Galen: Quod optimus medicus sit quoque philosophus (The Best Doctor is also a Philosopher)
ΓΑΛΗΝΟΥ ΟΤΙ ΑΡΙΣΤΟΣ ΙΑΤΡΟΣ ΚΑΙ ΦΙΛΟΣΟΦΟΣ.
I. Οἷόν τι πεπόνθασιν οἱ πολλοὶ τῶν ἀθλητῶν, ἐπιθυμοῦντες μὲν ὀλυμπιονῖκαι γενέσθαι, μηδὲν δὲ πράττειν, ὡς τούτου τυχεῖν, ἐπιτηδεύοντες, τοιοῦτόν τι καὶ τοῖς πολλοῖς τῶν ἰατρῶν συμβέβηκεν. ἐπαινοῦσι μὲν γὰρ Ἱπποκράτην, καὶ πρῶτον ἁπάντων ἡγοῦνται, γενέσθαι δὲ αὐτοὺς ἐν ὁμοίοις ἐκείνῳ, πάντα μᾶλλον ἢ τοῦτο πράττουσι. ὁ μὲν γὰρ οὐ μικρὰν μοῖραν εἰς ἰατρικήν φησι συμβάλλεσθαι τὴν ἀστρονομίαν, καὶ δηλονότι τὴν ταύτης ἡγουμένην ἐξ ἀνάγκης γεωμετρίαν. οἱ δ’ οὐ μόνον αὐτοὶ μετέρχονται τούτων οὐδέτερον, ἀλλὰ καὶ τοῖς μετιοῦσι μέμφονται. καὶ μὲν δὴ καὶ φύσιν σώματος, ὁ μὲν ἀκριβῶς ἀξιοῖ γιγνώσκειν, ἀρχὴν εἶναι φάσκων αὐτὴν τοῦ κατ’ ἰατρικὴν λόγου παντός. οἱ δ’ οὕτω καὶ περὶ τούτων σπουδάζουσι, ὡς οὐ μόνον ἑκάστου τῶν μορίων οὐσίαν ἢ πλοκὴν, ἢ διάπλασιν, ἢ μέγεθος, ἢ τὴν πρὸς τὰ παρακείμενα κοινωνίαν, ἀλλ’ οὐδὲ τὴν θέσιν ἐπίστανται. καὶ μέν γε ὡς ἐκ τοῦ μὴ γιγνώσκειν κατ’ εἴδη τε καὶ γένη διαιρεῖσθαι τὰ νοσήματα, συμβαίνει τοῖς ἰατροῖς ἁμαρτάνειν τῶν θεραπευτικῶν σκοπῶν, Ἱπποκράτει μὲν εἴρηται προτρέποντι τὴν λογικὴν ἡμᾶς ἐξασκεῖν θεωρίαν. οἱ δὲ νῦν ἰατροὶ τοσοῦτον ἀποδέουσιν ἠσκῆσθαι κατ’ αὐτὴν, ὥστε καὶ τοῖς ἀσκοῦσιν, ὡς ἄχρηστα μεταχειριζομένοις, ἐγκαλοῦσι. οὕτω δὲ καὶ τοῦ προγιγνώσκειν τε τὰ προγεγονότα, καὶ τὰ παρόντα καὶ τὰ μέλλοντα γενήσεσθαι τῷ κάμνοντι νοσήματα, πολλὴν χρῆναι πεποιῆσθαι πρόνοιαν, Ἱπποκράτης φησίν. οἱ δὲ καὶ περὶ τοῦτο τὸ μέρος τῆς τέχνης ἐπὶ τοσοῦτον ἐσπουδάκασιν, ὥστ’, εἴ τις αἱμοῤῥαγίαν ἢ ἱδρῶτα προείπῃ, γόητά τε καὶ παραδοξολόγον ἀποκαλοῦσιν. σχολῇ γ’ ἂν οὗτοι τἄλλα προλέγοντός τινος ἀνάσχοιντο· σχολῇ δ’ ἄν ποτε τῆς διαίτης τὸ σχῆμα πρὸς τὴν μέλλουσαν ἔσεσθαι τοῦ νοσήματος ἀκμὴν καταστήσαιντο· καὶ μὴν Ἱπποκράτης οὕτως γε διαιτᾷν κελεύει. τί δὴ οὖν ἐστὶ τὸ ὑπόλοιπον εἰς ὃ ζηλοῦσι τἀνδρός; ὁ γὰρ δὴ τήνδε τῆς ἑρμηνείας δεινότητα, τῷ μέν γε καὶ τοῦτο κατώρθωται. τοῖς δ’ οὕτω τοὐναντίον, ὥστε πολλοὺς αὐτῶν ἐστιν ἰδεῖν καθ’ ἓν ὄνομα δὶς ἁμαρτάνοντας, ὃ μηδ’ ἐπινοῆσαι ῥᾴδιον.
