Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

al-Ruhāwī: K. Adab al-ṭabīb (Practical Ethics of the Physician)

Bürgel 1992

كالذى يعمله ملتمس ذلك من الأرض، ليعد له من الحبوب قوتا، ومن القطن مثلا كسوة، وما أشبه ذلك. وذلك لا يتم إلا بفلاحتها، والعناية بتنقيتها، وسائر مصالحها، وزراعتها، وسقيها، وما لا يتم له غرض، إلا به من أعمالها، فبذلك يكتسب قوتا، وكسوة، يكفى له، ولمن سواه.

ومن كان من الأطباء يحتاج أن يعانى تدابير أهل المدن، ويغدو إلى عيادة مرضاهم، مع كثرتهم، وترفهم، فبغير شك أنه لا يمكنه اقتناء مصالحه بجسمه، ولا بمعاناة صناعة أخرى، غير صناعة الطب، فيكتسب منها أقواته، لأنه بذلك ينقطع من عمله، وصناعته، ويصير ضارا، قتالا، أكثر من ضرر الأمراض! فقد بقى إذا أن يكون للطبيب مادة يكتسبها من جهة صناعته، وممن يدبرهم بها، فى حفظ صحة أصحائهم، وفى معالجة مرضاهم.

ومن المعلوم أن من الناس فقراء، ومنهم مياسير، وقد أوجب المنعم تبارك وتعالى على أهل النعم الإحسان، والإفضال، على الفقراء، والمساكين، بما غرس فى قلوبهم، وعقولهم، من العدل، والرحمة. فلذلك يجب على الموسر الذى قد أسبغ الله عليه نعمة، وعلى الطبيب الذى قد شرفه الله بفضل علمه، أن يستعملا العدل مع الفقراء، والضعفاء، ليكون نفع صناعة الطب عاما، شاملا، للقوى والضعيف!

ووجه العدل وابتداؤه ينبغى أن يكون من الطبيب أولا، وذلك بأن يروض نفسه، ويأخذها دائما باستعمال الأخلاق المحمودة، والأفعال المرضية، من الرحمة، والرأفة، والرفق، والعفة، والقناعة، والشجاعة، والسخاء، والصدق، وكتمان السر، وجميع ما جانس ذلك من فضائل النفس، وآدابها، مع الاجتهاد فى اقتناء صناعته، ودرس كتبها، والمعاناة لأعمالها، وبذلها للناس كافة، ولا يفرق فى ذلك بين صديقه وعدوه، ولا بين موافقه ومخالفه.

وأما وجه العدل من الموسر، فهو أن يستعمل النصفة مع طبيبه، وإذا كان يعلم أن اجتهاده فى إصابة المال، وسائر مصالحه، إنما هو لأجل حاجته، وحاجة عائلته إليه، ويعلم أيضا أن الطبيب محتاج إلى مثل ذلك، وقد انتفع الموسر بما يملكه الطبيب من صناعته، فى نفسه، ونفوس أهله، فمن الواجب إذا، أن يقوم الموسر للطبيب بمصالحه، من قوته، وكسوته، ودراهمه التى بها يصل إلى مصالح نفسه، وجسمه. ومتى لم يستعمل الموسر ماذكرناه من العدل، اضطر الأمر الطبيب إلى أن يستعين على إصابته مصالحه من أوجه أخر. فإن تشاغل بصناعة أخرى، ليكتسب منها وبها الدراهم، عدل عن صناعة الطب، فقل فهمه وعلمه بها، ودخل الضرر على الموسر، والضعيف، فى نفوسهما، وأجسامهما. وإن التمس كسب الدراهم من الضعفاء، وتعذر ذلك من جهتهم لفقرهم، ثم امتنع

Work

Title: al-Ruhāwī: K. Adab al-ṭabīb
English: Practical Ethics of the Physician
Original: كتاب أدب الطبيب

Domains: Medicine, Ethics, Pharmacology

Text information

Type: Secondary

Date: between 880 and 930

Bibliographic information

Publication type: Unpublished

Author/Editor: Bürgel, J. Christoph

Title: Kitāb adab al-ṭabīb taʾlīf Isḥāq ibn ʿAlī al-Ruhāwī

Published: 1992