Alexander of Aphrodisias: De intellectu et intellecto (On the Intellect)

Work

Alexander of Aphrodisias, De intellectu et intellecto (Περὶ νοῦ)
English: On the Intellect

Text information

Type: Translation (Arabic)
Translator: Isḥāq ibn Ḥunayn or Abū ʿUṯmān al-Dimašqī
Translated from: n/a (Literal)
Date: between 865 and 920

Source

ʿAbd al-Raḥmān Badawī. Šurūḥ ʿalā Arisṭū mafqūdah fī l-yūnānīyah wa-rasāʾil uḫrā. Beirut (Dār al-mašriq) 1971, 31-42

Download

alexaphrod_deintellectu-transl-ar2.xml [31.49 KB]

مقالة الإسكندر الأفروديسيّ في العقل على رأي أرسطوطاليس ترجمة إسحاق بن حنين

قال:

العقل عند أرسطو على ثلاثة أضرب: أحدها العقل الهيولانيّ، وقولي: «هيولانيّ» أعني به عقلاً موضوعاً ممكناً أن يصير كاملاً مثل الهيولى. وقولي:

»هيولانيّ» ليس أعني به شيئاً ما موضوعاً ممكناً أن يصير شيئاً مشاراً إليه بوجود صورة ما فيه، ولكن إذ كان وجود الهيولى إنّما هو في أنّه يمكن أن يصير كلّاً من طريق الإمكان نفسه، وكذلك أيضاً ما بالقوّة نفسه فهو من جهة ما هو كذلك [و]هو هيولانيّ، فإنّ العقل أيضاً الذي لم يفعل بعد إلّا أنّه ممكن أن يفعل فهو هيولانيّ. وقوّة النفس التي هي هكذا هي عقل هيولانيّ. وليس هو واحداً من الموجودات التي هي هكذا هي عقل هيولانيّ؛ وليس هو واحداً من الموجودات بالفعل؛ إلّا أنّه قد يمكن فيه أن يصير كُلّاً، أي يصير متصوّراً للأشياء الموجودة كلّها، لأنّه لا ينبغي لمدرك الكلّ أن يكون بالفعل بطبيعته التي تخصّه واحداً من المدركات، لأنّه لو كان كذلك لكان عند إدراكه الأشياء التي من خارج ستعوقه صورته التي تخصّه عند تصوّر تلك؛ فإنّ الحواسّ أيضاً لا تدرك الأشياء التي وجودها إنّما هو فيها؛ وكذلك البصر إذ هو يدرك الألوان، فإنّ الآلة التي فيها، لا بها هذا الإدراك، لا لون لها، لأنّه لا لون للماء خاصّاً والشمّ في الهواء؛ وهذا ليست له رائحة؛ والشمّ هو مدرك الروائح. واللمس لا يحسّ

ما هو مثله في الحرارة أو البرودة أو اللين أو الخشونة، وإنّما يحسّ ما خالفه إلى الكثرة أو القلّة، وذلك لأنّه ما كان يمكن، إذ كان جسماً، ألّا تكون له هذه الأضداد، لأنّ كلّ جسم طبيعيّ مكوّن فهو ملموس. وكما لا يمكن في الحواسّ أن يدرك الحسّ شيئاً ليس هو له ولا أن يميّزه، كذلك إن كان العقل إدراكاً ما وتمييزاً للمعقولات فليس يمكن أن يكون واحداً في الموجودات التي هو يميّزها، لكنّه مدرك الكلّ، إذ كان يمكن [أن يكون] أن يعقل الكلّ. فليس هو إذن واحداً من الموجودات، ولكنّه بالقوّة كلّها. فإنّ هذا معنى أنّه عقل. فإنّ الحواسّ، وان كانت إنّما تكون بأجسام، فليس هي الأشياء التي ندركها، ولكنّها أشياء أخر غيرها بالفعل، فإنّ إدراك الحواسّ إنّما هو قوّة ما لجسم ما ينفعل، ولذاك ليس كلّ حسّ مدركاً لكلّ محسوس، لأنّ الحسّ هو أيضاً شيء ما بالفعل. فأمّا العقل فإذ ليس يدرك الأشياء بجسم، ولا هو قوّة لجسم ما، ولا ينفعل، فليس هو البتّة شيئاً من الموجودات بالفعل، ولا هو شيئاً مشاراً إليه، بل إنّما هو قوّة ما قابلة صور الموجودات ومعقولات هذا الإنسان. وهذه النفس، وهذا العقل الهيولانيّ هو في جميع من له النفس الناطقة، أعني الناس.

