Alexander of Aphrodisias: De libero arbitrio (On Free Will)
Τῶν παρὰ Ἀριστοτέλους περὶ τοῦ ἐφ’ ἡμῖν.
Τῶν γιγνομένων τε καὶ συνισταμένων ὑπὸ τῆς θείας δυνάμεως τῆς ἐν τῷ γενητῷ σώματι ἐγγιγνομένης ἀπὸ τῆς πρὸς τὸ θεῖον γειτνιάσεως, ἣν καὶ φύσιν καλοῦμεν, τιμιώτατον ἄνθρωπός ἐστι· μόνον γὰρ κεκοινώνηκεν τοῦτο τῶν τῇδε τῆς τελειοτάτης τῶν ψυχικῶν δυνάμεων, αὕτη δέ ἐστι νοῦς, καὶ μόνον ψυχὴν λογικὴν ἔχει, καθ’ ἣν βουλεύεσθαί τε καὶ ζητεῖν δύναται περὶ τῶν πρακτέων αὐτῷ, καὶ οὐ παραπλήσιόν ἐστι τοῖς ἄλλοις ζῴοις, ἃ τῷ μὴ κοινωνεῖν τῆς τοιᾶσδε δυνάμεως ἄλογα καλοῦμεν, ταῖς προσπιπτούσαις φαντασίαις ἑπόμενά τε καὶ συγκατατιθέμενα καὶ ἀνεξετάστως ἕκαστον, ὧν πράττει, ποιοῦντα. ὁ γὰρ ἄνθρωπος μόνον τῶν ἄλλων ζῴων μετὰ τὴν προσπεσοῦσαν αὐτῷ φαντασίαν περί τινος ὡς πρακτέου οἷός τε ζητεῖν περὶ αὐτοῦ καὶ βουλεύεσθαι, εἴτε χρὴ συγκατατίθεσθαι τῷ φανέντι, εἴτε καὶ μή. βουλευσάμενος δὲ καὶ κρίνας οὕτως ὁρμᾷ καὶ ἐπὶ τὸ πράττειν ἢ μὴ πράττειν ὁπότερον· καὶ ὁπότερον προέκρινεν ἐκ τῆς βουλῆς ἔρχεται. διὰ τοῦτο καὶ μόνον τῶν ζῴων ἁπάντων ἐφ’ αὑτῷ τὸ πράττειν ἔχει, ὅτι καὶ τοῦ μὴ πράττειν τὸ αὐτὸ τοῦτο τὴν ἐξουσίαν ἔχει. ἐφ’ ἑαυτῷ γὰρ ἡ αἵρεσις τῶν πρακτέων, εἴ γε βουλεύεσθαι καὶ κρίνειν
ὅτι ἐστίν τι ἐφ’ ἡμῖν, πειρᾶσθαι δεικνύναι διὰ λόγων οὕτως ἐναργὲς ὄν, οὐκ εἰδότων κρίνειν ἐστὶ τό τε γνώριμον καὶ τὸ μή· δῆλον γὰρ τοῦτο, ὡς ἔφαμεν, ἐκ πολλῶν, ἐκ τοῦ βουλεύεσθαι, ἐκ τοῦ μετανοεῖν, ἐκ τοῦ συμβουλεύεσθαι, ἐκ τοῦ καταγιγνώσκειν τινῶν, ἐκ τοῦ προτρέπειν, ἐκ τοῦ ἐπαινεῖν, ἐκ τοῦ ψέγειν, ἐκ τοῦ τιμᾶν, ἐκ τοῦ κολάζειν, ἐκ τοῦ διδάσκειν, ἐκ τοῦ κελεύειν, ἐκ τοῦ μαντεύεσθαι, ἐκ τοῦ εὔχεσθαι, ἐκ τοῦ ἐθίζειν, ἐκ τοῦ νομοθετεῖν. ὅλως γὰρ τούτοις καὶ τοῖς τοιούτοις ὁ πᾶς