Alexander of Aphrodisias: Fī nʿikās al-muqaddamāt (On the Conversion of Premises)

Work

Alexander of Aphrodisias, Fī nʿikās al-muqaddamāt
English: On the Conversion of Premises

Text information

Type: Translation (Arabic)
Translator: Abū ʿUṯmān al-Dimašqī
Translated from: n/a
Date: between 870 and 920

Source

ʿAbd al-Raḥmān Badawī. Šurūḥ ʿalā Arisṭū mafqūdah fī l-yūnānīyah wa-rasāʾil uḫrā. Buḥūṯ wa-dirāsāt maʿhad al-ādāb al-šarqīyah 1. Beirut (Dār al-mašriq) 1971, 55-80

Download

alexaphrod_inikas-transl-ar1.xml [77.96 KB]

مقالة الإسكندر الأفروديسيّ في انعكاس المقدّمات ترجمة أبي عثمان الدمشقيّ

قال الإسكندر:

إنّ الفيلسوف مضطرّ إلى علم القياسات، وخاصّة لأنّ القياس يشتمل على

البرهان الذي يستعمله الفيلسوف بمنزلة القانون والميزان في جميع ما يطلب من الفلسفة. هو مضطرّ إليه أيضاً بسبب سائر أجزائه لأنّه يستعملها فيما يجب أن تستعمل فيه.

والقياس مركّب من شكل ومادّة. فالشكل هو تركيب ما للمقدّمات التي منها يكون القياس؛ والمادّة هي المقدّمات أنفسها، والأشياء التي يستدلّ عليها منها. وفي كلّ واحد من الشكل والمادّة أصناف مختلفة. وينبغي أن نضرب عن القول في القياس والمقدّمات والوضعيّة في هذا الكتاب، لأنّ أرسطاطاليس لم يذكرها في كتاب «أنالوطيق الأوّل» ونصف أمر القياسات والمقدّمات البرهانيّة التي هي الحمليّة، والمحمولة وهي التي ذكرنا في هذا الكتاب. ومن المعلوم أنّا إنّما نسمّي قياساً برهانيّاً حمليّاً: القياس المركّب من مقدّمات برهانيّة حمليّة. والمقدّمة البرهانيّة الحمليّة هي كما يقول أرسطاطاليس قول موجب شيئاً لشيء، أو سالب شيئاً عن شيء. وينبغي أن يعلم بأنّ عادته قد جرت بأن يستعمل «محمول» ، بدل لفظة «موجب». وإذا تركّبت هذه المقدّمات بعضها من بعض بضرب من التركيب حدث القياس الحمليّ، بل حدث الازدواج والتأليف الحمليّ. والازدواج في المقدّمات هو الاقتران من مقدمّتين تشتركان في حدّ واحد، أو مقدّمتين مشتركتين في حدّ ما مشترك. واشتراك مقدّمتين في حدّ واحد على ثلاث جهات: وذلك أنّ الحدّ الذي يدعى «الأوسط» ، وهو الحدّ الذي تشترك فيه المقدّمتان المقترنتان، يأتلف مع الحدّين الآخرين، الذين يسمّيان الطرفين، على ثلاث جهات: إمّا بأن يوضع لأحدهما ويحمل على الآخر، وإمّا أن يحمل على كليهما، وإمّا أن يوضع لكليهما. فأصناف الازدواجات والأشكال التي بحسبها تكون أصناف القياسات في النوع وفي اشتراك المقدّمات يكون بحسب هذا الاشتراك الموصوف للحدّ الأوسط، لأنّ الشكل إنّما هو في كيفيّة الازدواج وصفته. فلمّا كان الاختلاف الموجود في الازدواجات التي بحسب مشاركة الحدّ الأوسط للطرفين على ثلاث جهات، صارت الأشكال ثلاثة، لأنّه لا يوجد للحدّ الأوسط الذي

فيه تشترك المقدّمتان وضع آخر غير الأوضاع الثلاثة التي وصفنا، ولا يوجد شكل آخر سوى الثلاثة الأشكال. وذلك أنّ الحدّ الذي يحدث عنه وجود الأشكال والازدواجات منه تحدث كمّيّتها واختلافها.

فأوّل الأشكال هو الذي يحمل فيه الحدّ الأوسط على أحد الطرفين ويوضع للآخر، وذلك أنّ الازدواجات التي يوضع فيها الحدّ المشترك للحدّ الأعظم ويحمل على الحدّ الأصغر هي ازدواجات الشكل الأوّل. — والشكل الثاني هو الذي 〈فيه〉 يحمل الحدّ الأوسط المشترك على الطرفين. — والثالث هو الذي يوضع فيه الحدّ بعينه للطرفين.

ولكلّ واحد من الأشكال عدّة ضروب. والضرب هو بمنرلة الشكل للنوع، وذلك أنّ الحدود لما كانت إذا أخذت في نظام واحد بعينه كان لها ذلك النظام بعينه، والمقدّمتان مرّة موجبتان، ومرّة سالبتان، ومرّة موجبة وسالبة، ومرّة سالبة وموجبة، ومرّة كلّيّتان، ومرّة جزئيّتان، ومرّة كلّيّة وجزئيّة، ومرّة جزئيّة وكلّيّة — وسمّي القول الدالّ على التركيب القريب لأمثال هذه المقدّمات في الشكل المشار إليه دون المادّة التي تدلّ عليها المقدّمات المركّبة «ضرباً». والنوع بعينه دالّ فقط على تركيب المقدّمات. والقياس هو ضرب مع المادّة التي يدلّ عليها المقدّمتان، ومع النتيجة إذا كان تأليف المقدّمتين في ضرب منتج، لأنّه ليس جميع الضروب منتجة.

وحدّ القياس أنّه قول إذا وضعت فيه أشياء، أكثر من واحد، لزم تلك الأشياء الموضوعة شيء آخر غيرها من الاضطرار.

وهذا مبلغ أصناف القياسات الحمليّة والأشكال من قبل النوع والشكل، وهي التي وصفها أرسطاطاليس في «أنالوطيق» ، لأنّ القياس الأوّل المطلق يتقدّم قياساً ما. وقد تحدث أصحاب القياس، من قبل المادّة التي بها يصير قياساً، على أربعة أنحاء: وذلك أنّ الإنسان إمّا أن يؤلّف قياساً من أشياء حقيقيّة موجودة بذاتها أسباباً للشيء الذي نريد البرهان عليه وأكثر معرفة منه — وهذا القياس

يقال له: «برهان». والفيلسوف يستعمل هذا الصنف من القياسات في استخراج وتمييز الأشياء المطلوبة في الفلسفة على ذلك القصد الأوّل، ولذلك صار هذا النوع من القياسات أشبه القياسات وأولاها بالفلسفة وبكلّ علم.

وقد يوجد صنف ثانٍ من القياس، وهو القياس الذي يؤلّف عن مقدّمات مشهورة يصدق بها جميع الناس أو أكثرهم أو الفلاسفة وحدهم: إمّا كلّهم، وإمّا أكثرهم، أو المشهور منهم. وهذا يسمّى «جدليّاً» ، ويسمّى المستعمل له بذلك أيضاً. وهذا القياس ينتفع به الفيلسوف في الرياضة والتدرّب، فإنّ الذين يستعملون فما يقصدون إليه الحيلة والصناعة هم أقوى حجّة في ذلك الشيء من غيرهم. — وهذا الصنف أيضاً من أصناف القياسات نافع في مناظرات عوامّ الناس وجمهورهم، لأنّ عوامّ الناس يسهل عليهم اتّباع المقدّمات المشهورة، ويتهيّأ لهم أن ينتفعوا بما يسلمونه منها للفلاسفة إذ ينساقون لهم بها إلى ما يريدون منهم، لا بل والقياس الجدليّ أيضاً، والمطالبة والبحث الجدليّ أيضاً. والمطالبة والبحث الجدليّ نافعة في البراهين، لأنّ الذين يمكنهم أن يدفعوا من ناقضهم المقدّمات المقنعة المشهورة، يسهل عليهم معرفة ما في هذه المقدّمات من الحقّ، إذ هم علموا الجهة التي بها ينفصل الشيء المقنع من الحقّ. — وقد ينفع أيضاً القياس الجدليّ في تقويم مبادئ الفلسفة، وذلك أنّه ليس يتهيّأ لأحد أن يتكلّم في المبادئ على طريق البرهان، إذ ليس يمكن أن يوجد لها برهان، وإلّا صار للمبادئ مبادئ. إذ لو كان البرهان إنّما يحدث عن مبدأ أوّل، فقد يمكن أن يصدق بالمبادئ ويثبت بالمقدّمات المشهورة.