IV. πότερον οὖν ὑπὲρ ὀνομάτων ἔτι διενεχθήσῃ καὶ ληρήσεις ἐρίζων ἐγκρατῆ μὲν, καὶ σώφρονα, καὶ χρημάτων κρείττονα, καὶ δίκαιον ἄξιον εἶναι τὸν ἰατρὸν, οὐ μὴν φιλόσοφόν γε, καὶ φύσιν γιγνώσκειν τῶν σωμάτων, καὶ ἐνεργείας ὀργάνων, καὶ χρείας μορίων, καὶ διαφορὰς νοσημάτων, καὶ θεραπειῶν ἐνδείξεις, οὐ μὴν ἠσκῆσθαί γε κατὰ τὴν λογικὴν θεωρίαν, ἢ τὰ πράγματα συγχωρήσας, ὑπὲρ ὀνομάτων αἰδεσθήσῃ διαφέρεσθαι; καὶ μὴν ὀψὲ μέν· ἄμεινον δὲ νῦν γοῦν σωφρονήσαντά σε, μήδ’ ἢ καθάπερ κολοιὸν ἢ κόρακα περὶ φωνῶν ζυγομαχεῖν, ἀλλ’ αὐτὴν τῶν πραγμάτων σπουδάζειν τὴν ἀλήθειαν. οὐ γὰρ δὴ τοῦτό γ’ ἂν ἔχοις εἰπεῖν, ὡς ὑφάντης μέν τις, ἢ σκυτοτόμος ἀγαθὸς ἄνευ μαθήσεώς τε καὶ ἀσκήσεως οὐκ ἄν ποτε γένοιτο, δίκαιος δέ τις, ἢ σώφρων, ἢ ἀποδεικτικὸς, ἢ δεινὸς περὶ φύσιν ἐξαιφνίδιον ἀναφανήσεται, μήτε διδασκάλοις χρησάμενος, μήτ’ αὐτὸς ἐπασκήσας ἑαυτόν. εἰ τοίνυν καὶ τοῦτ’ ἀναίσχυντον, καὶ θάτερον οὐ περὶ πραγμάτων ἐστὶν, ἀλλ’ ὑπὲρ ὀνομάτων ἐρίζοντος, φιλοσοφητέον ἡμῖν ἐστι πρότερον, εἴπερ Ἱπποκράτους ἀληθῶς ἐσμεν ζηλωταί· κᾂν τοῦτο ποιῶμεν, οὐδὲν κωλύει μὴ παραπλησίους, ἀλλὰ καὶ βελτίους αὐτοῦ γενέσθαι, μανθάνοντας μὲν, ὅσα καλῶς ἐκείνῳ γέγραπται, τὰ λείποντα δ’ αὐτοὺς ἐξευρίσκοντας.
