو الذى فى جميع الحيوان الدمى 〈هو: الدم〉 والعضو الذى يكون فيه، أعنى الذى يسمى عرقاً. 〈ثم ملائماتها النسبية، اللمفا والألياف〉 ثم اللحم الذى هو جسد الحيوان وما يلائم هذه الأشياء؛ وأيضاً العظم وما يلائمه، مثل الشوكة والغضروف؛ ثم الجلد والصفاق والعصب والأظفار والشعر وما يشبه هذه الأشياء؛ وأيضاً الشحم والثرب والفضول، 〈مثل مادة البراز، والبلغم〉 والمرة السوداء، والصفراء.
ولأن طبيعة الدم والعروق ابتداء خلقة الأجساد، فينبغى لنا أن نذكر
حالها أولاً، ولا سيما لأن الذين وصفوها من القدماء الذين كانوا قبلنا لم
فأما سونيسيس القبرسى فإنه يصف خلقة العروق بمثل هذه الصفة فيقول: «خلقة العروق الثخينة العظيمة على ما نصف: يخرج عرقان من ناحية العينين والحاجبين ويأخذان إلى نواحى العنق. ومن هناك يأخذ إلى الظهر، ويعطف إلى ناحية الرئة تحت الثديين. ثم يأخذ العرق الواحد من الناحية اليمنى إلى [٥٦] الناحية اليسرى، والعرق الآخر يأخذ من الناحية اليسرى إلى الناحية اليمنى. ويأخذ العرق الذى يمر بالكبد إلى الكلية والخصية اليمنى. فأما العرق الذى يمر بالطحال فإنه يأخذ إلى الكلية اليسرى والخصية اليسرى. 〈ومن ثم يتوجهان صوب الذكر〉».
فأما ذيوجانس الاپلونى فإنه يصف العروق على مثل هذه الحال فيقول:
«[٥٧] فأما العروق التى تمتد وتأخذ إلى الرأس من ناحية مكان الذبحة،
فإنها تظهر فى العنق عظيمة. وهذان العرقان الآخذان إلى الرأس يتجزآن
بأجزاء كثيرة ويفترقان فى الرأس، ويأخذ بعضها من الناحية اليسرى،
ومنتهاها قريب من الأذنين. وفى العنق عرق آخر يتجزأ بجزئين ويأخذ كل
جزء منهما إلى قريب من العرق العظيم، غير أنه أصغر منه قليلاً. وكثير من
«فأما الدم الغليظ الثخين فإن اللحم ينشقه ويشربه. فأما غير ذلك، أعنى الذى يكون فى العروق والأماكن التى وصفنا — فدقيق، حار، يخالطه زبد».
فهذا قول سونيسيس وذيوجانس فى صفة العروق. فأما فولوبوس فإنه يصف العروق على مثل هذه الحال فيقول: «إن جميع العروق التى تفترق فى الجسد تخرج من أربعة أزواج عظيمة: فأما الزوج الأول فإنه يخرج من خلف الرأس ويأخذ إلى ناحية العنق من خارج، ويمر بنواحى الفقار حتى ينتهى إلى الوركين والساقين، ويأخذ إلى نواحى الكعبين الداخلة، ومن هناك يأخذ إلى خارج ويفترق فى القدمين، ولذلك يفصد المتطببون من خلف الركبتين ومن ناحية الكعبين خارجاً إذا عرضت أوجاع [٥٨] فى الظهر والوركين.
وأما الزوج الآخر فإنه يخرج من ناحية الرأس ويمر بالأذنين، ومن هناك
يأخذ إلى العنق، ولذلك سمى هذا الزوج «عرقى الذبح». ومن هناك يأخذان
فأما الزوج الثالث فإنه يأخذ من العنق إلى مراجع الأكتاف، ومن هناك إلى الرئة: والعرق الواحد منها يأخذ من الناحية اليمنى إلى الناحية اليسرى، ويجوز تحت الثدى وينتهى إلى الطحال وإلى الكلية؛ وأما العرق الذى يأخذ من الناحية اليسرى إلى الناحية اليمنى فإنه يمر بالرئة، ومن هناك يمر بالثدى وينتهى إلى الكبد. ثم يأخذ العرقان جميعاً إلى السرة.
فأما الزوج الرابع فإنه يأخذ من مقدم الرأس والعينين إلى تحت العنق والترقوتين. ومن هناك يمتد فوق العضدين، ويمر بانثناء المرفقين، ثم يجوز من هناك إلى الذراعين وأصول الكفين، ثم يعطف من الذراعين إلى الإبطين والجنبين من الناحية العليا، حتى ينتهى العرق الواحد إلى الطحال، والآخر إلى الكبد؛ ومن هناك يأخذ العرقان فوق البطن حتى ينتهى كلاهما إلى المحاشى».
فهذا قول القدماء فى صفة العروق. وبعض أصحاب العلم الطباعى وصفوا العروق أيضاً ولم يلطفوا النظر فيها، وجميعهم يزعم أن ابتداء العروق من ناحية الرأس والدماغ. ولم يصيبوا فى قولهم. والنظر إلى خلقة العروق وتجزيئها ومأخذها ومنتهاها عسير كما قلنا أولاً؛ وإنما يمكن معاينتها فى الحيوان المخنوق الذى هزل قبل ذلك جداً. فمن أراد معرفتها يقيناً فليهتم ويعبأ بالنظر إلى مثل هذا الحيوان الذى وصفنا.
وخلقة وطبيعة العروق — بقدر مبلغ علمنا — على مثل هذه الحال:
فى الصدر عرقان موضوعان داخلان فى ناحية الفقار. وأحدهما أعظم من الآخر. وذلك العرق الأعظم [٥٩] يأخذ إلى مقدم الجسد، والآخر — أعنى الأصغر — يأخذ خلفه. ثم يعدل الأعظم إلى الناحية اليمنى، والأصغر إلى الناحية اليسرى، وهو العرق الذى سماه بعض الناس باليونانية: أورطى، لأنهم عاينوا الجزء الذى فيه من عصب فى الأجساد الميتة. وابتداء هذين العرقين من القلب. وهما يأخذان إلى سائر الجوف كله. فأما القلب فهو مثل جرم أجزائها 〈خصوصاً جزء العرق الأمامى الذى هو أكبر〉، لأن العرق الأعظم موضوع فوق القلب والأصغر موضوع تحت القلب، وفيما بينهما القلب موضوع.
ولجميع القلوب بطون فى داخلها. ولكن ما صغر من أجساد الحيوان
جداً تكون بطون قلوبها ليست بظاهرة، وخاصة البطن العظيم. فأما ما كان من
الحيوان وسط الجثة، فالبطن الأوسط فى قلوبها بين والآخر أيضاً. فأما ما
عظم من الحيوان ففيه الثلاثة البطون بادية ظاهرة. والجزء الحاد الثانى
من القلب مائل إلى مقدم الجسد كما وصفنا أولاً، والبطن العظيم يكون فى
الناحية اليسرى، والبطن الأوسط يكون فى الناحية العليا واليمنى من
القلب، والبطن الأصغر يكون فيما بين هذين البطنين، وهما أصغر من البطن
والعرق العظيم يخرج من بطن القلب الأعظم من الناحية العليا واليمنى، ويمر بالعمق الأوسط، ويكون عرقان يتحولان فى ذلك البطن جزءاً من أجزاء العرق وفيه يستنقع الدم. فأما العرق الذى يسمى أورطى فإنه يخرج من البطن الأوسط، وليس يشارك القلب مثل هذا العرق الذى وصفنا، بل جوفه أضيق كثيراً.
وخلقة العرق العظيم من صفاق وجلد. والعرق الآخر أضيق منه، وخلقته من عصب محض. وإذا امتد ونفذ إلى ناحية الرأس والأعضاء التى تحت يكون ضيقاً.
ومن العرق العظيم يمتد جزء من ناحية القلب أولاً وينتهى إلى الرئة وينضم
إلى العرق الذى يسمى أورطى. ومن ذلك العرق يخرج عرقان آخران: فيأخذ
أحدهما [٦٠] إلى الرئة ، والآخر إلى الفقار والخرزة الأخيرة من خرز
العنق. والعرق الذى يمتد إلى الرئة يتجزأ أولاً بجزئين، لأن الرئة مجزأة
أيضاً بجزئين، ثم يتجزأ هذان الجزآن فى أجزاء كثيرة، ويأخذ كل جزء منها
«إن الذى ضرب صاحبه بالسيف فى الحرب قطع ذلك العرق كله»
وهو العرق الذى يمر بالظهر، وينتهى إلى العنق. فهذا قول أميروس الشاعر فى هذا العرق.
ومنه أيضاً تخرج أجزاء عروق تأخذ إلى كل ضلع وإلى كل خرزة من الخرز، وهو يتجزأ جزئين فوق الخرزة التى تعلو الكليتين. — فالعرق العظيم يتجزأ بقدر ما وصفنا.
والعرق الذى فوق هذا العرق العظيم، أعنى الذى يخرج من القلب أيضاً،
يتجزأ بأجزاء كثيرة. وبعض تلك الأجزاء تأخذ إلى الترقوتين والجنبين. ومن
ناحية الإبطين يأخذ إلى العضدين فى أجساد الناس؛ فأما فى أجساد ذوات
الأربع قوائم، فإنها تمتد إلى خلف الساقين؛ وفى أجساد الطير تأخذ
إلى الجناحين؛ وفى أجساد السمك تأخذ إلى الأجنحة التى فى مقاديم أجسادها.
والعروق التى تفترق من هذا العرق أولاً تسمى عروق الذبحة وما يفترق من
عروق العرق العظيم فى ناحية العنق فإنه يمتد ويأخذ إلى العرق الخشن، أعنى
وبمثل هذا النوع تتجزأ عروق من العرق الأصغر الذى يسمى الأورطى، وتلك الأجزاء تتبع أجزاء العرق الأعظم، وسبلها أصغر وأضيق من سبل العروق التى تتجزأ من العرق الأعظم. فهذه صفة جميع العروق التى تكون فيما يلى ناحية الجسد التى فوق القلب.
فأما جزء العرق العظيم الذى تحت القلب فإنه يمتد ويمر على الحجاب مرتفعاً
[٦٢] وتفترق عروق أخر من العرق العظيم، ويأخذ العرق الواحد منها بالثرب الذى على البطن، والآخر إلى 〈ما يسمى بالبنكرياس〉، ومنه تفترق أيضاً عروق كثيرة، وتأخذ إلى المعى الأوسط. وجميع هذه العروق تلتئم إلى عرق واحد عظيم، ويمر ذلك العرق بجميع المعى والبطن (= المعدة) حتى ينتهى إلى فم المعدة (= المرىء)؛ ومن هناك ينشق أيضاً فى عروق كثيرة.
وينبغى أن يعلم أن العرق العظيم والعرق الذى يسمى أورطى ينتهى
فأما إلى الكبد والطحال فليس ينتهى عرق من العرق الذى يسمى أورطى ألبتة.
فأما العروق التى اشتقت من العرق الأعظم فإنها تنتهى إلى الوركين وتماس
العظم. ومن العرق العظيم تخرج أيضاً عروق تأخذ إلى الكليتين، وليست تفترق
فى عمق الكليتين، بل فى أجسادها. ومن العرق الذى يسمى أورطى يخرج
سبيلان قويان ويأخذان إلى المثانة، وسبيل آخر يخرج من عمق الكليتين،
ولكن ليس تشارك هذه السبل فى العرق العظيم ألبتة. ومن أوساط الكليتين
تخرج أيضاً عروق مجوفة خلقتها خلقة عصب، وتأخذ إلى الفقار، ومن هناك
تأخذ إلى الوركين وتغيب هناك حتى لا تظهر، ثم تستبين أيضاً ممتدةً على
الوركين، ومن هناك تأخذ إلى المثانة والذكر فى الرجال؛ وأما فى
النساء، فإنها تأخذ إلى الأرحام. وليس يأتى إلى الأرحام عرق [٦٣] من العرق
فقد بينا حال العروق من أين تخرج، وكيف تفترق فى جميع أعضاء الجسد، وأصل العروق فى جميع الحيوان الذى له دم، ولا سيما العروق العظيمة.
فأما سائر كثرة العروق فهو مختلف، لأن الأعضاء تختلف أيضاً بأشكالها، وليست هى فى جميع الحيوان متفقة متشابهة، وإنما تستبين كما وصفنا، خاصة فيما عظم من الحيوان وكان كثير الدم. فأما فيما صغر منها وكان قليل الدم فإن ذلك يخفى: إما لحال خلقتها، وإما لحال شحم غالب على أجسادها. وربما كانت السبل مفترقة مبتددة خفية شبيهة بسواقى ومجارى [ما] قد غلب عليها الطين والحمأة؛ وربما كانت عروقها دقيقة لطيفة قليلة شبيهةً بخيوط عروق وليست بعروق مجوفة. فأما العرق العظيم فهو بين ظاهر فى جميع أجساد الحيوان، ما عظم منها وما صغر.
فأما العصب الذى فى أجساد الحيوان فهو على ما نصف. أما أصلها فهو من القلب لأن فى البطن العظيم من بطون القلب عصباً، وخلقة العرق الذى يسمى أورطى شبيهة بخلقة عصب، لأن أواخرها ليست بمجوفة وهى قوية مثل العروق ولا سيما فى الأماكن التى فيها تلصق بالعظام. ولكن ليست خلقة العصب متصلة متتابعة ملتئمة بأصل واحد مثل العروق، فإن جميع العروق 〈كما يظهر فى تخطيطات الرسامين〉 تظهر فى كل الجسد المهزول جداً، فأما العصب فإنه مفترق فيما يلى المفاصل وانثناء العظام. ولو كان طباع جميع الحيوان متصلاً متتابعاً، لظهر [٦٤] ذلك فى الأجساد المهزولة جداً.
وأعظم أجزاء العصب تكون فى باطن الركبتين 〈أى فى〉 الأجزاء
الموافقة لقوة الأجساد، ولا سيما ما يأخذ منه إلى ناحية الظهر ومراجع الكتفين.
والعصب، من قبل طباعه، ينشق بالطول؛ فأما بالعرض فليس ينشق ألبتة. وهو يمتد امتداداً كثيراً. وحول العصب رطوبة بيضاء مخاطية لزجة ومن تلك الرطوبة يتولد ويتغذى. وينبغى لنا أن نعلم أن العروق تتصل وتلتئم بعد قطعها، فأما العصب فإنه لا يتصل ولا يلتئم بعد قطعه. وليس فى الرأس شىء من العصب، وإنما يمسك عظام الرأس بعضها ببعض من قبل التشعب والخياطة التى فيها — وكثرة العصب تكون فيما يلى اليدين والرجلين والأضلاع ومراجع الأكتاف والعنق والعضدين —. ولجميع الحيوان الدمى عصب. فأما الحيوان الذى ليس له انثناء أعضاء، لأنه ليس له يدان ولا رجلان، فله عصب رقيق ليس ببين: ولذلك لا يستبين العصب فى أجناس السمك، ما خلا العصب الذى يكون فيما يلى الأجنحة (= الزعانف).
وأما العصب الدقيق الذى يشبه الخيوط، فإن طباعه فيما بين طباع العصب
والعروق. ويوجد فى بعضه رطوبة مائية شبيهة بمائية الدم، وهى ممتدة منسوجة
فيما بين طباع العصب والعروق. ومن هذا الصنف صنف يكون فى الدم؛
فهذه طبيعة العروق وجميع العصب، أعنى ما غلط [٦٤] منه وما دق جداً.
فأما العظام التى فى أجساد سائر الحيوان فبعضها يلى بعضها، وتركيبها مؤلف لأن بعضها لاصقة ببعض، وليس يمكن أن يكون عظم مفرداً بذاته فى شىء من الأعضاء، أعنى فى أجساد الحيوان التى يكون فيها عظام.
فأما تركيب الفقار فمن خرز. 〈و〉ابتداء الفقار من ناحية الرأس إلى الوركين. وجميع الخرز بعضه لاصق ببعض، وفوقها عظم الرأس لاصق بها، أعنى الجمجمة.
وليس عظم الجمجمة فى رءوس جميع الحيوان على حال واحد،
لأنها ربما كانت مركبة من عظم واحد، مثل رأس الكلب، وربما كانت
مركبةً من عظام كثيرة مثل رأس الإنسان؛ وفى رءوس الناس خياطات،
فأما رءوس النساء فخياطتها مستديرة، وأما رءوس الرجال ففيها ثلاث
فأما عظام الترقوتين والأضلاع فهى لاصقة بعظام الفقار. وبفقر الأضلاع تلتصق وينضم بعضها لبعض، ومنها ما لا يلصق بصاحبه الذى يكون قبالته. وليس تكون عظام فى بطون شىء من الحيوان ألبتة. وعظام مراجع الكتفين مركبة على عظام الأكتاف وبعدها عظام العضدين والذراعين والكفين.
فأما عظام الفخذين فهى لاصقة بعظم القحقح، وبعدها عظام الساقين والقدمين.
وليس فيما بين عظام الحيوان الذى له دم ورجلان — اختلاف إلا
شىء يسير. وإنما اختلافها باللين والجساوة والعظم. وفى عظام بعض الحيوان
مخ، وليس فى بعضها. ومن الحيوان ما ليس فى عظمه مخ إلا شىء قليل
وللدلفين أيضاً عظام، وليس له شوك. فأما عظام سائر الحيوان الذى له دم فهى تختلف اختلافاً يسيراً، مثل أجناس الطير. وشوك حيوان البحر أيضاً مختلف: لأن ما كان منها يلد حيواناً فهو غليظ الشوكة، مثل الحيوان الذى يسمى باليونانية سلاشى؛ فأما ما يبيض منها بيضاً فله شوك شبيه بفقار الحيوان الذى له أربع أرجل. وفى أجساد السمك شىء خاص بها، أعنى أن فى لحوم عظامها شوكاً دقيقاً مفترقاً. وللحيات أيضاً شوك شبيه بشوك [٨٦] السمك، لأن فقارها شبيهة بالشوك.
فأما ما كان من الحيوان الذى له أربع أرجل ويبيض بيضاً، فإن خلقة عظام ما عظم منها أشبه بخلقة عظام غيرها. فأما ما صغر منها فخلقتها قريبة من خلقة الشوك. ولجميع الحيوان الذى له دم فقار مخلوق إما من عظم، وإما من شوك. فأما سائر عظام أجسادها، فإنها تختلف بقدر اختلاف أعضائها.
فهذه صفة خلقة وحال عظام الحيوان.
وينبغى لنا أن نعلم أن طبيعة الغضروف وخلقته قريبة من خلقة العظام وطبعها، وإنما الاختلاف بينهما فى اللين والجساوة، وكمثل ما لا ينبت عظم ولا يلتئم إذا قطع، كذلك لا يلتئم ولا ينبت الغضروف أيضاً. وليس غضروف الحيوان البرى الذى يلد حيواناً مثقوباً مجوفاً، ولذلك لا يكون فيه مخ كما يكون فى العظام. فأما الغضروف الذى يكون فى الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية سلاشى ففيما عرض منه ناحية الفقار رطوبة شبيهة بمخ، وفيما يلى آذان الحيوان المشاء الذى يلد حيواناً غضروف وفى أنوفها وفى بعض أطراف عظامها أيضاً.
وفى أجساد الحيوان أعضاء أخر لا تشبه خلقة العظام والغضروف، ولا هى بعيدة من خلقتها، مثل الأظافر والأظلاف والقرون والحوافر ومناقير الطير. وجميع ما وصفنا من هذه الأعضاء يمكن أن يعقف وأن يشق؛ فأما العظم فليس يعقف ولا ينثنى ولا يشق، بل يرض رضاً.
وألوان القرون والأظفار والحوافر والأظلاف تكون بقدر ألوان الجلد
والشعر: فأما ما كان منها أسود الجلد فهو أسود القرون والأظلاف، وما كان
منها أبيض الجلد فإن ما وصفنا من أعضائها بيض أيضاً. وإذا كان لون الجلد
وينبغى أن يعلم أن كثيراً من العروق مجوفة فى الناحية السفلى فيما يلى الرأس عند موضع نباتها، فأما الطرف الأعلى فصلب، ما خلا قرون الأيلة فإنها صلبة من كلا الطرفين، وهى كثيرة الشعب. وليس يلقى شىء من الحيوان قرونه ما خلا الأيل فقط فإنه يلقيها فى كل سنة مرةً إن لم يخص. — وسنصف حال قرون الأيلة التى تخصى فيما نستأنف. — والقرون اللاصقة بالجلد نابتة عليه أكثر من نباتها على العظم؛ ولذلك يزعمون أن فى البلدة التى تسمى باليونانية أفروجيا أصنافاً من الحيوان تحرك قرونها كحركة الآذان.
وجميع الحيوان الذى له أصابع فله أظفار أيضاً؛ وكل ما كان له أيضاً
منها أرجل فله أصابع، ما خلا الفيل: 〈إذ〉 أصابع بعضها ملتئم ببعض،
بمفاصل خفية لأنها ليست [٦٦] بمشقوقة، ولذلك ليس للفيل أظفار، أعنى
فأما الشعر فإنه لا يكون إلا فى أجساد الحيوان المشاء الذى يلد حيواناً؛ فأما ما كان منها يبيض بيضاً ويمشى فجلده مفلس بتفليس بين ظاهر. فأما أصناف السمك فهى مختلفة، لأن ما يبيض منها بيضاً رقيقاً سخيفاً ضعيف القشور، فأما ما كان منها مستطيل الجسد فليس له قشور ولا يبيض بيضاً، مثل الذى يسمى باليونانية جنجروس γογγροσ والمورينا μυραινα؛ فأما الانكليس فليس له شىء مما وصفنا ألبتة.
فأما الشعر فإنه يختلف بالغلظ والدقة والعظم. وإنما تكون كثرة ذلك
الاختلاف بقدر الأعضاء والجلد الذى نابت منه الشعر: فإنه إذا غلظ الجلد،
كان الشعر أجسى وأغلظ؛ فأما ما كان منه فى أعضاء كثيرة الرطوبة
عميقة فهو ألين وأدق وأطول. وكذلك يعرض للحيوان الذى له شعر: فإنه
إذا نقل من مراعى ليست بمخصبة إلى مراعى مخصبة، صار شعرها أجسى
وأغلظ. وإذا نقل من مراعى مخصبة إلى خلاف ذلك، صار شعرها ألين
وأقصر. والصوف كمثل. والشعر أيضاً يختلف بقدر اختلاف البلدان الحارة
والباردة المزاج: مثل شعر الناس، فإن شعورهم فى الأماكن الحارة جاسية،
والشعر ينشق من قبل طباعه، وفيه اختلاف كثير إذا قيس بعضه إلى بعض، لأن منه ما يزداد جساوةً قليلاً قليلاً حتى يكون غير شبيه بالشعر ويصير كالشوك، مثل شوك القنافذ البرية. وذلك أيضاً يعرض لجنس الأظفار، فإنه يكون فى بعض الحيوان جاسياً جداً شبيهاً بخلقة العظام.
فأما جلد الإنسان فهو رقيق جداً أكثر من جلود جميع الحيوان، أو بقدر عظم جسده. وفى بعض الجلود رطوبة لزجة مخاطية: وهى فى بعضها أقل، وفى بعضها أكثر، مثل الرطوبة التى تكون فى جلود البقر، أعنى التى منها يهيأ الغراء.
وفى بعض الأماكن [٦٧] لها أيضاً غراء من السمك. وليس للجلد حس إذا قطع، وخاصة جلد الرأس، لأنه 〈ليس يوجد〉 فيما بين الجلد والعظم لحم ألبتة فى ذلك المكان.
وإذا كان الجلد فى موضع من مواضع الجسد خالياً من اللحم
ولجميع الحيوان الدمى جلد، وليس لجميعها شعر، بل كما وصفنا فيما سلف. والشعر يتغير فى الإنسان عند الكبير ويبيض، وذلك يعرض لسائر الحيوان أيضاً من غير أن يكون بيناً جداً، ما خلا الفرس؛ فإن بياض الشعر يظهر فيه ظهوراً جيداً. وإنما يبدأ بياض الشعر من الأطراف. وكثير منه ينبت أبيض من أصله؛ ولذلك نقول إن الشيب وبياض الشعر ليس هو يبس كما زعم بعض الناس الذين يدعون العلم، لأنه لا يمكن أن يكون شىء من الأشياء يابساً من أصل نباته.
وربما مرض بعض الناس فيبيض شعره جداً؛ فإذا برىء، وقع ذلك الشعر الأبيض ونبت مكانه شعر أسود كما كان قبل أن يمرض. وربما ابياض الشعر إذا غطى كثيراً بعمامة وغير ذلك، وإذا أصابه تنفس شديد من قبل انفتاح السبل. وأول ما يبياض من شعر الرأس فى الناس: الصدغان ومقدم الرأس قبل المؤخر. وآخر ما يبياض من شعر الإنسان شعر العانة.
وبعض الشعر مولود مع الإنسان، وبعضه ينبت أخيراً بعد ما يطعن الإنسان
فى السن. وإنما يعرض ذلك للإنسان فقط وليس يعرض لسائر الحيوان.
والشعر الذى يولد مع الإنسان شعر الرأس والحاجبين والأشفار. فأما ما
ينبت منه أخيراً فشعر العانة: ينبت أولاً، ثم يتبعه 〈شعر〉 الإبطين، وبعد
ذلك شعر اللحية. فهذه 〈هى〉 الأماكن التى يكون فيها شعر مع الولاد وبعد
وليس ينبت للنساء شعر فى مكان اللحية، ما خلا شعراً يسيراً لبعضهن، وذلك إذا احتبس طمثهن 〈وتلك هى الحال فى كاريا بالنسبة إلى الكاهنات، ويعد هذا من علامات التكهن بالأحداث المقبلة〉. فأما سائر الشعر فإنه ينبت فى أجساد النساء غير أنه أقل. وربما كان بعض الرجال والنساء ناقص الشعر الذى ينبت أخيراً وذلك الصنف مما لا يكون له زرع ولا ولد، ولا سيما من لم يكن له شعر فى موضع العانة.
والشعر الذى فى الرأس يطول، والذى فى اللحية، لا سيما الشعر الدقيق.
وإذا نتف شىء من الشعر فى وقت ما قبل الشبيبة وفى أوانها، فهو ينبت أيضاً. فأما بعد ذلك فليس ينبت إلا نباتاً ضعيفاً. وفى أصول جميع الشعر رطوبة لزجة يخرج معها إذا نتف.
وكل ما كان من الحيوان مختلف ألوان الجلد فلون جلد اللسان يكون أيضاً مختلفاً.
وربما كان بعض الرجال كثير الشعر فى أسفل اللحية وما بين الصدغ إلى حد الخد مكشوفاً قليل الشعر، وربما كان على خلاف ذلك، أعنى: أسفل اللحية قليل الشعر [اللحية قليل الشعر] والناحية العليا كثيرة الشعر. أما المنتوفو اللحى فليس يكونون صلعاً إلا شيئاً يسيراً.
والشعر يطول ويكثر فى [٦٩] بعض الأمراض، مثلما يعرض فى أصناف السل وعند الكبر؛ فأما شعر الموتى فإنه يكون أجسى بعدما كان ليناً. ومثل هذه الأعراض تعرض للأظفار.
وشعر الذين يفرطون فى الجماع ينتثر أكثر، أعنى الشعر الذى يكون من الولادة؛ فأما الشعر الذى ينبت آخراً فإنه ينبت لمثل هذا الصنف عاجلاً. فأما الذين يجامعون جماعاً معتدلاً، فليس يكونون صلعاً إلا شيئاً يسيراً. وبعض الناس يكونون صلعاً، فإذا تزوجوا نبتت أيضاً شعور رءوسهم. 〈والأشخاص الذين يصابون بتمدد الأوردة varice يكونون أقل عرضة للصلع، وإذا كانوا صلعاً حين يصيبهم هذا الداء، فأحياناً يعود إليهم شعورهم〉.
وليس ينشأ شىء من الشعر من الناحية التى 〈فيها〉 يقع أو ينقص، بل ينشأ وينبت من أصله حتى يعظم. فأما قشور أصناف السمك فإنها تكون أجسى وأغلظ بعد السفاد. فأما عند الكبر والهزال، فإن الشعر يكون أجسى. وإذا طعنت فى السن ذوات الأربع الأرجل فشعرها يكثر، وما كان له صوف فهو يكون أخصب وأكثر. ومثل هذا العرض يعرض للحوافر والأظلاف، أعنى العرض الذى يعرض للأظفار.
فأما ألوان ريش أصناف الطير فإنه ليس يتغير بقدر أسنانها، ما
ولون شعر بعض الحيوان يتغير بقدر تغير المياه التى يشرب منها، ولذلك
تكون ألوان الشعر فى مكان أبيض، وفى مكان آخر أسود. ومن المياه مياه
إذا شربت منها الأغنام ثم سفدت بعد شربها، تلد خرفاناً سوداً، مثل ما
يعرض فى البلدة التى تسمى باليونانية خلقيدقى فيما يلى تراقى 〈فى إقليم
اسورتيدى〉، فإنها إذا شربت من النهر الذى يسمى البارد، ثم
سفدت، تولدت بمثل ما وصفنا. وفى البلدة التى تسمى باليونانية [٧٠]
انطندريا Αντανδρια نهران: أحدهما يصير ألوان ما تولد من الغنم
ومن الحيوان ما ليس له شعر: لا فيما يلى خارج جسده، ولا فيما يلى باطنه. فأما الأرانب فهى كثيرة الشعر، وفى باطن أشداقها شعر، وتحت أرجلها. وليس للحيوان الذى يسمى باليونانية موس μυσ أسنان فى فيه، بل شعر شبيه بشعر الخنزير.
أما أطراف أجساد الحيوان الذى له شعر، فله شعر كثير فى مؤخر تلك الأطراف؛ فأما فى مقدمها، فلا، والشعر يطول وينشؤ من أصله إذا قطع، وليس من موضع القطع كما وصفنا فيما سلف؛ فأما الريش فإنه إذا قطع لا ينشأ ولا يزداد: لا من فوق، ولا من أسفل، بل يقع وينتثر. وإذا وقع جناح شىء من النحل لا ينبت، ولا شىء آخر مما له جناح 〈غير منقسم〉. وإذا ألقت النحلة حمتها لا تنبت، بل تموت النحلة.
وفى جميع أجساد الحيوان الدمى صفاقات. والصفاق شبيه بجلد رقيق صفيق. ومن الصفاقات صنف لا ينشق ولا يمتد. وفيما يلى كل عظم وكل عضو من أعضاء الجوف صفاق فيما عظم من الحيوان وما صغر 〈ولكن هذه الصفاقات غير مرئية فى الحيوانات الصغيرة بسبب شدة صغرها ودقتها〉 وأعظم الصفاقات التى فى الجسد الصفاقان اللذان فى الرأس. وأحدهما الذى يحيط بقحف الرأس وهو أقوى وأغلظ من الذى يحيط بالدماغ. وبعد هذين صفاق كبير، وهو الذى يلى القلب. وليس يلتئم صفاق مكشوف من اللحم؛ وإذا انكشفت العظام من الصفاقات تضرب ضرباناً وجيعاً مؤذياً.
وللثرب أيضاً صفاق. ولجميع الحيوان الدمى ثرب؛ وهو فى بعضها سمين كثير الشحم، وفى بعضها مهزول وليس عليه شىء من الشحم. وابتداء الثرب متعلق بوسط البطن فى الحيوان الذى يلد حيواناً وله أسنان فى الفكين جميعاً. وذلك التعليق شبيه بخياطة. فأما فى الحيوان الذى ليس له أسنان فى الفكين فهو متعلق بالبطن الأعظم كمثل.
والمثانة أيضاً شبيهة بصفاق، ولكن كأنها جنس آخر منفرد من أجناس الصفاقات لأنها تمتد جداً. 〈والمثانة لا توجد فى كل الحيوانات، بل فى بعضها〉. ولجميع الحيوان الذى يلد حيواناً [٧١] مثانة؛ فأما الحيوان الذى يبيض بيضاً فليس له مثانة، ما خلا السلحفاة. وإذا انقطعت المثانة لا تلتئم، إن لم يكن قطعها قريباً من أصل الذكر. وربما أصابها قطع فالتأمت، وذلك فى الفرط مرة. وقد عرض فيما سلف عرض مثل هذا. وليس تخرج رطوبة من مثانة الموتى. وربما اجتمعت فضلة يابسة فى مثانة الأحياء. ومن تلك الفضلة تكون الحصاة.
فهذه طبيعة العروق، والعصب، والجلد، والعضل، والصفاقات، والشعر، والأظلاف، والحوافر، والقرون، والأسنان، والمناقير، والعظام، والغضروف — وما يلائمها من الأعضاء.
وأما اللحم وما يلائمه فى الطبيعة، فإنه يكون فى جميع الحيوان الدمى
واللحم يقطع وينشق بالعرض والطول وبكل وجه من الوجوه، وليس ينشق بالطول فقط مثل العصب والعرق. فإذا هزلت أجساد الحيوان تذهب لحومها، ولا يظهر فيها شىء ما خلا العصب والعروق مع الجلد. وإذا خصبت أجسادها امتلأت شحماً. وإذا كثر لحم أجساد الحيوان تكون عروقها أضيق وأدق من غيرها، ويكون الدم الذى فيها أكثر حمرة وأجوافها أصغر. فإذا كانت العروق عظيمة، فإن الدم يكون شديد السواد، وجميع أعضاء الجوف إلى السواد ما هى، والبطون عظيمة، واللحم قليل. وإذا كانت البطون صغيرة، يكون اللحم كثير الشحم.
وفيما بين الثرب والشحم اختلاف، من قبل أن الثرب ينقصف
ويجمد إذا برد؛ فأما الشحم فهو يذوب ولا يجمد. وليس تجمد أمراق لحم
الحيوان السمين مثل الفرس والخنزير؛ فأما ما كان كثير الثرب فمرقه
فأما من أعضاء الجوف، فالكبد تكون كثيرة الشحم فى بعض الحيوان: كما يكون فى بعض أصناف السمك، أعنى الذى يسمى باليونانية سلاشى، فإن بعض الناس يذيبون أكبادها ويخرجون منها زيتاً كثيراً. فأما أجساد هذا الحيوان الذى وصفنا، فليس فيها شىء من الشحم مفترق: لا فى لحومها ولا فى بطونها. وثرب السمك مخلوط بشحم، ولذلك لا يجمد. ولحوم بطون السمك الذى يسمى سلاشى يظن أن ليس فيها شحم ألبتة، لأنه ليس فيها شحم مفترق وعلى حدته، وفى ثرب بعض أجناس السمك شحم مخلوط ولذلك لا يجمد. وهذا العرض فى جميع أجساد الحيوان مختلف، لأن شحم بعضها مختلط باللحم، فهو قليل الشحم فيما يلى البطن والثرب، مثل الانكليس، فله شحم ضئيل فيما يلى الثرب. وكثير من الحيوان يكون سميناً فيما يلى البطن، ولا سيما ما لم يكن منها كثير الحركة.
فأما دماغ الحيوان الذى له شحم فهو دسم، مثل الخنزير؛ وأما دماغ الحيوان الذى له ثرب فهو يابس جاف. وما يلى الكليتين كثير الشحم خاصةً أكثر مما يلى سائر جوف الحيوان. والكلية اليمنى تكون فى كل حين أقل شحماً من اليسرى وإن كانت الكليتان سمينتين جداً؛ وربما عرضت سدة للحيوان من قبل الشحم الذى يكون على 〈ما〉 بين الكلى، ولا سيما إذا كان الحيوان كثير الشحم من قبل الطباع، مثل الخروف: فإنه إذا تغطت كليتاه بالشحم من كل ناحية، يهلك ويموت. وإنما يكثر شحم كلى الحيوان من قبل جودة المرعى، مثلما يعرض فى 〈صقلية، بنواحى لينونتيوم〉؛ ولذلك يصرفون الأغنام من مراعيها سريعاً لكيما لا تنال منها أكثر من حاجتها.
وما يلى حدقة العين فى جميع الحيوان كثير الشحم؛ وإن كانت العين جاسية.
وجميع الحيوان الكثير الشحم قليل الزرع، الذكر منها والأنثى. وشحم جميع الحيوان يكون عند الكبر والطعن فى السن، ولاسيما إذا انتهى نشوء الطول والعرض وكانت 〈كل〉 زيادة من زيادة الجسد، ونموه فى العمق.
فأما الدم فهذه حاله: إن الدم شىء مشترك عام فى جميع الحيوان
الدمى، وهو مما [٧٣] يحتاج إليه باضطرار، وهو طباعى ليس بمستأنف
ولا عرضى، 〈بل جوهرى لها كلها طالما لم تتحطم〉. وكل دم يكون فى
أوعية، أعنى فى التى تسمى العروق، وليس يكون فى عضو آخر ما خلا
القلب فقط. وليس للدم حس إذا مسه أحد فى شىء من أجساد الحيوان،
كما ليس لفضلة البطن حس ولا للدماغ ولا للمخ إذا مس أحد شيئاً منها.
وحيثما قطع اللحم خرج منه دم إذا كان الجسد حياً، إن لم يكن ذلك اللحم
فاسداً من قبل مرض [أو] عرض له. ومذاقة الدم حلوة، من قبل طباعه
〈والمادة الشحمية لا تتعفن〉 وكل جسد دمى يتعفن عاجلاً، ولا سيما ما يلى العظام. وللإنسان دم نقى رقيق جداً؛ فأما دم الحيوان الذى يلد حيواناً فهو غليظ أسود جداً، وخاصة دم الثور والحمار. والدم الذى يكون فى أسافل الأجساد أغلظ وأشد سواداً من الذى يكون فى أعاليها.
والدم يضرب ضرباناً شبيهاً بضربات المجسة فى جميع عروق
الحيوان، وليس شىء من الرطوبات التى فى الجسد رطوبة تعم جميع جسد
الحيوان، ما خلا الدم فقط، فهو موجود فى الجسد فى كل حين ما دام حياً.
فأول ما يكون الدم فى جسد الصبى الذى يخلق فى الرحم إنما يخلق فى القلب، من قبل
أن يفصل جميع الجسد. وإذا عدم الجسد الدم، بلى وفسد، ولذلك
يموت كثير من [٧٤] الناس وغيرهم من الحيوان من إفراغ كثرة 〈من〉
وبين دم الإناث والذكورة اختلاف من قبل أن دم الإناث أغلظ وأكثر
سواداً إذا كانت حال الذكورة والإناث فى حال الصحة والجيل متفقة.
والدم يكون فى ظاهر أجساد الإناث قليلاً، وفى باطنها كثيراً. والنساء
أكثر دماً من جميع إناث الحيوان، ولذلك يعرض لهن الطمث أكثر مما يعرض
لسائر الحيوان. وإذا تغير دم الطمث من قبل عرض، يسمى «سيل دم»
وليس طمثاً لأنه يسيل فى كل جزء. ولذلك تكون أمراض النساء أقل من
والدم يختلف بالكثرة والمنظر بقدر اختلاف القرون (= الأعمار): فإنه يكون فى الأحداث رقيقاً مائياً وكثيراً، وفى أجساد المشيخة غليظاً أسود قليلاً؛ فأما فى الشباب فمعتدل. ودم المشيخة يجمد عاجلاً إذا كان فى الجسد وإذا خرج إلى الهواء؛ وليس دم الأحداث على مثل هذه الحال. وإنما يكون الدم مائياً إما لأنه لم ينضج بعد نضجاً بليغاً، 〈وإما〉 لأنه مفترق بذاته.
فأما المخ (= النخاع) فنصف حاله أيضاً لأنه واحد من الرطوبات التى تكون فى أجساد الحيوان الدمى. وينبغى أن يعلم أن جميع الرطوبات التى فى الأجساد من قبل الطباع تكون فى أوعية، مثلما يكون الدم فى [٧٥] العروق والمخ (= النخاع) فى العظام، وبعض الرطوبات تكون فى أوعية صفاقية فى جلد وبطون.
والمخ (= النخاع) يكون دمياً فى الأجساد الحديثة جداً. فأما فى الأجساد التى قد طعنت فى السن: فإنه يكون فيها مخ (=نخاع) إن كان الشحم غالباً على تلك الأجساد، فأما إن كان الثرب غالباً عليها، فهو يغلب على المخ (= النخاع) أيضاً. وليس فى جميع العظام مخ (= نخاع)، بل فيما كان منها عميقاً مجوفاً فقط. وربما لم يكن فى بعض العظام المجوفة مخ (= نخاع)، مثل عظام الأسد: فإنه ليس فيها مخ (= نخاع)، وفى بعض عظامه الرقيقة مخ (= نخاع) يسير، كما قلنا فيما سلف. والمخ (= النخاع) أيضاً فى عظام الخنازير قليل، وليس فى بعضها شىء منه ألبتة.
فهذه الرطوبات مولدة مع أجساد الحيوان، وهى فيها أبداً.
〈اللبن〉فأما الرطوبات التى تتولد فى أجسادها أخيراً فهى اللبن والمنى. واللبن مفترق على حدته إذا تولد فى الأجساد. فأما المنى، أعنى الزرع، فليس هو مفترقاً بذاته فى جميع أجساد الحيوان، بل فى بعضها، مثل أصناف السمك.
وجميع لبن الحيوان يكون فى الثديين، والثديان يكونان للحيوان الذى يلد
حيواناً فى جوفه، وخارجاً، مثل الحيوان 〈الذى〉 له شعر، أعنى الإنسان
والفرس، وغير ذلك من الحيوان الذى له أربع أرجل وما عظم من الحيوان
البحرى مثل الدلفين والذى يسمى باليونانية فوقينا Φωϰαινα وفالينا.
Φαλαινα،فإن لهذه الحيوانات 〈الثلاثة〉 ثديين ولبناً. وأما ما يبيض من
وفى كل لبن مائية رقيقة وجزء غليظ جسدانى، وهو الذى يسمى جبناً τνροσ، وكلما كان من الألبان أغلظ، يكون أكثر جبناً من غيره.
ولبن الحيوان الذى ليس له أسنان فى الفكين جميعاً يجمد؛ ولذلك يهيأ مما كان منه أنيساً جبن. فأما لبن الحيوان الذى له أسنان فى الفكين، فليس يجمد، كما لا يجمد شحمها. ولبنها رقيق حلو. ولبن اللقاح رقيق لطيف جداً أكثر من ألبان سائر الحيوان؛ وبعده لبن الخيل؛ وبعده لبن الأتن؛ فأما لبن البقر فغليظ جداً. وليس يجمد اللبن من البرد، بل يفترق منه كل ما كان [٧٦] مائياً ويبقى سائر ذلك غليظاً خاثراً، فأما من النار فاللبن يغلظ ويجمد. وليس يكون لبن فى شىء من أجساد الحيوان قبل الحبل ألبتة. فأما إذا حبلت فإنه يكون. وليس ينتفع بأول ذلك اللبن ولا بآخره. فأما إذا لم تحمل الأناث فربما وجد فى ثديها لبن، وذلك من قبل عشب يرعى منه، وإنما يعرض ذلك فى الفرط؛ وربما حبلت الإناث التى طعنت فى السن فخرج من ثديها لبن بقدر ما يرضعن صبياً.
وفى 〈نواحى اويتا〉 لا ينتظر أهلها حبل المعزى، بل يأخذون
وفى اللبن دسم، وهو الذى يظهر مثل زيت إذا جمد اللبن. وفى سقلية يخلطون لبن المعزى مع لبن الضأن. وليس يجمد اللبن الذى فيه جبن كثير فقط، بل ما كان منه يابساً أيضاً.
ولبعض الحيوان لبن كثير، أكثر مما يحتاج لرضاع الولد. وهو موافق لتهيئة الجبن منه، وخاصة لبن الضأن، ثم لبن البقر. وأما لبن الخيل ولبن الأتن فليسا بموافين لتهيئة الجبن. ومن لبن البقر يهيأ أكثر مما يهيأ من لبن المعزى قدر مرة ونصف.
وأما سائر الألبان فليست بموافقة لشىء من التجبين [٧٧] ولا سيما لبن الحيوان الذى له ثدى كثيرة، أعنى أكثر من اثنين، لأنها ليس بشىء منها كثرة لبن، ولا يمكن أن تهيأ منه جبن.
واللبن يجمد من الأنفحة وهى المسوة. و[من] لبن التين يجمع فى صوفة، ثم تغسل هذه الصوفة بلبن يسير، ويلقى هذا اللبن فى الباقى منه. فإذا مزج واختلط به جمد. والمسوة تجمد أيضاً، لأنها لبن، وإنما تكون فى بطون ما يرضع بعد من الحيوان.
والمسوة لبن فيه جبن يكون من حرارة الحيوان إذا نضج اللبن. وإنما تكون
المسوة فى جميع ما يجتر من الحيوان؛ فأما ما له أسنان فى الفكين جميعاً
فللأرنب مسوة فقط. والمسوة تكون كلما عتقت أجود وأبلغ، وهى موافقة
وإنما تكون كثرة المسوة بقدر كثرة ألبان الحيوان وعظم أجسادها واختلاف مراعيها. وفى البلدة التى تسمى باليونانية فاسيس Φασισ بقر صغار 〈يحلب〉 لبناً كثيراً؛ فأما فى البلدة التى تسمى ابيروس Ηπειροσ فإنه يكون بقر عظيم الجثة يحلب لبناً كثيراً، فكل بقرة تحلب قدر الكيل 〈المسمى أمفوريا αμΦορεα ونصفاً لكل زوج من الأثداء〉. والذى يحلبها يقوم قائماً بعد أن يطأطىء قليلاً، لأنه لا يطال الثديين وهو جالس. وجميع الحيوان الذى له أربع أرجل عظيم الجثة فى تلك البلدة ما خلا الحمار؛ فأما البقر والكلاب فعظيمة الجثث جداً. وإذا عظمت جثث الحيوان احتاجت إلى رعى أكثر، فتلك البلدة [اميروس] موافقة لها لخصبها وكثرة مراعيها. وفيها 〈ثيران〉 وأغنام عظيمة الجثث، تسمى باليونانية يريكا Πυρριϰα، من قبل اسم يروس الملك الذى اتخذها.
وينبغى لنا أن نعلم أن من الرعى ما يطفىء ويقل اللبن، مثل القت،
ولا سيما لبن الحيوان الذى يجتر. فأما ما يكثر اللبن ويغزره فمثل الكرسنة
والعشبة التى تسمى باليونانية قوطسوس ϰυτισοσ، ولكن ليست هذه
العشبة بموافقة لها إذا أزهرت، لأنها تكثر حرارتها؛ فأما الكرسنة فليس بموافق
لحوامل الأغنام، لأنها إذا اعتلفت منها عسر ولادها. — 〈وبالجملة فإن
ذوات الأربع التى تستطيع أن تأكل كثيراً تكون فى وضع ملائم للولاد،
وتعطى لبناً وفيراً إذا جاء رعيها〉. وبعض العلف الذى ينفخ يكثر اللبن،
مثل الباقلا، فإنه موافق 〈للنعجة〉 والمعزى والبقر 〈والعناق〉 مهيج
للضرع. وعلامة كثرة اللبن زول وميل [٧٨] الضرع إلى الأسفل
قبل الولاد. واللبن يبقى يحلب زماناً كثيراً ما لم تسفد الإناث وكان لها من
العلف ما يصلحها ويوافقها، والشاة خاصةً من بين جميع ذوات الأربع
الأرجل تحلب زماناً كثيراً، فإنها تحلب ثمانية أشهر. 〈وعلى العموم فإن
الحيوانات المجترة تعطى لبناً كثيراً ومن نوع جيد لتهيئة الجبن〉. فأما فيما
يلى البلدة التى تسمى باليونانية ترون Τορωνη فإنه يكون بقر يحلب السنة
ولجميع الحيوان الدمى زرع. وسنصف فيما يستأنف موافقة الزرع للولاد، وكيف يكون ذلك. — والإنسان خاصةً كثير الزرع. وزرع كل حيوان له شعر: لزج؛ فأما زرع غير ذلك من الحيوان فليس لزجاً. وزرع جميع الحيوان أبيض اللون، وقد كذب أرادوطوس [الحكيم] حيث زعم أن زرع السودان أسود.
وإذا خرج الزرع فهو من ساعته غليظ أبيض إن كان صحيحاً؛ فأما إذا
مكث قليلاً 〈فى الخارج، فإنه〉 يرق ويسواد. وإذا كان برد شديد فلا
يجمد، بل يكون رقيقاً جداً مائياً؛ فأما الحار فهو يجمد الزرع ويصيره خاثراً.
وإذا أزمن فى الحر يخرج وهو أغلظ وأخثر، وربما خرج وهو يابس متعقد.
وما كان منه موافقاً للولدان 〈إذا〉 ألقى فى إناء فيه ماء ينزل إلى أسفل
تم تفسير القول الثالث
وقد ذكر فيما سلف حال الحيوان الدمى ووصفنا جميع أعضائه العامية والخاصية [٧٩] التى لكل جنس من الأجناس، ولخصنا أيضاً أعضاءها التى أجزاؤها لا يشبه بعضها بعضاً، وكل ما كان منها فى ظاهر الجسد وكل ما كان منها فى باطنه. فأما حيننا هذا فإنا نصف حال الحيوان الذى ليس له دم.
فإنها أجناس مختلفة كثيرة: منها الجنس الذى يسمى باليونانية مالاقيا
(μαλαϰεεα) ومعناه: اللينة، وهو الجنس الذى ليس له دم، ولحمه
خارج، وما كان منه صلب 〈فهو〉 باطن، مثل جنس الحيوان الدمى الذى
ونحن نبدأ بصفة أعضاء الحيوان الذى يسمى باليونانية ملاقيا (μαλαϰεα)
فإن له من الأعضاء التى فى خارج جسده الرجلين والرأس وما كان بينهما،
وله جناحان. ورءوس هذا الصنف [٨٠] تكون فيما بين الرجلين
والبطنين. ولجميع الحيوان الذى من هذا الصنف ثمانى أرجل مفصلة بفصلين،
ما خلا جنساً واحداً وهو الجنس الذى يسمى الكثير الأرجل والجنس الذى
يسمى باليونانية سبيا والذى يسمى طويثيدس والذى يسمى طوثوى 〈إذ
تتميز〉 بشىء خاص ليس هو لغيرها، أعنى خرطومين طويلين أطرافهما
جاسية ولها فصلان: وبهما تأخذ طعمها وتذهب به إلى أفواهها؛ وإذا
كان الشتاء شديد البرد تلصق بالصخرة وتحرك تلك الخراطيم مثل المجاذيف.
وهى أيضاً تستعمل أرجلها مثل يدين ورجلين. وإنما تذهب بالطعم إلى أفواهها بالرجلين اللتين فوق أعينها؛ فأما رجلاها التى أطرافها حادة جداً فلونها إلى البياض ما هو، وأطرافها مشقوقة باثنين، وأصلها ناحية الفقار: وإنما يسمى «فقاراً»: الجزء الأملس منه، وبهذين الرجلين يشتد ويلتوى عند أوان سفادها.
وفى الناحية التى تعلو أرجلها عضو شبيه بأنبوب به تدفع الرطوبة التى تصل إلى أجوافها من البحر، وربما أمالت ذلك الأنبوب إلى الناحية اليسرى، وربما أمالته إلى الناحية اليمنى؛ ومن هذا العضو تلقى الذكورة زرعها.
وهى تسبح على الجنب، أعنى على العضو الذى يسمى «الرأس»، وتبسط أرجلها، ويعرض عند ذلك لها عرض لا يعرض لغير هذا الجنس من أجناس الحيوان، لأنها تكون ناظرة إلى ما بين أيديها من أجل أن أعينها فوق رءوسها وتكون أفواهها من خلف، وأما رءوسها ما دامت فى الحياة فهى جاسية كأنها منتفخة متورمة. وهى تقبض وتأخذ وتلدغ بأرجلها؛ والصفاق الذى بين رجليها ممتد؛ فإذا وقعت فى الرمل لا تقوى على ضبط شىء ألبتة.
وبين هذا الحيوان الكثير الأرجل وأجناس الحيوان الذى يسمى باليونانية
ملاقيا اختلاف، أعنى الأجناس الذى ذكرنا فيما سلف، من قبل أن صنف
وبعد رجليها خلقة رءوسها فيما بين الرجلين، وأفواهها فى رءوسها. وفى تلك الأفواه أسنان. وعلى تلك الأفواه عينان عظيمتان، وبينها غضروف صغير فيه دماغ قليل يسير، وفى أفواهها لحم يسير؛ وليس لشىء من الأصناف التى ذكرنا لسان، وإنما يستعمل ذلك اللحم مكان اللسان.
〈وبعد الرأس، خارجاً، يمكن رؤية جزء يشبه الجذع.〉 ولحم سائر جثة هذا الحيوان ينشق؛ وليس ينشق مستوياً بل مستديراً. ولجميع أصناف الحيوان الذى يسمى مالاقيا جلود تستر أجسادها.
فأما خلقة أجوافها فعلى مثل ما نصف: لها، بعد أفواهها، العضو الذى يسمى المرىء، طويل ضيق. وبعد ذلك المرىء حوصلة عظيمة مستديرة شبيهة بحوصلة الطير. وبعد الحوصلة: البطن، وشكله شكل ملتو متعرج. وبعد ذلك معىً دقيق آخذ إلى الفم، وهو أغلظ من رأس المعدة. وليس لشىء من أصناف الحيوان الذى يسمى مالاقيا شىء من الجوف غير ما وصفنا، ما خلا عضواً يسمى باليونانية مطيس (μυτισ)، وفيه يكون الزرع وهو كثير، ولا سيما فى الحيوان الذى يسمى سبيا. وإذا فزع شىء من هذه الأصناف ألقى ذلك الزرع فى الماء وعكره وغيره، وخاصة الحيوان [٨٢] الذى يسمى سبيا. فأما هذا العضو الذى يسمى مطيس فهو موضوع تحت الفم، وبعده يمتد فم المعدة. وحيث ينثنى المعى من أسفل ويمتد إلى فوق يكون زرعه محبساً فى صفاق. ومن مخرج واحد يخرج زرعه وفضلة طعمه. وفى أجسادها نبات شبيه بالشعر.
وفى باطن جسد الحيوان الذى يسمى سبيا وطوثيس والأصناف التى تشبهها
شىء صلب، وذلك فى مقادمه؛ ولذلك العضو الصلب اسم خاص له
وفيما بين الذكر والأنثى من هذا الصنف اختلاف: فإن للذكر سبيلاً تحت المعدة، يمتد من الدماغ إلى ناحية جسده السفلى، وامتداده شبيه بخلقة ثدى. فأما الأنثى فلها سبيلان فى الناحية العليا؛ وتحت هذه السبيل فى الذكورة والإناث أجساد حمر الألوان، وفيها يكون بيضها، وذلك البيض فى الناحية العليا التى تلى ما 〈هو〉 خارج. فأما الرطوبة، أعنى الزرع، فهى داخل، ولها لون واحد، وهى ملس بيض. فأما كثرة بيض هذا الحيوان فقد يكون بقدر ما يملأ إناءً أعظم من رأسه: فأما الحيوان الذى يسمى سبيا فله فى جوفه وعاءان مملوآن بيضاً شبيهاً بالبرد لشدة بياضها. فأما وضع وشكل جميع ما وصفنا فهو يعرف من شق أجسادها والنظر إليها.
وجميع ذكورة ما وصفنا من الحيوان مخالفة للإناث، ولا سيما الذى
يسمى سبيا، لأن مقاديم جثتها أشد سواداً من ظهورها؛ وأجساد الذكورة
وأجناس الحيوان الكثير الأرجل مختلف كثير العدة، ومنها الجنس
الذى يطفو على الماء، وهو أعظم أجناسها، ثم الجنس الذى لا يفارق قرب
الأرض 〈وهى أكبر بكثير من تلك التى تلازم عرض البحر!〉؛ وأجناس
أخر صغار كثيرة الاختلاف 〈فى ألوانها، وليست صالحة للأكل. وثم نوعان
آخران: أحدهما يشمل الاليدون، ويتميز بطول أقدامه وبكونه هو
وحده، من بين كل الرخويات، المزود بصف واحد من المفاصل (بينما سائر
الرخويات لها صفان من المفاصل)؛ والنوع الثانى يسمى أحياناً البوليتينا
(Βολεταενα) وأحياناً يسمى الازولس (οζολεο). وثم نوعان
آخران يعيشان فى المحار: أحدهما ما يسميه البعض باسم كويلس (ϰοελοσ)،
والبعض الآخر يسميه سومفويس (συμφυησ): ومحارته تشبه محارة
الصدف المشقوق pétoncle العادم النصف الآخر منه.〉 وهو يرعى
مراراً كثيرة فى قرب الأرض، ولذلك تلقيه وتدفعه الأمواج إلى البر
فهذا 〈هو〉 الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية مالاقيا.
فأما صنف الحيوان اللين الخزف فمنه جنس واحد، وهو الذى يسمى باليونانية قارابوى (ϰαραβοι)، وجنس آخر يسمى باليونانية أسطاقو (αεταϰο). وبين هذين الجنسين اختلاف، من قبل أن للجنس الواحد منها زنانيق وأنواعاً أخرى من أنواع الاختلاف ليست بكثيرة. ومنها صنف آخر يسمى الأربيان، وصنف آخر يسمى جنس السراطين.
وفى جنس الأربيان أجناس: منها الجنس الذى يسمى
وجميع هذه الأصناف التى وصفنا جاسية الجلود شبيهة بالخزف، خشنة الجلود؛ فأما لحومها فباطنة، وما يلى الناحية الخارجة من بطونها فمخلوطة من لين وجساوة، وفى تلك الناحية تبيض الإناث بيضها.
وأما الجنس الذى يسمى قارابوا فله عشرة أرجل: فى كل ناحية خمسة، مع التى تسمى زنانيق. وللجنس الذى يسمى «سرطاناً» خاصة: عشرة أرجل أيضاً مع الزنانيق. فأما جنس الأربيان الذى يسمى الأحدب فله اثنتا عشرة رجلاً: فى كل ناحية ست أرجل، والرجلان اللتان تليان الرأس حادتان جداً، وسائر الأرجل فيما يلى البطن وأطرافها عريضة، وبطونها شبيهة ببطون الحيوان الذى يسمى قارابوا.
فأما الجنس الذى يسمى باليونانية قرنجو (ϰραγγη) فعلى خلاف
ذلك، لأن له فيما يلى الرأس أربع أرجل فى كل ناحية؛ فأما سائر جسده
فمبسوط. ورجل جميع الأجناس التى وصفنا — تنثنى إلى الجوانب، مثل
أرجل الحيوان المحزز الجسد؛ فأما زناقا كل ما كان منها زناقتان
فهى تنثنى إلى داخل. وللحيوان الذى يسمى قارابوس (ϰαραβοσ)
ذنب أيضاً، وله خمسة أجنحة؛ وللأربيان الأحدب ذنب وأربعة أجنحة،
وللذى يسمى قرنجوا (ϰραγγη) أجنحة فيما يلى الذنب من كل ناحية،
فأما الوسط الذى بين رجليها فشبيه بشوك حاد، وهو فى هذا الصنف عريض؛
وفيما بين القرابوس الذكر والأنثى اختلاف، لأن الرجل الأولى من أرجل الأنثى مشقوقة باثنتين، وليست رجل الذكر بمشقوقة، والأجنحة التى فى ظهر الأنثى كبيرة وما يلى العنق منها فأصغر. وأيضاً أطراف أواخر رجلى الذكر منها عظيمة حادة، فأما أطراف أواخر رجلى الأنثى فصغار ملس. وللذكر منها والأنثى نقط قريباً من عينيها عظيمة خشنة، ولها قرون صغار تحت تلك النقط.
[٨٥] فأما عيون جميع ما وصفنا فجاسية صلبة تتحرك إلى داخل وإلى خارج وإلى الجوانب. وعيون كثير من السراطين كمثل، 〈بل وأكثر〉.
