Anon.: Ǧawāmiʿ al-Iskandarānīyīn li-kitāb Ǧālīnūs al-maʿrūf bi-l-ṣināʿah al-ṣaġīrah al-ṭibbīyah ʿalā l-šarḥ wa-l-talḫīṣ (Alexandrian Summary of Galen's Book Known as the Small Medical Art)
Work
Anon., Ǧawāmiʿ al-Iskandarānīyīn li-kitāb Ǧālīnūs al-maʿrūf bi-l-ṣināʿah al-ṣaġīrah al-ṭibbīyah ʿalā l-šarḥ wa-l-talḫīṣ
English: Alexandrian Summary of Galen's Book Known as the Small Medical Art
Related to
Text information
Type: Summary (Arabic)
Date:
unknown
Source
John Walbridge. The Alexandrian Epitomes of Galen. Volume I: On the Medical Sects for Beginners. The Small Art of Medicine. On the Elements According to the Opinion of Hippocrates. Islamic Translation Series. Provo, Utah (Brigham Young University Press) 2014, 50-128
بسم اللّه الرحمن الرحيم
جوامع الإسكندرانيّين لكتاب جالينوس المعروف بالصناعة الصغيرة الطبّيّة علی الشرح والتلخيص ترجمة حنين ابن إسحق
[مقدّمة]
[ذكر المسالك في التعليم]
(١) أنحاء المسالك في التعاليم بحسب رأي بعض الناس خمسة، أحدها المسلك الذي يجري الأمر فيه علی طريق التحليل والعكس، والثاني المسلك الذي يكون علی طريق التركيب، والثالث المسلك الذي يكون علی طريق تحليل الحدّ، والرابع المسلك
الذي يكون علی طريق القسمة، والخامس المسلك الذي يكون علی طريق الصفات والرسوم، وهذه الخمسة المسالك منها ثلثة تجري علی ترتيب، وهي التحليل الذي يقال له العكس والتركيب وتحليل الحدّ، ومنها اثنان يجريان علی غير ترتيب، وهما القسمة والرسم، أمّا القسمة فصارت تجري علی غير ترتيب لأنّ الشيء الذي يقسم تقع عليه القسمة علی وجوه شتّی، إمّا علی جهة قسمة الجنس إلی الأنواع بمنزلة الحيوان إلی الإنسان والفرس والثور وإمّا علی جهة قسمة النوع إلی الأشخاص بمنزلة الإنسان إلی فلاطون وأسقليبياذس وسقراطيس، وإمّا علی جهة قسمة الكلّ إلی الأجزاء بمنزلة البدن إلی الرأس واليدين والرجلين، وإمّا علی جهة قسمة الجوهر إلی الأعراض بمنزلة الإنسان إلی الأبيض والأحمر والأسود، وإمّا علی جهة قسمة الأعراض إلی الجواهر بمنزلة الأبيض إلی الثلج واللبن والحيوان المسمّی قُقنُس، وإمّا علی جهة قسمة اللفظ المشترك إلی المعاني المختلفة المشتركة بمنزلة اسم الكلب الواقع علی كلب البحر وكلب البرّ والكوكب المسمّی كلباً والفيلسوف الذي من حزب الكلبيّين، وقسمة الكلّ إلی الأجزاء تكون علی ضربين، إمّا إلی أجزاء متشابهة بمنزلة العصبة إذا قسمت أعصاباً والعرق إذا قسمت عروقاً، وإمّا إلی أجزاء غير متشابهة بمنزلة جملة البدن إذا قسم أجزاء منها الرأس ومنها اليدان ومنها الرجلان ومنها الصدر، فأمّا الرسم والوصف، فإنّما صارا علی غير ترتيب لأنّ الواصف والراسم إنّما يصف الشيء ويرسمه إمّا من كمّيّته وإمّا من كيفيّته وإمّا من إضافته ونسبته إلی غيره.
(٢) وأنحاء التعاليم بحسب رأي قوم آخرين ثلثة، وذلك أنّهم قالوا إنّ كلّ تعليم لا يخلو من أن يكون إمّا علی جهة العكس والتحليل وإمّا علی جهة التركيب وإمّا علی جهة تحليل الحدّ، وكلّ واحد من هذه تجري إمّا علی ترتيب وإمّا علی غير ترتيب، والتحليل والعكس يكونان علی ترتيب عندما لا يدع شيئاً ممّا في الوسط إذا هو رجع من الأخير إلی الأوّل، وكذلك الأمر في القسمة لأنّ القسمة داخلة في التحليل، مثال ذلك في التحليل أن تقول إنّ البدن ينحلّ إلی الأعضاء المركّبة والأعضاء المركّبة إلی الأعضاء المتشابهة الأجزاء والأعضاء المتشابهة الأجزاء إلی الأخلاط، والأخلاط إلی الأغذية، والأغذية إلی الأسطقسّات، وهي النار والهواء والماء والأرض، ونظير ذلك في القسمة أن تقول إنّ البدن ينقسم إلی الرأس واليدين والصدر والرجلين، وكلّ واحد من هذه ينقسم إلی الأجزاء التي هو منها مركّب بمنزلة الرأس إلی العظم والدماغ والحواسّ، ثمّ إنّ هذه أيضاً تنقسم إلی الأجزاء التي هي مركّبة منها إلی أن تنتهي القسمة إلی الأعضاء المتشابهة الأجزاء، فتقف عندها، وأمّا التحليل والقسمة علی غير ترتيب فيكونان عندما يدع الإنسان بعض ما في الوسط وتغيّر ترتيب الأشياء ونظامها، مثال ذلك في التحليل أن تقول إنّ البدن ينحلّ إلی الأعضاء المتشابهة الأجزاء، فقد تركنا الأعضاء المركّبة، أو تقول إنّ البدن ينحلّ إلی الأعضاء المركّبة والمركّبة إلی المتشابهة الأجزاء والمتشابهة الأجزاء إلی الأغذية والأغذية إلی الأخلاط، فتكون قد غيّرت الترتيب والنظام، ونظير ذلك
في القسمة أن تقول إنّ الجوهر ينقسم إلی جسم ولا جسم والجسم إلی الناطق وغير الناطق، فتكون قد تركت في الوسط المتنفّس والحيّ، أو تقول إنّ الجوهر ينقسم إلی الحيوان وغير الحيوان، والحيوان منه جسم ومنه لا جسم، فتكون قد غيّرت الترتيب والنظام.
(٣) وأمّا التركيب فمنه أيضاً ما يجري علی الترتيب والنظام، وذلك عندما تسلك من الأوّل إلی الأخير من غير أن تدع شيئاً أو تغيّر نظاماً، مثال ذلك أن تقول إنّ الأسطقسّات إذا تركّبت حدث عنها النبات، وتحدث عن النبات الأخلاط وعن الأخلاط الأعضاء المتشابهة الأجزاء وعن المتشابهة الأجزاء الأعضاء المركّبة وعن المركّبة جملة البدن، ومنه ما يجري علی غير ترتيب، وذلك عندما تدع بعض الأشياء أو تغيّر بعضها، مثال ذلك أن تقول إنّ الأسطقسّات إذا تركّبت حدث عنها الأخلاط، فتكون قد تركت الأغذية، أو تقول إنّ الأسطقسّات إذا تركّبت حدث عنها النبات وعن النبات الأخلاط وعن الأخلاط الأعضاء المركّبة وعن المركّبة المتشابهة الأجزاء، فتكون قد غيّرت الترتيب والنظام.
(٤) وأمّا تحليل الحدّ، فمنه ما يجري علی نظام وترتيب، وذلك عندما لا تدع شيئاً ولا تغيّر شيئاً، مثال ذلك أن تقول إنّ الطبّ هو معرفة الأمور الصحّيّة والمرضيّة، والتي ليست بصحّيّة ولا مرضيّة، وإنّ كلّ واحد من هذه الأمور الثلثة يقع علی ثلثة
أشياء، أحدها البدن والآخر السبب الحافظ والفاعل والثالث العلامة التي تدلّ علی الحاضر والتي تنبّئ عن الماضي، وتذكّر به، والتي تتقدّم فتنبّئ عمّا سيكون، وكلّ واحدة من هذه العلامات الثلاث إمّا أن تفعل ذلك في الوقت الحاضر وإمّا أن تفعله دائماً وإمّا علی الأكثر. ومنه ما يجري علی غير ترتيب ولا نظام، وذلك عندما تدع بعض الأشياء أو تغيّر بعضها متی لم يجر الأمر في الترتيب علی ما ذكرنا وكان فيه تغيّراً أو نقصاناً في الوسط.
(٥) التحليل والقسمة يشتركان في أنّهما جميعاً يبتدئان من واحد وينتهيان إلی كثير ويختلفان في أنّ التحليل والعكس إنّما يأخذ شيئاً هو بالفعل والحسّ واحد، وينتهي به إلی أشياء كثيرة، هي بالقوّة والمعقول، مثال ذلك أن ينتهي بالبدن إلی الأسطقسّات التي إنّما وجودها في البدن بالعقل والقوّة لا بالفعل والحسّ، فأمّا القسمة فتأخذ واحداً هو بالقوّة والمعقول واحد فتقسمه إلی أشياء هي كثيرة بالفعل بمنزلة قسمة الجنس إلی الأنواع والنوع إلی الأشخاص، أو تأخذ شيئاً هو بالفعل واحد، فتصير به إلی أشياء هي بالفعل كثيرة بمنزلة قسمة الكلّ إلی الأجزاء أو قسمة الجوهر إلی الأعراض أو العرض إلی الجواهر.
(٦) وعند التحصيل يقال إنّ أنحاء التعاليم هي هذه الثلثة، التحليل والتركيب وتحليل الحدّ، فأمّا الحدود والرسوم والبراهين فليست من أنحاء التعاليم، لكنّها علوم
منطقيّة، والتعليم الذي يجري علی طريق تحليل الحدّ يسمّی بأسماء كثيرة، وهي تحليل الحدّ وعكس الحدّ وتفتيح الحدّ وقسمة الحدّ وبسط الحدّ وتفسير الحدّ وتلخيص الحدّ.
(٧) وقد التمس تعاطي هذه التعاليم الثلثة قوم من الأطبّاء. تعاطی تحليل الحدّ أصحاب إيروفليس وإيراقليدس الأرثاريّ، وتعاطی التركيب أصحاب إيروفليس أيضاً وأثيناوس المعروف بأطالوس الأنطاكيّ، فأمّا التحليل والعكس فجالينوس دون سائر الأطبّاء استعمله، وكلّ واحد من التحليل والعكس وتحليل الحدّ يفوق صاحبه في شيء، أمّا تحليل الحدّ فيفوق العكس في أنّه يأتي بكلّ شيء من التعليم باختصار وإيجاز وفي أنّه يسهل حفظ ما يؤتی به علی المتعلّمين، وأمّا العكس فإنّه يفوق في تحليل الحدّ في جلالة القدر وفي لزوم الطريق الصناعيّ.
(٨) والحدود منها جوهريّة وهي التي تؤخذ من جوهر الشيء المحدود بمنزلة حدّ الإنسان أنّه حيوان ناطق مائت قابل للعقل والأدب، ومنها رسوميّة وهي الحدود التي تؤخذ من الأعراض التابعة للأشياء بمنزلة ما يحدّ الإنسان بأنّه حيوان عريض الأظفار منتصب القامة يعلو بدنه جلد.