مقالة جالينوس في أنّه يجب أن يكون الطبيب الفاضل فيلسوفاً، ترجمة حنين بن إسحق
بسم اللّه الرحمن الرحيم، إستعنت باللّه تعالى.
كتاب جالينوس في أنّه يجب أن يكون الطبيب الفاضل فيلسوفاً، إخراج حنين بن إسحق.
قال:
(١) إنّه قد يعرض لكثير من الأطبّاء مثل الذي عرض لكثير من المصارعين الذين يحبّون أن ينسبوا إلى الظفّر في المحافل، وهم لا يفعلون شيئاً من الأشياء التي ينبغي أن يفعلوها، حتّى يصلوا بها إلى ذلك. وذلك أنّهم يمدحون بقراط ويقدّمونه على جميع الأطبّاء، وهم بكلّ شيء أولى منهم بالتشبّه به. وذلك أنّ بقراط يقول: إنّ منفعة صناعة النجوم في صناعة الطبّ ليست باليسيرة. وبيّن أنّ الصناعة المتقدّمة لهذه الصناعة، أعني صناعة الهندسة، تنفع ضرورة فيها. فأمّا هؤلاء الأطبّاء، فلم يقتصروا على أنّهم لم يتعاطوا شيئاً من هاتين الصناعتين، حتّى ذمّوا من سدا منهما شيئاً.
وبقراط يأمر أن نتعرّف طبيعة البدن معرفة باستقصاء، ويزعم أنّها ابتداء لجميع القول في صناعة الطبّ. فأمّا هؤلاء، فقد بلغ من حرصهم على هذا، أنّهم لم يقتصروا على ترك معرفة جوهر كلّ واحد من الأعضاء واشتباك ما اشتبك منها وخلقتها وعظمها واشتراك وضعها بعض إلى بعض، لكن قد تركوا مع ذلك معرفة مواضعها أيضاً. وقد قال بقراط: إنّه قد يعرض للأطبّاء أن يخطئوا في أغراض العلاج من أنّهم لا يفهمون تقسيم الأمراض بأنواعها وأجناسها. فأشار بهذا إلى أنّه ينبغي لنا أن نتدرّب في صناعة المنطق. فأمّا أطبّاء أهل زماننا هذا فإنّه بلغ من بعدهم من التدرّب فيها، أنّهم يثلبون من تدرّب فيها كأنّه يتدرّب فيما لا منفعة فيه.
وكذلك قال بقراط: إنّه ينبغي أن تكون لنا عناية كثيرة وفى أن نتقدّم فنعلم ما الأعراض الحاضرة في العليل وما تقدّم منها وما سيحدث. فأمّا هؤلاء الأطبّاء فإنّه بلغ من حرصهم على هذا الجزء أيضاً من الصناعة، أنّهم يسمّون من يتقدّم فينذر بعرق أو برعاف خدّاعاً صاحب بدع. فكم بالحريّ لا يقبل هؤلاء من غيرهم إذا تقدّم فأنذر، وكم بالحريّ يكون بعدهم عن تقدير الغذاء بحسب المنتهى الذي سيكون في المرض. فإنّ هذه هي السبيل التي أمرنا بقراط أن نسلكها في تقدير الغذاء. فأيش الذي بقي لهؤلاء ممّا يتشبّهون فيه ببقراط؟ فما شبّهوه ولا في حذقه بالعبارة. وذلك أنّه يعبّر عبارة صحيحة مستوية، وهؤلاء يبلغ من مضادّة حالهم لحاله في هذا، أنّا نرى أكثرهم يخطئون في الاسم الواحد في موضعين، وذلك ما لا يسهل توهّمه توهّماً.