وللعقل ضرب آخر، هو الذي قد صار يعقل وله ملكة أن يعقل، وقادر أن يأخذ صور المعقولات بقوّته في نفسه، وقياسه قياس الذين يكون فيهم ملكة الصناعات القادرين بأنفسهم على أن يعملوا أعمالها. فإنّ الأوّل ما كان شبيهاً بهؤلاء، بل بالذين فيهم قوّة يعملون بها الصناعة، حتّى يصيروا صنّاعاً. وهذا العقل هو العقل الهيولانيّ بعد أن صارت له ملكة واستعداد أن يعقل وأن يتقبّل. وإنّما يكون في الذين قد استكملوا وصاروا يعقلون. وهذا هو العقل الثاني.

وأمّا الثالث — وهو غير الاثنين الموصوفين — فهو الفعّال الذي به يصير الهيولانيّ له ملكة. وقياس هذا الفاعل، كما يقول أرسطو أيضاً — قياس الضوء، لأنّه كما أنّ الضوء هو علّة الألوان المبصرة بالقوّة في أن تبصر بالفعل كذلك

هذا العقل يجعل العقل الهيولانيّ الذي بالقوّة عقلاً بالفعل بأن يثبت فيه ملكة للتصوّر العقليّ، وهذا هو بطبيعته معقول، وهو بالفعل هكذا لأنّه فاعل للتصوّر العقليّ، وسائق العقل الهيولانيّ إلى الفعل، فلذلك هو أيضاً عقل، لأنّ الصورة التي ليست هيولانيّة التي هي وحدها بطبيعتها معقولة — عقل، لأنّ الصور الهيولانيّة إنّما تصير معقولة بالفعل إذ كانت بالقوّة معقولة، وذلك أنّ العقل يفردها من الهيولى التي معها وجودها بالفعل فيجعلها هو معقولة. وحينئذٍ إذ عقلت كلّ واحدة منها فإنّها تصير بالفعل معقولاً وعقلاً، ولم تكن من قبل ولا في طبيعتها هكذا، لأنّ العقل بالفعل ليس هو شيئاً غير الصورة المعقولة. فلذلك كلّ واحدة من هذه التي ليست معقولة على الإطلاق إذا عقلت صارت عقلاً، لأنّه كما أنّ العلم الذي بالفعل إنّما هو المعلوم الذي بالفعل، والمعلوم بالفعل إنّما هو العلم الذي بالفعل، لأنّه شيء واحد: العلم الذي بالفعل والمعلوم الذي بالفعل، والمعلوم الذي بالفعل هو العلم الذي بالفعل. وكذلك الحسّ الذي بالفعل هو المحسوس الذي بالفعل، والمحسوس الذي بالفعل هو الحسّ الذي بالفعل — كذلك العقل الذي بالفعل هو المعقول الذي بالفعل؛ والمعقول الذي بالفعل هو العقل الذي بالفعل، لأنّ العقل إذا أخذ صورة المعقول وفصلها من الهيولى، فإنّه يجعلها معقولة بالفعل ويصير هو عقلاً بالفعل. فإن كان شيء من الموجودات معقولاً بالفعل بطبعه في نفسه وله من ذاته أنّه كذلك لأنّه غير مخالط للهيولى، لا لأنّه يفرد الصورة من الهيولى — فهذا هو عقل بالفعل، لأنّ العقل بالفعل هو أبداً معقول. فهذا المعقول بطبيعته، الذي هو عقل بالفعل، إذا صار علّة للعقل الهيولانيّ للانتزاع والتقبّل والتصوّر لكلّ واحد من الصور الهيولانيّات، وكلّ معقول بترقيه نحو تلك الصورة قيل فيه إنّه العقل المستفاد الفاعل، وليس هو جزءاً ولا قوّة للنفس منّا، ولكنّه يحدث فينا من خارج إذا كمل عقلنا به. فإن كان يأخذ الصورة بكون التصوّر العقليّ، وكان موجده بهذه الصورة ليس هو في وقت من