τῶν ἀνθρώπων βίος χρώμενος μαρτυρεῖ μηδὲν οὕτως ἴδιον εἶναι τοῦ ἀνθρώπου παρὰ τὰ ἄλλα ζῷα ὡς τὸ ἐφ’ ἡμῖν. ὅτι δὲ καὶ τοῦ ποιοὶ γενέσθαι τὸ ἦθος αὐτοὶ τὴν ἀρχὴν ἔχομεν, δι’ ἃ καὶ τὰς αἱρέσεις διαφόρους ποιούμεθα, δῆλον ἐκ τοῦ διὰ τῶν ἐθῶν ἡμᾶς ποιοὺς γίγνεσθαι, τῶν δὲ ἐθῶν τὰ πλεῖστα ἐφ’ ἡμῖν εἶναι. καὶ γὰρ εἰ τὰ πρῶτά τις μοχθηρῶς ἐθισθείη παῖς ὢν ἔτι, ἀλλὰ φύσει γε πάντες ἄνθρωποι διορατικοὶ τῶν καλῶν εἰσιν τελειούμενοι. οὐδεὶς γοῦν κατὰ φύσιν ἔχων ἀνεννόητός ἐστιν, τίνα μέν ἐστι δίκαια, τίνα δὲ ἄδικα, καὶ τίνα μὲν καλά, τίνα δὲ αἰσχρά. ἀλλ’ οὐδ’ ὅτι ἐκ τοῦ ἐθίζεσθαί πως ἢ τῶν καλῶν ἢ τῶν αἰσχρῶν γίγνονται προαιρετικοί τε καὶ πρακτικοί, οὐδὲ τοῦτο αὐτοὺς λανθάνει. οἱ γοῦν ἀσκῆσαί τι καὶ μαθεῖν βουλόμενοι ἐπὶ τὸ διὰ τῶν ἐθῶν αὑτοὺς προάγειν τῷ προκειμένῳ τρέπονται, ὡς οὐκ ἀγνοοῦντες τὴν τῶν ἐθῶν ἰσχὺν πρὸς τὸ τῶν προκειμένων τυγχάνειν. τίνι γὰρ ἄδηλον, ὅτι διὰ τοῦ τὰ σωφρονικὰ ποιεῖν περιγίνεται τὸ σωφρονεῖν; εἰ δὲ μήτε τὰ καλὰ τοῖς κατὰ φύσιν ἔχουσιν ἔτι καὶ μηδέπω διὰ κακίαν πεπηρωμένοις † οὐκ ἀγνοεῖται ἥ γε ὁδὸς ἡ ἐφ’ αὑτὰ ἐφ’ ἡμῖν τε καὶ γνώριμος, ἐφ’ ἡμῖν ἂν εἴη καὶ τὸ ποιοῖς γίνεσθαι τὰ ἤθη καὶ τὰς ἕξεις κτήσασθαι, ἀφ’ ὧν ἢ τάδε 〈ἢ τάδε〉 αἱρησόμεθά τε καὶ πράξομεν. αἱ δὲ εὐφυΐαι τε πρός τινα καὶ ἀφυΐαι ἔστ’ ἂν ἐν τῇ οἰκείᾳ φύσει τηρῶσιν τὸν ἄνθρωπον, πρὸς εὐκολωτέραν ἀνάληψιν τούτων συντελοῦσιν μόνον ἢ χαλεπωτέραν, πρὸς ἃ πεφύκασιν εὖ τε καὶ κακῶς. πᾶσιν γὰρ ἀνθρώποις τοῖς κατὰ φύσιν τε ἔχουσιν καὶ ἀστρόφοις ἐπὶ τὴν κρίσιν τε καὶ τὴν αἵρεσιν δυνατὸν ἀρετὴν κτήσασθαι καὶ δυνατὸν δι’ αὑτοῦ. διὸ πολλῶν καλῶς πρὸς ἀρετὴν πεφυκότων φαυλότερόν τινες πεφυκότες ἀμείνους γίγνονται πολλάκις τὴν ἔνδειαν τῆς φύσεως ἰασάμενοι τῇ παρ’ αὐτῶν ἐξουσίᾳ.