(٢) فرأيت أنّه من الواجب أن نطلب العلّة، أيّ علّة هي، التي بسببها على عجب جميعهم ببقراط لا يقرؤون كتبه، أو إن قرؤوها لا يفهمون ما يقرؤونه، أو إن فهموه لا يتدرّبون في معرفته، حتّى يثبت ويتقرّر علمه في أنفسهم. وأنا أجد أنّ جميع الأشياء التي يحسنها الناس ويصلون إلى صواب معرفتها إنّما يكون ظفرهم بها بالإرادة والقوّة، وأنّه من عدم أحد هذين فحسب، ذلك يقصر ضرورة عن بلوغ غرضه. فقد نرى الصرّيعين يبعدون من غرضهم إمّا لأنّ طبيعة أبدانهم غير متهيّئة للصراع، وإمّا لقلّة عنايتهم بالتدرّب في غرضهم. فأمّا من كانت طبيعته مستعدّة وكان تدربّه لا يذمّ منه شيء، فليس يمنع من أن يصير على رأسه أكثر الأكلّة التي يستحقّها الغالبون في المناضلة. أفترى هؤلاء الأطبّاء إنّما عدموا التدرّب في هذه الصناعة لبعدهم من هذين جميعاً، إذ لم يكن فيهم من القوّة والإرادة مقدار يعتدّ به، أو إنّه كان فيهم أحدهما وعدموا الآخر.
والقول بأنّه ليس أحد يكون فيه من قوّة النفس مقدار كافٍ في قبول هذه الصناعة، على ما جعلها اللّه عليه من الرحمة، لا أظنّه قولاً صحيحاً، إذ كان العالم في وقتنا هذا وفي ذلك الوقت على حال واحدة ونظام الأوقات ودور الشمس غير متغيّرة، ولم يحدث في كوكب آخر من الكواكب المتحيّرة أو الثابتة حادث غيّره. وجب بسبب سوء التدبير الذي يتدبّر به أهل زماننا وظنّهم أنّ الغنى أشرف من الفضيلة، ألّا يوجد فيهم أحد على حذاقة فيذياس في الصناعة، أو على حذاقة أباللوس في التصوير، أو على حذاقة بقراط في الطبّ، على أنّ فضل ما نستفيده في بقائنا بعد القدماء من الصناعات التي وضعوها بتداولنا إيّاها زماناً كثيراً فضل ليس باليسير. وذلك أنّه قد يسهل علينا أن نعلم في سنين يسيرة ما وضعه بقراط في زمان كثير، ونستخرج في باقي عمرنا معرفة ما كان بقي عليه من الصناعة، إلّا أنّه ليس يمكن المتعلّم، إذ هو وضع أنّ الغنى أشرف من الفضيلة وأنّ الصناعات لم توضع لمنفعة الناس لكن لاكتساب الأموال، أن يبلغ إلى غايتها، لأنّه قد يستغني قوم آخر كثير غيرنا من قبل أن نبلغ نحن غايتها. فليس يمكن إذاً أحداً أن يتدرّب في هذه الصناعة إذ كانت بهذه الحال من العظم والشرف مع طلب الغنى، لكن قد يضطرّ متى مال إلى أحدهما ميلاً أكثر أن يستخفّ بالآخر.
فلننظر أيمكنك أن تقول إنّا نجد واحداً من أهل زماننا هذا قد بلغ من قنوعه في اكتساب الأموال، أن اقتصر على مقدار ما يجيئه منه الشيء الذي يضطرّ إليه في إقامة ما يحتاج إليه لبدنه فقط، ولا يقتصر على القول بأنّ حدّ الغنى الطبيعيّ هو ما يبلغ الإنسان إلى أن لا يجوع ولا يعطش ولا يعرى، لكن يثبته فعلاً.