وقد يوجد أيضاً نوع ثالث من أنواع القياسات يخالف القياسين، اللذين تقدّم وصفهما، بالمادّة، يقال له: «الممتحن» ، وهو الذي يمتحن به الإنسان بأن يستعمل مبادئ تخصّ علما ًمن العلوم، أو صناعة من الصناعات، فيضع مراراً للمناظر له الشيء المناقض للمقصود نحوه. وهذا الصنف من القياسات

ينتفع به الفيلسوف ليمتحن به الجدليّين فيعلم هل يقولون ما يقولونه على طريق العلم الصحيح؛ وإنّما يكون خطأ وأشياء تحتاج إلى صلاح. وهذا القياس يخالف القياس الجدليّ، فإنّ هذا يحدث عن مقدّمات تخصّ تلك الأشياء التي قصد نحو الكلام فيها، ويعتقّدها أصحاب ذلك الكلام، كالأمر في الأشياء التي توجد في الهندسة التي يقال لها «الصور الكاذبة».

وقد يوجد أيضاً صنف آخر من القياسات غير الأصناف التي وصفنا، وهو القياس السوفسطائيّ. وهذا القياس يحدث عن مقدّمات متعارفة مشهورة، إلّا أنّها كذلك في الظاهر، لا على الحقيقة، لأنّ السوفسطائيّ يستعمل هذه الأقاويل ليفسخ وينقض على من يناظره قوله، ويريد في الحقّ جهة الرياء. والمعرفة بهذا الصنف من أصناف القياسات ينفع الفيلسوف لا ليستعمله، لكن ليعرف الطريق التي يسلكها المغالطون في تركيب مغالطتهم فيتهيّأ له أن يناقضها ويحلّها ويقطع مادّة شرّهم، فإنّ الفيلسوف قد يستعمل جميع أصناف القياسات استعمالاً جيّداً للمنفعة. فهو بالواجب مضطرّ إلى صناعة القياسات كلّها. وأرسطوطاليس يصف في كتاب «أنالوطيق الأوّل» القياسات على طريق العموم، ومبلغ الأشكال التي فيها تكون القياسات وأيّما هي والفرق بينها؛ ويصف ازدواجات كلّ واحد من الأشكال المنتجة وغير المنتجة، وكم مبلغها، وأيّما هي، ويصف المقدّمات وانعكاسات المقدّمات، وخاصّة أصناف المقدّمات، واستخراج المقدّمات واختيارها، وتحليل القياسات ويبيّن البيان بالدور ما هو، وما هي المصادرة على الأمر الأوّل، وكيف يكون انعكاس القياسات. وبيّن أيضاً أنّه قد يمكن أن يحدث عن مقدّمات كاذبة نتيجة صادقة، ولا يمكن أن يحدث عن مقدّمات 〈صادقة〉 نتيجة كاذبة. وبالجملة يصف جميع الأشياء التي تلزم صناعة القياس لزوماً عامّيّاً.

فأمّا سائر الأشياء الأخر التي يذكرها في هذا الكتاب فقد وصفناها في تفسيرنا.

له. فينبغي الآن أن نصف أوّلاً أمر انعكاس المقدّمات التي قال إنّها تنعكس، وكيف تنعكس؛ ونصف الأشياء التي يظنّ بها أنّها شكوك فيها. ثمّ نصف بعد ذلك أسباب الازدوجات غير المنتجة التي في كلّ واحد من الأشكال التي من أجلها عرض لهذه الازدواجات أن تكون منتجة.

فأمّا أرسطاطاليس فإنّه يكتفي، في كشف أمر هذه الازدواجات، بوضع المادّة فقط. ولأنّ القياسات التي في الشكل الثاني والشكل الثالث غير تامّة، وأنّها إنّما تتمّ وتتبيّن كلّها، خلا اثنين منها، بانعكاس المقدّمات؛ وكذلك القياسات الخمسة التي تزاد على الأربعة الأول التي لا تحتاج إلى برهان الشيء قد أكثر ثاوفرسطس من ذكرها — يحتاج إلى انعكاس المقدّمات والتنائج. فإذن ينبغي أن نتكلّم، في المقدّمات التي قال أرسطوطاليس إنّها تنعكس، كلاماً مختصراً، ونبيّن كيف قال إنّها تنكعس، وكيف يصحّ قوله الذي قال في القياسات، وهو الذي يذكره في المقالة الثانية من «أنالوطيق الأوّل» ، حيث بيّن الوجه الذي به يكون القول المنعكس على القول القياسيّ هو أيضاً قياس.

وانعكاس المقدّمات يحدث بالتناقض، وهو: إذا أخذ نقيض النتيجة وأضيفت إليه واحدة من المقدّمتين الأوليين. وذلك أنّ هاتين المقدّمتين إذا وضعتا ينتج منهما على طريق القياس نقيض المقدّمة الأخرى من المقدّمتين الأوليين. وهذا المعنى يسمّيه الحدث: «أصلاً أوّليّاً». فأمّا المنتحلون لآراء القدماء فمن عادتهم أن يسمّوه «المعنى المبطل» ، من قبل أنّها بهذا الانعكاس يبطل دائماً واحدة من المقدّمتين الموضوعتين في القياس الذي قبله. ولكن ليس هذا موضع الكلام في عكس المقدّمات، وليس في جميع انعكاس المقدّمات، لأنّه قد يوجد للمقدّمات الحمليّة والمقدّمات الوضعيّة انعكاس مناقض. أمّا في المقدّمة الحمليّة فإنّا إذا جعلنا نقيض ما كان محمولاً: موضوعاً، وحملنا عليه ما كان موضوعاً — مثال ذلك أنّ المقدّمة الحمليّة القائلة: «كلّ إنسان حيّ» ، ينعكس عليها على الجهة التي

قلنا المقدّمة القائلة: «ما ليس بحيّ ليس هو إنسان» ؛ والقائلة: «ليس شيء ممّا ليس بحيّ إنساناً». وذلك أنّ هذه المقدّمات تصدق إذا أخذت على هذه الجهة، لأنّه يقال بالجملة في المقدّمات التي تصدق عند تبديل الحدود أنّها تنعكس. فأمّا في المقدّمات الوضعيّة فإنّ الانعكاس يحدث من أخذنا نقيض التالي فجعلناه كالمقدّم، وألّفنا جميعه تالياً في نقيض الذي كان مقدّماً — مثال ذلك أنّ المقدّمة القائلة: «إن كان النهار موجوداً فإنّ الضوء موجود» — تنعكس، على الجهة التي صفنا، على المقدّمة القائلة: «إن لم يكن الضوء موجوداً فالنهار غير موجود». ولكن القول الذي قصدنا له في هذا الموضع ليس هو فيما يجري في انعكاس المقدّمات هذا المجرى، لكن في الانعكاس الذي يكون عن الحدود إذا حفظت المقدّمة كيفيّتها من غير أن يكون ذلك مع تناقص: فإن كانت المقدّمة موجبة، عكسناها موجبة؛ وإن كانت سالبة، عكسناها سالبة. وهذا الانعكاس إنّما يكون في المقدّمات الحمليّة. وذلك أنّا متى عكسنا الحدود عكساً يكون به الحدّ الذي كان محمولاً موضوعاً، والحدّ الذي كان موضوعاً محمولاً، فصدقت المقدّمة الأولى مع الثانية، قيل عن نظائرها في المقدّمات إنّ بعضها ينعكس على حسب الجهة التي وصفناها الآن؛ وذلك أنّ قلب الحدود المطلقة في المقدّمات من غير أن تصدق المقدّمات ليس هذا انعكاسها. ولذلك ما كانت المقدّمات كلّها تنقلب الموجودة منها والضروريّة والممكنة والموجبة والسالبة والكلّيّة من هذه والجزئيّة والمحصّلة وغير المحصّلة. وكلّ واحدة من هذه على جهات مختلفة، لأنّه قد يمكننا أن نقلب الحدود في مقدّمة واحدة بعينها على أنّها كلّيّة، وعلى أنّها جزئيّة وعلى أنّها غير محصّلة. وليس جميع المقدّمات تنعكس، ولا على أيّ جهة أخذت انعكست، من قبل أنّه ليس جميع المقدّمات التي تنقلب حدودها يصدق بعضها مع بعض. وإنّما ينبغي أن نطلب الانعكاس فيما كان من المقدّمات يجري هذا المجرى. وهذا الانعكاس من انعكاس المقدّمات نافع في رفع القياسات غير التامّة إلى القياسات الكاملة التي لا تحتاج إلى برهان.