(٩) وقد استعمل جالينوس كلّ واحد من هذه الثلثة التعاليم في مواضع من كتبه، فاستعمل التعليم الذي يجري علی طريق التحليل والعكس في «كتاب العلل والأعراض» وفي «كتاب المواضع الآلمة» «وكتاب حيلة البرء»، واستعمل التركيب في «كتاب القوی الطبيعيّة» وفي «كتاب الأسطقسّات» وفي «كتاب المزاج»، واستعمل تحليل الحدّ في هذا الكتاب الحاضر وفي كتابه «في إثبات الطبّ» من طريق أنّه قصد فيهما إلی الاختصار والإيجاز.
[الفصل الأوّل]
[ذكر حدّ الطبّ]
(١٠) الطبّ يحدّ بأنّه العلم بالأمور الصحّيّة والمرضيّة والتي ليست بصحّيّة ولا مرضيّة، وذكر العلم في هذا الحدّ يقوم مقام ذكر جنس الشيء وذكر الأمور الصحّيّة والمرضيّة والتي ليست بصحّيّة ولا مرضيّة يقوم مقام ذكر الفصول.
(١١) والأمور الصحّيّة ثلثة، أحدها البدن القابل للصحّة، والثاني العلامة الدالّة علی الصحّة، والثالث السبب الفاعل والحافظ للصحّة، والأمور المرضيّة ثلثة، أحدها البدن القابل للمرض، وهو البدن الذي يسمّی مريضاً، والثاني العلامة الدالّة علی المرض، والثالث السبب الذي يحدث المرض أو يحفظه، والأمور التي ليست بصحّيّة ولا مرضيّة ثلثة، أحدها البدن القابل للحال التي ليست بصحّة ولا مرض،
والثاني العلامة التي تدلّ علی هذه الحال، والثالث السبب الذي يفعل هذه الحال أو يحفظه، وإذا ألّفت هذه تولّد منها تسعة تراكيب علی هذه الصفة:
بدن صحيح | بدن مريض | بدن لا صحيح ولا مريض |
علامة صحّيّة | علامة مرضيّة | علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة |
سبب صحّيّ | سبب مرضيّ | سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ |
(١٢) وكلّ واحد من البدن والعلامة والسبب الصحّيّ منها والمرضيّ والذي ليس بصحّيّ ولا مرضيّ يقال علی ضربين، أحدهما أن يكون كذلك في الوقت الحاضر، والآخر أن يكون كذلك مطلقاً، أي ليس في الوقت الحاضر، وإذا ألّفت كلّ واحدة من هذه الثلثة مع كلّ واحد من هذه الثلث الحالات مع كلّ واحد من هذين الوقتين تولّد من ذلك ثمانية عشر تركيباً علی هذه الصفة:
‹آ› بدن صحيح في الوقت الحاضر | ‹ب› علامة صحّيّة في الوقت الحاضر | ‹ج› سبب صحّيّ في الوقت الحاضر |
‹د› بدن صحيح مطلق | ‹هـ› علامة صحّيّة مطلقة | ‹و› سبب صحّيّ مطلق |
‹ز› بدن مريض في الوقت الحاضر | ‹ح› علامة مرضيّة في الوقت الحاضر | ‹ط› سبب مرضيّ في الوقت الحاضر |
‹ي› بدن مريض مطلق | ‹يا› علامة مرضيّة مطلقة | ‹يب› سبب مرضيّ مطلق |
‹يج› بدن لا صحيح ولا مريض في الوقت الحاضر | ‹يد› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة في الوقت الحاضر | ‹يه› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ في الوقت الحاضر |
‹يو› بدن لا صحيح ولا مريض مطلق | ‹يز› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة مطلقة | ‹يج› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ مطلق |
(١٣) والمطلق، وهو ما ليس في الوقت الحاضر، ينقسم قسمين، أحدهما الدائم والآخر الذي علی الأكثر، وإذا ألّفت ذلك تولّد منه سبعة وعشرين تركيباً علی هذه الصفة:
‹آ› بدن صحيح في الوقت الحاضر | ‹ب› علامة صحّيّة في الوقت الحاضر | ‹ج› سبب صحّيّ في الوقت الحاضر |
‹د› بدن صحيح دائم الصحّة | ‹هـ› علامة صحّيّة دائماً | ‹و› سبب صحّيّ دائماً |
‹ز› بدن صحيح في أكثر الأمر | ‹ح› علامة صحّيّة في أكثر الأمر | ‹ط› سبب صحّيّ في أكثر الأمر |
‹ي› بدن مريض في الوقت الحاضر | ‹يا› علامة مرضيّة في الوقت الحاضر | ‹يب› سبب مرضيّ في الوقت الحاضر |
‹يج› بدن مريض دائم المرض | ‹يد› علامة مرضيّة دائماً | ‹يه› سبب مرضيّ دائماً |
‹يو› بدن مريض في أكثر الأمر | ‹يز› علامة مرضيّة في أكثر الأمر | ‹يح› سبب مرضيّ في أكثر الأمر |
‹يط› بدن لا صحيح ولا مريض في الوقت الحاضر | ‹ك› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة في الوقت الحاضر | ‹كا› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ في الوقت الحاضر |
‹كب› بدن لا صحيح ولا مريض دائماً | ‹كج› علامة لا صحيحة ولا مرضيّة دائماً | ‹كد› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ دائماً |
‹كه› بدن لا صحيح ولا مريض في أكثر الأمر | ‹كو› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة في أكثر الأمر | ‹كز› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ في أكثر الأمر |
(١٤) والذي ليس بصحيح ولا مريض بدناً كان أو علامة أو سبباً يقال علی ثلثة أنحاء، أحدها أن يكون ليس له صحّة في الغاية ولا مرض في الغاية، لكنّه في الوسط بمنزلة أبدان الشيوخ وأبدان الناقهين من العلل، والثاني أن يكون جامعاً للأمرين في أعضاء مختلفة بمنزلة من تكون رجله أو يده زمنة، ويكون سائر بدنه صحيحاً، والثالث أن يكون جامعاً للأمرين في أوقات مختلفة بمنزلة إنسان يكون في الشتاء صحيحاً وفي الصيف مريضاً، فإذا ألّفت هذه تولّد منها في التأليف الأوّل سبعة وعشرين تركيباً علی هذه الصفة:
‹آ› بدن لا صحيح ولا مريض ليس فيه ولا في واحد من الغايتين في الوقت الحاضر ‹مثل الناقه لأنّ الناقه ليس هو صحيح في الغاية ولا سقيم في الغاية› | ‹ب› بدن لا صحيح ولا مريض ليس فيه ولا في واحد من الغايتين دائماً ‹مثل الأعمی لأنّ الأعمی ليس هو صحيح في الغاية ولا سقيم في الغاية› | ‹ج› بدن لا صحيح ولا مريض ليس فيه ولا واحد من الغايتين علی الأكثر ‹مثل أن يكون في ستّة أشهر مريضاً والباقي صحيح› |
‹د› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أعضاء مختلفة في الوقت الحاضر | ‹هـ› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أعضاء مختلفة دائماً ‹مثل الأعمی لأنّ الأعمی هو أبداً مريض من عينيه صحيح في بدنه› | ‹و› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أعضاء مختلفة في أكثر الأمر |
‹ز› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أوقات مختلفة في الوقت الحاضر | ‹ح› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أوقات مختلفة دائماً | ‹ط› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أوقات مختلفة علی الأكثر |
‹ي› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة ليست ولا في واحدة من الغايتين في الوقت الحاضر | ‹يا› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة ليست ولا في واحدة من الغايتين دائماً | ‹يب› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة ليست ولا في واحدة من الغايتين علی الأكثر |
‹يج› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أعضاء مختلفة في الوقت الحاضر | ‹يد› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أعضاء مختلفة دائماً | ‹يه› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أعضاء مختلفة في أكثر الأمر |
‹يو› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أوقات مختلفة في الحاضر | ‹يز› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أوقات مختلفة دائماً | ‹يح› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أوقات مختلفة في أكثر الأمر |
‹يط› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ ليس هو ولا في واحدة من الغايتين في الوقت الحاضر | ‹ك› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ ليس هو ولا في واحدة من الغايتين دائماً | ‹كا› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ ليس هو ولا في واحدة من الغايتين في أكثر الأمر |
‹كب› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أعضاء مختلفة في الوقت الحاضر | ‹كج› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أعضاء مختلفة دائماً | ‹كد› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أعضاء مختلفة في أكثر الأمر |
‹كه› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أوقات مختلفة في الوقت الحاضر | ‹كو› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أوقات مختلفة دائماً | ‹كز› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أوقات مختلفة في أكثر الأمر |
(١٥) وما ليس بصحّيّ ولا مرضيّ ممّا يكون كذلك في أعضاء مختلفة بدن كان أو علامة أو سبب، فهو يقال علی ضربين، أحدهما علی المساواة والآخر علی غير مساواة، فيتولّد من ذلك الوجه الثاني من الوجوه التي يدلّ عليها ما ليس بصحيح ولا مريض تأليف فيه ثمانية عشر تركيباً علی هذه الصفة:
‹آ› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی التساوي في الوقت الحاضر | ‹ب› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی التساوي دائماً | ‹ج› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی التساوي في أكثر الأمر |
‹د› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی غير مساواة في الوقت الحاضر | ‹هـ› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی غير التساوي دائماً | ‹و› بدن لا صحيح ولا مريض جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی غير مساواة في أكثر الأمر |
‹ز› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أعضاء مختلفة علی التساوي في الوقت الحاضر | ‹ح› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أعضاء مختلفة علی التساوي دائماً | ‹ط› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أعضاء مختلفة علی التساوي في أكثر الأمر |
‹ي› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أعضاء مختلفة علی غير التساوي في الوقت الحاضر | ‹يا› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أعضاء مختلفة علی غير التساوي دائماً | ‹يب› علامة لا صحّيّة ولا مرضيّة جامعة للأمرين في أعضاء مختلفة علی غير التساوي في أكثر الأمر |
‹يج› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی التساوي في الوقت الحاضر | ‹يد› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی التساوي دائماً | ‹يه› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی التساوي في أكثر الأمر |
‹يو› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی غير التساوي في الوقت الحاضر | ‹يز› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی غير التساوي دائماً | ‹يح› سبب لا صحّيّ ولا مرضيّ جامع للأمرين في أعضاء مختلفة علی غير التساوي في أكثر الأمر |
(١٦) الطبّ هو معرفة الأمور الصحّيّة والمرضيّة والتي ليست بصحّيّة ولا مرضيّة، وقولنا هذا ليس يدلّ علی الجميع لأنّ ذلك ممّا لا يمكن ولا يوقف علی منتهاه ولا يدلّ أيضاً علی البعض لأنّ ذلك لا يشبه الطريق الصناعيّ، لكنّه يدلّ علی أيّ شيء كان منها. وقد اختلف الناس في تفسير هذا المعنی، فقال بعضهم إنّ معنی قولنا أيّ شيء كان منها إنّما هو معرفة جلّ الناس، وهذا شنع لأنّ الإنسان لا يقدر أن يعرف جلّ من في مدينة واحدة فضلاً أن يعرف جلّ من في العالم كلّه، علی أنّه يجب بحسب هذا القول أيضاً أن يكون الطبّ إنّما هو معرفة بالبعض من هذه الأمور، وجالينوس قد هرب من هذا ودفعه، وقال بعض الناس إنّ قوله أيّ شيء كان
منها إنّما أراد به من يأتي الطبيب، وهذا القول أيضاً يوجب معرفة البعض، وقال قوم آخرون إنّ معناه في قوله أيّ شيء كان منها إنّما هو من أفعاله مضرورة وهذا كذب صراح لأنّ الأصحّاء بأسرهم ليس يجوز أن تكون أفعالهم مضرورة، وأصدق الأقاويل في معنی قوله أيّ شيء كان منها هو أنّ قوله هذا يدلّ علی أنّه يكون عند الطبيب علم بالطرق والمذاهب الكلّيّة الجنسيّة، فيقف بهذه الطرق الكلّيّة الجنسيّة علی الأشياء المفردة الجزئيّة، فيعرفها بها.