〈والحيوان〉 الذى يسمى اسطاقوس لونها إلى البياض
ما هو، مع سواد فيها شبيه بالبقع، ورجلاها السفلية التى بعد الرجلين
العظميين فعددها ثمانية، وبعدها الرجلان العظيمتان التى هى أعظم من
الأخرى جداً، وأطرافها أعرض من أطراف رجلى قرابوس (ϰαραβοσ)،
غير أنها مختلفة أيضاً، لأن الجزء العريض من طرف الرجل اليمنى إلى الطول
ما هو، مع دقة، وأما طرف الرجل اليسرى فغليظ مستدير. [٨٧]
وأطرافها مشقوقة مثل اللحيين، وفيها أسنان من فوق ومن أسفل. والأسنان
وهى تقبل ماء البحر بأفواهها ثم تلقيه إذا غلقت أفواهها قليلاً [٨٨] قليلاً. ولأصناف السراطين والقرابوى أعضاء فى أفواهها شبيهة بآذان (= بخياشيم branchies)، غير أنها كثيرة.
وهنالك شىء مشترك يكون فى جميعها: فلكل ما ذكرنا سنان، وخاصة لقرابوى وأفواها مخلوقة خلقة قريبة من خلقة اللحم، وهى تستعمل ذلك اللحم مكان اللسان. وبعد اللحم البطن لاصق بفم المعدة. فأما ما كان من صنف قرابوى فأفواه معدها صغار قبل بطونها، ومن البطن يخرج معىً وينتهى — فيما كان من أصناف قرابوى وأصناف القريدس — إلى المكان الذى منه تخرج الفضلة والمكان الذى فيه يبيض البيض. فأما السراطين [cancrides] فعلى بطونها أبواب تنفتح وتنغلق، وبيض إناثها يكون فى المعى، وذلك المعى يكون فى جميعها أقل وأكثر 〈ويسمى موطس أو ميقون〉.
وينبغى لنا أن نتفقد اختلاف جميع أصناف هذا الحيوان لكيما نعرف به ولا يكون مجهولاً. — ولقرابوى كما ذكرنا سنان عظيمان عميقان فيهما رطوبة من الرطوبات 〈الشبيهة بالموطس〉؛ وفيما بين السنين لحم شبيه بلسان. ولها بعد أفواهها مرىء قصير، وبطن يتلو ذلك المرىء، خلقته مثل صفاق، وفى أفواهها ثلاث أسنان أيضاً، منها سنان أحدهما يتلو الآخر، والواحد الباقى تحتهما مفترق منهما. ولهما تحت البطن معىً مبسوط مستوى الغلظ حتى ينتهى إلى موضع خروج الفضلة.
فكل ما ذكرنا من الأعضاء يكون فى جميع أجناس قرابوى وأصناف القريدس وأصناف السراطين لأن لها سنين كما ذكرنا فيما سلف.
ولقرابوى سبيل آخذ من الصدر إلى المكان الذى منه تخرج الفضلة، وفى ذلك السبيل يكون زرع الذكورة وبيض الأناث؛ وذلك السبيل يكون فى عمق اللحم والمعى يكون فى ناحية حدبة الجسد، فأما هذه السبيل ففى ناحية العمق، كمثل ما يكون فى الدواب التى لها أربع أرجل. وليس هذا السبيل مختلفاً فى الذكورة والإناث، لأنه فيهما جميعاً دقيق أبيض، وفيه رطوبة صفراء اللون؛ وابتداؤه من ناحية الصدر.
〈وهكذا الحال أيضاً فيما يتعلق بالبيضة والالتواءات عند القريدس.
وثم ميزة يتميز بها الذكر عن الأنثى، وذلك فى اللحم. ذلك أن للذكر
وأما الإناث فلها وعاء أحمر اللون ابتداؤه من ناحية البطن والمعى، ينتهى إلى الصفاق الدقيق الذى خلقته شبيهة بخلقة لحم، وفيه يكون البيض محتبساً.
فهذه صفة أعضاء الحيوان الذى ذكرنا فى باطن وظاهر أجسادها.
ويعرض للحيوان الدمى أن يكون لجميع أجوافها أسماء؛
وقد وصفنا فيما سلف أن لأجناس السراطين زناقين [pinces] ورجلين
وكيف خلقتهما. وينبغى أن نعلم أن الزناقة اليمنى أعظم وأقوى من اليسرى
أكثر من ذلك، وأن عيونها ناظرة إلى الجانب الواحد؛ وذلك فى أكثرها
معروف. فأما جثتها فليست بمفترقة ولا منفصلة ولا محدودة بأعضاء معروفة.
وعيون بعضها تكون فوق من ناحية واحدة فيما يلى مقدم أجسادها، وهى
مفترقة بعضها من بعض جداً. ومنها ما عيناه يقرب بعضها من بعض مثل
عينى السرطان الذى يسمى الهرقلية والتى تسمى مياس (μαιασ).
وتحت العينين تكون أفواهها، وفيها سنان 〈مثلما فى〉 قرابوى؛ وليست
هاتان السنان مدورتين، بل مستطيلتين، وعليهما بابان [lamelles]،
وبينهما عضو مثل العضو الذى لقرابوس. وهى تقبل الماء بأفواهها وتدفع
بتلك الأبواب الأماكن التى منها دخل الماء وتلك السبل التى تدفع منها الماء
تحت عينيها؛ وإذا قبلت الماء أغلقت أفواهها بهذين البابين ثم ألقت الماء
ودفعته. — وبعد الأسنان لها أفواه معد قصيرة جداً بقدر ما يظن الذى
يعاين أجوافها أنها ليس لها غير بطون فقط و [٩٠] بطونها مشقوقة باثنين.
ومن تلك البطون يخرج معىً مبسوط دقيق؛ وآخر هذا المعى ينتهى إلى
ناحية الأبواب كما وصفنا فيما سلف. ولها فيما بين الأغطية عضو مثل العضو
الذى لقرابوس، قريب من الأسنان. وفى داخل أجسادها رطوبة صفراء
فهذه حال صفة الحيوان البحرى اللين الخزف.
فأما الحيوان الجاسى الخزف، مثل الذى يسمى باليونانية قخليا κοΧλιαι
أو قخلو κοΧλοι، وجميع الأصناف التى تسمى بالعربية
«حلزون»، وجنس القنافذ — فإن الجزء الذى خلقته شبيهة بخلقة اللحم إذا كان
فيها فهو شبيه بالجزء الذى فى الحيوان اللين الخزف، لأن ذلك اللحم يكون فى
باطنها، والخزف يكون فى ظاهر أجسادها. وفى هذه الأصناف التى وصفنا
اختلاف وفصول كثيرة إذا قيست بعضها إلى بعض من قبل اختلاف خزفها
واللحم الذى فى باطنها، لأن منها صنفاً ليس فى باطنه لحم ألبتة، مثل القنفذ
البحرى؛ وفى باطن بعضها لحم. ورأس هذا الصنف ليس بظاهرة، بل
خفية مثل رءوس الحيوان الذى يسمى قخليا κοΧλιαι الذى يكون فى البر،
وأيضاً فى خزف الحيوان الذى ذكرنا اختلاف إذا قيس بعضه إلى بعض،
لأن بعضها أملس الخزف مثل الحيوان الذى يسمى سولناس σωληνεσ ومواس
μυεσ وقنخا، κογΧαι والحيوان الذى يسميه بعض الناس غلاقاس γαλακεσ
وبعضها غليظة خشنة الخزف مثل الحيوان الذى يسمى لمنسطريا
وأيضاً فى خزفها اختلاف من قبل الغلظ والدقة، وربما كان ذلك فى كل الخزف، وربما كان فى جزء من أجزائها، مثلما يعرض لشفاهها: فإن بعضها دقيقة الشفة مثل 〈بلح البحر moules، وبعضها غليظة الشفة〉 مثل الذى يسمى لمنسطريا λιμνοστρεα.
وأيضاً بعضها متحركة من أماكنها، مثل الحيوان الذى يسمى اقطيس κτεισ، ولذلك يزعم بعض الناس أنه يطير لأنه يزول ويخرج من الإناء الذى به يصاد مراراً شتى؛ وبعضها لا يتحرك ولا يزول من المكان الذى هو به لاصق مشتبك، مثل الحيوان الذى يسمى پنا πινναι. فأما جميع الحيوان الذى يسمى اسطرمبوس στρομβοσ فهو يتحرك ويمشى ويرمى إذا أرسل من المكان الذى يأوى فيه، مثل الذى يسمى لپاس λεπασ.
ويعرض لهذا الصنف ولسائر الحيوان البحرى الجاسى اللحم أن يكون
فهذه أصناف اختلاف الحيوان الجاسى. — فأما ما فى باطنها من الأعضاء
فهو متشابه بنوع من الأنواع، وخاصة فى جنس [٩٢] الاسطرمبوس —
وإنما اختلافها من قبل جثتها والأعراض التى تعرض لها. وليس فيما بين
الحيوان الذى له باب واحد أو بابان اختلاف، إلا شيئاً يسيراً. فأما
الاختلاف الذى بينه وبين الحيوان الذى لا يتحرك من مكانه فكثير. واختلاف
أعضاء أجوافها يكون من قبل أن بعضها أعظم وأبين وبعضها أعرض وأخفى،
وبعضها جاسية وبعضها لينة، وهى تختلف بسائر الأوصاف والأغراض
أيضاً، وذلك من قبل أن لجميع هذه الأصناف فى الناحية الخارجة من أفواه
الجوف لحماً صلباً جاسياً، وربما كان ذلك اللحم قليلاً، وربما كان كثيراً.
وفى وسط ذلك اللحم الرأس والقرنان، وهذه الأعضاء عظيمة فيما عظم منها
وصغيرة فيما صغر منها، ورءوسها جميعاً تخرجها خارجاً. فإذا فزعت
انقبضت وأدخلت رءوسها داخل الخزف. ولبعضها أسنان فى أفواهها، مثل
الذى يسمى باليونانية قخلياس κοΧλιασ فإن له أسناناً حادة صغاراً دقيقة.
ولبعضها خراطيم بها ترعى وتنال طعمها مثل الذباب وغيره، وتلك الخراطيم
فى خلقتها شبيهة بخلقة لسان. وللحيوان الذى يسمى باليونانية قيروقاس
فأما الحيوان الذى له باب وبابان فهو يشبه خلقة ما وصفنا بنوع، ويخالفه
بنوع آخر، من أجل أن له رأساً وقرنين وفماً والعضو الذى يشبه اللسان. ولكن
ليست هذه الأعضاء بينةً فيما صغر منها، بل فيما عظم، وليست هى بينة
فى الميت منها ولا فى الذى لا يتحرك. فأما العضو الذى يسمى باليونانية ميقون
μηκων فهو فيها جميعاً، ولكن ليس فى مكان واحد هو فهو، ولا
مساوى 〈فى الحجم〉، ولا بيناً بنوع واحد: وإنما يوجد فى الحيوان الذى
يسمى لپاس λεπασ فى ناحية الجسد السفلى، فى العمق؛ فأما فى التى لها
بابان فهو يوجد 〈عند مفصلة الخزفتين. — وفى كل هذا الحيوان زوائد
ذات شعر. شكلها مستدير〉 مثلما يكون فى الحيوان الذى يسمى اقطيس
κτεισ. والمكان الذى يكون فيه البيض، إذا كان له بيض، فإنه
يكون فى الناحية الواحدة من العضو المستدير، مثل [٩٤] ما تكون الرطوبة
البيضاء فى الحيوان قخلوس، فإن تلك الرطوبة فى ذلك الصنف موضوعة على
فأما الذى يسمى: «سرطاناً»، فهو بنوع من الأنواع مشترك عام فى
الحيوان البحرى اللين الخزف والجاسى الخزف، لأن جميع هذا الحيوان فى خلقة
طباعه شبيه بخلقة الحيوان الذى يسمى قرابوس، وهو يكون مفرداً بذاته
ويظهر ويغيب ويختفى فى الخزف مثل جميع الحيوان الذى جلده مثل الخزف،
ولذلك طباعه فيما بينهما مشترك. فأما منظره فهو — بقول مبسوط —
وخزف هذا الحيوان أملس أسود مستدير. فأما منظره فشبيه بمنظر الحيوان
الذى يسمى قيروقاس [κηρυξ] ولكن ليس العضو الذى يسمى ميقون
فأما القنافذ فليس لها لحم، وذلك خاص لها، أعنى عدم اللحم؛
ولكن فى بطونها أجزاء سود. — وللقنافذ أجناس كثيرة. ومنها جنس واحد
يؤكل، وهو الجنس الذى فيه شىء شبيه ببيض كثير فهو يؤكل؛ ويوجد
[٩٦] فيما صغر منها وما عظم، لأن ذلك البيض يكون فيها من صغرها.
وفيهما جنسان آخران لهما أسماء خاصة باليونانية 〈وهما: اسبتنجوس،
σπαταγγοσ، وبروسوس βρυσσοσ〉 وإنما يوجدان فى لج البحر، وهى
قليلة. وفيها جنس آخر عظيم الجثة وجنس صغير كثير الشوك، وشوكه جاس،
وهو يكون فى عمق البحر على بعد أذرع كثيرة، وهو الجنس الذى
يعالج به عسر البول. فأما فى البلدة التى تسمى باليونانية طرونى
Τορωνη فإنه يكون جنس قنافذ أبيض الخزف والشوك والبيض؛ وهذا
الجنس فى طول الجثة أطول وأعظم من سائر أجناس القنافذ؛ وليست شوكة هذا
الجنس عظيمة ولا قوية بل إلى اللين ما هى. فأما الأجزاء السود التى تكون بعد
الفم فهى فيه كثيرة، وهى لاصقة بعضها ببعض فيما يلى المسار الآخذ إلى
خارج. فأما فى الناحية التى تلى من داخل، فليست هى ملاصقة. والقنافذ
ولجميع أجناس القنافذ بيض، ولكن لبعضها بيض صغير جداً لا يؤكل.
ويعرض لبعض القنافذ أن تكون رءوسها وأفواهها فى الناحية السفلى. فأما
سبيل مخرج الفضلة ففى الناحية العليا. وهذا العرض يعرض لجميع الحيوان
الذى ينتسب إلى سطرمبوس στρομβοσ وللحيوان الذى يسمى لپاس
λεπασ، لأنها ترعى فى الناحية السفلى ولذلك أفواهها فى تلك الناحية. فأما
مخرج الفضلة ففى الناحية العليا، أعنى ظهر الخزف. وللقنفذ خمس أسنان عميقة
فى داخل فمه، وفيما بين تلك الأسنان جزء شبيه بلحم يستعمله مكان اللسان.
وبعد ذلك الجزء فم المعدة، ثم البطن مجزأ لخمسة أجزاء مملوءة فضلةً، وهى
تخرج تلك الفضلة من ثقب الخزف. وتحت البطن فى صفاق آخر 〈يوجد ما
يسمى بالبيض〉 وعددها مساو لعدد أجزاء بطونه لأنها خمسة. وفى الناحية العليا
تلك الأجزاء السود لاصقة بابتداء الأسنان، وهى أجزاء صغار لا تؤكل.
وهذه الأجزاء توجد فى كثير من الحيوان أو أجزاء تلائمها، مثلما يوجد فى
أجناس السلحفاة والضفادع والمنسوبة إلى سطرمبوس στρομροσ
وإلى فرنوس φρυνοσ وفى جميع الحيوان اللين الجسد. وإنما الاختلاف
〈فى〉 هذه الأجزاء من قبل اللون، ولأن بعضها لا يؤكل، وبعضها
يؤكل. — وجسم [٩٧] القنفذ متصل فى الناحية السفلى، فأما فى الناحية
فأما الحيوان الذى يسمى باليونانية طيثو τηθυα فطباعه كثير الفضل
أكثر من جميع الحيوان، وذلك لأن جميع جسده مخفى فى خزفه؛ فأما
خلقة خزفه فهى فيما بين خلقة الخزف والجلد، ولذلك يقطع كما يقطع الجلد
العظيم الجاسى. وخزفه لاصق بالصخور. وفى جسده سبيلان صغيران جداً،
ولذلك لا يعاينان إلا بعسر، وأحدهما بعيد من الآخر. وبذينك السبيلين
يقبل الرطوبة ويخرجها لأنه ليس له فضلة بينة مثل فضلة أصناف الحلزون،
ولبعضها التى تسمى ميقون. وإذا شقت أجوافها يوجد فيها أولاً صفاق
خلقته شبيهة بخلقة العصب حول الخزف، وفى هذا الصفاق يكون اللحم،
وليس يشبه لحمه شيئاً من لحوم سائر الحيوان البحرى. وذلك اللحم لاصق
بالصفاق والجلد من الناحية الواحدة، وهى فى تلك الناحية التى بها تلصق بالجلد
والصفاق أضيق، والصفاق ممتد من كلتا الناحيتين إلى السبيل التى 〈فى〉
خارج، أعنى التى فى الخزف، والسبيل التى بها يقبل هذا الحيوان الرطوبة
والتى منها يخرجها، وبواحد من هذين السبيلين يقبل الطعم؛ وأحد السبيلين
غليظ، والآخر دقيق. فأما 〈فى〉 داخل فعميق، وفى ذلك العمق تكون
وجنس الحيوان الذى يسمى باليونانية اقاليفى ακαληΦη جنس خاص أيضاً. وهو لاصق بالصخور، مثل بعض الحيوان الذى خزفه خشن شبيه بخزف الآنية، وربما أرسلت من الصخور. وليس لها خزف، بل جميع جسدها من خلقة شبيهة بخلقة لحم. وهذا الجنس يحس ويخطف إذا دنت منه اليد، ويلصق بالصخور برجليه مثل الحيوان الذى يسمى الكثير الأرجل [poulpe]، وربما يتورم وينتفخ جسده، إذا لصق بشىء. وفمه فى وسط جسده، وهو يرعى ويحيا من الصخور، لأنه يصيد ما يمر به من السمك الصغير ويأكل كل ما يمر به من الحيوان الذى يؤكل [٩٨]؛ ومنه جنس آخر يأكل القنافذ والحيوان الذى يسمى اقطيس ακτεισ. وليس يوجد فى جسده فضلة ألبتة؛ ولهذه الخصلة يشبه الشجر.
وفى هذا الجنس صنفان: أحدهما صغير الجثة وهو يؤكل، وصنف
فقد وصفنا حال الحيوان الذى يسمى باليونانية مالاقيا، والحيوان اللين الخزف، والحيوان الجاسى الخزف، وجميع الأعضاء التى فى ظاهر أجسادها وباطنها.
فأما حيننا هذا فإنا نريد أن نذكر ونصف حال الحيوان المحزز الجسد (= الحشرات)، فإن فى هذا الجنس أيضاً أصنافاً كثيرة، وليس لها اسم مشترك عام، مثل وصف الدبر والنحل. والدبر الأصفر، وما يشبه هذا الصنف، وأيضاً صنف الحيوان الذى لجناحيه غلاف مثل 〈الخنفساء والقربوس κακρβοσ والقفثريس κανθαρισ وما يشبهه〉.
وينبغى أن تعلم أن لجميع هذه الأصناف أعضاءً ثلاثة مشتركة: أعنى
الرأس، وما يلى البطن (= الجذع tronc)، والعضو الثالث الذى بينهما،
وجميع هذا الحيوان يحيا حيناً بعد أن يقطع جسده، إن لم يكن بارد الطبيعة جداً أو يبرد عاجلاً لحال صغر جثته. وقد عاينا مراراً شتى الدبر يقطع بأيدينا ويحيا حيناً، وذلك إذا قطع الرأس مع الصدر؛ فإما إن كان بغير صدر فليس يحيا. وكل ما كان طويل الجثة كثير الأرجل فهو يحيا إذا قطع حيناً وتتحرك القطعتان اللتان يقطع بهما، ويمشى ويحرك ذنبه ورأسه، مثل الحيوان الذى يسمى 〈أم〉 أربعة وأربعين (scolopendre).
ولجميع أصناف هذا الحيوان عينان، وليس لها آلة حس حيوان آخر
بينة ظاهرة ألبتة. ولبعضها عضو شبيه بلسان، مثل العضو الذى يكون للحيوان
الجاسى الخزف، ولجميعها عضو به يذوق ويجذب طعمه. وربما كان هذا
العضو فى بعضها ليناً، وربما كان جاسياً قوياً جداً، مثل ما يوجد فى الحيوان
الذى [٩٩] يسمى باليونانية فرفورا πορΦυρα. 〈وهذا العضو يكون فى
الصنف الذى يسمى ميوفس μυωπεσ والذى يسمى أوستروى οιστροι
قوياً جداً، وهذه ملاحظة تنتظم كل الحشرات〉. وهذا العضو يكون،
فى الصنف الذى ليس له حمة، لأنه يكون له مثل سلاح يقوى به على معاشه.
وليس يكون هذا العضو فى الحيوان الذى له أسنان، ما خلا أصنافاً يسيرة.
ولبعض الحيوان المحزز الجسد حمة، وربما كانت تلك الحمة فى باطنها مثل حمة الدبر 〈والنحل〉؛ وحمة بعضها خارجة ظاهرة مثل حمة العقرب. وينبغى أن يعلم أن جنس العقارب طويل الذنب؛ وللعقرب زناقتان [pinces]، وللحيوان الصغير الذى يكون فى المصاحف زناقتان أيضاً، لأن خلقته شبيهة بخلقة العقرب، وهو الحيوان الذى يسمى الأرضة.
ولما يطير من هذا الحيوان — مع سائر الأعضاء التى وصفنا — جناحان أيضاً: فمنها ما له جناحان فقط مثل الذباب، ومنها ما له أربعة أجنحة مثل النحل. وليس لشىء، مما له فى مؤخر جسده حمة، جناحان فقط، بل أربعة أجنحة، وأيضاً لبعضها غلاف تدخل فيه أجنحتها وتسترها مثل الدبر، وبعضها على خلاف ذلك مثل النحل. وليس لشىء من أجنحة هذا الصنف قصبة، مثل ما لسائر أجنحة الطير ولا يكون شىء منها مشقوقاً. ولبعضها فوق عينيها مثل شامات أو نقط، مثل التى تسمى أنفس ψυΧαι أى الفراش 〈والجعران καραβοι〉.
فأما ما ينزو منها إذا مشى فرجلاه اللتان فى مؤخره أعظم من الرجلين اللتين
فى مقدم جثته؛ ومنها ما إذا نزا ثنى رجليه إلى خلف، مثل انثناء رجلى
ومقدم جسد هذا الحيوان مخالف لمؤخره كخلاف مقدم ومؤخر سائر الحيوان. وأما خلقة جسده فليس هو خزفى ولا مثل اللحم الذى يكون فى داخل الخزف، بل فيما بينهما؛ ولذلك ليس لشىء من جسد هذا الصنف شوكة ولا عظم، لا يحيط به خزف، وإنما يسلم جسده لحال جساوته ولا يحتاج إلى شىء آخر يستره ويعضده. ولهذا الصنف جلد، غير أنه دقيق جداً.
فهذه أعضاء هذا الصنف من الحيوان، وعدتها مثل ما ذكرنا.
فأما داخل جسده من الأعضاء، فله بعد الفم معىً، وهو فى كثير منها مبسوط مستقيم حتى ينتهى إلى موضع خروج الفضلة؛ وذلك المعى فى قليل منها ملتو. وليس لشىء من هذا [١٠٠] الصنف جوف غير ما وصفنا من المعى، كما ليس لشىء من الحيوان الذى ليس له دم. ولبعضها بطن، وبعض البطن معى مبسوط ملتو، مثل معى الجراد.
فأما الذى يسمى باليونانية طاطقس [τεττιξ] وهو الذى يصوت
بالليل، فليس له فم مثل ما لسائر الحيوان، بل له عضو طويل شبيه بلسان
نابت عن رأسه، مثل ما لسائر الحيوان الذى حمته فى مقدم جثته. وليس
ذلك العضو بمشقوق ولهذه العلة يتغذى 〈بالندى〉، وليس فى بطنه فضلة
ألبتة. — وهذا الجنس أصناف كثيرة يخالف بعضها بعضاً فى العظم والصغر،
* * *
وفى البحر أيضاً أصناف حيوان لا يمكن أن تنسب إلى جنس معروف، لحال قلتها. وقد زعم بعض أهل التجربة من الصيادين أنهم عاينوا فى البحر حيواناً خلقته شبيهة بخلقة خشب وهو أسود مستدير الطول، مستوى الغلظ. وعاينوا أيضاً حيواناً شبيهاً بأفاعى حمراء اللون له أجنحة متتابعة كثيرة؛ وحيواناً آخر شبيهاً بذكر إنسان بالمنظر والعظم، غير أن له بدل الأنثيين جناحين (= زعنفتين) اثنين. 〈ويضيف هؤلاء الصيادون أنهم اصطادوه مرةً بطرف جهاز صيد مؤلف من عدة صنانير〉.
فهذه أعضاء جميع الحيوان التى فى ظاهر الأجساد وباطنها. وقد وصفنا كل ما كان منها عاماً مشتركاً، وما هو خاص لكل جنس من الأصناف.
فأما حال الحواس فإنا نصفه جيداً، حيننا هذا.
إن الحواس لا توجد فى جميع الحيوان على حال واحد، بل ربما كانت جميع الآلة فى بعض أجناسها، وربما لم تكن كلها بل قليل منها. وعدة الحواس خمس: أعنى البصر، والسمع، والمشمة، والمذاقة، واللمس. فينبغى لنا أن نعلم أن للإنسان وللحيوان المشاء الذى يلد حيواناً مثله ولجميع ما له دم ويلد حيواناً — جميع آلة الحواس، ما خلا المضرور منها مثل جنس الخلد، فإنه ليس لهذا الحيوان حس البصر، من أجل أنه ليس له عينان ظاهرتان؛ فأما إن سلخ جلد رأسه — وهو غليظ — فسيوجد فى مكان العينين شىء شبيه بخلقة العينين، غير أنه مضرور، لأن سواد هاتين وما يكون فى وسط السواد، أعنى الحدقة، وما حول ذلك، سمين كثير الشحم، وهو يكون، أقل ما يكون، فى وسط السواد، أعنى الحدقة، وما حول ذلك سمين كثير الشحم وهو يكون أقل مما يكون حول العينين الظاهرتين البينتين. وليس شىء مما وصفنا بظاهر خارج، لحال غلظ الجلد، وإنما ذلك لحال الضرورة التى تصيب هذا الحيوان فى أوان [١٠١] الولاد من قبل الطبيعة.. وينبغى أن تعلم أن من الدماغ يخرج سبيلان خلقتهما عصبية قوية. وهذان السبيلان ينتهيان إلى أصول العينين؛ وسبيل آخر أيضاً ينتهى إلى الأنياب فى الحيوان الذى له أنياب. — فأما سائر الحيوان فله حس به يعرف اختلاف الألوان، وحس به يعرف اختلاف الأصوات والدوى، وأيضاً حس المشمة والمذاقة. فأما الحس الخامس، وهو حس اللمس، فإنه موجود فى جميع أصناف الحيوان.
〈وفى بعض الحيوان تكون أعضاء الحس ظاهرة جداً، وإن كان ذلك
يصدق خصوصاً على العيون، ذلك أن مكان العيون محدد تماماً، وكذلك مكان
السمع: أقصد أن لبعض الحيوان آذاناً، بينما ليس للبعض الآخر غير فتحات
وهو بين أن أصناف السمك تحس بما تذوق، لأن كثيراً منها يستحب
شيئاً معروفاً من الطعم والرعى، وبه يصاد، 〈ولهذا يفضل الطعم المصنوع
من التونة thon أو من السمك السمين، مما يدل على أنه يحس بما يذوق من
الطعوم التى من هذا النوع〉. — وليس لشىء من أصناف
السمك آلة بينة لحس السمع ولا لحس المشمة. فأما ما يظن كثير من الناس أن
لها آلة حس المشمة من قبيل سبيل المنخر، فليس شىء من تلك السبل يصل إلى
الدماغ، بل بعضها سبل تخفى، وبعضها يصل إلى العضو الذى يسمى الآذان
(= الخياشيم). وهو بين أن أجناس الحيتان تشم وتسمع من قبل أنا
نعاينها تهرب من الأصوات والدوى العظيم وحركة مجاديف السفن؛ ولذلك
تصاد فى أعشبها بأيسر المؤونة، وإن كان الدوى الذى يصيبها من خارج
صغيراً ولكن هو يواقع سمعها مثل دوى ثقيل مفزع عظيم. وذلك يعرض
لجميع أصناف السمك، وهو بين من قبل صيد الدلافين: فإن الصيادين
إذا هموا بصيدها يحيطون بها ويضربون بأعواد ضرباً متتابعاً؛ فإذا سمعت
دوى ذلك الصوت، تهرب إلى الأرض فزعاً من ذلك الدوى وتصاد بأيسر
فهو بين من جميع ما وصفنا أن السمك يسمع. وبعض أهل التجربة
وحس 〈المشمة عند〉 السمك أيضاً على مثل ما وصفنا. وذلك بين من قبل أن كثيراً من أصناف السمك لا يدنو من الوعاء الذى به يصاد إن لم يكن جديداً حديثاً؛ فأما سائرها فلها حس 〈مشمة〉 ولكن دون حس غيرها، ولذلك يصاد أكثرها. ولكل جنس من أجناس السمك شىء خاص يصاد به، ولذلك يشمه ويعرفه ويهرب عنه. وبعض السمك يصاد بأشياء نتنة الريح، مثل ما يصاد الصنف الذى يسمى سلفى σαλπη بالزبل.
وأيضاً كثير من السمك يأوى فى الصخور. فإذا أراد الصيادون إخراجها،
يدلكون أفواه المغائر التى فى الصخور بأشياء مملوحة؛ فإذا شمت رائحتها
خرجت عاجلاً وصادوها. وبمثل هذا النوع يصاد الأنكليس أيضاً [١٠٣]
فإن الصيادين يضعون إناءً من آنية الفخار، التى كان فيها شىء مملوح، عند
فم المغارة؛ فإذا شمه الانكليس دخل فى ذلك الإناء. — ومن السمك ما
يستحب ريح الأشياء المحرقة المدخنة، ولذلك يسرع إليها إذا شمها؛
فقد أوضحنا الآن أن لأصناف هذا الحيوان جميع الحواس. — فأما سائر أجناس الحيوان فهى أربعة مفصلة: أعنى جنس الحيوان الذى يسمى باليونانية ملاقيا، واللين الخزف والذى خزفه جاس مثل خزف الفخار،وما كان محززاً. 〈ومن بين هذه الأجناس الأربعة نجد أن مالاقيا والذى حرفه جاس وما كان محززاً〉 فلها جميع الحواس أعنى حس البصر وحس السمع وحس المذاقة وسائر الحواس. فإن المحززة الأجساد تحس من بعد كبير 〈الروائح، ما كان منها بأجنحة أو بغير أجنحة: وهكذا يدرك النحل والنمل الصغير المسمى باليونانية κνιφ العسل على مسافة بعيدة〉 وليس يفعل ذلك إلا بحس ذلك وعلمه ما يطلب منه. وبعض هذه الأصناف يبيد ويهلك من رائحة الكبريت. فإن أخذ أحد شيئاً من كبريت [١٠٤] وصعتر جبلى ودقهما دقاً ناعماً وذرهما على حجر مأوى النمل، ترك عشه وانصرف عنه. وإن بخر أحد قرن أيل، يهرب عن المكان الذى يبخر فيه كثير من الأصناف التى ذكرنا وهى تهرب خاصةً إذا بخرت الميعة السائلة.
والحيوان الذى يسمى سبيا وقرابوى والصنف الكثير الأرجل فإنه يخدع ويصاد بهذا البخور. فأما الكثير الأرجل فإنه يستحب هذا البخور ويدخل فى الوعاء الذى به يصاد، ويقطع ولا يفارقه: فأما إن بخره أحد بالعقار الذى يسمى قونوزا κονυζα فهو يهرب من ساعته إذا شمه ويستبعد بعداً كبيراً.
وكل صنف من أصناف الحيوان يستحب غذاءً خاصياً ويطلبه
ويشتاق إليه. ولا يستحب جميع أصناف الحيوان مذاقة رطوبة واحدة. وذلك
بين من قبل النحل فإنه لا يجلس على شىء منتن ولا ردىء الطعم أو الرائحة،
وليس عندنا شىء ثابت بين فى بصر وسمع هذا الصنف. وقد زعموا
أن الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية سوليناس σωληνεσ يغيب فى
أسفل الجحر إذا أحس بصوت أو دوى وليس يخرج إلا شىء قليل من جثته
من الجحر الذى يأوى إليه، 〈إذا شعر بدنو الحديد〉. وإن أدنى أحد
إصبعه إلى الحيوان الذى يسمى أقطنيس κτενεσ غمض عينه من ساعته.
وإذا أراد الصيادون صيد الحيوان الذى يسمى نريتا νηρειτασ 〈لم
يتقدموا فى اتجاه الريح، إذا كان الصيد بواسطة الطعم و〉لزموا السكوت
واكتفوا بالغمز والإشارة — وليس يعرض ذلك إلا لأنه يشم ويسمع، فإن
تكلم أحد هرب. والقنفذ يسمع سمعاً ضعيفاً، أقل من سمع الحيوان الذى
جلده مثل خزف (testacés) ويسير على رجليه؛ فأما من الصنف الذى 〈لا〉
فهذه حال حواس جميع الحيوان. وأما حال صوت الحيوان فهو على ما نصف.
ينبغى أن يعلم أن الصوت غير الدوى. والكلام شىء آخر ثالث، غير
هذين. فليس يكون الصوت بشىء من الأعضاء، ما خلا الحنجرة. ولذلك
كل حيوان ليس له رئة لا يصوت، وإنما الكلام تفصيل الصوت. وذلك التفصيل
يكون باللسان. فما كان من حروف الكتاب التى لها أصوات فهو تصوت
بالصوت والحنجرة. فأما الحروف التى لا صوت لها فهى تصوت باللسان
وكل حيوان ليس له لسان مرسل لا يصوت ولا يتكلم.وإنما
يكون دوى الحيوان بالدوى الذى فى باطن جسده، وليس بالروح الذى 〈هو〉
خارج منه، لأنه لا يتنفس شىء من هذا الصنف، بل من هذا الصنف ما
يكون منه دوى فقط مثل النحل وكل ما يشبهه، ومنه ما يصوت صوتاً لذيذاً
مثل الحيوان الصغير الذى يشبه الجراد، وهو الذى يصر بالليل. ودوى
ما ذكرنا وصريره يكون بالصفاق تحت الحجاب فى مكان قطع جسده
فأما الحيوان الذى يسمى مالاقيا فليس يصوت، ولا يكون منه دوى
ألبتة، ولا شىء من [هذا] الحيوان البحرى اللين الخزف crustacés.
فأما أصناف السمك فليس يصوت من قبل أنه ليس لها رئة ولا حنجرة ولا
العرق الخشن (= القصبة الهوائية). وقد زعموا أن بعضها يصر ويصوت،
مثل الذى يسمى باليونانية لورا λυρα وخروميس Χρομισ والخنزير البرى
الذى يكون فى البلدة التى تسمى اخلوس يفعل مثل ذلك، وأيضاً الحيوان
الذى يسمى باليونانية خلقيس Χαλκισ وكوككس κοκυξ فجميع ما
ذكرنا يصوت فيما يظن، وبعضها يفعل ذلك بتلك الآذان (= الخياشيم)؛
لأن تلك الأماكن شبيهة بالشوك، وبعضها يصوت بالروح الذى فى باطن جسده
فيما يلى البطن، فإن فى جوف جميعها روحاً، فإذا دلكته وحركته كان منه
دوى. وبعض الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية [١٠٦] سلاشى يصر،
فيما يظن عنه، وليس لها صوت بين، بل شبيه بصرير، مثل الحيوان الذى
يسمى مشط κτενεσ، فإنه يتحرك وهو متوكىء على الماء ويصر؛
وخطاف البحر يفعل مثل ذلك إذا ارتفع عن الماء وطار لأن له أجنحة عراضاً
فأما الدلفين فإنه يصر. فإذا خرج إلى الهواء لم يفعل كفعل غيره مما وصفنا. وصريره شبيه بصوت لأن له رئةً والعرق الخشن (= القصبة الهوائية) ولكن ليس لسانه بمرسل ولا شفتاه موافقتين لتفصيل الصوت.
〈أصوات ذوات الأربع التى تبيض〉فأما الحيوان الذى له لسان ورئة وله أربع أرجل فإنه يصوت صوتاً ضعيفاً جداً. فأما ما كان منه يبيض، فإنه يصفر مثل الحيات، ومنها ما يصوت صوتاً دقيقاً ضعيفاً جداً مثل السلحفاة. فأما الضفدع فله لسان خاص لأن مقدم لسانه لاصق بفيه، مثل ألسن السمك. وهذا الطرف فى غيره من الحيوان مرسل. فأما ما يلى من لسانه فهو مرسل، كأنه شىء مطوى فى ذلك المكان. ومن أجل هذه العلة للضفدع صوت خاص ونقيق؛ وإنما يفعل ذلك إذا كان فى الماء فقط، ولا سيما ذكورة الضفادع تفعل ذلك إذا كان زمان السفاد فدعت الإناث إلى السفاد بأصوات معروفة. وينبغى أن يعلم أن لجميع الحيوان أصواتاً خاصة يدعو بها بعضها بعضاً عند السفاد، مثلما يفعل التيوس والخنازير والكباش. وأما الضفادع فإنها تكثر من التصويت إذا صيرت الفك الأسفل مستوياً بالماء، ومدت الفك الأعلى، ومن امتداد فكيها تضىء عيونها وتكون مثل سرج تسرج. وسفادها يكون ليلاً مراراً شتى.
〈أصوات الطيور〉
فأما أصناف الطير فهى تصوت؛ وما كان منها عريض اللسان عرضاً
وأما الحيوان الذى يلد حيواناً وله أربع أرجل فلكل واحد منها
صوت مخالف، وليس ينطق شىء منها، لأن الكلام خاص للإنسان فقط؛
ولكل ناطق صوت أيضاً، وليس ينطق كل ما له صوت. فأما الذين يكونون
صماً من ولادهم فهم أيضاً خرس، ولهم صوت وليس لهم كلام مفصل
ألبتة. فأما الصبيان فليس يضبطون ألسنتهم، كما لا يضبطون شيئاً آخر من
أعضائهم فى صباهم، ولذلك يقال إنهم نقص ليس لهم شىء من الكمال حتى
يستولى. ومن الصبيان من لا يقوى لسانه إلا بعد زمان كثير؛ ومنهم من
والصوت والكلام مختلف بعدد البلدان والأماكن. واختلاف الصوت يكون بالثقل والحدة؛ وأما بالصنف فليس يختلف شىء من صوت الحيوان المنسوب إلى جنس واحد. وربما كان الصنف الواحد من الحيوان مختلف التصويت، مثل الحجل: فإن بعضها ينقنق، وبعضها يصر. وبعض الفراخ الصغار من فراخ الطير لا يصوت بصوت الذى ولد، إن لم يشب ويغذى وهو معه، لأنه يتشبه بأصوات أخرى من أصوات الطير الذى يسمع. وقد ظهر مرةً الطير الذى يسمى باليونانية ايدون αηδων يعلم فرخ طير آخر، وذلك دليل على أن شكل الصوت ليس بمطبوع ولا المنطق، بل يمكن أن يكون الصوت والمنطق بقدر تعليم المعلمين. وأصوات الناس متشابهة، فأما النطق فمختلف ليس بمتفق. فأما الفيل فهو يصوت بفيه بغير منخره [١٠٨] وتصويته يكون مع ريح كثير، مثل الإنسان إذا أخرج النفس من جوفه بصوت جهير؛ فأما إذا صوت من ناحية منخره فصوته يكون مثل زمارة خشنة خفيفة.
فأما نوم وسهر الحيوان فعلى مثل هذه الحال:
نقول إن جميع الحيوان الدمى المشاء ينام ويسهر عند نومه. وذلك بين
من قبلأ الحس. وجميع ما له أشفار من الحيوان يغلقها عند نومه. وهو بين.
وبلغنا أن بعض الحيوان يحلم فى نومه، ليس الإنسان فقط بل الفرس والكلب
فأما نومها فنحن نزكيه بما نصف. وربما صيد السمك بغير أن يحس
بالصياد، ويؤخذ باليد أخذاً ويضرب ببعض آلة الصياد فيؤخذ من ساعته.
والسمك عند نومه يسكن جداً ولا يتحرك شىء من أعضائه أكثر من ذنبه
حركةً يسيرة. وإن تحرك شىء قريب من السمك النائم الساكن يتنبه ويهرب
ويكثر الحركة مثل المتنبه من نومه. وجميع ما وصفنا يصاد بأيسر المؤونة
لحال نومه. ونوم السمك يكون فى الليل أكثر منه بالنهار، ولذلك يضرب
بالآلة التى لها ثلاث أسنان ولا يتحرك. وكثير من السمك والحيوان البحرى ينام
على الأرض أو على الرمل أو على صخرة تكون فى العمق لأنه يختفى فيها و
[١٠٩] ربما نام فى بعض أحجار الصخور التى تكون فى الشط. فأما ما
عرض من هذه الأصناف فهو ينام فى الرمل ويعرف ذلك من قبل شكل الرمل
ويضرب بالحديد المضرس ويؤخذ. وبهذا النوع يصاد اللبراقس λαβραξ
والخروسفروس ΧρυδυΦρυσ والذى يسمى باليونانية قسطروس κεστρευσ
وكل ما يشبه هذا الصنف، لأنها تضرب بالحديد الذى له ثلاث أسنان وتؤخذ؛
ومراراً شتى يفعل به ذلك لحال نومه. ولو لا النوم لم يصد شىء من هذه
الأصناف بهذه الآلة. وأما الحيوان الذى يسمى باليونانية سلاشى σελαΧη
فربما ثقل نومه بقدر ما يؤخذ اليد. وأما الدلفين والحيوان العظيم الذى يسمى
باليونانية فلاينا Φαλαινα وكل ما له أنبوب αυποσ فى
جسده يتنفس به الهواء — فهو ينام وذلك الأنبوب بائن على الماء لأنه به يتنفس
وصنف السمك الذى يسمى باليونانية ملاقيا μαλακια ينام وكل ما كان لين الخزف — بقدر ما وصفنا.
فأما الحيوان البرى المحزز الجسد فهو ينام أيضاً: وذلك بين من النحل، فإنه يسكن ولا يصوت فى الليل ألبتة. وليس يفعل ذلك من قبل أنه لا يبصر، وإن كان بصر جميع الجاسى العينين ضعيفاً. وإن أدنى الإنسان سراجاً مسرجاً إلى النحل فى أوان الليل عاينه ساكناً لا يتحرك ألبتة.
والإنسان خاصةً يحلم من بين جميع الحيوان. وليس يحلم الصبى قبل أن يبلغ أربعة أعوام أو خمسة. وقد كان فيما سلف رجال ونساء لم يروا حلماً قط؛ وبعضهم رأى حلماً بعد أن طعن فى السن، يعرض بعده لجسده تغيير إلى الموت أو إلى مرض.
فهذه حال الحس، والنوم، والسهر.
فأما الذكر والأنثى فهما يكونان فى بعض الحيوان، ولا يكونان فى بعضها
بل يقال إنها تحبل وتلد بقدر 〈المشابهة مع〉 الحيوان الذى فيه ذكر وأنثى.
ومن الحيوان المخزز الجسد ومن السمك ما ليس فيه هذا الاختلاف ألبتة على الذكر والأنثى، مثل الأنكليس: فإنه ليس فيه ذكر ولا أنثى، ولا يتولد حيث يرون فى حمأة الماء حيواناً شبيهاً بشعر ودود، فيظنون أنه من ولاد الانكليس، وهم فى ذلك مخطئون، من قبل أنه ليس صنف من هذه الأصناف يلد حيواناً قبل أن يبيض بيضاً ولم يوجد شىء من الانكليس قط فيه بيض. وكل ما يبيض من الحيوان فبيضه لاصق بالرحم، وليس بالبطن. ولو كان البيض فى البطن لنضج وطحن كما ينضج الطعام الذى يكون فيه. فأما الاختلاف الذى يزعم بعض الناس أنه فى الانكليس بين الذكر والأنثى — من قبل أن رأس الذكر أعظم وأطول، ورأس الأنثى صغير — فليس هو كذلك، وإنما هو اختلاف الأجناس.
ومن السمك النهرى أصناف تسمى باليونانية 〈افترجيا επιταργια〉
وقبرينوس κυπρινοσ وبالاغروس βαλαγροσ — لا يوجد فيها بيض ولا
وبعضها مثل الحيوان الجاسى الجلد ومثل الشجر، لأن منها ما يلد من غير أن يكون فيها ذكر يسفد الأنثى، مثل جنس السمك الذى يسمى باليونانية بسيطا ψητια واروثرينوس ερυθρινοσ وخنيه Χαννη: فمما لا يبيض بيضاً.
وأما الحيوان المشاء الدمى فذكورته أعظم حثة وأطول عمراً أكثر من 〈الأنثى، باستثناء البغل فإن أنثاه تعيش أطول وحجمها أكبر من الذكر〉. فأما فى الحيوان الذى يبيض بيضاً أو يلد دوداً مثل بعض السمك والحيوان المحزز الجسد فالإناث أعظم من الذكورة، مثل الحيات والجراذين والضفادع والعنكبوت. وبعض أصناف السمك كمثل، أعنى الذى يسمى سلاشى الصغار وجميع التى تقوم جميعاً شبيهة برف، وجميع السمك الذى يأوى فى الصخور [١١١]. وهو بين أن الإناث أطول عمراً من الذكورة من أن الإناث تصاد وهى عتيقة جاسية اللحم أكثر من الذكورة.
ومقاديم أجساد الحيوان الذكورة أصلب وأقوى وأجود أضلاعاً؛ وما
يلى الناحية العليا منها أصلب من غيرها. فأما ما كان من الإناث فالناحية
السفلى والمؤخرة من أجسادهم أقوى وأكثر حلماً، وذلك يكون، كما
وصفنا، فى الناس وسائر الحيوان المشاء وجميع ما يلد حيواناً مثله. وأجساد
الإناث أضعف مفاصل وأقل أعضاء وأدق شعراً فى الصنف الذى له شعر،
فأما ما ليس له شعر فهو بقدر ملائمه، ذلك لأن الإناث أرطب لحماً من
فأما الصوت: فإن جميع الإناث أدق وأحد صوتاً من الذكورة، ما خلا جنس البقر، فإن صوت إناث البقر أثقل من صوت الذكورة.
فأما الأعضاء الموافقة للقوة من قبل الطباع، مثل الأسنان والأنياب والقرون والمخاليب وجميع ما يشبه هذا الصنف فهو يوجد فى الذكورة فى بعض الأجناس، وليس يوجد فى الإناث فإن الأيل الأنثى ليس لها قرون. وبعض أصناف الطير الذى له واحد بين المخاليب فى ساقيه يوجد فى الذكورة ولا يوجد فى الإناث ألبتة. وكذلك إناث الخنازير البرية، فإنه ليس لها أنياب. ومن الحيوان أصناف توجد فيها هذه الأعضاء، أعنى فى ذكورتها وإناثها؛ وربما كانت فى الإناث أقوى وأشد مما تكون فى الذكورة، مثل قرون الثيران فإن قرون إناث البقر أقوى من قرون الذكورة جداً.
تم تفسير القول الرابع
وقد وصفنا فيما سلف من قولنا حال جميع أعضاء الحيوان، وكل ما كان
منها ظاهراً وكل ما كان منها باطناً. ولخصنا حال الحواس والصوت والنوم. وبينا
حال الذكورة [١١٢] منها والإناث. فأما حيننا هذا فإنه ينبغى لنا
أن نذكر أصناف ولادها. ونبدأ من أولها، وننتهى إلى أواخرها، فإن
فى أصناف ولادها اختلافاً كثيراً: فبعضها شبيه بعض، وبعضها مخالف
لبعض، فإنا قد فصلنا أجناسها فيما سلف، ونروم أيضاً تفصيلها حيننا 〈هذا〉
بقدر ذلك الرأى. وإنما كان ابتداء قولنا فيما سلف من صفة أعضاء الإنسان؛
فأما حيننا هذا فإنا نصير إلى ذكر ولاد الإنسان فى الآخر. ونحن نبدأ أولاً
وينبغى لنا أن نعلم أن بعض الحيوان الذى له أربع أرجل يلد حيواناً. فأما الحيوان الذى له رجلان فقط فليس يلد منه شىء حيواناً، ما خلا الإنسان. وقد يعرض للحيوان مثل العرض الذى يعرض للشجر، فإن بعض الشجر ينبت من زرع شجر آخر، وبعضه ينبت من ذاته، وبعض الشجر يغذى من الأرض، وبعضه يكون فى شجر آخر ويغذى منه، كما قلنا فى الكتاب الذى وضعنا «فى الشجر». وكذلك يعرض للحيوان أيضاً، لأن بعضه يكون بقدر الجنس والشبه، وبعضه يتولد من ذاته وليس من جنس متقادم؛ وأيضاً بعضه يتولد من أرض عفنة ومن عفونة شجر، مثل كثير مما يعرض للحيوان المحزز الجسد؛ ومن الحيوان ما يتولد فى جوف حيوان آخر من قبل الفصول التى فى الأعضاء.
فأما الحيوان الذى يكون ولاده من حيوان آخر شبيه به، فهو يكون من
جماع وسفاد إذا كان فى ذلك الجنس الذكر والأنثى. وإنما ذكرت ذلك
لأن فى أجناس السمك أجناساً ليس فيها ذكر ولا أنثى، وهو بالجنس شبيه
وينبغى لنا أن نذكر أصناف ما يسفد من الحيوان، ثم نأخذ فى ذكر سائر ما وصفنا، ونبين الأعراض الخاصية والعامية التى تعرض لها.
فجميع الحيوان الذى فيه الذكر والأنثى يسفد؛ وسفاده مختلف. فلجميع الحيوان المشاء الدمى الذى يلد حيواناً أعضاء موافقة لولاد ما يولد منها. وليس يكون سفاد جميع هذا الحيوان بنوع واحد، بل بأنواع مختلفة: فإن ما يبول منها إلى خلف ينزو بنوع آخر، مثل الأسد والأرانب 〈واللنقوس〉، فأما الأرانب فربما ركبت الأنثى الذكر عند الجماع. وأكثر الحيوان ينزو بنوع واحد قدر ما يمكن. وكثير من الحيوان الذى له أربع أرجل ينزو إذا ركب الذكر الأنثى. وكذلك يسفد جميع أجناس الطير؛ وفى سفادها أيضاً اختلاف: لأن منها ما يسفد إذا جلست الأنثى على الأرض وصعد عليها الذكر، مثل 〈الحبارى ωτιδεο〉 والدجاج وما يشبه صنفها؛ ومن الطير ما يسفد وهو قائم مثل الغرانيق، لأن الأنثى لا تجلس [١١٤] للذكر، بل ينزو الذكر على الأنثى ويسفدها سفاداً سريعاً مثل العصافير.
فأما الدببة ]٥٤٠ أ] فهى تنزو وهى مضطجعة على الأرض؛ وأما القنافذ
البرية فإنها تسفد قائمةً وظهر الذكر لاصق بظهر الأنثى. فأما الحيوان الذى
فأما الحيوان الذى له أربع أرجل ويبيض بيضاً فهو يسفد مثل سفاد الحيوان الذى له أربع أرجل ويلد حيواناً، لأن الذكورة تركب الإناث كما يفعل الحيوان الذى يلد حيواناً مثل السلحفاة البرية والبحرية. ولها عضو خاص موافق لإلصاق السبيل به، وبذلك العضو يكون سفادها [١١٥] ودنو بعضها من بعض، مثل الحيوان البرى الذى يسمى فاختة، والضفادع، وكل جنس يشبه هذه الأجناس.
فأما الحيوان المديد الجثة الذى ليس له أرجل، مثل أصناف
الحيات والجنس الذى يسمى باليونانية أسمورينا [σμυραιναι]
فأما أصناف جميع السمك العريض الجثة الذى يسمى سلاشى فإنها يسفد
بعضها لبعض إذا صيرت الذكورة ظهورها قبالة ظهور الإناث. فأما
الأصناف العريضة الجثث المذنبة، مثل الذى يسمى باليونانية باتوس
[βατοσ] وأطروغون [τρυγων] وما يشبه هذا الصنف فإنها تسفد إذا ركبت
الإناث وصيرت الذكورة ظهورها على بطون الإناث إذا لم يمنعها من
ذلك شحم وغلظ الأذناب. وأما الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية
هريناى [ριναι] وما يشبه ذلك الصنف الذى ذنبه غليظ عظيم — فهو يسفد إذا
صيرت الذكورة ظهورها قبالة ظهور الإناث وسحقت بعضها سحقاً شديداً.
وقد ذكر بعض أهل الخبرة بحال الحيوان البحرى أنه عاين بعض هذه الأصناف
عند أوان سفادها، متعلقاً بعضها ببعض مثل الكلاب. وينبغى لنا أن نعلم أن
الأنثى فى جميع هذه الأصناف أعظم جثةً من الذكر، وأكثر ذلك يكون
إناث سائر أجناس السمك أعظم جسماً من الذكورة. فأما التى تسمى باليونانية
والدلافين وجميع السبع البحرى [κητωδη] يسفد على مثل هذه الحال ويمكث حيناً ولا يزمن زماناً كبيراً.
والاختلاط الذى بين الذكورة والإناث فى الحيوان البحرى الذى يسمى سلاشى (= سلاخيا) من قبل أن العضوين الموافقين للسفاد متعلقان قريباً من موضع خروج الفضلة. وليس يظهر فى إناثها شىء من هذين العضوين، مثلما يظهر فى الصنف الذى يسمى باليونانية غالايودس. [...............]. فإن هذين العضوين يظهران فى إناث هذا الصنف فقط.
وليس لشىء من أصناف السمك ولا لحيوان آخر من أصناف الحيوان التى ليس لها أرجل انثيان (= خصيتان)، بل لها سبيلان، مثل ما يظهر فى الحيات وذكورة السمك. والسبيلان يكونان مملوئين زرعاً فى أوان السفاد، وتخرج منهما رطوبة لينة. وهذان السبيلان ينضمان ويجتمعان إلى سبيل واحد كمثل ما يكون فى أصناف الطير: فإن أنثيى (= خصيتى) الطير فى باطنه، 〈وهكذا الحال فى〉 جميع سائر الحيوان الذى يبيض بيضاً وله أرجل. وذلك السبيل يمتد ويدخل فى عضو الإناث، أعنى المكان الذى به يقبل الزرع.
وفى جميع الحيوان الذى يلد حيوناً يوجد سبيل الزرع فيما يلى الناحية الخارجة واحدة هى فهى. فأما فى الناحية الباطنة فالسبيلان مختلفان كما قلنا فيما سلف، حيث ذكرنا حال اختلاف الأضلاع. وأما فى الحيوان الذى ليس له مثانة، فإن سبيل خروج الفضلة الرطبة واليابسة خارجاً يظهر واحداً هو فهو. فأما باطن السبيلين فأحدهما قريب من الآخر. وحال هذين السبيلين واحد فى ذكورها وإناثها، لأنه ليس لها مثانة، ما خلا السلحفاة، فإنه ليس للسلحفاة الأنثى غير سبيل واحد، وإن كان لها مثانة؛ وينبغى أن يعلم أن السحلفاة من الحيوان الذى يبيض بيضاً.
فأما سفاد السمك الذى يبيض بيضاً فليس هو بيناً جداً، ولذلك يظن
كثير من الناس أن الإناث تجمع زرع الذكورة فى أفواهها وتضعه فى بطونها.
وقد ظهر ذلك كائناً مراراً شتى، لأن الإناث تتبع الذكورة فى أوان السفاد وتفعل
ما ذكرنا، أعنى تأخذ الزرع بأفواهها [١١٧] وتضعه تحت بطونها. فأما فى
أوان الولادة فالذكورة تتبع الإناث وتبتلع البيض؛ ومن البيض الباقى يكون تولد
السمك. فأما فى ناحية الشام التى تسمى فونيقى Φοινικη فإن الصيادين يصيدون
بعض السمك ببعض، أعنى الذكورة بالإناث والإناث بالذكورة. ولأن ذلك
يظهر مراراً شتى يظن الذين يعاينونها أنها يسفد بعضها بعضاً. وربما فعل هذا
فأما إناث الحجل فإنها إن وقعت قبالة الذكورة، وكانت الريح تهب من ناحية الذكورة، 〈فإنها〉 تحبل مراراً شتى. وربما حملت من صوت الذكورة إن كانت هائجة إلى السفاد جداً. ومراراً شتى يكون ذلك من طيران الذكورة على الإناث إذا كانت الريح موافقة. وإذا كان أوان السفاد فالإناث والذكورة تفتح أفواهها وتخرج ألسنتها، لحال شدة شوقها إلى السفاد.
فأما السفاد الحقى الذى يكون للسمك الذى يبيض بيضاً فلم يظهر إلا فى الفرط مرةً لأنها إذا واقعت بعضها بعضاً، افترقت من ساعتها؛ وقد يظهر أن سفادها كان بقدر النوع الذى وصفنا.
فأما الحيوان البحرى الذى يسمى مالاقيا والذى يسمى سپيا [σηπιαι] وطوتيداس [τευϑιδεσ] وما كان منها كثر الأرجل [πολιποδεσ] فهى يدنو بعضها من بعض بقدر هذا النوع لأنها تضع أفواهها بعضاً على بعض، ثم تشتبك رجلاً بعضها على بعض وتسفد. وأما الحيوان الذى يسمى الكثير الأرجل فإنه يفعل ذلك إذا وضع العضو الذى يسمى الرأس على الأرض وبسط الأرجل وجاء آخر وصار عليه وشبكت رجلاه برجلى الآخر وصارت أفواه عروقها مطبقة بعضها على بعض.
وقد زعم بعض الناس أن لذكورتها شيئاً شبيهاً بذكر فى بعض رجليه،
وفيما يليه أفواه عروق عظيمة جداً، وأن ذلك الذكر فى خلقته شبيه بعصب ذى
فأما ما كان من الحيوان اللين الخزف مثل الذى يسمى باليونانية قرابوا [καραβοι] واستاقوى [αστακοι] وقريدس [καριδεσ] وما يشبه هذه الأصناف — فهى تسفد مثل سفاد الحيوان الذى له أربع أرجل، وهو يبول إلى خلف إذا صار أحدهما على ظهره وصير الآخر ذنبه 〈على ذنب الآخر〉. وإنما يكون سفادها فى ابتداء الربيع قريباً من الأرض (= الشاطىء) — وقد ظهر سفاد جميع هذه الأصناف؛ وفى بعض البلدان يكون سفادها إذا بدأ نضج التين. وبمثل هذا النوع يكون سفاد الحيوان الذى يسمى اسطاقوا [αστακοι] 〈وقريدس squilles καριδεσ〉.
فأما سفاد السراطين [καρκινοι] فهو يكون إذا ركبت مقاديم جثتها بعضها
فأما ما كان من الحيوان المحزز الجسد فإن الكذورة والإناث تجتمع من
خلف ثم يصعد الأصغر على الأعظم، أعنى بقولى: الأصغر:
الذكر — ثم تخرج الأنثى — التى تحت — عضو السفاد وتصيره فى عضو
الذكر الذى فوقها، وليس يدخل عضو الذكر فى عضو الأنثى كما يعرض فى
سائر الحيوان. [١١٩] وهذا العضو يظهر فى بعضها أعظم من ملائمة سائر
الجثة وإن كانت جثتها صغيرة جداً. وفى بعضها يظهر هذا العضو صغيراً.
وذلك بين لمن أراد أن يفرق ما بين الذباب الذى يسفد فليس يفترق إلا
بعسر، لأن سفاد هذه الأصناف يلبث حيناً كثيراً، وذلك بين فى الذباب
فسفاد جميع الحيوان كما وصفنا. وقرون (= أعمار) وأزمان سفاد جميع أصناف الحيوان محدودة معروفة: فسفاد كثير من الحيوان يكون عند خروج الشتاء ودخول الربيع، فإنها فى ذلك الأوان تهيج وتشتاق إلى السفاد. وبعض الحيوان يسفد ويلد فى الخريف والشتاء، مثل بعض أجناس الطير وما يأوى فى الماء. وأما الإنسان فهو يجامع فى كل حين. وكثير من الحيوان الذى يأوى مع الناس ويستأنس بهم — لحال الدفء والخصب، ولا سيما الحيوان الذى يحمل زماناً يسيراً مثل الخنزير والكلب وكل ما يلد مراراً شتى فى العام الواحد — 〈حالها كحال الإنسان〉. وكثير من الحيوان لا يسفد فى كل حين بل إذا تمت مؤونة جرائها، فهى تفعل ذلك بالأركان الطباعى. فأما الرجال فإنهم يشتاقون إلى كثرة الجماع فى الشتاء. فأما الإناث ففى الصيف. (٥٤٢ ب).