(٣) وإن وجدنا أحداً حاله هذه الحال فإنّه يذهب بنفسه عن الملوك، كمثل الذي عمل بقراط، فإنّه لم يجب أردشير ملك الفرس إلى أن يراه البتّة. وأمّا بارذيقس الملك فإنّه عالجه من أمراض مرضها عندما احتاج إلى صناعته، ولم يره أهلاً لأن يقيم معه دهره كلّه. وعالج المساكين الذين كانوا في مدينة قرانون وتاسو أو في مدن أخر كثيرة وإن صغرت. وخلّف لأهل مدينته بولوبس 〈و〉سائر تلامذته ودار هو نفسه جميع مدن اليونانيّين، لأنّه لمّا رأى أنّه يجب أن يضع في طبيعة البلدان كتاباً، لكيما يمتحن ما علمه من القياس بالتجربة، احتاج لا محالة أن يعاين ما كان من المدن مائلاً إلى الجنوب أو إلى الشمال والتى بحذاء المشرق والتى بإزاء المغرب، وأن يعاين ما كان منها في وادٍ وما كان منها في موضع عالٍ وما كان أهلها يستعملون المياه التي تساق إليها في القنى أو المياه التي تنبع من أعين فيها أو مياه الأمطار أو مياه البحيرات أو مياه الأنهار، وألّا يغفل ما كان أهلها يستعملون المياه الباردة جدّاً أو الحارّة جدّاً أو ما يغلب عليه قوّة البورق أو قوّة الشبّ أو غير ذلك ممّا أشبهه، وأن يعرف المدينة المجاورة لنهر كبير أو لبحيرة أو لجبل أو لبحر، وأن يفهم سائر جميع الأشياء التي فهّمناها. فليس إذاً يضطرّ من أراد أن تكون حاله هذه الحال إلى أن يستخفّ بالغنى فقط، لكن ينبغي أن يكون في غاية الحرص والإيثار للنصب على الخفض، وليس يمكن أن يكون أحد مؤثراً للنصب على الخفض إذا كان مؤثراً للسكر أو للشبع أو قد وهب نفسه للجماع أو يكون بالجملة عبداً لفرجه وبطنه.
فقد وجب إذاً أنّ الطبيب الفاضل هو المؤثر لسبل الحقّ والاستقامة، وينبغي له أيضاً أن يكون قد تدرّب في صناعة المنطق، حتّى عرف كم الأمراض كلّها في أنواعها وأجناسها وكيف ينبغي أن يستخرج من كلّ واحد منها الاستدلال على العلاج. وبهذه الصناعة بعينها يتعرّف نفس طبيعة البدن، أعني الطبيعة التي هي من الأسطقسّات الأولى التي يمازج الكلّ منها الكلّ من تلك، والطبيعة التي من الأسطقسّات الثواني المحسوسة التي تسمّى أعضاء متشابهة الأجزاء، والطبيعة الثالثة التابعة لهاتين التي هي من الأعضاء الآليّة. وتعرّف المنفعة أيضاً التي ينالها بدن الحيّ من كلّ واحد من هذه التي ذكرنا ما هي وما فعل كلّ واحد منها، إذ كان هذا أيضاً يحتاج في التصديق به إلى ألّا يكون بالتسليم من غير تفتيش، لكن بإقامة البرهان، والبرهان إنّما يكون بصناعة المنطق: فأيّ شيء بقي على الطبيب ممّا يقضى به على أن يكون فيلسوفاً، إذا كان يحتذي حذو بقراط ويتقيّل في الحذاقة طريقته؟ إذ كان يوجب على نفسه، كيما يعرف طبيعة البدن وأصناف الأمراض والاستدلال على العلاج بها، أن يرتاض في علم المنطق، وكيما يؤثر النصب على الخفض، يصيّر علل التدرّب في هذه الأشياء، أن يستخفّ بالأموال ويلزم ظلف النفس، ما يقصر به شيء عن أن يكون قد استوعب جميع أجزاء الفلسفة، حتّى يكون قد حصل له الجزء المنطقيّ منها والجزء الطبيعيّ والجزء المصلح للأخلاق. وذلك أنّه لا يخاف عليه إذا هو استخفّ بالأموال وأخذ نفسه بظلفها أن يفعل فعلاً مخالفاً للعدل. وذلك لأنّ الناس إنّما يقدمون على جميع ما يفعلونه ممّا يغادر العدل باختراع إيثار الأموال وباختداع اللذّة لهم.