[الفصل الثاني]
[ذكر الأبدان]
(١٧) البدن الصحيح في الوقت الحاضر هو الذي يكون في ذلك الوقت الحاضر معتدل المزاج مستوي التركيب، والمعتدل والمستوي يقال علی ضربين، أحدهما أن يكون فيه من الأشياء التي بامتزاجها اعتدل والأشياء التي باستوائها استوی أجزاء متساوية، والآخر أن يكون فيه من تلك الأشياء مقادير غير متساوية إلّا أنّ تلك المقادير موافقة لما يحتاج إليه. وأمّا البدن الصحيح دائماً فهو الذي يكون معتدل المزاج مستوي التركيب في جميع الأسنان، وأمّا البدن الصحيح علی الأكثر فهو الذي يكون ناقصاً عن أفضل حالات الصحّة إلّا أنّ مقدار نقصانه مقدار يسير، وكذلك البدن المريض لا يخلو من أن يكون إمّا في الوقت الحاضر وإمّا دائماً وإمّا علی الأكثر، وسوء المزاج إمّا أن يكون في جميع الأعضاء المتشابهة الأجزاء بمنزلة ما يعرض ذلك في الحمّی، وإمّا أن يكون في بعضها بمنزلة ما يعرض في النقرس، وإمّا أن يكون في أشرفها وأجلّها قدراً بمنزلة ما يعرض في الوسواس السوداويّ، وخروج الأعضاء المركّبة عن الاستواء والاعتدال في التركيب
فيكون في جملة مزاجه معتدل ويكون في تركيبه مستوٍ وغير مستوٍ معاً في أنحاء مختلفة بمنزلة ما يكون مستوٍ في الخلقة غير مستوٍ في الوضع أو في المقدار أو في العدد أو علی خلاف ذلك.
(١٨) الكيفيّات الأول الفاعلة التي تفعل والمنفعلة التي يقع بها الفعل هي أربع، اثنتان منها فاعلتان يكون بهما الفعل أكثر، وهما الحرارة والبرودة، واثنتان منفعلتان يقع بهما الفعل أكثر، وهما اليبس والرطوبة. أصناف التضادّ في الكيفيّات الأول صنفان، أحدهما يقال له تضادّ الكيفيّتين اللتين هما أكثر فعلاً، وهما الحرارة والبرودة، والآخر يقال له تضادّ الكيفيّتين اللتين هما أكثر انفعالاً، ووقوع الفعل بهما أكثر، وهما اليبس والرطوبة.
(١٩) معنی الآن وهو الوقت الحاضر يقع علی أمرين، أحدهما النقطة التي لا عرض لها من الزمان، والآخر الوقت الذي له عرض بمنزلة ما نقول إنّ الآن صيف.
[الفصل الثالث]
[ذكر العلامات]
(٢٠) العلامات منها صحّيّة ومنها مرضيّة، وكلّ واحد من هذين الصنفين منه ما هو دالّ علی الأمر الحاضر، ومنه ما هو منذر بما يستأنف، ومنه مذكّر بما قد مضی، وأمّا العلامات التي ليست بصحّيّة ولا مرضيّة، فبعضها يدلّ علی البدن الجامع للغايتين من الصحّة والمرض، وبعضها يدلّ علی البدن الذي لا صحّة له في الغاية ولا مرض في الغاية، وبعضها يدلّ علی البدن الذي يكون في وقت من الأوقات صحيحاً وفي وقت آخر مريضاً، وكلّ واحد من هذه الثلثة الأصناف من العلامات إمّا أن يدلّ علی الحاضر وإمّا أن ينذر بالمستأنف وإمّا أن يذكّر بالسلف، وإذا ألّفت هذه العلامات صار منها خمسة عشر تركيباً علی هذه الصفة:
‹آ› علامة تدلّ علی الصحّة | ‹ب› علامة تنذر بالصحّة | ‹ج› علامة تذكّر بالصحّة |
‹د› علامة تدلّ علی المرض | ‹هـ› علامة تنذر بالمرض | ‹و› علامة تذكّر بالمرض |
‹ز› علامة تدلّ علی بدن لا صحيح ولا مريض في الغاية | ‹ح› علامة تنذر بحال لا صحّيّة ولا مرضيّة في الغاية | ‹ط› علامة تذكّر بحال لا صحّيّة ولا مرضيّة في الغاية |
‹ي› علامة تدلّ علی بدن جامع للأمرين | ‹يا› علامة تنذر بحال جامعة للأمرين | ‹يب› علامة تذكّر بحال جامعة |
‹يج› علامة تدلّ علی بدن صحيح في وقت مريض في وقت آخر | ‹يد› علامة تنذر بحال صحّيّة في وقت مرضيّة في آخر | ‹يه› علامة تذكّر بحال صحّيّة في وقت مرضيّة في وقت آخر |
(٢١) العلامات منها أشياء ينتفع بها المريض فقط، وهي العلامات الدالّة علی ما هو حاضر، ومنها أشياء ينتفع بها الطبيب فقط، وهي العلامات المذكّرة بما قد سلف لأنّ هذه إنّما ينتفع بها في أن يمدح الطبيب ويظهر للناس حذقه وفراهته، ومنها ما ينتفع بها المريض والطبيب معاً، وهي العلامات التي تنذر بما سيكون. وللعلامات تصريف آخر، وهو أنّ ما هو منها دالّ علی الحاضر، فنفعه أوّلاً يعود علی المريض فيما يحتاج إليه من المداواة ومن طريق العرض يعود نفعها علی الطبيب في أن ينجح عمله، وما هو منها مذكّر بما قد سلف، فنفعه يعود أوّلاً علی الطبيب فيما يحتاج إليه من اكتساب الحمد والمدح ويعود نفعه من طريق العرض علی المريض أيضاً في أنّه إذا وثق بحذق الطبيب وجودة نظره استسلم إليه وركن إلی قوله، وذلك ممّا يتبعه حسن العاقبة في المداواة، وما هو منها منذر بما يستأنف، فنفعه يعود عليهما جميعاً أوّلاً وبالعرض.
[الفصل الرابع]
[ذكر أفضل الحالات في الصحّة]
(٢٢) ما كان من الأبدان علی أفضل الحالات في الصحّة، فهو جامع للاعتدال في مزاج الأعضاء المتشابهة الأجزاء واستوائها في تركيب الأعضاء الآليّة، والحال المحمودة في اتّصال جملة البدن. العلامات الدالّة علی اعتدال مزاج الأعضاء المتشابهة الأجزاء منها ما هو جوهريّ بمنزلة الاعتدال في الكيفيّات الأول، وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ومنها ما هو عرضيّ، وهذه العرضيّة منها ملموسة وهي الصلابة المعتدلة واللين المعتدل، ومنها مبصورة، وهي البياض المعتدل والحمرة المعتدلة، ومنها ملموسة ومبصورة معاً بمنزلة الشعر وتوابعه، وهي الأزبّ والأزعر والجعد والسبط وما أشبه ذلك، فإنّ البدن الفاضل يكون معتدلاً في هذه الأحوال كلّها، ومنها تماميّة بمنزلة تمام الأفعال، وكذلك أيضاً العلامات الدالّة علی أفضل الحالات في تركيب الأعضاء الآليّة، منها ما هي جوهريّة، وهي الخلقة والمقادير والعدد والوضع، والخلقة تجمع خمسة أشياء، وهي التقعير والتجويف والشكل والخشونة والملاسة، والوضع يجمع شيئين، وهما الوضع المستقيم والمشاركة، والبدن الذي حاله أفضل الحالات في تركيب
الأعضاء الآليّة هو معتدل في هذه كلّها، ومنها عرضيّة بمنزلة الحسن والجمال، ومنها تماميّة بمنزلة تمام الأفعال، والآفة في الأبدان الصحيحة علی أكثر الأمر التي بسببها صارت ليست بدائمة الصحّة إمّا أن تكون في الأعضاء المتشابهة الأجزاء وإمّا أن تكون في الأعضاء الآليّة، والذي في الأعضاء المتشابهة الأجزاء إمّا في كيفيّة واحدة وإمّا في اثنتين، والتي في الأعضاء الآليّة إمّا في نوع واحد وإمّا في نوعين.
(٢٣) الأشياء التي بها تتمّ الفضيلة في هيئة الأعضاء المتشابهة الأجزاء وفي هيئة الأعضاء الآليّة، بعضها يجري مجری الجنس، وهما شيئان، أحدهما
المزاج والآخر المقدار، وبعضها يجري مجری النوع، وهما شيئان، أحدهما الاعتدال في المزاج والآخر الاعتدال في المقدار، والأشياء أيضاً التي من قبلها تدخل الآفة علی الأعضاء المتشابهة الأجزاء، والآليّة منها ما هي أجناس وهما شيئان أحدهما المزاج، والآخر المقدار، ومنها ما هي أنواع، وهما أيضاً شيئان أحدهما الخروج عن اعتدال المزاج والآخر الخروج عن استواء التركيب، والأعضاء أيضاً تحتاج إلی أن يسلم لها اتّصالها لتكون هيئتها الهيئة الفاضلة، أعني المتشابهة الأجزاء منها، وهي العصب والعروق الضوارب وغير الضوارب وما أشبه ذلك، والمركّبة، وهي الرأس واليد والرجل وما أشبه ذلك.