وقصدنا في هذا الموضع الكلام في هذا الانعكاس، وذلك أنّ جهة الانعكاس

التي يقول أرسطاطاليس إنّ المقدّمة الممكنة الموجبة سالبة منها والسالبة ينعكس بعضها على بعض على جهة غير هذه. وأيضاً فإنّ هذا الانعكاس من انعكاس المقدّمات إنّما هو في نقل الحدود. وبالجملة فمن المقدّمات الحمليّة ما ينعكس ومنها ما لا ينعكس. والمقدّمات الحمليّة التي تنعكس: منها ما تنعكس على نفسها، ومنها ما ينعكس بعضها على بعض. والمقدّمات التي تنعكس على نفسها هي التي تبقى فيها الكمّيّة والكيفيّة على حالها عند انقلاب الحدود وتصدق معاً، وهي المقدّمات السالبة الكلّيّة: الموجهة منها والضروريّة. والموجبة منها الجزئيّة تنعكس في الجهات الثلاث. والمقدّمات التي ينعكس بعضها على بعض هي التي تتغيّر فيها، عند انقلاب، الحدود الكمّيّة، وتبقى الكيفيّة على حالها، ويصدق بعضها مع بعض، وهي المقدّمات الموجبة الكلّيّة الموجودة منها والضروريّة، لأنّ في هذه المقدّمات إذا انقلبت الحدود لم تصدق الموجبات الكلّيّة معاً، وإنّما تصدق الجزئيّة. فأمّا المقدّمات التي لا يوجد فيها الصدق عند انقلاب الحدود فليس تنعكس رأساً، لكن ربّما صدقت وربّما كذبت، من قبل خاصّيّة المادّة وكيفيّتها. وهذه هي المقدّمات السالبة والجزئيّة الموجودة منها والضروريّة، وذلك في المقدّمات التي تنعكس، هي التي تصدق من قبل أنّها بهذه الحال من الكيفيّة والشكل، لا من قبل أنّها في هذه المادّة وفي هذه، لأنّ المقدّمات التي تنتقل بانتقال المادّة ليست تنعكس، وإن صدقت مراراً كثيرة، في بعض الموادّ، وذلك أنّ الانعكاس للمقدّمات إنّما هو من قبل الشكل والصورة كالحال في تنتيج القياسات، لا من قبل المادّة. ولذلك وجب أن تكون حاله في جميع الموادّ حالاً واحدة، وذلك أنّه قد يكتفي في فسخ جميع أمثال هذه المقدّمات أن يبيّن في معنى واحد أو مادّة واحدة أنّها ليست كذلك. ولذلك يجعل بيانها بالحروف، ولا يجعله في مادّة من الموادّ ليميّز الأمر الكلّيّ فيها ولا يظنّ بالشيء الذي يلزمها أنّه من قبل المادّة. ولذلك أنّ الشكل إذا فرض في المسألة لم ينتقل معها، لكنّها تصوّر جميع الموادّ وتشكّلها على مثال واحدة.

وجعل أرسطوطاليس كلامه أوّلاً في المقدّمات الوجوديّة وفي انعكاساتها، لأنّه

في أمثال هذه القياسات يتكلّم أوّلاً من قبل أنّ حال القياس الموجود على الإطلاق عند القياسات الضروريّة والقياسات الممكنة كحال المادّة، وذلك أنّ الموجود كأنّه طبيعة متوسّطة فيما بين الضروريّ والممكن؛ وذلك أنّ الممكن إذا أخذ على أنّه موجود، لا على أنّه مستأنف، كانت المقدّمة مقدّمة موجود لها الوجود من الممكن الضروريّ؛ وأمّا أن لا تكون دائمة الوجود ولا غير مفارقة من الممكن، ولذلك ليس يمكننا أن نأخذ مقدّمة وجوديّة كلّيّة موجبة على الحقيقة إلّا في اللفظ فقط وعلى طريق الوضع. وذلك أنّ كلّ مقدّمة وجوديّة موجبة كلّيّة فهي ضروريّة إن أخذت على الحقيقة. ولكن هذا شيء ينبغي أن يطلب من غير هذا الكتاب.

فبيّن 〈أنّ〉 أرسطوطاليس قال: إنّ المقدّمة الكلّيّة السالبة والجزئيّة الموجبة الموجودتين تنعكسان على أنفسهما، فالمقدّمة السالبة الكلّيّة تنعكس سالبة، والموجبة الجزئيّة تنعكس موجبة جزئيّة، وكلّ واحدة من هاتين تقابل الأخرى على طريق التناقض، وذلك أنّ السالبة الكلّيّة تناقض الموجبة الجزئيّة. فكلّ واحدة منها تنعكس على نفسها. والمقدّمتان الباقيتان تتقابلان أيضاً على طريق التناقض، وهما الموجبة الكلّيّة والسالبة الجزئيّة. وليست تنعكس واحدة منهما على نفسها؛ وذلك أنّه ليست تنعكس الموجبة الكلّيّة موجبة كلّيّة، ولا تنعكس السالبة الجزئيّة سالبة جزئيّة. والخلاف بينهما أنّ الموجبة الكلّيّة، وإن كانت لا تنعكس موجبة كلّيّة، فإنّ لها مقدّمة أخرى تنعكس أليها، وهي الموجبة الجزئيّة. وذلك أنّ الكلّيّة إذا كانت صادقة فمن الاضطرار تصدق الموجبة الجزئيّة إذا قبلت إلى الجزئيّة. فأمّا السالبة الجزئيّة فليست تنعكس إلى شيء من المقدّمات. وأرسطوطاليس في تبيينه أنّ المقدّمة الوجوديّة السالبة تنعكس على نفسها يستعمل افتراضاً محسوساً، وذلك أنّه يأخذ أنّ «آ ولا على شيء من ب تحمل» ، ويقول إنّ «ب ولا على شيء من آ أيضاً تحمل». فإن لم يكن الأمر على هذا، فهو على نقيضه. فقد بيّن في الكتاب المسمّى «باريرمنياس» في الموضع الذي وصف فيه أمر تناقض المقدّمات أنّه في كلّ شيء يصير من أحد جزئي النقيض، وذلك أنّه قد يقال على طريق

التناقض قولنا: «لا يوجد شيء» 〈و〉قولنا: «يوجد لواحد». فقد يوجد ب لواحد من آ. وإذا كان يوجد لشيء قولنا «يوجد لواحد» فقد يوجد ب لواحد من آ. وإذا كان يوجد لواحد منه فليفرض من آ ذلك الذي يوجد له ب — وليكن حـ؛ فيصير حـ في آ لأنّه جزء له إذ هو شيء منه؛ ويصدق ب أيضاً لأنّا قد وضعنا أنّ ب موجود به فيصير حـ واحداً بعينه لكليها. وإذ هذا هكذا فليس آ بمباين لـ ب، إذ قد يشركه في حـ الذي هو جزء له. ولكن قد وضعنا أنّه مباين له، لأنّه لو لم يكن موجوداً لشيء من ب فهذه السالبة الكلّيّة تنعكس على نفسها. — فهذا البيان الذي استعمله، ولم يستعمل في البيان عليها — كما ظنّ قوم — الموجبة الجزئيّة إذ انعكاسها معروف متّفق عليها. وإنّما ظنّوا ذلك لعلّة فهمهم لما قاله فيها أرسطاطاليس لشدّة اختصاره، ولذلك عذلوه على أن استعمل البيان الذي يقال له باليونانيّة هبوتاسيوس وذلك أنّه يقول إنّ البيان الذي يستعمل في هذا الموضع زعموا أنّه استعمل الموجبة الجزئيّة، وأنّه بعد قليل يبيّن أن هذه المقدّمة، أعني الموجبة الجزئيّة، تنعكس. فيستعمل في البيان عليها انعكاس السالبة الكلّيّة. فالبيان الذي يجري هذا المجرى فاسد كما يقول أرسطوطاليس. وذلك أنّه يقول إنّ البيان الذي يستعمل فيه كلّ واحد من الاثنين في البيان على الآخر لا يبيّن عن شيء أصلاً، لأنّه قد بيّن في الإنسان أنّه ناطق من جهة أنّه ضحّاك. ولكن أرسطوطاليس لم يستعمل هذا البيان، لا في انعكاس السالبة الكلّيّة ولا الموجبة الجزئيّة، وذلك أنّه لم يقل إنّ ب توجد لشيء من آ لأنّ آ توجد لشيء من ب؛ ولكنّه بيّن آ ليس هو بمباين لـ ب إن كانت موجودة لشيء من آ. وإنّما بيّن هذا وأظهره بالافتراض وبأنّه جعل الشيء من آ يوجد لـ ب. وليس يمكن أن يبيّن بهذا البيان بعينه أنّ الموجبة الجزئيّة تنعكس على نفسها كما تنعكس المقدّمة الموجبة الكلّيّة إلى الجزئيّة. فقد ينبغي أن نرى أنّه ليس يستعمل

انعكاس الموجبة الجزئيّة من انعكاس السالبة الكلّيّة. على أنّ أصحاب أرسطوطاليس، أعني ثاوفرسطس وأوذيمس، قد قالا في هذا الانعكاس قولاً أبسط من هذا. وذلك أنّهما قالا إنّ آ إن كانت لا تحمل على شيء من ب فهي مفارقة لها ومباينة لها. والمباين مباين لمباينه. فالباء مباينة للألف. وإذ هي مفارقة لها فليس هي على شيء منها.