فأما أجناس الطير فهى تسفد فى أوان الربيع ومدخل الصيف. وفى ذلك
فأما الطير الذى يسمى باليونانية اتوا [αιθυια] ولاروس [λαροσ] وما يشبه هذه الأصناف فهى تبيض بيضها فى الصخور البحرية، وأكثر ما تبيض بيضتان أو ثلاث. فأما لاروس [λαρυσ] فهو يبيض فى الصيف، وأتوا يبيض فى ابتداء الربيع بعد زوال الشتاء ويجلس على بيضه كما يجلس سائر أصناف الطيور. 〈ولا واحد من هذه الطيور يبقى مستتراً〉.
وليس يظهر الطائر البحرى الذى يسمى القوون إلا فى الحين مرةً، وذلك فى أوان غيبوبة (= مغيب) الثريا 〈والانقلاب الشتوى〉. وإنما يظهر فى أماكن الموانىء والمراسى فقط، لأنه يطير حول المراكب ثم يغيب من ساعته، كما ذكر 〈استاسيخورس ΕτησιΧοροσ فقد وصف الالقوون بهذا الوصف〉. — والطير الذى يسمى باليونانية ايدون [αηδων] يبيض فى أول الصيف خمس بيضات أو ستاً؛ ويعشش فى أوان الربيع والخريف.
فأما الحيوان المحزز الجسد فهو يسفد فى الشتاء إذا كان زمان الهواء موافقاً،
وأيضاً أكثر السمك لا يبيض إلا مرة فى السنة〉 مثل الأصناف التى تسمى
باليونانية اخطوى [Χυτοι]〈 ويطلق هذا الاسم على تلك التى تصاد
بها فى الشبكة〉، وثنس [Φ ννοσ]، وبيلاموس [πηλαμυσ]، وقسطرويس
[κεοτρευσ]، وخلقيس [Χαλκιδεσ]، 〈وقولياى κολιαι〉 وخروميس
[Χρομισ] ويسيطا [ψηττα] وما يشبه هذه الأصناف، ما خلا اللبراقس
[λαβραξ]، فإنه وحده يبيض مرتين فى كل سنة، والبيض الذى يبيض فى المرة
الثانية يكون ضعيفاً. والصنف الذى يسمى باليونانية طرخياس [τριΧιασ]
وجميع الأصناف الصخرية كمثل. فأما الصنف الذى يسمى اطرغلا
[τριγλη] فهو يبيض ثلاث مرات فى كل عام، وإنما يذكر ذلك الناس
من قبل بيضه، فإنه يظهر فى بعض الأماكن ثلاث مرات فى كل سنة.
فأما العقرب البحرى فهو يبيض 〈مرتين فى السنة؛ والسرجوس σαργοσ
يبيض〉 مرةً فى الربيع ومرةً فى الخريف؛ فأما صنف السمك الذى يسمى
باليونانية سالبى [λαλπη] فهو يبيض فى الخريف. فأما 〈أنثى〉 صنف
السمك الذى يسمى ثونس ϑυννισ فهو يبيض أيضاً مرةً [١٢١] واحدةً؛
ولكن لأنه يبيض بعض بيضه قبل بعضه يظن الناس أنه يبيض مرتين، وأول
فأما من الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية سلاخى [σελαΧη] فليس يبيض منها شىء مرتين فى السنة ما خلا الذى يسمى رينى [ρινη] فإنه يبيض فى أول الخريف وإذا غابت الثريا، وهذا الصنف يكون فى الخريف أخصب وأسمن كثيراً. وإنما يبيض سبع بيضات أو ثمانياً. 〈وبعض كلاب البحر، مثل كلب البحر النجمى αστεριασ squalus stellaris〉 يبيض مرتين فى كل شهر، لأنها لا تبيض جميع بيضها معاً، ولا يكون تمام البيض معاً، بل بعضه يتقدم وبعضه يتأخر.
ومن الحيوان البحرى ما يبيض فى كل زمان، مثل الحيوان الذى يسمى
باليونانية اسمورينا [σμυραινα]، فإن إناث هذا الصنف يبيض بيضاً صغيراً
كثيراً، ثم ينشأ ويعظم عاجلاً، مثل بيض الحيوان الذى يسمى اپوروس
فنشوء بيض جميع أصناف سمك البحر يكون عاجلاً، ولا سيما السمك الصغير الذى يسمى باليونانية قوراقينوس [κορακινοσ]، وهو يبيض على الأرض فى الشط بين الصوف الأخضر الذى يكون فى الماء. وبيض السمك 〈الذى يسمى باليونانية اورفوس ορΦωσ〉 يعظم عاجلاً بعد صغر. فأما السمك الذى يسمى باليونانية بيلامودس πηλαμδεσ وثنو Φυννοι فهو يبيض فى الموضع الذى يقال له پنطوس ποντοσ، فأما فى مكان آخر، فلا. فأما السمك الذى يسمى خروسو فرويس [ΧρυσοΦρευσ] وقسطريس [κεστρεισ] ولبراقس [λαβρακεσ] فهو يبيض عند سيل الأنهار. فأما السمك الذى يسمى ارقوناس [ορκυνεσ] وسقورپيدس [σκορπιδεσ] وأجناس أخر مثلها كثيرة فهى تبيض فى لجج البحر.
〈ومعظم السمك يبيض〉 فى أوان الربيع [١٢٢]. فأما فى الخريف، فليس يبيض إلا القليل من السمك: مثل الذى يسمى باليونانية سالفى [σαλπη] وسرغوس [σαργοσ] وما يشبهها قبل استواء الليل والنهار الذى يكون فى الخريف، ونارقى [ναρκη] ورينى [ρινη] كمثل. وبعض السمك البحرى يبيض فى الشتاء والصيف، كما قلنا فيما سلف: أما فى الشتاء فالذى يسمى لابراقس [λαβραξ] وقسطرويس [κεστρευσ] وبالونى [βελονη]؛ فأما فى الصيف فالذى يسمى ثنو [φυννοι] فى الزوال الصيفى، وإنما يبيض شيئاً شبيهاً بمرود صغير يكون فيه بيض صغير كثير. والسمك الذى يسمى هروادس [ρυαδεσ] يبيض فى الصيف بيضاً صغيراً كثيراً.
وأما بعض السمك الذى يسمى باليونانية قسطروس [κεστρευσ] فهو يبيض فى الصيف، وهروادس يبيض فى الشتاء وبعضه فى الصيف؛ والقيغال [κεΦαλοσ] والذى يسمى سارغوس [σαργοσ] وسموقسون [σμυξων] كمثل، وهى تلبث تبيض ثلاثين يوماً. وبعض السمك الذى يسمى قسطروس [κεστρευσ] لا يكون بسفاد ولا جماع، بل يتولد من الحمأة والرمل.
وكما ذكرنا: كثير من السمك يحمل ويبيض فى الربيع، ومنها ما يبيض فى
والسمك الذى يسمى باليونانية مالاقيا يبيض فى الربيع، 〈والسپيا هى من أوائل〉 ما يبيض من السمك البحرى وهو يبيض فى كل زمان، ويكون تمام بيضه فى خمس عشرة ليلة. فإذا باضت الأنثى تتبع الذكر بيضها وينضح فيها من زرعه. فتكون صلبة. وإنما يعوم هذا الصنف (= السپيا) فى البحر أزواجاً أزواجاً؛ ولون الذكر كثير السواد فيما يلى ظهره، وهو مختلف [١٢٣] الألوان، فأما الأنثى فعلى خلاف ذلك.
فأما الحيوان البحرى الكثير الأرجل [πολυποσ] فهو يسفد فى الشتاء ويبيض
فى الربيع، وفى ذلك الأوان يعشش شهرين، ويبيض بيضةً صغيرة شبيهة
والصنف الذى يسمى بورفورا [πορΦυρα] 〈يتولد قرب الربيع〉، والحلزون [κηρυκεσ] يتولد فى آخر الشتاء ومدخل الربيع. وبقول عام: إن جميع الحيوان البحرى الذى جلده فى الجساوة شبيه بالخزف [οστρακοδερμα] يظهر فى الربيع وهو مملوء بيضاً ويظهر فى الخريف 〈كذلك〉 أيضاً، ما خلا القنافذ التى تؤكل: فإن تلك تظهر فى كل زمان، ولا سيما فى أيام امتلاء القمر وأيام الدفء، ما خلا الذى يكون فى الموضع الذى يسمى باليونانية پورا، فإن الذى يكون هناك لا يتولد إلا فى الشتاء. وهى صغيرة الجثة مملوءة بيضاً. والحيوان الذى يسمى باليونانية قخليا [κοΧλιαι] يتولد أيضاً فى كل زمان.
وأما الطير البرى فإنه يسفد ويبيض مرةً فى السنة كما قلنا فيما سلف.
وأما الخطاف فإنه يبيض مرتين. والطير الذى يسمى باليونانية قطوفوس
[κυττυψοσ] كمثل: فأما البيض الذى يبيض 〈هذا الطائر〉 أولاً فإنه يهلك
ويبيد من الشتاء، لأنه يتقدم ويبيض قبل جميع أصناف الطير، فأما البيض
الذى يبيض أخيراً فإنه يتم وتخرج فراخه. فأما ما كان من الطير الأنيس أو
الذى يمكن أن يستأنس فهو يبيض مراراً شتى مثل الحمام، فإنه يبيض فى
جميع الصيف، والدجاج كمثل؛ وإنما يكثر بيضها لحال كثرة سفادها، ما خلا
الزمان الذى يكون فيه الزوال الشتوى. وفى [١٢٤] الحمام أصناف
كثيرة. ومن تلك الأصناف الحمامة التى تسمى باليونانية پاليا [πελεια]
وهى فى الجثة أصغر من الحمامة 〈العادية〉. وليس يستأنس پاليا مثل
الحمامة، ولونها إلى السواد ما هو، ورجلاها خشنة حمراء، ولذلك لا
يتخذها أحد فى منزله. وفى الطير أصناف كثيرة شبيهة الحمام بالمنظر مثل
الدلم والفاختة والطرغلة، وأعظمها جثة الدلم، ثم الفاختة، وأصغرها
جثة الطرغلة. والحمام يبيض فى كل حين ويفرخ إذا كان المكان الذى يأوى
فيه دفيئاً وكان علفه تميداً وجميع ما يصلحه، وإذا لم يكن ذلك فهو يبيض فى
وينبغى لنا أن نعلم أن الزمان الذى يبدأ فيه الحيوان — مختلف، لأنه لا يكون خروج الزرع والولاد فى كل حيوان فى زمان واحد، بل فى أزمنة مختلفة. وما يولد من جميع الحيوان مختلف أيضاً بقدر اختلاف قرونها: فالزرع الأول الذى يخرج من الحيوان فى أول ما يهيج إلى الفساد لا يخرج منه شىء؛ فإن ولد منه شىء، فالولد أضعف جسداً وأصغر جثة. وذلك بين خاصةً فى الناس، والحيوان الذى له أربع أرجل ويلد حيواناً، وفى صنوف الطير أيضاً، لأن ولد الحيوان الذى يلد حيواناً يكون أصغر جثةً وأضعف، وبيض ما يبيض منه أصغر أيضاً. فأما قرون (= أعمار) الحيوان الذى يسفد فهى — أكثر ذلك — فى كل جنس متفقة، لأنه يكون فى زمان ووقت واحد إن لم يعرض لشىء منها عرض ما، مثل الأعاجيب التى تكون، وما يكون لحال (= بسبب) آفة وضرورة الطبيعة.
فخروج المنى يعرض لذكورة الناس عند تغيير الصوت، والمحاشى
فإنها تتغير ليس بالعظم فقط، بل بالشكل والمنظر أيضاً. وعلى مثل هذه الحال
يتغير ثدى الأناث ويكثر الشعر فى العانة. وإنما يكون ابتداء خروج الزرع
فأما صوت الإناث فهو أحد من صوت الذكورة فى كثير من الحيوان. وكل حدث أحد صوتاً من الذى طعن فى السن. وأصوات الأيلة الذكورة أجهر من أصوات الإناث. وإنما تكثر الذكورة التصويت فى أوان السفاد؛ فأما الإناث فإذا فزعت. وصوت الإناث ضعيف، وصوت الذكورة على خلاف ذلك. فأما الكلاب فإنها إذا طعنت فى السن يكون صوتها أجهر مما كان أولاً. وأصوات الخيل أيضاً مختلفة بقدر قرونها (= أعمارها)، لأن الإناث منها تصوت عند الولاد أصواتاً ضعيفة؛ والذكورة كمثل، غير أنها أعظم وأجهر من أصوات الإناث. فإذا شبت اشتدت أصواتها وصارت أعظم من غيرها. وإذا كانت للفرس الذكر سنتان وبدأ ينزو، يكون صوته عظيماً جهيراً؛ والأنثى كمثل، غير أن صوتها أصفى من صوت الذكر. والفرس يبقى عشرين عاماً أكثر ذلك. وبعد أن يجاوز هذا الزمان، يكون ضعيفاً، وذلك يعرض للإناث والذكورة.
فاختلاف أصواتها يكون كما وصفنا. وليس يعرض هذا الاختلاف لجميع
الحيوان على مثل هذه الحال، بل لبعضها، فأما لبعض 〈آخر〉 فعلى خلاف
ما ذكرنا، مثل ما يعرض للبقر فإن إناثها أجهر من الذكورة صوتاً، وخاصة
فأزمان سفاد أصناف الحيوان بقدر قرونها (= أعمارها) وهو على مثل هذه الحال. فأما الشاة والعنز فهى تنزو من سنتها، وخاصة العنز، لأن الذكورة تهيج إلى العنز فى ذلك الأوان. وفيما بين ما يولد من زرع التيوس وزرع سائر ذكور الحيوان اختلاف: لأن ما يولد منها أولاً أجود وأخصب [١٢٦] مما يولد أخيراً.
فأما الخنزير فإنه ينزو إذا تمت له ثمانية أشهر؛ والأنثى تضع إذا تمت لها سنة. وما يولد من زرع الذكر قبل أن يتم له سنة فهو ردىء ضعيف. وكمثل ما ذكرنا فيما سلف لا تعرض هذه الأعراض لقرون (= لأعمار) متفقة فى كل بلدة، لأن فى بعض البلدان الخنازير تنزو إذا تمت لها أربعة أشهر وتلد، وتربى إناثها جراءها إذا تمت لها ستة أشهر. وفى بعض البلدان تبدأ الخنازير تنزو إذا تم لها عشرة أشهر؛ وأجود ما يولد منها فى ذلك الأوان إلى أن يتم لها ثلاث سنين.
فأما الكلب فإنه ينزو إذا تمت له سنة. وربما عرض له ذلك إذا تمت ثمانية أشهر. وذكورة الكلاب تهيج إلى النزو قبل الإناث. والكلبة الأنثى تحمل واحداً وستين يوماً، أطول ما يكون من حملها. وليست تضع قبل أن يتم لحملها ستون يوماً ألبتة. وإن وضعت قبل هذا الوقت فليس يربى ولا يبقى. والأنثى تنزو أيضاً بعد وضعها ستة أشهر.
فأما الفرس فإنه يبدأ بالنزو إذا كان ابن سنتين ويولد منه، وإن كان ما
يولد منه فى ذلك الأوان أصغر جثةً وأضعف نفساً. وربما كان أول نزو لثلاثة
فأما الحمار فهو ينزو إذا كان ابن ثلاثين شهراً، وليس يولد منه شىء قبل أن يتم له ثلاث سنين أو سنتان وستة أشهر. وربما ولد منه ولد إذا كان ابن سنة وبقى الولد. فأما البقرة فربما وضعت وبقى وضعها. وإنما يكون ذلك فى الفرط.
فهذه أصناف أوائل نزو وولاد الحيوان.
فأما الإنسان فإنه يولد منه، آخر ما يولد، إذا كان ابن سبعين سنةً. فأما المرأة [١٢٧] فإذا كانت ابنة خمسين سنة يكون ذلك فى الفرط، لأنه لا يولد أولاد للذين طعنوا فى هذه القرون (= السن) إلا لقلة من الناس. فأما، أكثر ذلك، فإنه يولد آخر ما يولد للرجال، إذا كانوا فى خمس وستين سنة. فأما آخر ما يولد للنساء فإذا بلغن خمساً وأربعين.
فأما الشاة فهى تضع إلى أن تبلغ ثمانى سنين. وإن تعوهدت تعاهداً حسناً وضعت إلى أن يتم لها إحدى عشرة سنة. فهى تنزو وتضع جميع عمرها أكثر ذلك.
فأما التيوس فزرعها موافق للولاد. ولحمها ردىء لقلة
شحمه، ولذلك يسمى اليونانيون الكرم الذى لا يثمر ثمرة طيبة: تيوس. —
فأما الخنزير البرى فهو موافق للنزو حتى تمر به ثلاثة أعوام؛ فأما ما يولد من الخنازير التى طعنت فى السن فهو ردىء، لأنه يكون صغير الجثة ولا تكون له قوة. والخنزير عادةً ينزو إذا شبع ولم ينز على أنثى أخرى قبل ذلك الحين. فأما إن كان نزا على أنثى أخرى قبل، فإن الخنازير التى تولد من ذلك النزو تكون أقل عدداً وأصغر جسماً. — وإذا كانت الخنزيرة الأنثى بكراً، فهى تلد جراءً صغيرة الجثة؛ وإذا طعنت فى السن لا تلد إلا فى الفرط. وإذا بلغت الخنازير خمس عشرة سنة لا تلد، بل تكون بريئة (= عقيمة). فأما إذا أخصبت وسمنت فهى تهيج إلى النزو، إن كانت حدثة وإن طعنت فى السن؛ وإن سمنت الخنزيرة جداً 〈فإنها〉 إذا حملت يكون لبنها بعد الولاد قليلاً. وأجود جراء الخنازير ما يولد من شبابها. وفى ولادها اختلاف أيضاً بقدر الأزمان، فإن أجودها ما يولد فى أول الشتاء، وأردأها ما يولد فى الصيف لأنها تكون صغاراً مهازيل رطبة. فأما الخنزير فإنه إذا أخصب وسمن يقوى على النزو فى كل حين فى الليل والنهار، وخاصةً فى أوان الصبح. وكلما طعن فى السن ثقل وضعف نزوه كما قلنا فيما سلف. وربما لم تقو الخنازير على النزو عاجلاً، إما لحال السن وإما [١٢٨] لحال الضعف. فإذا كان ذلك، اضطجعت الأنثى واضطجع الذكر كمثل، ونزت الأنثى. والخنزيرة الأنثى تحمل خاصةً إذا هاجت للنزو وألقت أذنيها ونزت. فإن لم تحمل، هاجت أيضاً.
وأما الكلاب فليست تشتاق إلى النزو كل عمرها، بل إلى وقت معلوم
فأما الجمل فهو من الحيوان الذى يبول إلى خلف، وهو ينزو كما وصفنا فيما سلف. وزمان نزو الجمال فى شباط 〈فى جزيرة العرب〉. والإناث تحمل إثنى عشر شهراً، وتضع بكراً واحداً، لأنها من الحيوان الذى لا يضع إلا واحداً. والأنثى تنزو إذا بلغت ثلاث سنين، والذكر أيضاً ينزو إذا بلغ ذلك الوقت؛ ثم تقيم الأنثى سنة قبل أن تنزو.
فأما الفيل الأنثى فإنها تنزو إذا كانت شابة بنت عشر سنين. وآخر ما تنزو وتحمل إذا كانت ابنة خمس عشرة سنة. فأما الفيل الذكر فهو ينزو إذا كان ابن خمس أو ست سنين. وزمان نزوها الربيع. وإذا وضعت الفيل الأنثى لا تنزو أيضاً إلا بعد ثلاث سنين. وإذا حملت الأنثى لا يقربها ولا يمسها الذكر ألبتة. وهى تحمل سنتين، وتضع جرواً واحداً، لأنها من الحيوان الذى لا يلد إلا واحداً؛ وجروها يكون مثل عجل بقرة ابن شهرين أو ثلاثة.
فقد وصفنا حال نزو جميع الحيوان ولخصناه بقدر مبلغ رأينا. فأما حيننا (= الآن)، فينبغى لنا أن نأخذ فى صفة ولاد وكينونة الحيوان الذى يكون من سفاد، والذى لا يكون من سفاد؛ ونذكر أولاً حال الحيوان البحرى الذى جلده جاس مثل خزف: فإن جميع هذا الجنس لا يسفد ألبتة.
فالصنف الذى يسمى باليونانية برفورا [πορΦυραι] — وهو صنف من
أصناف الحلزون — يجتمع فى زمان الربيع فى موضع واحد ويهيىء شيئاً
شبيهاً بشهد، وليس فى الرقة مثله، بل هو مثل شىء جامد مبنى من قشور
بيض أو من حمص أبيض. وليس لشىء من هذا الصنف سبيل مفتوح،
ولا يكون الحيوان [١٢٩] الذى يسمى برفورا منه، بل ينبت نباتاً، مثل
سائر الحيوان الجاسى الخزف، من الحمأة والعفونة. وكذلك يتولد الحلزون
أيضاً، لأنه يهيىء شيئاً شبيهاً بالشهد الذى ذكرنا. 〈وهكذا فإن الجاسيات
الجلد التى تهيىء ذلك الشمع تتولد بنفس الطريقة التى تتولد بها سائر الجاسيات
الجلد، وإن جاءت بكميات أكبر فى الأماكن التى عاشت فيها أشباهها من
قبل〉. وإذا بدأت تهيىء ذلك الشىء الذى يسمى الشهد، تلقى لزوجة
مخاطية، ومنها يكون التقويم الذى يشبه خزف البيض؛ وإنما تهيىء وتلقى تلك
الرطوبة فى الأرض، وتتولد منها أولاد صغار، وربما صادها الصيادون قبل أن
تتم صورتها، وإن صادوها، قبل أن تلد، فى تلك الزنابيل 〈لا
وأجناس هذا الحيوان كثيرة، وبعضها عظيمة الجثة مثل التى تكون فى
البحر الذى يسمى سغيون [Σιγειον] ولقتون [Λεκτον]، ومنها صغار
الجثة مثل التى تكون فى أوربوس [Ευριποσ] وفى ناحية 〈شاطىء〉 كاريا
[Καρια]. وما يكون منها داخل البحر يكون عظيماً جسيماً. وزهر كثير منها
أسود اللون 〈والبعض الآخر أحمر الزهر صغير الحجم. وبعض البرفور
الكبير الحجم يزن مقدار منا〉. فأما ما كان منها فى الرمال وفى قرب
الصخور فهو صغير الجثة وزهره أحمر. 〈وما كان منها فى المياه الشمالية
فزهره أسود؛ وما كان〉 فيما يلى ناحية الجنوب 〈فهى〉 حمراء أكثر
ذلك. — وهى تصاد فى أوان الربيع إذا بدأت تهيىء الشمع الذى يشبه شمع
الشهد. وأما فى أوان طلوع الشعرى، فليست تصاد لأنها لا ترعى، بل تختبىء
وتعشش. فأما زهرها فهو فيما يلى العنق والعضو الذى يتلوه والتصاقها صفيق،
فأما الجثة فهى فى المنظر كصفاق أبيض، وهو يلقى ذلك الصفاق وإذا
عصره أحد تصبغ يده بتلك الزهرة. وفيه شىء ممتد شبيه بعروق، وهو فيما
بين بطن الزهرة؛ فأما سائر ذلك فهو يشبه الشهد. وإذا أخذ فى تهيئة الشمع
ومثل هذا العرض يعرض لأصناف الحلزون، ولجميعها أغطية من قبل الطباع؛ وللأصناف التى تسمى باليونانية أسطرومبودى [στρομβωδη]؛ وإنما يرعى جميع ما ذكرنا إذا خرج من تحت الغطاء العضو الذى يسمى «لساناً». وعظم لسان برفور أعظم من الإصبع الذى به يرعى؛ وبذلك اللسان يثقب خزف أصناف الحلزون.— وبرفور والحلزون يبقى قريباً من ست سنين؛ ونشوؤها الذى يكون فى كل عام بين من مثل الأبعاد التى بين الالتواء الذى فى الخزف.
والحيوان الذى يسمى باليونانية مواس [μυεσ] يهيىء أيضاً شيئاً شبيهاً بالبناء الذى يكون من الشمع.
وأما الحيوان الذى يسمى لمنوسطريا [λιμνοστρεα] فتقويمه يكون فى
وبقول كلى: جميع الحيوان البحرى الخشن الخزف يتولد من ذاته فى
الحمأة. وإنما يكون اختلافه بقدر اختلاف تلك الحمأة؛ ولذلك ما يتولد من
ذاته فى الحمأة لا يشبه ما يتولد فى الرمل والذى يتولد فى الحمأة يسمى
باليونانية اسطرا [οστρεα]؛ فأما الذى يتولد فى الرمل فهو يسمى قنخا [κογΧαι]
وما يشبه ذلك الصنف: فأما الذى فى شقوق وأحجار الصخور فهو يتولد
الحيوان الذى يسمى باليونانية طيثوا [τηθνκ] وبالانوا [βαλανσι] وما يطفو
الذى يسمى لپادس [λεπζεσ] ونيريطاى [νηρειται] وجميع [١٣١]
الأصناف التى وصفنا تنشأ نشوءاً سريعاً، وخاصةً برفورا [πορΦυραι]
واقطاناس [κτενεσ] فإنها تكون تامة كاملة فى سنة. وتتولد سراطين صغار
بيض فى داخل خزف الحيوان الجاسى الجلد مثل خزف، وخاصة فى الحيوان
الذى يسمى مواس [υεσ]؛ فأما فى الحيوان الذى يسمى پنيا [πιννκι]
فيتولد الذى يسمى پنوتير اى [πινντηραι]. وهى تكون أيضاً فى قطياس
فأما الحيوان الذى يسمى اسطريا [οστρεα] فيتولد كما وصفنا: فبعضه يكون فى لجج البحر، وبعضه فى الشط، وبعضه فى الأماكن الكثيرة الطين والحمأة؛ ومنه ما يتولد فى المواضع الرملية، ومنه ما يتولد فى الأماكن الجاسية الخشنة. ومنه ما ينتقل من موضعه، وما لا ينتقل من مكانه. ومن التى لا تنتقل من مكانها [مثل] الحيوان الذى يسمى بينا [πινναι]، لأن له شيئاً شبيهاً بأصول بها ينبت فى موضعه؛ فأما الذى يسمى سوليناس [σωληνεσ] وقنخا [κογΧαι] فهى تنبت فى مواضعها بغير أصول؛ وإذا فككت وحركت هذه الأصناف من أماكنها لا تحيا.
فأما الحيوان البحرى الذى يسمى نجماً [αστηρ] فهو حار الطبيعة جداً فإن ابتلع شيئاً من الحيوان الذى هو أصغر منه وأخرج من جوفه من ساعته يوجد مثل شىء قد طبخ مرتين. وقد زعموا أن فى البحر الذى يسمى پورا [πυρρα] يكون صنف من هذا الحيوان عظيم جداً ومنظره شبيه بمنظر نجم 〈مرسوم〉.
والحيوان البحرى الذى يسمى «رئة» يتولد من ذاته.
〈والأصداف التى يستعملها الرسامون تفوق فى السمك غيرها كثيراً〉؛
فأما الذى يسمى سرطاناً صغيراً فهو يتولد من الأرض والحمأة، ولذلك يدخل فى كل المواضع الخالية من خزف سائر الحيوان؛ وإذا شب ونشأ قليلاً ينتقل من ذلك الخزف إلى خزف أكبر منه، مثل خزف الحيوان الذى يسمى نيريطاى [νηρειται] واسطرمبوس [σρομβοσ] وما يشبهها؛ وهو يدخل أيضاً فى الحلزون الصغير ويبقى فيه ويغذى وينشأ. فإذا عظم انتقل إلى غيره وأعظم منه.
وكمثل ما تتولد أصناف الحيوان الخزفى، كذلك يتولد [١٣٢] الحيوان الذى ليس له خزف مثل الغمام، والذى يسمى قنيدا [κνιδαι]: فإنها تتولد فى شقوق الصخور.
والأقنيدا جنسان: فما يتولد منها فى المواضع العميقة لا يفارق تلك الصخور؛ فأما التى تتولد فى المواضع الملس التى لا عمق لها فهى تنتقل من أماكنها وترعى. والحيوان الذى يسمى ليبادس λεπαδεσ ينتقل من موضعه.
وفى أماكن الغمام — أى السفنج — يكون حيوان آخر يسمى پنوفولاكس πιννοΦυλακεσ، وهو حيوان صغير شبيه بعنكبوت. وهو فى تلك المواضع ثابت يفتح فاه قبل أن يصيد شيئاً من السمك، فإذا دخل فيه شىء منه أغلق فاه.
وفى الغمام ثلاثة أصناف: أما الصنف الواحد فسخيف متخلل، وأما الآخر فصفيق، والصنف الذى هو الثالث الذى يسمى اخليوس ΑΧιλλειον دقيق صفيق قوى جداً، ولذلك يضعونه تحت بيض الحديد وتحت ساقى الحديد. فإذا أصابت الحديدة ضربة سيف أو غير ذلك من آلة الحرب، لا يكون لها دوى ولا ضرر شديد. وهذا الصنف قليل جداً.
وجميع ما ذكرنا ينبت ويتولد فى الصخور أو فى الحجارة التى فى الشط. وهى ترعى فى الحمأة. والدليل على ذلك من قبل أنه إن أحس بالذى يريد أخذه ويريد قلعه من موضعه، يجتمع إلى ذاته ويكون قلعه عسراً جداً. وهو يفعل مثل هذا الفعل أيضاً إذا هبت ريح عاصفة وتموج البحر، لكيما لا يقع فى موضعه. ومن الناس من يشك فى ذلك مثل الذين يسكنون البلدة التى تسمى باليونانية طورونى Τορωνη.
ويكون فى هذا الغمام دود وغير ذلك. وإذا انتزع من مكانه يأكل السمك الصغير الذى يكون فى الصخور وما بقى من أصوله. وإن انشق جزء من ذلك الغمام ووقع، نبت أيضاً من الباقى مثله وامتلأ.
وأكثر الغمام يكون السخيف. وهو كثير فى ناحية البلدة التى تسمى لوقيا
وفى الغمام جنس آخر، وهو الذى يسمى «غير مغسول» لأنه لا يستطاع أن يغسل وسبله عظيمة، فأما غير السبيل من جثته فهو صفيق جداً. وإذا قطع يكون أكثر صفاقة ولزوجة من الغمام، ويوجد شبيهاً بخلقة رئة. وقد أقر جميع الناس أن لهذا الجنس حساً، وأنه يبقى زماناً كبيراً. وهو بين فى البحر، لأن بينه وبين الغمام فى اللون اختلافاً، من قبل أن الغمام أبيض اللون، إذا خليت عنه الحمأة، فأما هذا الجنس فهو أسود اللون.
فقد وصفنا حال مولد الغمام وسائر الحيوان الذى جلده فى الخشونة شبيه بالخزف.
فأما من الحيوان اللين الخزف والذى يسمى باليونانية قارابو καραβοι 〈فإنه〉 بعد سفاد يحمل، ويكون فيه بيض ثلاثة أشهر؛ ثم يبيض ذلك البيض وينشأ ويعظم مثل الدود. ومثل هذا العرض يعرض للذى يسمى مالاقيا والسمك الذى يبيض بيضاً، لأن بيض جميع ما ذكرنا ينشأ ويعظم عاجلاً.
وبيض الذى [١٣٤] يسمى قارابو سخيف، وهو مجزأ بثمانية أجزاء،
وشكله شبيه بشكل عنقود. وأعظم البيض لا يكون فى الناحية العليا، بل فى
الوسط؛ وأصغره يكون فى الناحية السفلى. وعظم البيض الصغير شبيه
بحب التين. وليس البيض موضوعاً فى آخر السبيل لاصقاً به، بل فى الوسط
بين كلتا الناحيتين التى بين الذنب والصدر، فإن بينهما بعدين؛ وكذلك خلقته
خلقة الأغطية من قبل الطباع، ولذلك لا يمكن أن تحبس الأغطية البيض الذى
فى الجوانب، بل يحبس ويغطى جميع ما فى الطرف. وإذا وضع هذا الصنف
البيض؛ يدفعه بعرض ذنبه إلى الناحية التى خلقتها من غضروف
ويثنى ويعصر ذلك البيض حتى يضعه. والناحية التى خلقتها من غضروف تنشأ
فى ذلك الأوان وتعظم بقدر ما تكون موافقةً لقبول البيض، لأنه من هناك
يكون خروج البيض، فأما الحيوان الذى يسمى سپيا σεπια فإنه يضع بيضه
فى موضع حمأة وقماش من أعواد وغير ذلك. فإذا وضعه هناك، جلس عليه
فأدفأه حتى يعظم 〈خلال〉 عشرين ليلة، ثم يصير مثل شىء مجتمع كبير
والحيوان الذى يسمى قارابو καραβοι يكون فى الأماكن الصخرية الخشنة. وأما الحيوان الذى يسمى اسطاقو αστακοι فهو يكون فى الأماكن الملس. وليس يكون شىء من هذين الصنفين فى الأماكن الكثيرة الطين. ولذلك يكون اسطاقو كثيراً فى البحر الذى يسمى باليونانية السبنطوس Ελλσποντοσ وفيما يلى ثاسوس θασοσ المدينة. فأما فى ناحية البحر الذى يسمى سغيون Σιγειον و〈جبل〉 أثوس Αθωσ فيكون قارابو كثيراً، وإنما يعرف الصيادون أماكنها من قبل المواضع الخشنة والتى فيها طين كثير وصخور وسائر العلامات التى تشبهها، وبها يستدلون [١٣٥] على مواضعها إذا كانوا فى لجج البحر وطلبوا صيدها. وهى تكون فى الشتاء والربيع قريباً من الأرض والشط. فأما فى الصيف فهى تكون فى اللجج، لأنها تطلب مرةً الدفء، ومرة أخرى البرد.
فأما الحيوان الذى يسمى أرقطوى αρκτοι فهو يضع فى مثل هذه الأزمان بيضه، ويكون مثل قارابوا، ولذلك يضع البيض فى الشتاء؛ وقبل أن يبيض البيض يكون طيب اللحم جداً؛ فإذا وضع بيضه يكون ردىء اللحم جداً. وهذا الصنف يسلخ جلده فى الربيع، كما تسلخ الحية جلدها؛ وهو يسلخ جلده إذا وضع من ساعته. والسراطين والذى يسمى قارابو καραβοι كمثل. وجميع أصناف قارابو كبيرة العمر.
فأما الحيوان الذى يسمى مالاقيا μαλακια فهو يكون من سفاد. وبيضه شديد البياض. وإذا 〈بقى〉 زماناً صار مثل بيض الحيوان الجاسى الجلد رخواً رقيقاً.
فأما الحيوان الذى يسمى كثير الأرجل πολυποδεσ فهو يبيض بيضاً فى
مجاز مأواه، أو فى إناء من خزف، أو فى شىء آخر عميق — 〈بيضاً〉 شبيهاً
بضفيرة، وتلك الضفيرة شبيهة ثمرة الحور، كما ذكرنا فيما سلف.
وذلك البيض يكون متعلقاً برأس العش إذا وضعته الأنثى. فأما كثرته فهو
يكون بقدر ما يملأ إناءً أكبر من رأس الأنثى التى تحمله كثيراً إذا
فهذه مواليد الحيات والحيوان المحزز الجسد ومواليد الحيوان الذى له أربعة أرجل والذى يبيض بيضاً.
〈والطيور كلها تبيض بيضاً〉. فأما أوان سفادها وزمان ولادها فهو فى
جميع ما وصفنا مختلف غير متشابه، لأن منها ما يسفد ويلد فى كل زمان
وكل وقت وأكثر [١٣٦] ذلك؛ مثل الدجاجة والحمامة: فإن الدجاجة تبيض
بيضاً فى السنة كلها، ما خلا شهرى الزوال فى الشتاء والصيف، وهما
دخول الشمس الجدى والسرطان. ومن الدجاج العظيم الجثة ما يبيض بيضاً
كثيراً قبل أن يجلس على بيضه ويفرخ. ومن الدجاج ما يبيض ستين بيضةً
وأكثر وأقل. والدجاج العظيم الجثة يبيض أكثر من الصغير الجثة. فأما الدجاج
ومن الدجاج الذى يرى فى المنازل ما يبيض مرتين فى اليوم. ومن الدجاج ما إذا باض بيضاً كثيراً، هلك عاجلاً لتلك العلة.
والدجاج يبيض على أصناف مختلفة كما وصفنا. فأما الحمام والفواخت والأطرغلة والحمام البرى فإنه يبيض بيضاً مرتين فى السنة. ولكن الحمام يبيض عشر مرات فى السنة.
وكثير من أجناس الطير يبيض ويفرخ فى أوان الربيع. ومنها ما يبيض بيضاً كثيراً، ومنها ما هو على خلاف ذلك. ومنها ما يبيض ويفرخ مراراً شتى، مثل الحمام؛ ومنها ما يبيض بيضاً متتابعاً مثل الدجاج. فأما جميع الطير المعقف المخاليب فهو يبيض بيضاً يسيراً، ما خلا الطير الذى يسمى باليونانية كنخريس κεγΧρισ، فإن هذا الطير فقط من أصناف المعقفة المخاليب يبيض مراراً شتى، وربما يبيض أربع بيضات، وهو يبيض أكثر من ذلك أيضاً.
وكثير من أصناف الطير يبيض فى العشش. فأما القبج والدراج فهو يبيض
أيضاً فيما بين الأعشاب ولا سيما فيما بين العشب الكثير الالتواء. وكذلك يفعل
فأما الهدهد فليس يسوى عشاً ظاهراً، بل يدخل فى أعماق وتجويف جذور الشجر ويبيض ويفرخ هناك، من غير أن يجمع من خارج ما يهيىء عشه. — فأما الطير الذى يسمى باليونانية قرقس κιρκυσ فإنه يبيض ويفرخ فى البيوت والصخور. — فأما الطير الذى يسمى باليونانية طاطرقس τετριξ — وهو الطير الذى يسميه أهل أثيناس ΑΦηναιοι «اوراجا» ουραγα فليس يبيض ولا يفرخ على الأرض ولا على الشجر العالى، بل على الشجر الذى يقرب من الأرض.
وبيض جميع أصناف الطير جاس صلب الجلد، إن كان من سفاد ولم تصبه آفة ولا ضرورة، فإنه ربما كان قشر البيض رخواً ليناً من قبل فساد وعرض يعرض له، مثل ما يظهر فى بيض 〈الدجاج أحياناً. وفى بيض〉 أصناف الطير لونان: أما الصفرة، أعنى المح فداخل، وأما البياض فخارج محدق بالمح. وبين بيض الطير الذى يأوى فى شاطىء الأنهار والنقائع، وبين بعض الطير الذى يأوى فى البرارى واليبس — اختلاف، من قبل أن الصفرة التى تكون فى داخل بيض الطير الذى يأوى فى قرب المياه أكثر من البياض مراراً شتى. وفيما بين ألوان أصناف بيض الطير اختلاف بقدر الاختلاف الذى بين الأجناس، من قبل أن من البيض ما يكون أبيض اللون، مثل بيض القبج والحمام؛ ومنه ما يكون تبنى اللون مثل لون بيض 〈الطير〉 الذى يأوى حول النقائع؛ ومن البيض ما يكون منقطاً بنقط سود، مثل بيض الطير الذى يسمى باليونانية مالاغرايداس μελεαγριδεσ وفاسيان Φασιανοσ فأما بيض الطير الذى يسمى باليونانية كنخريس κεγΧρισ فهو أحمر اللون مثل المغرة.
وفى البيض اختلاف أيضاً، من قبل أن منه ما يكون محدد الأطراف،
ومنه ما يكون عريض الأطراف. وإذا باض الطير بيضه يخرج أولاً الطرف
العريض. وينبغى أن يعلم أن ما كان من البيض مستطيلاً محدد الأطراف
يفرخ الإناث؛ فأما ما كان منه مستديراً عريض الأطراف فهو يفرخ الذكورة.
ومنى جميع أصناف الطير أبيض، مثل منى سائر الحيوان أيضاً. وإذا سفدت الأنثى يمسك المنى فوق عند صفاق الحجاب، ويظهر ذلك المنى أولاً أبيض صغيراً، ثم يظهر أحمر دمياً بعد ذلك، ويكون كل لونه تبنياً أشقر. وإذا غلظ، يفترق ويكون اللون التبنى داخلاً، واللون الأبيض خارجاً محدقاً بالتبنى. فإذا تمت خلقته ويخرج فى أوانه، يتغير من اللين إلى الجساوة. وهو يخرج ليس بجاس؛ فإذا خرج، جسا، إن لم تصبه آفة أو علة، وربما كان لون كل البيض تبنياً، مثلما يكون لون الفرخ الذى يخلق منه. وقد يظهر البيض على الحال التى وصفنا فى جوف الدجاج تحت صفاق الحجاب إذا شق فإنه يوجد لون جميع البياض تبنياً وإلى الصفرة ما هو.
وربما كان البيض من غير سفاد، وهو الذى يسمى بيض الريح. فأما
الذين يزعمون أن ذلك البيض إنما هو من بقية سفاد فهم كذبة: لأنه قد
ظهر من فراريج الدجاج ما باض بيضاً بغير سفاد؛ ومن صغار الوز أيضاً.
وإنما يكون ذلك البيض من قبل الريح. والبيض الذى يتولد من الريح أصغر
من الذى يتولد [يكون] من السفاد. وإن وضع البيض الذى يتولد من الريح
وإذا جلس الطير على البيض فى أوان الصيف تدفأ وتخرج منه الفراخ أسرع من دفئها وخروجها فى زمان الشتاء؛ ولذلك تجلس الدجاجة على البيض ثمانى عشرة ليلة فى الصيف وتخرج فراخها؛ فأما فى الشتاء فربما دفىء البيض وفرخ لتمام خمسة وعشرين يوماً.
وفيما بين أصناف الطير اختلاف أيضاً، من قبل أن بعضها أكثر إلحاحاً
فى الجلوس على البيض والدفء من غيرها. وإن عرض رعد فى الهواء إذا كان
الطير جالساً على البيض، فسد. وفساد البيض فى الصيف أكثر منه فى الشتاء،
ولا سيما إذا هبت رياح الجنوب. وقد سمى بعض الناس بيض الريح:
البيض الجنوبى، لأن أصناف الطير تقبل الريح فى أجوافها فى أوان الربيع فيما
يظهر. ويعرض مثل هذا العرض أيضاً إذا مست بالإصبع بنوع من الأنواع.
وربما فرخ البيض الذى يتولد من الريح إذا كان سفاد بعد تولده. وإذا كان
سفاد بعد تولد البيض أيضاً يتغير لونه التبنى ويكون إلى البياض ما هو. وإذا
سفد الطير من صنف آخر من أصناف الطيور، بعد أن يكون فى جوفه، يتغير
الفرخ الذى يكون منه ويصير شبيهاً بالطير 〈الذى سافد الأنثى آخر مرة. لكن
إذا تم الإخصاب الثانى أثناء الانتقال من التبنى إلى الأبيض، فلا يحدث أى
تغير: إذ لا يتحول بيض الريح إلى بيض مخصب، والبيض المتولد سابقاً لا
والأصفر والأبيض اللذان فى البيضة ذوا طبيعتين متقابلتين، ليس فقط فيما يتعلق باللون، بل وأيضاً من حيث الخصائص. فالأصفر يتخثر تحت تأثير البرد، بينما الأبيض، بدلاً من أن يتخثر، يميل بالأولى إلى أن يصير مائياً؛ وفى مقابل ذلك، فإن النار تخثر الأبيض، بينما الأصفر لا يتخثر بل يظل غير متماسك، إلا إذا نشط الاحتراق حتى النهاية؛ وكذلك الأصفر يكتسب مزيداً من القوام والصلابة حين يسلق أكثر منه حين يحمر. — ويفصل الأبيض عن الأصفر صفاق. والحبيبات الموجودة عند كل قطب من قطبى الأصفر لا تسهم فى تكوين الجنين، كما زعم ذلك بعض المؤلفين خطأ. وثم حبيبتان من هذا النوع، إحداهما فى أسفل، والأخرى فى أعلى. — وهاك ملاحظة أخرى بشأن الأبيض والأصفر وهى أننا إذا فصلناهما عن القشرة وصببنا كمية من الأصفر وكمية من الأبيض، وطبخناهما بنار هادئة، فإن الأصفر يتجمع كله حول المركز، بينما الأبيض يكون دائرة حوله〉.
وشباب إناث الطير يبيض بيضاً أكثر. وأول ما يبيض إناث الطيور من
البيض يكون أصغر، ثم يعظم عند النشوء حتى ينتهى إلى حد عظمه.—
وأيضاً إن لم تجلس إناث الطيور على البيض تمرض ويسوء حالها. وإذا سفد
الدجاج يقشعر وينتفض؛ ومنه ما يحمل شظية عود فى فمه مراراً شتى. يفعل
الدجاج مثل هذا الفعل إذا باض أيضاً. فأما الحمام فإنه ينقص ذنبه ويضمه إلى
داخل. فأما الوز فإنه إذا سفد يكثر السباحة فى الماء. — وكثير من أصناف
وإنما يختلط البيض بعد السفاد. و[١٤٠] من البيض يكون تولد الفراخ أيضاً — وذلك يكون فى أزمان مختلفة بقدر أجناس وعظم جثة الطير الذى يبيض ويفرخ. وبيض الدجاج يكون بعد السفاد؛ وتتم خلقته فى عشرة أيام أكثر ذلك. وأما بيض الحمام فهو يكون تاماً فى زمان أقل من زمان تمام بيض الدجاج. ويمكن أن تحبس الحمامة البيض فى جوفها، بعد الوقت الذى ينبغى أن تبيض فيه، لأنه إن أصابها أذى من وجه من الوجوه، أو من قبل عشها، أو نتف أحد ريشةً من ريشها، أو عرض لها وجع، فإنها حينئذ تحبس البيض فى جوفها ولا تبيضه أياماً.
ويعرض للحمام أيضاً شىء خاص بها فى أوان السفاد: أن يقبل بعضها بعضاً إذا أراد الذكر أن يعلو على الأنثى. وليس يكاد أن يسفد الذكر قبل أن يفعل ما ذكرنا، إلا بعد الكبر. فأما الشباب فليس يسفد قبل أن يقبل الأنثى، ثم يدع ذلك عند الكبر. وإناث الحمام يعلو بعضها بعضاً إذا لم يكن ذكر فى قربها. وليس يعلو بعضها بعضاً إلا بعد القبل، كما تفعل الذكورة. وليس يفضى بعضها فى بعض شيئاً، وهى تبيض بيضاً كثيراً ولا يكون من ذلك البيض فراخ، بل يكون مثل البيض الذى يتولد من الريح.
وتولد الفراخ من بيض جميع أصناف الطير يعرض بنوع واحد؛ ولكن فى زمان تمامها وكمالها اختلاف، كما قيل أولاً.
وفى بيض الدجاج تستبين أبداً خلقة الفراخ إذا مضت ثلاثة أيام وثلاث ليال، وذلك فى شباب الدجاج. فأما فى المسن منها ففى أيام وليال أكثر. وفى ذلك الوقت، توجد الصفرة فى الناحية العليا من البيضة عند أطراف المحدد، حيث يكون ابتداء البيضة، وحيث يكون أول نقرها وتقشيرها؛ والقلب يستبين فى بياض البيضة مثل نقطة من دم. وتلك النقطة، أعنى العلامة، تتحرك وتختلج وتنزو مثل ما يتحرك الشىء المتنفس. ومن تلك النقطة يخرج مجريان من عروق فيهما دم، ويأخذ إلى كل واحد من الصفاقات التى تحدق بالذى تولد. ويظهر صفاق فيه عروق دمية [١٤١] دقيقة مثل الشعر. وذلك الصفاق يحدق ببياض البيضة فى ذلك الوقت. وابتداء الصفاق من السبيلين المخلوقين من عروق. وبعد ذلك بزمان يسير، يفترق ويظهر الجسد، ويكون أولاً صغيراً جداً أبيض اللون. والرأس أيضاً يستبين والعينان أيضاً خاصةً منتفختان، وتبقيان على مثل تلك الحال أياماً، ثم يذهب انتفاخهما وينضم ويجتمع وتظهر صغاراً. وليس يظهر شىء من جزء الجسد الأسفل ألبتة، بل يظهر الجزء الأعلى أولاً من السبيلين الممتدين من القلب يأخذ الواحد إلى الصفاق المحدق بالفرخ؛ والآخر يأخذ إلى الصفرة، ويكون مثل سرة. فابتداء خلقة الفرخ يكون من البياض، وغذاؤه يكون من الصفرة، وإنما اغتذاؤه بالسرة.
وإذا تمت عشرة أيام، تكون خلقة كل الفرخ بينةً ظاهرة وجميع أعضاءه وأجزائه؛ ورأسه يكون أكبر من جسده إذا قيس إليه؛ وتظهر عينه فى رأسه وإن لم يكن فيها بصر بعد. وإن أخرجت العينان فى ذلك الزمان تظهر سوداء وأكبر من حب الباقلى. وإن سلخ الجلد يوجد فى داخل العينين رطوبة بيضاء باردة جداً، لها بصيص إذا وضعت قبالة ضوء الشمس، وليس يظهر فيها شىء صلب ألبتة. فهذه خلقة الرأس والعينين فى الزمان الذى ذكرنا.
وفى ذلك الأوان، يظهر جوف الفرخ أيضاً وما يلى البطن، وخلقة المعى
والعروق التى تظهر آخذةً من القلب إلى العين. ومن العين تخرج عروق، يأخذ
أحدها إلى الصفاق المحدق بالصفرة، والآخر إلى الصفاق المحدق بالبياض.
والصفرة فى ذلك الزمان رطبة أكثر من الرطوبة الطباعية. فأما العرق
الآخر فإنه يأخذ إلى الصفاق المحيط بكل الفرخ، أعنى الصفاق الذى يكون فيه
الفرخ، ويحدق بصفاق الصفرة وبالرطوبة التى بينها. وإذا نشأ الفرخ،
يكون بعض الصفرة فوق، وبعضها أسفل، وذلك رويداً رويداً، ويكون
البياض فى الوسط، أو تكون فى الوسط رطوبة، ويكون فى الناحية السفلى
بياض 〈البيضة〉 [١٤٢] مثل ما كان أولاً. فإذا أتم الفرخ عشرة أيام،
يكون البياض آخر ما فى البيضة، وبعد ذلك يقل، ويكون لزجاً غليظاً إلى
اللون التبنى ما هو. وكل واحد منها ممتد بالوضع بقدر ما وصفنا ولخصنا:
فيكون الصفاق الذى تحت صفاق قشر البيضة أولاً وآخراً، وليس الصفاق
اللاصق بالقشر. وفى هذا الصفاق تكون رطوبة بيضاء، ومنها الفرخ،
والصفاق الذى يحدق به لأنه يفرق بينه وبين الرطوبة، لكيلا يكون الفرخ
وإذا صار الفرخ من عشرين يوماً، ينبض إن حركه أحد؛ ويكون أزب الريش، إن كسر البيضة بعد تمام العشرين يوماً. ويوجد رأس الفرخ تحت الصفاق الأيمن على جانب مراق البطن، والجناح فوق الرأس. وفى هذا الزمان يظهر الصفاق المحدق بالرطوبة موضوعاً بعد الصفاق الآخر اللاصق بقشر البيضة، وهو الصفاق الذى إحدى العينين ممتدة إليه، والفرخ يكون فى آخره، ويظهر الصفاق الآخر المحيط بالرطوبة محيطاً بالصفرة التى كانت تمتد إليها العين الأخرى، وابتداء الصفاقين من القلب ومن العرق الأعظم. وفى هذا الوقت تكون السرة الخارجة التى تمتد إلى المشيمة مرسلةً عن الفرخ، لأنه يقع وينضم إلى الفرخ؛ فأما الصفاق الآخذ إلى الصفرة فهو متعلق بالفرخ لاصق بالمعى الداخل الدقيق. وفى هذا الوقت توجد فضلة صفراء فى بطن الفرخ، ويخرج منه بعض تلك الفضلة ويصير فى الصفاق الخارج، وبعضها يبقى فى البطن. والفضلة التى تبقى خارجاً وداخلاً تكون [١٤٣] بيضاء، وفى الآخرة تقل الصفراء حتى تفنى وتذهب ألبتة، وتكون محتبسةً فى داخل الفرخ. وإن نقر أحد البيضة وفتحها فى اليوم العاشر وشق ما يلى المعى، سيجد فى السرة جزءاً يسيراً من الصفرة، ويجد ناحية من الصفرة مرسلة، ولا يكون فيما بينها وبين الفرخ شىء، بل يجد الصفرة كأنها مستمرة لاصقة بالفرخ. وفى الوقت الذى ذكرنا أولاً يكون الفرخ شبيهاً بالنائم، غير أنه يتحرك وينبض، والقلب يختلج ويتحرك وينتفخ مع السرة، كما يفعل المتنفس.
فخلقة وولاد الفرخ فى داخل البيضة يكون على مثل هذه الحال.
والدجاج يبيض بعض البيض ضعيفاً، وربما عرض ذلك للبيض الذى يكون من السفاد. وإذا جلست الدجاجة على ذلك البيض الضعيف لا يكون منه فرخ ألبتة. فأما ما ذكرنا حيننا هذا من حال البيض الضعيف فمعروف مجرب؛ وقد نظر إليه مراراً شتى فى بعض الحمام.
ويكون من البيض ما له صفرتان، وربما كان فيما بين تلك الصفرتين صفاق يحجب ما بينهما وبين البياض، وربما لم يكن ذلك، بل الصفرة الواحدة تكون لاصقة بالأخرى. ومن الدجاج ما يبيض بيضاً له صفرتان فى كل حين، وقد ظهر العرض الذى يعرض للصفرة فى هذا البياض. وقد باضت دجاجة فى الزمان السالف ثمانى عشرة بيضة، ولكل بيضة محان، ثم جلست على ذلك البيض وأسخنته ونقرته وفتحته، فخرج من كل بيضة فرخان، ما خلا البيض الذى كان فاسداً من الأصل. وإذا خرج فرخان من البيضة الواحدة يكون أحدهما أكبر جثةً، والآخر أصغر، ويكون آخر البيض الذى بيض على مثل هذه الحال عجيباً.
وجميع أصناف الطائر الذى يشبه الحمام، مثل الدلم والفواخت
والاطرغلات وما يشبه هذا الصنف يبيض بيضتين أكثر ذلك. وربما باضت
الفاختة والحمامة ثلاث بيضات، وكما قلنا فيما سلف: الحمامة تبيض فى كل
وكثير من أجناس الطير لا يبيض من سنته، بل بعد أن تمضى له سنة كاملة. وجميع أصناف الطير تبيض فى أوقاتها فى كل عام، ولا يزال يفعل ذلك بعد أن يبيض مرةً واحدة حتى يكبر ويبيد.
فأما الحمامة فإنها تبيض بيضتين، ويخرج منها فرخ واحد ذكر، والفرخ الآخر أنثى، وذلك يعرض مراراً شتى. وهى تبيض البيضة التى يخرج منها فرخ ذكر أولاً، ثم تقيم يوماً وليلة، وتبيض البيضة الأخرى التى تخرج منها الأنثى.
والذكر من الحمام يجلس على البيض ويسخنه فى جزء من النهار، فأما
الأنثى فهى تجلس على البيض بقية النهار وكل الليلة. والبيضة التى باضت الحمامة
أولاً تبلغ وتفرخ وينكسر قشرها لتمام عشرين يوماً. والحمامة تنقر البيض
أولاً تبلغ وتفرخ وينكسر قشرها لتمام عشرين يوماً. والحمامة تنقر البيض
أولاً ثم تكسره وتفتحه. والذكر والأنثى يدفئان الفراخ ويضعانها تحت
أجنحتهما أياماً، حتى يقوى الفرخ، ويفعل ذلك كما يفعل بالبيض بشفقتهما
عليه. والحمامة الأنثى أردأ من الذكر فى التربية وغذاء الفرخ — وكذلك
سائر الحيوان بعد الولاد. والحمام يبيض ويفرخ عشر مرات فى كل عام؛
فأما الرخمة فهى تفرخ على صخور مشرفة عالية جداً لا يمكن أن ينالها
أحد. ولذلك لا يوجد عش رخمة ولا فراخها إلا فى الفرط. ولذلك يزعم
ارودوروس، أبو بروسون السوفسطائى الحكيم أن الرخم تأتى إلى ناحيتنا من
بلدة أخرى ليست بمعروفة لنا. ويقول إن الشاهد له على ذلك أنه لم يعاين
فأما سائر أجناس الطير الذى يأكل اللحم، فلم يظهر أنه يبيض ويفرخ أكثر من مرة، ما خلا الخطاف: فإنه يبيض ويفرخ مرتين فى السنة الواحدة. وإن ضرب أحد عينى فراخ الخطاف بحديد حاد، إذا كانت الفراخ صغاراً، وأفسدها، تبرأ أيضاً وتبصر فراخه.
فأما العقاب فهو يبيض ثلاث بيضات، ويخرج من ذلك البيض فرخان فقط، ويدع البيضة الواحدة، كما يزعم موساوس Μουσαιοσ الشاعر 〈حين قال:
«يبيض (العقاب) ثلاث بيضات، ويفرخ اثنتين منها، ولا يعنى إلا
بواحدة»〉 وقد عوينت ثلاثة فراخ للعقاب. ولكن إذا شبت تلك الفراخ،
يلقى العقاب واحداً منها ويخرجه من عشه، لأن تربية وغذاء وطعم ثلاثة
أفراخ يثقل عليه. ويقال إن العقاب يضعف فى ذلك الأوان، لكن لا يخطف
جراء السباع. ومخاليبه تنقلب أياماً يسيرة، وريشه يبياض، ولذلك يكون
سىء الخلق فى تربية فراخه. فأما الفرخ الذى يخرجه ويلقيه، فإن الطائر الذى
يسمى باليونانية فينى Φηνη يقبله ويربيه حتى يقوى وينشأ. والعقاب
وليس جميع أجناس العقاب عسرة الأخلاق فى تربية فراخها بنوع واحد
ولا بالسوية، بل العقاب الذى يسمى باليونانية بوغرغوس πυγαργοσ عسر
جداً؛ فأما العقبان السود الألوان فهى حسنة الخلق فى تربية وطعم فراخها.
وجميع أصناف الطير المعقف المخاليب إذا علمت أن فراخها تقوى على
الطيران، تضربها وتخرجها عن أعشاشها. وسائر أصناف الطير تفعل مثل هذا
الفعل. وإذا خرجت الفراخ من أعشها، لا تتعاهدها بعد ذلك بوجه من
فأما الطير الذى يسمى باليونانية كوككس κοκκυξ فإنه كما يزعم
بعض الناس يتغير ويكون مثل البازى. وإنما يقال ذلك، لأن البازى فى ذلك
الزمان لا يظهر ألبتة، وهو شبيه بالبازى. وسائر أصناف البزاة لا تظهر فى
ذلك الأوان، أعنى إذا صوت الطير الذى يسمى كوككس κοκκυξ إلا
أياماً يسيرة. وهذا الطير يظهر زماناً كثيراً، وذلك فى الصيف، ثم يغيب فى
الشتاء. والبازى معقف المخاليب، فأما كوككس، فلا. ورأسه لا
يشبه رأس البازى، بل بهذين، أعنى انبساط المخاليب والرأس، بل يشبه
الحمامة. وإنما يشبه البازى باللون فقط؛ ولون ريش البازى مختلف، لأن فيه
مثل خطوط سود، وفى ريش كوككس مثل نقط سود. فأما عظم الجثة
وطيرانه فشبيه بجثة وطيران أصغر البزاة، أعنى الذى يغيب ولا يظهر فى
الزمان الذى يظهر فيه الطائر الذى يسمى كوككس. وربما ظهرا معاً،
أعنى البازى وكوككس. وقد عاين بعض الناس البازى يأكل كوككس.