(٢٤) الفرق بين المسقام والمريض أنّ المسقام ليس ما بأفعاله من المضارّ محسوس والمريض مضارّ أفعاله محسوسة، والفرق بين المسقام والذي هو صحيح علی الأكثر أنّ المسقام مستعدّ ليقهر من الأسباب المرضيّة وأفعاله مضرورة أكثر، والذي هو صحيح علی الأكثر ليس هو بمستعدّ لينقهر الأسباب المرضيّة وأفعاله
مضرورة أقلّ، وفيما بين أفضل طبقات الصحّة وأقصی طبقات المرض مراتب علی هذا المثال:
‹الأوّل› | ‹الثاني› | ‹الثالث› | ‹الرابع› | ‹الخامس› |
أحد الطرفين الصحّة التي هي في غاية الفضيلة | وبعد ذلك مراتب الصحّة الدون | ثمّ الصحّة الوسطی، وهي حال من ليس بصحيح ولا مريض | ثمّ مراتب السقم وهي حالات الأصحّاء، صحّة مسقامة وذلك رديء | والطرف الآخر المرض المستحكم، وهو أردأ الجميع |
(٢٥) الأبدان التي تحدث بها في أفعالها آفة لا تخلو من أن يكون ذلك يعرض لها إمّا عند ذهاب الفعل جملة بمنزلة الأعضاء التي يبطل حسّها وحركتها وإمّا عندما ينقص الفعل، ونقصانه إن كان يسير المقدار فتعرّفه يكون عسراً شاقّاً، وإن كان كثيراً فتعرّفه يكون سهل، وإمّا عندما يجري الفعل مجری رديئاً منكراً وتعرّف ذلك يكون سهلاً بمنزلة الأعضاء التي يحدث بها وجع أو تشنّج. المضارّ الحادثة
في البدن ضربان، أحدهما أن تكون المضرّة تخفی عن الحسّ وتوجد في الطبع، وإذا كان كذلك لم يقل إنّ البدن مريض، والآخر أن تكون المضرّة موجودة حسّاً، وإذا كانت كذلك فإنّها إن كانت مضرّة يسيرة قيل إنّ ذلك البدن صحيح صحّة وسطاً، أي ليس هو بصحيح ولا مريض. إن كانت أكثر من ذلك، قيل إنّ البدن صحيح صحّة مسقامة، وإن كانت أكثر من ذلك أيضاً قيل إنّه مريض.
(٢٦) والأبدان الناقصة عن أفضل الهيئات، بعضها ينقص نقصاناً يسيراً، وبعضها نقصانه أكثر، وبعضها أكثر من ذلك أيضاً، وبعضها نقصانه أكثر بكثير، وكذلك أيضاً العلامات بعضها تنقص عن الدلالة علی الهيئة الفاضلة مقداراً يسيراً، وبعضها نقصانه عن ذلك أكثر، وبعضها أكثر من ذلك، وبعضها كثير النقصان جدّاً، وتصنيف مراتب هذه الحالات يجري علی هذا المثال:
‹آ› أوّلها حال الأبدان الصحيحة صحّة في غاية الفضيلة | ‹ب› والثاني حال الأبدان التي صحّتها دون الفضيلة | ‹ج› والثالث حال الأبدان التي ليست بصحيحة ولا مريضة | ‹د› والرابع حال البدن الذي هو مسقام | ‹هـ› والخامس حال البدن المريض مرض دون | ‹و› والسادس حال من هو في غاية المرض |
وجملة الأمر في تعرّف الأبدان المسقامة قد وصفناها فيما تقدّم، فأمّا علی التفصيل، أعني تعرّف كلّ واحد من الأعضاء علی الانفراد، فنحن نصفه هاهنا، فالبدن المسقام لا يخلو من أن يكون مسقاماً مطلقاً، وهو هذا الذي نذكره في هذا الموضع أو مسقاماً في الوقت الحاضر، وهو الذي نذكره في آخر الأمر.
[الفصل الخامس]
[ذكر أجناس الأعضاء]
(٢٧) أجناس ما في البدن من الأعضاء أربعة، وذلك أنّ منها رئيسة، وهي الدماغ والقلب والكبد والأنثيان، ومنها خول وخدم للرؤساء، وهي العصب، وهي خول وخدم للدماغ، والعروق الضوارب، وهي خول وخدم للقلب، والعروق الغير الضوارب، وهي خول وخدم الكبد، وأوعية المنی، وهي خول وخدم للأنثيين، ومنها ما لها في أنفسها قوی غريزيّة، وهي العظام والغضاريف والرباطات واللحم الرخو وما أشبه ذلك، ومنها ما لها قوی غريزيّة وقوی تجري إليها من غيرها، وهي اليدان والرجلان والصدر وما أشبه ذلك.
[الفصل السادس]
‹الاستدلال علی الدماغ›
(٢٨) العلامات الدالّة علی حالات الدماغ بعضها جوهريّة، وهي خمسة أجناس، وبعضها عرضيّة بمنزلة ما يتّفق له أن يكون تسرع إليه المضرّة من الأسباب التي تحدث من خارج أو لا تسرع إليه، فأمّا الخمسة الجوهريّة، فأحدها حال الرأس والثاني حال الأفعال الحسّاسة والثالث حال الأفعال المحرّكة والرابع حال الأفعال السياسيّة، المدبّرة، والخامس حال الأفعال الطبيعيّة، وحال الرأس تجمع ثلثة أشياء، أحدها مقداره والثاني شكله والثالث شعره، أمّا مقدار الرأس فإنّه إمّا أن يكون كبيراً وإمّا أن يكون صغيراً، وأمّا شكله فإنّه إمّا أن يكون حسن الشكل وإمّا أن يكون رديء الشكل، وأمّا شعره فيلزمه ثلثة أشياء، أحدها مقداره والثاني شكله والثالث لونه، أمّا مقدار الشعر فإنّه لا يخلو من أن يكون إمّا غليظ الطاقة وإمّا دقيق الطاقة، وأمّا شكله فإنّه لا يخلو من أن يكون إمّا جعداً وإمّا سبطاً، وأمّا لونه فإنّه يكون إمّا بلون النار وإمّا أحمر وإمّا أشقر وإمّا أبيض وإمّا أسود. وأمّا الأفعال الحسّاسة، فهي خمسة، البصر والسمع والشمّ والمذاق واللمس، وأمّا الأفعال المحرّكة، فهي الأفعال التي تتمّ بالعضل، وأمّا الأفعال السياسيّة،
أي المدبّرة، فهي التخيّل والفكر والذكر، وأمّا الأفعال الطبيعيّة، وهي جذب الغذاء وإمساكه وإنضاجه ودفع ما يبقی منه.
(٢٩) والرأس يكون إمّا كبيراً وإمّا صغيراً، والصغير يدلّ علی كلّ حال أنّ بنية الدماغ وهيئته رديئة، وأمّا الكبير فإنّه إن كان السبب في كبره كثرة المادّة وضعف القوّة، فهو يدلّ علی أنّ الدماغ رديء البنية والهيئة، فإن كان السبب في ذلك كثرة المادّة وصحّة القوّة، فهو يدلّ علی أنّ بنية الدماغ وهيئته جيّدة فاضلة، وللرأس الكبير علامات ودلائل يتعرّف بها أمره، هل عرض له ذلك بسبب كثرة المادّة مع ضعف من القوّة أو بسبب كثرة المادّة مع صحّة من القوّة، وهذه العلامات والدلائل تكون في الأشياء التي تنبت منه ومن شكله، أمّا من الأشياء التي تنبت منه فإنّه إن كان العصب والنخاع والعنق غليظاً قويّاً، فالسبب في كبره أنّ المادّة كانت كثيرة والقوّة قويّة، وإن كان ما سمّيناه دقيقاً ضعيفاً، فالسبب في ذلك كثرة المادّة مع ضعف من القوّة.
(٣٠) وأمّا الدلالة من شكل الرأس فإنّه إن كان الرأس حسن الشكل، فالسبب في كبره أنّ المادّة كانت كثيرة والقوّة قويّة، وإن كان رديء الشكل، فالسبب في ذلك كثرة المادّة مع ضعف من القوّة، والرأس الكبير الذي يدلّ علی أنّ الدماغ فاضل البنية والهيئة يعرف من الأشياء التي منشؤها منه ومن شكله، أمّا من الأشياء
التي منشؤها منه، فأن يكون العنق قويّاً، واليدان والرجلان بأفضل هيئة، وجميع أجناس العصب غليظة قويّة، وأمّا من شكله، فبأن يكون حسن الشكل، وللرأس نتوآن، أحدهما من قدّام، وذلك لأنّ العصب الحسّيّ ينبت من مقدّم الدماغ، والآخر من خلف، وذلك لأنّ العصب المحرّك والنخاع ينبت من مؤخّر الدماغ، وكلّ واحد من هذين النتوئين ينقص ويزيد إلّا أنّ نقصانه وصغره يكون إمّا من قبل نقصان في المادّة، وهذا النقصان أقلّ رداءة من غيره، وإمّا من قبل ضعف من القوّة، وهذا أعظم شرّاً، وجميعاً يتعرّفان من الأشياء التي منشؤها من الدماغ، وأمّا الزيادة، فهي أن يصير الرأس مسفّطاً، فيكون إمّا بسبب كثرة المادّة مع ضعف من القوّة، وذلك رديء، وإمّا بسبب كثرة المادّة مع صحّة من القوّة، وذلك أفضل.
(٣١) شؤون الرأس، وهي دروزه، خمسة، ثلثة منها هي دروز بالحقيقة، واثنان ليسا دروزه بالحقيقة، أمّا الثلثة الحقيقيّة، فواحد منها الدرز الإكليليّ، وهو من مقدّم الدماغ حيث يوضع الإكليل من الرأس، والآخر السفوديّ، وهو الذي يقطع الرأس في طوله بنصفين علی الاستقامة من قدّام إلی خلف، والثالث الشبيه باللام في حروف اليونانيّين، وهذا الدرز الذي من خلف علی هذا المثال Λ، وأمّا الاثنان اللذان ليسا بحقيقيّين، فهما علی جنبتي الرأس، ويقال لهما
الدرزين القشريّين لأنّهما التزاق عظم بعظم، واحد من الجانب الأيمن، والآخر من الجانب الأيسر، وهذا مثال الخمسة الدروز:
‹الدرز› القشريّ | ||
الشبيه باللام | ‹الدرز› السفوديّ | ‹سطابانودس› الإكليليّ |
‹الدرز› السهميّ | ||
‹الدرز› القشريّ |
الدماغ مقسوم بجزئين حيث الدرز الشبيه باللام والجزء المقدّم منه يقال له مقدّم الدماغ، والجزء الخلف منه يقال له مؤخّر الدماغ.
(٣٢) العصب منه محرّك ومنشؤه من مؤخّر الدماغ لأنّ هذا الجزء ينبت منه عصب محرّك كثير وعصب حسّاس يسير، ومنه حسّاس ومنشؤه من مقدّم الدماغ لأنّ هذا الجزء ينبت منه عصب حسّاس كثير وعصب محرّك يسير.