وقد يمكن أن يبيّن انعكاس الكلّيّة السالبة بالصرف إلى الامتناع: إنّ آ إن كانت لا توجد لشيء من ب، وكانت ب توجد لشيء من آ، اجتمع من ذلك في الضرب الرابع من الشكل الأوّل أنّ: بعض آ لا يوجد. وإذ هذا ممتنع فنقيضه واجب، وهو أنّ ب لا توجد لشيء من آ. ولكن ليس هذا موضع هذا البيان. فعلى هذه الجهة بيّن أنّ السالبة الكلّيّة الموجودة تنعكس سالبة كلّيّة، وبيّن أنّ الموجبة الكلّيّة تنعكس موجبة جزئيّة، والموجبة الجزئيّة تنعكس على نفسها؛ واستعمل في ذلك انعكاس السالبة الكلّيّة التي قدّم بيانها. وذلك أنّا إذا وضعنا أنّ آ موجودة لكلّ ب أو لبعضها، فإنّ ب إن لم تكن موجودة لشيء من آ فإنّ ب لا توجد لشيء من آ. فهذه هي سالبة كلّيّة. والسالبة الكلّيّة تنعكس على نفسها. فيجب من ذلك أن يكون آ يوجد لشيء من ب. لكنّا قد وضعنا أنّها موجودة كلّها في الموجبة الكلّيّة. ووضعنا أنّها موجودة لبعضها في المقدّمة الجزئيّة. وأمّا السالبة الجزئيّة فبيّن أنّها لا تنعكس لوضعه المادّة، وذلك أنّه قد يكتفي في فسخ الشيء الكلّيّ بأنّ الأمر لا يجري على ما قيل عليه في شيء منه. فأمّا في تصحيح الأمر الكلّيّ فليس يكتفي بوضع المادّة. فلذلك يحتاج في هذا البيان إلى برهان. فإنّه ليس يتهيّأ لأحد أن يصف جميع المادّة التي يريد أن يبيّن بها الشيء الكلّيّ. ولذلك لم يكن القياس الذي يستوفي النظائر قياساً ضروريّاً. وأمّا في جميع الأمر الكلّيّ فقد يكتفي بتبيين شيء واحد أنّه ليس يجوز فيه ما يحكم به على الكلّيّ. فلذلك يتبيّن في المقدّمات التي لا تنعكس أنّها كذلك بهذا الطريق. وعلى هذا المثال تتبيّن الاقترانات التي لا يبيّن أنّها غير منتجة. فأخذ أرسطوطاليس

مقدّمة صادقة سالبة جزئيّة، وهي أنّ الإنسان لا يوجد لبعض الحيّ، والمقدّمة القائلة إنّ الحيّ لا يوجد لإنسان واحد لا يعكس عليها ولا المقدّمة القائلة إنّ الحيّ لشيء من الإنسان لا يوجد. وذلك أنّا في هذه المقدّمة إذا وضعنا أنّ النقيض ممتنع لم يلزم من هذا محال كما كان يلزم في المقدّمات التي تنعكس. فإنّا إذا وضعنا أنّ آ لشيء من ب لا يوجد، وأردنا أن نبيّن أنّ ب لشيء من آ لا يوجد، فأخذنا نقيضها وهو أنّ ب موجود لكلّ آ، لم يلزم محال، لأنّه قد يمكن إذا كانت ب موجودة لكلّ آ أن يكون آ موجوداً لشيء من ب، وأن لا تكون موجودة لشيء منها. وقد أنزلنا في أوّل الأمر أنّها غير موجودة لبعضها. — وأيضاً فليست تنعكس السالبة الجزئيّة على الموجبة الكلّيّة، كما يظنّ بها في هذه المادّة، وذلك أنّها إذا أخذت في مادّة أخرى ظهر عوارها. فلنضع مقدّمة سالبة جزئيّة صادقة وهي أنّ «الإنسان لبعض الأسود لا يوجد» — فليست المقدّمة القائلة إنّ «الأسود موجود لكلّ إنسان» صادقة. ولا تنعكس أيضاً على المقدّمة الجزئيّة الموجبة. وذلك أنّ قولنا إنّ «الإنسان غير موجود لبعض ذي الأربع» : مقدّمة صادقة؛ وإن لم تكن كذلك بذاتها؛ والمقدّمة القائلة «ذو الأربع يوجد لبعض الناس» ليست بصادقة. فليست تنعكس السالبة الجزئيّة على شيء من المقدّمات، لأنّ الأمر في أنّها لا تنعكس على السالبة الكلّيّة قد بيّنّاه أيضاً في المثال الأوّل والثاني. ولا بأس إذ كانت هذه الأشياء قد تثبت بأنّ ردّ على أبوليدوس فإنّه تقوّل أرسطاطاليس على جهة أنّ المقدّمة الجزئيّة السالبة لا تنعكس على واحدة من المقدّمات إذ كانت مرّة تنعكس سالبة جزئيّة، ومرّة موجبة كلّيّة. وذلك أنّ قولنا: «بعض الحيّ ليس يوجد أبيض» — قد ينعكس مقدّمة جزئيّة سالبة وهي قولنا: «بعض البيض ليس يوجد حيّاً». وقولنا: «بعض الحيّ ليس يوجد إنساناً» — ينعكس أيضاً موجبة كلّيّة وهي قولنا: «كلّ إنسان يوجد حيّاً». ولذلك زعم أنّها إمّا أن تنعكس موجبة كلّيّة، وإمّا سالبة جزئيّة.

ونحن نردّ عليه ونقول: إنّ على هذه الجهة تصير ازدواجات غير منتجة، لأنّها تنتج مرّة: «كلّ» ، ومرّة: «لا واحد». ومن البيّن أنّ نتيجتها إمّا سالبة كلّيّة، وإمّا موجبة كلّيّة، وأنّ هذه غير منتجة من قبل أنّها تنتج الأضداد ولا تنتج شيئاً واحداً بعينه في جميع الموادّ. فليست السالبة الجزئيّة إذاً تنعكس، من قبل أنّ المقدّمة التي يظنّ بها أنّها تنعكس عليها تختلف عند تبدّل الحدود والمادّة، وتصير المقدّمتان متناقضتين. فإنّا كما نرى أنّ ما ينتقل مع تغيّر المادّة ولا يصوّر ويشكّل كلّ مادّة على مثال واحد — ازدواج غير منتج، كذلك نقول إنّ المقدّمة التي تتبدّل في الانعكاس لا تنعكس على الحقيقة، وذلك أنّ بالجملة كلّ نوع من أنواع الأقاويل والأشكال ينتقل بنقلة المادّة ولا يشكّل ويصور كلّ مادّة بصورة واحدة فليس هو منتجاً. ولأنّها لو كانت تنعكس على مقدّمات كثيرة معاً، وكانت تنعكس عليها بأعيانها فإنّما كان ذلك يكون لها من قبل الشكل، كالحال في السالبة الكلّيّة، فإنّه قد يتهيّأ أن يقال إنّ المقدّمة الكلّيّة السالبة والجزئيّة السالبة قد تنعكسان عليها لأنّهما جميعاً ينعكسان عليها، لا يمكن أن تصدقا معاً، إذ كانتا متناقضتين، بل تختلفان بحسب اختلاف المادّة، صارت هذه المقدّمة لا تنعكس أصلاً. — والأمر في أنّها لا تنعكس على واحدة منهما بيّن بأنّ كلّ واحد منها تبطل الأخرى. وقد يلزم من يرى هذا الرأي أن يبطل كثيراً من الأشياء المتّفق عليها الموضوعة وضعاً، لأنّه قد تصير، على الحال التي قلنا، ازدواجات غير منتجة، وذلك أنّ أحد الازدواجات غير المنتجة هو الازدواج الموجود في جميع الأشكال من مقدّمتين جزئيّتين قد يصير منتجاً إذا انعكست السالبة الجزئيّة موجبة كلّيّة، وذلك في الشكل الثاني، إن نحن جعلنا المقدّمة العظمى جزئيّة سالبة، والصغرى جزئيّة موجبة، وعكسنا السالبة الجزئيّة إلى الموجبة الكلّيّة، حدث اقتران من اقترانات الشكل الأوّل، وهو الذي من موجبة كلّيّة عظمى، وموجبة جزئيّة صغرى، ونتجية جزئيّة موجبة. والحال في الازدواج الذي وضعنا هو الحال أيضاً متى كانت العظمى سالبة جزئيّة، والصغرى