الأوقات بأن يفارق الهيولى ولا بأن يفارقها، فإذاً إذا عقل [هو] فينا فهو مفارق، لأنّه ليس بأنّا عقلناه صار عقلاً، ولكن كان بطبيعته هكذا، إذ كان بالفعل عقلاً ومعقولاً. وهذه الصورة التي هي هكذا، وهذا الجوهر [هو] المفارق للهيولى غير قابل للفساد. ولذلك سمّى أرسطو العقل الفاعل الذي بالفعل 〈وهو〉 المستفاد، أي الصورة التي بهذه الصفة، لا مائت. فإنّه وإن كانت كلّ واحدة من الصور الأخر المعقولة إذا عقلت عقلاً ولكن ليس باستفادتها ولا بدخولها 〈للنفس〉 من خارج هي عقل؛ ولكن إذا عقلت تصير عقلاً، ولكن ليس باستفادتها. فأمّا هذه الصورة إذا كانت عقلاً من أجل أن تعقل، فبالواجب إذا عقلت كانت عقلاً مستفاداً، وسمّيت بهذا الاسم.

والعقل الذي بالملكة الفاعل يقدر أن يعقل ذاته، لا من جهة ما عقل، لأنّه يلزم من ذلك ألّا يكون معاً في حال واحدة يعقل ويعقل، ولكن من أجل هذه العلّة أنّ العقل الذي هو بالفعل هو المعقولات بالفعل. فإذا عقل المعقولات فإنّه يعقل ذاته إذا كان بأن يعقل المعقولات إذا عقلت يكون عقلاً، لأنّه إن كانت المعقولات هي العقل الذي بالفعل، وكان هو يعقلها، فإنّه إذا عقل ذاته يكون عقلا،ً لأنّه إذا عقلها كان والمعقولات شيئاً واحداً. وإذا لم يعقلها كان غيرها. وكذلك يقال إنّ الحسّ يحسّ ذاته، فإنّه إذا حسّ الأشياء المحسوسة فإنّه بهذا الفعل يصير هو والمحسوسات شيئاً واحداً، لأنّ الأمر كما قلنا من أنّ الحسّ الذي بالفعل، والعقل بأخذ الصور بلا هيولى، يدركان المدركات التي تخصّ واحداً واحداًً منهما.

ونقول أيضاً إنّ العقل يعقل ذاته لا من جهة ما 〈هو〉 عقل، ولكن من جهة

ما هو معقول، فإنّه إنّما يدرك ذاته من جهة أنّها أيضاً معقولة، كما يدرك كلّ واحدة من المعقولات، وليس يدرك ذاته من جهة أنّها عقل لأنّه قد عرض للعقل أن يكون أيضاً معقولاً، لأنّه لمّا كان كلّ واحد من الموجودات وإن يكن محسوساً فقد بقي أن يكون معقولاً. وذلك أنّه لو كان إنّما يعقل ذاته من جهة ما هو عقل، لم يكن ليعقل شيئاً من الأشياء سوى العقل. فإذن ذاته فقط كان يعقل. ولكن إذا كان يعقل المعقولات التي هي من قبل أن يعقل ليست تعقل فإنّه يعقل ذاته بهذا الوجه أيضاً؛ أعني من جهة أنّها أيضاً واحدة من المعقولات. فلذلك يكون هذا العقل يعقل ذاته بالعرض بترقيه من العقل الهيولانيّ. والعقل الأوّل أيضاً الذي بالفعل على هذا الشبه يعقل ذاته، ومن أجل هذا العلّة. ولكن ذلك العقل هو أزيد في هذا المعنى، لأنّه لا يعقل شيئاً آخر سوى ذاته لأنّه من جهة أنّه معقول يعقل ذاته، ومن جهة أنّه معقول بالفعل وبالطبيعة التي له، فمن البيّن أنّه يعقلها أبداً العقل الذي بالفعل. وإذا كان أبداً يعقل بالفعل كان أبداً هو وحده عقلاً وهو أبداً يعقل ذاته؛ وإنّما يعقلها وحدها، لأنّه إذ كان عقلاً بسيطاً فإنّما يعقل شيئاً بسيطاً، وليس شيء آخر معقولاً بسيطاً سوى هذه، لأنّه غير مختلط ولا هيولى، ولا في ذاته شيء بالقوّة، وإنّما يعقل إذاً ذاته فقط. فمن جهة إذاً ما هو عقل فإنّما يعقل ذاته من طريق أنّها معقولة، ومن جهة أنّه وحده بسيط بالفعل فإنّما يعقل ذاته وحده لأنّه إذ كان هو وحده بسيطاً صار إنّما يعقل شيئاً بسيطاً، وليس في المعقولات شيء بسيط غيره وحده.