مقالة الإسكندر الأفروديسيّ في الاستطاعة
قال:
إنّ الإنسان أكرم الأشياء التي تكوّنها وتقوّمها القوّة الإلاهيّة الموجودة في الجسم المتكوّن من قبل مجاورته للجسم الإلاهيّ، التي سبّبتها الطبيعة. فإنّ الإنسان وحده من بين الأشياء التي في الكون تشارك هذا الجسم الإلاهيّ في القوّة التي هي أكمل قوى النفس، وهي العقل؛ وهو وحده له نفس ناطقة، بها يمكنه التروّي والبحث عن الأمور التي يجب فعلها أو لا يجب. وليست نفسه كسائر الحيوانات الأخر التي نسمّيها غير ناقطة، من قبل أنّها غير مشاركة في هذه القوّة، متبعة لما يعرض لها من التخيّل، منقادة له، فاعلة لكلّ ما تفعل بعد بحث. وذلك أنّ الإنسان وحده من بين سائر الحيوان يمكنه — بغير التخيّل الذي يلقاه — أن يبحث عمّا يجب أن يفعل ويروّي فيه 〈و〉أن ينظر إن كان ينبغي ألّا يستعان بتخيّل له، أو لا. وإذا روّي فيه وأتى الحكم عزم عند ذلك على أن يفعل أيّ الأمرين وقف عليه من ذي الرويّة، وألّا يفعله. ولهذا جاء الإنسان من بين الحيوان كلّه له سلطان واستطاعة على أن يفعل شيئاً واجباً بعينه وألّا يفعله. وذلك أنّ اختيار الأشياء — التي يجب أن يفعل — إليه، إذ كانت الرويّة والعزم إليه من قبل استطاعته منه أو بسبب
فاعل الأشياء الذي يقول إنّ فعلها إليه. والاستطاعة إنّما توجد في الأشياء التي توجد فيها الرويّة. والرويّة فلسنا نستعملها فيما قد كان وفرغ، ولا فيما هو موجود، ولكن فيما يكون وفيما يمكن أن يكون وفي الأشياء التي سببها التفكّر، فإنّ هذه هي الأشياء التي يتهيّأ لنا أن نفعلها وأن لا نفعلها. ففي هذه إذاً توجد الاستطاعة، والإنسان هو سبب وجود الأشياء التي يفعلها.
وهذا أمر قد خصّته به الطبيعة دون سائر الأشياء المتكوّنة عنها، ولذلك صار هو وحده مرويّاً بالطبع 〈و〉صار النظر إنّما وجوده من هذا المعنى. وإن كان السبب مبدأ للأمور التي هو سبب لها، وكان الإنسان مبدءاً لأفعاله، فهو إذن سبب لها. ومن النظر أن يطلب لهذا المبدأ طلباً دائماً، لأنّ الشيء الذي هو مبدأ ما، ليس هو مبدءاً على الإطلاق وليس يوجد الاختيار والرويّة وما جرى هذا المجرى في طبيعة الإنسان لسبب آخر فاعل متقدّم لها في الوجود، لأنّ الأمر إن لم يكن هكذا لم يكن الإنسان مبدءاً، ولكنّه هو سبب لأفعاله، أعني أنّه هو السبب الفاعل لأفعاله. وأمّا هذه فليس لها سبب آخر. وذلك أنّ هذا إن كان مبدءاً فليس هو مبدءاً وسبباً للمبدأ الذي يقال له مبدأ على الحقيقة، لأنّ الإنسان بوجوده وكونه مبدءاً قادر لأن يختار هذه الأشياء وحده أوّلاً، فإنّ هذا هو معنى أنّ في نسفه قوّة، وإلّا فما المنفعة في الرويّة إن كانت لنا أسباب متقدّمة لأفعالنا. وكيف يكون الإنسان أجلّ وأكرم من سائر الحيوان إذا ظهر أنّ الرويّة لا منفعة فيها! وإن لم يكن إلينا أن نتمحّل من الرويّة شيئاً أو نختار ما نتمحّله فلا منفعة فيها. وذلك أنّ القول بالتخيّل سبباً لرويّتنا في الشيء المتخيّل ليس بتفكّر. فأمّا القول بأنّ السبب في أن نفعل هذا الشيء ليس هو الرويّة، لكن التخيّل، فيبطل الرويّة التي يجب أن تكون موجودة حتّى يكون التخيّل سبباً لها للحقّ، والحقّ سبباً للأفعال. فليس في هذه شيء يعدّ سبباً. وكما أنّ الرويّة شيء لنا إلى الأشياء التي فعلها إلينا، كذلك نحن باختيارنا سبب للزراية على فعل بعض ما نفعله. وهذا السبب شاهد على أنّ لنا سبباً للإمساك عن فعل ما قد فعلناه وطلبنا شيئاً آخر. أمّا العزم عليه بالرويّة