(٣٣) الأفعال السياسيّة، أي المدبّرة، ثلثة، وهي التخيّل والفكر والذكر، ولكلّ واحدة من هذه الثلثة فضيلة تحمد وآفة تذمّ، ففضيلة التخيّل سرعة قبول العلم، وهذا ممّا يدلّ علی أنّ الجزء المقدّم من أجزاء الدماغ سريع الانطباع والقبول لأنّ
التخيّل إنّما يكون بهذا الجزء من أجزاء الدماغ، وأوفق الأمزاج لذلك المزاج المعتدل الرطوبة إذ كان ليس يمكن سرعة الانطباع وسهولة قبول الصورة في الشيء اليابس الصلب، ولا في الشيء الكثير الرطوبة، بل في الشيء المعتدل فيما بينهما، وآفة التخيّل وسوء حاله عسر القبول للتعليم، وذلك ممّا يدلّ علی أنّ الجزء المقدّم من أجزاء الدماغ عسر الانطباع والقبول للصورة لأنّه صلب، والصلابة تابعة لإحدی أمرين إمّا لليبس وإمّا للبرد، والأولی بها في هذا الموضع أن تكون تابعة لليبس، وأمّا الفكر ففضيلته وكماله لطافة الذهن وسرعة الفهم، وذلك ممّا يدلّ علی لطافة الروح النفسانيّ ولطافة الروح النفسانيّ تابعة لبلوغ الغاية في النضج، وبلوغ الغاية في النضج تابعة لاعتدال الحرارة وقلّة الرطوبة، وآفة الفكر وسوء حاله التخلّف والإبطاء في الفهم، وذلك ممّا يدلّ علی غلظ الروح النفسانيّ، وغلظ الروح النفسانيّ تابع لأحد أمرين إمّا لكثرة الرطوبة وإمّا للبرودة. وأمّا الذكر ففضيلته جودة الحفظ، وذلك يدلّ علی يبس الجزء المؤخّر من أجزاء الدماغ لأنّ الذكر إنّما يكون هناك، والحفظ يحتاج إلی شيء له ثبات وبقاء، واليابس هو علی هذه الصفة، وآفة الذكر وسوء حاله النسيان، وذلك يدلّ علی أنّ الجزء المؤخّر من أجزاء الدماغ أرطب ممّا ينبغي، وإذا كان الشيء رطباً فهو سيّال جارٍ لا لبث له ولا بقاء.
[الفصل السابع]
[ذكر مزاج الدماغ المعتدل]
(٣٤) وممّا يستدلّ به علی أنّ مزاج الدماغ حارّ سرعة الاستحالة إلی الآراء وقلّة الثبات علی العزيمة، والدليل علی ذلك حال الصبيان، وممّا يستدلّ به علی أنّ مزاج الدماغ بارد الثبات علی العزيمة، والدليل علی ذلك حال الشيوخ. إذا كان مزاج الدماغ معتدلاً كانت أحواله معتدلة في الأفعال الحسّاسة، وهي البصر والسمع والشمّ والمذاق واللمس، وفي الأفعال الإراديّة، وهي الحركات أجمع، وفي الأفعال السياسيّة المدبّرة، وهي التخيّل والفكر والذكر، وفي الأفعال الطبيعيّة، وهي التي تعرف بالفضول التي تستفرغ من الأنف ومن ثقبي الحنك ومن الأذنين، وتكون لا تسرع إليه المضارّ من الأشياء التي تلقاه من خارج بمنزلة الأشياء التي تسخن أو تبرّد أو ترطّب أو تيبّس، وإذا كان الدماغ أيضاً معتدل المزاج كان شعره في وقت ما يكون الإنسان طفلاً يضرب إلی لون النار وفي وقت ما يكون صبيّاً يضرب إلی الحمرة الناصعة، وفي وقت المنتهی والكمال يكون شعره أصهب أشقر وسط فيما بين السبط والجعد، وذلك في البلد المعتدل. الشعر يكون جعداً أسود إمّا بسبب حرارة الدماغ وإمّا بسبب حرارة البلد وإمّا بسبب حرارة الأخلاط وغلبة المرار عليها، وذلك تابع لحرارة الكبد.
[الفصل الثامن]
[ذكر أمزجة الدماغ الغير المعتدلة]
(٣٥) وإذا كان الدماغ زائلاً عن المزاج المعتدل، فليس يخلو مزاجه الزائل من أن يكون إنّما زال عن المزاج الطبيعيّ زوالاً يسيراً أو يكون قد زال عنه زوالاً كبيراً، فإن كان زواله يسيراً، كانت علامته ضعيفة خفيّة، وإن كان زواله كبيراً كانت علامته قويّة بيّنة. وأصناف المزاج الرديء من مزاج الدماغ ثمانية كمثل ما عليه أصناف المزاج الرديء في سائر الأعضاء، منها أربعة أصناف مفردة بسيطة، ومنها أربعة مركّبة، أمّا البسيطة المفردة، فالحارّ والبارد والرطب واليابس، وأمّا المركّبة فالحارّ اليابس والحارّ الرطب والبارد اليابس والبارد الرطب، وجميع هذه الأصناف إمّا أن يكون زوالها عن الحال الطبيعيّة زوالاً يسيراً وتكون علاماتها غير بيّنة، وإمّا أن يكون زوالها كثيراً وتكون علاماتها بيّنة.
[الفصل التاسع]
ذكر مزاج العين
(٣٦) الذي يستدلّ به علی مزاج العين أحارّ هو أم بارد حال العين في حركاتها وحال العروق التي فيها وحال ما يتبيّن للمس منها، والذي يستدلّ به علی مزاجها أرطب هو أم يابس، أنّ المزاج الرطب تكون معه العين ليّنة الملمس وتكون مملوءة رطوبة، واليابس تكون معه العين صلبة وتكون يابسة جافّة، وللعين علامة عامّيّة يستدلّ بها علی كيفيّة تفرط عليها كمثل ما يستدلّ به علی كلّ عضو آخر، أيّ عضو كان، وهي أنّ الأشياء المشبهة للكيفيّة المفرطة عليها تضرّها، والأشياء المخالفة لها تنفعها. الحال في كبر العين تعرف من خلقتها ومن فعلها، أمّا من خلقتها فإنّها إن كانت كبيرة وكانت خلقتها حسنة دلّ ذلك علی أنّ المادّة التي منها خلقت كانت كثيرة معتدلة المزاج، وإن كانت كبيرة ولم تكن خلقتها حسنة دلّ ذلك علی أنّ المادّة كانت كثيرة إلّا أنّها لم تكن معتدلة، وإمّا من فعلها فإنّها إن كانت تفعل فعله علی التمام حسناً دلّ ذلك علی أنّ المادّة التي منها خلقت كانت جيّدة، وإن كان في فعلها تقصير دلّ ذلك علی سوء مزاجها، وكذلك الحال أيضاً في صغر العين تعرف من خلقتها ومن فعلها، أمّا من خلقتها فإنّها إن كانت صغيرة وكان شكلها حسناً كان ذلك دليلاً علی أنّ المادّة التي منها خلقت كانت يسيرة إلّا أنّها كانت معتدلة المزاج جيّدة، فأمّا إن كانت صغيرة ولم يكن شكلها حسناً، فذلك منها يدلّ علی أنّ المادّة
كانت يسيرة ومزاجها كان رديئاً، وأمّا من فعلها فإنّها إن كانت تفعل فعلها حسناً دلّ ذلك علی أنّ المادّة التي منها خلقت كانت جيّدة، وإن كانت لا تفعل فعلها حسناً دلّ ذلك علی أنّ مزاجها رديئاً.
(٣٧) الزرقة تكون في العين إمّا بسبب نقصان الرطوبة الشبيهة ببياض البيض التي في العين وإمّا بسبب صفائها ونقائها، وإمّا بسبب ضياء الرطوبة الشبيهة بالجليد، وإمّا بسبب كثرتها، وإمّا بسبب أنّها موضوعة ممّا يلي خارج. الكحولة تكون في العين إمّا بسبب كثرة الرطوبة الشبيهة ببياض البيض، وإمّا بسبب غلظها وكدورتها، وإمّا بسبب أنّ الرطوبة الجليديّة ليست بمضيئة، وإمّا بسبب أنّها صغيرة، وإمّا بسبب أنّها موضوعة ممّا يلي داخل.
(٣٨) وقد يقسم هذا المعنی بقسمة أخری علی هذه الحكاية. العين تكون زرقاء أو كحلاء إمّا بسبب الرطوبة الشبية ببياض البيض، وإمّا بسبب الرطوبة الشبيهة بالجليد، ومن أجل الرطوبة الشبيهة ببياض البيض إمّا لكمّيّتها وإمّا لكيفيّتها، أمّا بسبب كمّيّتها فإنّها إن كانت يسيرة صارت العين بها زرقاء، وإن كانت كثيرة صارت العين بها كحلاء، وأمّا بسبب كيفيّتها فإنّها إن كانت صافية صارت العين بها زرقاء، وإن كانت غليظة كدرة صارت العين بها كحلاء، وأمّا بسبب الرطوبة الجليديّة فيكون ذلك إمّا لكمّيّتها وإمّا لكيفيّتها وإمّا لوضعها، أمّا بسبب كيفيّتها فإنّها إن كانت
مضيئة تصير العين بها زرقاء، وإن لم تكن مضيئة تصير العين بها كحلاء، وأمّا بسبب كمّيّتها فإنّها إن كانت كبيرة تصير العين زرقاء، وإن كانت صغيرة تصير العين غير زرقاء، وأمّا بسبب وضعها، فإنّها إن كانت موضوعة ممّا يلي خارج صارت العين زرقاء، وإن كانت موضوعة ممّا يلي داخل صارت العين كحلاء. كلّما كانت الرطوبة الشبيهة ببياض البيض أرقّ وأكثر ممّا ينبغي كانت العين أرطب، وكلّما كانت أغلظ وأقلّ كانت العين أيبس، وكذلك الرطوبة الشبيهة بالجليد، وقد تختلف وتتغيّر، إمّا من طريق مزاجها وإمّا من طريق قوامها، واختلافها وتغيّرها من طريق المزاج إن كان ميلها إلی اليبس تصير العين يابسة، أو ميلها إلی الرطوبة تصير العين رطبة، وأمّا اختلافها وتغيّرها من طريق القوام، فإنّه إن كان ميلها إلی الرقّة بأكثر ممّا ينبغي تصير العين بها رطبة، وميلها إلی الغلظ بأكثر ممّا ينبغي تصير العين يابسة.
(٣٩) وقد يقسم هذا المعنی بعينه بقسمة أخری علی هذه الحكاية. العين تكون رطبة أو يابسة، إمّا بسبب الرطوبة الشبيهة ببياض البيض وإمّا بسبب الرطوبة الجليديّة. أمّا بسبب الرطوبة الشبيهة ببياض البيض، إمّا لكمّيّتها وإمّا لكيفيّتها، أعني
قوامها. أمّا من طريق كمّيّتها، فإنّها إن كانت كبيرة المقدار صارت العين بها رطبة، وإن كانت يسيرة المقدار صارت العين بها يابسة، وأمّا من طريق كيفيّتها، وقوامها، فإنّها إن كانت رقيقة صارت العين بها رطبة، وإن كانت غليظة صارت العين بها يابسة، وبسبب الرطوبة الجليديّة، إمّا لمزاجها وإمّا لقوامها، أمّا من طريق مزاجها، فإنّها إن كانت يابسة صارت العين بها يابسة، وإن كانت رطبة صارت العين بها رطبة، وأمّا من طريق قوامها فإنّها إن كانت غليظة صارت العين يابسة، وإن كانت رقيقة صارت العين بسببها رطبة.