وقد فهمت عن أرسطو في العقل المستفاد ما وقفت به على أنّ ما حرّكه إلى إدخال عقل مستفاد هو هذا. كان يقول إنّ القياس في العقل هو كالقياس في الحواسّ وفي جميع الأشياء المتكوّنة: فكما أنّ في جميع ما يتكوّن يوجد شيء منفعل، وشيء فاعل، وثالث منهما هو المتكوّن، وفي المحسوسات كمثل ذلك: فإنّ فيها

شيئاً منفعلاً وهو الحاسّة، وشيئاً فاعلاً وهو المحسوس، وشيئاً متكوّناً وهو الإدراك بالحاسّة للمحسوس — فكذلك في العقل أيضاً كان يتوهّم أنّه يجب أن يكون عقل فاعل يقدر أن يسوق العقل الهيولانيّ الذي بالقوّة إلى الفعل، وفعله هو أن تصير الموجودات كلّها معقولة، لأنّه كما أنّ هاهنا أشياء محسوسة بالفعل، كذلك ينبغي أن تكون هاهنا أشياء فاعلة بالفعل فاعلة للعقل، لأنّها هي معقولة بالفعل، لأنّه لا يمكن أن يكون شيء فاعل شيء آخر وليس هو ذلك الشيء. وليس في هذه الأشياء التي نعقلها كلّ شيء هو معقول بالفعل، لأنّ عقلنا إنّما يعقل المحسوسات وهي معقولة بالقوّة. وإنّما تصير هذه معقولة بالفعل لأنّ فعل العقل إنّما هو أن يفرد صور المحسوسات بالفعل بقوّته التي تخصّه، ويخلّصها من الأشياء التي معها تكون محسوسة حتّى ترى الصور على حيالها المحسوسات. فهذا هو فعل العقل الذي هو بالقوّة أوّل. فإن كان المتكوّن المسوّق من القوّة إلى الفعل، فينبغي أن يكون كونه عن شيء هو موجود بالفعل. فقد يجب أن يكون منهما عقل فعّال موجود بالفعل، يصيّر العقل الذي بالقوّة قويّاً على أن يعقل وذلك أن يعقل — وهذا العقل هو المستفاد من خارج.

فهذه هي الأشياء التي حرّكت أرسطو إلى أن يدخل العقل المستفاد. فواجب أن يكون هاهنا شيء ما معقولاً بالفعل، وهو في طبعه هكذا، كما أنّ هاهنا شيئاً محسوساً ليس إنّما صار محسوساً عن الحسّ، أعني أنّ هاهنا عقلاً وهو طبيعة ما، وجوهراً لا يعرف بشيء سوى العقل، لأنّه ليس بمحسوس، ولا الأشياء التي يعقل، وكلّها إنّما تصير معقولة عن عقلنا، كأنّه ليس فيها شيء بطبعه معقولاً، بل هاهنا شيء ما معقول بذاته لأنّه بطبعه هكذا.

والعقل أيضاً الذي بالقوّة إذا تمّ ونما عقل هذا، لأنّه كما أنّ قوّة المشي التي تكون للإنسان مع ولادته تصير إلى الفعل إذا أمعن به الزمان وكمل الشيء الذي به يكون المشي، كذلك العقل إذا استكمل عقل الأشياء التي هي بطبيعتها معقولة، وجعل الأشياء المحسوسة معقولة لأنّه فاعل، وذلك أنّ العقل ليس هو منفعلاً بطبيعته من قبل أنّه يكون شيئاً آخر ويقبل الأثر، بمنزلة الحسّ، ولكن حاله ضدّ حال الحسّ، لأنّ الحسّ هو انفعال وقبول الأثر وإدراكه قبول الأثر. فأمّا العقل فإنّه فاعل المعقولات، لأنّه إذ كان من شأنه أن يعقل أكثر الأشياء، فإنّه معاً يكون فاعلها كما يعقلها. غير أنّ للإنسان أن يتوهّم أنّ العقل يجب أن يقال فيه أيضاً إنّه منفعل، من جهة أنّه قابل للصور. فإنّ الآخذ قد يظنّ به أنّه انفعل. وهذا أمر وإن كان يشارك فيه العقل الحسّ، إلّا أنّ كلّ ما يرسم منهم ويحدّد فليس يرسم ويحدّد بالشيء المشترك بينه وبين غيره، بل بالخاصّة. فلذلك ليس ينبغي أن يرسم العقل بما يشارك به الحسّ، فلذلك يكون الشيء المشترك للعقل وللحسّ أخذ الصور وإن كان ليس ذلك فيهما على مثال واحد، والخاصّ للعقل أن يكون فاعلاً لهذه الصور التي يأخذها من بعد أن يعقلها. فالأولى أن يحدّ بهذا. فلذلك العقل هو فاعل لا منفعل. وأيضاً فإنّ الفعل فيه أقدم، وهو ذاتيّ له، لأنّه أوّلاً [ولا] يوجد فاعلاً للمعقولات ثمّ حينئذٍ يأخذها إثر تعقّلها ويحدّها بأنّها كذا، فإنّه وإن كان إفراده الأشياء شيئاً شيئاً وأخذه إيّاها يكونان معاً، فإنّ الأوّل ينفعل مقدّماً للآخر، فإنّ هذا هو أخذ الصورة. فكما أنّا نقول إنّ النار فاعلة في غاية القوّة لأنّها تفسد كلّ هيولى تقع فيها وتأكلها — وإن كانت من جهة أنّها تأكلها تنفعل، فكذلك فليظنّ بالعقل الذي فينا الفاعل، لأنّ الأشياء