موجبة كلّيّة؛ فإنّ هذا الازدواج، وإن كان غير منتج، فإنّ الجزئيّة السالبة إن انعكست موجبة كلّيّة حدث في الشكل الأوّل كلّيّتان موجبتان؛ ومن البيّن أنّ نتيجتها كلّيّة موجبة. ومع هذا فإنّ من أنكر أن تحدث نتيجة موجبة جهل هذا المعنى أيضاً، وهو أن ليس جميع المقدّمات التي تصدق بعضها مع بعض في تبديل الحدود وتنعكس، لأنّه ليس وإن كانت المقدّمات المنعكسة يصدق بعضها مع بعض، فالتي يصدق بعضها مع بعض تنعكس. وذلك أنّه ينبغي أن تكون المقدّمات التي تنعكس على هذه الجهة قد تحفظ الكيفيّة. فالموجبة تنعكس موجبة في الانعكاسات التي تصدق مع تبديل الحدود وتحفظ كيفيّتها بعينها لأنّها يجب أن تكون بغير تناقض، والسالبة تنعكس سالبة. ومن ذلك المقدّمة الموجبة الكلّيّة: فإنّ حدودها إذا انعكست، فإنّ المقدّمة الموجبة الكلّيّة لا محالة إن كانت صادقة فإنّ الجزئيّة السالبة كاذبة، لأنّ هذا من شأن التناقض، وذلك أنّ قولنا: «كلّ إنسان يوجد حيّاً» — مقدّمة موجبة كلّيّة صادقة، فإنّ الجزئيّة السالبة كاذبة لأنّ هذا من شأن التناقض. وذلك أنّ قولنا: «كلّ إنسان يوجد حيّاً» — مقدّمة موجبة كلّيّة صادقة، وقد تصدق معها القائلة: «ليس كلّ حيوان يوجد إنساناً». ولكن ليس لهذا السبب يقال إنّ السالبة الجزئيّة تنعكس أيضاً في بعض الأوقات؛ لكن التي تنعكس عليها الموجبة الجزئيّة وحدها. وقد جهل أبولدوس أيضاً أنّ المقدّمة المنعكسة على الجزئيّة التي وضعنا ينبغي أن تكون موجبة، ولأنّه ينبغي أن يصدف معها ويجب عليه أن يعطي العلّة في قوله إنّ السالبة الجزئيّة تنعكس على السالبة الجزئيّة، والموجبة الكلّيّة، ولا تنعكس على السالبة الكلّيّة والموجبة الجزئيّة، وهما يصدقان معاً، لأنّ قولنا: «إنسان واحد ليس فرساً» قد يصدق معها المقدّمة التي تقول: «ولا واحد من الأفراس إنسان» ، وهي مقدّمة سالبة كلّيّة. وقولنا: «حيّ واحد لا يوجد أبيض» قد تصدق معها المقدّمة القائلة، «أبيض واحد يوجد حيّاً» وهي مقدّمة جزئيّة موجبة. على أنّه لا يوجد برهان على أنّ السالبة الجزئيّة لا تنعكس
أظهر في تناقضها أنّها تصدق في بعض المواضع وفي جميع المقدّمات إذا عكست عليها. فإن دفع أحد أن تكون هذه المقدّمة السالبة الجزئيّة صادقة، وهي قولنا: «إنسان واحد ليس يوجد فرساً» — من قبل أنّها ليست صادقة بذاتها، لكن من قبل أنّ السالبة الكلّيّة صادقة، وهي قولنا: «ولا واحد من الناس يوجد فرساً» — وهي التي تنعكس على أنّ آ يوجد لجميع ب — لم يسلم لنا أحد أن ننتج أنّ «ب لا يوجد شيئاً من حـ» من قبل أنّ آ ب لا يمكن أن تنعكس الانعكاس الذي به يتبيّن هذا الشيء الذي قصدنا تبيينه، ولا يكون أيضاً واحد من القياسات التي ترتقي بانعكاس هذه المقدّمات إلى القياسات التي في الشكل الأوّل قياساً، إذ كان إنّما يرى أن تجري هذه القياسات قياسات بذلك وأنّه لا يكون فيما بين هذه القياسات وقياسات الشكل الأوّل اشتراط متى بطل انعكاس هذه المقدّمة. وأيضاً فإنّ انعكاس المقدّمات الأخر إنّما يبيّن بانعكاس هذه: فمتى لم تنعكس هذه المقدّمة لم تنعكس تلك المقدّمات. فلذلك ينبغي لنا أن نستقصي هذه الأشياء التي وقع فيها، فنقول: إنّما تنعكس المقدّمة الأولى، وهي القائلة إنّه «لا واحد من الدنان في الشراب» وما أشبهها من المقدّمات بأن نأخذ مع قولنا الشراب جزء صرف على أنّهما جزآن بحدّ واحد؛ والمقدّمة القائلة «ولا واحد من الدنان شراب» ليست هي القائلة: «ولا واحد من الدنان شراب» وذلك أنّ تلك بيّنة الانعكاس على قولنا: «ولا شيء من الشراب دنّ». فإذا أضفنا إليها حرف «في» ظنّ بها أنّها لا تنعكس، لأنّ الذي ينعكس بها بحرف من الحدّ الذي هو جزء منه لأنّه يضاف إلى الشراب ويزيدونه على الدن. والذي يجب أن يضاف إلى هذه... التي تزاد وتحمل من خارج في المقدّمات. وليس الأمر في هذا يجري هذا المجرى، لأن تزاد وتحمل من خارج وليست أجزاء من المحمولات منعت أن يضاف أبداً إلى المحمولات، فأمّا... التي ليست بأجزاء إلّا للحدود فبيّن
أنّه يجوز في المقدّمات ترتّبها مع الحدود التي هي لها أجزاء أو كان... أن تبدّل الحدود بأسرها. فحرف «في» و «الشراب» لأنّهما جزآن لحدّ واحد في المقدّمة القائلة: «ولا واحد من الدنان في الشراب». فلينقل المحمول في الانعكاس؛ ويصير جميع قولنا «فى الشراب» حدّاً موضوعاً، فيكون انعكاس هذه المقدّمة: «ليس شيء ممّا في الشراب دنّاً» ، وذلك أنّه كما أنّ حرف «في» يضاف إلى الحدّ المحمول على أنّه جزء من المقدّمة القائلة: «ولا جوهر واحد في موضوع» حتّى يكون انعكاسها قولنا: «ولا واحد ممّا في موضوع جوهر» — فكذلك الأمر في المقدّمة القائلة إنّه «لا واحد من الدنان في شراب» ، لأنّ قول القائل إنّه «ولا واحد من الدنان في شراب» هو كقول القائل: «ولا واحد من الدنان في إناء هو شراب» ، وكقوله: «ولا واحد من الدنان إناؤه شراب». وانعكاس ما بين المقدّمتين قولنا: «ولا واحد منهما في إناء هو شراب دنّ» ؛ وقولنا ليس يبيّن ممّا إناؤه شراب، وذلك قولنا إناؤه، هو جزء من المحمول يصير في الانعكاس موضوعاً. وعلى هذا القياس يجري الأمر في سائر المقدّمات الشبيهة بهذه، مثل قولنا: «ليس واحد ممّا في كيفيّته جوهر» «ولا واحد ممّا في نحو نفس». وقد رأى قوم أنّ المقدّمة القائلة: «ولا واحد من الدنان في شراب» ليست بصادقة لأنّ قولنا إنّ «ولا واحد من الدنان في شراب» و «إنّ الشراب لا يحوي الدنان» كذب. وبالجملة قولنا إنّ «لا واحد من الأواني تحويه رطوبة هو إناء لها» ، فإنّ كثيراً من الأواني قد يحوي رطوبات وتحويها هي رطوبات أخر، من قبل أنّه قد يحكم فيها أن يجري فرع هؤلاء أنّ هذه المقدّمة إذ هي كاذبة فليس يمكن أن نلتمس عكسها، وذلك أنّه إن كانت إنّما هي صادقة على طريق الوضع، فإن قال قائل إنّ قولنا: «ولا واحد من الدنان في الشراب الذي تحويه» مقدّمة صادقة، وأنّ المقدّمة التي ينعكس عليها وهي قولنا: «ولا شيء من الشراب في الدنّ الذي يحويه الشراب» أيضاً صادقة لأنّه ليس يمكن الشراب الذي يحوي دنان الشراب ألّا يكون في ذلك الدنّ الذي يحويه. ولكن إن جاز أن يقال هذا في هذه المقدّمات فإنّه في غيرها ممّا أشبهها لا يجوز أن يقال، كالحال في قولنا

«ولا واحد من الجواهر في كيفيّة» أي موضوع — فإن كان هذا هكذا فما السبب في أنّ هذه المقدّمات تنعكس بوضعنا حرف «في» مع المحمول، إذ هو جزء منه، ولا تنعكس على هذا المثال المقدّمة القائلة: «ولا واحد من الناس في فرس» ، والمقدّمة القائلة: «ولا واحد من الخشب في حجر» ؟ فنقول في ذلك إنّه خليق أن يكون كلّ واحد من هذه الموصوفة مشكوكاً فيها ويحتاج إلى قسمة. وذلك أنّ كلّ واحدة من هذه الموصوفة مشكوكة المقدّمتين التي تقول إنّ «الدنّ في شراب» ، والتي تقول: «إنّ حرف «في» يدلّ منها على معنى» ، وذلك أنّه قد يقال في النفس التي فيها علم «إنّها في العلم» ، ويقال في الذي فيه شراب إنّه في شراب، كما يقال للذي له غنى إنّه في غنى، وللذي له نعمة إنّه في نعمة. وبالجملة جميع ما يقال له شيء يقال إنّه كان في ذلك الشيء للذى هو له. وقد تدلّ أيضاً هذه المقدّمة على أنّ النحو موضوع للنفس، والشراب موضوع للدنّ، حين يكون الشراب يحوي الدنان كالإناء.