وكما وصفنا وقلنا إن الحمام يجلس على البيض: مرةً الذكر، ومرةً الأنثى — كذلك يفعل كثير من أجناس الطير، أعنى أن الذكر يجلس على البيض مرةً، ثم تجلس الأنثى. وإنما يجلس الذكر عليه بقدر ما تخرج الأنثى وتنتفض وتكتسب طعمها. فأما الوز، فإن الإناث تجلس على البيض وتبقى جالسةً عليه فى كل حين، ولا يخل بذلك من حين يبدأ الجلوس حتى تخرج الفراخ من البيض.
وأعشة جميع أصناف الطير الذى يأوى فيما يلى النقائع والمياه التى تكون
وإناث الغربان تجلس على البيض جلوساً دائماً، والذكورة تأتيها بطعمها وتغذيها. فأما الدلم، فإن الإناث تجلس على البيض بعد نصف النهار، وتبقى عليه سائر النهار وكل الليل وإلى ارتفاع نهار اليوم المقبل، أعنى حين شهوة الطعام. ثم تقوم الأنثى ويجلس الذكر بقية الحين الذى وصفنا. فأما الحجل فإنه يهيىء لبيضه عشين ويبيض فيهما، ويجلس الذكر على البيض الذى فى العش الواحد، والأنثى على البيض الذى فى العش الآخر. وإذا خرجت الفراخ، يتعاهد الذكر الفراخ التى فى عشه بالطعم وغير ذلك، والأنثى تتعاهد الفراخ التى فى عشها. وأول ما يخرج الذكر الفراخ من العش يسفدها.
فأما الطاووس فإنه يعيش خمساً وعشرين سنة. وليس يبيض حتى يبلغ
ثلاث سنين. وفى ذلك الأوان تتم ألوان ريشه وتحسن. وهو يجلس على البيض
ثلاثين يوماً، أو أكثر من ذلك قليلاً. وإنما يبيض مرةً واحدة فى السنة فقط.
[١٤٨] وهو يبيض اثنتى عشرة بيضةً، أو أكثر من ذلك قليلاً. وإذا باض
وبيض الطواويس يؤخذ ويوضع تحت دجاجة لتجلس عليه وتسخنه، وذلك لأن الطاووس الأنثى جالسة على البيض يطير عليها ويعبث ويكسر البيض. فلحال هذه العلة، كثير من إناث الطير البرى تهرب من الذكورة وتبيض وتسخن بيضها وتفرخ. وإنما يوضع تحت الدجاجة بيضتان من بيض الطاووس لتسخنهما وتجلس عليهما، لأنها لا تقوى على إسخان أكثر من بيضتين، ولا على خروج فراخها. وإذا أجلسوا الدجاجة على بيض الطاووس يتعاهدونها بالعلف، لكى لا تقوم عن البيض فيبرد ويفسد. ولذلك يوضع علفها قريباً منها.
فأما ذكورة أجناس الطير فإن خصاها تكون فى أوان السفاد أعظم، وذلك بين ظاهر. وما كان من الطير كثير السفاد، فخصاه تعظم أكثر من غيره، مثل الديوك والقبج. فأما الطير الذى لا يسفد سفاداً ملحاً دائماً، فعظم خصاه يكون دون عظم غيره.
فهذه حال حمل أجناس الطير وولادها.
فأما أصناف السمك، فقد قلنا فيما سلف أنها لا تبيض كلها، وذلك أن الجنس الذى يسمى باليونانية سلاخى σελαΧη يلد حيواناً؛ فأما سائر أجناس السمك فهو يبيض بيضاً. والجنس الذى يسمى سلاخى σελαΧη: فى جوف هذا الجنس يخلق بيض أولاً، ثم يكون منه حيوان ويولد، وبعد الولاد تتعاهد الأنثى الولد بالطعم وغيره حتى يقوى، ما خلا الصنف الذى يسمى الضفدع البحرى βατραΧοσ، فإنه لا يفعل ذلك.
ولأرحام جميع أصناف السمك شعبتان، كما قلنا فيما سلف، وفى أرحامها اختلاف. وشعب أرحام السمك الذى يبيض بيضاً تكون فى الناحية السفلى. فأما [١٤٩] شعب أرحام الجنس الذى يسمى سلاخى σελαΧη فهى شبيهة بأرحام الطير، وذلك من قبل أن بيض بعض السمك لا يكون عند صفاق الحجاب، بل فيما بين الصفاق والفقار. وإذا عظم البيض انتفض من هناك إلى الناحية السفلى.
وبيض جميع السمك لون واحد؛ وليس لشىء منه لونان. ولون بيضه إلى البياض ما هو، وليس إلى اللون التبنى. وإذا تولد من البيض حيوان، يكون لونه أيضاً على مثل هذه الحال.
وفيما بين ولاد الحيوان الذى يكون من بيض الطائر والسمك اختلاف، من
قبل أنه ليس لفرخ السمك الذى يخلق فى داخل البيضة سرة تمتد إلى الصفاق
الذى تحت القشر، ولكن له السرة التى تمتد إلى الصفرة، مثل ما للطائر. وله
والسرة لاصقة بالناحية السفلى من جسد البطن إلصاقاً يسيراً. وإذا ابتدأت خلقة الفرخ تكون السرة طويلة، وإذا كملت خلقته تكون السرة صغيرة. وعند التمام يدخل فى الجسد ولا يظهر، كما وصفنا، حيث ذكرنا خلقة فراخ الطير. والبيضة والفرخ تحدق بصفاق مشترك، وتحت ذلك الصفاق صفاق آخر، وفيه يكون الفرخ محدقاً؛ وفيما بين الصفاقين رطوبة. والبيض يكون فى بطون السمك، مثلما يكون فى بطون فراخ الطير. وتلك الرطوبة تكون فى بطون السمك بيضاء، وفى بطون فراخ الطير تبنية اللون.
ومن شق الأجساد وكشفها يظهر شكل الرحم فى جميع حاله. وفيما بين
أرحام أصناف السمك اختلاف مثل الاختلاف الذى يكون فى أرحام السمك
[١٥٠] الذى يسمى باليونانية غالاووس γαλεοσ. وفيما بين أرحام هذا
الصنف وأرحام الصنف العريض الجثة اختلاف أيضاً، من قبل أنه يوجد
البيض فى بعض أصناف السمك فى وسط الرحم لاصقاً بالفقار، كما قلنا
فأما صنف السمك الذى يسمى غاليوس، وهو الصنف الأملس الجسد،
فإن بيضه يكون فيما بين الأرحام كما يكون فى جوف الكلاب البحرية؛ ثم
ينتقل ذلك البيض ويصير إلى شقتى الرحم، والحيوان أيضاً ينزل إلى الناحية
السفلى، ولذلك تكون حبالة سرته قريبة من الرحم. ولذلك إذا فنيت
الرطوبة التى فى داخل البيض يظن أن حال الفرخ مثل حال [١٥١] الحيوان
الذى يكون من الدواب التى لها أربع أرجل، والسرة تكون لاصقة بالناحية
السفلى من نواحى الرحم — مثلما تكون متعلقة بأفواه العروق — وفى جوف
الفراخ فضل الطعم، وإن لم يكن شىء باقياً من الرطوبة فى البيضة، يوجد
الكبد فى وسط جسد الفرخ. وحول كل فرخ مشيمة وصفاقات خاصة،
كما يكون فى أولاد الحيوان. ورءوس الفراخ تكون أولاً فى الناحية العليا.
وإذا نشأت وتمت وقويت، تكون رءوسها فى الناحية اليسرى؛ ويكون فى
الناحية اليسرى من الرحم فراخ إناث وذكورة، وفى الناحية اليمنى فراخ
إناث. وفى الناحية الواحدة أيضاً من الرحم فراخ إناث وذكورة. وإذا شقت
وبيض جميع أصناف السمك الذى يسمى باليونانية سلاخى σελαΧη صفاق الحجاب. وما عظم من البيض يكون قليلاً، وما صغر منه يكون كثيراً، وفى الناحية السفلى أيضاً يوجد، ولذلك يظن كثير من الناس أن السمك يسفد ويلد فى كل شهر مثل ما يعرض لهذه الأصناف من أصناف السمك. وذلك يكون من قبل أنها لا تخرج جميع البيض معاً، بل مراراً شتى فى زمان كبير. فأما ما يكون من البيض أسفل فى الرحم، فهو ينضج وتتم خلقته معاً.
والصنف الآخر من السمك الذى يسمى باليونانية غاليوس γαλεοσ
يخرج الفراخ من جوفه ويقبله أيضاً فى جوفه. والصنف الذى يسمى باليونانية
رينا ρινασ والصنف الذى يسمى باليونانية نارقى ναρκαι
— وتفسيره: خدر (وقد ظهر (له) نارقى عظيمة الجثة فى جوفه قريب من
ثمانين فرخاً). فأما السمكة التى تسمى باليونانية اقنثياس ακανθιασ
— وتفسير هذا الاسم: الشوك — فليس يقبل فراخه فى جوفه بعد خروجها،
وهو فقط يفعل ذلك من صنف السمك: الذى تسمى غاليوس γαλεοσ،
لحال شوكته. ومن أصناف السمك العريض الصنف الذى يسمى باليونانية
تريغون τρυγων. والصنف الذى يسمى باطوس βατοσ لا يقبل فراخه
فهذه الفصول التى بها تختلف مواليد السمك.
وسبل الذكورة من السمك توجد مملوءة من رطوبة المنى فى أوان السفاد. وإذا ظهرت تلك السبل خارجاً يظهر منها ذلك المنى أبيض. ولتلك السبل شقتان، وهى تحت صفاق الحجاب، وابتداؤها تحت العرق الأعظم. فسبل الذكورة بينة فى أوان السفاد، ولا سيما للذى لم يعاود شقها ولم يطلب معرفتها. وربما كانت هذه السبل خفيةً لا تستبين ألبتة، كما وصفنا عن حال جميع ذكورة الطير.
وفى السبل التى فيها المنى اختلاف أيضاً إذا قيست بعضها إلى بعض من أجل أن بعضها لاصقة فى وسط الظهر، وبعضها على خلاف ذلك. فأما سبل الإناث فهى جيدة الحركة، ولها صفاق دقيق يحدق بها. ومن أراد معرفة سبل الذكورة وحالها فليعلم ذلك من الكتب التى وضعت فى «شق الحيوان».
وصنف السمك الذى يسمى سلاخى يحمل ويلد ولاداً متتابعاً ستة أشهر.
فأما الصنف الذى يسمى باليونانية اسطرياس [αστεριασ] — وتفسيره:
النجمى — فإنه يبيض مراراً كثيرة، فهو يبيض فى كل شهر مرتين. 〈ويبدأ
والصنف الذى يسمى سلاخى [σελαΧη] يلد فوق الأرض قريباً من الشط، لأنه يصعد من أعماق البحر ويطلب الدفء. ويفعل ذلك أيضاً لأنه يبقى على فراخه.
ولم يظهر شىء من السمك يسفد شيئاً من الإناث التى لا تشبهه بالجنس؛ ويظن أن الجنس الذى يسمى رينى [ριναι] فقط يفعل ذلك، والصنف الذى يسمى باطوس [βατοσ] أيضاً. وفى السمك [١٥٣] صنف يسمى رينوباطس [ρινοβατοσ] 〈رأسه ومقدمه مثل رأس ومقدم رينى، ومؤخره مثل مؤخر باطس〉 وإنما يعرض ذلك لأنه يتولد من كليهما.
فأصناف السمك التى تسمى غاليوى [γαλεοι] وغاليوئيدس [γαλεοειδεισ]
فأما الدلفين والسبع العظيم الذى يسمى باليونانية فالينا [Φαλαινα] وسائر السباع الكبار التى ليس بها نقاقع، بل لها آلة تنفخ بها — فهى تلد حيواناً. وأيضاً الذى يسمى باليونانية فرستيس [πριστισ] والذى يسمى بقرة [βουσ] يلد حيواناً. وليس يظهر بيض فى أجواف هذه الأجناس التى وصفنا ألبتة، بل يظهر حملها بعد سفادها، ثم ينفصل ذلك الحمل ويخلق منه الحيوان كما يخلق من حمل النساء ومن حمل جميع الدواب التى لها أربع أرجل وتلد حيواناً.
والدلفين يلد ولداً واحداً، وربما ولد اثنين. فأما الذى يسمى باليونانية
و[١٥٤] أما الحيوان الذى يسمى فوقى [Φωκη] فهو من أصناف الحيوان
المشترك الذى يقال إنه برى وبحرى. ولذلك لا يقبل الماء فى جوفه، بل
يتنفس وينام ويلد على الأرض قريباً من الشط لأنه برى ومن الحيوان المشاء الذى
له أربع أرجل؛ وأكثر مأواه فى البحر، ومنه غذاؤه وطعمه، ولذلك صيرناه
من حيوان البحر وصنفناه مع تصنيف الحيوان البحرى. وهو يحمل حيواناً
ويلد حيواناً مثله، و〈يخرج〉 مشيمةً بعد 〈ولاد〉 الحيوان؛
وهو يلد واحداً واثنين. وأكثر ما يلد ثلاثة. وللأنثى ثديان، وجراؤها
ترضع منها كما ترضع جراء الدواب التى لها أربع أرجل. وتلد فى كل
زمان من أزمنة السنة، كما تلد المرأة. وإذا كانت أولادها بنى اثنى عشر يوماً،
تدخلها فى البحر كل يوم مراراً شتى لتعودها السباحة والمأوى فيه قليلاً قليلاً،
فهذه حال جنس الحيوان البحرى الذى يلد حيواناً مثله: إما فى جوفه، وإما خارجاً.
فأما السمك الذى يبيض بيضاً فللإناث منه رحم له شعبتان وهما فى الناحية
السفلى كما قلنا أولاً — وجميع أصناف السمك الذى له قشور يبيض بيضاً،
مثل اللبراقس [λαβραξ] والقيفال [κεΦαλοσ] والذى يسمى باليونانية
قسطرويس 〈والاتليس [ετελισ]〉 وأصناف السمك الذى يقال له أبيض [οι λευκοι]
وجميع أصناف السمك الأملس، ما خلا الانكليس [εγΧελυοσ] — وهذه
الأصناف تبيض بيضاً رقيق القشر، وذلك يظهر من قبل أن الرحم كله
يكون مملوءاً بيضاً، ولذلك يظن أن ليس فى أجواف السمك الصغير غير
وفى جميع أصناف السمك ذكورة وإناث. فأما أصناف السمك الذى يسمى باليونانية ارثرينوس [ερυθρινοσ] [١٥٥] والذى يسمى خنى [Χαννη] فليس يعرف فيهما إناث وذكورة. وفى جوف جميع ما يصاد من هذين الصنفين بيض؛ وفى كل ما يسفد من السمك بيض. ومنه ما يوجد فى جوفه بيض من غير سفاد، وذلك بين واضح من السمك النهرى، لأنه يوجد فى أجواف الإناث منه بيض وهو بعد صغير جداً، مثل السمك الذى يسمى باليونانية فوكسينوس [Φοξινοσ]. والسمك يعوم فى الماء وينضج البيض، وفيما يقال: الذكورة تبتلع كثيراً من ذلك البيض. فأما إذا باض السمك فى الأماكن التى لها عادة أن تبيض فيها — 〈فإنه〉 يسلم أكثر بيضه ولو كان يسلم جميع البيض، لكثر جداً. وكثير من البيض يفسد ويهلك ولا يكون منه سمك. وليس يسلم منه إلا ما ينضح عليه الذكر من زرعه. فإذا باضت الأنثى، يتبعها الذكر وينضح من زرعه على البيض. فجميع البيض الذى ينضح عليه من ذلك الزرع يكون سمكاً؛ ومنه ما يهلك بالبخت.
وهذا يعرض لجنس السمك الذى يسمى باليونانية مالاقيا، وتفسيره:
اللين الجلد. وذكر الجنس الذى يسمى باليونانية سپيا [σεπια] يتبع الأنثى
إذا باضت وينضح من زرعه على ذلك البيض. وينبغى أن يكون هذا العرض
يعرض لسائر أصناف الجنس الذى يسمى مالاقيا؛ ولكن لم يظهر ذلك — إلى
وصنف السمك الذى يقال له باليونانية قوبيس [κωβιοσ] — وهو السمك الصغير — يبيض بين الحجارة، وبيضه عريض رخو القشر. وكذلك يفعل سائر السمك الذى يشبهه، وذلك لأن ما قرب من الأرض على شاطىء البحر والنهر أدفأ مما يلى عمق المياه، ولأن طعمها وغذاءها هناك موجود بأيسر المؤونة، ولكى لا يؤكل السمك الذى يخرج من ذلك البيض من السمك الذى هو أكبر وأقوى. ولذلك يقال إن كثيراً من السمك الذى يكون فى بحر پنطوس [ποντοσ] يبيض فيما يلى النهر الذى يسمى باليونانية ثرمودون [θερμωδων] لأن الرياح لا تهب هناك فى ذلك الموضع، وهو مكان دفىء وماؤه عذب.
وسائر السمك الذى يبيض إنما يبيض مرةً فى السنة، ما خلا صنف السمك الصغير الذى يسمى باليونانية فوقاس [Φυκησ] [١٥٦] فإن ذلك الصنف يبيض مرتين فى كل سنة. وبين الذكر والأنثى اختلاف، من قبل أن لون الذكر أكثر سواداً، وقشوره أكبر من قشور الأنثى.
فسائر أصناف السمك يبيض بلا ضرورة. فأما صنف السمك الذى
يسميه بعض الناس ابرة — فإنه إذا أراد أن يبيض ينشق ويخرج بيضةً من
ذلك الشق؛ وإنما ينشق من تحت البطن والكبد، وذلك الموضع يكون ملتئماً
قبل أن يبيض، من قبل خلقة الطبيعة، مثل الحيات التى تسمى باليونانية
والولاد من البيضة يعرض بنوع واحد إن خلق الحيوان فى أجواف الأصناف التى تبيض فى أجوافها، والتى تبيض خارجاً، لأن الحيوان الذى يخلق من البيض يكون عند الطرف الواحد محدقاً بصفاق. وتستبين العينان أولاً، وتظهر 〈كبيرة〉 مستديرة. وذلك يوضح لنا أن قول الذين يزعمون أن خلقة الحيوان فى البيضة تكون مثل خلقة الدود 〈قول〉 خارج 〈عن الصواب〉، فقد علمنا أنه يعرض خلاف ذلك، لأنه إذا كان ابتداء خلقة الدود تكون الناحية السفلى من الجسد أعظم، ثم فى الآخرة يظهر الرأس والعينان.
وإذا فنيت الرطوبة فى البيضة لا يكون للفرخ الذى يخلق منها طعم، وإنما غذاء ونشوء الفرخ من الرطوبة التى فى البيضة. فأما فى السمك الذى يخلق من البيض، فإنه إذا خرج منه يغذى ويصيب طعمه من الماء، وذلك بين فى مياه الأنهار.
وإذا استنقى البحر الذى يسمى باليونانية فنطوس ποντοσ، يظهر
على الشط فى ناحية اليس بنطوس Ελλησποντοσ شىء أخضر شبيه بصوف
(وهو الذى يسميه العرب طحلب) وقد زعم بعض الناس أنه زهر الذى يسمى
فأما السمك النهرى والنقائعى، فإنه يحمل بيضاً إذا كان ابن ستة أشهر
أكثر ذلك، وهو يبيض بيضاً مرةً [١٥٧] فى السنة، كما يبيض السمك
البحرى، وليس فيها صنف يبيض بمرة واحدة، ولا الذكورة تلقى
زرعها بمرة واحدة، بل يوجد بيض فى أجواف الإناث فى كل أوان، إما
أكثر وإما أقل. ويوجد فى جوف الذكورة زرع أيضاً. والسمك النهرى
والنقائعى يبيض البيض فى حينه الذى ينبغى، وصنف السمك الذى يسمى
باليونانية قوپرينوس κυπρινοσ يبيض خمساً أو ست مرات — وهو يبيض
خاصةً فى أوقات مطالع النجوم؛ فأما الصنف الذى يسمى باليونانية خلقيس
Χαλκισ فهو يبيض ثلاث مرات، وجميع سائر أجناس السمك يبيض
مرةً فى السنة. وهو يبيض عند شاطىء النهر، وحيث يكون قصب نابت،
مثل الصنف الذى يسمى باليونانية فوقسينوى Φοξινοι 〈والعصى τερκαι〉.
فأما الصنف الذى يسمى باليونانية غلانيس γλανεισ وپرقى περκαι
فإنه يبيض بيضاً متتابعاً، مثل الصنف الذى يسمى الضفدع؛ والبيض الذى فى
فالأصناف التى وصفنا تبيض البيض وتعاهده، كما ذكرنا. فأما صنف
السمك الذى يسمى باليونانية خلقيس Χαλκισ فهو يبيض فى أعماق المياه
ويبيض بيضه كله معاً، ويسمى 〈قطيعى αγελαια〉 لأنه يعوم فى الماء مثل
قطيع غنم؛ فأما الصنف الذى يسمى باليونانية تيلون τιλων فإنه يبيض
فى الشط حيث لا تهب ريح شديدة؛ وهو أيضاً قطيعى. فأما الصنف الذى
يسمى قوپرينوس κυπρινοσ والصنف الذى يسمى باليونانية باليروس
βαλεροσ والأصناف التى تشبه هذين الصنفين فهى تتزاحم وتدفع البيض
إلى ناحية النقائع؛ ومراراً شتى تتبع ذكورة كثيرة — ثلاثة عشر أو أربعة
فكما وصفنا، أكثر أجناس السمك يخلق من البيض. ومنها ما يخلق من
الطين والحمأة والرمل — ويكون أيضاً من هذه الأجناس ما يخلق من سفاد ومن
بيض، وذلك فى النقائع ومواضع أخر. وقد زعم بعض الناس أن فى الزمان
السالف، فى ناحية البلدة التى تسمى باليونانية قنيدوس Κνιδοσ، لما طلع
كوكب الكلب، قل الماء وتولد من تلك الحمأة سمك كثير، وكان ذلك
فهو بين واضح أن بعض أصناف السمك يتولد من ذاته، ولا يكون من
سفاد ولا من بيض. والشاهد على ذلك تولد السمك من ذاته. وجميع ما لا
يبيض بيضاً يتولد من الحمأة، ومنه ما يتولد من الرمل، ومن العفونة التى
تطفو على الماء، مثل الجنس الذى يسمى باليونانية افوييى αφυη والجنس
الذى يسمى باليونانية افروس αφροσ [١٦٠] فإن هذين الجنسين يتولدان
من الأرض. وهذا الجنس الذى يسمى باليونانية، افوييى αφυη لا يشب ولا
يكبر ولا يتوالد منه غيره، وإذا مضى به زمان هلك وتولد غيره من
〈التربة〉 الرملية، ولذلك يوجد هذا الجنس فى كل حين، ما خلا زماناً
يسيراً من السنة، وابتداؤه يكون من مطلع ذنب بنات نعش الذى يطلع فى
الخريف وفى الربيع. والدليل على أن هذا الجنس يتولد ويصعد من الأرض ما
نصف حيننا هذا: فإنه إن كان برد شديد، لا يصاد منه شىء؛ وإن كان
الهواء صافياً، يصاد منه شىء كثير، وذلك من قبل أنه يصعد من الأرض إلى
فأما الصنف الآخر من أصناف افوييى αφυη فهو يكون من بيض
السمك، مثل الذى يسمى باليونانية قوبيطس κωβιτισ، ومنه يكون السمك
الصغير الردىء 〈الذى〉 يغيب فى الأرض. ومن الصنف الذى يسمى باليونانية
فالاريقى Φαληρικη يكون الصنف الذى يسمى ممبرادس μεμβραδεσ؛
ومن هذا الصنف يكون الصنف الآخر 〈الذى〉 يسمى طرخيداس τριΧιδεσ؛
ومن ذلك الصنف أيضاً يكون صنف آخر [١٦٠] يسمى طريخيا
τριΧια. ومن صنف واحد من أصناف الافويى αφυη — يكون فى ميناء
أثينا — 〈يكون〉 الصنف الذى يسمى باليونانية انقراسخولوس εγκρασιΧολοσ
فأما الصنف الذى يسمى باليونانية أفروس αφροσ فليس يتولد منه شىء، وهو رطب اللحم، وإنما يبقى زماناً يسيراً كما قلنا أولاً، وليس يبقى فى الآخر ما خلا العينين والرأس؛ وإن صلح هذا الصنف أقام زماناً كثيراً.
فأما الانكليس فليس يكون من سفاد، ولا يبيض بيضاً، ولا ظهر ذلك
لأحد من الناس قط، ولا فى أجواف الذكورة زرع. وإن شق أحد أجواف
الذكورة، لا يوجد فيها سبيل الزرع، ولا يوجد فى الإناث أرحام،
بل كل هذا الجنس من أجناس السمك الدمية لا يكون من سفاد ولا من بيض.
وهو بين واضح أن قولنا فى ذلك حق، من قبل أنه إن نفذ جميع الماء
الذى فى بعض النقائع وجد الطين، 〈فإنه〉 إذا مطر المطر أيضاً يتولد
الانكليس فى تلك النقائع. وليس يكون ألبتة إذا قلت الأمطار وغلب القحط
ومع ذلك، فإنه〉 من قبل الدود الذى يوجد فى أجواف بعضها، فلذلك يظنون أنه يخلق من الدود سمك. وذلك كذب، بل يكون بعض سمك هذا الجنس من الأرض ويخلق من ذاته من بين الدود الذى يسمى «معى الأرض»، وهذا الدود الذى يكون فى التراب الندى. وقد يظهر أن هذا السمك يخلق من مثل هذا الدود، 〈وإذا شق الدود وفتح، يشاهد الانكليس بوضوح〉. وذلك يستبين فى البحار والأنهار، وخاصة إذا كانت العفونة غالبة، فيكون فى الأماكن التى يقع فيها الطحلب من البحر ويكون فى شاطىء الأنهار والنقائع، لأن الحرارة تغلب على تلك المواضع فتعفن. فهذه حال تولد الانكليس.
وينبغى لنا أن نعلم أن فى حمل السمك اختلافاً فى الأزمنة التى يبيض
فيها، وفى أنواع وضعها البيض. فقبل أوان [١٦٢] السفاد يعوم أصناف
السمك الذى يعوم معاً بيضه مع بعض. وإذا كان أوان السفاد، ينفرد ويعوم
الذكر مع الأنثى فقط. وإذا سفدت الإناث: 〈فإن〉 منها ما يحمل البيض
أكثر من ثلاثين يوماً، ومنها ما يحمل زماناً أقل من ذلك. وجميعها يحمل فى
أزمان تجزأ فى عدد السوابيع. والصنف الذى يسمى باليونانية مارينوس μαρινουσ
يحمل البيض زماناً كثيراً. فأما الصنف الذى يسمى باليونانية سارغوس σαργοσ
وجميع أصناف السمك يتوجع فى الزمان الذى يبيض فيه، ولذلك يكون صيدها أهون. والذكورة فى أوان السفاد تخرج إلى ناحية الأرض. وبقول عام، تكثر حركة السمك بعد السفاد، حتى تبيض الإناث. ويفعل ذلك خاصةً الصنف الذى يسمى قسطرويس κεστρευσ. فإذا باضت الإناث سكنت. وتمام محل الإناث البيض إذا تولد الدود فى بطونها: فإنه يوجد فى بطونها دود صغار بارد جداً، ويمنع محل البيض.
وأصناف السمك تبيض فى أزمان مختلفة: والصنف الذى يسمى باليونانية
روادس ρυδεσ هو يبيض فى الربيع؛ وأصناف كثيرة أيضاً من السمك
تبيض فى زمان استواء الليل والنهار، وهو الاستواء الذى يكون فى الربيع. فأما
سائر أصناف السمك فليس يبيض فى زمان واحد من أزمنة السنة، بل منها ما
يبيض فى الصيف، ومنها ما يبيض فى زمان استواء الليل والنهار الذى يكون
فى الخريف والصنف الذى يسمى باليونانية اثارينى αϑερινη — يبيض فى
ذلك الأوان، ويبيض فى قرب الأرض. فأما القيغال κεφαλοσ فإنه يبيض
والصنف الذى يسمى باليونانية ماينيس μαινισ يبيض بيضاً كثيراً ومراراً
شتى. ومن صنف السمك الذى يسمى صلاخى σελαΧη: الضفدع يبيض
بيضاً كثيراً. وإنما قلته من أنه يهلك عاجلاً، فهو يبيض بيضة على الأرض.
وبقول كلى، ما كان من أصناف السمك الذى يسمى صلاخى σελαΧη
والصنف الذى يسمى 〈إبرة البحر يبيض متأخراً، و〉تهلك لأنها تنشق وتؤكل من الحيوان، وليست هذه الأصناف 〈كثيرة العدد بقدر ما هى〉 عظيمة الجثة. والسمك الذى يخرج من بيض الصنف الذى يسمى ابرة يكون حول الأنثى، مثل السمك الذى يتولد من بيض الصنف الذى يسمى باليونانية فالنجيا Φαλαγγια، وإن مسها أحد تهرب. فأما الصنف الذى يسمى باليونانية اثارينى αθερινη فإنه يدلك بطنه بالرمل حتى يرق ويبيض بيضه.
والصنف الذى يسمى ثنوى θυννοι ينشق من كثرة الشحم. وهو
يبقى سنتين. والدليل على ذلك من قبل الصيادين، فإنهم يزعمون أنه إذا
نفذ السمك الصغير الذى يتولد من بيض ثنوى بعد سنة، يبيد أيضاً ما بقى
من الثنوى الكبار وفيما يظن: الثنوى أكبر من الذى يسمى باليونانية
پلاموذاس πλαμυδεσ بنسبة. وصنف ثنوى θυννοι وصنف سقمبرى
σκομβροι يسفد [١٦٤] فى شهر الدوم (!) الذى يسمى الافيبوليون
Ελφηϑολιων. وإنما يبيض بيضه وهو فى صفاق شبيه بمرود. والسمك الذى
ويوجد أيضاً فى أجواف صنف السمك الذى يسمى باليونانية غنغروى
γυγγροι بيض، ولكن ليس ذلك ببين واضح فى جميع الأماكن بقدر
واحد. ولا بيض هذا السمك بين جداً، لحال كثرة الشحم. وبيضه
يكون فى وعاء مستطيل، مثلما يكون بيض الحيات. ولكن يستبين ذلك إذا
فقد وصفنا سائر الحيوان، أعنى الطائر والمشاء والذى يعوم فى الماء، وجميع ما يبيض منه. ووصفنا أزمان سفادها وحملها. ولخصنا جميع الأصناف التى [١٦٥] تشبه هذه الأصناف التى فرغنا من ذكرها. فأما حيننا هذا، فإنه ينبغى لنا أن نذكر الإنسان وجميع الحيوان المشاء الذى يلد حيواناً، والأعراض التى تعرض كما قلنا فيما سلف من قولنا.
وقد قلنا قولاً عاماً وخاصاً فى الجماع والسفاد. وقد يعرض شىء
مشترك عام لجميع الحيوان، أعنى الشوق والشهوة التى تكون فى أوان الجماع
والسفاد. وجميع الإناث أشد شوقاً إلى الجماع عند أول الولاد، والذكورة
أيضاً فى ذلك الزمان أشد شوقاً — منها بعد عبور الشباب. وينبغى أن نعلم أن
ذكورة الخيل تعض الإناث وتلقيها على الأرض وتطرد ما كان فى قربها من
الذكورة. — والرجال والخنازير البرية صعبة خبيثة الأخلاق فى زمان
والفيلة أيضاً تخبث وتكون سيئة الأخلاق فى زمان سفادها. ولذلك
يزعمون أن الذين يربون الفيلة بأرض الهند لا يدعون الذكورة تنزو على
الإناث، لأنهم إن تركوها تجن وتحمل عليهم [١٦٦] وتهدم منازلهم —
لرداءة وسخافة بنائهم أيضاً —، وتفعل شروراً أخر كثيرة أيضاً.
وفيما زعم بعض الناس من أهل بلاد الهند الذين يربون الفيلة إذا كيسوا
بعضها أحسنوا إليها بالعلف حتى تخصب وتنمو، ثم يرسلونها على غيرها من
فأما أصناف الحيوان الذى ينزو على الحيوان مراراً شتى، وليس مرة واحدة من السنة فليس تجهل ولا تصعب أخلاقها لكثرة نزوها، مثل الخنازير والكلاب. وإن جهل شىء منها فهو يجهل جهلاً يسيراً، لحال استئناسه بالناس ولكثرة نزوها.
فأما من إناث الحيوان فإن الرمك تشتاق إلى النزو جداً؛ وإناث البقر
أيضاً؛ ولذلك يزعمون أنه يوجد من الرمك شىء يقال له جنون الخيل؛
ولذلك يستعملون هذا الاسم على أصناف الحيوان الذى لا يضبط 〈نفسه〉
فى أوان السفاد، ويزعم بعض الناس أن الإناث تمتلىء ريحاً فى زمان النزو.
فلذلك 〈فإنهم فى جزيرة كريت〉 لا يبعدون الذكورة عن الإناث. وإذا
أصابت الإناث هذه الآفة تركض ركضاً شديداً، مثلما يقال إنه يصيب إناث
الخنازير أيضاً. وإذا ركضت ركضاً شديداً، لا تأخذ إلى الغرب ولا إلى
الشرق، بل إلى الشمال والجنوب. وإذا أصاب الإناث هذا الداء لا تدع
أحداً يدنو منها، حتى تكل من التعب أو تدنو من البحر فتقف. فحينئذ
يخرج من أرحامها شىء كما يخرج منها عند وضعها أولادها. وهو شبيه بالذى
يخرج من الخنازير البرية. وذلك الذى يخرج منها يطلب خاصة فيما يحتاج إليه
فأما إناث البقر فإنها إذا اشتاقت إلى النزو تصعب وتنفر جداً حتى لا
يقدر الرعاة على إمساكها وضبطها. وإناث الخيل والبقر يستبين
أنها تشتاق إلى النزو من رفعها أذنابها ومن ورم أقبالها وكثرة بولها. فأما
إناث البقر فإنها تركب الذكورة وتتبعها أبداً وتقف بين أيديها. وما كان من
شباب إناث الرمك والبقر يشتاق إلى النزو أولاً، وخاصة إذا كانت أجسادها
سماناً مخصبة. وإذا جز شعر أعراف الرمك تكف وتسكن من الشوق إلى
النزو وتكون كيسة. وذكورة الخيل تعرف الإناث التى ترعى معها من
رائحتها؛ وإن لبثت معها أياماً يسيرةً قبل زمان السفاد تعرفها من رائحتها،
وتعضها وتخرجها من القطيع، وتكون معها على حدة؛ ويكون الذكر مع
ثلاثين أنثى وأكثر من ذلك؛ وإن دنا منها ذكر آخر يتحول إليه ويقابله
فأما الثور فإنه إذا كان أوان النزو يرعى مع البقر ويقابل الذكورة. فأما إذا لم يكن زمان السفاد، فإن بعضها يرعى مع بعض؛ ومراراً شتى يرعى فى البر معاً، ولا يظهر لتمام ثلاثة أشهر. وبقول عام: أكثر الحيوان البرى يكون مفترقاً، ولا تجتمع الإناث والذكورة ولا ترعى معاً حتى تبلغ أوان النزو والسفاد؛ بل إذا شبت وقويت الذكورة تبرز وتفترق من الإناث وترعى على حدتها.
فأما إناث الخنازير فإنها إذا اشتاقت إلى النزو، تتبع الذكورة وتدنو من الناس.
وإناث الكلاب أيضاً تلقى مثل ما ذكرنا. وإذا اشتاقت إلى النزو تتورم أقبالها ويكون فيما يلى تلك الأماكن رطوبة. فأما إناث الخيل فإنها فى زمان نزوها تنضح رطوبة بيضاء.
والطمث يعرض لإناث الخيل؛ وليس مثل طمث النساء، بل أقل
منه؛ ويعرض أيضاً لكثير من إناث سائر الحيوان، ويكون دون ما يعرض
للنساء. وهو [١٦٨] يعرض للمعز ولإناث الشاء إذا كان زمان نزوها قبل أن
ينزو وبعد أن ينزو، ثم يحل ذلك الطمث حتى يحمل ويضع. ومن هذه العلامة
يعلم الرعاة أنها حوامل، فإذا وضعت خرجت منها رطوبة كثيرة.
وأول ما يخرج منها ليس بدمى، ثم يكون دماً. فأما إناث البقر والحمير
والخيل، فإن الفضلة التى تخرج منها فى أوان الطمث أكثر من الفضلة التى
ذكرنا، لحال عظم جثتها. وإناث الحمير والبقر تخرج فضلةً كثيرة، قدر
وإناث الخيل يسيرة الوضع والولاد أكثر من جميع أصناف الحيوان الذى له أربع أرجل وليس ينزل منها بعد الوضع إلا دم قليل بقدر عظم جثتها. والطمث يعرض خاصةً لإناث الخيل والبقر، ويخل شهرين وأربعة أشهر، وربما أخل ستة أشهر؛ ولكن ليس يعلم ذلك إلا من يتفقده ويتتبع الإناث وكان معاوداً لها. ولذلك يظن بعض الناس أن الطمث لا يعرض لها ألبتة.
فأما إناث البغال فليس يعرض لها شىء من الطمث، ولكن يكون بولها أخثر وأغلظ. وبقول عام: فضلة مثانة الحيوان الذى له أربع أرجل، أعنى البول، أغلظ وأخثر من بول الناس. فأما بول المعز وإناث الشاء فهو أخثر وأغلظ من بول الذكورة. فأما بول إناث الحمير فهو أرق؛ وبول إناث البقر فهو أشد حرافةً من بول الذكورة. وبول جميع إناث الحيوان الذى له أربع أرجل بعد الوضع يكون أخثر وأغلظ، وخاصةً بول الحيوان الذى يستنقى بالطمث.
وإذا بدأت الإناث تسفد، يكون لبنها رقيقاً شبيهاً بالقيح. وهو يطيب
وإذا كان أوان الربيع، يشتاق كثير من الحيوان إلى النزو. وليس يشتاق جميع أصناف الحيوان إلى النزو فى زمان واحد، وإنما يعرض أكثر ذلك بقدر خصب [١٦٩] أجسادها وأوقات نزوها.
وإناث الخنازير تحمل أربعة أشهر، وأكثر ما تضع عشرون جرواً؛ وإن وضعت جراءً كثيرة لا تقوى على رضاعها وتربيتها. وإذا عجزت إناث الخنازير لا تضع جراء مثل كثرة جراء الشباب. وهى تنزو بعد نزو الشباب بزمان. وإناث الخنازير تحمل من نزوة واحدة، وربما كان ذلك مراراً شتى، كحال الفضلة التى تلقى. وهذا العرض يعرض لكل ما يلقى الزرع مع تلك الفضلة، وربما أصاب بعض ما تحمل الخنزيرة الأنثى ضرر وفساد. وتلك تكون فى جميع نواحى وأماكن الرحم. وإذا وضعت الخنزيرة الجرو الأول تمكنه من الضرع الأول.
وإذا اشتاقت إناث الخنزير إلى النزو 〈فينبغى أن〉 لا يحمل أحد عليها
الذكورة قبل أن تضع وترخى أذنيها. فإن أنزيت قبل ذلك، هاجت أيضاً
واشتاقت إلى السفاد. فأما إن أنزيت فى الأوان الذى ذكرنا فهى تكتفى بنزوة
واحدة. وينبغى أن يعلف الخنزير الذكر شعيراً فى أوان النزو؛ وإذا حملت
الأنثى فينبغى أن تعلف شعيراً مطبوخاً. وبعض الخنازير يضع جراءً مخصبة
من أول ولادها، وبعضها تضع على خلاف ذلك، لأنها لا تضع جراءً
مخصبة حتى تشب. وقد زعم بعض الناس أنه إن قلعت العين الواحدة من عيون
فأما إناث الشاء فإنها تحمل بعد أن ينزى عليها ثلاثاً وأربع مرات؛ وإن مطر مطر بعد نزوها، انتقص حملها. وكذلك تلفى المعزى أيضاً. والشاة والمعزى تضع اثنين، وربما وضعت ثلاثاً أو أربعاً. وهى تحمل خمسة أشهر؛ وإنما تضع مرةً واحدة فى السنة. وإن كانت ترعى فى أماكن وفية، وكان مرعاها كثيراً مخصباً، تضع مرتين فى السنة. والعنز يعيش ويبقى قريباً من ثمانى سنين؛ فأما الخروف فهو يبقى عشرة أعوام؛ وأكثر الشاء يبقى أقل من ذلك. وكراز الغنم يبقى خمس عشرة سنة — وإنما يهيىء الرعاة فى كل قطيع كرازاً واحداً ويعودونه التقدم وقيادة الغنم من شبيبته.
فأما الغنم [١٧٠] التى تكون فى أرض الحبشة فإنها تبقى وتعيش اثنتى عشرة 〈أو ثلاث عشرة〉 سنة؛ والمعز أيضاً تبقى 〈عشراً أو〉 احدى عشرة سنة. والغنم 〈و〉المعزى مما يسفد ويسفد ما بقى.
وإناث الغنم والمعزى تضع اثنين لحال حسن الحال وخصب المرعى،
وإن سفد الغنم مرتين بالغداة وسفد أيضاً عند العشى لا يحتمل سفاد الكباش. وإن كانت العروق التى تحت ألسن الكباش بيضاء، فإن إناث الغنم تضع حملاناً بيضاً؛ وإن كانت تلك العروق سوداء، تكون الحملان سوداً أيضاً؛ وإن كان لتلك العروق لونان، فألوان الحملان تختلف أيضاً؛ وإن كانت العروق شقراء، تكون ألوان الحملان شقراء.
والغنم الذى يشرب الماء المالح تنزى قبل غيرها؛ وينبغى أن يملح 〈ماء〉 إناث الغنم قبل أن تضع، وإذا وضعت، وخاصةً فى أوان الربيع.
وليس تهيىء الرعاة كرازاً متقدماً وقائداً للمعزى، لأن طباعه ليس بثابت، بل حاد سريع الحركة خفيف. وقد زعم بعض الناس أن الرعاة يعلمون أن الغنم يخصب فى تلك السنة إن هاجت المسنة منها إلى النزو أولاً؛ فأما إن هاجت الشباب منها قبل المسنة، فتلك السنة رديئة للغنم.
وفى الكلاب أجناس كثيرة. والكلب السلوقى يسفد إذا كان من ستة أشهر؛ والأنثى أيضاً تسفد إذا بلغت ذلك الوقت، ولا سيما إذا رفعت الرجل الواحدة وبالت. ومنها ما لا يسفد ولا يسفد فى ذلك الأوان. والكلبة تحمل من نزو واحد، وذلك بين من قبل الذين يسرقون ذكورة الكلاب ويحملونها على الإناث، فإنهم يكتفون بسفادها مرةً واحدة. وأرحام الإناث تمتلىء من سفاد واحد. والكلبة السلوقية تحمل سدس سنة، أعنى ستين يوماً [١٧١] وربما زادت على ذلك يوماً أو يومين أو ثلاثة أيام أو أقل من يوم. وإذا وضعت جراءها تكون عمياً اثنى عشر يوماً، ثم تبصر. وهى تسفد أيضاً بعد وضعها الجراء فى الشهر السادس، ولا تسفد قبل ذلك الوقت. ومن إناث الكلاب ما يحمل جزء السنة، أعنى اثنين وسبعين يوماً؛ وإذا وضعت الجراء تكون عمياً أربعة وعشرين يوماً. ومن أصناف الكلاب ما يحمل ربع السنة، أعنى ثلاثة أشهر وتضع جراءها وتبقى عمياً سبعة وعشرين 〈يوماً〉؛ ثم تبقى أيضاً ترضع جراءها على قدر عدة هذه الأيام.
وإناث الكلاب تطمث فى كل سبعة أيام. وعلامة ذلك ورم أقبالها. وليس تقبل السفاد فى ذلك الزمان، بل فى السبعة أيام التى بعدها، فذلك يكون لتمام أربعة عشر يوماً أكثر ما يكون، وربما كان ذلك لتمام ستة عشر يوماً. وإناث الكلاب تلقى، بعد وضع الجراء، رطوبة غليظة بلغمية. وإذا وضعت جراءها، هزلت أجسادها. ولبنها يظهر فى ضرعها قبل أن تضع بخمسة أيام وأكثر من ذلك. وربما ظهر اللبن فى ضرع بعضها قبل وضعها بسبعة أيام، وربما كان ذلك قبل أن تضع بأربعة أيام. ولبنها يجود إذا وضعت من ساعتها. فأما الكلبة السلوقية فلبنها يظهر فى ضرعها بعد حملها بثلاثين يوماً. ويكون لبنها، أول ما يقع، غليظاً، فإذا أزمن صار أدق وألطف. ولبن الكلاب يخالف لبن سائر الحيوان بالغلظ، بعد لبن الخنازير والأرانب.
وهذا يكون علامة مبلغ سفادها: فكما يعرض للنساء انتفاخ وارتفاع الثديين، كذلك يعرض لبعض أصناف الحيوان؛ ومعرفة ذلك عسرة على من لم يعود نفسه ولم يتفقد ما ذكرنا، لأنه ليس لها علامة ظاهرة العظم.
فهذا ما يعرض لإناث الكلاب؛ وليس يعرض لذكورتها شىء منه
وذكورة الكلاب اللاقونية تعيش عشر سنين، والإناث تعيش اثنى عشرة سنة. وكثير من سائر أجناس الكلاب تعيش أربع عشرة سنة، ومنها ما يبقى عشرين سنة. ولذلك يزعمون أن اميروس الشاعر أصاب حين قال فى شعره إن كلب آدسوس Οδυσσευσ هلك وهو ابن عشرين سنة. وإناث الكلاب 〈اللاقونية〉 أطول عمراً من الذكورة، لأن الذكورة تتعب تعباً شديداً؛ وليس ذلك بيناً جداً فى سائر أصناف الكلاب؛ وعلى ذلك ذكورتها أطول أعماراً من الإناث.
وليس تلقى الكلاب سناً ما خلا النابين، وإنما يلقيهما إذا كان ابن
أربعة أشهر إن كان ذكراً، وإن كانت أنثى. ومن أجل أن الكلاب لا تلقى
غير هاتين السنين يشك بعض الناس ويزعم أنها لا تلقى شيئاً ألبتة. ومعرفة
ذلك عسرة على من لم يتفقده. ومن الناس من يظن أن الكلاب تلقى جميع
فأما ذكورة البقر فإنها تملأ الرحم من نزو واحد، وهى تنزو على الإناث
نزواً شديداً؛ ولذلك تنثنى الإناث تحت الذكورة، ولا سيما إذا أخطأت المجرى
تبقى الأنثى عشرين يوماً وتهيج وتطلب السفاد أيضاً. وما كان مسناً من
الثيران لا يركب الأنثى مراراً شتى فى يوم واحد، بل يخل ذلك اليوم ثم
ينزو أيضاً. فأما ما كان منها شاباً، فإنه ينزو على الأنثى الواحدة مراراً
شتى، وينزو على [١٧٣] إناث كثيرة أيضاً لنشاطه وشبابه. وذكورة البقر
تكثر النزو. وإذا قابل بعضها بعضاً ينزو الغالب على الإناث؛ وإذا
ضعف لكثرة النزو، يشد عليه الذكر المغلوب ويغلبه مراراً شتى. والذكورة
تنزو والإناث ينزى عليها إذا تمت لها سنة؛ وربما حملت من ذلك النزو.
ومن إناث البقر ما ينزى عليه إذا كانت بنت 〈سنة و〉ثمانية أشهر؛ فأما
الأمر المقرر المعروف، فنزو البقر الموافق للعمل والولاد لتمام سنتين. وإناث
البقر تحمل تسعة أشهر، وتضع فى الشهر العاشر. ومن الناس من يزعم أنها
وعمر إناث البقر خمس عشرة سنة أكثر ذلك. وعمر الذكورة كمثل، إن خصيت. ومنها ما يبقى عشرين سنة وأكثر من ذلك إن كان سميناً مخصب الجسد. وللبقر قواد يتقدم غيرها مثل قواد الغنم، وتلك تعيش أكثر من الأخر لحال التعب ولأنها ترعى مرعى طيباً. وذكورة البقر تشب وتقوى القوة كلها إذا كانت أبناء خمس سنين؛ ولذلك مدح بعض الناس أوميرس الشاعر حيث قال فى شعره: «إن بعض من قرب قرباناً ذبح ثوراً ابن خمس سنين».
والبقر يلقى الأسنان إذا كان ابن سنتين. وليس يلقى جميع الأسنان معاً،
مثل الفرس. وإذا كان ببعض البقر نقرس، لا يلقى شيئاً من أظلافه.
وإذا وضعت الأنثى يجود لبنها من يوم. وليس يوجد فى ضرعها لبن قبل أن
وذكورة الخيل بطيئة النزو أكثر من إناث البقر، لأن إناث الخيل ينزى
عليه إذا مضت لها سنتان، والذكورة تنزو إذا كانت بنى سنتين. ومن أجل
هذه العلة يكون وضعها وولادها قليلاً. وإن حملت الإناث قبل الوقت الذى
ذكرنا تضع أفلاءً صغار الجثث ضعافاً. فأما الوقت الذى هو أجود لنزو
ذكورة الخيل فهو تمام ثلاثة أعوام، والأفلاء التى تضع الإناث تكون
أقوى وأجود، ثم تزداد جودة إلى أن تكون بنى عشرين سنة. وإناث الخيل
تحمل أحد عشر شهراً، وتضع فى الثانى عشر. وذكورة الخيل تملأ أرحام
فهذه حال طباع ومزاوجة وولاد وكينونة أجناس الحيوان. وبينها اختلاف من قبل الأفعال والأعمار والأشكال وأصناف الغذاء والطعم والعلف.
وفى كثير من سائر الحيوان آثار أشكال النفس [١٧٥] وفصوله، لكن
الأشكال فى الناس أبين وأوضح من غيره، أعنى: الدعة والصعوبة، واللين
وما قلنا يكون بيناً واضحاً لمن نظر فى ابتداء صبا الصبيان: فإنه سيجد فهم عند 〈صباهم آثار〉 شبيبتهم وبلوغهم وكمالهم، وليس بين أنفس الصبيان وبين أنفس السباع فى الوقت الذى ذكرنا اختلاف؛ وليس بعجيب إن كانت أشكال الناس والسباع مدانية فى زمان الكمال، وربما كانت أشكال الناس شبيهة بأشكال الحيوان.
وبمثل هذا الفن ينتقل الطباع للذى لا أنفس لها إلى الحيوان، وإنما ينتقل الطباع من شىء إلى شىء رويداً، ولذلك يخفى الحد الذى 〈يفصل بين الواحدة والأخرى〉 ويخفى الأوسط ولا يعلم لأى الطرفين هو. وبعد جنس التى لا أنفس لها: جنس الشجرة قبل غيره. وبين الشجر أيضاً اختلاف، من قبل أنه يظن أن فى بعضه مشتركةً حياة أكثر من بعض. وجميع جنس الشجر يظهر متنفساً إذا هو قيس إلى سائر أجساد التى لا أنفس لها.
والتنقل الذى يكون من الشجر إلى الحيوان صالح متتابع كما قيل أولاً.
فإن فى البحر أشياء يسأل فيها إن كانت حيواناً، أو من أصناف الحيوان،
لأنها لاصقة بالأماكن التى فيها، لازمة لزوماً شديداً. فإن فارقت تلك
وفى بعض هذه الأصناف من الحيوان حس يسير، ومنها ما ليس له حس البتة. وطباع جسد بعض هذا الحيوان مثل طباع اللحم، أعنى مثل جنس الحيوان الذى يسمى باليونانية 〈طاثوا وجنس الحيوان الذى يسمى باليونانية〉 اقاليفى ακαληφη. فأما الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية اسفنج σπογγοσ وهو الغمام الذى ننشف به الماء، فشبيه بالشجر على كل حال.
وبين الأصناف التى ذكرنا فصل واختلاف يسير إذا قيس بعضه إلى بعض. ومنه ما له حركة أكثر من غيره.
وبمثل هذا الفن تختلف أفعال حياتها وبقائها. وليس يظهر للشجر عمل
آخر، ما خلا فعلها شيئاً آخر مثلها، أعنى جميع أصناف الشجر التى تكون من
بزر وزرع. وكذلك ليس لبعض الحيوان عمل آخر ما خلا الكينونة. ولذلك
أقول إن مثل هذه الأفعال مشتركة لجميع أصناف الحيوان. فأما أجناس الحيوان
التى تحس بالسفاد والجماع لحال اللذة، ففى تدبير حياتها اختلاف، وفى
أصناف ولادها وتربية وغذاء وتعاهد أولادها وجرائها. فمنها ما يهيىء كينونته
وينبغى أن يعلم أن أصناف تعاهد الأولاد لمصلحتها جزء واحد من أجزاء الحياة؛ وأيضاً جزء من أجزاء الحياة صنف الغذاء والطعم. والعمر والحياة تكون فى هذين الجزئين. 〈وغذاء الحيوان يختلف، ويتوقف أساساً على طبيعة المادة التى يتألف منها هو نفسه: لأنه، فى كل حالة، يكون نمو الحيوان طبعاً على حساب هذه المادة. وما هو ملائم للطبيعة يولد لذة〉 وكل صنف من أصناف الحيوان يطلب اللذة الطباعية.
وبين أجناس الحيوان اختلاف أيضاً من قبل الأماكن [١٧٧] التى تأوى
فيها، لأن من الحيوان ما هو مشاء برى، ومنه ما هو مائى. وهذا الفصل أيضاً
يقال بنوعين: لأن منه ما يقال 〈له〉: «مشاء» لحال قبوله الهواء، ومنه
ما يقال 〈له〉: «مائى» لقبوله الماء. ومن الحيوان ما لا يقبل الماء 〈والهواء〉
ومن الحيوان ما يأوى فى البر ويغذو من الماء مثل الدلفين وما يشبهه من
الحيوان المائى، وكل ما يدانى خلقته، مثل الذى يسمى باليونانية
وليس ينبغى أن يوضع هذا الصنف فى فصلى البحرى الذى يضاد بعضه بعضاً، بل ينبغى أن يجزأ الجنس المائى أيضاً، لأن منه ما يقبل الماء ويخرجه، لحال العلة التى هى فهى، أعنى التى ذكرنا فيما سلف وقلنا إن الحيوان الذى يقبل الهواء إنما يقبله لحال التبريد، ومنها ما يقبل الماء لحال الطعم، فإنه إذا قبل ذلك الطعم، باضطرار يقبل الماء أيضاً لمأواه فيه. فإذا قبل الماء، فله آلة تخرجه. فلجميع الحيوان الذى يستعمل الماء مثل استعمال الهواء نقائع، وللحيوان الذى يستعمل الماء لحال الطعم أنبوب. وذلك بين فى الحيوان الدمى، فإن الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية مالاقيا μαλακια والذى يسمى مالاقو ستراقا μαλακοστρακα — وتفسيره: اللين الخزف — يستعمل الماء لحال الغذاء.
ويقال: «مائى» بنوع آخر لحال مزاج الجسد ومكسب الطعام، كما يقبل الماء وله نغانغ ويذهب إلى البر أيضاً فيصيب طعاماً. وقد ظهر حيوان واحد 〈من هذا النوع، وهو〉 الذى يسمى تمساحاً κορδυλοσ فإنه ليس لهذا الحيوان رئة، بل له نغانغ؛ وهو يخرج إلى البر، ويصيب طعاماً، وله أربع أرجل، ويمشى من قبل طباعه. وربما كان بعض ذكورة وبعض إناث الحيوان كاذبة بحادثة الأسماء، لأنه ربما كانت ذكورة طباعها شبيهة بطباع الإناث، وتكون إناث طباعها شبيهة بطباع الذكورة، لأن اختلاف الحيوان وفصلها يكون بأجزاء وآلة صغار، ويظهر ذلك الاختلاف والفصل عظيماً بقدر طباع كل الجسد. وذلك بين فى الذكورة التى تخصى: فإنه إذا قطع جزء ما صغير من أجسادها، تتغير وتكون طبائعها مثل طبائع إناث الحيوان. فهو بين أن من ابتداء المزاج الأول وتقويم القلب يكون بعض ما يولد أو لا يكون بعض ما يولد أنثى، وبعضه ذكراً. وإذا باد 〈ذلك الجزء من〉 الحيوان وتحلل ذلك المزاج الأول، لا يكون ذكراً ولا أنثى. فالمشاء والمائى يكونان بهاتين الصفتين لأنه إذا تغيرت أجزاء وأعضاء صغيرة من الجسد يعرض أن يكون [١٧٩] بعض الحيوان مشاءً وبعضه مائياً، ومنه ما هو مشترك، لحال الاشتراك الذى يكون فى تقويم الهيولى فى أوان الولاد، وهو بدء أمر تلك الهيولى، لأن كل واحد من أجناس الحيوان بحب الشىء الطباعى وبه يتلذذ، كما قلنا فيما سلف.
فقد جزأنا أجناس [أجناس] الحيوان فى مشاء، ومائى على ثلاثة أصناف:
ومن الحيوان البحرى الذى جلده صلب خشن مثل الخزف ما يغذى بالماء العذب من غير أن يتحرك، لأن الماء يصفى بالسبل الضيقة ويكون ماء البحر بتلك التصفية عذباً، وكذلك أول تقويم وكينونة هذا الحيوان. وهو بين أنه يمكن أن يصفى ماء البحر فيكون عذباً يشرب، من قبل التجربة التى سلفت: فإنه إن أخذ أحد موماً وهيأ منه إناءً رقيقاً، ثم ربطه وألقاه فى البحر وهو خاو فسيجد فيه كثرة ماء عذب فى يوم وليلة، ويكون ذلك الماء طيباً يشرب.
فأما جنس الحيوان الذى يسمى باليونانية اقاليفى ακαληφαι فإنه يغذى من السمك الصغير الذى يدنو من فيه. وفمه فى وسط جسده. وذلك بين خاصةً فيما يكون منها عظيم الجثة. ولهذا الجنس سبيل تخرج منه فضلة الغذاء مثل سبيل الحلزون. وذلك السبيل فى أعلى جسده. وهذا الجنس الذى يسمى اقاليفى ακαληφαι شبيه بحرف الحلزون، أعنى الجزء اللحمى الذى يكون فى داخله. وهذا الجنس يستعمل الصخور مثل الحلزون.
وصنف الحيون البحرى الذى يسمى باليونانية لوپادس λεπαδεσ ينتقل
ومثل هذا النوع يلفى الحيوان البحرى اللين الخزف: فإن هذا الحيوان
يأكل كلاً: أعنى: حجارة وطحلباً ورملاً وما وجد من الهيولى مثل
السراطين الصخرية، وهى أيضاً تأكل اللحم. فأما الحيوان البحرى الذى
يسمى باليونانية قارابوا καραβοι فإنه يغلب ويقهر السمك الكبير ويأكله.
والحيوان البحرى الكثير الأرجل πολυποδεσ يقهر الحيون الذى يسمى قارابوا
أيضاً ويأكله. وإن صاد الصياد بشبكته هذين الجنسين من أجناس الحيوان،
يموت الذى يسمى قارابوا من فزع الحيوان الكثير الأرجل. والذى يسمى
قارابوا يأكل الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية غنغرس γογγροσ
فأما الحيوان البحرى اللين الخزف 〈فإنه〉 يعيش بمثل هذا الفن. ومثل الحيوان اللين الخزف الصنف الذى يسمى باليونانية طاوثيداس τευΘιδεσ والذى يسمى سپبا σηπιαι يغلب ويقهر السمك العظيم [١٨١] الجثة. فأما الحيوان البحرى الكثير الأرجل فإنه يأكل الصنف الذى يسمى قونخوليا κογχυλια لأنه يجمعه ويخرج لحمه ومنه يغذى. ولذلك يعرف الصيادون أما كنها ومأواها من قبل خزف القنخيا. فأما قول بعض الناس إن هذا الصنف يقيم فى مكانه ويصيب طعمه من غير أن يبرح، فهو كذب. وإنما يقال هذا القول لأن مخاليب بعض هذا الحيوان يكون كأنه مربوط، من قبل صنف الحيوان الذى يسمى غنغرس χογγροσ.