فيبطل الرويّة، وذلك أنّ الأفضل أن تكون الرويّة [أنّها] توجد في قدرتنا على أن نعزم ونختار ممّا نجده في الرويّة منها، الذي يرفع هذا الشيء. والرويّة فإنّها نسلّم اسمها فقط، لأنّ القول بأنّ الأمور التي تحيط فينا من خارج إذا كانت كلّها متشابهة فليس تخلو من أحد أمرين: إمّا أن نختار ما دعونا إليه تلك الأمور بأعيانها، أو يكون كلّ فعل يفعل بلا سبب غير واجب، إذ كان كون شيء من الأشياء بلا سبب مقنعاً وكان القول بأنّه إذا كانت الأمور المحيطة بنا من خارج متشابهة، فإنّ اختيارنا مهما تدعونا إليه تلك الأمور بأعيانها يبيّن أنّ القول بأنّ الأمور التي من خارج أسباب بالجملة ليس بصحيح. وذلك أنّه ليس من الضرورة إذا كانت الأمور التي من خارج متّفقة أن يختار الإنسان أبداً أشياء متّفقة، ولا يكون الفعل بلا سبب، وذلك أنّ الإنسان إذا كان فيه سبب هذا الفعل، أعني أنّه قادر على أن يروّي في الأشياء بصورة، ففيه الاقتدار على ألّا يختار أشياء متشابهة، وهو الذي نقوله ليس إنّما نضعه وضعاً دون قياس، وهو هو مصادرة يصادر عليها. وذلك أنّه إن يكن غرض للإنسان هو الذي يرمى إليه بعزيمته فقد كان من الواجب أن يكون يختار أبداً من أشياء واحدة بأعيانها شيئاً واحداً بعينه. فإذا كانت حالة واحدة بعينها وكان حافظاً الوجه المقصود الذي عنه كان تكون عزيمته سببه؛ ولأنّ الغايات التي بحسبها تكون العزيمة واختيار الأشياء التي تفعل — كثيرة، وذلك أنّ الذي هو النافع واللذيذ والجميل يصير داعينا، وهذه يخالف بعضها بعضاً، وليس كلّ الأشياء تحيط بحال متشابهة، صار الإنسان في كلّ واحد من هذه إذا عزم واختار مرّة بحسب الشيء اللذيذ، ومرّة بحسب الشيء الجميل، وأخرى بحسب النافع — فليس يفعل أبداً أشياء بأعيانها، ولا يختار أبداً أشياء بأعيانها. ولكن قد يظنّ بهذه أنّها في كلّ وقت تعين معونة كثيرة على الغرض المقصود. وقد يتخيّل — لما قلناه — القول الذي فعل التخيّل سبباً للأفعال، لأنّه ليس واحد يفعل شيئاً في وقت من الأوقات.
مقالة الإسكندر الأفروديسيّ في الاستطاعة، نقل أبي عثمان بن يعقوب الدمشقيّ
قال الإسكندر إنّ الإنسان أكرم الأشياء التي تكوّنها وتقوّمها العناية الإلاهيّة الموجودة في الجسم المكوّن من قبل مجاورته للجسم الإلاهيّ التي نسمّيها الطبيعة؛ فإنّ الإنسان من بين سائر الأشياء التي في الكون شارك هذا الجسم في القوّة التي هي أكمل قوى النفس، وهي العقل، وهو وحده له نفس ناطقة بها يمكنّا أن نروّي ونبحث عن الأمور التي يجب فعلها أو لا يجب، وليس هو شبيهاً بسائر الحيوانات الأخر التي نسمّيها غير ناطقة من قبل أنّها غير مشاركة في هذه القوّة ومتّبعة لما يعرض لها من التخيّل، منقادة له، فاعلة لكلّ ما تفعله بغير بحث.