وإذ هذا هكذا فليست المقدّمتان الكلّيّتان السالبتان، أعني: «ولا واحد من الدنان في شراب» ، و «لا واحد من النفوس في علم» — صادقتين على ذلك المعنى من المعاني ما يقال «في شيء». لكنّه إنّما تصدق المقدّمة التي تقول: «ولا واحد من الدنان في الشراب» إذا أخذت على أنّها فيه كالإناء، وإذا أخذت المقدّمة التي تقول: «ولا واحد من النفوس في نحو» على أنّها فيه كالشيء في الموضوع. وإن كان هكذا فبيّن إذا نحن رمنا عكسهما أن نأخذهما من طرفي ما هما صادقان. وإنّما يمكن أن تكونا صادقتين إذا زيد في الواحدة كالشيء في الموضوع. وإذا زيدت هاتان اللفظتان صار قولنا: «الدنان في الشراب» في المقدّمة القائلة: «ولا واحد من الدنان في الشراب» ، كالشيء من الإناء حدّاً موضوعاً، وقولنا «كالشيء في الإناء» حدّاً محمولاً؛ وصار قولنا في المقدّمة الأخرى: «النفس في العلم» حدّاً موضوعاً، وقولنا «كالشيء في الموضوع» حدّاً محمولاً. وإذا كانت حال الحدود هذه الحال كان قولنا: «ولا واحد من الدنان في شراب كالشيء في الإناء» ينعكس عليه قولنا: «ولا واحد ممّا هو كالشيء في الإناء دنان في

شراب» وقولنا: «ولا واحدة من النفوس في علم كالشيء في موضوع» ينعكس عليه قولنا: «ولا واحد ممّا هو كالشيء في الموضوع نفس في علم». وهاتان المقدّمتان صادقتان على مثال المقدّمتين اللتين تنعكس عليهما. فقد صار المحمول قولنا: «ولا واحد من الدنان في شراب» ، والمحمول في أنّ «ولا واحد من النفوس هو كيفيّ» ، كالشيء في الموضوع هو لنا كالشيء لنا في الموضوع. فقولنا: «ولا واحدة من النفوس في كيفيّة» فهذا ممّا كان ينبغي أن يقوله في أمثال هذه المقدّمات. وأمّا المقدّمة الأخرى التي يظنّ أيضاً أنّها على عكس المقدّمة السالبة الكلّيّة وهي قولنا: «ولا واحد من الجواهر يعرض للكيفيّة» ؛ وذلك أنّه قد يظنّ بالشيء ينعكس على هذه أنّها ليست بصادقة، وهي أنّه «ولا واحد من الكيفيّات يعرض للجوهر». وقد رأى قوم أن يعكسوا هذه المقدّمة على مثال عكس: «ولا واحد من الدنان في شراب» — وذلك أنّهم إذا حلّلوا المقدّمة إلى حدّيها جلعوا الحدّ الموضوع: الجوهر، وحملوا عليه «يعرض» للكيفيّة أو «يلزمها» ، لأنّهم يقولون إنّ قولنا «يعرض» أو «يلزم» جزء من المحمول وليس هو فريداً محمولاً من خارج كقولنا لأنّه ليست دلالتها في المقدّمة كذلك بوجه؛ وذلك أنّ قولنا إذا نقلناهما إلى «يوجد» لم يقوما مقامه. فإذاً ليس ينبغي عليهما في الانعكاس شيء من الشكّ لدى المقدّمة التي تقول «لا واحد من الجواهر كيفيّة» إذ هي صادقة. فإنّ المقدّمة القائلة: «ولا واحد من الكيفيّات يوجد جوهراً» — ليست بدونها في الصدق. فإذا ثبت قولنا «يعرض» أو «يلزم» على حاله، فليس يظنّ بالانعكاس أنّه صحيح. وإذ هذا هكذا فليس قولنا «يلزم» بالكيفيّة، وخليق أن يكون قولنا هذا يصير أوضح وأبين. وإن نحن نقلنا «يعرض» أو «يلزم» إلى قولنا: «يوجد لازماً» أو يوجد عارضاً، ثمّ عكسنا تلك المقدّمة التي نريد أن يعكسها قولنا: «ولا واحد من الجواهر يوجد لأيّها، أو يوجد عارضاً للكيفيّة». فإنّه لا فرق بين أخذنا أيّ المعنيين آثرنا، بعد أن نحفظ الوجود مع الكيفيّة. فإذا عكسناها بعد أن نضيف إليها قولنا: «ولا شيء» — صارت: «ولا شيء واحداً يوجد لازماً للكيفيّة جوهر» ، وصدقها ليس بدون صدق التي انعكست عليها. وعلى
هذه الجهة يصيرها الانعكاس شبيهة بعكس المقدّمة القائلة: «ولا واحد من الدنان في شراب». وذلك أنّه كما أنّ حرف «في» في هذه المقدّمة، من قبل أنّه جزء من المحمول انتقل مع الحدّ، كذلك قولنا: «لازم» في هذه المقدّمة لأنّه يكاد أن يكون قول القائل: «ولا واحد من الجواهر لازم للكيفيّة» مع قوله: «ولا واحد من الجواهر في كيفيّة» ، وعكس هذه المقدّمة كما قلنا أنّ «ولا شيء في كيفيّة جوهر». فإن نحن نقلناها بعينها فينبغي أن نجعلها أنّ «ولا واحد من الجواهر يوجد لازماً للكيفيّة». وأنا أظنّ هذا الانعكاس مغيّر لأنّ قولنا: «يعرض» أو «يلزم» في سائر المقدّمات غير هذه لم نجعلها جزءاً من المحمول، ثمّ عكسناها ليجب من ذلك قولنا: «ولا واحد من الناس يلزم الفرس». فإنّا إذا عكسناها لم نقل: «ولا شيء من الفرس إنسان» ، لكنّا نقول: «ولا واحد من الأفراس يلزم الإنسان». على أنّ قولنا: «يلزم» ليس بجزء من المحمول، إذ ينبغي أن نجعل انعكاس المقدّمات الشبيهة بهذه شبهاً بانعكاسهما على أنّ قوّة توجد، أو قوّة تلزم فيهما واحدة. وأظنّ أنّه قد... أن يعكس المقدّمة القائلة: «ولا واحد من الجواهر يلزم للكيفيّة» على القائلة: «ولا لواحدة من الكيفيّات يلزم الجوهر» لأنّ صدقها شبيه بصدق التي انعكست عليها وقد تبدّلت من الحدود. وذلك أنّ في الأوّل كان الجوهر موضوعاً، والكيفيّة محمولة؛ وفي الآخر كانت الكيفيّة موضوعة والجوهر محمولاً. وعلى هذا القياس ينبغي أن يكون أمر الانعكاس، لأنّ الانعكاس إنّما هو في تعديل الحدود، لا في تبديل المعاني الموضوعة؛ وذلك أنّ المقدّمة القائلة أيضاً: «ولا واحد من الكيفيّات بعض الجوهر» تصير منعكسة على القائلة: «ولا واحد من الجواهر يعرض للكيفيّة». وإن كان إنّما ينبغي أن يكون الانعكاس على تلك الجهة فليس يشتمل أن يعكس المقدّمة القائلة: «ولا واحد من الكيفيّات يلزم الجوهر» ، إلّا أن يحفظ الجوهر قولنا: «يلزم» «ويجعله» هو والجوهر كحدّ واحد. وذلك أنّ قولنا: «ليس شيء ممّا يلزم الجوهر كيفيّة» — حقّ، على أنّ قوماً ظنّوا أنّ المقدّمة القائلة: «ولا واحد من
الجوهر في كيفيّة» أنّها كاذبة؛ كما أنّ المقدّمة القائلة: «ولا واحد من الدنان في شراب» كاذبة، من قبل أنّ الجواهر منها ما هي مع كيفيّة، ومنها ما ليس هو في كيفيّة. من ذلك أنّا نقول في جوهر النار إنّه في كيفيّات، أي في الحرارة واليبوسة والخفّة والثقل، وكذلك في كلّ واحد من سائر الأجسام. وذلك أنّ الهيولى وحدها هي جسم غير مكيّف. — فأمّا المقدّمة القائلة: «ولا واحد من الجوهر في كيفيّة» على أنّه موضوع، والقائلة: «ولا واحدة من النفوس في النحو» ، على أنّها موضوع — فقد قلنا كيف ينبغي أن نعكسها. وقد قال قوم إنّه ينبغي أن تتفقّد هذا الفنّ من الانعكاسات، وهو أنّه لعلّ الانعكاسات إنّما ينبغي أن يفحص عنها في المقدّمات التي تصدق في التأليف الذي لها بالطبع، والمقدّمات التي تقدّم ذكرها إنّما تصدق لأنّها أخذت على غير المجرى الطبيعيّ، وذلك أنّ البراهين والقياسات الكائنة بالجملة للتبيين عن أشياء دائماً تكون بالمقدّمات المؤلّفة تأليفاً طبيعيّاً. وذلك أنّ الخروج عن المجرى الطبيعيّ إنّما هو في الانعكاس وفي تبديل الحدود، لا في وضع المقدّمات الأول. فالمقدّمات التي نقصد بعسكها إن كانت صادقة فإنّما تنعكس على التي تأليفها طبيعيّ. فأمّا المقدّمات التي إنّما تصدق لأنّ تأليفها خارج عن المجرى الطبيعيّ فليس ينبغي أن نحكم على انعكاسها وكيف ينبغي أن يظهر في كيف تنعكس المقدّمة الموجبة الكلّيّة إلى المقدّمة الجزئيّة بالمقدّمة القائلة: «كلّ من يضحك إنسان» ، وما يجري هذا المجرى أيضاً كقولنا: «كلّ نحويّ إنسان» و «كلّ موسقوس إنسان». وذلك أنّه قد يظنّ بالمقدّمة القائلة: «إنسان واحد يضحك» ليست تنعكس عليها من طريق أنّه قد يمكن أن يكون «ولا واحد من الناس يضحك». والجواب في ذلك أنّ المقدّمة الكلّيّة الموجبة إن كانت أخذت على أنّها مقدّمة وجوديّة، فإنّ القول حقّ، من جهة أنّ الضحك موجود للناس كلّهم؛ والمقدّمة الجزئيّة التي تنعكس عليها صادقة لا محالة. — وإن كانت إنّما أخذت على أساس: «كلّ الناس يضحكون» أو أنّ «لا واحد منهم يضحك» فالمقدّمة القائلة: «كلّ من يضحك إنسان» صادقة، على أنّها وجوديّة، أو أن تكون لا محالة الموجبة الحمليّة إنّما تصدق إذا كان الحدّ الموضوع
في الوجود. وذلك أنّ أمثال هذه المقدّمات الحمليّة صادقة، وليست حدودها الموضوعة في الوجود وهي أنّ كلّ ما هو غير متناهٍ بالفعل فهو غير منقض، لأنّ كلّ متحرّك في فلك فحركته متساوية، وإنّ كلّ ما خلد إمّا أن يكون متناهياً أو غير متناهٍ، وإن كان غير ممتنع عن موجود، فإنّ هذه المقدّمات موجبات كلّيّة صادقة، وليس الحدّ الموضوع فيها من الوجود، ولكن قد يظنّ بهذه أنّها حمليّات صادقة، من طريق أنّها فيه اطّراداً بالحدّ الذي قيل إنّه موضوع. فأمّا التي هي موجبات حمليّة على الأمر الحاضر فليس يمكن أن تصدق وأن يكون الحدّ الموضوع فيها موجوداً، وذلك أنّ المقدّمة القائلة «الإنسان أبيض» أو «يمشي» أو «يناظر» ليس يمكن أن تكون صادقة أو يكون الإنسان موجوداً أوّلاً. فالمقدّمة القائلة: «كل من يضحك إنسان» المأخوذة على أنّها وجوديّة صادقة لأنّها تؤخذ على أنّ الضاحكين موجودون. وأمّا التي تؤخذ على أنّها ضروريّة، من قبل أنّ الإنسان غير مفارق للذي يضحك، فقد يمكن قائلاً أنّ يقول إنّه ينبغي أن يبحث عنها في انعكاس المقدّمات الضروريّة. وإن قال كانت المقدّمة القائلة: «كلّ من يضحك هو إنسان» إذا قيلت على الإطلاق صادقة فإنّها إنّما تكون كذلك من أخذ قولنا «يضحك» بدل «ضحّاك». وذلك أنّها تكون متساوية، كقولنا: «كلّ إنسان ضحّاك» أو «كلّ من يمكن أن يضحك إنسان». فإن لم نضع قولنا «يضحك» بدل قولنا «ضحّاك» ، لكن أخذنا المقدّمة على الإطلاق، صارت المقدّمة القائلة «كلّ إنسان يوجد أن يضحك» مساوية للقائلة: «بعض من يضحك إنسان» ؛ وليس ذلك بحقّ، لأنّ إحداهما ليست تخالف الأخرى بتبديل الحدود، ولكن بالعادة فقط. فإن كانت المقدّمة هي أنّ «كلّ ضاحك إنسان» ، فإنّه تنعكس عليها القائلة: «إنسان ما ضاحك» إذ هي صادقة، لأنّ القائل «كلّ ضاحك ويضحك إنسان» قوله مساوٍ لقول من قال: «كلّ إنسان يضحك» كما قلنا آنفاً. وهذا كذب؛ وذلك أنّ الانعكاس ليس هو أن يعبّر عن الحدود أيّ عبارة اتّفقت. وذلك أنّ الأسماء والكلم إذا انتقلت عن مواضعها كما قيل في «بار ارمنياس» لن تغيّر المقدّمة. وكذلك الحال في المقدّمة القائلة:

«كلّ من يضحك إنسان» ، فلذلك صارت هذه كاذبة والأخرى صادقة بعكس وهي قولنا: «كلّ الضاحك إنسان» على هذه الجهة. فهذا الشكّ الواقع في المقدّمات الموجودة غير السالبة الكلّيّة والموجبة الكلّيّة.

وقد يقول أرسطوطاليس إنّ الضروريّة من المقدّمات قد تعكس على مثل ما تنعكس الموجبة. فالمقدّمة السالبة الكلّيّة الضروريّة تنعكس على نفسها. فأمّا المقدّمات الكلّيّة الضروريّة فإنّها تنعكس على الموجبة الجزئيّة والضروريّة: فأمّا السالبة الجزئيّة الضروريّة فبيّن أوّلاً من المقدّمات الضروريّة أمر السالبة الكلّيّة 〈و〉أنّها تنعكس بأخذ نقيضها. وقال: إن كان آ لا يوجد ولا لشيء من ب من الاضطرار، فإنّ ب لا يوجد لشيء من آ من الاضطرار. فإن لم يكن ذلك كذلك، فليكن نقيضه. ونقيض قولنا: «ولا بشيء من الاضطرار» ، قولنا: «ممكن أن يوجد لبعض» ، كما استبصر ممّا في «بار ارمنياس» فتصير حـ موجودة لبعض آ على طريق الإمكان. وإنّما استعمل الممكن لأنّ الذي هو ممكن لبعض فقد يصدق إذا كان موجوداً لـ آ لا أنّ وجوده ليس من الاضطرار أو كان ممكناً أن يوجد. والذي يمكن أن يوجد قد يوجد على ب يؤخذ على أنّه موجود لبعض آ. ثمّ يستعمل انعكاس المقدّمة الموجبة الجزئيّة فيبيّن به ما قصد إليه، وذلك أنّه إن كانت ب موجودة لها وتؤخذ لها فإنّه من البيّن أنّ آ موجودة لـ ب أو تؤخذ لها. ولكنّا وضعنا أنّ آ لا توجد في شيء من ب، وذلك أنّ الأمر ليس كما توهّم قوم أنّه ينبغي أن يظنّ أنّ أرسطوطاليس في هذا الموضع استعمل السالبة الكلّيّة الممكنة في انعكاس الموجبة الكلّيّة الضروريّة، لأنّه لم يتكلّم بعد في المقدّمات الممكنة، ولا ذكر كيف يكون انعكاس بعضها على بعض؛ لكنّه — كما قلت — ساق الممكن إلى الوجود الذي له على أنّه نقيض الكلّيّ الضروريّ، لأنّ السالبة الكلّيّة الموجودة لا تفضل على السالبة الكلّيّة الضروريّة. وبيّن على هذه الجهة انعكاس المقدّمة إلى فصولها، وبيّن أيضاً أنّ الموجبة الكلّيّة الضروريّة تنعكس، والموجبة الجزئيّة الضروريّة على مثال واحد. وذلك أنّ السالبة الكلّيّة الممكنة — كما قلت — لم يمكنه أن يستعملها لأنّا لم نعلم بعد كيف تنعكس المقدّمات