ذكر تركيب العين
(٤٠) العين مركّبة من ثلث رطوبات وطبقتين، أمّا الثلث الرطوبات، فالواحدة منهنّ شبيهة بالزجاج الذائب، والأخری شبيهة بالجليد، والثالثة شبيهة ببياض البيض، وأمّا الطبقتان، فأحدهما منشؤها من الغشاء الصلب من غشاء الدماغ، والأخری من الغشاء الرقيق، والطبقة التي منشؤها من الغشاء
الصلب يسمّی ما هو منها من وراء الرطوبة الجليديّة الطبقة الشبيهة بالشبكة لأنّ ذلك الجزء منها يحتوي علی جميع ما في العين بمنزلة الشبكة، وأمّا ما هو منها من قدّام الجليديّة، فيسمّی الطبقة الشبيهة بالقرن، وذلك لرقّة هذا الجزء وصفائه، فأمّا الطبقة التي من الغشاء الرقيق، فيسمّی ما هو منها من وراء الرطوبة الجليديّة الطبقة الشبيهة بالمشيمة، وذلك لكثرة ما في هذا الجزء من العروق الضوارب وغير الضوارب، وأمّا ما هو منها من قدّام الجليديّة، فيسمّی الطبقة الشبيهة بالعنبيّة لأنّ هذا الجزء منها شبيه بحبّة العنب، وأمّا الغشاء المتّصل بالطبقة الشبيهة بالقرن، وهو الذي منشؤه من الغشاء الذي فوق القحف، فإنّما هو بمنزلة الوقاية واللباس لهذه الأشياء التي وراءه، ويقال له باليونانيّة إفيفافوقوس.
[الفصل العاشر]
‹ذكر مزاج القلب›
(٤١) أنواع سوء مزاج القلب ثمانية كمثل ما يكون عليه أنواع سوء مزاج كلّ واحد من سائر الأعضاء، ومن هذه الثمانية أربعة مفردة بسيطة وأربعة مركّبة، أمّا البسيطة المفردة فالحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة، وأمّا المركّبة فالحرارة واليبوسة والحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة والبرودة والرطوبة.
(٤٢) والعلامات الدالّة علی سوء مزاج القلب الحارّ ثلثة أنواع، أحدها نوع العلامات الخاصّيّة بهذا المزاج الحارّ التي لا تزايله، والثاني نوع العلامات التي ليست بخاصّيّة لهذا المزاج ولا غير مفارقة له، والثالث نوع العلامات المتوسّطة فيما بين هذين. أمّا العلامات الخاصّيّة التي لا تزايل المزاج الحارّ، فعظم التنفّس وسرعة النبض وتواتره، وأمّا العلامات التي ليست بخاصّيّة لهذا المزاج ولا غير مفارقة له، فالغضب وسعة الصدر، أمّا الغضب فإنّه ينتقل ويتغيّر عمّا يوجبه هذا المزاج
بالأخلاق الفلسفيّة، وأمّا سعة الصدر فإنّها تتغيّر وتخالف ما يوجبه هذا المزاج بمقدار الدماغ، وأمّا العلامات المتوسّطة فيما بين ذينك النوعين، فبمشاركة البدن كلّه للقلب في هذا المزاج وكثرة الشعر في الصدر، وذلك أنّ هاتين العلامتين تتغيّران ببرودة الكبد ورطوبتها، وقولنا إنّ سعة الصدر تتغيّر بسبب مقدار الدماغ إنّما نريد أنّ الدماغ إذا كان عظيم المقدار لزم من ذلك ووجب عنه أن يكون النخاع أيضاً عظيم المقدار إذ كان منشؤه منه، وإذا كان النخاع عظيماً وجب أن تكون الفقارات المحتوية عليه كباراً، وإذا كانت الفقار كباراً وجب أن تكون الأضلاع الناشئة منها كباراً، وإذا كانت الأضلاع كباراً وجب أن يكون الصدر المؤلّف منها كباراً واسعاً، وسعة الصدر تابعة لأحد ثلثة أشياء، إمّا لحرارة القلب وإمّا لعظم مقدار الدماغ وإمّا لهما جميعاً. والعلامات الدالّة علی مزاج القلب البارد صغر النبض وضيق الصدر وإفراط الجبن وقلّة الشعر في الصدر وبرد جميع البدن. والعلامات الدالّة علی مزاج القلب اليابس صلابة النبض وسبعيّة الخلق ويبس جميع البدن، والعلامات الدالّة علی مزاج القلب الرطب لين النبض وسرعة الغضب وسهولة سكونه ورطوبة البدن إن لم يقاومه الكبد.
[الفصل الحادي عشر]
[ذكر الأمزجة المركّبة للقلب]
(٤٣) والعلامات الدالّة علی مزاج القلب الحارّ اليابس عظم النبض وصلابته وعظم التنفّس وسعة الصدر والجرأة وحدّة الأخلاق وسرعة الحركة إلی الغضب وإبطاء سكونه، وإذا كان الخلق كذلك، فهو من أخلاق العتاة وكثرة الشعر وتكاثفه في الصدر وحرارة جميع البدن ويبسه. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج القلب حارّ رطب عظم النبض ولينه وسهولة انبعاث الغضب جدّاً وسرعة سكونه وكبر الصدر وعظم التنفّس وكثرة الأمراض العفونيّة إن أفرطت الرطوبة وقوّة حرارة جميع البدن، وإن لم يخالف الكبد كان البدن مع حرارته رطباً أيضاً. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج القلب بارد رطب لين النبض وصغره وإفراط الجبن والكسل وقلّة الغضب وقلّة الشعر في الصدر وبرد جميع البدن، وإن لم يخالفه الكبد كان البدن مع برده رطباً. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج القلب بارد يابس صغر النبض وصلابته وصغر الصدر وضيقه وقلّة الشعر في الصدر وصغر التنفّس وبرد جميع البدن ويبسه.
[الفصل الثاني عشر]
‹ذكر مزاج الكبد›
(٤٤) والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الكبد حارّة سعة العروق وكثرة المرّة الصفراء، وفي منتهی الشباب الزيادة في السوداء وكثرة الشعر في مراقّ البطن وحرارة جميع البدن إن لم يخالفها القلب. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الكبد بارد ضيق العروق وإفراط البلغم في الدم وقلّة الشعر في مراقّ البطن وبرد البدن إن لم يخالفها القلب. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الكبد رطب لين العروق ورطوبة الدم ورطوبة جميع البدن. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الكبد يابس صلابة العروق وغلظ الدم ويبس جميع البدن. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الكبد حارّ يابس كثرة الشعر وكثافته في مراقّ البطن وسعة العروق وصلابتها وقلّة الدم وغلظه ويبس جميع البدن وحرارته إن لم يخالفها القلب.
(٤٥) والحال في مخالفة كلّ واحد من القلب والكبد مزاج الآخر ومقاومته إيّاه أنّ حرارة القلب تغلب برودة الكبد غلبة قويّة وبرودته أضعف قوّة في غلبة حرارتها، ورطوبته لا تغلب يبسها أصلاً، ويبسه يغلب رطوبتها غلبة ضعيفة، وحرارة الكبد تغلب برودة القلب غلبة ضعيفة، ورطوبتها تغلب يبسه غلبة قويّة، وبرودتها أضعف قوّة في الغلبة لحرارته، ويبسها لا يزال دائماً غالباً لرطوبته.
(٤٦) والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الكبد حارّ رطب عظم مقادير العروق وكثرة الشعر في مراقّ البطن إلّا أنّه علی حال أقلّ منه في المزاج الحارّ اليابس وكثرة الأمراض العفونيّة ورطوبة جميع البدن وحرارته. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الكبد بارد يابس ضيق العروق وقلّة الدم وقلّة الشعر في مراقّ البطن ويبس جميع البدن، والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الكبد بارد رطب ضيق العروق وغاية قلّة الشعر في المراقّ وإفراط البلغم في الدم ورطوبة جميع البدن.
[الفصل الثالث عشر]
‹ذكر مزاج الأنثيين›
(٤٧) والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الأنثيين حارّ كثرة الجماع وتوليد الذكورة وإنزال النطفة المولّدة وكثرة الشعر في الأعضاء التي حول العانة. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الأنثيين بارد هي من الأشياء المخالفة لهذه، أعني الإبطاء في الحركة إلی الجماع وقلّة الانتشار وتوليد الإنات وإنزال النطفة التي لا يكون منها ولد وقلّة الشعر في العانة. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الأنثيين رطب كثرة المنی ورطوبته. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الأنثيين يابس قلّة المنی وغلظه، والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الأنثيين حارّ يابس مسابقة الشهوة للجماع قبل الوقت الموجب وغلظ المنی وقلّته وكثرة الشعر في العانة وسرعة الفراغ والإنزال عند الجماع وكثرة توليد الأولاد. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الأنثيين حارّ رطب مسابقة الشهوة للجماع قبل وجوب الوقت وإنزال النطفة التي قليل ما يكون منها ولد وكثرة المنی ورطوبته وأن يكون ذلك الإنسان إذا لم يباضع
ضرّه. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الأنثيين بارد رطب أن يكون الإنسان بطيئاً ما ينهض شهوته للجماع، وأن يكون الشعر التي في عانته قليلاً، وأن تكون نطفته رقيقة شبيهة بالماء. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج الأنثيين بارد يابس أن لا يسرع الإنسان في الجماع ويكون الشعر في عانته قليلاً، ونطفته غليظة أرضيّة.
[الفصل الرابع عشر]
‹ذكر مزاج البدن، يعني اللحم›
(٤٨) والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج جميع البدن معتدل، أعني مزاج اللحم في جميع البدن، أن يكون لون البدن مختلطاً مركّباً من حمرة وبياض، وأن يكون شعره متوسّطاً فيما بين الجعد والسبط أشقر، وأن يكون ملمسه معتدلاً فيما بين الكيفيّات الملموسة، وهي الحرارة والبرودة والسمن والقضافة واللين والصلابة.
[الفصل الخامس عشر]
[ذكر أمزجته البسيطة]
(٤٩) والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج اللحم حارّ أن يكون البدن حارّ الملمس كثير الشعر الغالب علی لونه الحمرة قليل الشحم. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج اللحم بارد أن يكون الغالب علی البدن في ملمسه البرد، ويكون شعره قليلاً وبياضه وشحمه كثيراً. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج اللحم يابس أن يكون البدن قضيفاً والجلد منه صلباً. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج اللحم رطب أن يكون البدن غليظاً ويكون مع غلظه ليّناً.
[الفصل السادس عشر]
[ذكر أمزجته المركّبة]
(٥٠) والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج اللحم حارّ يابس أن يكون البدن حارّ الملمس صلب الجلد ويكون شعره كثيراً جعداً ويكون بدنه قضيفاً. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج اللحم حارّ رطب كثرة اللحم ولين البدن وحرارة الملمس واعتدال الشعر. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج اللحم بارد يابس صلابة الجلد وقلّة الشعر وبياض اللون وتبدّد الشحم في اللحم. والعلامات الدالّة علی أنّ مزاج اللحم بارد رطب كثرة اللحم وكثرة الشحم وبياض اللون وقلّة الشعر.
(٥١) إسراع البرودة إلی العضو يكون إمّا لأنّ في العضو برودة خاصّة له، وإمّا لأنّه متخلخل، وعسر قبول العضو للبرودة، إمّا لأنّه حارّ وإمّا لأنّه كثيف، ويكون العضو في منظره غليظاً، إمّا لكثرة ما فيه من جوهر اللحم، وإمّا لغلظ العظام التي تحت اللحم، ويكون العضو في منظره دقيقاً، إمّا لأنّ ما فيه من العضل قليل، وإمّا لدقّة ما فيه من العظام.