التي ليس هي بالفعل معقولة هو يصيّرها معقولة، لأنّه ليس شيء آخر معقول إلّا أنّ العقل إمّا هو فيها فبالعقل وبذاته، وأمّا الأشياء التي يصيّرها العقل معقولة فإنّما تصير أيضاً معقولة بالعقل الذي بالفعل. ولذلك إذا لم يكن عقل، لم يكن شيء معقولاً، لأنّه ليس شيء بالطبع معقولاً إلّا هو وحده هكذا كما قلنا. ولا يكون الشيء الذي عنه يكون، لأنّه إذا لم يكن الشيء المعقول فإنّه لا يعقل شيئاً، لأنّ العقل الذي بالطبع المستفاد من خارج إنّما يكون معيناً للعقل الذي فينا، لأنّ سائر الأشياء التي بالقوّة ليس منها شيء يقوى على أن يعقل ما لم يكن شيء هو بالطبع معقول، والذي هو بطبيعته معقول إذا صار في الذي يعقل فإنّه يعقل، فهو عقل متكوّن في الذي يعقل مستفاد من خارج، لا مائت، وهو الذي يثبت الملكة في العقل الهيولانيّ حتّى يعقل المعقولات بالقوّة، لأنّ الضوء، وهو الفاعل للبصر الذي بالفعل، فإنّه هو يرى ومعه، وبسببه نرى الألوان. وكذلك العقل المستفاد يصير علّة لنا لأن نعقل، وإذا هو عقل فليس يحيل ذاته عقلاً إذ هو بطبيعته عقل، فيتمّمه ويسوّقه إلى خاصّيّاته. فالمعقول إذن بطبيعته هو العقل؛ فأمّا سائر الأشياء المعقولة فإنّما تكون بتلطّفه هذا وفعله هذا من غير انفعال منّا ويكون عن شيء، لأنّه قد كان عقلاً من قبل أن يعقل، ولكن بأن يستكمل به الهيولانيّ، وهو إذا استكمل عقل الأشياء المعقولة في طبيعتها والأشياء التي هي معقولة بفعله ولطفه، لأنّ خاصّة العقل أنّه فاعل وأن يفعل، لا أن ينفعل. ولمّا أراد أن يرى أنّ العقل لا مائت، وأن يتخلّص من المطاعن التي تلحقه قال بالعقل المستفاد، أعني ما يلزم في هذا القول من أن يكون العقل ينزل الأماكن وليس يمكن فيه إذ كان لا جسماً أن يكون في موضع، ولا أن
يتحوّل فيكون مرّة في موضع ومرّة في غيره، وكان إنّما قال هذا وشبهه في العقل على طريق الإشارة، قال إنّ العقل والهيولى تقال في كلّ جسم يقال إنّه ثابت كجوهر في جوهر، وإنّه بالفعل أبداً إذا كان فاعلاً أفعاله. فمتى يكون من هذا الجسم إذا امتزج امتزاجاً من جملة الخلط يصلح أن يكون آلة لهذا العقل الذي هو في هذا الخلط، إذ كان موجوداً في كلّ جسم. وهذه الآلة هي أيضاً جسم قيل فيها أيضاً عقل بالقوّة، وهو قوّة حادثة عن هذا الاختلاط الذي وقع للأجسام متهيّئة لقبول العقل الذي بالفعل. فإذا تشبّث بهذه الآلة فحينئذٍ يفعل كما يفعل بالآلة الصانع ذو الآلة، وعلى أنّه هيولى، وبهيولى ،وحينئذٍ يقدر على أن يعقل، لأنّ علقنا نحن مركّب من القوّة التي هي آلة العقل الآليّ الذي يسمّيه أرسطو: «العقل الذي بالقوّة» ومن فعل ذلك العقل. فإذا فقدنا واحداً منهما — أيّهما كان — فليس يمكن أن يعقل إلّا مع أوّل إلقاء المنى في الرحم يكون العقل الذي بالفعل إذا كان نافذاً أبداً في كلّ شيء وكان هو بالفعل. ولكن حينئذٍ إنّما يفعل كفعله في سائر الأجرام، أيّ جرم كان. وإذا هو فعل فعل بالقوّة التي لنا. فحينئذٍ هذا يقال له عقل لنا. وحينئذٍ نحن نعقل، لأنّه كما أنّا لو توهّمنا صانعاً مرّة يفعل بلا أداة بالصناعة، ومرّة بأداة فإنّه حينئذٍ يصير الفعل بالصناعة في الهيولى. وكذلك العقل الإلاهيّ هو ابداً فاعل، وهو بالفعل، ويصير هو فاعلاً لا بآلة إذا تولّدت آلة ما بهذه الصفة من خلط الأجسام ومن الفعل، لأنّه حينئذٍ يفعل فعلاً هيولانيّاً، وهو عقل لنا، وينحلّ بهذه الجهة ويفارق،