الممكنة، ولأنّه يرى أنّ الكلّيّة السالبة الممكنة تنعكس على نفسها كما سيبيّن: فإن لم تكن ب توجد لبعض آ من الاضطرار، وآ موجودة لجميع ب أو لبعضها من الاضطرار، فقد يمكن أن تكون ب في وقت من الأوقات لا توجد لشيء من آ. وإذا لم تكن ب توجد لشيء من آ بينما في بعض الموادّ يؤدّيها انعكاس المقدّمات الضروريّة، وهو قول من يقول إنّ المقدّمة السالبة الكلّيّة القائلة: «ولا واحد من الناس يضحك» من الاضطرار لا تنعكس، لأنّ المقدّمة القائلة «ولا واحد ممّن يضحك من الاضطرار يضحك إنسان» فيجعلون الاضطرار كالجزء من الحدّ المحمول وينقلونه مع لفظة «يضحك» ويضعونه عند الانعكاس في الحدّ الموضوع. وهذه المقدّمة صادقة، وذلك أنّه «ولا واحد من الناس يضحك من الاضطرار» و «الإنسان ضحّاك من الاضطرار». والأمر في أنّ الإنسان يضحك من الاضطرار بيّن من أنّه لا يوجد أحد من الناس يضحك دائماً، والموجود ليس بشيء من الإنسان من الاضطرار غير مفارق له. إلّا أنّه من المنكر يجعل أنّ الجزء الدالّ على جهة الحمل جزءاً من الحدود، وذلك أنّ هذه الأجزاء الدالّة على الجهات إنّما هي مزيدة في الحمل. فيجب أن يكون قولنا «من الاضطرار» في انعكاس هذه المقدّمة أيضاً مزيداً في الحمل، إلّا أنّه أبداً في المقدّمات اللواتي لا يقع فيها شيء من الشكوك على هذه الجهة الدالّة على الوجود مزيد فيها على المحمول، فليس ينبغي أن يقول إنّ عكس المقدّمة التي تقدّم ذكرها يكون على هذه الجهة، لكن الموجود أن يقول إنّ المقدّمة القائلة «ولا واحد من الناس من الاضطرار يضحك» ليست مقدّمة ضروريّة أصلاً، لأنّ الذي يقول هذا ليس يقول إنّه من الاضطرار أن يضحك، وهذه هي السالبة الضروريّة. فبيّن أنّ المقدّمة المقصود نحوها ليست سالبة ضروريّة لأنّها سالبة تتصوّر ضروريّة، وهي القائلة: «من الاضطرار ليس يضحك الإنسان». ولذلك ليس تنعكس كالضروريّة، وذلك أنّها مساوية للضروريّة بمقدّمة ممكنة، وهي القائلة: «يمكن أن لا يضحك واحد من الناس». وسنتكلّم فيها فيما بعد. والأمر في أنّها ليست ضروريّة بيّن من قبل أنّ المقدّمة السالبة الكلّيّة الضروريّة مساوية في القوّة لمقدّمة موجبة. مثال ذلك قولنا: «ولا
واحد من الناس من الاضطرار يوجد فرساً». فإنّ قولنا: «كلّ إنسان من الاضطرار ليس يوجد فرساً» مساوية في القوّة. فأمّا قولنا: «ولا واحد من الناس من الاضطرار أن يضحك» فليس بمساوٍ في القوّة لقولنا: «كلّ إنسان من الاضطرار أن يضحك». ولكن الذي يساويها هو قولنا: «بعض الناس يمكن أن يضحك» ، أو: «كلّ إنسان يمكن أن يضحك». فإن أخذ قولنا «يضحك» على أنّه موجود، لم تكن المقدّمة ممكنة، لأنّها مساوية للقائلة: «بعض الناس يضحك على طريق الإمكان إنساناً». فإن لم تجعل قولنا «ضحك» على أنّه موجود، لكن على الممكن أن يكون موجوداً، كانت المقدّمة ممكنة دلالة على أنّ بعض الناس سيضحك، وتنعكس عليها القائلة: «بعض من يضحك يمكن أن يكون إنساناً» إذ هي صادقة لأنّ كلّ من سيضحك فهو موجود لا محالة من الاضطرار. وذلك أنّه قد يمكن أن يكون إنسان فيما بعد يضحك، ويجري مجرى هذه المقدّمة القائلة: «كلّ إنسان يمكن أن يوجد نحويّاً». وليس هذه على الجملة ممكنة كلّيّة سالبة إن كان الإمكان يوضع على ما لم يوجد بعد، والناس فيهم نحويّون بالقوّة. والمقدّمة الكلّيّة الموجبة الممكنة، وهي قولنا: «كلّ إنسان يمكن أن يصير نحويّاً» تنعكس على الذي يقول: «بعض من يصير نحويّاً يمكن أن يوجد إنساناً» ، لأنّ كلّ من هو مزمع أن يكون نحويّاً واجب ضرورة أن يكون قد وجب له ذلك. أو كثير ممّن لم يوجد بعد من الناس إلّا وهم مزمعون أن يوجدوا يمكنهم أن يصيروا نحويّين. وكذلك يجري الأمر على المقدّمة القائلة: «كلّ إنسان — على طريق الإمكان — يضحك» ، إذ هو موجود بالإمكان، تنعكس عليها القائلة: «بعض من هو على طريق الإمكان نحويّ: إنسان» ، والقائلة: «بعض من يضحك على طريق الإمكان إنسان». لأنّ الإمكان في أمثال هذه المقدّمات التي هي موجودة إنّما كان دالّاً على الوجود 〈وصار〉 جزءاً لهذا الموجود لأن ليس المقدّمات أن يوجد الإمكان موضوعاً فيها مقدّماً ممكنة — مثال ذلك أنّ المقدّمة القائلة المستطيع ممكن على هذه المقدّمة فيها قولنا «ممكن» وليست ممكنة، لكن الأولى بها أن تكون ضروريّة، ولذلك يصير قولنا: «الممكنة» في عكسها

حدّاً موضوعاً؛ وكذلك المقدّمة القائلة إنّ «كلّ إنسان على طريق الإمكان يضحك» — فإنّ الأولى بها أن تكون ضروريّة من أن تكون ممكنة، أو كان ما تدلّ عليه هو أنّ «كلّ إنسان على طريق الإمكان يضحك» ، والتي تنعكس على هذه هي القائلة إنّ بعض من يضحك — على طريق الإمكان — هو من الاضطرار إنسان» — فكذلك تنعكس السالبة الجزئيّة الممكنة إن نحن أخذناها ممكنة حقيقيّة، وهي التي تكون من المستعمل — مثال ذلك قولنا: «بعض الناس يمكن أن يصير نحويّاً» ، فإنّ هذه تنعكس على القائلة: «بعض من يصير نحويّاً هو موجود».

والموجبات الكلّيّة الممكنة، والسوالب الكلّيّة قد يمكن أن ينعكس بعضها على بعض إن أخذ الممكن فيها على هذه الجهة: «يمكن أن يضحك كلّ إنسان» — عكسه: «ولا واحد من الناس أن يضحك» ، لأنّ القائلة «يمكن ولا واحد من الناس أن يكون من منزلة سقراط» لا تنعكس عليها القائلة: «يمكن أن يكون كلّ ممكن من منزلة سقراط» لأنّ القائلة: «يمكن ألّا يكون ولا واحد» ليست ممكنة، لكنّها وجوديّة لها في نفس طبيعتها الممكن محمول. فإنّما يظنّ بها أنّها ممكنة لجهلنا بأنّها موجودة أو غير موجودة. ولكن بهذا الوجه يصحّ الممكن. وقد يصير ممكناً على الإنسان المستأنف فيصير على هذه الجهة يمكن: «ولا إنسان واحد أن يصير في منزلة سقراط». ولكن الكلّيّة إذا قليت على هذه الجهة كانت كاذبة من جهة ما هي ممكنة، لأنّ الذين أخذناهم ليس إنّما يمكن أن يكونوا في منزلة سقراط، لكنّه واجب ضرورة أن لا يكونوا. فإن زيد في المقدّمة هذه الزيادة يصير «يمكن ولا واحد من الناس الذين هم بأثينا أن يكونوا في منزلة سقراط» ، فإنّها تنعكس على الموجبة، لأنّ قولنا: «كلّ إنسان هو بأثينا ممكن أن يكون في منزلة سقراط» يكون صادقاً.

فإذاً الانعكاس تبديل جرى في الموضع المحمول بعد أن قصدنا نكون في ذلك صادقين.

[تمّت المقالة للإسكندر الافروديسيّ، والحمد للّه على ذلك كثيراً وصلّى اللّه على محمّد وآله]