وكذلك يجب ضرورة أن يكون معه سائر الفضائل، وذلك أنّها كلّها يتبع بعضها بعضاً، ولا يمكن أحداً أن يستفيد فضيلة واحدة من الفضائل ولا يتبعها سائر الفضائل الباقية ضرورة، لأنّها كلّها كأنّها منظومة في خيط واحد. فإن كانت حاجة الأطبّاء إلى الفلسفة ضروريّة في تعلّمهم الطبّ أوّلاً، ثمّ في تدرّبهم من بعد، فقد بان أنّ من كان طبيباً فهو لا محالة فيلسوف. فإنّي لست أرى أنّه يحتاج أحد إلى إقامة البرهان له على أنّ الأطبّاء يحتاجون إلى الفلسفة، كيما يكون استعمالهم لصناعتهم على ما ينبغي، إذ كان قد يرى عياناً مراراً كثيرة أهل الثروة من الأطبّاء ليس هم أطبّاء بالحقيقة، لكنّهم خدّاعون يستعملون صناعة الطبّ لضدّ ما قرّرت له.
(٤) أفتراك بعد هذا تنازعني في الأسماء وتستعمل الهذيان والمماراة فتقول: إنّه ينبغي أن يكون الطبيب ضابطاً لنفسه عفيفاً عازباً عن الأموال عدلاً، وليس يحتاج إلى أن يكون فيلسوفاً. فإنّه يعرف طبيعة البدن وأفعال الآلات ومنافع الأعضاء وأصناف الأمراض والاستدلال على العلاج، لكنّه ليس يحتاج إلى أن يتدرّب في علم المنطق. أوتراك، إذ أسلمت الأمر في نفس هذه الأمور، تستحي من أن تنازع في أسمائها؟ والأجود عندي لك، وإن كنت قد تخلفت، أن تراجع الآن عقلك ولا تماري في الأصوات كما تماري العقاعق والغربان، ولكن اصرف عنايتك إلى نفس الأشياء بأعيانها، حتّى تعرف حقيقتها. فإنّك لا تقدر أن تقول: إنّ الحائك الحاذق أو الإسكاف المجيد لا يكونان حاذقين إلّا بتدرّب من كلّ واحد منهما في صناعته، ويمكن أن يصير إنسان من الناس عدلاً 〈أو عفيفاً〉 أو حاذقاً بالبرهان أو عالماً بأمر الطبيعة دفعة من غير أن يكون قد استعمل التعاليم، ومن غير أن يكون قد أخذ نفسه بالتدرّب. فإذا كان هذا من قول من لا حياء معه، والقول الآخر ليس هو قول من يتكلّم في نفس الأشياء، لكن من قول من ينازع في أسمايها، فقد ينبغي لنا أن نستعمل الفلسفة أوّلاً، إن كنّا نريد تقبّل قول بقراط بالحقيقة. ونحن، إن فعلنا ذلك، لم يمنعنا مانع من أن نصير أنداداً لبقراط، بل أفضل منه، إذا نحن تعلّمنا منه جميع ما أثبته في كتبه على ما ينبغي، واستخرجنا لأنفسنا نحن ما كان بقي علينا.
تمّت مقالة جالينوس في أنّه يجب أن يكون الطبيب الفاضل فيلسوفاً، وكتب خلف بن أبي الربيع الأندلسيّ لنفسه في ربيع الآخر من سنة سبع وخمسين وأربعمائة. والحمد للّه ذي القدرة التامّة والنعمة العامّة، وصلواته على رسوله محمّد وآله الطاهرين، وسلّم تسليماً.
عارضتها بالأصل المنسوخ منه. والحمد للّه وحده، وصلواته على رسوله محمّد وآله.