وذلك أنّ الإنسان وحده من سائر الحيوانات يمكنه بعد التخيّل الذي يلقاه أن يبحث عن جميع ما يجب أن يفعل ويروّي فيه وينظر إن كان ينبغي أن ينقاد لما يتخيّل أو لا. وإذا كان روّى فيه وأبثّ الحكم، عزم عند ذلك على أن يفعل أيّ الأمرين وافق عليه من الرويّة أو لا يفعله.
ولهذا صار الإنسان من بين الحيوان كلّه له سلطان واستطاعة على أن يفعل شيئاً واحداً بعينه وأن لا يفعله. وذلك أنّ اختيارات الأشياء التي يجب أن تفعل إليه، إن كانت الرويّة والعزم إليه، من قبل 〈أنّ〉 استطاعته مبدأ وسبب
فاعل للأشياء التي نقول إنّ فعلها إليه. والاستطاعة إنّما توجد في الأشياء التي فيها توجد الرويّة.
فلسنا نستعملها فيما قد كان وفرغ ولا فيما هو موجود، لاكن فيما سيكون وفيما يمكن أن يكون 〈وأن لا يكون〉 وفي الأشياء التي سببها الفكرة. فإنّ هذه هي الأشياء التي يتهيّأ لنا أن نفعلها وأن لا نفعلها. وفي هذه إذن توجد الاستطاعة، والإنسان هو مبدأ وسبب الأشياء التي يفعلها، وهذا أمر قد خصّتـ〈ـه〉 به الطبيعة دون سائر الأشياء المكوّنة منها، وذلك 〈أنّه〉 صار وحده ناطقاً بالطبع مروّيّاً. فإنّ النطق إنّما وجوده في هذا المعنى. وإن كان السبب مبدأ للأمور التي هو لها سبب وكان الإنسان مبدأ لأفعاله، وهو إذن سبب لها. و〈إن كان〉 من المنكر أن 〈يطلب〉 لمبدأ مبدأ طلباً دائماً (لأنّ الشيء الذي له مبدأ ما ليس هو مبدأ على الإطلاق) وليس يوجد الاختيار والرويّة وما جرى هذا المجرى في طبيعة الإنسان سبب آخر فاعل متقدّم لها في الوجود (لأنّ الأمرين لم يكن هكذا، لم يكن الإنسان مبدأً)، لاكنّه هو سبب لأفعاله 〈والعزيمة والاختيار والسبب الفاعل لهذين〉، فأمّا هذه فليس لها سبب آخر.
وذلك أنّ هذه إن كانت مبدأ وليس يو〈جد〉 مبدأ وسبب للمبدأ الذي يقال له مبدأ على الحقيقة (لأنّ الإنسان لوجوده وكونه مبدأ، فأمّا لأن يختار هذه الأشياء أو هذه فلا، لأنّ هذا هو 〈له〉 معنى أنّ له في نفسه قوّة لهذه الحال)، 〈فإنّ الإنسان سلطان واستطاعة على أفعاله إليه〉.
و〈كيف يكون منفعة ما في الرويّة، إن كانت لنا الأسباب متقدّ〉مة لأفعالنا؟ وكيف يكون | الإنسان أجلّ وأكرم من سائر الحيوان، إذ ظهر أنّ دون 〈منفعة الرويّة؟ فأمّا أن لم يكن لنا استطاعة على〉 أن نفضّل من الرويّة وأن | نختار ما نفضّله، فلا منفعة فيها.
وذلك أنّ القول بأنّ 〈التخيّل سبب للرويّة فيما يتخيّل ليـ〉ـس 〈من الـ〉ـمنكر، فأمّا القول بأنّ | السبب في أن نفعل هذا الشيء ليس هو الرويّة 〈لاكن التخيّل فهو إبطال〉 الرويّة التي يجب أن تكون موجودة حتّى يكون | التخيّل سبب لها. فـ〈ـأن〉 يجب أن يكون الشيء المتخيّل سبباً للرويّة والرويّة سبباً للعزيمة والعزيمة سبباً للقفز والقفز سبباً للأفعال، فليس هو في هذه شيء بلا سبب.
