Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

al-Ruhāwī: K. Adab al-ṭabīb (Practical Ethics of the Physician)

Bürgel 1992

القول فى حاسة الشم والأشياء الموافقة له

وأما حاسة الروائح، فليست تكون ما تراه ظاهرا من المنخرين، لكنها تكون بما داخل القحف من البطنين المتقدمين من بطون الدماغ، وذلك بالروح النفسانى الذى فيهما من الدماغ. ولكن لما كانت حاسة الشم لا تتم أيضا إلا بتوسط الهواء الحامل للبخارات والروائح إلى هذين البطنين، وكان الهواء قد يحمل أيضا مع ذلك أجساما لطافا، وكانت أيضا الحاجة إلى استنشاق الهواء فى بقاء الحياة على الحيوان ضرورية، وكان أيضا ما ينقيه الدماغ من فضلاته قد يحدره بالمنخرين من جهة هذين البطنين، لأنهما مطلين على المنخرين، لطف الخالق تعالى للحيوان بحاجز يحجز دون هذين البطنين اللذين هما آلة الشم، وخلقه مثقبا كثقب الإسفنج، لتصفو منه فضلات الدماغ، وتصل إليه من تلك الثقب الروائح مع الهواء، ودائما ينفذ فيها الهواء، ويخرج منها ما ينقيه الدماغ من البخار، بنفخه وحركته الدائمة، مع ما يبعثه من الروح النفسانية إلى الحواس، وإلى غيرها من الأعضاء عنه. فالهواء قد يصل إليه مفردا، بغير روائح، وقد يصل مع الروائح.

وليس هذا اللطف العجيب من آلة الشم فقط، لكنه موجود فى آلة السمع أيضا. فإن آلة اسمع لما احتيج أن تجعل أيضا داخل الرأس، لتقرب من الدماغ، وجعلت الأذن لها حاجبا وساترا، وكان الهواء يريد أن ينفذ فى داخلها، ولم يؤمن من أن يصل معه غير الصوت من أجسام صغار وغيرها، جعل داخل الأذن معوجا ومستديرا، كاللولب، ليصل الهواء والصوت، ولا تنفذ الأجسام.

فتأمل لطف البارئ تعالى بالحيوان، وحكمته، وإتقان صنعته! وليس ذلك فى الحيوان فقط، لكن فى كل مصنوع. ومن لطفه تبارك وتعالى أن جعل للحيوان من آلات الحس زوجا زوجا، كالعينين اثنتين، والأذنين، والمنخرين، واللسان مقسوما قسمين، ليكون، إن دخلت آفة على أحدهما، تبقت الأخرى للفعل.

وإذا كنت قد وصفت جملا من خلقة المنخرين، وآلة الشم، وغيرها من الحواس، ولوحت لك من منافعها تلويحا، لتشتاق بذلك إلى معرفة بنية جسمك، ومنافع أعضائك، فلا تقتصر على ما ذكرته ها هنا فقط، بل اقصد كتب المعلم الفاضل جالينوس فى التشريح، وكتابه الذى وضعه فى منافع الأعضاء! فإنك تحظى من هنالك بعلم ذلك بأسره.

فارجع بنا إلى القول فى آلة الشم، واعلم أن الواسطة فى اشتمام الروايح هى الهواء. فلذلك يجب أن تعدله، وتحتاط فى صلاحه، للسبب الأعظم الذى هو الحياة والبقاء. فإنه من المنخرين يصل

Work

Title: al-Ruhāwī: K. Adab al-ṭabīb
English: Practical Ethics of the Physician
Original: كتاب أدب الطبيب

Domains: Medicine, Ethics, Pharmacology

Text information

Type: Secondary

Date: between 880 and 930

Bibliographic information

Publication type: Unpublished

Author/Editor: Bürgel, J. Christoph

Title: Kitāb adab al-ṭabīb taʾlīf Isḥāq ibn ʿAlī al-Ruhāwī

Published: 1992