وكثير من أصناف السمك يغذى ويعيش من البيض والسمك الصغير الذى يخرج منه 〈إذا كان الزمان زمان وضع البيض〉. فأما إذا لم يكن ذلك الزمان، فليس طعم جميع السمك واحداً: وهو من أجل أن بعضها يأكل اللحم فقط، مثل الحيوان الذى يسمى سلاخى وغنغرس وخناى وثنوى ولبراقس وسونودونطوس وامياى واورفوى ومرينا σελαχη γογγροι χανναι, Θυννοι, λαβρακεσ, στνοδοντεσ, αμιαι, ορΦοι, μυραινκι
فأما الحيوان البحرى الذى يسمى طرغلى τριγλαι فهو يغذى من الحلزون والطحلب ويأكل اللحم أيضاً. فأما القيغال κεγαλοι فإنه 〈يغذى من الحمأة والذى يسمى باليونانية دسقلوس Εδασκιλλοσ〉 يغذى من الخرء والحمأة؛ والذى يسمى باليونانية سقاروس ακαροσ والذى يسمى مالانوروس μελανουροσ — وتفسيره: الأسود الذنب — فهو يرعى من الطحلب، والذى يسمى صلپى σαλπη يأكل الزبل والطحلب 〈والبراسيون βρασιον〉. وهو يسير ويرعى؛ وهذا الصنف من أصناف السمك فقط يصاد بالقرع.
وجميع أصناف السمك يأكل بعضه بعضاً، ما خلا الصنف الذى يسمى
قسطريوس κεστρευσ فأما الذى يسمى غنغروى γογγροι فهو
خاصةً يأكل غيره من السمك. فأما القيغال وقسطريوس فهى لا تأكل لحماً
ألبتة فقط. والدليل على ذلك من قبل أنه لم يصد قط شىء من هذين
الصنفين وفى بطنه صنف من الحيوان، ولا يصاد ولا يخدع هذان الصنفان
وكما ذكرنا: بعض الحيوان البحرى يأكل اللحم فقط، مثل الدلفين δελφισ
والخروسفروس χρυσφρυσ والذى يسمى سنودون οινοδων وأصناف
السمك الذى يسمى سلاخودس σελαχωδεισ والذى يسمى مالاقيا μαλακια.
ومن الحيوان البحرى ما يرعى من الطحلب ويغذى من الحمأة ومن العشب
الذى يسمى باليونانية قاوليون καυλιον ومن الهيولى النابتة، مثلما يفعل الذى
يسمى فوقيس Φυκισ وقوبيوس κωβιοσ والسمك الصخرى. فأما
وسائر أصناف السمك يصيد السمك الذى هو أضعف وأصغر منه بنوع للاستقبال، أعنى بأفواهها، على قدر الفن الذى خلقت عليه طباعها. فأما أصناف السمك الذى يسمى باليونانية سلاخى والدلفين وجميع الحيوان البحرى العظيم الجثة — فهى تستلقى على ظهورها وتصيد ما تريد من السمك، لأن أفواهها من الناحية السفلى، ولذلك يسلم منها السمك الأصغر. ولولا هذه العلة لقل السمك جداً، فإن الدلفين له حدة وقوة عجيبة فى كثرة الطعم.
فأما أصناف الانكليس فهى تغذى من الحمأة ومن الحبوب
والخبز إن ألقى أحد لها شيئاً منه — وذلك يكون فى بعض الأماكن؛ وأكثر
الانكليس يغذى بالماء العذب الذى يشرب، ولذلك يحفظون ذلك الماء
الذى يربون الأنكليس فيه، لكى يكون نقياً فإن مر ذلك الماء بدفلى أو
وإذا هلك الانكليس لا يطفو على الماء ولا يرتفع إلى فوق كما يرتفع كثير من السمك. وبطن الانكليس صغير جداً، وذلك بين من قبل أنه يوجد فى بعضها بطن، وفى كثير منها لا يوجد ألبتة. وإذا خرج الانكليس من الماء يعيش خمسة أو ستة أيام. وإن كانت الريح التى تهب شمالاً، يعيش أكثر من ذلك؛ وإن كانت الريح جنوباً، يعيش أقل. وإذا نقل الانكليس من النقائع إلى الأماكن التى يربى فيها فى أوان الصيف، يهلك؛ وإن نقل فى الشتاء، يبقى. وليس يحتمل الانكليس تغيير شدة الهواء، ولذلك إن أصابها برد شديد، يهلك منها كثير بغتةً. وإن غذى الانكليس [١٨٤] فى ماء يسير، يختنق. وهذا العرض يعرض لسائر أصناف السمك أيضاً، يعنى أنها تهلك فى الماء القليل الذى هى فيه، [فهو] إذا كان مأواه أبداً فيه. وكذلك يلفى الحيوان الذى يتنفس الهواء إذا ضاق به ذلك الهواء. ومن الانكليس ما يعيش سبعاً أو ثمانى سنين.
والسمك النهرى يأكل بعضه بعضاً أيضاً؛ وهو يأكل أعشاباً وأصولاً. وإن وجد فى الحمأة شيئاً، أكله. وهو يرعى فى الليل أكثر مما يرعى فى النهار، لأنه إذا كان النهار غاب فى الأعماق.
فهذه حال غذاء جميع أصناف السمك. فأما أجناس الطير، فكل ما كان منها معقف المخاليب فإنه يأكل اللحم. وإن أطعمها أحد لحماً بلعته عاجلاً، مثل جميع أجناس العقبان وأجناس الحدأة والبزاة، مثل البازى الذى يسمى باليونانية قابوطوبوس Φαβοτυποσ والذى يسمى اسفزياس σπιξιασ — وبين هذين الصنفين اختلاف كيبر لعظم الجثة؛ والذى يسمى باليونانية طراورخيس τριορχησ كمثل. وعظم هذا الصنف مثل عظم الحدأة، وهو يظهر فى كل حين. وأيضاً الصنف الذى يسمى باليونانية فينى Φηνη والرخمة γυφ. وجثة فينى Φηνη عظيمة جداً، ولونها رمادى. وفى البزاة التى تسمى غوبس γυφ صنفان: صغير، وكبير، والصغير أكثر بياضاً من الكبير، فأما الكبير فلونه رمادى أكثر من الصغير.
وأيضاً بعض الطير الليلى معقف المخاليب، مثل البومة، والذى يسمى
باليونانية غلاوكس γλαυξ. وعظم جثته مثل عظم العقاب، وليس هو
أصغر منه. وأيضاً الصنف الذى يسمى باليونانية اليوس ελεοσ والصنف الذى
يسمى اغوليوس αιγωλιοσ والذى يسمى سقفس σκωφ. فأما اليوس
فهو أعظم من ديك، واغوليوس مثله؛ وكلاهما يصيدان الطير الذى يسمى
باليونانية قطا κιττα. فأما الذى يسمى سقفس σκωφ فهو أصغر
ويكون فى أجناس الطير ما ليس هو معقف المخاليب، وهو يأكل اللحم، مثل الخطاف. ومن الطير ما يأكل [١٨٥] الدود، مثل الذى يسمى باليونانية اسپينزا οπιζα وعصفور οτρυθοσ، وباطيس βατισ 〈وخلوريس χλωρισ وايجثالوس αιγιΘαλοσ. وثم ثلاثة أصناف من ايجثالوس: أكبرها هو〉 مثل اسپيزا؛ وصنف آخر يسمى جبلى، لأنه يأوى الجبال وله ذنب طويل؛ فأما الصنف الثالث فشبيه بهذين الصنفين، ولكن يخالفهما بالنظر لأنه أصغر منهما جداً. وأيضاً 〈لنذكر〉 الذى يسمى سوقالس συκαλισ 〈وملانقوروفوس μελανκορυφοσ〉 وهو أسود الرأس، والذى يسمى پورولاس πυρρουλασ واريثاقوس εριΘακοσ واپيلايس επιλαισ وأويسطروس οιστροσ وطورانوس τυραννοσ: وعظم جسد هذا الطائر 〈الأخير〉 أكبر من الحدأة قليلاً، وهو أحمر اللون له قنزعة، جيد الصوت، حسن القد. فأما الذى يسمى انثوس ανΘοσ فهو شبيه اسپيزا بالعظم 〈واسپيزا الجبلى شبيه اسپيزا العادى〉 وهو قريب منه 〈فى العظم〉، ولون ما يلى عنقه مثل لون اللازورد، ويأوى فى الجبال؛ وأيضاً الطير الذى يأكل الحبوب.
فجميع هذه الأصناف تأكل الدود، ومنها ما لا يأكل غيره البتة، ومنها ما أكثر طعامه الدود. فأما الطير الذى يسمى باليونانية اقنثس ακανΘισ وثراوپيس Θραυπισ والذى يسمى خرسومطرس χρυσομητρισ — فجميع هذه الأصناف يجلس على الشوك ويرعى ولا يأكل شيئاً له نفس ألبتة. وهو ينام ويرعى.
ومن الطير ما يأكل البق وما صغر من الحيوان ومنه يعيش خاصةً مثل الذى يسمى پيپو πιπω الأكبر والأصغر. ومن الناس 〈من〉 يسمونها الطيور التى تنقر الشجر. والصنف الواحد يشبه الآخر، وصوتهما شبيه أيضاً، غير أن للأكبر صوتاً أعظم. وهذان الطائران يطيران حول الشجر ويكسبان طعامهما، وأيضاً الطائر الذى يسمى باليونانية 〈كليوس κελεοσ وعظمه مثل عظم الأطرغلة τρυγων ولون كل جسده أخضر، وهو ينقر الخشب نقراً شديداً ويرعى على ذلك الخشب وله صوت عظيم. وهذا الطائر يكون خاصة فى البلدة التى تمسى باليونانية پالاپونيسوس πελοποννησοσ، ولونه رمادى، وهو منقط، صغير الصوت. وهذا أيضاً ينقر الخشب ويقطعه.
وفى الطير أجناس أخر تلقط الحبوب وتعيش منها، مثل الحمامة
والفاختة [١٨٦] والأطرغلة. فأما الفاختة والحمامة فهى تظهر أبداً، والأطرغلة
تظهر فى الصيف وتغيب فى الشتاء. فأما الطير الذى يسمى باليونانية أونياس
وبقول عام: بعض أصناف الطير يمشى ويكسب طعمه، ومن الطير ما
يأوى حول النقائع والأنهار، ومنه ما يأوى حول البحر. فما كان من الطير فى
رجليه جلد يجمع ما بين أصابعه فهو يأوى فى الماء أكثر ذلك؛ والطير المشقق
الرجلين يأوى حول الماء، ويغذى من العشب النابت، أعنى الطير الذى لا
يأكل اللحم والطير الذى يأوى حول النقائع والأنهار؛ مثل الذى
يسمى باليونانية اروديوس ερωδιοσ والذى يسمى اروديوس الأبيض —
وهذا أصغر جثة من الآخر، وهو عريض طويل المنقار؛ وأيضاً الطير الذى
يسمى فلارغوس πελαργοσ ولاروس λαροσ رمادى؛ وأيضاً الذى يسمى
سخوينيلوس σχοινιλοσ وقنقولوس κιγκλοσ وبوغرغوس πυγαργοσ
— وهذا أعظم جثةً من الذى يكون أصغر منه، وهو فى العظم مثل السمان.
وجميع هذه الأصناف تحرك أذنابها. وأيضاً الطير الذى يسمى سقليدرس
σκαλιδρισ، واللون الغالب عليه رمادى، وفيه اختلاف ألوان كثيرة.
وأيضاً جنس الطائر الذى يسمى باليونانية القوون αλυων ويأوى فى
الماء؛ وهو صنفان: أما الصنف الواحد فهو إذا جلس على القصب
يصوت؛ فأما الصنف الآخر فليس يصوت؛ والذى لا يصوت أعظم جثةً
من الآخر؛ وظهور كليهما مثل لون اللازورد. وأيضاً الطير الذى يسمى
طروشلوس τροχιλοσ.
وما ثقل من الطير الذى فيما بين أصابعه جلد يأوى حول النقائع والأنهار، مثل وز الماء ونيتا νήττα وفالاريس Φαλαρισ وقولوبيس κυλυμβισ، وأيضاً الذى يسمى بوسقس βυσκασ وهو شبيه بوز الماء، وعظم جثته أصغر من جثة وز الماء (اقرأ: البط)، والطير الذى يسمى غراباً κυραξ: وعظم جسده مثل الذى يسمى فالارغوس πελαργοσ غير أن ساقيه أصغر وبين أصابع رجليه جلدة، وهو جيد السباحة؛ فأما لونه فأسود، وهو يجلس على الشجر ويفرخ هناك، وليس يفرخ على الشجر شىء من أصناف الطير الذى يأوى حول النقائع والأنهار غير هذا فقط. وأيضاً الوز الصغير الذى يقال له: «قطيعى»، والوز الذى يسمى باسم مركب: «وز وثعلب»، والذى يسمى اقس، وپنيلوپس πηνελοφ. فأما الذى يسمى اليائيتوس αλιαιετοσ فهو يأوى حول البحر ويقطع النقائع.
وأصناف كثيرة من الطير تأكل كلاً. فأما الطير المعقف المخاليب
فهو يأكل كل ما يقهر من الحيوان والطير، غير أنه لا يأكل الطير الذى يناسبه
وأجناس الطير تقل من شرب الماء جداً؛ فأما أجناس الطير المعقف المخاليب، فليس ألبتة غير أصناف يسيرة تشرب فى الفرط، مثل الطير الذى يسمى قنخريس κεγχρισ، والحدأة: فإنهما يشربان فى الفرط مرةً؛ وقد يظهر ذلك.
فأما ما كان من الحيوان مفلس الجسد مثل السام أبرص وسائر الحيوان ذوات الأربع الأرجل والحيات فهى تأكل كلاً، أعنى أنها تأكل اللحم والعشب. فأما الحيات فهى رغيبة جداً أكثر من سائر الحيوان؛ وهى أيضاً قليلة الشرب: وسائر الحيوان الذى له رئة مجوفة فهو قليل الدم. وجميع هذه الأصناف يبيض بيضاً. فأما الحيات فليس تضبط أنفسها إذا شمت الشراب، بل تشتاق إليه جداً، ولذلك يصيد الحيات بعض الناس بآنية من خزف [١٨٨] فيها شراب؛ وإذا أخذوها أصابوها قد سكرت.
والحيات تأكل اللحمان وتمص رطوبة كل حيوان تقوى عليه ثم تبتلعه
وتخرجه من السبيل الذى تخرج منه فضلة الطعام. وبقول عام: سائر الحيوان
المفلس الجلد يفعل مثل هذا الفعل. فأما أصناف العنكبوت فهى تمص رطوبة
الحيوان الذى يصيد وأما الحيات فهى توصل ما تصيد إلى بطونها. فالحية تأخذ
ما تعطى من حيثما كان بالبخت. وهى تأكل الطير والسباع وتبتلع البيض. وإذا
ابتلعت شيئاً ترده أيضاً إلى خلفها حتى يكون فى الطرف ثم تجمع جثتها وتنقبض
فأما من الحيوان ذوات الأربع الأرجل التى تلد حيواناً مثلها فجميع ما كان برياً قوى الأسنان يأكل اللحم، ما خلا الذئاب، فإن الذئاب — 〈فيما〉 يزعم بعض الناس — إذا جاعت أكلت تراباً، وهذا الحيوان فقط لا يأكل شيئاً من العشب البتة إلا عند مرضه، كما تفعل الكلاب: فإنها إذا مرضت واعتلت، وأكلت عشباً من الأعشاب وقاءت واستنقت أجسادها.
وما خبث من الذئاب يأكل الناس.وأما الضبعة العرجاء فعظم جسدها مثل عظم الذئب، ولها عرف مثل عرف الفرس، وشعرها أخسأ من شعر الفرس، وهى كثيرة الشعر فى كل الفقار. وتغتال وتأكل الناس. وهى تقوى وتصيد الكلاب مثلما تصيد الناس. وتنبش القبور لشوقها إلى أكل اللحم.
فأما الدب فهو يأكل كلاً، أعنى أنه يصعد على الشجر ويأكل ثمرها،
ويفعل ذلك لرطوبة جسده. ويأكل الحبوب أيضاً، ويكسر كوابر النحل
فأما الأسد فإنه يأكل أكلاً شديداً ويبلع بضعاً كبيرة بغير أن يقطعها أو يمضغها، ثم يقيم يومين وليلتين بلا طعم لكثرة الامتلاء. وهو قليل الشرب. وليس يلقى روثه إلا مرة فى اليوم؛ وربما فعل ذلك فى كل ثلاثة أيام مرة أو لماماً بالبخت، وروثه جاس جداً ليس فيه شىء من الرطوبة، شبيه بروث الكلب. والريح التى تخرج من جوفه حريفة نتنة جداً؛ ولبوله رائحة ثقيلة، ولذلك إذا دنا من الشجر يشمها كالكلاب. والأسد يرفع الرجل الواحدة إذا بال، كما تفعل الكلاب. [ولبوله رائحة ثقيلة] 〈وهو ينفث بنفسه رائحة ثقيلة فيما يأكله〉؛ وإن شق أحد جوفه، وجد منه بخاراً ثقيل الرائحة.
وبعض الحيوان البرى الذى له أربع أرجل يكسب طعمه وغذاءه من
النواحى التى تلى النقائع والأنهار. وليس شىء منها فيما يلى البحر، ما خلا
الحيوان الذى يسمى باليونانية فوقى Φωχη وأصناف الحيوان الذى يأوى فيما
يلى الأنهار والنقائع والذى يسمى باليونانية قاسطور καστωρ والذى يسمى
ساثاريون σαΘεριον والذى يسمى ساتيريون σατυριον والذى يسمى
انودريس ενυδρισ — وله أسنان قوية. وهو يخرج بالليل مراراً شتى حول
والحيوان القوى المحدد الأسنان يشرب كما يشرب الفأر. فأما الحيوان المستوى الأسنان فهو يشرب بنوع آخر الماء، مثل الخيل والبقر. فأما الذئاب فهى تشرب بنوع آخر. وبعض أجناس الطيور يشرب بنوع آخر، غير أن الطويلة الأعناق منها ما يخل فيما [١٩٠] بين شربها وترفع رءوسها ثم تعود إلى الشرب. والطائر الذى يسمى باليونانية πορΦυριον برفوريون يشرب بنوع آخر فقط.
فأما ذوات القرون من الحيوان المشاء، أعنى المستأنس والبرى وما ليس
هو محدد الأسنان، فكله يأكل الحبوب إن لم يجع جداً، ما خلا الكلب:
فإنه لا يأكل عشباً ولا حبوباً، إلا أقل ذلك. فأما الخنزير فهو من الحيوان
خاصةً يأكل الأصول، لأن خلقة خرطومه موافقة لهذا العمل؛ وخرطومه
موافق لكل طعم، أكثر من جميع الحيوان. وجسده يعظم عاجلاً ويسمن
سريعاً، فإنه يخصب ويسمن فى ستة أيام. والذين يعانون هذا الأمر
بتجاربهم، يعلمون كم تكون زيادة شحمه، وهم يصومونه: فإن الخنزير
إذا جاع ثلاثة أيام ثم أكل سبعاً من الطعام، سمن عاجلاً. فأما أهل تراقى
οι Θρακοσ فإنهم إذا أرادوا أن يسمنوا الخنزير يسقونه فى اليوم الأول، ثم
يخلونه يوماً واحداً أولاً، وبعد ذلك يخلونه يومين أو ثلاثة أو أربعة وإلى
السبعة الأيام. وهذا الحيوان يسمن من أكل الشعير والدخن والتين والكمثرى
البرى والقثاء وما يشبه هذا الصنف. فالخنازير خاصةً تسمن عاجلاً، كما
فطعم أصناف الحيوان الذى ذكرنا على حال ما وصفنا. فأما البقر فهو يعتلف الحبوب ويسمن من الحبوب التى تنفخ، مثل الكرسنة والباقلى المطحون وعشف الباقلى الطرى. وهو يسمن خاصة إن شق أحد ناحية أجسادها ونفخها ثم علف المسن منها، يسمن من الشغير الذى لم يطبخ والشعير المقشر والثمرات الحلوة مثل التين والزبيب والشراب وورق الغرب. ويسمن أيضاً من السمسم والحميم بالماء الحار. وإن وضع أحد موماً مسحوقاً على قرون عجول [١٩١] البقر ذهبت معه حيثما شاء بأيسر المؤونة. وإن دهن أحد قرون البقر بموم أو زيت أو زفت لم يوجع رجليها إلا وجعاً يسيراً. وهى توجع رجليها وتتعب إذا انتقلت من مكان إلى مكان. وتتأذى من الثلج. والبقر وينشأ ويشب عاجلاً إذا لم ينز ولم ينز سنين كثيرة. ولذلك الذين يسكنون البلدة التى تسمى باليونانية اپيرس Ηπειροσ يحفظونها ويسمونها باسم خاص 〈وهو پوريكوس πυρρικυσ〉. وإنما يفعلون ذلك لكى تنشأ وتشب عاجلاً. وعدة هذا البقر تبلغ أربعمائة رأس، وهى للملوك خاصة. وليس يقوى ذلك البقر على المعاش فى بلدة أخرى؛ وقد جرب ذلك بعض الناس، فهلكت.
فأما الخيل والبغال والحمير فهى تأكل الخضر والحبوب. وإنما تسمن وتخصب خاصةً من الشرب. وإنها بقدر ما تروى من الماء، كذلك تعتلف من العلف. وإذا عسر سقيها، عسر علفها أيضاً. فأما الفصيل فإنه يكثر الشعر إذا حمل الزرع؛ فأما إذا جسا 〈فإنه〉 يكون رديئاً. وأول جز القث ردىء، وخاصة إذا سقى القث بماء منتن، لأن القث يكون ردىء الرائحة أيضاً.
والبقر يشتهى شرب الماء النقى. فأما الخيل فهى تشرب مثل الجمال. وشرب الماء الكدر الغليظ ألذ للجمل من غيره. ولذلك لا تشرب الجمال من ماء الأنهار قبل أن تحركه وتعكره بأرجلها. والجمال تقوى على أن تبقى بغير شرب ماء أربعة أيام، ثم بعد ذلك تشرب ماءً كثيراً.
فأما الفيل فهو يعتلف علفاً كثيراً، ويعتلف تسعة أمداء بالمد المقدونى
بمرة واحدة. وهو يخاف عليه إذا اعتلف علفاً كثيراً بقدر ما وصفنا. فأما
القدر الصالح الذى يعتلف فستة أو سبعة أمداء. ويعتلف من السويق خمسة
ماريس μαρισ — وهو كيل رومى، ويكون ماريس قدر ستة قوطولاس
والجمال تعيش قريباً من ثلاثين عاماً؛ ومنها ما يعيش أكثر من ذلك. وقد [١٩٢] عاش بعض الجمال مائة سنة. فأما الفيل فإنه يعيش، فيما زعم بعض الناس، مائتى سنة؛ ومنهم من يزعم أنه يعيش أربعمائة سنة.
فأما الغنم والمعزى فهى تعتلف العشب والحشيش. والغنم يرابط ويثبت فى
الموضع الذى يجد فيه الرعى. فأما المعزى فهى تنتقل من مكان إلى ماكن،
وليس ترعى إلا من أطراف الشجر والعشب. والغنم تسمن خاصة من الشرب،
ولذلك تطعم الملح، فى كل خمسة أيام إذا كان صيفاً؛ والرعاة تطعم مائة من
الغنم مداً من الملح، ويكون قطيع الغنم بهذا التدبير سليماً صحيحاً مخصباً.
ولذلك يلقى الرعاة الملح فى كثير من أعلافها، أعنى فى التبن وغير ذلك.
فإن الغنم إذا اعتلفت من ذلك العلف وعطشت، تشرب شرباً أكثر. وإذا كان
الخريف يملح الرعاة القرع ويعلفون الغنم، لأنه يدر ويكثر اللبن أيضاً.
وإذا تحركت الغنم فى أنصاف النهار، تشرب شرباً أكثر، ولا سيما إذا
كان عند الرواح. وإذا وضعت إناث الغنم وأطعمت الملح، يكون ضرعها
أكبر. والغنم يسمن من العدس ومن التبن أيما كان. وأكثر ما يسمنها نضح
الملح على ما تعتلف. وإن أجاع أحد الغنم ثلاثة أيام وثلاثة ليال ثم استفها من
وأما الرعاة فإنهم يعرفون القوى والضعيف من الغنم فى أوان الشتاء من قبل أن الثلج والجليد يبقى على ما كان منها قوياً؛ فأما الضعيف منها فإنه يتحرك وينتفض ويلقى عن ظهره الثلج والجليد، لحال ضعفه.
وكل لحم ذوات الأربع الأرجل ردىء إذا كان مأواه ورعيته فى أماكن منقع المياه ملتفة الشجر. وإذا كان مرعاها فى مواضع جبلية مشرقية، فلحمها أطيب وألذ.
وما كان من الغنم عريض الإلية يحتمل الشتاء الشديد أكثر من الطويل الإلية. والغنم الكثيرة الصوف تحتمل شدة الشتاء أكثر من القلية [١٩٣] الصوف. والجعدة الصوف منها قليلة الاحتمال للشتاء. والخنازير أصح أجساداً من المعزى. وأجساد المعزى أقوى من الغنم.
وفرو الغنم 〈التى〉 أكلت من الذئاب وصوفها، و〈كذلك〉 الثياب التى تعمل منه يولد قملاً كثيراً، أكثر من الثياب التى تعمل من صوف الغنم التى لم تتناول 〈الذئاب〉 منها شيئاً.
فأما الحيوان المحزز الجسم: فما له أسنان فهو يأكل شيئاً، وما ليس له
وأجناس الحيوان تطعم وتغذى من الأشياء التى وصفنا؛ ولها أفعال خاصة
لها عند أوان سفادها وولادها وتكسب طعمها واحتيالها للبرد والدفء وتغير
الزمان، لأنها تحس من قبل الطباع بالدفء والبرد كما يحس الناس. فإن
الناس، إذا كان الشتاء، دخلوا فى المنازل وتدثروا؛ وإذا كان الصيف
انتقلوا إلى المواضع الباردة؛ وإذا كان الشتاء انتقلوا إلى المواضع الدفئة. وكذلك
يفعل كثير من أجناس الحيوان كلما تقوى على التنقل وتبديل الأماكن. ومن
الحيوان ما يختزن فى المواضع التى عاود المأوى فيها. ومنها ما ينتقل إلى بلاد
بعيدة، إذا كان استواء الليل والنهار الذى يكون فى الخريف. وإنما تنتقل من
مواضعها لهربها من شدة الشتاء. فإذا كان استواء الليل والنهار الذى يكون فى
الربيع، تنتقل من الأماكن الدفيئة إلى الأماكن الباردة، لخوفها من تغيير
الهواء. ومنها ما تنتقل من أماكنها إلى بلاد بعيدة جداً، مثل ما تفعل الغرانيق.
ومنها ما تنتقل [١٩٤] من أرض أسكوثيا — وهى من بلاد خراسان — إلى
والسمك أيضاً يفعل ذلك وينتقل من بحر بنطوس ποντοσ إلى موضع
آخر. وفى السمك جنس آخر: إذا كان الشتاء انتقل من اللج وصار إلى ناحية
البحر لطلب الدفء، وإذا كان الصيف انتقل من ناحية البر وصار
إلى ناحية اللج يطلب البرد. والأصناف الضعيفة من الطائر إذا كان الشتاء
الزمهرير تذهب إلى البقعة المستوية لما تطلب من الدفء؛ وإذا كان الصيف
انتقلت إلى الجبال المشرفة، لحال الحر والسموم. وما كان من أصناف الطير
أضعف من غيره، فهو ينتقل من مكانه فى زمان القيظ قبل غيره، مثل
وجميع هذه الأصناف تكون أسمن وأخصب إذا هى انتقلت من البرد 〈أكثر منها〉 إذا انتقلت من الحر إلى البرد. وجميع ما ذكرنا يهيج إلى النزو والسفاد فى زمان الربيع أكثر من سائر الأزمنة، وإذا انتقلت من الأماكن الصيفية تفعل ذلك أيضاً.
وكما قلنا فيما سلف: الغرانيق، بل جميع أصناف الطير، تنتقل من أول الأرض إلى أواخرها؛ وهى تطير مع الريح التى تهب. فأما ما يقال عن الحجر فكذب، لأن بعض الناس يزعم أن فى الغرانيق حجراً موافقاً لتجربة الذهب وهو يوجد [١٩٥] منها.
والحمام البرى والفواخت والاطرغلات تنتقل من أماكنها ولا تشتو فيها.
فأما الحمام فهو يبقى فى موضعه؛ والدراج أيضاً. وربما بقى بعض الدراج
والفواخت فى مواضع دفئة. وإذا انتقلت الفواخت والاطرغلات تطير رفاً
رفاً؛ وإذا عادت، كمثل. فأما الدراج فإنه إذا وقع فى موضعه وكان الهواء
صاحياً والريح شمالاً، يتزاوج ويخصب. وإن كانت الريح جنوباً،
ساءت حال الدراج ومرضت، لأنها ليست بطيارة: فريح الجنوب رطبة
وبقول عام: جميع الطير المعقف المخاليب قصير العنق غليظ اللسان، محاك. وللطير الهندى الذى يسمى باليونانية ابسطاقى φιττακη لسانً مثل لسان الإنسان؛ وهو يهيج إلى السفاد جداً إذا شرب الشراب.
وأجناس الطير الذى يطير هى: صنف الغرانيق، والقاقنس κυκνοσ والوز الصغير والذى يسمى باليونانية باليقان πελεκαν.
وكما قيل أولاً، بعض السمك ينتقل من ناحية اللج إلى ناحية البر،
ومن ناحية البر إلى اللج، لهربه من شدة البرد [١٩٦] والحر.
والسمك الذى يأوى فى ناحية البر أطيب وألذ وأنفع من الذى يأوى فى اللج،
لأن الرعى الذى يرعى أجود من رعى اللج، فكل مكان تطلع عليه الشمس ينبت
نباتاً أجود وألين من غيره، وذلك بين من نبات البساتين. وفى قرب الأرض
ينبت نبات أجود من غيره؛ والذى ينبت منه فى ناحية اللج شبيه بالبرى.
وأيضاً أماكن البحر التى فى قرب البحر ممتزجة مزاجاً جيداً، ليس بحار ولا
بارد جداً. ولذلك تكون لحمان السمك الذى يأوى فى قرب الشاطىء أقوى
وأشد وأطيب وألذ من السمك اللجى. وباضطرار يكون السمك اللجى
وكثير من صنف السمك الذى يسمى قولياس κολιασ لا يكون فى بحر بنطوس ποντοσ، وهو يصيف فى البحر والموضع الذى يسمى پروبنطس προποτοσ، ويولد هناك ويشتو فى الموضع الذى يسمى اجيون Αιγων. وأما أصناف السمك الذى يسمى ثونيداس Θυννιδεσ وپيلاموداس πηλαμδεσ وأمياى αμιαι فإنها فى الربيع تذهب إلى بحر بنطوس ποντοσ وتصيف هناك. وكثير من الجنس الذى يسمى رواداس ρυαδεσ ومن أصناف السمك الذى يعوم فى البحر رفاً رفاً وكثير من السمك يعوم على مثل هذه الحال؛ ولجميع رفوف السمك قواد يتقدمها إذا عامت.
وإنما يأخذ أصناف السمك إلى ناحية بنطوس، لحال الطعم والرعى، فإن
الرعى هناك أجود وأخصب، لأن الماء عذب، وما عظم من السباع هناك
قليل، فليس فى ذلك الموضع شىء من السباع ما خلا الدلفين
فجميع أصناف السمك يستبين إذا عامت ذاهبةً وإذا عامت راجعةً. فأما الجنس الذى يسمى باليونانية اطريخيا τριχιαι فإنه يصاد بكثرة إذا كان متوجهاً إلى الموضع الذى وصفنا. فأما إذا رجع، فليس يظهر ألبتة. وإذا صيد شىء منها فى ناحية القسطنطينية نقى الصيادون شباكهم لحال كثرة الوسخ. وعلة ذلك أن هذا [١٩٨] الجنس فقط يرجع إلى ناحية البحر الذى يسمى ادرياس Αδριασ، ويصاد بكثرة. وإذا رجع من هناك لا يصاد ألبتة.
فأما الصنف من السمك الذى يسمى ثنوا Θυννοι فإنه إذا توجه إلى ناحية
وإذا كان 〈الوقت〉 نهاراً، يسافر الجنس الذى يسمى رواداس، وإذا كان الليل يسكن، وهذا إن لم تكن 〈الليلة〉 مقمرة؛ فإذا كانت مقمرة، يسافر ولا يسكن. وقد زعم بعض الناس الذين يأوون فيما يلى البحر أنه إذا كان الزوال الشتوى، لا يتحرك هذا الصنف بل يسكن ويقيم حيثما كان إلى زمان استواء الليل والنهار.
فأما ما كان من جنس السمك الذى يسمى قوليى χολιαι فإنه يصاد إذا
توجه 〈داخلاً الپنطوس ποντοσ〉، وإذا رجع يصاد صيداً (يسيراً) وهو
أطيب اللحم قبل أن يبيض فى الموضع الذى يسمى پروپنطوس προποντοσ.
فأما الصنف الآخر من أصناف روداس ρυαδεσ فإنه إذا خرج من بنطوس
يصاد أكثر؛ وهو فى ذلك الأوان طيب اللحم. وإذا توجه السمك وكان قريباً
من المواضع الذى يسمى اجيون Αιγων يصاد سميناً جداً. والذى يصاد
فيما يبعد من ذلك المكان يوجد مهزولاً جداً. ومراراً شتى إذا
فأجناس السمك تنتقل من أماكن إلى أماكن فى أوان الصيف والشتاء كما وصفنا. ومثل هذا العرض يعرض للحيوان البرى فى المواضع التى يأوى فيها: فإنه إذا كان الشتاء، دخل كل واحد منها فى مأواه وعشه ومربضه. وإذا كان أوان الصيف يبرز إلى ما خارج. وكثير من الحيوان يهيىء العش والمربض بقدر ما يكنه ويستره من إفراط البرد والحر. ومن الحيوان أجناس تصير إلى تلك الأماكن جميعاً، ومنها ما تصير إلى بعضها، ومنها ما لا تصير إليها مثل الحيوان الذى فى البحر، الذى يسمى بورفيرى πορΦυραι وقيريقس χηρυκεσ وجميع الجنس الذى يشبهها. وإذا كانا مرسلين يكون [١٩٩] موضع أعشتها أبين، لأنهما تخفيان ذاتهما، مثل الجنس الذى يسمى أقطاناس κτενεσ وتفسير هذا الاسم: أمشاط؛ ومن الحيوان ما لظاهر جسده غطاء مثل الحلزون البرى οι χερσαιοι κοχλιαι. فأما ما كان منها ملصقاً فليس يستين تنقله حسناً. وليس يعشش جميع الحيوان فى زمان واحد، بل الجنس الذى يسمى حلزوناً يعشش فى الشتاء. فأما الجنس الذى يسمى پورفيرى وقيريقس فهما يعششان قبل طلوع الثريا بثلاثين ليلة. والذى يسمى اقطانيس κτενεσ يعشش فى ذلك الزمان أيضاً.
وكثير من أجناس الحيوان المحزز الجسد (=الحشرات) فهو يعشش، ما
وكثير من الحيوان يختفى فى عشه وفى أماكن دفيئة. وأيضاً يعشش كثير من الحيوان الدمى، مثل الحيوان المفلس الجلد، أعنى الحيات وسام أبرص والجراذين والتماسيح النهرية. فإن هذه الأصناف تسكن فى أعشتها ومخابئها الأربعة الأشهر الشديدة الشتاء، ولا تطعم شيئاً ألبتة. وسائر أصناف الحيات يعشش فى الأرض. فأما الأفاعى فإنها تختفى تحت الصخور.
وكثير من أجناس السمك يسكن فى أعشة إذا كان زمان إفراط الحر
والبرد، مثل الذى يسمى باليونانية اپوروس ιππουροσ والذى يسمى
قوراقينوس κορακινοσ فإن هذين الصنفين يختفيان فى الشتاء ويصاد منهما شىء
فقط ولا فى موضع من المواضع، وإنما يصاد فى زمان وأوقات معروفة هى
فهى أبداً. فأما سائر أصناف السمك فهو يصاد. ويعشش أيضاً الصنف الذى
يسمى مورينا μυραινα واورفوس ορΦωσ وغنغروس γογγροσ. وجميع
أجناس السمك الصخرى يعشش زوجاً زوجاً [٢٠٠] أعنى الذكورة مع
وثنوا Θυννοι أيضاً يعشش فى الشتاء فى الأعماق، ويكون سميناً مخصباً جداً بعد خروجه من عشه. ويكون ابتداء صيده من مطلع الثريا إلى غيبوبة ذنب بنات النعش. فأما بقية السنة فهو يسكن فى عشه. ومن أصناف السمك ما يصاد فى أوان مأواه فى عشه، أعنى من هذا الصنف ومن سائر الأصناف التى تعشش، لأنه يتحرك إذا كانت الأماكن دفيئة وإذا كان الهواء صافياً والقحط غالباً، لأنها تخرج ليلاً من أعشتها وتطلب الرعى، ولاسيما فى ليالى بدر القمر.
وكثيراً ما يكون طيب اللحم إذا عشش.
فأما الصنف الذى يسمى باليونانية بريمادس πριμαδεσ فهو يختفى فى الحمأة، والدليل على ذلك أنه يصاد فى ذلك الأوان وما يلى ظهره مملوء حمأةً وجناحاه (=زعنفتاه) معصوران ومجتمعان. 〈و〉فى الأوان الذى ذكرنا يتحرك ويبرز إلى الأرض. والإناث منه تسفد وتبيض، وتصاد مملوءةً بيضاً. وفى ذلك الزمان، يكون هذا الصنف طيب اللحم. فأما ما يصاد منه فى أوان الخريف والشتاء فلحمه أردأ وأقل طيباً. وما يصاد من ذكورة هذا الصنف يظن فيه زرع. فإذا كان البيض صغيراً، يكون صيد هذا الصنف عسراً جداً. وإذا عظم البيض يصاد منه شىء كثير لأنه يهيج أيضاً. ومنه ما يعشش فى الرمل، ومنه ما يعشش فى الطين ويكون فمه فقط عالياً ذلك الطين.
وكثير من الأجناس التى ذكرنا تعشش فى الشتاء فقط. فأما أصناف السمك
اللين الخزف، والأصناف الصخرية، والتى تسمى باليونانية سلاخى وباطوى
〈وعدد كبير من الطير يعشش، وهى لا تهاجر كلها إلى المناطق الحارة〉
كما يظن كثير من الناس بالأصناف التى تكون فى قرب مثل هذه الأماكن التى
فأما من الحيوان الذى له أربع أرجل ويلد حيواناً مثله فليس يغيب ولا
يعشش ما خلا الحيوان الذى يسمى شكاع والدببة. وهو بين أن الدببة
تختبىء فى مجاثمها. ومشكوك إن كانت تفعل ذلك لحال البرد أو لعلة
والذى يسمى باليونانية اليوس ελειωσ يعشش فى الشجر، ويكون فى ذلك الزمان سميناً جداً. والذى يسمى باليونانية موس بونتيقوس μυσ ποντικοσ 〈كمثل〉.
ومن الحيوان الذى يغيب فى عشه ما يسلخ جلده وهو آخر قشر الجلد.
وعلة غيبوبة الدب مشكوكة، كما قيل أولاً، وليس بينة مثل علة
غيبوبة سائر الحيوان الذى يلد حيواناً مثله. فأما الحيوان المفلس الجلد فكثير
وبمثل هذا النوع يسلخ جلده الحيوان المحزز الجسد (=الحشرات)، مثل البق وجميع ما يطير ولجناحيه غلاف مثل الجعل والدبرة. وجميع هذه الأصناف تسلخ جلودها بعد الولاد. ومثلما يخرج الجنين من المشمة، والبزور من قشر جلده، كذلك يعرض للنحل والجراد. فأما الصرار فإنه، إذا خرج، يجلس على شجر الزيتون والقصب؛ وإذا شق قشر جلده، يخرج منه، وتنزل منه رطوبة يسيرة، وبعد ذلك بأيام يطير ويصوت.
فأما ما كان من أصناف الحيوان البحرى، فليس شىء يسلخ جلده ما
خلا الصنف الذى يسمى باليونانية قارابوا καραβοι واصطاقو αστακοι:
فإن هذين الصنفين يسلخان جلودهما مرةً فى الربيع، ومرةً فى الخريف،
وذلك بعد أن يبيضا. وقد صيد من الصنف الذى 〈يسمى〉 قارابوا ما
وقد وصفنا حال جميع الحيوان الذى يعشش، ومتى، وكيف؛ وأى الأصناف تسلخ جلودها، ومتى؛ وبينا ذلك كله.
وأجناس الحيوان تخصب ويحسن حالها فى أزمان وأوقات مختلفة، ولا يعرض لها ذلك فى أوان شدة الحر والبرد بنوع واحدً. وأيضاً صحتها وسقمها يختلفان ولا يكونان فى أزمان متفقة.
والقحط ويبس الهواء، أوفق للطير من غيره، فإنه يصح ويحسن حاله
إذا كان قحط، ويبيض ويفرخ، ولاسيما الدلم والحمام البرى. فأما
أصناف السمك فهى تخصب ويحسن حالها إذا كثرت الأمطار، ما خلا [٢٠٤]
أصنافاً يسيرةً منها. فأما القحط فمخالف لها. وإنما يوافق القحط لجميع أصناف
الطير، لقلة شربه. فما كان من أصناف الطير معقف المخاليب لا يشرب
شيئصاً من الماء ألبتة، كما قيل أولاً. وقد جهل ذلك اسيودس
وأمراض أصناف الطير تستبين من قبل ريشها، لأن الريش يختلف ولا يكون ثابتاً ساكناً على حاله، كما يكون فى أوان صحتها.
فأما أكثر أجناس السمك فيكون أخصب وأحسن حالاً فى السنين الكثيرة
الأمطار، كما قلنا فيما سلف. وعلة ذلك لأن طعمها يكون أكثر.
وبقول كلى: ماء المطر أوفق لها من غيره مثل موافقته لجميع نبات الأرض:
فإن أصناف البقول، وإن كانت تسقى، فهى تكون أخصب وأجود وأطيب
إذا أصابها ماء السماء. وليس تكاد أن تشب ولا تنمو أشياء مما وصفنا إذا لم
يصبه ماء السماء. والعلامة الدليلة على ذلك من قبل أن كثيراً من أصناف
السمك ينتقل إلى ناحية بنطوس فى أول الصيف، لحال كثرة الأنهار هناك التى
تصب إلى البحر، والماء يكون أعذب، ومع مسيل الأنهار يقع فى تلك الناحية
من البحر طعم كثير. وأيضاً كثير من السمك يعوم ويخرج من البحر إلى الأنهار
ويخصب فى تلك الأنهار والنقائع، مثل الصنف الذى يسمى باليونانية اميا.
وليس يحسن حالها [٢٠٥] فى الأماكن الباردة، وخاصةً تسوء حال أصناف السمك التى رءوسها حجر إذا كان أوان الشتاء، مثل الصنف الذى يسمى باليونانية خروميس χρομισ ولبراقس λαβραξ واسقيانيا σκιανια وفاغروس Φαγροσ، من أجل أنها تجمد من برد الحجر وتقع وتهلك.
فالمطر موافق لكثير من أصناف السمك، وهو مخالف للصنف الذى
يسمى قسطريوس κεστρευσ والقيفال κεΦαλη والذى يسميه بعض
الناس مارينوس μαρινοσ، لأن هذه الأصناف تعمى من مياه الأمطار،
ولاسيما إذا كانت غزيرة. والقيفال يكون ردىء الحال فى الشتاء أكثر من
غيره لأن عينه تبيض، ولذلك يصاد فى ذلك الأوان مهزولاً جيداً. وفى
الآخرة يهلك جداً. ويشبه أن لا يكون يلفى ذلك لحال الأمطار، بل لحال
شدة البرد. وقد صيد كثير من هذا الصنف فى شدة البرد فى البلدة التى تسمى
باليونانية نوپليا Ναυπλια فيما يلى المكان الذى يسمى ارغيا Αργεια،
وعيناه قد عميتا ألبتة. وقد صيد أيضاً كثير منها قد علا عينيه البياض.
وما كان من أصناف السمك لجياً من قبل الطباع فاللج أوفق لخصبه وحسن حاله؛ وما كان مأواه فى قرب الشط من قبل الطباع، فذلك الموضع أوفق لخصبه. ومن أصناف السمك ما يكون مشتركاً، أعنى كون مأواه من قبل الطباع فى اللج وقرب الشط. ولجميع أصناف السمك أماكن خاصة بها وتخصب فيها. ومن تلك الأصناف ما يخصب فى الأماكن التى فيها طحلب كثير، ولذلك تصاد فى تلك الأماكن مخصبة جداً، ولاسيما ما كان من السمك يرعى فى أماكن مختلفة. وكل ما كان من أصناف السمك يأكل الطحلب، فهو يجد طعماً كثيراً. فأما السمك الذى يأكل اللحم فهو يتناول أصنافاً كثيرة من أصناف السمك.
وأيضاً يكون فى السمك اختلاف من قبل الريح التى تهب، أعنى الشمال والجنوب. فما كان من أصناف السمك مستطيل [٢٠٦] الجثة فهو يخصب فى الصيف، وإذا هبت الريح الشمال، ولذلك يصاد كثير منها فى مكان واحد إذا دامت ريح الشمال. فأما السمك العريض الجثة، فعلى خلاف ذلك.
فأما صنف السمك الذى يسمى باليونانية ثنوا Θυννοι والذى يسمى
اقسفياى ξιΦιαι فهو يهيج فى أوان مطلع كوكب الشعرى لأنه يوجد قريباً من
وكثير من أصناف السمك الصغير يسلم، لأن السباع تحتقره ولا تطلبه، بل تطلب السمك الأعظم، فهذا فعل الحيوان العظيم. وكثير من أصناف السمك الصغير الذى يخرج من البيض يهلك من دفء الهواء، والحيوان الكبير يبتلع ويأكل جميع ما هو دونه.
والسمك يصاد أكثر قبل طلوع الشمس. ولذلك يرفع الصيادون شباكهم فى تلك الساعة، لأن بصر السمك يكون فى ذلك الأوان ضعيفاً. والسمك يسكن فى الليل؛ وإذا أضاء النهار حسناً يجود بصره.
وليس يظهر مرض ووباء يعم السمك مثلما يعم الناس مراراً شتى
ويعم كثيراً من الحيوان الذى يلد حيواناً مثله وله أربع أرجل مثل الخليل والبقر
وبعض الحيوان الأنيس والبرى. وهو يظن 〈مع ذلك〉 أن السمك أيضاً
يمرض. والصيادون إنما يزكنون ذلك من قبل أن كثيراً منه يصاد مهزولاً
فهذه حال أصناف [الحيوان و] السمك البحرى.
فأما السمك النهرى والنقائعى فليس يعرض له مرض ووباء يعمه، بل
يعرض لبعضه مرض خاص، مثل السمك الذى يسمى باليونانية غلانيس
γλανισ فإنه يمرض فى أوان طلوع كوكب الكلب خاصةً [٢٠٧] لأنه
يعوم على وجه الماء. وطلوع ذلك الكوكب يضره ويصدع من الرعد
الشديد. والذى يسمى قوپرينوس κυπρινοσ ربما ألفى ذلك، ولكن دون
ما يلفى الذى يسمى غلانيس. وربما هلك كثير من السمك إذا ضربه التنين
الذى يسمى «حية». فأما فى الباليروس βαλεροσ والطيلون
فإنه يقع فى 〈هذين النوعين من〉 السمك دود فى زمان طلوع كوكب
والسمك يهلك فى أوان شدة الشتاء والزمهرير. ولذلك يصاد كثير من السمك الذى يأوى الأنهار والنقائع (=المستنقعات) فى ذلك الأوان. والقوم الذى يسمون باليونانية فونيقاس οι Φοινικεσ — وهم من سكان الشام — يصيدون كثيراً من السمك فى ذلك الأوان. وبعض الناس يحتال أيضاً بحيل أخر ويصيدون السمك. ولأن السمك فى الشتاء يقرب من أعماق الأنهار، ولأن الماء العذب يبرد جداً، يحفرون فيما يلى النهر فى اليبس خندقاً ثم يغطونه بحجارة وحشيش، ويصيرونه مثل عش له مدخل من النهر، فإذا دخل فيه السمك حازوه بأهون السعى. وأيضاً يصاد السمك بحيلة أخرى فى الصيف والشتاء، أعنى أنهم يسدون وسط النهر بحشيش وحجارة وأعواد، ويدعون فى ذلك السد موضعاً مفتوحاً، ويضعون فيه زنبيلاً موافقاً للصيد ثم يطردون السمك حتى يقع فيه.
والسنون المطيرة موافقة لأصناف السمك الجاسى الجلد، ما خلا الصنف
الذى يسمى باليونانية بورفيرى πορΦυρα، وعلامة ذلك من قبل أنه إذا
وضع فى موضع ينبع منه ماء نهر، وذاق من ذلك الماء يهلك من يومه. وهذا
فأما القحط ويبس الهواء فهو غير موافق لسائر أصناف السمك النهرى، لأنه يكون أصغر وأردأ لحماً. والسمك الذى يسمى باليونانية قديناس κτενεσ يكون فى ذلك الموضع والزمان أخصب. وفى زمان من الأزمنة الماضية باد الصنف الذى يسمى باليونانية اقديناس κτενεσ فى الموضع الذى يسمى پورا πυρρα، ليس لحال الآلة التى كان الصيادون يجردون بها الأرض فقط، بل لحال القحط أيضاً. فأما سائر أصناف السمك الجاسى الجلد فإنه يخصب فى السنين المطيرة، لأن ماء البحر يكون أحلى. فأما فى بلدة بنطوس فليس تكون هذه الأصناف، لحال البرد. ولا يكون فى الأنهار، ما خلا أصنافاً يسيرة من التى لها بابان، فأما التى لجثتها باب واحد فهى تهلك، خاصةً فى زمان شدة البرد والزمهرير، لأنها تجمد.
فهذه حال جميع الحيوان المائى.
فأما أصناف الحيوان ذوات الأربع الأرجل، فالخنازير تمرض ثلاثة
أمراض. والمرض الواحد 〈منها〉 يسمى خاصةً بحوحة، لأنه يعرض
ويعرض لها أيضاً مرضان آخران: أحدهما يسمى باليونانية قراوروس
κραυροσوهو وجع الرأس وثقل؛ فأما الآخر فهو سيل يعرض فى البطن،
وهذا ليس له دواء. وربما عولج أحد هذين المرضين بشراب تسعط به
مناخيرها. وليس تكاد تسلم من هذا الداء، لأنه يقتلها فى ثلاثة أيام. والبحوحة
تعرض لها أيضاً خاصةً فى الصيف، إذا كانت سمينة جداً 〈وكان محصول
التين وفيراً〉. وإن علفت من الجميز، انتفعت بذلك؛ وإن صب
عليها ماء حار كثير، انتفعت به، ولا سيما إن قطعت العروق التى تحت
اللسان انتفعت به. ويوجد فى الخنازير الرطبة اللحم، فيما يلى العنق والكتفين
والساقين، شىء معقد شبيه [٢٠٩] بالبرد. وإذا كان ذلك قليلاً، حلا
فأما الكلاب فإنها تمرض ثلاثة أصناف من الأمراض، وأسماؤها
فأما البقر المخلى فى الرعى فهو يمرض مرضين: أحدهما نقرس، والآخر يسمى باليونانية قراوروس κραυροσ، وهو شبيه بصدام. فإذا عرض لها النقرس تتوهج أرجلها، ولا تهلك من ذلك المرض، ولا تلقى أظلافها. ولا تجد راحة من هذا الداء 〈إلا〉 إذا دهنت قرونها. فأما إذا عرض لها الداء الآخر (= قراورس) الذى يشبه الصدام، 〈فإنه〉 يكون نفسها حاراً متتابعاً. وهذا الداء شبيه بالحمى التى تعرض للناس. وإذا أصاب البقر أرخت آذانها، وامتنعت من العلف، وهلكت عاجلاً. وإن شقت أجوافها وجدت رئاتها فاسدةً.
فأما ما كان [٢١٠] من الخيل مخلى فى الرعى، فليس يعرض له شىء من الأمراض، غير أنه ربما 〈أصيب بالنقرس، الذى يؤدى به إلى أن يلقى〉 الحوافر واعتل من ذلك. وإذا ألقى شىء من الخيل حافره، ينبت حافر آخر عاجلاً، لأن نباته يظهر مع خروج الحافر الأول. وعلامة ذلك اختلاج الخصية اليمنى، أو يكون وسط أسفل المنخر 〈شق〉 عميق عمقاً يسيراً كثير الوسخ.
فأما الخيل التى تعتلف فى البيوت فهى تمرض أمراضاً كثيرة: فيعرض
لها حصر البول، وعلامة هذا الداء انضمام مؤخر أجسادها بقدر ما يظن
الذى يعانيها أن رجلى المؤخر لاصقة بعضها ببعض. وربما
امتنع الفرس من العلف أياماً وأصابه شبيه بالجنون. فإن قطع له عرق
وأخرج دم بقدر الكفاف، انتفعت به. والكزاز أيضاً يعرض للخيل،
والعلامة الدليلة على ذلك: ورم وامتداد جميع العروق والرأس والعنق، مع
ثقل المشى 〈و〉عسر حركة الرجلين. وربما عرض للخيل وجع القرح
ويعرض لها مرض آخر أيضاً شبيه بالكلب والجنون 〈ويسمى باليونانية نومفيا νυμφια〉 وعلامة ذلك 〈المرض〉 استرخاء أذنيها إلى ناحية أعرافها، وضعفها وامتناعها من العلف. وليس لهذا الداء أيضاً علاج. إذ يكفى الفرس آنذاك سماع صوت ناى ليهدأ، ويكون رأسه مائلاً إلى الأرض؛ وإذا ركبه أحد ركض إلى أن يكف. لكن عينه دائماً حزينة، حتى وهو فى غاية الهياج.
ويعرض لها وجع القلب، وهو مميت. وربما أوجعت المثانة لانتقالها من
مواضعها، والدليل على ذلك أنها لا تقوى على أن تبول، وإذا مشت، جرت
حوافرها وساقيها، 〈وكذلك ابتلاع حيوان يسمى باليونانية استافولينوس،
σταφυλιγοσ،حجمه حجم الاسبونديلى σπογδυλη〉 — فأما عضة الحيوان
الذى 〈يسمى〉 باليونانية مغالى μυγαλη فهى رديئة للخيل وسائر الحيوان.
وإذا غض شيئاً منها يعرض لجسده نفاخات؛ وإن كانت 〈أنثى هذا الحيوان
المسمى موغالى〉 حاملاً وعضت فرساً فعضها يكون أخبث وأردأ كثيراً،
لأن النفاخات تنشق وتسيل ماء؛ فإن لم يعرض ذلك، لم 〈يحدث ذلك〉.
— وإذا عضه الحيوان الذى يسمى باليونانية خلقيس χαλκισ — ومن الناس من
والفرس وما يشبههه يهلك من الزرنيخ الأحمر، إن صفى وسقى بماء. والفرس الأنثى تسقط إذا شمت دخان السراج المطفأ. وهذا يعرض لبعض حوامل النساء أيضاً.
فهذا حال أمراض الخيل.
فأما الذى يسمى باليونانية ابومانيس ιππομανεσ فهو يكون 〈مثل زائدة〉 على أجساد الفلو، فيما يقال. وإناث الخيل تلحسه وتنقيه وتأكله. والنساء يقلن فيه أقاويل شتى، والذين يعالجون الرقى أيضاً. وحال الذى يسمى باليونانية بوليون πωλιον — وهو الذى يخرج من إناث الخيل قبل 〈ولاد الفلو〉 — معروف.
وكل فرس يعرف صوت الفرس الذى قاتله فيما سلف. — والخيل
تستحب المروج والأماكن الكثيرة المياه والشجر وشرب الماء الكدر؛ وإن كان
الماء السائل صافياً، نقياً، كدرته بحوافرها ثم شربت. وإذا شربت استحمت
بذلك الماء، لأن هذا الحيوان يحب الاستحمام بالماء، ويحب الماء جداً. وكذلك
فأما الحمير فهى تمرض خاصةً مرضاً واحداً، وذلك وجع يعرض لرءوسها أولاً، ثم يسيل من مناخيرها بلغم كثير أحمر اللون. فإن نزل ذلك البلغم إلى الرئة، قتلها؛ فأما إذا كان فى الرأس فقط فليس هو مميت. — والحمير تحس بالبرد جداً أكثر من سائر الحيوان: ولذلك لا تكون فى ناحية پنطوس ποντοσ ولا فى ناحية اسكوثيا εκυφικη.
فأما الفيلة فإنها تمرض الأمراض التى تكون من النفخ. فإذا عرض لها
شىء منها، لا تقوى على البول ولا تروث. وإذا أكلت الفيلة تراباً،
اعتلت، إن لم تدمن أكله. فإن أدمنت أكله، لا يضرها شىء. وربما ابتلعت
حجارة، ويصيبها اختلاف البطن؛ وإذا اختلفت، تسقى ماءً حاراً،
وتعلف حشيشها مبلولاً بعسل — فيسكن اختلافها. وإذا تعبت الفيلة تعباً
شديداً لأنها لم تنم، فتدلك أكتافها بزيت وماء حار، فتبرأ.
وبعض الفيلة يشرب الزيت، وبعضها لا يشرب. وإذا شربت الزيت، يخرج
فهذه حال الحيوان الذى له أربع أرجل. فأما كثير من الحيوان المحزز الجسد (= الحشرات) فهو يخصب فى الزمان الذى يتولد فيه، ولاسيما إذا كان مزاج ذلك الزمان موافقاً مثل الربيع رطباً حاراً. ويكون فى كوائر النحل صنفان من أصناف الحيوان يضران به، أعنى الدودة التى تنسج العنكبوت وتفسد موم الشهد، وهى تسمى باليونانية اقليروس κληροσ ومن الناس من يسميه پوروستى πυραυοτη؛ وهو يولد، قريباً من الموم، شيئاً شبيهاً بالعنكبوت، ويمرض النحل. — ويكون أيضاً فى الكوائر حيوان آخر مثل الفراشة التى تطير حول السراج. وإذا تنفست، خرج منها شىء شبيه بغبار دقيق. وليس يلسع النحل هذا الحيوان؛ وإنما يهرب من الخلايا إذا أصابها الدخان. ويكون أيضاً صنف دود آخر فى الخلايا، يلسعه النحل. والنحل يمرض وتسوء حاله خاصةً إذا وقعت القملة فى الأزهار، وإذا كانت السنة قحطة قليلة المطر.
وكل حيوان محزز الجسد يهلك إذا دهن بزيت؛ ويهلك عاجلاً، إن دهن بزيت رأسه ووضع فى الشمس.
وفى أصناف الحيوان اختلاف كثير من قبل الأماكن والبلدان التى تكون
فيها. وكمثل ما 〈لا〉 يكون بعض الحيوان فى بعض الأماكن ألبتة، فكذلك
يكون فى بعض البلدان أصغر جسماً وأقل عمراً؛ أو لا يخصب. وربما كان
ذلك الاختلاف فى بعض الحيوان من قبل الأماكن التى يقرب بعضها من بعض
فى البلدة التى تسمى باليونانية ماليسيا Μιλησια: ربما كان الصرر فى
بعض المواضع، وفى بعضها لا تكون. وفيما يلى النهر، الذى فى البلدة التى
تسمى باليونانية قافالانيا ΚεΦαληνια تكون الصرر فى ناحية منه، ولا تكون
فى الناحية الأخرى. وفى البلدة التى تسمى باليونانية پوردوسلينى πορδοσεληνη
مفرق طريق يكون الصرر فى ناحية 〈منه〉، ولا يكون فى الناحية الأخرى.