وكما أنّ الرويّة ستدلّنا إلى الأشياء التي فعلها إلينا، كذلك نحن واختيارنا سبب للندامة على فعل بعض ما نفعله؛ وهذا السبب شاهد على أنّ فينا سبباً للإمساك عن فعل ما قد فعلناه، وطلبنا لسبب آخر لما نعزم عليه من الرويّة مبطل
للرويّة. وذلك أنّ الأفضل أن تكون الرويّة إنّما توجد في قدرتنا على أن نعزم ونختار المتخيّل منها. فالذي يرفع هذا الشيء من الرويّة فإنّما سلّم اسمها فقط.
لأنّ القول بأنّ الأمور التي تحيط بنا من الخارج، إذا كانت كلّها متشابهة، فليس نخلو من أحد أمرين، إمّا أن نختار ما تدعونا إليه تلك الأمور بأعيانها أو 〈أن〉 يكون فعل ما يفعل بلا سبب، غير واجب، إذ كان كون شيء من الأشياء بلا سبب ممتنع؛ وكان القول بأنّه إذا كانت الأمور التي تحيط بنا من خارج متشابهة، كان اختيارنا لما تدعونا إليه تلك الأمور بأعيانها يبيّن [أنّ] القول بأنّ الأمور التي من خارج أسباب بالحقيقة لأفعالنا ليس بصحيح.
وذلك أنّه 〈ليس〉 من الضرورة، إذا كانت الأمور التي من خارج كلّها متّفقة، 〈أن〉 يختار الإنسان أبداً أشياء متّفقة، ولا يكون الفعل بلا سبب. وذلك أنّ الإنسان إذا كان فيه سبب هذا الفعل، أعني الاقتدار على أن يروّي في الأشياء 〈التي تحيط به من خارج〉، ففيه الاقتدار على أن لا يختار من أشياء متشابهة 〈أشياء متشابهة〉. وهذا الذي يقوله ليس أنّه يضعه وضعاً بغير قياس، ولا هو مصادرة يصادر عليها.
وذلك أنّه لو كان غرض الإنسان 〈واحدا〉 هو الذي إليه يقرن بعزيمته، فقد كان من الواجب أن يكون مختار أبداً من أشياء واحدة بأعيناها شيئاً واحداً بعينه، إذ كانت حاله 〈حالاً واحدة〉 بعينها وكان حافظاً لفرضه المقصود الذي بحسبه كانت تكون عزيمته. ولأنّ الغايات التي بحسبها تكون العزيمة واختيار الأشياء التي 〈يجب أن〉 تفعل كثيرة (وذلك أنّ اللذيذ والنافع والجميل نصب أعياننا) وهذه بعضها يخالف بعضاً وليس تلك الأشياء التي تحيط بنا حالها حال متشابهة، صار الإنسان في كلّ واحد من هذه، إذا عزم واختار مرّة بحسب الشيء اللذيذ ومرّة بحسب الجميل وأخرى بحسب النافع، فليس بفعل أبداً أشياء بأعيانها ولا يختار أبداً أشياء بأعيانها، إذ كانت الأمور التي من خارج واحدة بأعيانها، ولاكن 〈التي〉 قد يظنّ بها أنّها في كلّ وقت تعين معونة كبيرة على الغرض المقصود.
وقد يتحلّل بما قلناه القول الذي يجعل التخيّل سبباً للأفعال، لأنّه ليس من أحد أن يفعل شيئاً في وقت من الأوقات بخلاف ما يتخيّله أنّه أفضل. فإنّ الأغراض التي بحسبها تكون العزيمة من التخيّل كثيرة؛ ولا أيضاً، إن كان الإنسان يختار أشياء متشابهة، إذ كانت الأمور التي من خارج متشابهة، يلزمه أن يكون يختار أشياء بأعيانها اضطراراً وأن تكون الأشياء التي من خارج أسباباً للعزيمة؛ لأنّه قد يمكنـ[ـه] أن يرى في واحد واحد من الاختيارات قبل اختياره لشيء من الأشياء يقدر أن يختار خلافه؛ وإذا أمكنه أن يختار الشيء وخلافه، فقد يختار ما يظنّ به أنّه أولى.