من قبل الوجه الذي يفارق، فإنّه ليس هو في موضع وهو يتحرّك إلى غيره؛ ولكن لأنّه في الكلّ فهو ثابت في الجرم المنحلّ أيضاً لفساد الآلة، كمثل الصانع إذا لقي أداته فإنّه حينئذٍ قد يفعل أيضاً، لكن ليس يفعل في هيولى بلا أداة. فلذلك ينبغي أن كان واجباً أن يظنّ أنّ هاهنا عقلاً — على رأي أرسطو — إلاهيّاً غير قابل للفساد. فهكذا ينبغي أن نظنّ به، لا على جهة أخرى.

والملكة أيضاً التي ذكرها في المقالة الثالثة في كتابه «في النفس» قال إنّه ينبغي أن يطابق بها هذه الأشياء، وإنّه ينبغي أن ينقل الملكة والضوء إلى هذا العقل الذي هو في الكلّ. وهذا العقل إمّا أن يكون هو وحده يدبّرها هاهنا بردّها إلى الأجرام الإلاهيّة، ويركّب ويحلّ، فيكون هو خالق العقل الهيولانيّ أيضاً؛ وإمّا أن يكون يفعل ذلك بمعاونة الحركة المنتظمة التي للأجرام السماويّة، لأنّها بها يكون مهيّأ لقربها وبعدها، ولا سيّما الشمس؛ وإمّا أن يكون ذلك به وبالعقل الذي هاهنا؛ وإمّا أن يكون بهذين وبحركة الأجسام السماويّة تكون الطبيعة، وتكون الطبيعة هي التي تدبّر الأشخاص مع العقل والنطق أيضاً أنّه يضادّ ذلك أنّ العقل، وهو الإلاهيّ، يوجد في الأشياء التي في غاية الخساسة، كما ظنّ قوم من أصحاب المظلّة، وأنّ بالجملة هاهنا عقلاً وغاية تتقدّم في المصالح لأنّ العناية التي هنا إنّما ترجع إلى الأجرام الإلاهيّة. ولهذا فإنّه ليس إلينا أن نعقل، ولا هو فعل لنا، ولكن مع تكوّننا يكون فينا بالطبع قوام العقل الذي بالقوّة الأولى إلّا أنّه لا يظهر إلّا بفعل العقل الذي من خارج، [وفعل العقل الذي من خارج

لا يظهر إلّا أنّه] وليس ما صار في شيء من جهة أنّه يعقل فقد بدّل مكاناً دون مكان، لأنّ صور المحسوسات إذا نحن أحسسناها فليس هي في الحواسّ على أنّها تصير مواضع لها. وإنّما يقال في العقل الذي من خارج إنّه مفارق؛ وهو يفارقنا لا على أنّه ينتقل أو يبدّل الأماكن، ولكنّه يبقى مفارقاً قائماً بنفسه بلا هيولى؛ ومفارقته إيّانا بأنّه لا يعقل ولا يكتسب، لأنّه كذلك كان لما صار فينا.

[تمّت المقالة بحمد اللّه، وصلّى اللّه على نبيّه وآله وسلّم]