وفى البلدة التى تسمى باليونانية بواطيا Βοιωτια يكون من الخلد شىء
كثير، 〈بالقرب من اورخمنوس Ορχομενοσ〉. فأما فى
البلدة التى [٢١٣] تسمى لبديا Λεβαδια— وهى قريبة من بواطيا — فلا يكون
خلد ألبتة. وإن حمل أحد خلداً أو جاء به هناك لا يحفر الأرض ألبتة. وإن
جلب أحد أرانب إلى البلدة التى تسمى باليونانية إثاقى، لا تقوى على
المعاش هناك، بل تهلك وهى ملتفتة إلى البحر. وفى الجزيرة التى تسمى اسقيلية
وفى غنم أرمينية والشام مما [فى] عرض إليته ذراع؛ ومن المعزى ما
يكون طول أذنيه شبراً ونصفاً، ومنها ما يكون طويل الأذنين يماس الأرض.
وللبقر أعراف فوق أطراف الكتفين، مثل الجمال. وفى أرض لوقيا Λυκια
والحيوان يكون فى أرض مصر أكبر حجماً مما يكون فى البلدة التى تسمى «باليونانية الأرض» (بلاد اليونان εν τη Ελλαδι) مثل البقر، والغنم. ومن الحيوان ما يولد هناك أصغر حجماً، مثل الكلاب والذباب والأرانب والثعالب والغربان والبزاة والغداديف وما يقارب هذه الأصناف فى طبائع الحيوان. ويزعمون أن الرعى والطعم علة كل ذلك، لأن الرعى يكون فى أماكن كثيرة متاحاً، وفى أماكن يكون قليلاً جداً. والعظم أيضاً كمثل. ومن قبل هذه العلة، صار اختلاف الذباب والبزاة، لأن طعم الحيوان الذى يأكل اللحم هناك قليل جداً، لقلة أصناف الطير الصغير. فأما الأرانب [٢١٤] وجميع الحيوان الذى لا يأكل اللحم فهو هناك صغير الجثة، لقلة أطراف الشجر، ولأن الفاكهة لا تزمن.
وفى أماكن كثيرة تكون علة ذلك من قبل مزاج هذه البلدة 〈أو تلك〉، ولذلك تكون الحمير صغار الجثث فى البلدة التى تسمى باليونانية الوريس Ιλλυρισ وفى أرض تراقيا Φρακη واپيروس Ηπειροσ؛ فأما البلدة التى تسمى قلتيكى Κελτικη واسكوثيكى ΕκυΦικη فليس يكون 〈فيهما〉 حمير ألبتة، لأن تلك البلدان شديدة الشتاء جداً.
فأما فى أرض أربيا Αραβια فإنه يكون من أصناف السام أبرص ما جثته أعظم من ذراع؛ ويكون هناك فأر عظيم الجثة أكبر من الفأر الذى يتولد فى البر، وتكون مقاديم رجليه طوالاً قدر نصف شبر.
فأما فى أرض لوبيه فجنس الحيات مستطيل ليس له عرض فيما يقال. وقد زعم بعض الناس من ركاب البحر أنه عاين هناك بقراً كبيراً، وهو بين أن ذلك البقر يؤكل من الحيات، لأنها تشد على المراكب وتقلبها وتأكل ما تجد فيها من الحيوان. — والأسود تكون فى 〈لوبيه وفى〉 [البلدة] التى تسمى باليونانية اوروبى Ευρωπη 〈كثيرةً〉 عظيمة الجثث، ولا سيما بين الموضع الذى يسمى اشيلوس Αχελωοσ والنهر الذى يسمى نصوص Νεσσοσ.— أما الفهود فهى تكون فى أرض آسيا، ولا تكون فى [بلدة] أوروبى Ευρωπη.
وبقول كلى: ما كان من الحيوان الذى فى أرض آسيا فهو أصعب خلقاً
ويكون أيضاً أصناف حيوان آخر من مزاوجة سباع لا يناسب بعضها
بعضاً، مثل الذئاب التى تسفد الكلاب فى أرض قورينه Κυρηνη. وتتولد
كلاب سلوقية من ثعالب وكلاب. ويزعمون أن من الحيوان الذى يسمى
باليونانية تاغريس τιγρισ ومن الكلب، تكون الكلاب الهندية؛ وليس
واختلاف الأماكن والبلدان يصير أخلاق الحيوان مختلفةً، أعنى المواضع الخشنة الجبلية، والمواضع المرخية السهلة اللينة. فما كان منها فى المواضع الخشنة الجبلية أفظع منظراً وأقوى من غيره كثيراً، مثل السباع التى 〈تكون فى الجبل الذى〉 يسمى باليونانية أثوس، فإن الذكورة التى تكون فى السهل لا تقوى على قتال الإناث التى تكون فى الجبل.
وعض السباع ولذع الهوام يختلف بقدر اختلاف البلدان، كقولى (= فمثلاً) العقارب فى ناحية فارس Φαροσ وأماكن أخر ليست برديئة؛ فأما فى أماكن أخر مثل بلدة اسقوثيا ΕκυΦια فالعقارب فيها كبار كثيرة رديئة، فإن لدغت إنساناً أو سبعاً آخر قتلته؛ وهى تقتل الخنازير أيضاً، ولا سيما الخنازير السود الألوان. وعضة جميع السباع مؤذية للخنازير جداً. وإذا لدغت الخنازير وذهبت إلى الماء، تهلك عاجلاً.
ولسع الحيات أيضاً مختلف بقدر اختلاف البلدان: فإن الأفاعى التى تكون فى أرض لوبيه رديئة جداً؛ ومنها يهيأ الشراب الذى يعفن. وليس لمن لدغته علاج. ويكون أيضاً فى 〈النبات الذى〉 يسمى باليونانية صلفيون οιλΦιωγ حية صغيرة رديئة اللسع جداً، ويزعمون أن تلك اللسعة تعالج بحجر يؤخذ من بعض قبور قدماء الملوك، وذلك الحجر ينقع بشراب، ويشرب ذلك الشراب. وفى بعض الأماكن التى فى بلدة [٢١٦] أطاليا Ιταλια جراذين تعض عضاً مميتاً. ولذع جميع الهوام الذى له سم، يكون أردأ وأخبث إذا أكل بعضه جسد بعض، مثل العقارب والأفاعى. وريق الإنسان مخالف لكثير من الهوام. وتكون حية صغيرة يسميها بعض الناس: كهنية، وهى خبيثة جداً، ولذلك تهرب منها الحيات الكبار. وعظم هذه الحية قدر ذراع، ومنظرها أزب كثير الشعر. وإذا تلسع شيئاً، من ساعته يصفر ما حول ذلك اللسع. وفى أرض الهند، تكون أيضاً حية صغيرة رديئة اللسع، ولذلك لم يوجد للسعها دواء ألبتة.
وأصناف الحيوان تختلف أيضاً من قبل الخصب وسوء الحال، وتختلف من قبل أزمان حالها. ولذلك ما كان من الحيوان خزفى الجلد، مثل الذى يسمى باليونانية اقتانس κτενεσ وجميع أصناف الحلزون والأصناف اللينة الخزف تكون مخصبة طيبة اللحم إذا حملت: مثل الصنف الذى يسمى قارابو καραβοι وجميع الصنف الخزفى الجلد. فأما ما كان من صنف اللينة الجلد فإنها تقف إذا سفدت وإذا باضت. وليس يفعل ذلك شىء من الأصناف الأخر. والصنف الذى يسمى باليونانية مالاقيا إذا حمل يكون مخصباً طيب اللحم مثل السمك الذى يسمى طاوثيداس τευθιδεσ وصبيا σηπικ والأجناس الكثيرة الأرجل πολυποδεσ. وإنها تكون فى أول حملها طيبة اللحم، وإذا أزمن حملها: منها ما يكون مخصباً، ومنها ما يكون على خلاف ذلك. فالسمك الذى يكون منه الصير يكون طيباً عند حمله، ومنظر بطنه يكون مستديراً؛ فأما الذكر فهو يكون أطول وأعرض. ويعرض فى أول حمل الإناث أن يكون لون الذكورة مختلفاً وأشد سواداً، ولحومها فى ذلك الأوان رديئة، ولذلك يسميها بعض الناس فى ذلك الزمان تيوساً، وتكون رديئة اللحم.
والصنف الذى يسمى باليونانية قوطوفوس κοττυΦσσ وكخلا κιχλα
يتغيران وأيضاً أصناف الذى يسمى سماريس σμαρισ فإنها تبدل اللون
بقدر الأزمان، مثلما تبدل أصناف كثيرة من الطير ألوانها؛ فتكون فى الربيع
سود الألوان 〈وبعد الربيع تسترد لونها الفاتح〉. ولون الصنف الذى يسمى
فوقيس Φυκισ يتغير أيضاً، لأن لونه يكون فى الربيع مختلفاً، وفى سائر الزمان
والصنف الذى يسمى قوراقينوس κορακινοσ طيب اللحم إذا عمل منه الصير. فأما الذى يسمى قسطرويس κεστρευσ ولبراقس λαβραξ وكل صنف له قشور — فكله ردىء إذا حمل. والذى يسمى باليونانية اغلوقوس γλαυκοσ كمثل. وكل ما كان من السمك مسناًً، فردىء. والصنف الذى يسمى ثنوى θυννοι ردىء إذا كان مسناً، ولذلك لا يصلح للتمليح، لأن كثيراً من بطنه يذبل ويذوب. ومثل هذا العرض يعرض لسائر أصناف السمك أيضاً. والمسن من السمك بين معروف، من قبل جساوة لحمه وعظم قشوره. وقد صيد فيما سلف ثنوس θυννοσ كان [فى] وزنه خمسة عشر طالنطا، وكان بعد حنكه قدر ذراعين وشبر.
فأما أصناف السمك النهرى والنقائعى فهو مخصب طيب اللحم بعد أن يبيض بيضه، والذكورة بعد طرح المنى، ولا سيما إذا ربيت. ومن أصناف السمك ما يكون مخصباً إذا حمل، مثل الذى يسمى باليونانية صابرديس σαπερδισ، ومنه ما يكون مهزولاً ردىء اللحم مثل الذى يسمى غلانيس γλανισ. ومن سائر أصناف السمك الذكورة أخصب، وأطيب من الإناث. فأما من الصنف الذى يسمى غلانيس γλανισ فالأنثى أطيب من الذكر. ومن الانكليس الذى يسمى إناثاًً أطيب من الذكورة؛ وإنما قلت: «تسمى إناثاًً»، لأنها ليست إناثاًً بالحقيقة، بل بالمنظر فقط.
تم القول السابع من كتاب الحيوان لأرسطاطاليس
إنا نعلم بالجنس أشكال وحالات الحيوان. وعلمنا بأشكال الحيوان
الضعيف المهين القليل [٢١٨] العمر دون علمنا بأشكال الحيوان القوى الطويل
العمر. وإنما أقول ذلك لأنه يظهر لنا أن فى أصناف الحيوان قوةً طباعية تشبه
كل واحدة من قوى النفس وأفعالها، أعنى الحلم وحسن الشكل،
وأشكال إناث وذكورة جميع أصناف الحيوان الذى فيه ذكر وأنثى — مختلفة. وذلك بين ظاهر فى الناس، وفى جميع الحيوان الذى له عظم جثة والحيوان الذى له أربع أرجل ويلد حيواناً مثله: فإن شكل الإناث ألين وأضعف، وهى تكيس وتستأنس ويمكن مراوضتها عاجلاً، وهى أكثر أدباً وتعليماً، مثل إناث الكلاب السلوقية αι λακιναι فإنها أسرع إلى الأدب من الذكورة. فأما جنس الكلاب التى تكون فى البلدة التى تسمى باليونانية مولوطية Μολοττια، أعنى الجنس الصياد، فليس بينه وبين سائر الأجناس اختلاف. فأما الجنس الذى يتبع الغنم فبينه وبين غيره اختلاف بالعظم والجلادة ومضادة السباع وقتالها. والكلاب التى تتولد من هذين الجنسين اللذين يكونان فى أرض ملوطيا والكلاب السلوقية أعظم جثةً وأجلد من غيرها؛ وبينها وبين سائر أصناف الكلاب اختلاف كثير.
وجميع إناث أجناس الحيوان أقل جرأةً وأجزع من الذكورة، ما خلا
وبقدر قول القائل: توجد آثار لهذه الأشكال والحالات فى جميع أجناس الحيوان، وهى فى الأجناس التى لها شكل أبين وأوضح، وخاصةً فى الإنسان، لأن [٢١٩] طباع الإنسان كامل تام. ولذلك تكون هذه الأشكال والحالات فيه أبين وأعرف. ومن أجل هذه العلة أقول إن المرأة أكثر رحمةً وأغزر بكاءً، وأكثر حسداً ولائمة لأصل المولود، ومحبةً للشتيمة والبغى، وأجزع نفساً من الرجل. والمرأة أيضاً أكثر قحةً وأكثر كذباً وأسرع إلى الخديعة وأكثر ذكراً، وأردأ نوماً، وأكثر فشلاً. وبقول عام: الأنثى أقل حركة من الذكر، وأقل طعماً (= طعاماً)، وأحسن عوناً فيما قيل أولاً.
والذكر أجلد من الأنثى، وذلك بين فى صنف الحيوان البحرى الذى
يسمى باليونانية مالاقيا: فإنه إذا ضرب الصياد الذكر منها بالحديدة التى لها
ويكون بين الحيوان الذى يأوى فى أماكن 〈هى〉 فهى، وطعمه وحياته من أماكن متفقة: قتال وخلاف شديد. وإن كان الرعى والطعم قليلاً، فكل جنس من أجناس الحيوان يقاتل ما وافقه وأشبهه بالجنس. ولذلك يزعمون أن الحيوان الذى يسمى باليونانية فوقى يقاتل بعضه بعضاً إذا كان فى مكان واحد هو فهو، الذكر والأنثى، حتى يقتل بعضه بعضاً، أو يخرج أحدهما الآخر وينفيه عن مكانه. وجميع جراء السباع تفعل مثل هذا الفعل، إذا قل صيدها ومرعاها وضاقت حالها. وأيضاً جميع أصناف الحيوان يقاتل الصنف الذى يأكل اللحم النىء. وهذا الصنف يقاتل جميع سائر الحيوان، لأن غذاءها من الحيوان. ولذلك يقضى العرافون وأصحاب زجر الطير على اتفاق الجلوس، وافتراق المأوى، فيزعمون أن اتفاق الجلوس دليل على صلح، واختلاف المأوى دليل على مشاجرة وخلاف.
وإذا كان الطعم والرعى مباحاً كثيراً، تكاد السباع والحيوان تستأنس إلى
الناس وبعضها إلى بعض. وإذا كان خلاف ذلك، تنفر وتجزع وتسوء
أخلاقها، وتهرب من المأوى من قرب الناس ومن كينونة بعضها مع بعض.
وذلك بين فى الحيوان الذى يكون بأرض مصر، فإن أصناف الحيوان
المختلفة تعيش هناك بعضها مع بعض [٢٢٠] لأن الطعم والرعى هناك كثير
مباح. وما كان من أصناف الحيوان صعب الخلق نزقاً برياً، يكون هناك
آنس، لحال كثرة المنفعة، كما يعرض فى بعض المواضع التى يكون
وينبغى لنا أن نعلم أن العقاب 〈والتنين〉 يقاتل بعضها بعضاً. والعقاب يأكل الحيات. والحيوان الذى يسمى باليونانية اخنومون ιχνευμων يقاتل الخلد Φαλαγξ. وإذا ظفر أحدهما بالآخر، أكله. فأما من أصناف الطير، فإن الذى يسمى باليونانية فويقليدس ποικιλιδεσ والذى يسمى قوريدوناس κορυδωνεσ والذى يسمى خلوروس Χλωρευσ والذى يسمى پبپرا πιπρα يقاتل بعضها بعضاً، ويأكل بعضها بعضاً. والغداف يقاتل البومة، فإن الغداف يخطف بيض البومة فى أنصاف النهار ويأكله، لأن البومة لا تبصر بصراً حاداً فى ذلك الأوان. وإذا كان الليل شدت البومة على بيض الغداف فأكلته، لأن البومة فى الليل أقوى من الغداف؛ فأما الغداف فهو فى النهار أقوى وأحد بصراً. وبين البومة والطير الذى يسمى باليونانية ارشيلوس ορχιλοσ قتال أيضاً. وكل واحد منهما يأكل بيض الآخر، لأن أرشيلوس يأكل بيض البومة بالنهار، والبومة تأكل بيضه بالليل. وسائر الطير يطير حول البومة ويضربها وينتف ريشها؛ ولذلك صيادو الطير يصيدون [حول] بالبومة أصناف الطير المختلفة.
والطير الذى يسمى باليونانية براسبوس πρασβυσ والغداف يقاتلان ابن عرس ويأكلان بيضه وفراخه. وبين الاطرغلة والطير الذى يسمى باليونانية پوراليس πυρραλλισ خلاف وقتال أيضاً، لأن مأواهما ومكسب طعمهما واحد. والذى يسمى باليونانية 〈قليوس κελεοσ، والذى يسمى باليونانية〉 ليبليوس λιβυοσ يقتتلان أيضاً. وبين الحدأة والغداف قتال أيضاً، لأن الحدأة تسرق تخطف بيض الغداف؛ وتفعل ذلك لأنها أقوى وأشد مخاليب وأسرع طيراناً. فهو بين أن قتال أصناف السباع والطير يكون من قبل الأماكن والطعم والمرعى.
وأيضاً أصناف الطير التى تعيش من البحر يقاتل بعضها بعضاً، مثل الذى
يسمى باليونانية برنثوس βρενΦυσ والطير الأبيض الذى يسمى [٢٢١]
شاهمرغ والطير الذى يسمى باليونانية أربى αρπη و〈كذلك بين〉
الذى يسمى أطريورخيس τριορχησ والحية والذى يسمى فرونوس
Φρυνοσ، و〈ذلك لأن〉 أطريورخيس يأكلهما. وبين الأطرغلة
والشقراق قتال أيضاً، لأنه يقاتل الأطرغلة. والغداف يقتل الذى يسمى
والذى يسمى بالسرقوق αιγωλιυσ يقاتل الذى يسمى باليونانية قالاريس καλαρισ، وسائر أصناف الطير المعقف المخاليب يقهر غيره. وبين العنكبوت والجرذون قتال أيضاً، لأن الجرذون يأكل العنكبوت. والذى يسمى باليونانية پيپو πιπω يقاتل التذرج ويأكل بيضه وفراخه. والطير الصفير، أعنى عصفور الشوك، يقاتل الحمار، لأن الحمار إذا مر بالشوك وكانت به دبرة، يحك دبره بالشوك، وكذلك إن نهق الحمار يقع بيض ذلك العصفور، وفراخه تخرج من عشها، وإنما تقع من مخافته منه. ولهذه العلة والضرورة يطير العصفور حول الحمار، وينقره ويدمى جراحه.
فأما الذئب فهو مخالف للثور والحمار والثعلب، لأنه يأكل
اللحم النىء، ولذلك يقع على البقر والحمير والثعالب. و〈بين الثعلب〉
والذى يسمى قرقوس κιρκοσ — وهو الدرق — خلاف أيضاً لحال هذه
العلة، لأنه معقف المخاليب ويأكل اللحم النىء: فهو يقع على الثعلب وينقره
ويجرحه. والغراب يخالف الثور والحمار ويطير حولهما وينقرهما بمنقاره،
وربما أخرج عينيهما. والعقاب يقاتل التذرج، لأن العقاب معقف المخاليب
وإذا وقع عليه جرحه وأهلكه. والذى يسمى باليونانية ايسالون αισαλων
يقاتل الذى يسمى اجوبيوس αιγυπιοσ والذى يسمى قركس κρεξ
يقاتل الذى يسمى العرس ελεοσ وقوطوفوس κοττυΦοσ وخلوريون
والطائر الذى يسمى باليونانية اروديوس ερωδιοσ ثلاثة أجناس:
أحدها يسمى باليونانية فالوس πελλοσ، والآخر يسمى لوقوس λευκοσ
والثالث يسمى اسكارياس αστεριασ. فأما الذى يسمى فالوس فإنه يسفد
سفاداً صعباً شديداً، ويصيح بأعلى صوته عند سفاده، وكما يزعم بعض الناس
أنه 〈إن〉 سفد يخرج من عينيه دم. والأنثى تبيض بيضها بعسر وشدة وأسوأ
الحالات. 〈و〉هو يقاتل جميع ما يضره: 〈إذ يقاتل〉 العقاب، ويقاتل
والحية تقاتل الخنزير وابن عرس. وإنما يقاتل ابن عرس إذا كان مأواهما فى بيت واحد معاً، لأنهما يعيشان من شىء واحد هو فهو. فأما الخنزير فهو يأكل الحيات. والذى يسمى باليونانية ايسالون αισαλων يقاتل الثعلب ويضربه وينتف صوفه ويقتل فراخه لأنه معقف المخاليب. فأما الغراب فمصادق للثعلب، ولذلك يقاتل الطير الذى يسمى ايسالون إذا ضرب الثعلب بعينه. والذى يسمى اجوپيوس αιγυπιοσ يقاتل 〈هو وايسالون على خلاف وقتال، لأن كليهما طائر معقف المخاليب. واجوپيوس〉 يقاتل العقاب والققنوس ومراراً شتى يغلب الققنوس. والققنوس يأكل بعضه بعضاً.
〈ومن السباع ما يقاتل بعضه بعضاً على الدوام〉، وأيضاً من السباع ما يقاتل بعضه بعضاً فى الفرط والحين، مثل الناس. والحمار مخالف للعصفور الذى يأوى فى الشوك كما قلنا أولا: لأن معاش ذلك العصفور من الشوك، والحمار يرعى ذلك الشوك إذا كان طرياً. والذى يسمى انثوس ανΦυσ يقاتل الذى يسمى اقنثس ακανθισ — وهو عصفور الشوك — ويقاتل الذى يسمى اجيثوس αιγιθοσ أيضاً، ويقال إن دم أجيثوس αιγιθοσ لا يختلط بدم اقنثس.
فأما الغداف فهو مصادق للذى يسمى اروديوس ερωδιοσ؛ والذى
يسمى [٢٢٣] اسخوينيون محبً للذى يسمى قرودوسσχοινιων κυρυδοσ؛
والذى يسمى لائيدوس λαεδοσ موافق للذى يسمى قاليوس καλεοσ
فأما الأسد والنمر فمختلفان لأنهما يأكلان اللحم النىء ومعاشهما من شىء واحد هو فهو. والفيلة أيضاً يقاتل بعضها بعضاً قتالاً شديداً، ويضرب بعضها بعضاً بأنيابها. والمقهور منها يخضع ويتعبد للقاهر ويخاف من صوته. وبين الفيلة اختلاف شديد: بالجلد والجرأة. وبين الذكورة والإناث اختلاف أيضاً، لأن الإناث أصغر جثة من الذكورة، وهى أقل إقداماً وجرأة. والفيلة تحمل بأنيابها على الحيطان فتقلبها، وهى تدفع شجر النخل بجثتها حتى تميل وتصير قريباً من الأرض، فإذا قربت ركبتها وبسطتها على وجه الأرض، والفيلة تصاد بمثل هذا النوع: يركب ساسة الفيلة على ما كان منها أنيساً جلداً، ويطلبون ما كان منها وحشياً برياً، فإذا أدركوه، أمروا الأنيس الجلد بضرب ذلك الوحشى حتى يصغو ويخضع. فإذا فعل، نزا عليه أحد الساسة وضرب رأسه بالحديد، فهو يستأنس ويكون مطيعاً للسائس عاجلاً. وإذا كان سائس الفيل راكباً عليه، فهو وديع لين ساكن. فإذا نزل عنه، ربما كان الفيل ساكناً وربما نفر وصعب خلقه. ولكن الساسة يحتالون للصعبة الأخلاق منها، ويربطون مقادم أرجلها بالحبال لكى تسكن.
فهو يبين مما ذكرنا أن المصادقة والموافقة، والاختلاف والقتال تكون بين هذه السباع لحال (= بسبب) تدبير حياتها ومأواها ومكسب طعمها.
فأما من أصناف السمك فكثير منها يسير ويعوم فى البحر وسائر المياه رفاً رفاً. والأصناف التى يعوم بعضها مع بعض رفوفاً — محبة بعضها لبعض. فأما التى لا يعوم بعضها مع بعض رفوفاً فهى تتخالف وتتقاتل [٢٢٤] بعضها مع بعض. ومن السمك ما يعوم ويسير بعضه مع بعض رفوفاً إذا حمل، ومنه ما يفعل ذلك إذا باض البيض. وبقول عام، هذه 〈هى〉 أصناف السمك التى تعوم ويسير بعضه مع بعض — أعنى: ثونيدس θυννιδεσ وماينيدس μαινιδεσ وقوبيوى κωβιοι وبوقس βωκεο وسوروى οαυροι وقورقينوى κορακινοι وسينوذوتس σινοδντεσ وتريجلاى τριγλαι وأسفورينا οΦυραιναι وأثياى ανθιαι والجنوى ελεγινοι وأثيرينوى κθερινοι وسرجنوى σαργινοι وبلوناى βελοναι وطوثوى τευθοι وايوليدس ιουλιδεο وپالامودس πηλαμυδεσ واسقومبروى σκομβροι وقولياى κολιοι. ومن هذه الأجناس ما يسير ولا يعوم بعضه مع بعض مثل رفوف فقط، بل يتزاوج بعضها مع بعض: فأما سائر الأصناف فهى تتزاوج بعضها مع بعض، ولا تقوم وتسير معاً فى كل زمان كما قيل أولاً، بل إذا حملت الإناث، ومنها ما يفعل ذلك إذا باض البيض أيضاً.
فأما لبراقس λαβραξ والذى يسمى قسطراوس κεστρευσ فهما
ومراراً شتى يعيش السمك الذى يسمى قاسطريس κεστρευσ مقطوع الذنب، والذى يسمى غنغرى γογγροσ يعيش مقطوع الذنب إلى موضع مخرج الفضلة. ولبراقس يأكل كل القاسطريوس، ومرينا μυραινη يأكل الغنغروس. وإنما تقاتل الأجناس الأقوى للأضعف، لأن القوى يقهر الضعيف ويأكله. فهذه حال أصناف الحيوان البحرى.
فأما أشكال (= طباع، أخلاق) الحيوان فهى مختلفة كما قيل أولاً، أعنى بالجلد والجزع، والدعة والجرأة، والسكون والتدبير بعقل وبخرق. فجنس الغنم — فيما يقال — ردىء الشكل (= الطبع)، قليل العقل، وهو فى هذه الحالات أردأ من جميع الحيوان ذات الأربع الأرجل. وهى تسير على وجه الأرض فى البرارى كما تشاء وإذا كان شتاء شديد تخرج مراراً شتى من داخل إلى خارج وتصير خارجاً فى الهواء. وإذا أدركها المطر لا تتحرك من موضعها إن لم يلجئها الراعى إلى ذلك، بل تهلك إلى مكانها، وليس تكاد أن تتحرك إن لم يأت الرعاة بذكورة متقدمة؛ فإذا تقدمت الذكورة تبعها [٢٢٥] سائر الغنم.
فأما المعزى فهى تتبع إذا أخذ الراعى بناصية واحدة منها؛ وإن لم يفعل،
والرعاة يعلمون الغنم التجمع وتتبعهم إذا أحست بدوى أو رعد شديد، وإن بقى شىء منها ولم يتحرك إذا كان رعد وكانت حاملاً، أسقطت من ساعتها. ولحال هذه العلة إن كان فى البيت صوت شديد أو دوى، يخرج جميع الغنم، ويصير بعضها ملتفاً ببعض، لحال العلة التى سلفت. وإذا خرجت الثيران من قطيعها وضلت، تؤكل من السباع. والشاء والمعزى ينضجع بعضها قبالة بعض، قدر أجناسها. والرعاة يزعمون أنه إذا زادت الشمس، لا ينضجع بعض المعزى ناظرةً إلى بعض، بل تحول وجوهها بعضها إلى بعض.
فأما البقر فهو يأوى بعضه مع بعض، وينضجع معاً بقدر السنة التى سلفت. وإن ضلت البقرة الواحدة، تبعتها الأخر. ولذلك إن يفقد الرعاة بقرة واحدة، ولم يجدوها من ساعتهم، يطلبون سائرها أيضاً.
فأما الخيل فإنها إذا ضلت، أو هلكت الأنثى منها، وكان لها فلو، فسائر إناث الخيل ترضعه وتربيه. وبقول عام: يظن أن يكون جنس الخيل من الطباع محباً للأولاد. والعلامة الدليلة على ذلك من قبل أن عوام الإناث تحب الفلا وتتعاهدها، لذهاب وهلاك أمهاتها ولكن تهلكها، لأنه ليس لها لبن.
فأما من أصناف الحيوان البرى ذوات الأربع الأرجل، فالأيل يظن أن 〈ليس〉 له حلم، لأن الأيلة تلد قريباً من السبل والطرق — لهرب السباع من الناس. فإذا وضعت الإناث، أكلت اللوف أولاً، وبعد أكلها إياه تحن إلى جرائها. وهى تستحب الكينونة تحت ضوء القمر، وتأتى بجرائها إلى أماكن شرب الماء، وتعرفها المواضع التى ينبغى لها أن تهرب إليها، إذا كان أوان هرب، وهى صخور فيها شقوق، وتجويف له مدخل واحد: تقف فى ذلك المدخل وتقاتل بجهدها كل حيوان يطلب ضررها.
والذكر من الأيلة يسمن جداً. فإذا سمن يختفى، ولا يظهر نفسه بل يغيب فى مواضع [٢٢٦] ليست بمعروفة لأنه يصاد عاجلاً لكثرة شحمه. والأيلة تلقى قرونها فى أماكن عسرة صعبة [لكن] لا تؤخذ، ولذلك قيل فى المثل [الذى يقول]: «هى حيث تلقى الأيلة قرونها». وإذا ألقت قرونها، تتحفظ وتتوقى من أن تظهر، كأنها قد ألقت سلاحها. ويقال إنه لم يعاين أحد القرن الأيسر من قرون الأيلة قط، لأن فيه منفعة ودواءً موافقاً لبعض الأدواء.
وليس تنبت قرون الأيلة إذا مضت لها سنة، بل يظهر فى رءوسها شىء
وإذا لسعت الأيلة حية أو صنف آخر من أصناف الهوام، تجمع السراطين
وتأكلها. ويظن أن هذا العلاج موافق للإنسان أيضاً، ولكنه علاج ليس
والأيلة تصاد بالصفير والغناء، لأنها تنضجع من اللذة. والذين يفعلون ذلك يكونون رجلين: أحدهما يصفر، ويغنى غناءً بيناً، والآخر يقف خلفها ويرشقها إذا أمكن ذلك وأشار إليه صاحبه. فإن كانت أذنا الأيل فى ذلك الأوان قائمتين فهو يسمع سمعاً جيداً ولا يخفى عليه ما يراد به؛ وإن كان مسترخى الأذنين، خفى عليه ذلك.
فأما الدببة 〈فإنها〉 إذا هربت دفعت جراءها بين يديها؛ وإذا اضطرت، حملتها وانطلقت؛ وإن لحقها طالبها صعدت إلى الشجر وأصعدت معها جراءها. وإذا خرجت من مجاثمها بعد مأواها هناك أياماً، تأكل اللوف، كما قيل فيما سلف؛ وتمضغ العيدان كأنها نبتت أسنانها.
وكثير من سائر الحيوان الذى له أربع أرجل يحتال بحيل حلم موافق
لمعونتها وسلامتها. وقد زعم بعض الناس إن المعزى البرية التى فى أرض جزيرة
أقريطية إذا رشقت بسهم ودخل فى أجسادها، تطلب العشبة التى تسمى باليونانية
دقتامنون δικταμνον وتأكل منه لأنه يظن أن يكون مخرجاً دافعاً للحديدة
التى تدخل فى الجسد. والكلاب أيضاً إذا مرضت مرضاً من الأمراض،
تأكل عشبة من الأعشاب وتتقيأ وتبرأ من ذلك المرض. فأما الفهد فإنه إذا أكل
العشبة التى تسمى خانقة الفهود، يطلب زبل الإنسان ويتعالج به. وهذه
العشبة تهلك الأسد أيضاً، وإذا أكل منها طلب زبل الإنسان. ولذلك يأخذ
الصيادون وعاءً ويملؤنه من زبل الناس ويعلقونه على شجرة، لكى لا يستبعد
فأما الحيوان الذى يكون بمصر، والذى يسمى باليونانية أخنومون ιχνευμων فإنه أذا رأى الحية الأفعى قد دنت منه وهمت به لا تبدأ [٢٢٨] بقتاله حتى تدعو أعواناً أخر. وهو يلطخ كل جسده بطين، لحال اللذع؛ ويبل جسده أولاً بالماء ثم يتمرغ بالتراب حتى يصير طيناً، ويبدأ بقتال الأفعى.
فأما التماسيح فإنها تكون فاتحةً أفواهها، ويدخل الطير الذى يسمى باليونانية طروخيلوس τροχιλοσ فيها ويطير وينقى أسنانه، ويكون طعمه من تلك التنقية؛ والتماسيح لا تضره شيئاً لحال المنفعة التى تحس بها. وإذا هم الطير بالخروج، تحرك أعناقها لكن لا تعضها.
فأما السلحفاة فإنها إذا أكلت شيئاً من جسد الحية الأفعى، تأكل بعده صعتراً جبلياً. وقد عاينها إنسان تفعل هذا الفعل مراراً شتى. وكانت بعد أكلها الصعتر تعود أيضاً وتأكل من جسد الأفعى ثم ترجع إلى الصعتر. فلما فعلت ذلك مرةً بعد مرة، هلكت.
فأما ابن عرس فإنه إذا قاتل الحية يأكل السذاب، لأن رائحة السذاب تخالف الحية.
فأما التنين فإنه فى أوان الفاكهة يأكل من العشبة المرة. وقد عاينه غير واحد يفعل ذلك.
والكلاب إذا كان فى أجوافها دود، تأكل سنبل القمح.
فأما الطير الذى يسمى [باليونانية] لقلق وسائر الطير فإنها إذا جرحت من قتال بعضها لبعض تضع على ذلك الجرح صعتراً جبلياً، وقد عاين غير واحد من الناس الأفعى إذا قاتلت الحيات تأخذ بأعناقها.
ويظن أيضاً أن ابن عرس يحتال للطيور بحلم، ويذبحها ذبحاً كما تفعل الذئاب بالغنم. وهو أيضاً يقاتل الحيات التى تصيد الفأر، لأنه يصيد هذا الحيوان أيضاً.
فأما فعل القنافذ وجودة حسها، فقد عاين كثير من الناس [أعنى] أنها تحس بالريح التى تهب: إن كانت شمالاً، وإن كانت جنوباً: فما كان منها يأوى فى الأرض بغير الثقب الذى منه يدخل ليلاً، تصيبه الريح. والذى يأوى البيوت ينتقل إلى الحيطان. وقد زعموا أنه كان فى مدينة البيزنطية — وهى القسطنطينية — رجل يتقدم ويقول أى ريح تهب، حتى شرف من ذلك وعظم شأنه. وإنما كان يعلم ذلك من قبل قنفذ كان فى منزله.
فأما الحيوان الذى يسمى باليونانية أقطس ικτισ فعظمه مثل عظم
بعض الكلاب الصغار؛ وهو أزب، كثير الشعر فى الوجه وسائر الجسد. وفيما
وبقول عام إن تفقد أحد أنواع تدبير أصناف الحيوان، يعاين أشياء كثيرة من سائر أصناف الحيوان تفعل بمثل كأنه تدبير حياة الإنسان، وذلك يستبين خاصةً فى أصناف الحيوان الصغير أكثر من الحيوان الذى له جثة عظيمة: فعقلها يشبه أن يكون بحلم وتدبير ورأى لطيف. وذلك يظهر أولاً فيما يصغر من الطير، فإن فعل الخطاف وبناء عشه عجيب جداً: كيف يهيئ الطين، وكيف يخلط معه أعواداً صغاراً تشبه خلط التبن مع الطين. وإن لم يجد طيناً مهيأ صبغ ذنبه بالماء ثم تمرغ على التراب حتى يمتلئ جناحه منه ويصير شبيهاً بالطين. وإذا هيأ عشه وضع الطين الحاسى أولاً كما يفعل الناس. ويصير عظم العش مقتدراً بقدر ما يسعه ويسع فراخه. ثم يتعاهد الفراخ الذكر والأنثى، ويطعم فرخاً بعد فرخ بعادة قد جرت، لكى يعدل بينها. وإذا كانت الفراخ صغاراً، تنقل الزبل بأفواهها وتلقيه؛ وإذا كبرت (الفراخ) تعلمها أن تتحول وتلقى الزبل إلى خارج.
والحمام أيضاً يفعل أفعالاً مثل هذه أيضاً، لأن الإناث تكره أن تسفد من كثرة ذكورة ولا تدع الأنثى ذكرها، ولا الذكر أنثاه إن لم يهلك أحدهما أو يؤخذ وييأس منه. وإذا باضت الأنثى وعجزت عن الدخول إلى عشها والجلوس على بيضها لحال ضعفها، يضربها الذكر ويضطرها إلى الدخول. وإذا خرجت الفراخ من البيض بمضغ الذكر تراباً مالحاً ويفتح أفواه الفراخ ويؤجرها من ذلك التراب ليسهل به سبيل الطعم. وإذا أراد الذكر أن يخرج فراخه، يسفدها.
فبقدر هذا النوع يحب الحمام بعضها بعضاً. وربما سفدت إناث الحمام التى لها ذكورة من ذكورة أخر. والحمام حيوان مهارش محب للقتال. وربما دخل فى عش غيره، وذلك فى الفرط. وإن قربت الأعشة يقاتل بعضها بعضاً قتالاً شديداً. ويعرض للحمام والفواخت والاطرغلات [٢٣٠] شىء خاص، أعنى: لا ترفع رءوسها وتميل بها إلى خلف إذا شربت، إن لم تشرب شرباً كثيراً.
وللأطرغلات والفاختة زوج واحد وذكر واحد يسفدها لا يعدوه إلى غيره ولا يمكن من سفادها لغيره. وإذا باضت الإناث تجلس هى والذكورة على البيض. ليس معرفة فصل ما بين الذكورة 〈والإناث〉 بيسير، إلا من شق أجوافها. والفواخت تعيش وتبقى سنين كثيرة؛ وقد ظهر منها ما عاش خمساً وعشرين سنة، ومنها ما عاش ثلاثين عاماً، ومنها ما بقى أربعين عاماً. وإذا كبرت جداً، تعظم مخالبها ويضر بهما ذلك ولكن الذين يربونها يقطعون فضل مخاليبها. وليس تصيبها ضرورة أخرى بينة.
والاطرغلات والحمام البرى فى أماكن هى هى. وذكورة أصناف الطير أكثر عمراً من الإناث، ما خلا هذين الصنفين، فإن بعض الناس يزعم أن هذين الصنفين الذكورة 〈منها〉 تهلك قبل الإناث؛ يزكنون ذلك مما يربون فى المنازل. وقد زعم بعض الناس أن ذكورة العصافير تبقى سنة فقط؛ والعلامة الدليلة على ذلك من قبل أن الأطواق السوداء التى فى أعناق الذكورة لا تظهر فى أول الربيع، بل بعد ذلك بأيام. وإنما يعرض هذا العرض لأنه لا يبقى شىء من الذكورة التى كانت فى العام الماضى. فأما إناث العصافير فهى أطول أعماراً، والدليل على ذلك من قبل أنها تصاد مع الفراخ، ويستبين من الجساوة التى تكون فيما يلى مناقيرها.
والاطرغلات تأوى فى الصيف فى الأماكن الرخية؛ فأما التى تسمى باليونانية سپزى σπιξαι فهى تأوى فى الصيف فى الأماكن الدفيئة، وفى الشتاء فى الأماكن الباردة.
فأما ما كان من الطير الثقيل الجثة فليس يهيئ عشاً، لأن ذلك لا
يوافقه، من قبل أنه ليس يجيد الطيران، مثل الدراج والقبج وسائر أصناف
الطير الذى يشبهها. وإذا باضت إناث هذين الصنفين، فإنما تبيض على تراب
لين. فأما فى مكان آخر، فلا. وربما جمع شوكاً وعشباً لين القضبان ولف
بعضه على بعض وباض هناك وجلس [٢٣١] على بيضه لحال الدفء والتوقى
من العقبان والبزاة. وإذا نقرت الإناث بيضها وأخرجت فراخها من ساعتها،
وإناث القبج تبيض خمس عشرة أو ست عشرة بيضة. وكما قيل أولاً، القبج طير منكر ردىء الشكل. وإذا كان أوان الربيع، يخرج كل واحد من الذكورة مع إناثها، أينما كانت وتبرز من الرف مع قتال وصوت حسن. وهو طير كثير السفاد، ولذلك يطلب الذكر موضع البيض ويدحرجه. وإن وجده يدحرجه ويكسره، لكن لا تجلس الأنثى على البيض وتشتغل عن السفاد. والأنثى تحتال أيضاً للذكر وتهرب، وتبيض فى أماكن خفية، وتفعل ذلك مراراً شتى لشرهها إلى أن تبيض؛ وإنما تفعل ذلك لسلامة بيضها، وإن عاينها إنسان وهى جالسة على بيضها، يفعل كذلك كفعلها بالفراخ، أعنى يقوم عن البيض ويخرج قريباً من الرجل الذى عاينها وطلبها حتى يطمع بصيدها ويستبعد عن مكان البيض. ثم تطير، وتستبعد.
وإذا هربت الإناث وجلست على بيضها، تصيح الذكورة صياحاً شديداً،
ويقاتل بعضها بعضاً. ومن الناس من يسمى الذكورة فى ذلك الزمان أرامل.
وإذا تقاتلت الذكورة، وقهر بعضها صاحبه، فالمغلوب يتبع الغالب ويسفد
منه فقط. وإذا غلب ذكر آخر من الذكر المغلوب أولاً، فهو أيضاً
يسفد منه فى الخفاء؛ وذلك يكون ليس فى كل أوان، بل فى زمان من أزمنة
والقبج يغير صوته بأصناف شتى، بقدر الحاجة الداعية إلى ذلك. وإن كانت أنثى الذكر الذى ينطلق إلى الأنثى الموضوعة لحال الصيد جالسةً على بيضها، وأحست أنه يريد سفاد تلك الأنثى، قامت عن بيضها وذهبت قبالته لكى تسفد، وتفارق ذكرها الأنثى الصيادة التى تطالب. فبمثل هذا النوع يشتاق القبج والدراج إلى السفاد. ولذلك ربما وقع القبج بين أيدى الصيادين، وربما جلس على رءوسهم. — فهذه الأعراض تعرض لسفاد القبج. وهذه حال ذكر أشكالها.
والقبج يفرخ على الأرض، كما قيل أولاً، والدراج كمثل. ومن أصناف الطير الذى يجيد الطيران ما لا يجلس على شىء من الشجر، بل على الأرض، مثل الذى يسمى باليونانية قورودس κορυδοσ والذى يسمى اسقولوپقس σκολοπαξ وغيره، فإن هذه الأصناف لا تقع على الشجر، بل على الأرض.
فأما الطير الذى ينقر الشجر، فليس يقع على الأرض بل ينقر ويقطع الشجر لخروج الدود والحيوان الصغير الذى يأوى فيه. فإذا خرج منه شىء لقطه بلسانه؛ وله لسان عريض كبير؛ ويمشى على الشجر مشياً سريعاً جداً، بكل نوع من الأنواع. وربما مشى على الشجر وهو مستلق على ظهره، كما تفعل الجراذين. ومخاليبه أجود وأقوى من مخاليب السرقوق، وخلقتها على مثل هذه الحال طباعية [٢٣٣] لحال موافقة ثباتها على الشجر، فإنه يغرس مخاليبه فى الشجر ويسير عليه.
وفى هذا الطير الذى ينقر الشجر أجناس مختلفة: أما الجنس الواحد
فالذى يسمى باليونانية قوتوفوس κοττυΦοσ، وفى ريشه لون أحمر يسير.
والجنس الثانى أكبر من قوتوفوس. والجنس الثالث أصغر من دجاجة. وهو
يفرخ فى الشجر، كما قيل أولاً، وأكثر ما يفرخ فى الزيتون؛ وربما فرخ
ونذكر تدبيراً كثيراً من تدبير الغرانيق، يشبه أن يكون من حلم (= عقل، ذكاء): فإن الغرانيق إذا أحست بزوال زمان تغيب من مكانها إلى بلدان بعيدة، وترتفع وتطير فى الهواء العالى لكى تعاين ما يبعد عنها جداً. فإن عاينت سحاباً 〈أو شتاءً〉 سفلت وسكنت. وتنضم إلى رئيسها وتتقدمها لكى تسمع صوته وتتبعه. وإذا جلست على الأرض وأرادت النوم، تخفى رءوسها تحت أجنحتها وتنام قائمةً على رجل واحدة أخرى بعد أخرى. فأما قائدها ومتقدمها فإنه ينام مكشوف الرأس وينظر إلى جميع النواحى. فإن أحس بشىء، صاح بأعلى صوته، وأعلم أصحابه.
فأما الصنف من الطير الذى يسمى باليونانية پالاقان πελεκαν — وهو
الذى يأوى فى الأنهار — فهو يبلع الحلزون الأملس، وهو الذى يأوى فى الأنهار
فأما أصناف الطير البرى فهى تنتقل من مواضعها إلى أماكن أخر لسلامتها وسلامة فراخها.
ومن أصناف الطير ما هو جيد الاحتيال لمعاشه، ومنه ما هو قليل الحيلة. ومن أصناف الطير ما يأوى فى الأماكن الصخرية العميقة التى يجتمع إليها سيل ماء السماء لعمقها. ويأوى أيضاً فى شقوق [٢٣٤] الصخور وثقب الجبال، مثل الذى يسمى باليونانية خاراداريوس Χαραδριοσ، وهو ردىء الصوت، ردىء اللون. وهو يظهر فى الليل؛ وإذا كان النهار، هرب واختفى.
والباز يفرخ فى أماكن صخرية بعيدة من الناس، ويأكل اللحم النىء. وإذا صاد طيراً وقهره، أكل قلبه. وقد عاينه أناس فعل ذلك بدراج وسمان وأصناف أخر من أصناف الطير.
وفى أصناف صيد البزاة اختلاف. وقد زعم بعض الناس أنه لم يعاين
أحد قط عش ولا فراخ رخمة. ولذلك قال أرودوروس، أبو أبروس
الحكيم، إن الرخم يجىء من تلة عالية، والدليل على ذلك من قبل أن
وبعض الطيور يأوى فى الجبال والغياض، مثل الهدهد والذى يسمى باليونانية برانثوس βρινθοσ، وهو جيد الصوت، جيد التدبير لمعاشه. وأما الذى يسمى أطروشيلوس τροχιλοσ فهو يأوى فى شقوق الصخور والأماكن الخشنة الصعبة. فأما الذى يسمى دوسالوتوس δυσαλωτοσ والذى يسمى دراباطيس δραπετησ والذى يسمى اسثنيس ασθενησ فطيور ضعيفة. ومنها طير جيد الاحتيال لمعاشه، وهو يسمى باليونانية «ملك» Βκσιλευσ ورئيس؛ ولذلك يزعمون أن العقاب يقاتله.
ومن الطير أصناف تأوى فيما يلى البحر، مثل الذى يسمى باليونانية
قنقلوس κιγκλοσ وهو مفكر لا يصاد إلا بعسرة. وإذا صيد يكون
أنيساً جداً. وليس يكون يضبط ما خلف جسده. وهو يأوى حول الأنهار
والطير الأبيض الذى يسمى قاقى κυκνοι من أصناف الطير الذى بين أصابع رجليه جلد، ومعاشه حول النقائع وكثرة الشجر. وهو طير جيد التدبير لمعاشه، جيد الشكل، جيد الفراخ، جيد الكبر. وإذا بدأ العقاب يقاتله، يضاده ويقاتله ويغلبه. وليس يبدأ هو بقتال العقاب. وهو حسن الصوت جداً، ولا سيما إذا دنا من الموت. وهو يطير على البحر أيضاً. وقد كان أناس يسيرون فى البحر بناحية لوبية، فرأوا كثيراً من هذا الطير يطير ويصوت بصوت محزن شبيه بصوت من ينوح، ورأوا بعضها يقع ويموت.
وأما الطير الذى يسمى باليونانية قومندس κυμινδισ فليس يظهر إلا فى
و〈الطائر الذى يسمى هوبريس υβρισ〉 قد زعم بعض الناس أن هذا الطير هو الذى يسمى فودونكس πωυγξ أيضاً؛ ولأنه 〈ليس〉 حديد البصر فإنه لا يظهر فى النهار؛ فإذا كان الليل صاد، كما يصيد العقبان. وهو يقاتل العقاب قتالاً شديداً جداً، ولذلك مراراً شتى يأخذهما الرعاة أحياء. وإناث هذا الطير تبيض بيضتين. وهو أيضاً يعشش فى الصخور والمغائر. والغرانيق أيضاً يقاتل بعضها بعضاً قتالاً شديداً؛ ولذلك ربما صيدت وهى يقاتل بعضها بعضاً، لأنها تلبث فى تلك المهارشة حيناً طويلاً. وإناث الغرانيق تبيض بيضتين.
فأما الطير الذى يسمى باليونانية كتا κιττα فهو يصوت أصواتاً
كثيرة مختلفة، وفى كل يوم يبدل صوتاً. والأنثى تبيض تسع بيضات. وهذا
فأما ما يذكر عن الغرانيق 〈من〉 أن فراخها إذا قويت تتعاهد الآباء والأمهات بالطعم وغير ذلك — فمشكوك فيه. وقد زعم بعض أن فرخ الطير الذى يسمى باليونانية ماروپس μεροπασ يتعاهد الآباء والأمهات بالطعم وغير ذلك، ليس إذا كبرت فقط، بل إذا قويت وشبت تفعل ذلك من ساعتها.
[٢٣٦] فأما الآباء والأمهات فإنها تبقى داخلاً فى أعشها ولا تخرج. ومنظر هذا الطير معروف، لأن أسفل ريشه تبنى، وأعلاه إلى السواد ما هو، مثل لون الطير الذى يسمى باليونانية القوون αλκυων وطرف جناحيه أحمر اللون. والأنثى تبيض ست بيضات أو سبع بيضات، وفى أوان الفاكهة فى الأودية اللينة التراب. وهو يدخل فى الثقب الذى يعشش فيه قدر أربع أذرع.
فأما الطير الذى يسمى باليونانية خلوريس Χλωρισ فإن لون أسفل
ريشه تبنى. وهو فى العظم مثل الذى يسمى قورودس κορυδοσ.
والأنثى تبيض أربع أو خمس بيضات، وتهيىء عشها من العشب الذى يسمى
سمفوطوس συμΦυτοσ ويقتلع العشبة بأصولها، ويفرش العش بشعر
وصوف. ومثل هذا الفعل يفعل الذى يسمى قوتوفوس κοττυΦσσ والذى
وقد زعم بعض الناس أن 〈ثم طائراً يدعى باليونانية كنامومون κινναμωμον وأن〉 هذا الطير يجلب الدار صينى من موضعه ويفرش به عشه. وهو يعشش فى الشجر العالى جداً وفى أعرق الشجر الذى لا ينال. ولكن أهل البلدة يعلقون على السهام رصاصاً، ويرمون أعشتها ويلقونها ويجمعون منها الدار صينى.
فأما الطير الذى يسمى باليونانية القوون αλκυων فجثته أعظم من جثة
العصفور قليلاً، ولونه مثل لون اللازورد، وفيه خضرة ولون مائل إلى لون
الأرجوان. وهذه الألوان مختلفة فى جميع جسده وجناحيه وما يلى حلقه،
وليست هذه الألوان معرقةً: كل واحد بذاته. فأما لون منقاره فإلى الخضرة
ما هو؛ وهو طويل دقيق. فهذا لون الطير. — وشكل عشه مثل شكل صنوبرة
معمولة من شىء شبيه بزبد البحر، 〈فيما عدا اللون〉. ولونه إلى الحمرة ما
هو، 〈وشكله يشبه شكل المزادات الطويلة العنق. وحجمه〉 أكبر من
الغيم العظيم، ومنه ما يكون أعظم منه، ومنه ما يكون أصغر؛ وفيه تجويف
مثل الأنابيب، 〈وفيه جزء〉 صلب. وإن أراد أحد أن يقطعه بحديد لا
فأما الهدهد فإنه يهيىء عشه من زبل الإنسان. وهو يغير منظره فى الصيف والشتاء، مثل ما تغير مناظرها كثرة من أصناف الطير البرى.
〈فأما الطير الذى〉 يسمى باليونانية اجيثالوس αιγιθαλοσ فهو
يبيض بيضاً كثيراً، كما يزعم بعض الناس. والطير 〈الذى〉 يسمى «أسود
الرأس» يبيض بيضاً كثيراً. والعصفور الذى يكون فى لوبيه εν Λιβυη
فإنه يبيض سبع عشرة بيضة، وربما باض أكثر من عشرين بيضة، وإنما يبيض
أبداً أفراداً، كما يزعم بعض الناس. وهو يعشش فى الشجر ويأكل الدود.
فأما الذى يسمى باليونانية اجيثوس αιγιθοσ فهو جيد التدبير لمعاشه، ويفرخ فراخاً كثيرة، وهو أخضر الرجل.
فأما الذى يسمى خلوريون Χλωριων — وتفسيره: أخضر، فهو جيد التعليم، جيد الاحتيال لمعاشه، إلا أنه ردىء الطيران، ليس بجيد اللون.
فأما الذى يسمى اليا ελεα فهو 〈يحيا حياة سهلة〉 مثل واحد من سائر أصناف الطير. ويجلس فى الصيف على أماكن ريحة كثيرة الفىء، وفى الشتاء فى مواضع تطل عليها الشمس. ويكون حول النقائع، وهو صغير الجثة، وله صوت حسن.
فأما الذى يسمى باليونانية اغنافالوس γναΦαλοσ فهو حسن الصوت، جيد اللون، كثير الاحتيال لمعاشه، جميل الجثة. ويظن أن يكون طيراً غريباً، لأنه لا يظهر فى الأماكن التى ليست له خاصة إلا فى الفرط.
فأما الذى يسمى قرقس κρεξ فشكله شكل مهارش؛ وهو جيد الاحتيال لمعاشه، 〈ولكنه طائر شؤم〉.
فأما الطير الذى يسمى باليونانية سطى σιττη فشكله شكل مهارش جيد اللون، حسن التدبير لمعاشه؛ ويقال إنه ساحر [٢٣٨] لرفعة وكثرة معرفته. ولا يبيض بيضاً كثيراً؛ ومعاشه من نقر الشجر.
فأما الذى يسمى اغوليوس αιγωλιοσ فهو يظهر فى الليل فقط، وربما ظهر فى الفرط نهاراً. ومأواه الصخور والمواضع الصعبة. وهو جيد التدبير لمعاشه، كثير الاحتيال.
ومن الطيور طير صغير يسمى قارثيوس κερθιοσ، وشكله جاهل، ويأوى فى الشجر، وطعمه البق وما صغر من الحيوان؛ جيد التدبير لمعاشه، حسن الصوت.
فأما الطير الذى يسمى أقنثيس ακανθισ فهو ردىء التدبير لمعاشه، ردىء اللون، غير أن له صوتاً حلواً.
فأما من أصناف الطير الذى يسمى باليونانية ايروديوس ερωδιοσ
فهذه حال تدبير أصناف الطير الذى يسمى اروديوس. فأما الطير الذى يسمى باليونانية فوانقس πωυγξ فله شىء خاص ليس من سائر أصناف الطير، أعنى أنه يأكل عيون الطير؛ وهو يأكل الطير الذى يسمى ارپى αρπη لأن ذلك الطير أيضاً ربما أكل عيون الطيور.
فأما الطير الذى يسمى قوتوفوس κοττυΦοσ ففيه خصلتان: 〈إذ〉
أحدهما 〈أسود〉 اللون؛ والآخر شديد البياض جداً، وعظمه مثل
الآخر، وصوته شبيه بصوته. وإنما يكون هذا الطير فى البلدة التى تسمى
اقولينى فى ناحية ارقاديا εν Κυλληνη τησ Αρκαδιασ، وليس يكون فى
وفى الطير الذى يسمى قيخلى κιχλη ثلاثة أصناف: أما الصنف الواحد [٢٣٩] 〈فإنه〉 يأكل الدبق وصمغ الصنوبر. وعظمه مثل عظم الذى يسمى قيتا κιττα. والصنف الآخر كثير الريش، حاد الصوت، عظمه مثل عظم قوتوفوس. والصنف الثالث الذى يسمى الياس ιλιασ، هو أصغر جثةً من الصنفين الأخيرين، وليس هو مختلف الألوان.
وأيضاً يكون طير آخر صخرى يسمى قوانوس κυανοσ. وهذا الطير
يكون فى البلدة التى تسمى نسوروس Νισυροσ خاصةً، ويأوى على
الصخور، وعظمه أقل من عظم قوتوفوس، وهو أكبر من الذى يسمى
اسپيزا σπιξα قليلاً، وهو أسود الرجلين يصعد على الصخور، وكل
وأما الطائر الذى يسمى الأخضر χλωριων فكل جسده أخضر، وليس يظهر فى الشتاء، بل يظهر فى الزوال الصيفى. وإذا طلع النجم الذى يقال له ذنب بنات نعش يغيب ويخفى. وعظمه مثل عظم أطرغلة.
فأما الطير الذى يسمى مالاقوقرانوس μαλακοκρανευσ فهو أبداً يجلس على مكان واحد هو فهو، وهناك يصاد. وهو فى المنظر عظيم الرأس. وجثته أقل من جثة الذى يسمى قخلى κιχλη، وله فم صغير مستدير قوى. ولونه رمادى؛ جيد الرجلين؛ ردىء الجناحين. وهو يصاد بالبومة.
〈وثم طائر يدعى باليونانية بردالوس παρδαλοσ〉 وهذا الطير يكون مع كثرة من صنفه لا يكاد أن يوجد واحداً مفرداً بذاته. ويكون الطير مثله رمادى اللون جيد الرجلين ليس بردىء الجناحين، كثير التصويت، ليس بثقيل الصوت. واسمه باليونانية پرتالوس παρδαλοσ.
فأما الذى يسمى قولوريون κολλυριων فهو يشبه الذى يسمى
ولها عادة 〈أن〉 تأوى وتعشش فى المدن خاصةً. والغراب والغداف أيضاً يستبين فى كل زمان، ولا تنتقل من أماكنها ولا تختفى فى أعشتها.
وفى الطير الذى يسمى سرقرق ثلاثة أصناف: أما الواحد فهو يسمى قوارقياس κορακιασ، وعظمه مثل عظم غداف أحمر المنقار. والصنف الآخر أبيض صغير، محاك. ويكون صنف آخر من أصناف السرقرق [٢٤٠] فى ناحية لوديا وأفروجيا، وفيما بين أصابع رجليه جلدة.
وفى الطير الذى يسمى قورودالوس κορυδαλοσ صنفان: أحدهما يأوى على الأرض وفى رأسه قنزعة. فأما الآخر فليس يتفرد ولا يتوحد مثل الذى وصفنا، بل يكون مع كثرة من الطير الذى يشبهه. وهو ملائم للصنف الذى ذكرنا، غير أن جثته أصغر، وليس على رأسه قنزعة. وهو يؤكل.
فأما الذى يسمى اسقالوفاس ασκαλωπασ فهو يصاد فى البساتين
فأما الطير الذى يسمى زرزن Ψαροσ — وهو السوداى — فمختلف اللون، وعظمه مثل عظم الذى يسمى قوتوفوس κοττυΦοσ.
فأما الطير الذى يسمى ابيس ιβισ فهو يكون بمصر. وهو صنفان: أما الواحد فأبيض، والصنف الآخر أسود. والأبيض منه يكون فى جميع أرض مصر، ولا يكون فى الفرما. والأسود يكون فى الفرما، ولا يكون فى سائر البلاد.
فأما الطير الذى يسمى اسقوباس σκωψ فهو يكون فى 〈كل〉 مكان ويسمى «اسقوپاس أبداً». ولا يؤكل لرداءة لحمه. ومنه صنف يكون فى الخريف، وهو يظهر فى الخريف يوماً أو يومين أكثره. ويؤكل. وهو رطب، طيب اللحم جداً. وبينه وبين الذى يسمى «اسقوپاس أبداً» اختلاف، لأنه ليس لهذا الصنف صوت. فأما الصنف الآخر فهو يصوت. ولم يظهر شىء يعرف به مولد هذين الصنفين ألبتة. وهو معروف أنهما يظهران إذا هبت الريح الغربية.