(٥٢) الرطوبات الطبيعيّة في أعضاء البدن أربع، إحداهنّ الرطوبة التي في العروق، وهي الدم، والثانية الرطوبة المبثوثة في الأعضاء بمنزلة الرذاذ، والثالثة الرطوبة التي في الأعضاء الرطبة القريبة الانعقاد وبالجمود وهي الشحم واللحم، والرابعة الرطوبة المداخلة للأعضاء منذ أوّل وقوع النطفة.
[الفصل السابع عشر]
[ذكر مزاج المعدة]
(٥٣) والعلامات الدالّة علی أنّ المعدة يابسة كثرة العطش والاكتفاء بالمقدار اليسير من الشراب، وحدوث الكظّة من المقدار الكثير وحسن القبول للأطعمة التي اليبس عليها غالب. والعلامات الدالّة علی أنّ المعدة رطبة قلّة العطش والاحتمال للشراب الكثير من غير كظّة وحسن القبول للأطعمة التي الرطوبة عليها أغلب. والعلامات الدالّة علی أنّ المعدة حارّة أن تكون المعدة تهضم الأطعمة القويّة وتفسد فيها الأطعمة السريعة التغيّر، وتكون حسنة القبول لما كان من الأطعمة أشدّ حرارة. والعلامات الدالّة علی أنّ المعدة باردة أن تكون الشهوة جيّدة، وتكون المعدة تهضم الأشياء السريعة الانهضام فقط، ولا تهضم هذه الأشياء إلّا بكدّ ويكون الجشاء حامض، إمّا لبردها، والبلغم ينصبّ إليها من الرأس، وذلك إذا كان الدماغ بارداً، وعرف بعلامات.
[الفصل الثامن عشر]
[ذكر مزاج الرئة]
(٥٤) والعلامات الدالّة علی أنّ الرئة حارّة أن يكون العطش يسكن باستنشاق الهواء البارد لا بالشراب، ويكون ذلك الإنسان يحسّ في صدره بالتهاب ويكون ما تخرجه النفخة عظيماً ويستنشق هواء كثير، ويكون صوته أيضاً عظيماً. والعلامات الدالّة علی أنّ الرئة باردة أن يكون يسرع إليها الضرر من الهواء البارد، وتكثر فيها الفضول البلغميّة، ويكون الصوت صغيراً. والعلامات الدالّة علی أنّ الرئة يابسة أن يكون ما يتولّد فيها من الفضول يسيراً، ويكون الصوت شبيهاً بصوت الكراكي. والعلامات الدالّة علی أنّ الرئة رطبة كثرة
ما يتولّد فيها من الفضول وبحّة الصوت. أسباب الصوت تختلف بحسب اختلافه، فالصوت العظيم يكون من قبل الحرارة والصغير من قبل البرودة والشبيه بصوت الكراكي من قبل اليبس، والأبحّ من قبل الرطوبة، والأملس من قبل اعتدال المزاج، والخشن من قبل اليبس، وكذلك أيضاً الصوت الحادّ يكون من قبل البرودة، والثقيل من قبل الحرارة.
(٥٥) وقد يستدلّ علی مزاج كلّ واحد من الأعضاء بما يناله من الأشياء التي تلقاه من خارج، وبما يكون من أفعال الطبيعة، أمّا من الأشياء التي تلقاه من خارج، فإنّه إن كان يسخن سريعاً فالغالب عليه الحرارة، وإن كان يبرد سريعاً، فالغالب عليه البرودة، وأمّا من أفعاله الطبيعيّة، فإنّه إن كان يتولّد فيه فضل كثير، فهو أبرد وإن كان يتولّد فيه فضل يسير نضيج، فهو أسخن.
[الفصل التاسع عشر]
[ذكر الآفات]
(٥٦) الآفات الحادثة في الأعضاء المركّبة، بعضها يدرك حسّاً وبعضها لا يدرك حسّاً، أمّا الذي يدرك منها حسّاً، فبمنزلة الرأس المسفّط، واللاطئ والكبير أو الصغير أو المعتدل، وبمنزلة الصدر الكبير أو الصغير أو المعتدل، وبمنزلة الساقين إذا كانتا علی الاستقامة أو كانتا مقوّستين إلی خارج أو إلی داخل، وأمّا الذي لا يدرك منها حسّاً، فبعضه يتعرّف سريعاً بمنزلة الآفات الحادثة في المعدة، وفي المثانة، وبعضه تعسر تعرّف مثله الآفات الحادثة في الكبد وفي مجاري المرّة، وبعضه لا يعرف أصلاً بمنزلة الآفات الحادثة في الأمعاء وفي مجاري البول، وكلّ واحد من هذه الأعضاء التي جری ذكرها تحدث فيها أمراض.
(٥٧) وأمّا المعدة فتحدث فيها ثلثة أمراض، أحدها في المقدار، وذلك أنّا نجدها في بعض الأوقات أصغر ممّا ينبغي، والثاني في الخلقة، وذلك أنّا نجدها في بعض الأوقات مستحكمة الاستدارة، والثالث في الوضع، وذلك أنّا نجدها في بعض الأوقات وفي بعض الناس ناتئة إلی خارج، وأمّا المثانة فيحدث فيها مرضان، أحدهما في المقدار، وذلك أنّا نجدها في بعض الناس أصغر ممّا ينبغي، والثاني في الوضع، وذلك أنّا نجدها في بعض الناس ناتئة إلی خارج. وأمّا الكبد فتحدث فيها ثلثة أمراض، أحدها في الخلقة، وذلك أنّا نجدها ضيّقة العروق والمجاري، والثاني في الوضع، وذلك أنّا نجدها خارجة عن موضعها الطبيعيّ، والثالث في المقدار، وذلك أنّا نجدها في بعض الأوقات صغيرة.
[الفصل العشرون]
[ذكر التعرّف بأحوال مرضيّة]
(٥٨) الأعضاء المريضة مرضاً خاصّاً، إن كانت من الأعضاء التي هي في ظاهر البدن فأمراضها تعرف من تغيّر اللون ومن لين الملمس وصلابته وحرارته وبرودته، ومن المقدار ومن العدد، وإن كانت من الأعضاء الباطنة فأمراضها تعرف من مضارّ الأفعال ومن الأشياء التي تستفرغ من البدن ومن الوجع الخاصّ بالموضع ومن موضع العضو ومن مناسبة الأعراض.
(٥٩) وكلّ فعل يناله ضرر فمضرّته تكون علی ثلثة وجوه، إمّا بأن يبطل فعله أصلاً بمنزلة ما يعرض للبصر عند العمي، وإمّا بأن يضعف فعله بمنزلة ما يعرض
للبصر عند الغشاوة، وإمّا بأن يجري فعله مجری رديئاً علی غير ما ينبغي بمنزلة ما يعرض للبصر إذا يری خيال البقّ وخيال القذا، وبالجملة إذا رأی أشياء ليست موجودة في الطبع.
(٦٠) والأشياء التي تستفرغ وتخرج من البدن، منها أشياء هي أجزاء من الأعضاء العليلة، وتدلّ علی تلك الأعضاء إمّا بخصوصيّة جوهرها بمنزلة الحلق التي من قصبة الرئة وأقسامها التي تدلّ علی أنّ العلّة في الرئة، وإمّا من مقدارها بمنزلة القشرة الغليظة التي تنقشر من القرحة إذا خرجت مع البراز، فإنّها تدلّ علی أنّ القرحة في الأمعاء الغلاظ، والرقيقة تدلّ علی أنّ القرحة في الأمعاء الدقاق، وإمّا وضعها بمنزلة ما تدلّ القشرة التي تخرج مع البراز علی أنّ القرحة في الأمعاء والقشرة التي تقذف بالسعال تدلّ علی أنّ العلّة في الرئة، ومنها أشياء هي ممّا يحتوي الأعضاء عليها، ومن هذه الأشياء ما احتواء تلك الأعضاء عليها بالطبع، ومنها أشياء احتواء تلك الأعضاء عليها خارج عن الطبع، والأشياء التي احتواء الأعضاء عليها بالطبع، إمّا أن تكون أشياء خروجها من البدن موجود في الطبع إلّا أنّها قد خرجت عمّا عليه مجراها بالطبع، إمّا في كيفيّتها وإمّا في كمّيّتها بمنزلة البراز إذا كثر أو قلّ، وإذا كان ليّناً أو صلباً والبول إذا
كیر أو قلّ، وإذا كان أسود أو أبيض، وإمّا أن تكون أشياء خروجها عن البدن علی غير مجری الطبع، وكيفيّتها موجودة في الطبع بمنزلة الدم، فإنّ الدم ليس له في الطبع أن يجري من البدن لكن أن يوجد للبدن بالطبع، وأمّا الأشياء التي احتواء الأعضاء عليها خارجاً عن الطبع، فإمّا أن تكون من جنس الأشياء الموجودة في الطبع إلّا أنّها قد تغيّرت بمنزلة الدم، وإمّا أن تكون من جنس الأشياء التي جملتها خارجة عن الطبع بمنزلة الدود والحصی.
(٦١) وأمّا الوجع فإنّه يحدث إمّا بسبب تغيّر المزاج دفعة، وذلك يكون إمّا من قبل الحرارة، وإمّا من قبل البرودة، وإمّا من قبل اليبوسة، وإمّا من قبل الرطوبة، وإمّا بسبب تفرّق الاتّصال، وذلك يكون إمّا من قبل الأشياء التي تقطع، وإمّا من قبل الأشياء التي تمدّد، وإمّا من قبل الأشياء التي ترضّ العضو، وإمّا الوضع.
(٦٢) فأكثر ما يدلّ علی العضو العليل الوارم، وأصناف الورم أربعة، وذلك أنّه إمّا أن يكون من الدم ويسمّی فلغموني، وإمّا من الخلط المراريّ ويسمّی حمرة، وإمّا من البلغم ويسمّی تهيّجاً، وإمّا من الخلط السوداويّ ويسمّی صلابة.
(٦٣) وأمّا الأعراض، فمنها ما يظهر في مضارّ الأفعال ويستنبط منها القانون، والطريق الذي منه يستدلّ به علی الأعضاء بمضارّ أفعالها، ومنها ما يظهر في الأشياء التي تخرج من البدن ويستخرج منها الطريق الذي يستدلّ به ما يبرز من البدن، ومنها ما يظهر في حالات الأبدان، وهذه الحالات منها مبصورة بمنزلة اليرقان، ومنها مسموعة بمنزلة القراقر، ومنها المشمومة بمنزلة الروائح المنتنة، ومنها مذوقة بمنزلة مرارة الفم، ومنها ملموسة بمنزلة الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والصلابة واللين والغلظ والرقّة والخشونة والملاسة، وجميع هذه الأعراض التي تظهر في حالات الأبدان بعضها يدركه الحسّ في نفس العضو العليل، ويستخرج منه الطريق الذي يستدلّ به من موضع العضو والطريق الذي يستدلّ به من الوجع الخاصّ بالموضع، وبعضها يدركه الحسّ في عضو آخر، ويستخرج منها الطريق الذي يستدلّ بها من خصوصيّات الأعراض بمنزلة ما يعرض إذا اعتلّت الرئة لأنّه إذا كانت علّتها ورماً حارّاً عرض معه حمرة في الوجنتين، وإذا كانت علّتها قرحة عرض معها تقوّس الأظفار.