وقد يمكنه، إذا أراد في وقت من الأوقات أن يرى أنّ اختياره ليس هو اضطراراً أو ماحك، أن يختار ما لا يظنّ به أنّه أولى. وأيضاً إن لم نكن أبداً متشابهين في السجيّة التي بها نروّي، لم نختر أبداً أشياء بأعيانها، وإن كانت الأمور المحيطة بنا متشابهة. وإذا لم يكن اختيارنا بأشياء متشابهة، إذا كانت الأمور المحيطة بنا متشابهة، ونحن غير متشابهين 〈ولا〉 واحد بعيننا، فمن البيّن أنّ الأمور المحيطة بنا المتشابهة ليست أسباب اختيار الأشياء المتشابهة، لاكن الشيء، أقول الإنسان الذي أحاطت به، إذ كانت متشابها 〈لنفسه〉.
و〈أمّا〉 بالجملة فإنّ التماس النفس بالحجّة أنّ لنا استطاعة، وهو على مثل ما هو عليه من الظهور، هو فعل من لا يحسن التمييز بين ما هو معروف وبين ما ليس هو معروف؛ وهذا المعنى، كما قلنا، يتبيّن من أشياء كثيرة، من الرويّة ومن الندامة ومن المشاورة لمن يفهم الأمور ومن الحكم ومن الصدّ عن الشيء 〈و〉من المديح ومن الذمّ ومن الإكرام 〈ومن العقاب〉 ومن التعليم ومن الأمر ومن التكهين ومن الدعاء ومن التعويد 〈ومن التشريع〉.
〈وبالجملة فإنّ〉 هذه الأمور كلّها وما جرى | مجراها، لمّا كان الإنسان 〈حياته كلّها تستعملها〉، كانت تشهد بأنّه ليس شيء من الأشياء أخصّ من | الإنسان من بين سائر الحيوانات من الاستطاعة. والأمر في أنّ العادة، إن كانت مبدأً لنا لنكون بها على حال 〈ما〉، | وكنّا نختار بها اختيارات مختلفة، فمن البيّن أنّا بالعادات نصير بحال ما وأكثر العادات 〈تكون إلينا〉. وذلك أنّه وإن اعتاد الإنسان في أوّل أمره، وهو بعد صبيّ، عادات رديئة، فإنّ الناس بأجمعهم، إذا كملوا في السنّ، نظروا بطبعهم 〈الجميل〉.
فإنّه ليس يوجد أحد، وهو على الحال الطبيعيّة، لا يفهم ما الأمور المستوية إلى العدل وما المستوية إلى الجور وما الأمور الجميلة وما القبيحة. ولا يذهب عن أحد أيضاً 〈أنّه〉 من الاعتياد يصير قوم مختارين وفاعلين إمّا للأمور الجميلة 〈أ〉و القبيحة. وذلك أنّ الذين يريدون أن يتعلّموا شيئاً ويتدرّبوا به إنّما يفعلون غرضهم فيه بالعادات لمعرفتهم لقوّة العادات بمنال ما قصدوا إليه.
فإنّه ليس يخفى على أحد أنّه استعمال الأمور المنسوبة إلى العفّة يظفر العفّة. وإن كان الطريق المؤدّي إلى الخير والشرّ لمن كان من الناس على الحال الطبيعيّة ولم ينظر بعد خيراً ولا شرّاً معروفاً فعنده وإليه أن يسلكه، فلنا إذن أن نصير بالعادة على حال من الأحوال وأن نقتني الملكات التي بها نختار شيئاً دون شيء 〈وتفعله〉.
والذكاء والبلادة، ما دام الإنسان على الطبيعة التي تخصّه فإنّهما يسهّلان عليه أو يعسّران نيل ذلك 〈الأمر الذي على قبوله يكون مطبوعاً بذكائه وبلادته〉. وذلك أنّ كلّ الناس الذين هم على الحال الطبيعيّة متبرّئون عن الاختيار والعزيمة قد يمكنهم أن يقتنوا الفضيلة بأنفسهم. وذلك صار 〈كثيراً ما ناس يكونون أسوأ طبعاً، لأنّ〉 كثيراً من الناس يكونون مطبوعين على قبول الفضيلة، فإذا عاشورا أهل الفضيلة، صاروا أفضل وما كانوا أشدّهم تكامل أهل الطبيعة بالاختيار منهم.
تمّت مقالة الإسكندر الأفروديسيّ في الاستطاعة.