فأما الطير الذى يسمى قوقكس κοκκυξ فهو كما قيل فيما سلف، أعنى أنه لا يهيىء عشاً، بل يبيض فى أعشة ليست له، وخاصة يبيض فى عش الطير الذى يسمى فابص Φαψ والذى يسمى اپولايس υπολαισ والذى يسمى قورودوس κορυδυσ — وأعشة هذه الأصناف على الأرض؛ ويبيض أيضاً فى عش الطائر الذى يسمى خلوريس Χλωρισ على الشجر. والأنثى تبيض بيضة واحدة، ولا تجلس حتى على تلك البيضة، بل تتركها مع بيض الطير الغريب: فإذا بلغ بيضه نقر بيضة قوقكس أيضاً وأخرج الفرخ، ثم يرى ذلك [٢٤١] الفرخ [و] يلقى فراخه ويهلك. ومن الناس من زعم أنه يقتل فراخه ويطعمها فرخ قوقكس لأنه يستحب ذلك الفرخ لجودته، ويبغض فراخه. وكثير مما ذكر مقرر معروف من قول الذين عاينوا ذلك عياناً. فأما حال قتل فراخ الطير فهو مشكوك 〈فيه〉، لأنه لم يتفق قول جميع الذين عاينو، بل بعضهم يزعم أنه إذا خرج فرخ قوقكس من بيضه، يطير أبوه على ذلك العش ويأكل بعض الطير الذى قتله فى عشه؛ وبعض الناس قال إن فرخ قوقكس لعظم جثته يتقدم ويأكل الطعم الذى يجد ولا يدع شيئاً منه لسائر الفراخ، ولذلك تهلك الفراخ جوعاً؛ ومن الناس من يزعم أنه إذا شب وقوى، يقتل سائر الفراخ التى تغذى معها، لأنه أقوى وأشد منها.
ويظن أن يكون قوقكس يدبر تدبير بيضه وفراخه بحلم (= بعقل وحكمة)
وهو يفعل ذلك لعلمه بالخوف الذى يخاف من الطير الذى هو أعظم منه وأقوى،
وأما صنف الطير الذى يقال إن ليس له رجلين، وهو الخطاف البرى الذى يشبه الخطاف الأنيس، فقد ذكرنا حاله فيما سلف. وليس يفرق بينه وبين الخطاف الأنيس إلا بأنه قصير الساق، وساقه كثير الريش. وهى تعشش فى أعشة مستطيلة معمولة من طين فى أماكن ضيقة وصخور ومغائر. والمدخل إلى عشه ضيق جداً لهربه من الناس والسباع.
فأما الذى يسمى أغوثيلاس αιγοθηλασ — وتفسيره: الذى يرضع المعزى فهو جبلى؛ وعظم جثته أكبر من الذى يسمى قوقكس. والأنثى تبيض بيضتين أو ثلاثاًً على الأكثر. وهو ردىء الشكل؛ يطير حول المعزى ويرضع من لبنها. ولهذا الفعل سمى بهذا الاسم. وقد زعم بعض الناس أنه إذا رضع من ثدى العنز، يذهب لبنها وتعمى العنز. وليس هو بحاد البصر بالنهار، بل يبصر بالليل.
فأما [٢٤٢] الغربان فهى تكون فى أماكن صغار وحيث لا يكون غذاء يكفى كثرة؛ وإنما يكون فى موضع غراس فقط. وإذا خرجت فراخها من البيض وقويت، تخرجها أولاً، ثم تطردها من عشها أيضاً. والغراب يبيض أربع أو خمس بيضات. وفى الزمان الذى فيه هلك أصناف مدياس Μηδιοσ فى البلدة التى تسمى باليونانية فرسالوس Φαβαλυσ، 〈هجر الغربان نواحى أثينا〉 وبالوبونيسوس 〈كما لو كانت هذه الغربان〉 تحس وتستدل بما يكلم بعضه بعضاً.
وفى العقبان أجناس كثيرة مختلفة. أما الجنس الواحد فالذى يسمى
پوغرغوس πυγαργοσ وهو يأوى فى الصحارى والأماكن الكثيرة المياه والشجر
وحول المدن. ومن الناس من يسمى هذا الجنس «شديد الصوت». وهو يطير
فى الجبال والغياض لجرأته. فأما سائر أجناس العقبان فليس تأوى إلى الصحارى
وفى العقبان جنس آخر يقال له باليونانية پلنجوس πλαγγοσ؛ وهو فى عظم الجثة والقوة دون الجنس الأول؛ ويأوى فى الغياض والمرافىء والأماكن الجبلية التى تسلك، وهو يسمى قاتل إوز الماء. وأميروس الشاعر يذكره فى شعره حيث ذكر خروج إپرياموس Πριαμοσ من مدينته.
وأيضاً يكون جنس آخر من أجناس العقبان أسود اللون، وجثته أصغر من جثة غيره، وهو قوى جداً، يأوى فى الجبال والغياض، ويسمى العقاب الأسود، ويقتل الأرانب. وهذا العقاب فقط يربى فراخه ويتعاهدها، حتى تكمل. وهو سريع الطيران، جيد الصوت.
وأيضاً فى العقبان جنس آخر أبيض اللون، أبيض الريش، عظيم الجثة، قصير الجناحين، مستطيل الذنب، شبيه بذنب رخمة. وله بالرومية أسماء كثيرة مختلفة. ومأواها فى الأماكن الجبلية الحسنة. وليس فيه شىء من جودة الخصال التى فى غيره من الأجناس، لأنه يصاد ويطرد من الغربان ومن الأصناف الأخر، وهو ثقيل، ردىء التدبير لمعاشه. وطعمه الجيف والأجساد النتنة. وهو أبداً جائع، يصيح.
وفى العقبان جنس آخر يسمى باليونانية الياطوس αλιαετοσ؛ وله عنق كبير ثخين، وريشه معقف، وذنبه عريض، ومأواه حول البحر والصخور النائية العالية. [٢٤٣] وإذا خطف شيئاً، ذهب به إلى ناحية العمق.
وأيضاً فى العقبان جنس آخر يسمى الجنس الخالص. ومن الناس من
يزعم أن هذا الجنس فقط خالص، لأن سائر الأجناس مختلطة لحال سفاد بعضها
و〈العقاب〉 إنما يطير ويصيد من حين الغداة إلى حين الرواح. فأما من
أوان الصبح إلى ترحل النهار وامتلاء الأسواق من الناس فهو قاعد على مكانه لا
يتحرك. ومنقار العقبان الأعلى ينشأ ويعظم ويعقف أبداً، ثم فى الآخرة
يهلك، لأنه لا ينال الطعم. ولذلك يقال مثل من الأمثال: إن العقاب تلقى
ذلك لأنه كان فى الزمان الذى سلف إنساناً وظلم غريباً. وإذا فضل
شىء من طعم العقاب، يضع تلك الفضلة فى عشه لحاجة مزاجه إليه، وإنما
يفعل ذلك لأنه 〈قد لا〉 يجد الصيد فى كل يوم. وإن دنا أحد من عش
العقاب ضربته الفراخ بأجنحتها وخدشته بمخاليبها.وأعشة العقبان تكون ليس
فى الأماكن السهلة، بل فى المواضع العالية، ولا سيما فى الصخور التى لا تنال.
وربما عششت فى الشجر أيضاً. وإنما تربى العقبان فراخها إلى أن تقوى على
الطيران، ثم تخرجها من العش وتنفيها من جميع مواضعها ألبتة. والزوج الواحد
من أزواج العقبان يمسك مكاناً كبيراً، ولذلك لا يدع غيره يأوى قريباً منه.
ولا تصيد صيدها من الأماكن التى تقرب من عشها، بل تطير وتستبعد
بعداً كبيراً. فإذا صادف وخطفت شيئاً، لا تحمله وتأتى به إلى أعشتها من
ساعته، بل تبلو الثقل وتضعه على الأرض ثم ترفعه وتنطلق به. وإذا صادت
الأرانب تبدأ بصيد الصغار منها، ثم تنتقل إلى صيد الكبار رويداً
وفى أرض اسقوثيا جنس طير أصغر من العقبان. وهو يبيض بيضتين، ولا يجلس على البيض، بل يخفيه فى جلد أرنب أو جلد ثعلب، حتى يبلغ البيض، فينقره ويخرج فراخه. وإذا لم يصد صيداً، يجلس على رأس الشجرة، و〈يسهر على حفظها ورعايتها〉. وإن أراد أحد أن يصعد إلى الشجرة، قاتله وضربه بجناحه، كما تفعل العقبان.
فأما البومة والذى يسمى غراب الليل والأصناف التى تشبهها فليس تبصر
فأما الطير الذى يسمى باليونانية فينى Φηνη وبالعربية: «كاسر العظام» — فهو وديع جيد التدبير لحياته، جيد الخروج لفراخه جيد التعاهد لها. وهو يتعاهد فراخه وفراخ العقاب.
〈لأنه حين يطرد العقاب فراخه من العش، يتلقاها فينى ويربيها. وذلك
لأن العقاب يتخلص من فراخه فى وقت مبكر وهى لا تزال فى حاجة إلى المعونة
وغير قادرة بعد على الطيران. والعقاب إنما يطرد فراخه حسداً، فيما يظهر،
لأن طباعه الحسد والشراهة التى تدفعه إلى الانقضاض على طعامه، وأخذ
كميات كبيرة منه. فهو إذاًً يحسد فراخه حين تنضج هذه، لأن لها هى الأخرى
شهية جيدة، وهو يمزقها بمخالبه. ومن ناحية أخرى فإن الفراخ يقاتل بعضها
بعضاً من أجل الحفاظ على مكانها فى العش أو من أجل الظفر بالطعام، لكن
العقاب الأم تطردها خارج العش وتضربها. والفراخ المطرودة تصيح،
وهنالك يتولى رعايتها فينى. وعلى عينى فينى وحمة بيضاء وبصره
ليس عادياً. أما عقاب البحر، فهو على عكس ذلك، حاد البصر جداً؛
ويرغم فراخه، وهى لا تزال لم ينبت فيها الريش، على التحديق فى الشمس:
فإن رفض واحد منها ذلك، ضربه ووجهه نحو الكوكب؛ وإذا دمعت عيون
أحد الفرخين، قتله وربى الآخر. وهو يسكن بالقرب من البحر، ويعيش من
صيد الطيور البحرية، كما ذكرنا من قبل. وهو يصيدها بأن يمسك بها
ودجاج الماء تصاد بواسطة زبد البحر، لأنها تبتلعه بشراهة، لهذا ينشره الصيادون هاهنا وهاهناك. ولحم هذه الطيور طيب الرائحة، فيما عدا مؤخرها فإن له رائحة الطين. وهى تصير سمينة جداً.
وأقوى الصقور éperviers هو ما يسمى باليونانية τριορχησ، ويتلوه فى القوة المسمى ايسالون αισαλων، ويتلوه المسمى كركوس κιρκοσ. وثم أنواع أخرى مثل الاسطرياسαστεριασ، والفسوفونس ΦασσοΦονοσ والپترنيس πτερνισ. والصقور العريضة الجثة تسمى أنصاف التريورخيس؛ والبعض الآخر يسمى المسواد περκοι، أو صيادى الكناريا σπιξιαι؛ ويوجد أيضاً صيادو الالايوس οι δελειοι، وجماعو الجداجد Φρυνολογοι.
والطيور التى من هذا النوع الأخير تسهل عليها الحياة جداً، وتطير على مقربة من سطح الأرض.
ويؤكد البعض أنه يوجد ما لا يقل عن عشرة أنواع من الصقور، وكل واحد منها مختلف عن الآخر. وبعض الصقور يهاجم الحمام وهو على الأرض ويأخذه، ولكنه لا يتعرض له إذا طار؛ والبعض الآخر، على العكس من ذلك، يصيد الحمام حين يكون واقفاً على شجرة أو على قمة، لكنه يتركه إن كان على الأرض أو فى الهواء؛ والبعض الثالث لا يتعرض لفريسته وهى على الأرض أو واقفة على مكان مرتفع، لكنه يسعى للإمساك به أثناء طيرانه فقط. ويقال إن الحمام يعرف كيف يميز بين هذه الأنواع من الصقور، بحيث إذا رأى صقراً ينقض عليه فإنه إذا كان الصقر من ذلك النوع الذى يهاجم فريسته فى الهواء فقط فإنه يبقى ساكناً حيث هو؛ وإذا كان الصقر من النوع الذى ينقض على فريسته وهى على الأرض، فإن الحمام لا ينتظره بل يطير.
وفى تراقيا، فى القسم الذى كان يسمى فى الماضى قدريپوليوس
Κεδριπολιοσ يصيد الناس فراخ الطير فى النقائع، هم والصقور. والصيادون
يضربون اليراع بعصى فى أيديهم ليجعل الطيور الصغيرة تطير، وتظهر الصقور
من فوقها؛ وتطارد الطيور التى فزعت فارتدت إلى الأرض،
حيث ينتظرها الصيادون بعصيهم ويمسكون بها. ويعطى الصيادون بعض ما
يصطادون للصقور، بأن يلقوا فى الهواء بكمية من الطيور فيتلقفها الصقور〉.
وإن العقاب يلقى على الأرض ويصيدونها بهذا النوع. وقد زعم بعض الناس
أن فى ناحية البقعة التى تسمى باليونانية ماوطيس Μαιωτισ ذئاب قد
فهذه حال أصناف وأجناس الطير.
ويمكن من أراد — على ما نذكر — أن يعاين فى أصناف الحيوان البحرى
أشياء كثيرة تفعل بحيل قصد تدبير معاش كل واحد منها. وما يذكر
عن الضفدع البحرى الذى يسمى باليونانية اليا αλιεα، وما يذكر عن
الحيوان الذى يسمى نارقى ναρκη — وتفسيره: جد رخو — 〈صحيح〉.
فإن للضفدع شيئاً مخلوقاً فى مقدم عينيه مستطيلاً [٢٤٥] شبيهاً بالشعر، وطرفه
مستدير موافق للخديعة والصيد. فإذا اختفى فى الأماكن الرملية والعكرة الماء
نشر الأعضاء الناتئة بين عينيه، وصاد بها السمك الصغار، حتى يشبع وتمتلىء
معدته. — فأما الذى يسمى خدر [torpille] فهو يصيد كل ما يدنو منه
من السمك لأنه إذا دنا من جسده خدر ولم يقو على الحركة ولا البراح. فهو
يتناول ويأكل ويختفى فى الرمل والطين ويصيد كل ما يمر به 〈من〉 السمك
بخدر. وقد عاين ذلك كثير من الناس عياناً. والأطرغلة البحرية تختفى،ولكن
ليس مثل ما يختفى الخدر. والعلامة الدليلة على أنها تعيش بمثل هذا النوع من
قبل أنها تصاد مراراً شتى، وفى أجوافها السمك الذى يقال له قاسطريوس
χαστρευσ، وهو من أسرع السمك، ونارقى والضفدع من أبطأ
فأما حيث يكون انثياس ανΘιασ فلا يكون سبع؛ والملاحون يعرفون هذه العلامة، ويسمون الانثياسات سمكاً كهنياً. ويشبه أن يكون ذلك عرضاً، كما يقال: إنه حيث يكون حلزون، فلا يكون خنزير ولا قبج، لأن كليهما يأكلان الحلزون.
فأما الحية البحرية فلونها مثل لون السمك الذى يسمى غنغروس γογγροσ وجسدها أيضاً مثل جسده، غير أنها أقوى لأنها إذا فزعت وخلى سبيلها، غابت فى الرمل عاجلاً لأنها تثقبه بطرف فمها الحاد 〈وهو أكثر حدة من〉 أفواه الحيات.
فأما الحيوان البحرى الذى يسمى أربعة وأربعين 〈فإنها〉 إذا بلعت الصنارة انقلب جوفها وصار ما 〈هو〉 داخل خارجاً؛ فتنقلع الصنارة؛ وإذا انقلعت رجعت إلى الحال الأول. وهذا الحيوان يستحب كل ما كانت رائحته رديئة، مثلما يفعل البرى منه. وليس يلسع بفمه، بل يمس كل جسده، مثل الحيوان الذى يسمى باليونانية قنيدا κνιδαι.
فأما من أصناف السمك، فالذى يسمى «ثعلب» إذا أحس أنه قد بلع الصنارة يحتال ويتتبع الخيط ويأكله حتى يقطعه، ولذلك يصاد كثير [٢٤٦] من هذا الصنف وفى جوفه كثرة صنارات، وإنما يصاد فى الأماكن العميقة.
وصنف من السمك الذى يسمى اميا αμια إذا عاين سبعاً يجتمع بكثرة، ويكون ما عظم منه حول الصغار. فإذا دنا السبع من بعضها، حامت البقية وقاتلت عنها. ولها أسنان قوية، 〈وقد شوهدت لاميا تسقط وسطها وتخرج مثخنة بالجراح〉.
فأما صنف السمك النهرى الذى يسمى باليونانية اغلانيس γλανισ فهو يتعاهد فراخه تعاهداً شديداً. فأما الأنثى، فإذا باضت تركت البيض. والذكر يتبع البيض ويحفظه ويقيم معه، وخاصةً حيث يجتمع كثير من البيض. وإنما منفعته لذلك البيض لأنه يمنع سائر السمك الصغير من حفظه وابتلاعه. فهو يفعل ذلك أربعين أو خمسين يوماً حتى ينشأ السمك ويقوى على الهرب من غيره. والصيادون يعرفون مكانه الذى يأوى فيه حافظاً بيضه، لأنه إذا دنا منها شىء من السمك يريد أكل بيضه 〈نزا〉 ونفر ويكون له دوى. فهو محب لبيضه والسمك الذى يخرج منه، كما وصفنا. وإن كان البيض عند أصول شجر عميق جداً، رفعه من ذلك العمق وقامه حافظاً له، وربما ابتلع صنارة الصياد وأخذ بها، لا يدع حفظ بيضه، بل يعض تلك الصنارة ويلويها بشدة وصعوبة بأسنانه.
ويلقى جميع أصناف السمك الذى يريد أن يرعى، فى الأماكن التى فيها
فأما من أصناف السمك الخزفى الجلد 〈و〉الذى 〈ليس〉 له رجلان
فالذى يسمى «مشطاً» يتحرك خاصة حركة كثيرة ويطير طيراناً. فأما
الذى يسمى بورفورا πορΦυρα فليس يتحرك من موضعه إلا قليلاً؛
والأصناف التى تشبههه كمثل. 〈وفى مضيق〉 پرا πυρρα السمك فى الشتاء
يعوم ويخرج إلى خارج، ما خلا الصنف الذى يسمى قوبيوس κωβιοσ
لحال البرد، فإن أوريبوس موضع بارد جداً. وإذا كان أوان الربيع، عام
السمك ورجع إلى اللج. وليس يكون [٢٤٧] فى أوريبوس صنف
وأصناف السمك التى تحمل 〈بيضاً〉 تشب وتخصب فى أوان الربيع إلى أن تبيض بيضها. فأما أصناف الحيوان الذى يلد حيواناً مثله فهو يسمن ويخصب فى أوان الخريف، مثل الذى يسمى قاسطروس κεστρευσ واطريغلى τριγλη وجميع سائر الأجناس التى تشبهها. وأما فى ناحية البلدة التى تسمى لازبوس λεσβοσ فجميع الحيوان البحرى والذى يكون فى لازبوس يلد فى لازبوس وهى تسفد فى الخريف وتلد وتبيض فى الربيع. والأصناف التى تسمى باليونانية سلاخى σελαχη كمثل. وإذا كان الخريف، تعوم هذه الأجناس مختلطة، أعنى الذكورة مع الإناث لحال السفاد. وإذا كان الربيع تعوم مفترقة حتى تلد أو تبيض. وإذا كان أوان السفاد يصاد كثير منها 〈و〉بعضه لاصق ببعض، أعنى الذكورة مع الإناث.
فأما من صنف السمك الذى يسمى مالاقيا فالذى يسمى سپيا منكر جداً،
لأنه يقىء شيئاً أسود يعكر به الماء ليخفى به نفسه، وليس لحال الجزع فقط؛
فأما الصنف الذى يسمى الكثير الأرجل [poulpe] فليس له توق لأنه ربما عام وجاء إلى يد الرجل إذا رآها فى الماء. وله تدبير حسن لمعاشه، ويجمع كل ما يقدر عليه إلى مأواه وموضعه. وإذا أكل أطايبها، أخرج الخزف وأعظمه السراطين والحلزون وشوك السمك الصغير. وهو يغير لونه ويصيره مثل لون الحجارة التى يقرب منها، وبذلك يخدع السمك ويصيده؛ وهو يفعل ذا الفعل أيضاً إذا فزع واتقى. وقد زعم بعض الناس أن الذى يسمى سپيا يفعل مثل هذا الفعل أيضاً، لأنه يغير لونه ويصيره مثل لون المكان الذى يأوى فيه. وليس فى أصناف السمك الصغير شىء يفعل هذا الفعل، ما خلا الذى [٢٤٨] يسمى رينى ρινη فإنه يغير لونه مثلما يغير لون الحيوان الكثير الأرجل.
وعامة الحيوان الكثير الأرجل يبقى أكثر من سنتين، لأن جسده سريع
الذوب. وإذا أصابه شىء من التدليك، ذابت منه رطوبة، وفى الآخرة
يفنى ويهلك. فأما الإناث فإنها تلقى ذلك بعد الولاد، وتحمق ولا تحس
وصنف الذى يسمى سپيا ليس يبقى سنتين.
وليس يخرج شىء من الأصناف التى تسمى مالاقيا إلى البر، ما خلا الحيوان الذى يسمى كثير الأرجل، وإنما يسير على المواضع الخشنة ويهرب من الأماكن الملساء. وجميع أعضاء هذا الحيوان قوية، ما خلا العنق فإنه ضعيف، فإذا أخذ بعنقه هلك.
فهذه حال صنف السمك الذى يسمى باليونانية مالاقيا. وأما الحيوان الذى يسمى قونخى κογχη فإن الدقيق الخشن منه قد زعم بعض الناس أنه يهيىء حوله مثل ثوب جاس ليوقيه. وإذا كان الحيوان عظيماً هيأه أعظم. وهو يخرج منه كما يخرج غيره من عشه ومكان مأواه.
والحيوان البحرى الذى يسمى ناطيلوس ναυτιλοσ كثير الأرجل من
الطباع. وهو يعوم على وجه الماء ويصعد من أسفل، أعنى من العمق. وإذا
صعد، يكون منقلب الخزف، لكن يصعد عاجلاً... وبعدما يكون على وجه
وسائر أجناس النمل كثير العمل والمكسب أكثر من جميع أصناف الحيوان المحزز الجسد وأيضاً الدبر الكبير والصغير وجميع الأجناس الملائمة لهذه الذكورة. ومن أصناف العنكبوت أصناف عمالة، أعنى ما كان منها ذا جسد وأدق خلقةً فإنها أكثر احتيالاً من غيرها لمصلحة معاشها. وعمل النمل ظاهر بين 〈إذ〉 أن جميع النمل أبداً يسير فى مسلك واحد، وأنه يكنز طعامه؛ وإذا كانت ليال مقمرة يعمل أيضاً.
وللعنكبوت والحيوان اللداغ الذى يشبهه — أجناس كثيرة. ومنها جنس
فأما سائر الأجناس التى يحملها باعة الأدوية: فمنها ما لا يلدغ ألبتة، ومنها ما يلدغ لدغاً ضعيفاً. وأيضاً منها جنس آخر، وهو الذى يسمى جنس الذئاب λυκοι.
فهذا الصغير الذى وصفنا لا ينسج العنكبوت، وإنما ينسج الأكبر، ونسجه ردىء على وجه الأرض والصخور. وإنما ينسج نسجه خارجاً، وتكون الأطراف داخلاً يحتفظ بها حتى يقع عليها شىء ويتحرك. فإذا أحس بحركته خرج إليه. فأما المختلف اللون فهو يهيىء تحت الشجر نسجاً رديئاً.
وفى العنكبوت جنس آخر حكيم جداً، دقيق الخلقة. فإنه ينسج أولاً
أولاً، ويمد الشعر ناحية الحدود والأوتاد، ثم يبتدىء من الوسط ويكون
لذى السدى عظم صالح، ثم يعمل اللحمة ويهيىء موضع ما يصيد
فى مكان آخر، ويهيىء موضع [٢٥٠] الصيد فى الوسط. فإذا وقع عليه شىء
وتحرك الوسط، يربط، ويزداد النسج على ذلك الحيوان حتى يضعف. فإذا
علم ضعفه، حمله وذهب به إلى خزانته. وإن كان جائعاً من ساعته، يمص
ما فيه من الرطوبة ويخليه. وإن لم يكن جائعاً، يعود أيضاً إلى الصيد، بعد
أن يرم ما انشق من نسجه. وإن وقع شىء وسط النسج وأحس به، يخرج
وفى العنكبوت الدقيق الخلقة الذى ينسج نسجاً صفيقاً جنسان: أحدهما أعظم، والآخر أصغر. فالعنكبوت الطويل الساقين يتعلق من أسفل وينظر لكيلا يخاف الحيوان ويتوقى الوقوع على النسج، فإنه لا يكاد يختبىء لعظم جسده. فأما الذى جسده معتدل، فإنه يختفى فى بعض نسجه.
وإذا ولد العنكبوت، قوى من ساعته على النسج، وذلك الذى ينسج به لا يخرج من داخل جوفه مثل فضله، كما قال ديمقراطيس، بل من خارج جسده، فإنه على جسده مثل اللحاء، وهو شبيه بما يبرز شعره وشوكه 〈من الحيوان〉 مثل الحيوان الذى يسمى سقا υστριξ.
والعنكبوت يلف وينسج نسجه على الحيوان الأعظم من الذباب أيضاً، فإنه ينسج على السام أبرص الصغير ويربط فاه أولاً. وإذا فعل ذلك واحترز، حينئذ يدنو منه ويعضه ويمص الرطوبة التى فيه.
فهذه حال أجناس العنكبوت.
وأيضاً فى الحيوان المحزز الجسد جنس يشترك بالاسم ويشترك بالمنظر أيضاً، أعنى جميع الأصناف التى تهيىء موماً مثل النحل وما يشبهه بالمنظر، وهى تسعة أصناف: منها ستة أصناف يأوى بعضها مع بعض، أعنى النحل، والذكورة التى تكون فى النحل، والدبر الذى يأوى على وجه الأرض، والدبر الصغير الأصفر، والدبر الأسود المستطيل؛ فأما الأصناف التى تنفرد فثلاثة أصناف: [٢٥١] الذى يسمى باليونانية صيرين σειρην الصغير، وهو أغبر اللون، والذى يسمى صيرين σειρην الكبير وهو أسود مختلف اللون، والثالث الذى يسمى باليونانية بولبوليوس βομβυλιοσ، وهو أكبر من الصنفين الآخرين جداً. وينبغى أن يعلم أن النحل لا يصيد شيئاً، وإنما يجمع المعمول المفروغ منه؛ فأما العنكبوت فليس يعمل شيئاً ولا يكنز، وإنما يصيد طعمه فقط — وسنذكر فى آخر قولنا التسعة الأجناس التى وصفنا — فأما النحل فليس يصيد شيئاً، بل هو يهيىء ويكنز حاجة غيره. وإنما غذاؤه من العسل. وذلك يستبين من قبل القوام على النحل: فإنهم إذا ما أرادوا إخراج شىء من الشهد بخروا الخلايا؛ فإذا أصاب النحل أذى الدخان، حينئذ يأكل العسل خاصةً؛ فأما فى غير ذلك الوقت فليس يكثر من أكله لشفقته عليه، ولأنه يريد أن يكثره. وللنحل غذاء آخر، وهو ثفل العسل: ليس بحلو جداً، وحلاوته شبيهة بحلاوة التين. والنحل يجلبه على ساقيه، كما يجلب الموم.
وفى أعمال أصناف النحل وتدبيره لمعاشه اختلاف كثير. وإذا أصاب
النحل خليةً نقية نظيفة يبنى فيها بيوتاً من الموم. وإنما يأتى ذلك الموم من سائر
وهو يبنى أولاً بيوتاً معمولة من شمع؛ أعنى بالبيوت: الثقب التى يأوى فيها النحل ثم يهيىء البيوت التى يأوى فيها ملوك النحل، وذكورة النحل. فالنحل أبداً يبنى البيوت التى يكون هو فيها. فأما بيوت الملوك فهو يبنيها إذا كان الطرد — أعنى فراخ النحل — كبيراً؛ ويبنى بيوت الذكورة التى لا يعمل شيئاً، إذا كان العسل مباحاً كثيراً والنحل يهيىء بيوت الملوك قريبةً من بيوتها؛ وهى ثقب صغار. ثم يبنى بعدها بيوت الذكورة. والذكورة أصغر جثة من النحل الذى يعمل العسل. وهو [٢٥٢] يبدأ فى البناء والنسج من فوق، أعنى من سقف الخلية، ويأخذ من الأرض، أعنى الناحية السفلى، ويصير الزوايا على أوتاد البناء. ويكون العسل والفراخ [larves] مثنى: أعنى مدخلين، لأنهما كوبان ناتئان على أساس واحد مثل الكوبين ذوات الفمين — أحدهما من داخل، والآخر من خارج. والنحل يبنى حول الثقب التى فيها العسل والتى فيها الفراخ صنفين أو ثلاثة من الثقب الفارغة التى ليس فيها عسل؛ والثقب المغطاة بالموم توجد ملأى عسلاً، ومدخل الخلية يوجد ملطخاً بشىء شبيه بالموم، وهو أسود جداً كأنه وسخ الموم، وهو حريف الريح، نافع من ضرب السياط وأصناف الجراحات التى تقيح. وإن خلط به موم وزفت يكون دواء أقوى وأكثر منفعة.
وقد زعم بعض الناس أن الذكورة تنفرد ببيوتها، وتكون على حدتها فى الخلية الواحدة والشهدة الواحدة، وتقاسم النحل. وليس تعمل الذكورة شيئاً من العسل ألبتة، بل تغذى من عمل النحل هى والفراخ. والذكورة تكثر المأوى فى داخل الخلية؛ وإن طارت، فهى تخرج من الخلية بأجمعها وترتفع إلى الهواء ويكون لها دوى كأنها تريد أن تخرج وتحرك أجسادها. فإذا فعلت ذلك، رجعت أيضاً إلى الخلية وأكلت من العسل قدر شبعها.
فأما ملك النحل فليس يخرج خارجاً إن لم يخرج مع جميع النحل الذى فى الخلية، ولا يذهب إلى الرعى، ولا إلى مكان آخر. وقد زعم بعض الناس أنه إن طلب الطرد، أعنى الفرايخ وترك الملك، ينتقل من موضعه أيضاً ويطلب الملك حتى يجده بمعرفة رائحته. وقد زعم أن النحل يحمل الملك حملاً إذا لم يقو على الطيران. وإن هلك الملك هلك جميع الطرد. وإن أقام النحل زماناً ولم يبن بيوتاً من موم، لا يوجد فى الخلية عسل، والنحل يهلك عاجلاً.
والنحل يلقط الموم من الزهر لقطاً سريعاً ويحمله على رجليه المقدمتين،
وينقى تلك الرجلين بأوساط الأرجل، ثم ينقى الأوساط
معكوسة الرجلين إلى [٢٥٣] خلف. فإذا حمل النحل كفافه من الموم طار
وهو بين من طيرانه أنه مثقل. وإذا طار النحل لا يقعد على أزهار مختلفة،
بل على زهر واحد، أعنى أنه ينتقل من زهر البنفس إلى زهر البنفس ولا
يدنو من زهر آخر حتى يعود إلى خليته. وتتبع كل نحلة محملة ثلاث أو
أربع نحلات. وليس يمكن أن يعاين أحد ذلك الذى يأخذ النحل، ولا يعلم
وبعد ذلك يفرخ النحل. وليس شىء يمنع أن يكون فى الشهدة الواحدة فراخ وعسل وذكورة النحل. فإن كان الملك حياً، فالذكورة تكون على حدتها؛ وإن هلك، يتولد من النحل فى ثقب النحل، فيكون ذلك النحل أشد عضاً، ومن أجل ذلك يسمى النحل اللداغ. فأما الذكورة فهى تهم باللدغ ولا تقوى عليه. وبيوت ذكورة النحل أكبر وأوسع من غيرها. والنحل ربما بنى من الموم بيوتاً للذكورة مفردة.
وأجناس النحل كثيرة، كما قيل أولاً. وللملوك جنسان: أحدهما أحمر اللون وهو أجود الملوك، والآخر أسود مختلف اللون؛ وعظم جثة الملك يكون مثل عظم جثة النحلة التى تعمل العسل مرتين.
والنحلة الكريمة تكون صغيرة مستديرة الجسد مختلفة اللون. وتكون أيضاً نحلة أخرى مستطيلة الجسد شبيهة بالنحل الذكر. وتكون نحلة أخرى كبيرة عظيمة البطن. فأما النحلة الذكر فجثته أكبر من سائر جثث النحل، غير أنه ليس له حمة، وهو كسل ردىء الحركة. وبين النحل الذى يرعى فى السهل وبين النحل الذى يرعى فى الجبال — اختلاف: فإن الذى يرعى فى الغياض والجبال أصغر جثثاً وأكثر عملاً.
والنحل الكريم يعمل الشهد أملس، مستوياً، وأغطية الثقب أيضاً ملس
مستوية. وهو يملأ بعض الثقب عسلاً، وبعضه مزاجاً، وبعضه نحلاً ذكر.
فأما النحل المستطيل الجسد الذى ليس يكون فهو يعمل شهداً قليل
والنحل يجلس على ثقب الشهد لينضج العسل. وإن لم يفعل ذلك، فسد الشهد وتولد فيه عنكبوت؛ فإن قوى على تنقيته، سلم وكان غذاؤه من العسل؛ وإن ضعف عنه، هلك. ويتولد فى الخلايا التى تفسد دود صغير، وتنبت له أجنحة.
وإذا وقع شىء من بيوت الموم، أقامه النحل وأسنده ببناء لكيلا يقع، ولكن يكون سهل المدخل. وإذا لم يكن له مدخل، لا يجلس على الثقب.
وليس لذكورة النحل ولا للتى تسمى باليونانية فورس Φωρεσ جنس
ولا عمل وإنما تأكل عمل غيرها وتضر بالنحل. فإذا شد عليها النحل قتلها.
والنحل أيضاً يقتل الملوك الرديئة، لكى لا يكبر ويفرق ما بين النحل الذى
فى الخلية. ويقتل كثيراً من الملوك، خاصةً إذا لم تكن الفراخ كثيرة ولا
الطرد، فالنحل فى تلك الأزمان يمسك بيوت الملك ويفسد بيوت ذكورة
النحل، وخاصة إذا قل العسل: فإنه إذا عرض ذلك، قتل النحل ما كان
فى الخلية من الذكورة. ولذلك تظهر الذكورة مراراً شتى جالسة على ظهر
الخلية. وجنس النحل الصغير يروم قتال النحل المستطيل وإخراجه من الخلايا:
فإن قوى على ذلك، فهو منتهى جودة النحل. فأما الصنف الآخر فإنه إذا
يكون بطالاً لا يعمل عملاً فيه خير البتة، وهو يهلك فى الخريف. فإذا قتل
النحل شيئاً، فهو يروم قتله خارجاً من الخلية. فأما إن قتل شيئاً داخلاً.
فهو يخرجه ويلقيه. فأما صنف النحل الذى يسمى فورس Φωρεσ
فأما الملوك فليس تظهر خارجاً بنوع آخر إن لم يكن مع عنقود من عناقيد الفراخ. وإذا خرج يكون سير الفراخ حوله ملتفةً به. وإذا أراد أن يخرج طرد فراخ تكون فى داخل الخلية، دوى وصوت قبل خروجه بيومين أو ثلاثة، ويظهر قليل من الفراخ خارجاً على مدخل الخلية، ولم يظهر إن كان الملك فيها لأن معاينته ليست بيسيرة. وإذا اجتمعت الفراخ، طارت وافترقت مع كل واحد من الملوك فرقة. وإن كان فى الفراخ قلة، فهى تجلس على بعد، وتصير القلة إلى الكثرة؛ وإن تبعها الملك الذى تركت، قتلته.
فهذه حال خروج فراخ النحل. وينبغى أن تعلم أن النحل مرتب على كل
حال من الأعمال — أعنى أن بعض النحل يأتى 〈برحيق〉 الزهر، وبعضه
〈يأتى بالماء، وبعضه〉 ينقى ويصلح الموم؛ ومنه 〈ما〉 يسقى ماءً
إذا كان له فراخ. وليس يجلس النحل على جسد آخر ولا يدنو من أصناف
الأطعمة. وليس يعمل النحل زماناً معروفاً ولا وقت الابتداء؛ وإنما يبدأ بالعمل
إذا كان مخصب الحال فى أى زمان كان من السنة. وإذا كان الهواء صاحياً،
وإذا قطعت شيئاً من الشهد القوام على تعاهد النحل، يتركون للنحل كفافها من العسل ليكون طعماً لها فى الشتاء؛ فإن كان ذلك الطعم كفافاً، سلم النحل الذى فى الخلية. وطعم النحل العسل فى الصيف والشتاء. ويوضع للنحل طعم آخر من الزبيب أو من الحلوى.
والدبر يضر بالنحل جداً، 〈وكذلك〉 الطير الذى يسمى باليونانية
أجيثالوس αιγιΘαλοσ، والخطاف والطير الذى يسمى مارپس.
μεροφ .والضفادع التى تكون فى النقائع تلقى النحل وهو يريد شرب الماء
فتأكله، [٢٥٦] ولذلك يصيد الضفادع القوام على النحل ويفسد أعشة الدبر
〈والنحل إذا لدغ، مات هو نفسه، إذ يستحيل عليه أن ينتزع الحمة دون أن ينتزع أحشاء نفسه فى عين الوقت〉؛ 〈لكن ليس هذا صحيحاً دائماً〉، لأنه ربما سلم الملدوغ إن تعاهد موضع اللدغ وعصره حتى يخرج من الحمة. وإذا ذهبت حمة النحلة ماتت. وهو يلدغ الحيوان العظيم الجثة. وقد هلك — فيما سلف — قوم من لدغ النحل. وليس تلدغ ملوك النحل ولا تغضب.
وإذا هلك شىء من النحل فى داخل الخلايا، أخرجته الأحياء إلى خارج. وهذا الحيوان نقى نظيف جداً، أكثر من جميع الحيوان، ولذلك يلقى زبله وهو يطير مراراً شتى، لأنه منتن. والنحل يكره كل رعى يكون منتناً وخم الرائحة كما قلنا فيما سلف؛ ويكره رائحة الأزهار الطيبة الريح، ولذلك يلدغ من ادهن بشىء منها ودنا منه.
والنحل يهلك لحال أعراض كثيرة تعرض له، وإذا كبرت ملوكها
وقد ذكرنا فيما سلف أنه يكون فى النحل جنس ردىء يعمل موماً حسناً. وقد زعم بعض القوام على العسل أن العمل الحسن عمل فراخ النحل لقلة تجربته وخبره ذلك. وليس تلدغ الفراخ لدغاً شديداً أيضاً ولذلك تطير وشكلها شكل عنقود. وإذا لم يبق فى الخلايا عسل أخرجوا الذكورة منها، وأطعموا النحل تيناً وغير ذلك من الحلوى.
وما كان من النحل مسناً فهو يعمل داخلاً. وهو أزب، لكينونته هناك. فأما الحدث من النحل فهو يجلب من خارج، وهو أملس، أجرد الجسد أكثر من المسن. والنحل يقتل الذكورة خاصة إذا لم يكن له سعة فى داخل الخلية يعمل فيها عمله، وهى (أى الذكورة) تكون فى آخر الخلية. وقد اعتلت خلية فى الزمان السالف 〈و〉مرض ما كان فيها [٢٥٧] من النحل، فجاء بعضه إلى خلية أخرى غريبة، وقاتل النحل الذى كان فيها، وأخرج العسل. وأقبل القيم على الخلايا يقتل النحل الذى جاء إلى غير مأواه، فخرج النحل من الخلية وقاتل الخلية الغريبة ولم يلدغ الرجل البتة، لحال دفعه المكروه عنها.
والأمراض تعرض خاصة للنحل المخصب، أعنى المرض الذى يسمى
〈كليروس κληροσ〉 وهو دود صغير يكون فى أرض الخلية، وإذا نشأ
يكون مثل عنكبوت ويستولى على كل الخلية وبعض الشهد والموم. وأيضاً
والنحل يرعى السعتر، والأبيض 〈منه〉 أجود من الأحمر. ولا ينبغى أن يكون النحل فى مكان بارد، إذا كان أوان الصيف والسموم؛ وفى الشتاء 〈ينبغى أن يكون〉 فى مكان دفىء. وإنما يمرض النحل خاصةً إذا لقط الزهر الذى وقعت فيه القملة. وإذا أصابه ريح عاصف، استتر بحجر يكون قبالة الريح. والنحل يشرب من الماء القريب وليس يشرب من غيره. وليس يشرب حتى يلقى ثقله أولاً. وإن لم يكن فى قربه ماء، شرب من الماء الذى يبعد عنه، والنحل يقىء العسل فى مأواه ثم ينطلق إلى العمل أيضاً.
وهو يعمل العسل فى زمانين: أعنى زمان الربيع، وزمان الخريف. والعسل الذى يعمل فى الربيع أشد بياضاً وأجود من الذى يعمل فى الخريف على كل حال. والعسل الجيد يكون من الموم الحديث، ومن فراخ النحل. فأما العسل الأحمر فهو أردأ، لحال الموم، لأن الموم يفسد كما يفسد الشراب فى الإناء. فلذلك ينبغى أن ييبس. وإذا أزهر السعتر وكان الموم مملوءاً لا يجمد العسل. وأجود العسل الذى لونه مثل لون الذهب. وليس يكون العسل الأبيض من السعتر الخالص، وهو جيد للعينين والجراحات. وأضعف العسل يكون أبداً فى أعلى الإناء، وينبغى أن يلقط ويخرج؛ فأما العسل النقى الطيب فهو يكون فى أسفل الإناء.
وإذا أزهرت الأعشاب، يعمل النحل موماً؛ ولذلك ينبغى أن يخرج بعض
والنحل يلقط أزهار [٢٥٨] العشب التى تسمى اكليل الملك، والآس، والحناء، والذى يسمى باليونانية اطراقطولس ατρακτυλλισ واغنوس αγνοσ واسبرطون σπαρτον وفلاوس Φλεωσ. وإذا عمل النحل شيئاً من السعتر خلط معه 〈ماءً〉 قبل أن يلقى الموم. — وجميع النحل يروث 〈إما〉 وهو يطير كما قيل أولاً، 〈أو〉 يروث فى مكان واحد من الخلية. — والنحل الصغير يعمل أكثر من الكبير كما قيل فيما سلف. وأجنحة النحل الصغير منسحقة، وهى سود الألوان كأنها محترقة. فأما النحل الصافى النقى فهو شبيه بالنساء البطالات اللائى لا يعملن شيئاً.
وهو يظن أن النحل يلذ بالتصفيق، ولذلك يصفقون إذا أرادوا جمع الفراخ كما زعم بعض الناس. — وليس هو بين إن كان كل النحل يسمع، وهو يفعل ذلك لحال اللذة أو لحال الجزع.
والنحل يخرج ما كان منه بطالاً وما لا يقوى على العمل. وهو يقسم
الأعمال كما قلنا فيما سلف: فبعضه يعمل الموم، وبعضه يعمل العسل،
وبعضه يحمل ويبنى البيوت، وبعضه يسقى الماء ويصبه فى الثقب ويخلطه
بالعسل. ومنه ما يبكر وينطلق إلى العمل؛ ومن النحل ما يسكت حتى تنهض
واحدة وتصر مرة أو مرتين؛ فإذا سمعه سائر النحل طار كله معه، ثم
تعود أيضاً وتصر أولاً وتفعل ذلك رويداً رويداً حتى تمر بها نحلة واحدة
وتصر كأنها تعلمها أنه قد بلغ وقت الموم، وتسكت بغتة. وإنما يعرف
والشاء مخالف للنحل، والدبر أيضاً كما قلنا فيما سلف. والقوام على النحل يصيدون الدبر بحيل مثل هذه: يضعون لحماً فى قدر؛ فإذا اجتمع الدبر ووقع على [٢٥٩] ذلك اللحم غطوا القدر بغطائها، ووضعوها على النار وأهلكوا ما فيها.
وإذا كان فى الخلية ذكورة يسيرة نفعت النحل، لأن النحل يكون أنشط
وأسرع إلى العمل. والنحل يتقدم ويعمل للشتاء الآتى والمطر. وعلامة ذلك أنه
لا يطير، بل يثبت 〈طيرانها〉 فى داخل الخلية والهواء صاف؛ فإذا كان
ذلك، علم القوام على النحل أنه يترجى الشتاء. — وإذا تعلق بعضه ببعض
فى داخل الخلية، فإنه يدل على أنه يريد تركها، ولذلك ينضح القوام شراباً
حلواً إذا أحسوا بتعليق بعضها بعضاً. وينبغى أن تنضب فى المكان الذى تكون
فيه الخلايا كمثرى جبلى وباقلا وقت رطب وجلنار وآس وخشخاش
فهذه حال النحل وتدبيرها.
وفى الدبر جنسان، أعنى الجنس الجبلى، والذى يكون فى السهل. فالجبلى
يأوى فى الجبال والأماكن الصعبة ولا يعشش على الأرض، بل فى الشجر؛
وهو فى المنظر أعظم جثةً من الجنس الآخر. وهو مستطيل الجسد، ولونه إلى
السواد ما هو أكثر من الآخر؛ ولكل هذا الجنس حمة؛ وهو أقوى من
غيره. ولدغته أوجع من لدغة الآخر، لأن حمته أكبر من حمة غيره.
وهذا الجنس من الدبر يبقى أقل من سنتين؛ وفى الشتاء يظهر لأنه يطير ويخرج
من الشجر الذى يقطع. وفى الشتاء يختفى فى عشه ولا يخرج. ومأواه فى
الشجر. ومنه ما يسمى أمهات، ومنه ما يسمى عمالاً. وكذلك يسمى الدبر
الذى يكون فى السهل أيضاً. وسنبين طباع العمال من الأمهات إذا أخذنا فى
ذكر الدبر السهلى، فإن للدبر السهلى أيضاً أجناساً. ومنه ما يسمى
أمهات، أعنى قواد الدبر، ومنه ما يسمى عمالاً. والقواد أودع وأعظم
وولاد الدبر يكون على ما نصف: الأمهات إذا أصابت مكاناً موافقاً فى
أوان الصيف تجعل ثقباً وبيوتاً شبيهة بالبيوت التى تعمل من الموم. وتهيىء
لتلك البيوت مثل أربعة أبواب قريباً منها، ويكون فى تلك البيوت دبر ولا
يكون أمهات. فإذا شب ذلك الدبر هيأت الأمهات بيوتاً اكثر. وإذا شب الدبر
أيضاً بنيت أكثر من تلك البيوت، ولذلك فى آخر الخريف تكون بيوت الدبر
كثيرة، وفيها يكون القائد الذى يسمى «أما»، وليس يلد بعد ذلك دبراً
بل أمهات. وتكون تلك الأمهات فوق البناء فى الظاهر مثل دود عظيم فى
ثقب له أربعة أبواب أو أكثر. وإذا خلقت، كسبت الدبرة العمال أطعمتها
وأدخلتها إليها، وذلك بين من قبل أن القواد لا تطير ولا تخرج بعد ذلك
بل تقيم داخلاً ساكنةً. وإذا تولد القواد الحدث، ماتت القواد التى كانت
فى العام الأول، وذلك لأن الدبر يقتلها. وهذا العرض يعرض بنوع
واحد، وليس يستبين إن كان تبقى الأمهات أو تعيش أكثر من الوقت الذى
والأم تكون عريضة ثقيلة، أثخن وأكبر من الدبر العمال. ولحال ثقل الجسد لا تنزو نزواً شديداً. والأمهات تبقى داخلاً فى الثقب والبيوت لأنها تحيل وتدبر ما هناك. والأمهات توجد فى أعشة الدبر كثيرة. وهو مشكوك إن كانت لها حمة، أم لا. وهو شبيه أن يكون مثل ملوك النحل أعنى أن لها حمة؛ وليس يخرجها ولا يلدغ. ومن الدبر ما ليس له حمة مثل ذكورة النحل، ومنه ما له حمة ويلدغ. والذى ليس له حمة أصغر وأضعف؛ والذى له حمة أكبر وأقوى، ومن الناس من يسميه ذكورة، ويسمى الدبر الذى ليس له حمة: إناثاً. وقد زعم بعض الناس أن كثيراً من الدبر الذى له حمة يلقى حمته فى الشتاء. ولم يعاين [٢٦١] ذلك عياناً إلى زماننا هذا.
والدبر يكون أكثر فى أوان القحط وقلة الأمطار وفى الأماكن الخشنة. وإنما يكون الدبر تحت الأرض ويحيل البيوت من تراب وحمأة: كل واحد من الدبر يبدأ بالبناء من الأصل. وغذاء الدبر من الثمرات والأزهار. وأكثر طعمه من الحيوان. وقد ظهر كثير من الدبر يسفد ويسفد. ولم يظهر إن كانت حمة للتى لا تسفد، وللتى تسفد، أم لا، إلى يومنا هذا وقد ظهر كثير من الدبر البرى يسفد ولأحدهما حمة، ولم يستبن بعد للآخر حممة.
وظن أن الزرع لا يكون من المكان الذى يزرع، بل يكون من ساعته
أعظم من فرخ الدبر. وإن أخذ أحد دبراً، وربط رجليه وتركه يصر بجناحيه،
طار حوله النحل الذى ليس له حمة، ولم يطر حوله الدبر الذى له حمة.
وإذا كان شتاء يصير الدبر فى المغاير، ولبعضه حمة، وليس لبعضه حمة. ومن الدبر ما يبنى بيوتاً صغاراً قليلة. فأما التى تسمى أمهات فإنها تصادف كثيرةً فى شجر العرب فى زمان الحوال لأنها يجب أن تجمع الصمغ السمج الردىء. و〈إذا〉 قد كان فيما سلف مطر غزير، تتولد من الدبر كثرة؛ والدبر أيضاً يصاد فى 〈الأماكن الوعرة〉 والشقوق من الصخور. وظهر فى ذلك الزمان لكل الدبر حمة.
فهذه حال الدبر.
فأما الصنف الذى يسمى باليونانية انثرينى ανΘρηνη وهو الدبر الأصفر،
فليس حاله مفردة معروفة مثل النحل. وهو يأكل اللحم، ولذلك يأوى حول
الدبر لأنه يصيد الذباب الكثير وإذا صاد منه شيئاً قطع رأسه وحمل بقية جثته
وله قائد مثل النحل. وللدبر الأحمر قواد. وهذا الصنف أعظم جثثاً من غيره جداً؛ وإذا قيست إلى قواد الدبر الأحمر وإلى ملوك النحل كان لها فضل بين. وقائد هذا الصنف يأوى فى داخل عشه مثل قائد الدبر الأحمر. وهو يبنى عشه تحت الأرض ويخرج التراب من مكان مأواه كما يفعل النمل. وليس يخرج من هذا الصنف طرد فراخ مثلما يخرج من النحل ولا يخرج طرد فراخ من الدبر الأحمر أيضاً، بل مأواه أبداً [٢٦٢] فى الأرض. وهو يهيىء عشاً أعظم من عش الدبر الأحمر لأنه يخرج التراب. وعشه كبير جداً، ويهيىء عشه من طين، شبيه بهيئة الموم. وقد أخرج مرة من عش واحد ثلاثة أو أربعة زنابيل من 〈الموم〉.
وليس يكنز هذا الصنف طعماً مثلما يفعل النحل. وهو يعشش فى الشتاء، أعنى يختفى فى عشه. وأكثره يهلك؛ ولم يستبن لنا بعد إن كان يهلك كله، أم لا. وليس تكون قواد كثيرة فى عش واحد، كما يكون فى خلية النحل، بل يكون قائد 〈واحد〉؛ وإذا كانت ملوك كثيرة فى خلية واحدة من خلايا النحل، افترق ذلك النحل وفسد. وإذا طار هذا الصنف من مكان مأواه يجتمع أيضاً فى موضع غيضة ويهيىء عشاً. وقد وجدت وعشها ظاهر مراراً شتى. وهو يهيىء هناك قائداً واحداً. فإذا خرج ونشأ، نهض وأخذ معه بقية صنفه، وطلب موضع خليته وأوى فيه.
ولم يظهر لنا إلى زماننا هذا حال سفاد هذا الصنف، ولا يعلم من أين يكون زرعه وأول تولده. وقد قلنا فيما سلف أنه ليس لذكورة النحل حمة، ولا سيما الصنف الذى يسمى باليونانية بالمس؛ فأما الصنف الأصفر من الدبر فلكله حمة. وينبغى لنا أن نتفقد إن كان لقائد هذا الصنف حمة، أم لا.
فأما صنف الدبر الذى يسمى باليونانية بومبوليوى βομβυλιοι فإنه يأوى على وجه الأرض تحت الصخور. ولمأواه مدخلان وأكثر؛ ويوجد فى عشه مبدأ عسل ردىء.
فأما الصنف الذى يسمى باليونانية طنثردون τενΘρηδων فهو شبيه بصنف الدبر الأصفر، وهو مختلف اللون؛ وعرض جثته مثل عرض النحل. وهو رغيب جداً يطلب المطابخ ويأكل مما فيها، ويأكل السمك أيضاً. فهو محب جداً لما وصفنا. ويطير مفرداً على حدته. ويعشش ويتولد على الأرض مثل الدبر الأحمر. وعشه يكون كثير التراب، وأكبر من عش الدبر الأحمر. وشكل جسده مستطيل.
فهذا وصف حال النحل وأصناف الدبر وأعمال وحال كل واحد منها.
فأما أشكال وأصناف الحيوان: ففيها اختلاف كثير كما قلنا فيما سلف، أعنى الاختلاف الذى يكون فى الجلادة والجرأة، [٢٦٣] والجزع والخوف، والدعة وصعوبة الخلق. فهذه الأشكال توجد مختلفةً فى أصناف الحيوان البرى أيضاً: فإن الأسد فى أوان أكله يكون صعب الخلق خبيثاً جداً. فأما إذا أكل ولم يكن جائعاً، وتملى — فهو وديع جداً. وليس هو من الحيوان الذى يستريب ولا يظن ظناً من الظنون ألبتة. وهو يحب اللعب مع كل ما ربى ونشأ معه وكان له معه ود، مع شدة مودته له. وإذا هم بالصيد وعاينه أحد لا يجزع ولا ينهزم أبداً؛ وإن ألجىء إلى ذلك فى وقت من الأوقات إذا أحس بكثرة الصيادين، يولى وينطلق ويمشى مشياً رفيقاً، ويلتفت إلى خلفه التفاتاً يسيراً. وإن تمكن من غيضة هرب عاجلاً حتى يبلغ مكاناً يظهر فيه؛ فإذا علم أنه قد ظهر، يمشى مشياً رفيقاً. وإن كان فى موضع سهل وألجىء إلى الهرب لحال كثرة الصيادين، جرى جرباً شديداً؛ وليس ينزو فى جريه، بل يجرى جرياً متصلاً متقارباً ملائماً، كجرى الكلب. وإذا طلب هو شيئاً من صيده وقرب منه، وثب ووقع عليه. فالذى يقال عنه 〈من〉 أنه يخاف النار خاصةً — حق، كما قال أوميروس الشاعر:
〈والمشاعل الملتهبة التى تجعله يرتجف، مهما يكن من اندفاعه〉
وهو يرصد الذى يرميه ويرشقه، ويشد عليه. وإن أخذه لم يضره ولم يمزقه، بل يخدشه ويحكه بمخاليبه، ثم يخليه بعد أن يفزعه. وإذا كثرت الأسد وضعفت ولم تقو على الصيد لحال ضعف المخاليب ووقوع الأسنان، جاءت إلى قرب المدن وآذت الناس. وهى تبقى سنين كثيرة. وقد صيد — فيما سلف — أسد وكثير من أسنانه مكسورة. ومن هذه العلامات يذكر بعض الناس أن الأسد يعيش سنين كثيرةً؛ ولولا أنها تبقى بقاءً يسيراً، لم يكن يعرض لها هذا العرض، أعنى كسر الأسنان وفناءها.
وفى الأسد جنسان: أحدهما مستدير الجثة، والآخر طويل الجثة، جيد الشعر، جلد. وربما هربت الأسد بعد أن تمد أذنابها مثل الكلاب. وقد عوين أسد مرةً يهم أن يقع على خنزير، فلما رآه يهم بقتاله هرب. وهو ضعيف إذا جرح فى ناحية مراق [٢٦٤] البطن وما يليه. فأما إذا جرح جراحات كثيرة فى سائر جسده، فليس يكترث لذلك. وله رأس صلب قوى. وإذا عض شيئاً بأسنانه أو جرح بمخاليبه، يسيل من تلك الجراحة قيح رقيق مثل الماء شديد النتن؛ ومثله يسيل أيضاً من الرباط والغيم الذى يوضع على الجراح. وعلاج عضة الأسد وعضة الكلب واحد هو فهو.
والسبع الذى يقال له باليونانية ثوس Θωσ محب للناس، ولذلك لا
يضرهم، ولا تجزع 〈الناس منه〉 جداً. وهو يقاتل الكلاب والأسد،
فمن أجل ذلك لا يكونان فى موضع واحد. وما صغر من صنف هذا السبع
فأما الصنف الذى يسمى باليونانية بونسوس βονασοσ فهو يكون فى البلدة
التى تسمى باونيا فى جبل القوم الذين يسمون ماصابيون Μεσσαριον،
وهذا الجبل يحد ما بين بلدة باونيقى Παιονικη وبلدة ميديقى Μαιδιαη
و〈أهل〉 باونيا يسمونه مونابوس μοναροσ. وعظم هذا الثور مثل
عظم ثور، غير أن جسده أنفخ من جسد الثور. وفى هذا الصنف من
السبع جنس آخر شبيه ببقرة، وله عرف إلى موضع طرف أكتافه مثل عرف
الفرس؛ وشعره ألين من شعر الفرس وأقصر منه. ولون جسده من الرأس
إلى موضع الشعر أشقر، وعرفه كثير الشعر يبلغ إلى العينين. فأما لون سائر
جسده ففيما بين اللون الرمادى والأحمر. وشعره أكثر يبساً من شعر الفرس،
وأردأ منظراً. وأصول الشعر شبيهة بصوف. وليس يكون شىء من صنف
هذا الحيوان أسود جداً، ولا أحمر جداً. وصوته شبيه بصوت بقرة. وقرونه
فأما الفيل فهو يكنس ويستأنس عاجلاً أكثر من جميع الحيوان البرى.
وهو يفهم، ويؤدب، ويعلم السجود 〈أمام〉 الملك. وهو جيد
الحس أكثر من سائر الحيوان. وإذا سفد الفيل الذكر الأنثى وحملت، لا
يدنو منها أيضاً البتة. وقد زعم بعض الناس أن الفيل يبقى مائتى سنة، ومنهم
من يزعم أنه يبقى عشرين ومائة سنة. والأنثى تبقى مثل بقاء الذكر. والفيل
يشب إلى تمام ستين عاماً، وهو قليل الاحتمال للشتاء والبرد، لأنه يحس
بالبرد جداً. وليس هذا الحيوان نهرياً، بل مأواه فى قرب الأنهار، ويعوم
فأما ذكورة الجمال فليس تنزو على الأمهات. وإن اضطرها أحد إلى ذلك كرهته. وقد كان رجل — فى الدهر الذى سلف — ستر الأم بثوب، ثم أرسل بكرها عليها. فلما نزا عليها ونزل عنها 〈الثوب〉 لم يعد إلى النزو ولم يتم سفاده. وبعد حين قليل عض على الجمال فقتله. ويقال إنه كانت لملك الأسقوثيا ΣκυΘια [٢٦٦] فرس أنثى جسيمة جلدة فارهة، وجميع فلاها فره. فلما أراد أن يحمل على الأنثى من أجود فلاها أدنى منها الفلو، فكره سفادها. فلما سترت بثوب خفى ذلك عليه وركبها. فلما نزا عليها وكشف وجه الأنثى ورآها، حصر وهرب وألقى بنفسه فى بعض الأودية، فهلك.
