Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

al-Ruhāwī: K. Adab al-ṭabīb (Practical Ethics of the Physician)

Bürgel 1992

ليركبها. إذ كانت هذه الأشياء متفرقة فى الحيوانات، كالذى يوجد من الأنياب للخنزير لينجل بهما، فيقطع ما أمكنه قطعه، كقطع السيف، وكرمى القنفذ بشوكه، كرمى السهم، وكالقرون والمخاليب والجنن لسائر الحيوان. وليست توجد أمثال هذه مجموعةً تامةً كاملةً، إلا للإنسان وحده، لأنه بعقله يلتمس الأعمال ويقومها.

أما الحيوان، فإنما له عمل واحد يعمله بطبعه. ألا ترى أن الحيوان لما كان بأسره مضطرا فى البقاء إلى المأكول والمشروب، والمكان، والستر من الحر والبرد، والتناسل، صار بطبعه يتخذ له الأعشاش والبيوت، وبطبعه يعرف أنواع أغذيته الموافقة له فى بقائه لا يبعد عنها، ومشروبه لا يتعداه، ويزاوج الذكور من كل نوع أناسه للنسل، لا يتجاوز ذلك، وبعضه فى أوقات من الزمان لا يزيده، وما لم يقدر عليه من مصالحه بطبعه، خلقه الله تعالى له لطفا به، لئلا يهلك، كالأصواف والأوبار والريش والشعر والجنن التى هى كسى له ساترة من الحر والبرد.

وأما الإنسان العاقل، فلما وهب الله تبارك وتعالى له ما هو أشرف من الطبع، وتوجه بالحكمة والعلم بالأمور الزمانية السالفة اللائقة، وصار يعلم ما يصلحه، له أن يتصرف بعقله فيما يختاره من اتخاذ الأبنية والكسى وأنواع الأغذية والأشربة، وله أن يقاوم بعقله المضار والمؤذيات الطبيعية والاختيارية جميعا. وذلك أن اللذة مقرونة بالأمور الطبيعية خلقها الخالق تعالى بحكمته فى الأمور المحسوسة والحواس، ليشتاق الحيوان إلى ما يلتذ به، فيستعمله. ولولا ذلك، لم ينسل الحيوان، ولم يبق. ولما كان الطبع يلتذ ويشتاق إلى اللذات، ولم يكن لأنواع الحيوانات عقل يقدر لها 〈من〉 الأمور اللذيذة ما يكفيها، لطف لها الخالق تبارك بتقدير ذلك لها طبعا، فلا تأخذ من كل لذيذ إلا ما يصلحها ويكفيها. ولذلك عدمت أكثر الحيوانات أكثر الأمراض التى تعرض للإنسان.

فأما الإنسان، فله عقل يقدر أن يميز به لطبعه الضار من النافع ويقدر له من الأغذية والأشربة وسائر ما هو مضطر إليه الكافى. فلذلك ترك وطبعه. فإن تبع ما يأمره به طبعه من استعمال الأشياء، واتخاذها للذاتها، ولم يتق ما يتبع اللذة من المضار والآفات، دخلت عليه الأمراض والأعراض، ولم يوقف عليه الهلاك، لأنه يكون فى ذلك دون البهائم، لما لم يجعل لها عقل تقدر به، كما قلنا قبل، صار لها التقدير طبعا، فهى بذلك أصلح حالا وآمن وخير ممن لا يتأدب بعقله.

Work

Title: al-Ruhāwī: K. Adab al-ṭabīb
English: Practical Ethics of the Physician
Original: كتاب أدب الطبيب

Domains: Medicine, Ethics, Pharmacology

Text information

Type: Secondary

Date: between 880 and 930

Bibliographic information

Publication type: Unpublished

Author/Editor: Bürgel, J. Christoph

Title: Kitāb adab al-ṭabīb taʾlīf Isḥāq ibn ʿAlī al-Ruhāwī

Published: 1992