ويقال قول كثير وعلامات دليلة على أن الدلافين 〈ذات〉 دعة
والدلافين يكون بعضها مع بعض أزواجاً: أعنى الذكور مع الإناث. وهو مشكوك فيه [٢٦٧] لأى علة ربما وقعت الدلافين فى البر: فإنها تفعل ذلك، بزعم بعض الناس، فى الفرط وبالبخت لغير علة معروفة.
وكمثل ما تتغير أشكال الحيوان بقدر أفعالها، كذلك تتغير الأفعال بقدر الأشكال أيضاً ومراراً شتى يتغير بعض الأعضاء، كما يعرض للطائر: فإن إناث الدجاج إذا قاتلت الديوك وقهرتها، وصرخت وتشبهت بالذكورة ورامت السفاد، وإذا كان ذلك ارتفعت ناحية أذنابها حتى لا يعلمن إن كانت إناثاً، أم لا. وربما نبت فى ساقيها مخاليب صغار. وقد عوينت بعض الذكورة إذا هلكت الإناث تتعاهد فراخها مثل تعاهد الإناث وتغذيها وتدور معها ولا تصرخ بعد ذلك ولا تروم السفاد. وإن رام بعض الذكورة سفادها، أذعنت لذلك.
وبعض الحيوان يتغير بالمنظر والشكل والقرون والأزمان. وليس بهذه الأنواع تتغير فقط، بل إذا خصى شىء منها أيضاً. وإنما يخصى من الحيوان كل ما له خصى. وخصى الطير داخل، وخصى الحيوان الذى يبيض وله أربع أرجل، قريب من المنقار. فأما الحيوان المشاء الذى له أربع أرجل: فمنه ما خصاه خارج، ومنه ما خصاه داخل. فالذى خصاه خارج أكثر وأبين. وجميع خصى الحيوان فى آخر البطن.
وأصناف الطير تخصى من أصول الأذناب فى الأماكن التى بها يركب بعضها
بعضاً إذا سفدت. فإنه إن كوى أحد ذلك الموضع بحديد مرتين أو ثلاثةً،
وكان الذكر قد كمل وبلغ، تغير: فإن كان ديكاً لا يصرخ ولا يروم السفاد.
وإن كان فرخاً بعد، لا يعرض له شىء مما ذكرنا، أعنى أنه لا يصرخ ولا
وصوت جميع أصناف الحيوان الذى يخصى يتغير [٢٦٨] ويكون مثل صوت الإناث. وفى سائر الحيوان الذى له أربع أرجل اختلاف إذا أخصى صغيراً وإذا أخصى بعد الشبيبة، وليس ذلك الاختلاف فى الخنازير. وفى سائر الحيوان إذا خصى شىء حدث يكون أكبر وأرق من الذى لم يخص. وإن كانت قد انتهت شبيبته وخصى، لا ينشأ بعد ذلك ألبتة. فأما الأيلة فإنها إن خصيت قبل نبات قرونها، لا تنبت لها قرون بعد ذلك. وإن خصيت بعد نبات قرونها، يبقى عظم القرون على حاله لا يقع.
فأما العجول فهى تخصب إذا مضت لها سنة. وإن خصيت قبل ذلك ساء حالها وصغرت أجسادها. والعجول تخصى بمثل هذا النوع: تلقى على ظهورها، ثم يفتق جلد الخصى من أسفل ويعصر بالأيدى. فإذا بدر البيض، قطع من أصله، وربط ذلك القطع بشعر لكى تنزل الرطوبة التى تشبه القيح الرقيق. فإذا ورم الموضع أو التهب، يكوى جلد الخصى ويذر بذرور. فأما الثيران التى بلغت وتدلت خصاها، فإذا خصيت 〈فإنها تظل مع ذلك قادرة على أن تلد〉.
وإناث الخنزير تخصى أيضاً، لكن لا تحتاج بعد ذلك إلى سفاد، بل تسمن عاجلاً. وإنما تخصى الخنزير الأنثى بعد أن تصوم يومين، وإنما تعلق بمؤخر رجليها ثم يقطع الجلد الذى فى مراق البطن، حيث تقطع خصى الذكورة خاصة، وفى ذلك المكان يكون العضو المهيج للإناث إلى شهوة الفساد، وهو لاصق على الرحم.
وإناث الجمال تخصى أيضاً إذا احتيج إليها فى الحرب، لكن لا تحمل. ومن الناس من يكون له ثلاثة آلاف جمل. وهى تجرى جرياً أسرع من الخيل السابقة كثيراً، لحال عظم الخطوة. ويقال إن الحيوان الذى يخصى يكون أطول عمراً من الذى لا يخصى.
وجميع الحيوان الذى يجتر ينتفع ويلتذ بذلك كأنه يعتلف إذا اجتر. وإنما يجتر من الحيوان كل ما ليس له أسنان فى اللحى الأسفل واللحى الأعلى معاً، مثل البقر والغنم والمعزى. ولم يظهر شىء من الحيوان البرى يجتر إن لم يكن مما يستأنس، مثل الأيل فإنه يجتر. وجميع ما يجتر إذا كان مضطجعاً يجتر أكثر. وهو يفعل ذلك سبعة أشهر. فأما ما كان منه يأوى بعضه مع بعض [٢٦٩] فى قطيع واحد فهو يجتر زماناً أكثر وأقل. — وأيضاً يجتر بعض الحيوان الذى له أسنان فى اللحيين جميعاً، مثل بعض الحيوان الذى يكون فى بنطوس Ποντοσ، وصنف السمك الذى يسمى من فعله: «المجتر» μηρυξ.
وينبغى أن يعلم أن الحيوان الطويل الساقين رطب البطن. وهو أيضاً سريع القىء. وذلك بين فى الحيوان الذى له أربع أرجل، وفى أصناف الطير، والناس.
ومن الطير ما يغير اللون والصوت فى تغيير وتنقل الأزمان، مثل الذى يسمى باليونانية قوتوفوس κοττυΦοσ: فإنه أسود اللون حسن الصوت، ويبدل سواد لونه فيكون أشقر اللون؛ وإذا كان الشتاء، صوت بصوت شبيه بالضوضاء. والطير الذى يسمى كيخلا κιχλη يغير لونه فى الشتاء: فإن لونه يكون فيما يلى عنقه مختلفاً؛ وفى الصيف يكون مثل لون الزرازير، وليس يتغير صوته.
فأما العصفور الحسن الصوت فهو 〈يصوت〉 بصوت لذيذ خمسة عشر يوماً وليلة؛ ويفعل ذلك بفعل دائم متتابع إذا خرج ورق الشجر الذى فى الجبال والتف بعضه ببعض. وبعد ذلك الوقت يصوت أيضاً، ولكن لا يلح، بل مرةً بعد مرة. وإذا مضى من الصيف زمان لا يصوت بصوت مختلف ولا حسن. وهو يغير اللون. ويسمى فى أرض اطاليه Ιταλια فى ذلك الوقت باسم آخر. ولا يظهر زماناً كثيراً لأنه يختفى فى عشه.
وأصناف الطير الذى يسمى باليونانية اريثاقوس εριΘακοσ والذى يسمى
فونيقورس Φοινικυυροσ〈فيتغير〉 بعضها إلى بعض. والذى يسمى
اريثاقوس طير شتوى. والذى يسمى قونيقورس طير صيفى. وليس بينهما
اختلاف بقدر قول القائل إلا باللون فقط. وبهذا النوع يتغير الطير الذى يسمى
وإن أراد أن يغيب الطير الذى يسمى باليونانية قوققس κοκκυξ، يغير صوته ولونه. وإنما يغيب عند مطلع كوكب الكلب. ويظهر أيضاً فى ابتداء الربيع إلى مطلع الشعرى. — والطير الذى يسميه بعض الناس انينثى οινανΘη يظهر عند مطلع الكلب، وهو الذى يسمى سيريوس، Σειριοσ ويغيب مع غيبوبته؛ وهو يهرب مرةً من البرد، ومرةً من الدفء.
والهدهد أيضاً يغير اللون والمنظر أيضاً، كما قال اسقولوس الحكيم 〈فى هذه الأبيات:
هذا الطائر، الهدهد، شاهد على بلاياه 〈زيوس〉 زوده بريش متنوع، أعطاه مظهراً بهياً لطائر جسور يسكن الصخور يلبس سلاحه، وعند ظهور الربيع يحرك جناحه الشبيه بجناح سرقوس أبيض. وهكذا ينشر شكلين:
أحدهما فى شبابه، والآخر فى نضجه، وإن كان قد خرج من نفس الحضن.
وفى فصل الثمار الجديدة ، حين تصفر السنابل، ينبسط عليه ريش متعدد الألوان مرة أخرى.
لكن دائماً، وبمزاج حزين، يغادر هذه الأماكن إلى مقام آخر
وفى غابات مهجورة وقمم يستقر به المقام〉.
ومن أصناف الطير ما يتمرغ فى التراب. ومنه ما يستحم بالماء. فما كان من الطير ثقيل الجثة ليس يجيد الطيران فهو يتمرغ فى التراب، مثل القبج والدراج والدجاج، وغير ذلك. فأما الطير المستقيم المخاليب، ولا سيما الذى يأوى حول الأنهار والنقائع والبحار، فمنه ما يستحم، ومنه ما يتمرغ فى التراب ويستحم مثل الحمامة والعصفور. فأما كثير من الطير المعقف المخاليب فليس يفعل واحداً من هذين الفعلين، أعنى أنه لا يستحم ولا يتمرغ فى التراب.
فكما وصفنا، على مثل هذه الحال 〈يكون سلوك الطيور〉. ويعرض
[تم تفسير القول الثامن كتاب «طبائع الحيوان» لأرسطاطاليس]
فأما حال أول ولاد الإنسان وخلقته فى رحم الأنثى وجميع الأعراض التى تعرض له إلى الشيب والكبر لحال خصوصية طباعه فهو على مثل هذه الحال. وقد بينا فيما سلف من قولنا الاختلاف والفصل الذى بين الذكر والأنثى، مع تصنيف اختلاف الأعضاء.
وكينونة الزرع تبتدىء فى الذكر، أكثر ذلك، فى تمام أسبوعين
من سنة. ويبدأ نبات شعر العانة مثل الشجر الذى يبدأ بثمر، فإن الشجر
يزهر قبل ذلك، كما قال القمايون الذى كان من البلدة التى تسمى باليونانية
وفى الزمان الذى ذكرنا يكون ارتفاع الثديين ومطمث الجوارى. والطمث دم يشبه دم الحيوان المذبوح حديثاً. فأما الطمث الأبيض فهو يعرض للجوارى اللواتى لم يبلغن بعد، أعنى للحوادث ولا سيما إن كان غذاؤهن رطباً، ولذلك لا تنشأ الأجساد، بل تهزل. والطمث يعرض لكثير من الجوارى إذا ارتفعت الغدتان قدر غلظ اصبعين. وصوت الحيوان يتغير أيضاً فى ذلك الزمان، ويكون أثقل. وبقول عام: المرأة أحد صوتاً من الرجل، وأحداثهن 〈أحد〉 أصواتاً من المسناًت الكبار، مثلما يكون صوت الصبيان أحد من صوت الرجال، وصوت صبيان الرجال أحد من صوت الذكورة، والزمارة التى يزمر بها الصبية أحد من صوت الزمارة التى يزمر بها الصبى.
وإذا ظهر طمث الجوارى هجن إلى استعمال الجماع؛ وإن لم يستعملن ذلك ويمتنعن منه تحركت أجسادهن تحركاً أكثر، ولا سيما فى القرون التى بعد الشباب. فإن أحداث الجوارى إذا اعتدن الجماع، يشتد شوقهن إليه. والذكورة كذلك، من أجل أن السبل تنفتح وتتسع، ويكون الجسد يسهل المسيل؛ وذكر الجماع يلذهم بغير فعال؛ وبعض الذكورة لا يحتلمون، ولا يلقون زرعاً، ولا يكون لهم ولد لضرورة أصابت مكان الزرع من الولاد.
وبعض النساء لا يطمثن، لضرورة عرضت من الولاد أيضاً. وأجساد
الذكورة والإناث تتغير عند الاختلاف والطمث. ومنها ما يتغير من السقم
يكون بها [٢٧٢] إلى الصحة، وعلى خلاف ذلك من الصحة إلى السقم،
ومن هزال إلى سمن وخصب، وعلى الضد. وبعد الاحتلام يسمن بعض
الذكورة ويكون أصح، وبعضهم على خلاف ذلك. ومثل هذا يعرض
للجوارى أيضاً، لأنه إذا كانت أجساد الصبيان أو الجوارى كثيرة
الفضول، تخرج تلك الفضول مع زرع الذكورة وطمث الإناث، وتكون
الأجساد أكثر صحةً وأخصب حالاً لخروج تلك التى كانت تمنع الصحة
والخصب. وإذا كانت الأجساد على خلاف ما ذكرنا، تكون
الأجساد أكثر هزالاً وأكثر سقماً بعد الاحتلام والطمث، لأن الذى يخرج إنما
يخرج من الطباع، والأشياء الموافقة لمزاج الأبدان فهى تخرج مع زرع الذكورة
وطمث النساء. وارتفاع ونتوء ثدى الجوارى يكون مختلفاً إذا قيس بعضها
إلى بعض. ومنهن من يعظم ثدياها جداً، ومنهن من يبقى ثدياها صغيرين.
وإلى تمام ثلاثة أسابيع، أعنى إحدى وعشرين سنة، يكون الزرع غير موافق للولاد، وبعد ذلك يكون منه ولد، ويكون صغيراً ليس بنام. وهذا العرض يعرض لأحداث الذكورة والإناث، وكذلك يعرض لكثير من سائر أجناس الحيوان. وأحداث النساء يعلقن ويحملن عاجلاً. فإذا حضر وقت الولاد يكون وجع الطلق أشد جداً، ويكون أجساد الذين يولدون منهن أقل تماماً وكمالاً أكثر ذلك. والرجال الذين يسرفون فى النكاح يشيبون ويشيخون أسرع من غيرهم، والنساء معاً اللاتى 〈يلدن〉 أولاداً كثيرة كمثل. فإنه يظن أن الجسد لا ينشأ (= لا ينمو) بعد ثلاثة أولاد. والنساء اللاتى يشتقن [٢٧٣] إلى الجماع جداً يعففن ويسكن وتصلح أحوالهن.
وإذا مضت ثلاثة سوابيع، أعنى إحدى وعشرين سنة بالنساء، صرن موافقات للأولاد وذلك الزمان موافق للأولاد خاصة — فأما الذكورة فلهم بعد 〈ذلك〉 الزمان زيادة فى حسن الحال.
وليس يكون ولد من المنى الرقيق؛ فأما المنى الجامد الذى يشبه البرد فهو موافق للأولاد، وخاصة لولاد الذكورة. فأما المنى الرقيق الذى فيه شىء شبيه بشعر، فهو موافق لولاد الإناث. ونبات اللحية يبدأ فى هذا الأوان، أعنى تمام الثلاثة السوابيع.
والطمث يهيج فى آخر الشهور والآهلة. ولذلك يزعم بعض المنجمين أن القمر أيضاً أنثى، لأن طمث النساء يكون مع نقص الهلال، وبعد تنقية الطمث ونقص الهلال يكون الامتلاء فى كليهما. ومن النساء من تطمث فى كل شهر مرةً، ومنهن من تطمث شهراً بعد شهر. فالنساء اللائى يطمثن فى كل شهر إنما يطمثن يومين أو ثلاثة ثم يسترحن عاجلاً. فأما النساء اللاتى يطمثن بعد أيام كثيرة فوجعهن يكون شديداً ويصيبهن أذى كثير، لأن إفراغهن يكون كثيراً بغتةً؛ فأما الآخر فهو يعرض قليلاً قليلاً. وجسد كل امرأة يثقل عند دنو وقت الطمث حتى يستفرغن. ويعرض لكثير من النساء عند تهيج الطمث شىء شبيه بالخنق ودوى فى الأرحام حتى ينزل ذلك الدم والفضلة المؤذية.
والحبل يكون، من قبل الطباع، بعد طهر النساء من الطمث. وربما حمل بعض النساء بعد ذلك الوقت أيضاً إذا كانت رطوبة مجتمعة فى الرحم، مثل الرطوبة التى تبقى بعد إفراغ الطمث، ولكن لا ينبغى أن تكون تلك الرطوبة كثيرةً بقدر ما يخرج إلى الحبل. وربما حملت المرأة قبل أن تطهر من طمثها. فأما النساء اللاتى تتعلق أفواه أرحامهن بعد فراغ الطمث فليس يحملن. وربما عرض الطمث لبعض النساء وهن حوامل، ولكن يعرض أن يكون الأولاد التى تولد منهن على أردأ الحالات ولا تسلم ولا تنشأ (= تنمو) وتكون ضعيفة سقيمة.
وربما نزلت أرحام كثير من النساء إلى أسفل، لحال الحاجة إلى الجماع أو لحال الشباب، أو لحال كثرة إدمان النكاح، فيطمثن فى كل شهر مراراً شتى حتى يحملن. فإذا حملن عادت الأرحام إلى [٢٧٤] المكان الأول الذى كانت فيه. وربما حملت المرأة: فإن كانت رطبة الرحم جداً ألقت فضلة رطوبة المنى.
وكما قيل فيما سلف: الطمث الذى يعرض للنساء أكثر من الطمث الذى يعرض لجميع أجناس الحيوان. وليس يعرض شىء من الطمث للحيوان الذى لا يلد حيواناً مثله، لأن تلك الفضلة تمثل إلى الجسد، وجثث كثير من الإناث أكبر من جثث الذكورة. وأيضاً ربما نفذت تلك الفضلة فى قشور، وربما نفدت فى التفليس، وربما نفذت كثرتها فى الريش. فأما الحيوان الذى يلد حيواناً مثله ففضلته تنفد فى الجسد والشعر، لأنه ليس حيوان أملس الجسد، ما خلا الإنسان فقط. وتلك الفضلة تخرج فى سائر الحيوان مع البول، لأنه يبول بولاً كثيراً كدراً. فأما فضلة النساء فإنها تمثل إلى الطمث، بدل الأصناف التى وصفنا.
وحال ذكورة الناس كمثل: لأن منى الإنسان أكثر من منى جميع
الحيوان، إذا قيس عظم الإنسان إلى أجسام الحيوان. ومن أجل هذه العلة،
〈فإن〉 الناس أكثر من جميع الحيوان. وإذا كان الإنسان رطب الطباع
جداً ولم يكن كثير اللحم وكان أبيض اللون، فزرعه أكثر من زرع السمر
والسود الألوان، وخاصة إذا لم يكن حال أجسادهم كما وصفنا. ومثل هذا
والعلامة الدليلة على أن المرأة قد حملت يبس الموضع بعد الجماع. فإن كان شفتا الموضع ملساوين، زلق المنى وخرج. وإن كانت الشفتان غليظتين خشنتين عند الجس بالإصبع، بقى المنى مكانه. وإن كانت الشفتان دقيقتين حافتين، فذلك موافق للجماع الذى يراد لحال الحمل. وإذا كانت على خلاف ذلك، فهى موافقة لمنع الحمل، ولذلك يأمر بعض الناس أن يدهن فى الرحم بدهن قطران أو سفيداج أو كندر مداف بزيت ليبقى المنى ولا يزلق ويخرج. فإن بقى المنى سبعة أيام ولم يقع، فهو دليل على أن المرأة قد حملت، لأن الذى يسمى: «مسيل» فى تلك الأيام يكون قد انسد.
وربما عرض الطمث لبعض النساء بعد أن يحملن [٢٧٥] بزمان. وإذا
كان المحمول أنثى، يعرض الطمث ثلاثين يوماً خاصة. وإذا كان المحمول
ذكراً، يعرض الطمث أربعين يوماً. وبعد الولاد يكون نزف الدم أربعين
وإذا حملت النساء يكون لهن حس بين بما فى بطونهن. وذلك الحس يعرض أبين للمهازيل منهن، ولا سيما فى نواحى العانة.
وإذا كان المحمول ذكراً، فالحس يكون أكثر ذلك فى الناحية اليمنى بعد أربعين يوماً. وتكون حركة الأنثى فى الناحية اليسرى بعد سبعين يوماً. وليس ما وصفنا محدوداً معروفاً على كل حال، لأن كثيراً من الحوامل اللاتى يحملن أنثى يجدن حركة فى الناحية اليمنى، وكثيراً من الحوامل اللاتى يحملن ذكراً يجدن حركة فى الناحية اليسرى. ولكن هذه الأشياء وجميع ما يشبهها تختلف: فإنه ربما كان أكثر، وربما كان أقل.
وإذا بلغ وقت هذا الزمان، انشق الجنين وبدأ بالتفصيل. فإما قبل ذلك فهو مثل مفصل مقوم من لحم.
وإذا وقع الجنين من الرحم فى السبعة الأيام التى ذكرنا، يقال لذلك
الوقوع: مسيل وزلق εκρυσισ، وأما ما يقع منه بعد السبعة الأيام إلى تمام
الأربعين يوماً فيسمى سقطاً τρωσμοσ والنساء يسقطن أسقاطاً كثيرة فى تلك
الأربعين يوماً. فإن وقع السقط 〈الذكر〉 لتمام الأربعين ووضع على شىء
〈سائل، فإنه〉 يذوب ويفسد؛ وإن وضع فى ماء بارد، يجتمع ويكون فى
سفاق، 〈وإذا شق〉 ذلك السفاق ظهر عظم الجنين مثل نملة عظيمة، وجميع
وإذا ثبت المنى فى الرحم من ساعته، يغلق فمه وينقبض إلى تمام سبعة أشهر. فإذا كان الشهر الثامن يبدأ الرحم يتفتح. والجنين إن كان حياً صحيحاً ينزل إلى الناحية السفلى فى الشهر الثامن، والرحم يبدأ يتفتح فيه. وذلك دليل على أنه ليس للمولود بقاء، إن عرضت هذه العلامات.
وأجساد النساء تثقل بعد الحمل وتكون ظلمة قبالة العينين، وصداع الرأس. وهذه الآفات تعرض لبعض النساء عاجلاً لتمام عشرة أيام؛ ولبعض النساء يعرض بعد ذلك كما جاء بالبخت بقدر الفضول التى فى أجسادهن. فبقدر هذه العلة تسرع وتبطىء الآفات التى ذكرنا. وأيضاً لكثير من النساء يعرض فى ذلك الزمان قىء، ولاسيما إذا كان الجسد كثير الفضول، وخاصة إذا وقف الطمث ولم يمل الدم إلى الثديين.
ولبعض النساء يعرض الوجع عند ابتداء الحمل، ولبعضهن بعد الحمل
بأيام كثيرة، أعنى إذا بدأ الجنين يربى وينشأ. وربما عرض لبعض النساء
وتعرض للحوامل شهوات أشياء مختلفة. وتلك الشهوات تتغير عاجلاً. وإذا كان الجنين أنثى، فتلك الشهوات أشد وأغلب من غيرها. وإذا عرضت تلك الشهوات لا تكف إلا بعسر.
وربما حسنت حال أجساد بعض النساء إذا حملن. والغثيان يعرض للنساء خاصةً إذا بدأ الجنين ينبت الشعر.
وإنما ينبت للجنين الشعر الذى يولد معه، وهو قليل، ويقع بعد الولاد عاجلاً.
والجنين الذكر يتحرك أكثر من حركة الأنثى، ويولد عاجلاً. فأما الأنثى فولادها بطىء. ووجع الطلق الذى يعرض فى ولادة الأنثى ملح متتابع، غير أنه أضعف. فأما الوجع الذى يعرض عند ولاد الذكر فهو أحد وأشد. والنساء اللائى يجامعن الرجال قبل وقت [٢٧٧] الولاد يلدن عاجلاً. وربما ظن بعض النساء أن بهن طلقاً بغير أن يكون عرض لها طلق، ولكن ذلك يكون لأن الجنين يقلب رأسه وهو يظهر أنه ابتداء الطلق.
وسائر أصناف الحيوان يضع فى وقت واحد؛ وحمله يكمل ويتم فى زمان واحد، لأن زمان وضع جميع أصناف الحيوان محدود. فأما حد وقت ولاد الإنسان، فمختلف؛ فإن بعض النساء يلدن لتمام الشهر السابع، وبعضهن يلدن لتمام الشهر التاسع ودخول أيام الشهر العاشر. وبعض النساء يلدن فى أيام تدخل فى الشهر الحادى عشر.
فما يولد من الأولاد قبل تمام السبعة أشهر لا يعيش ألبتة. فأما ما يولد فى الشهر السابع فله بقاء حياة. وكثير مما يولد فى الشهر السابع يكون ضعيفاً سقيماً، ولذلك يلفونه بصوف. وربما كانت سبل بعض الذين يولدون فى الشهر السابع صغيرة ضيقة جداً، أعنى سبل الأذنين والمنخرين. ولكن إذا نشأ تفصلت واتسعت تلك السبل وتقوت وعاشت.
وفى أرض مصر وبعض الأماكن حيث يكون النساء اللاتى لهن جلد واحتمال لكثير مما يلقين، فإن ولادهن يكون بأيسر المؤونة. ويلد بعضهن أولاداً لتمام ثمانية أشهر، ويبقى ويعيش الأولاد، وإن كانت من الأولاد العجيبة. ففى تلك البلدة يعيش الأولاد التى تولد فى الشهر الثامن وتغذى. فأما فى البلدة التى تسمى باليونانية: «الاس» Σλλασ فليس يسلم من الأولاد التى تولد فى الشهر الثامن إلا قليل جداً؛ فأما أكثرها فهى تهلك. وإن سلم شىء منها لحال الظن الذى تقدم، يظنون أن المولود ليس هو ابن ثمانية أشهر، وأن النساء غلطن وحملن قبل ذلك الوقت.
وإذا أسقطت المرأة فى الشهر الرابع، وإذا ولدت فى الشهر الثامن أصابها
وجع شديد وهلكت هى أيضاً مع المولود أكثر ذلك. فهو بين أن الأولاد
التى تولد فى الشهر الثامن لا تبقى واللاتى تلدن تهلكن أيضاً. وبمثل هذا النوع
يظن أن النساء يغلطن فيما يظن أنه يولد مولود لأكثر من عشرة أشهر:
وإنما يغلط النساء فى أول الحمل لأنه ربما عرضت لهن رياح ونفخ، ثم
فهذه حال اختلاف أوقات ولاد الإنسان إذا قيس إلى ولاد سائر الحيوان.
〈التوأم〉وبعض الحيوان يضع ولداً واحداً، وبعضه يلد كثرة. فأما جنس الإنسان فهو مشترك فى هذين الأمرين، لأن أكثر ما يلد فى مواضع كثيرة 〈يلد〉 ولداً واحداً فى البطن؛ ومراراً شتى تلد النساء توأمين، كما يعرض فى أرض مصر. وربما ولدن ثلاثة وأربعة أولاد فى بعض الأماكن كما قيل أولاً. وربما ولدت المرأة خمسة أولاد عدداً، وذلك فى الفرط. وليس يمكن أن تلد امرأة أكثر من خمسة. وقد عوين هذا العرض عرض لكثير من النساء، أعنى أنهن ولدن خمسة أولاد من بطن واحد. وقد ولدت امرأة فى الدهر الذى سلف من أربعة بطون عشرين ولداً، لأنها وضعت من كل بطن خمسة أولاد وغذى وعاش كثير منهم.
وسائر الحيوان الذى يلد حيواناً إن وضع توأمين: ذكراً وأنثى فكلاهما يعيشان يسلمان. وإن وضع ذكرين أو أنثيين أيضاً فكلاهما يعيشان. فأما النساء فإذا وضعن توأمين فقليل منهم يسلم إن كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى.
والمرأة الحامل تحتمل الجماع خاصةً من بين جميع الحيوان، والفرس
الأنثى كمثل. فأما إناث سائر الحيوان فإنه إذا امتلأت أرحامهن، هربت
ومن النساء من أسقط ومع السقط كان وضع ولد تام. وكثير من النساء إن جامعهن الرجال وكن حوامل لتمام ثمانية أشهر ثم وضعن، يخرج الولد ملطخاً برطوبة لزجة وبقايا من الطعام الذى كن تغذين به. ويكون الولد ليس له أظفار، إن أكثرن من أكل الملح قبل الولاد.
〈واللبن الحادث قبل الشهر السابع لا قيمة له؛ لكن فى الوقت الذى يصير فيه الجنين قادراً على الحياة، يصير اللبن نفسه حسناً〉. فأما اللبن مع وقت الولاد الطبيعى، فأول اللبن مالح مثل لبن الغنم.
وإذا حملت النساء تحسسن بالشراب خاصةً، لأن كثيراً منهن بعد أن يشربن شراباً (= خمراً) يتحللن ويضعفن.
وأول ما يخرج من زرع الذكورة ضعيف ردىء. وأول ما يخرج من دم الطمث كمثل. فلذلك يكون أول مولود منه إلى الضعف ما هو. وليس يكون كل ولد ذكرنا فى ولاد، إذا كان الطمث قليلاً ضعيفاً.
وقد بينا فيما سلف وقت ابتداء الولاد. والطمث ينقطع عن كثير من النساء بعد تمام الأربعين عاماً. وإن جاوز هذا الوقت بعضهن طمثن حتى يبلغن خمسين سنة، وقد ولد كثير من النساء فى هذا الوقت. فأما بعد خمسين سنةً، فلم تلد امرأة ألبتة.
فأما الرجال فيولد من زرعهم إلى تمام ستين سنة. ويعرض لكثير من المتزوجين أن لا يولد لهم ولد من نسائهم، فإذا اتخذوا غيرهن ولد لهم. ومثل هذا العرض يعرض فى ولاد الذكورة والإناث: فإنه ربما كان رجل مع زوجه فلا يولد له منها إلا الإناث، وبعضهم لا يولد 〈له〉 إلا الذكورة. فإذا جامع غيرها كان الأمر على خلاف ذلك. وأيضاً يكون من الناس من إذا كان حدثاً، ولد له إناث؛ وإذا طعن فى السن ولد له [٢٨٠] ذكورة، على خلاف ذلك أيضاً. ويكون 〈وهو〉 حدث لا يولد له البتة؛ فإذا طعن فى السن ولد له، على خلاف ذلك أيضاً.
وبعض النساء لا يحملن إلا فى الفرط. وإذا حملن احتملن غذاء الجنين إلى وقت الوضع والولاد. وبعض النساء على خلاف ذلك، أعنى أنهن يحملن عاجلاً ولا يقوين على غذاء الجنين، ولا الصبر عليه حتى يلدن. ومن الرجال والنساء من لا يلد إلا ذكراً، ومنهم من لا يلد إلا أنثى. ويقال 〈فى〉 مثل من الأمثال إنه ولد لأراقلوس اثنان وسبعون ولداً كلهم ذكورة، ما خلا أنثى واحدة. فأما النساء اللاتى لا يقوين على الحمل، فإنه إن حملن لحال علاج أو لعلة أخرى عرضت، يلدن إناثاً أكثر من الذكورة. — ويعرض لكثير من الرجال القوة على الولاد فى حداثة سنهم، ثم يعرض لهم الضعف بعد ذلك، وبعد سنين يعودون إلى الحالة الأولى.
وأيضاً يمكن أن يولد من المصرور الجسد مصرور: أعنى من أعرج:
أعرج، ومن أعمى: أعمى. وبقول كلى: يكون فى المولود العرض الذى كان
وأكثر ذلك: الإناث يشبهن الأم أكثر، والذكورة يشبهون الأب؛ ويكون خلاف ذلك، أعنى أن الإناث يشبهن الأب، والذكورة يشبهون الأم.
فأما التوأمان فربما ألا يشبه أحدهما الآخر؛ فأما أكثر ذلك فهما يتشابهان. وقد كانت — فيما سلف — امرأة جامعة زوجها بعد اليوم [٢٧١] السابع من الولاد، فعلقت وحملت وولدت الأخير يشبه الأول مثل توأمين. ومن النساء نساء يلدن جميعاً الأولاد يشبهون أمهم فى كل وقت، ومنهم نساء يلدن جميع الأولاد يشبهون الأب أبداً، كما عرض فى البلدة التى تسمى باليونانية فرسالوس Φαρσαλοσ 〈للفرس التى سميت: العادلة〉.
وإذا كان خروج المنى، 〈فإنه〉 تتقدمه ريح. وهو بين أن المنى لا يخرج إلا مع ريح، من قبل أن كل ما يخرج من موضعه حتى يقع إلى موضع بعيد، لا يخرج بغير ريح. وإذا علق المنى بالرحم وأزمن هناك، يكون حوله صفاق. وهو يستبين أنه إن وقع من الرحم قبل أن ينفصل يكون مثل بيضة فى صفاق ليس عليها القشر الخزفى. وذلك الصفاق مملوء عروقاً.
وجميع الحيوان الذى يعوم، والطير، والحيوان الماشى الذى يبيض بيضاً — يكون ويخلق بنوع واحد، ما خلا السرة، فإن سرة الحيوان الذى يلد حيواناً مثله قريبة من الرحم. ومن الحيوان ما تكون سرته قريبة من البيض، ومن الحيوان ما تكون سرته على النوعين اللذين وصفنا: مثلما يعرض لجنس من أجناس السمك. وربما أحدق بالمنى صفاق، وربما أحدق به مشيمة. والحيوان يكون أولاً فى داخل الأخير، ثم يكون صفاق حول الباقى. وأكثره لاصق بالرحم. ومنه ما يبعد من الرحم، ومنه ما يقرب. وفيما بين ذلك رطوبة مائية يسميها النساء باليونانية اپروفورس προΦοροσ.
وجميع الحيوان الذى له سرة يغذى وينشأ بالسرة. وإن كانت للسرة أفواه عروق فهى لاصقة بها؛ فأما الحيوان الذى له سرة ملساء فهى لاصقة بالرحم. وجميع أصناف الحيوان الذى له أربع أرجل تكون ممتدة منبسطة. فأما الحيوان الذى ليس له رجلان فهو يكون موضوعاً على جنب، مثل أصناف السمك؛ فأما الحيوان الذى له رجلان فقط فإنه يكون موضوعاً منجذباً مثل أصناف الطير. وأنف هذا الحيوان يكون بين الركبتين، والعينان على الركبتين، والأذنان خارجاً منها.
ورءوس جميع الحيوان تكون أولاً فى الناحية العليا بنوع واحد. وإذا نشأت ودنت من الخروج، تصير رءوسها فى [٢٨٢] الناحية السفلى. والولاد الطباعى لجميع الحيوان خروجه منجذباً على الرأس؛ ومنه ما تخرج رجلاه أولاً، وذلك على غير الولاد الطباعى.
وإذا ولد الحيوان الذى له أربع أرجل، توجد فى معا المولود فضلة وغير ذلك. وإن كان تاماً توجد أيضاً رطوبة فى المثانة. وربما كانت الفضلة فى آخر المعا، والبول فى المثانة.
وإذا كانت أفواه العروق لاصقة بالرحم، فكلما نشأ (= نما) الجنين الذى فى الرحم خفيت تلك الأفواه، وفى الآخرة لا تظهر البتة.
وإنما السرة مثل قشر على عروق. وابتداء تلك العروق من الرحم. وهذه
وإذا أخذ المرأة الطلق، تعرض الأوجاع لأعضاء كثيرة من الجسد. ولكثير من النساء تعرض الأوجاع فى الفخذ الواحد، وربما كان فى الفخذين. وإذا كانت الأوجاع شديدة فيما يلى البطن، كان الولاد سريعاً جداً. وإذا أخذت الأوجاع فى ناحية الصلب، يكون الولاد عسراً. وإن كانت الأوجاع فيما يلى بين السرة والعانة، فالولاد سريع. وإن كان المولود ذكراً تتقدمه رطوبة مائية تبنية اللون شبيهة بمائية القيح. وإن كان المولود أنثى تقدمتها رطوبة دمية. وربما لم يتقدم الولاد شىء من هذين اللذين ذكرنا.
وليس يكون وجع طلق سائر الحيوان مؤذياً شديداً جداً،
وأول ما يخرج من المرأة ماء، لحال خنق الجنين وشق الصفاقات. ثم يخرج الجنين بعد انقلاب الرحم وبعد أن تنقلب المشيمة ويكون ما داخل منها خارجاً.
وقطع القابلة للسرة جزء عظيم من إحكام عمل العقل، فإن ذلك مما يعين على تسهيل عسر ولادة النساء مع موافقته للأعراض التى تعرض بعد ذلك. ورباط سرة المولود محكم أيضاً. وإنما يربط لحال وقع المشيمة ولكيلا يسيل منها دم؛ فإنه 〈إن〉 سال الدم قبل أن يجمد ويسكن، هلك الصبى. وفضلة السرة التى تربط بالصوف تتماسك وتقع ويلتئم من موضع قطع السرة. فأما إن حل الرباط قبل أن يجمد الدم، سال الدم وهلك الصبى كما قلنا آنفاً. فأما إن خرجت المشيمة قبل الصبى، فلا تقطع السرة من خارج.
ومراراً شتى يظن أن المولود ميت، إذا كان 〈خائراً〉 وقبل أن تربط السرة صار دم خارجاً منها وسال حولها.
وكما قلنا فيما سلف: ولاد الصبى وسائر الحيوان الطباعى على الرأس. فأما الإنسان، فربما ولد ويداه ممتدتان على أضلاعه. وإذا ولد نعر من ساعته وذهب بيديه إلى فمه. وربما ألقى المولود فضلةً من ساعته، وربما فعل ذلك بعد حين يسير. وكل مولود يفعل ذلك من يومه. وربما كانت تلك الفضلة أكثر مما ينبغى أن يخرج من تلك الجثة: والنساء يسمين تلك الفضلة باليونانية ماقونيون μηκωνιον. ولونها دمى، وربما كان شديد السواد مثل لون القار. وبعد تلك الفضلة تخرج فضلة لبنية، لأن المولود يأخذ الثدى من ساعته. ولا ينعر المولود قبل الخروج، ولا إن خرج رأسه وبقى سائر بدنه داخلاً لعسرة الولاد جداً.
فأما إذا تقدم الصبى وتبعه النزف، فيكون الولاد أعسر. وحمل النساء بعد أن يطهرن من نزف الولاد أوفق وأسرع من غيره.
〈والطفل〉 إلى تمام أربعين يوماً لا يضحك ولا يبكى إذا كان ساهراً. فأما [٢٨٤] إذا كان الليل، فهو يفعل الأمرين. وإذا حرك الصبى فى المهد أحس بتلك الحركة. وهو يكثر النوم. وكلما نشأ وشب، سهر. وهو يرى فى نومه الأحلام، وينسى تلك الأحلام، وربما تبثت له فى ذهنه بعد زمان.
وليس فى عظام سائر الحيوان اختلاف. بل جميع عظامه تكون عند
وبعد الولاد وتنقيته واغتسال النساء من النزف، يكثر اللبن. ومن النساء من لا يخرج اللبن من حلمات ثدييها فقط، بل من أماكن أخر من الثديين أيضاً، وربما يخرج لبن من إبطى بعض النساء. وإن أقمن زماناً ولم يعد اللبن إلى مكانه تعقدت الأبطان. ولأن كلا الثديين مجوف، فإن وقعت فيه شعرة عرض منها وجع شديد يسمى وجع الشعر، ويدوم ذلك الوجع حتى يعصره الثدى أو يخرج من اللبن أو ينقطع ويفنى.
ولبن النساء دار دائم حتى يحملن أيضاً، وحينئذ ينطفىء وينقطع. وذلك
معروف فى الناس وفى سائر الحيوان الذى له أربع أرجل ويلد حيواناً مثله.
وليس يعرض للنساء طمث ما دام اللبن داراً أكثر ذلك: وإنما أقول هذا القول
لأنه قد عرض طمث لبعض اللاتى يرضعن. وبقول كلى لا يمكن أن يكون
خروج الدم من أماكن مختلفة: مثل النساء اللاتى ينزفن الدم من ناحية المقعدة
وقد يعرض كرار لكثير من الصبيان، ولا سيما لمن كان منهم مخصباً سميناً يرضع لبناً كثيراً غليظاً من مواضع جيدة اللحم. والشراب (= الخمر) الأسود معين على كثرة اللبن أكثر من الأبيض، ولا سيما إن لم [٢٨٥] يشرب ماء؛ والطعام المنفخ يعين على ذلك أيضاً، ولا سيما عقل البطن.
وكثير من الصبيان يموت قبل اليوم السابع 〈 : وهذا هو السبب فى انتظار
هذا الوقت لإعطائهم أسماءً، اعتقاداً لأنهم منذ ذلك الوقت يكون لهم حظ
أكبر فى البقاء〉. وإذا كان ببعضهم وجع اشتد فى أيام امتلاء القمر.
[تم القول التاسع من تسير كتاب «طبائع الحيوان» لأرسطاطاليس الفيلسوف]
وإذا طعن الرجل وزوجته فى السن ربما انقطع عنهم الولاد، وربما
كانت علة ذلك من كليهما، وربما كانت من أحدهما. فينبغى أن تتفقد حال
المرأة أولاً، وكيف حال رحمها، لكى إن كانت العلة من قبل الرحم،
عولج بالعلاج الذى ينبغى؛ وإن كانت من عضو آخر من أعضاء الجسد،
عولج أيضاً. ويستبين إن كان العضو صحيحاً إذا فعل فعله تاماً كاملاً بغير
وينبغى أن يكون سيل (= حيض) النساء مستقيم الحال، وفى الأوقات
المتساوية المعروفة، ولا يكون فى أزمان مختلفة. فإنه إن كان على مثل هذه
〈فإما أن الرحم لا تنفتح فى الأوقات المناسبة بسبب قلة حساستها،
بحيث تتلقى كمية ضئيلة جداً من السائل، وإما أنها تتلقى من السائل مقداراً
زائداً جداً، بسبب التهاب فيها، وهذه علامة على أن حالتها تحتاج إلى علاج،
تماماً كما فى حال العين والمثانة والقناة الهضمية، وسائر أجزاء الجسم: إذ أن
كل هذه المواضع حين تحدث فيها التهابات، فإنها تجتذب نوعاً من السائل
الذى يذهب إلى كل موضع من هذه المواضع، لكن ليس بالقدر أو الطبيعة
الذى ينبغى. والأمر كذلك بالنسبة إلى الرحم: فإنها إن أفرزت كمية كبيرة جداً
من السائل فهذه علامة على أنها مصابة بنوع من الالتهاب، إن أفرزت سائلاً
شبيهاً بسائل الأرحام السليمة، ولكن بكمية زائدة جداً. أما إذا كان هذا
السائل ليس من نفس طبيعة السائل الذى تفرزه الأرحام السليمة، وكان
فاسداً، فمن الواضح إذن أننا بإزاء مرض حقيقى. ولا بد أن هذه علامة على
اضطرابات أليمة فى الرحم على أن حالتها ليست طبيعية. وفى الأرحام السليمة
تسيل السوائل البيضاء والمتعفنة: البعض منها فى بداية الحيض، والبعض الآخر —
وتلك هى الحالة الأكثر حدوثاً — عند نهاية الحيض. وهكذا كلما كانت
الأرحام قابلة لإسالة أكثر عفونةً مما فى حالة الأرحام السليمة، إما مضطربة
أو زائدة المقدار جداً، أو نادرة جداً: فمعنى هذا أنها فى حاجة إلى مزيد من
العلاج، لأن هذه عوائق عن الولاد. لكن بالنسبة إلى الأرحام التى تكون
وعلينا أولاً أن نفحص عما إذا كان دم الطمث فى حال سليمة، وبعد
ذلك نفحص حال فوهة الرحم. إن وضع الرحم يجب أن يكون مستقيماً،
وإلا لم تجتذب المنى إليها، لأن إفراز المرأة يتم عند الجزء الأمامى من الرحم،
كما تدل المشاهدة على ذلك، حينما يحدث إفراز أثناء النوم على نحو كامل.
وفى هذه اللحظة فإن الجزء المرطب من الرحم يحتاج فى النساء إلى تلقى علاج
تنظيف، كما لو كان قد جرى جماع مع رجل، وذلك فى نفس الموضع
الذى يقذف فيه الرجل بمنيه، لا فى أعماق الرحم. لكن حين يحدث القذف
فى ذلك الجزء الأمامى، فإن الرحم تشفط من هناك المنى بواسطة الهواء، كما
فى حالة منخار الأنف. وهذا هو الذى يفسر كيف أن الإخصاب يمكن أن
ينتج عن أى شكل من أشكال الجماع، لأنه على كل حال، يتم قذف المنى
ناحية الجزء الأمامى من الرحم، أياً كان وضع الرحم، سواء تعلق الأمر
بالمرأة أو بالرجل. لكن لو حدث — على العكس من ذلك — أن جرى القذف
إلى ناحية الرحم نفسها (أى نحو داخل الرحم، لا نحو الجزء الأمامى منها)،
فإن الجماع لا يصحبه إخصاب أبداً. وإذا لم يكن وضع الرحم مستقيماً، بل
كانت متجهةً ناحية الأرداف، أو ناحية الفخذ، أو ناحية أسفل البطن، فإن
فمن هذه العلامات يعرف إن كانت حال الرحم سليمة، أو على خلاف
ذلك. — وينبغى أن يعرض للرحم، بعد التطهر من الطمث، مثل هذه
العلامات: إذا نامت المرأة فينبغى أن ترى فى حلمها كأنها تجامع زوجها
وتلقى فضلة رطوبة كما تلقى إذا هى دنت منه، بغير عسر، وتلفى ذلك مراراً
شتى. وينبغى أن تتنبه أيضاً وتتعالج بالعلاج الذى تتعالج به، إذا دنت من
الزوج. وليس ينبغى أن يكون جفاف الرحم من ساعته، بل بعد حين.
و[٢٨٧] تكون الرطوبة التى تصيب المرأة شبيهة بالرطوبة التى تصيبها
إذا جامعت الرجل، فإن جميع هذه العلامات دليلة على أن الرحم
قبول للزرع الذى يصل إليها. وإن أفواه العروق التى فى فم الرحم جاذبة
ماسكة له. وينبغى أن تعرض للرحم أرياح ونفخ بغير سقم، كما يعرض
للبطن، وأن تخرج منها 〈أرياح〉 صغار وكبار بغير آفة. فإن هذه العلامات
دليلة على أن الرحم ليست هى أصلب مما ينبغى، ولا أرخى: لا من قبل
الطباع، ولا من مرض، وأن الرحم قوية، وعلى 〈أنها〉 إذا قبلت الزرع
وأمسكت وغذيت ونشأت، كان فى الرحم سعة وامتداد للناشىء، فإن لم
يكن ذلك على ما وصفنا، فهو دليل على أن الرحم سعتها أكبر مما ينبغى وأن
ليس ها حس: إما من قبل الطباع، وإما من قبل المرض. ولذلك لا
تقوى الرحم على غذاء الجنين، بل تسقطه ويهلك. وإن كانت الرحم متغيرة
جداً كما وصفنا، فالجنين يقع ويهلك وهو بعد صغير؛ وإن كانت ضرورة
(= الأضرار التى أصابت) الرحم دون ذلك، فالجنين يقع ويهلك بعد أن
يكبر. وإن كانت ضرورة الرحم يسيرة جداً، فهو يولد ويغذى غذاءً رديئاً
ومن النساء نساء تصيبهن آفة أخرى، أعنى امتلاء الرحم ريحاً — فينبغى أن يتفقد ذلك أيضاً. وهذا العرض يعرض إذا جامعت امرأة زوجها فلم تلق زرعاً ولم تحمل، وامتلأت الرحم ريحاً. وعلة ذلك أيضاً من قبل أن الرحم إذا كانت جافة جداً، وأنها إذا جذبت الزرع الذى يقع خارجاً إلى ذاتها يبس وذهبت رطوبته وصار صغيراً جداً ووقع، وخفى على المرأة، لحال صغره، فلم تحس بخروجه. فإذا كانت هذه حال الرحم وغلب عليها اليبس، ألقت الزرع. وبذلك يستبين أن المرأة لم تحمل. وإن غفلت عما وصفنا وأقامت زماناً، ظنت أنها حامل، لحال الأعراض التى تعرض لها فإنها شبيهة بالأعراض التى تعرض للحامل الحق. وإن مضى بها زمان كثير، ارتفعت الرحم وانتفخت، حتى تظن المرأة أنها قد حملت يقيناً، حتى يخرج منها ما فيها. فإذا خرج، عاد الرحم إلى الحال الأول. ومن الناس من ينسب هذه الآفة إلى التدبير الإلهى. وهى يسيرة [٢٨٩] العلاج إذا لم تكن المرأة مطبوعة على هذه الطباع جداً. والعلامة الدليلة على ذلك أن كان يظهر أن تلك المرأة نقص زرعها، وإن كانت رحمها تجذب زرع الرجل ولا يعلق.
وإن كان فى رحم المرأة ىڡار أيضاً يمنع من الحمل. واليڡار يعرض
للأرحام إذا امتدت من قبل حرارة والتهاب عرض لها، أو من امتلاء كبير
كان فى وقت الولاد بغتةً وبقى فم الرحم مغلقاً: فمن شدة الامتداد يعرض
للرحم ىڡار. والعلامة الدليلة على أنه ليس فى الرحم ىڡار إن ظهر من قبل
أعمالها، أعنى الرحم 〈أنه〉 ليس فيها ورم ولا التهاب؛ فإنه إذا عرض لها
الڡار، باضطرار يعرض لها الورم والالتهاب — وأيضاً إن كانت قرحة فى
فم الرحم وفى تلك القرحة فرج شديد، 〈فهذا〉 يكون مانعاً للحمل.
والعلامة الدليلة على أنه ليس فى فم الرحم قرحة إن كانت الرحم تنفتح
وتنغلق انفتاحاً وانغلاقاً حسناً فى أوان الطمث ووقت جماع الرجل مع المرأة.
وأيضاً يمكن أن يكون فم الرحم ملتئماً ملتصقاً من قبل الولاد،
أو من قبل مرض يعرض بعد الولاد. وهذا الداء ربما كان مما يبرأ إذا
عولج؛ وربما كان مما لا يبرأ. وليست معرفة ذلك عسرة، أعنى إن كان
الداء يبرأ، أم لا. فإنه إن كان مما لا يبرأ، أو لا يعالج، لا يمكن أن تقبل
الرحم شيئاً من الزرع الذى يقع فيها ولا يخرج منها زرع المرأة. فأما إن كانت
المرأة تقبل زرع الرجل وهى تفضى أيضاً — فهو بين أن ذلك الداء يعالج
حتى يبرأ صاحبه. — فأما النساء اللائى ليس بهن شىء من الأدواء التى ذكرنا،
المانعة للولاد، بل حالهن حسنة كما ينبغى أن يكون وكما وصفنا، فهن يحملن
إن لم تكن بالرجل علة عدم الولاد، فالولد يكون من المرأة والرجل إذا
والعلامات الدليلة على أن الرجل خاصة 〈ليس〉 علة عدم الولد —
كثيرة: ولا سيما إن جامع نساءً أخر فولد له منهن أولاد. وهو بين
أن هذه العلة فقط مانعة للولد: أعنى اختلاف إفضاء زرع الرجل والمرأة،
إذا كانت سائر الحالات مستقيمة. وهو بين أنه [٢٩٠] إذا كانت المرأة
موافقة لقبول الزرع والولاد، فينبغى أن يكون إفضاء زرع كليهما معاً:
فإن أفضى الرجل عاجلاً، وأبطأت المرأة، فلا يمكن أن يكون منهما
ولد. وأكثر ذلك: النساء أبطأ إفضاءً للزرع من الرجال. وهذه علة مانعة
للولد. ولذلك إذا فارق الرجل تلك المرأة وجامع غيرها، ولد له ولا للرجل
قبل ذلك. وقد يغير الرجل المرأة، وكذلك المرأة تغير الزوج، فيولد لهما
بعد عدمهما للولد. وإن كانت المرأة هائجة متهيئة للجماع مشتاقة إليه نشيطة،
والرجل حزيناً مهموماً بارد الجسد — فباضطرار يكون إفضاء زرعهما معاً. —
وربما عرض أن تكون المرأة رأت فى حلمها أنها تجامع رجلاً، فأفضت
بزرعها، وربما لقى الرجل مثل ذلك، فكان أصح صحة وأحسن حالاً
لخروج تلك الفضلة. وإنما يعرض هذا العرض إذا اجتمع فى الجسد زرع كثير،
وأيضاً المرأة تفضى خارجاً من فم الرحم حيث يفضى الرجل إذا جامع المرأة. ومن هناك يجذب الرحم الزرع بشهق، كما يجذب المنخر ما يجذب والفم أيضاً وجميع ما يجذب إلى ذاته بآلة موافقة للجذب. وله سبيل واحدة ومدخل، والناحية العليا منه عميقة. وإنما يجذب بروح (= نفس، نفخ). ولذلك يتعاهد النساء ذلك الموضع إذا كان جافاً حتى يعود إلى الحال الأولى. ولأرحام النساء سبيل منه يدخل ما يدخل حتى يصير إلى الموضع المجوف، وهو مثل عنق شبيه بذكر الرجل. وإنما يصل الزرع إلى الرحم بالروح، ومجازه بذلك العنق، وكذلك مجرى بول النساء فوق هذه السبيل قليلاً. ومن أجل هذه العلة لا يكون ذلك المكان قبل أن تهيج النساء إلى الجماع وبعد ذلك على حال واحدة. فوقوع الزرع يكون من عنق الرحم، ثم يجذب من هناك إلى داخلً، كما قلنا فيما سلف. وفعله هذا شبيه بفعل المنخرين، فإن للمنخرين سبيلاً [آخر] آخذاً إلى داخل الحلق؛ ومن ذلك السبيل يدخل الهواء لجذب المنخر، ومنه يخرج أيضاً. فعنق الرحم على مثل هذه الحال. وله خارجاً سبيل صغير جداً بقدر موافقته لمجاز الروح، وذلك السبيل واسع إذا قرب من جسد الرحم، مثل سبيل المنخر إذا دنا من الحنك ويدخل الحلق. فسبيل عنق الرحم فى الناحية الداخلة أوسع منه فى ناحيته الخارجة.
〈وما يوجد فى هذا العضو يجعل... نفس الإصابات، لأن المرأة أيضاً
تقذف بمنى خصب. وإذا كانت نفس الأسباب، نتجت نفس النتائج. فالذين
ومن إناث الحيوان ما إذا هاج واشتاق إلى السفاد طلب الذكورة وعبث
بها: مثل الدجاج، فإنها إذا هاجت طلبت الديوك وجلست لها، ولا سيما
إذا لم تكن الذكورة هائجة. وكثير من سائر الحيوان يفعل مثل هذا الفعل أيضاً.
فهذه الآفات تظهر لازمة لجميع أصناف الحيوان فى أوقات التهيج والسفاد.
فهو بين أن العلل التى تعرض لها هى فهى. والطائر لا يشتاق إلى قبول زرع
الذكر فقط، بل يشتاق إلى أن يفضى بزرعه أيضاً. والعلامة الدليلة على ذلك
من قبل أنه 〈إن〉 لم يحضر الذكر مع الأنثى، 〈فرغم ذلك〉 تهيج الأنثى
وقد ذكرنا فيما سلف أن النساء يحملن وتعرض لهن أعراض مثل
الأعراض التى تعرض إذا جامعن الرجال، وذلك بعد الفراغ من الحلم، أعنى
أنه يعرض لهن استرخاء وضعف.وهو بين أنه إن كانت النساء يفضين فى
الحلم، فزرعهن أيضاً موافق للولاد مع زرع الذكورة. وبعد الحلم الذى ترى
النساء، يترطب مكان الولاد، ويحتاج إلى علاج مثل العلاج الذى يحتجن
إليه إذا جامعن الرجال. فقد وضح لنا أنه ينبغى أن يكون إفضاء المنى من
كليهما معاً، إن كان يراد أن يكون من تلك المجامعة ولد. والنساء يفضين
خارجاً [٢٩٣] من الرحم، وليس فى داخله، أعنى حيث يفضى الرجل؛
ثم من هناك يجذبه الرحم بالروح. وبعض إناث الحيوان يبيض من ذاته، أعنى
الطائر الذى يبيض من الريح. وبعض الحيوان لا يفعل ذلك، مثل الغنم والخيل.
وعلة ذلك أن إناث الطائر الذى يبيض من ذاته تفضى فى داخل الرحم، وليس
وفيما يقول بعض النساء شك ومعاودة: فإنهن يزعمن أنهن إذا رأين
حلم مجامعة، ينهضن وذلك المكان جاف يابس. فإنه يستبين من هذا القول أن
الرحم تجذب إلى ذاتها الزرع، ولا تقوى الإناث على الولاد إن لم يخالط زرع
الذكر زرع الأنثى. فإنه إذا خالطه، جذبه معه، أعنى يجذب زرع الذكر إلى
جوف الرحم، وربما جذب رحم المرأة الزرع الذى يفضى خارجاً منه.
ولذلك يعرض لبعض النساء السقم الذى يسمى باليونانية «مولى» μυλη،
وهو شىء شبيه بلحم يكون فى جوف الرحم ويقيم على حاله سنين كثيرة،
كما عرض لامرأة فيما سلف من الدهر: فإنها إذا جامعت زوجها، ظنت أنها
قد علقت، وارتفع فم الرحم وجسا، وكانت سائر الأشياء التى تتبع كما
ينبغى. فلما بلغ وقت الولاد، لم تلد المرأة، ولم يضمر ذلك الانتفاخ ولا
الورم، بل بقيت على تلك الحال أربع أو خمس سنين. فلما عرض لها
الاختلاف الذى يكون من قرح المصارين وكادت تهلك به، ولدت بضعة لحم
جيدة العظم، وهى التى تسمى «مولى». وربما عرض هذا السقم لبعض النساء
وهو مشكوك إن كان هذا العرض من قبل حرارة، أو من قبل الرطوبة
أعنى اجتماع البضعة التى وصفنا، أو من قبل كثرة برودة الرحم؟ ونقول
إن حرارة الرحم لا تكون كبيرة حتى تنضج، ولا تكون باردة جداً حتى تدع
وتخلى باقى الرحم، فيقع. ولذلك يكون الداء من مثل ما يعرض للحم الذى
يطبخ: فإنه إذا لم يحكم طبخه، أقام حيناً كثيراً لا ينضج. وإن البضعة التى
وكثير من الأطباء جهل هذه العلة. ولذلك إذا عاينوا البطون ترتفع
بغير الارتفاع الذى يكون من جميع الماء وانقطاع الطمث، إن امتد
بصاحبه، يطبون أن هذا 〈هو〉 الداء الذى وصفنا؛ وليس [٢٩٥] ذلك
كما يظنون، لأن البضعة التى لا تكون فى الرحم إلا فى الفرط، وربما كانت
نازلة فضول لزجة رطبة رقيقة مائية، تنزل إلى ناحية الرحم؛ وربما كانت
نازلة فضول غليظة إلى ناحية البطن، ولاسيما إذا كان الطباع موافقاً لذلك.
فإن هذه الفضول لا تكون موجعة ولا مؤذية، ولا تعرض منها حرارة غالبة،
لحال بردها، بل تجتمع وتنشأ: فمنها ما تعظم، ومنها ما تبقى صغيرة، ولا
يعرض منها سقم آخر حادث، بل تبقى على 〈حالها ساكنة〉 مثل شىء
〈غير〉 مفروغ منه. وحبس الطمث يكون لأن الفضول تفنى هناك،
كمثل ما يتهيأ فى اللبن إذا رضع الصبى من أمه: فإنه إذا در اللبن، لا يعرض
شىء من الطمث؛ وإن عرض، لا يكون إلا ضعيفاً قليلاً. — وربما سالت
الفضول وصارت فى المكان الذى بين الرحم والبطن، حتى يظن أنها الداء الذى
يسمى باليونانية «مولى» μυλη، وليست هى كذلك. وليست معرفة ذلك عسرة،
أعنى إن كانت البضعة، 〈بمس الرحم〉. فإن الرحم إذا لم ترم وترتفع،
[تم تفسير القول العاشر من كتاب «طبائع الحيوان»]