[الفصلان الحادي والعشرون والثاني والعشرون]
[ذكر العلامات]
(٦٤) والعلامات منها صحّيّة ومنها ممرضيّة ومنها لا صحّيّة ولا مرضيّة، وهذه التي ليست بصحّيّة ولا مرضيّة منها ما يدلّ علی الصحّة وعلی المرض معاً، ومنها ما يدلّ مرّة علی الصحّة ومرّة علی المرض، ومنها ما لا يدلّ لا علی صحّة تامّة ولا علی مرض تامّ، وكلّ واحد من هذه الأنواع، إمّا أن يكون دالّاً علی ما هو حاضر، وإمّا منذر بما سيكون، وإمّا مذكّرة بما قد سلف، والعلامات المنذرة بالمرض الذي سيكون، منها ما هو من جنس الأشياء الموجودة في الطبع إلّا أنّها تدلّ علی مرض سيكون لأنّها قد تغيّرت عن الحال الطبيعيّة، إمّا في كيفيّتها، وإمّا في كمّيّتها، وإمّا في وقتها، ومنها ما هو من جنس الأشياء الخارجة عن الطبيعة إلّا أنّ مقدارها يسير، والعلامات المنذرة بالصحّة والعلامات المنذرة بالمرض، منها ما يتبيّن في مضارّ الفعل، وهذه علامات تدلّ دائماً، ومنها ما يتبيّن في حالات الأبدان، وهذه علامات ليس تدلّ دلالة أوّليّة ولا دلالة دائمة، ومنها ما يتبيّن في الأشياء التي تستفرغ من البدن، وهذه علامات تدلّ دائماً إلّا أنّ دلالتها ليست بدلالة أوّليّة، لكن إنّما يدلّ بتوسّط النضج وخلافه.
[الفصل الثالث والعشرون]
[ذكر الأسباب]
(٦٥) الأسباب منها مصحّحة، ومنها ممرّضة، ومنها لا مصحّحة ولا ممرّضة، والأسباب المصحّحة منها ما يحفظ الصحّة، ومنها ما يفعل الصحّة، والتي تحفظ الصحّة منها ما يحفظ صحّة البدن الذي هيئته فاضلة، وبنيته لا نقص فيها، ومنها ما يحفظ صحّة الأبدان التي بنيتها وهيئتها دون بنية البدن الفاضل الهيئة، وهذه الأسباب منها ما يحفظ البدن علی ما هو عليه بالأشياء المشابهة به، ومنها ما ينقله عمّا هو عليه بالأشياء المضادّة له، وهذه الأسباب الناقلة، منها ما ينقل البدن ويبلغ به إلی الهيئة والبنية الفاضلة، ومنها ما ينقله عن الاستعداد والملاءمة لقبول المرض بقطع الأسباب المتهيّئة فيه ويحفظه علی طبعه الأوّل.
(٦٦) الأسباب المتغيّرة للأبدان منها أشياء تغيّر ضرورة، وهي ستّة أجناس، ومنها أشياء ليست تغيّره ضرورة، مثل الحيوان المفسد والحجارة والسيوف وما أشبه ذلك، فأمّا الستّة الأسباب الاضطراريّة، فهي الهواء المحيط بالبدن وجنس الأشياء التي تؤكل وتشرب وجنس النوم واليقظة وجنس الحركة والسكون، إمّا في جميع
البدن وإمّا في بعض الأعضاء دون بعض، وجنس استفراغ ما يستفرغ من البدن واحتباسه وجنس عوارض النفس، وهي الفرح والحزن والغمّ والحسد والغضب والفزع، وهذه الستّة الأجناس قد تكون أسباباً للصحّة إذا هي حفظت كيفيّتها وكمّيّتها علی ما ينبغي علی الاعتدال، وتكون أسباباً للمرض إذا هي زالت عن الاعتدال إلی أحد الطرفين إمّا في كمّيّتها وإمّا في كيفيّتها.
[الفصل الرابع والعشرون]
[ذكر أسباب الصحّة]
(٦٧) والذي يحتاج إليه في حفظ صحّة البدن الذي هيئته وبنيته فاضلة اعتدال هذه الستّة الأجناس، أعني اعتدال الهواء المحيط بالبدن واعتدال مطعمه ومشربه واعتدال عوارض نفسه واعتدال نومه ويقظته واعتدال حركته وسكونه واعتدال استفراغ ما يستفرغ من فضوله، وهي ثلثة، البراز وهو فضل الطعام الذي تستمرئه المعدة والبطن، والبول، وهو فضل الغذاء الذي يصير إلی الكبد، والعرق، وهو فضل الغذاء الذي يصل إلی جميع البدن.
[الفصل الخامس والعشرون]
[ذكر شفاء الأمراض]
(٦٨) والذي يحتاج إليه في شفاء المرض هو إفراط هذه الأجناس ومجاوزتها الاعتدال إلی خلاف جهة المرض، والذي يحتاج إليه في حفظ صحّة الأبدان التي صحّتها دون صحّة البدن الفاضل البنية أحد أمرين، وذلك أنّك إذا أردت أن تحفظ هذه الأبدان علی طبائعها، فينبغي لك أن تستعمل فيها من هذه الأجناس ما هو مجاوز الاعتدال إلی الطرف الذي ذلك البدن مائل إليه ليكون مشبهاً له، وإن أردت أن تنقله إلی المزاج الفاضل، فينبغي لك ما دمت في نقله أن تستعمل من هذه الأجناس ما هو مخالف للوجه الذي قد تجاوزت تلك الأبدان الاعتدال إليه، وإذا فرغت من نقلها استعملت الاعتدال.
(٦٩) لا يخلو فساد الأعضاء الناقصة عن الهيئة الفاضلة من أن يكون إمّا في الأعضاء المتشابهة الأجزاء وإمّا في الأعضاء المركّبة، فإن كان الفساد في الأعضاء المتشابهة الأجزاء، فليس يخلو من أن يكون إمّا فساد في جميعها بالسواء وإمّا في بعضها دون بعض علی غير تساوٍ، وكلّ واحد من هذين أيضاً إمّا أن يكون بسيطاً وإمّا مركّباً، وكلّ واحد من هذين أيضاً إمّا أن يحتاج إلی
حفظه بالأشياء المتشابهة له، وذلك عندما يكون الإنسان متشاغلاً بأمور اضطراريّة، وإمّا أن يحتاج إلی إصلاحه في وقت الفراغ علی طول المدّة بالأشياء المضادّة له، ‹وإن كان الفساد في الأعضاء المركّبة، وهي الآليّة، فليس يخلو أن يكون إمّا بسيطاً وإمّا مركّباً، فإن كان بسيطاً، فإمّا أن يكون في الخلقة وإمّا في العدد وإمّا في الوضع. أمّا في الخلقة فيعرض فيها الفساد إمّا في الشكل وإمّا في التجويف وإمّا في المجاري وإمّا في الخشونة وإمّا في الملاسة، وأمّا العدد فيعرض فيه الفساد إمّا بالزيادة وإمّا بالنقصان، وأمّا المقدار فيعرض فيه الفساد في العظم وإمّا في الصغر وأمّا الوضع فيعرض فيه الفساد إمّا بنقل العضو عن موضعه وإمّا المشاركة لما يشاركه من الأعضاء ما.›
(٧٠) والأسباب التي تعرض للبدن باضطرار، منها ما يجفّف ومنها ما يرطّب، أمّا التي تجفّف فالحركة والهواء الحارّ اليابس والسهر والاستفراغ وقلّة الغذاء وجميع عوارض النفس، وأمّا التي ترطّب فالسكون والنوم واحتباس ما يستفرغ وكثرة الغذاء والهواء الرطب البارد، والأسباب التي تعرض للبدان باضطرار، بعضها يسخن وبعضها يبرّد، أمّا التي تسخن فالحركة المعتدلة والغذاء المعتدل، ولا سيّما إن كان حارّاً والهواء الحارّ واحتباس الشيء الحارّ بمنزلة البخار وقصد في الغذاء المعتدل والسهر المعتدل والنوم المعتدل ومن عوارض النفس والغضب يفعل ذلك دائماً، والهمّ في أكثر الأمر والفرح في بعض الأوقات، وأمّا التي تبرّد،
فالحركة العنيفة والاستكثار من الغذاء وخاصّة إن كان بارداً والهواء المفرط في الحرّ والبرد والإبطاء فيما يستفرغ والاستفراغ المفرط وقليل من الغذاء جدّاً والسهر المفرط والنوم المفرط، ومن عوارض النفس الغمّ يفعل ذلك دائماً والتفزّع في أكثر الأمر والفرح في بعض الأوقات إذا أفرط. الأطعمة والأشربة منها ما يسخن بمنزلة اللحم والأطعمة التي المتّخذة بالفلفل والخردل والخنديقون، ومنها ما يبرّد بمنزلة الفاكهة والروساطق والماء البارد، والصناعات منها ما يسخن البدن بمنزلة المصارعة وصناعة الحدّادين، ومنها ما يبرّد بمنزلة الملاحة والقصارة.
(٨١) أجناس أسباب الحرارة خمسة، أحدها الحركة غير المفرطة والثاني لقاء الأشياء المسخنة إذا كان لقاؤها معتدلاً، والثالث المادّة الموافقة للحرارة بمنزلة الأطعمة والأشربة والأدوية الحارّة، والرابع إبطاء تحلّل الشيء الحارّ، وذلك يكون بسبب التكاثف، والخامس العفونة. وأجناس أسباب البرودة ستّة، أحدها الحركة المفرطة جدّاً، والثاني السكون، والثالث ملاقاة الأشياء التي تسخن بإفراط، ومعنی هذا القول معنی التحلّل، والرابع ملاقاة الأشياء التي تبرّد،
والخامس المادّة الملائمة للبرودة بمنزلة الأطعمة والأشربة الباردة، والسادس تقليل الغذاء المفرط.
(٧٢) إذا حدث في الأعضاء المتشابهة الأجزاء فساد، فكان سوء المزاج الرديء متساوياً في الأعضاء كلّها، فينبغي أن يستعمل في مداواة البدن كلّه نوعاً واحداً من المداواة، فإن كان سوء المزاج الرديء غير متساوٍ، فينبغي أن يداوی كلّ واحد من الأعضاء بالشيء الذي هو موافق له خاصّة.
[الفصل السادس والعشرون]
[ذكر أقسام الأمراض الآليّة وعلاجها]
(٧٣) الأشياء التابعة للأعضاء الآليّة التي فيها تحدث آفات هذه الأعضاء أربعة أشياء، وهي خلقة الأعضاء ومقاديرها وعددها ووضعها، وكلّ واحد من هذه الأربعة يوجد في الأبدان علی أحد أربعة أصناف، أحدها الهيئة الفاضلة، وهو أن يكون علی أفضل الهيئات وأشدّها اعتدالاً، والثاني أن يكون دون الفاضلة بقليل، فيدخل بهذا السبب في عداد حالات الأبدان الصحيحة، والثالث أن يكون قد بعد عن الهيئة التي هي أفضل الهيئات حتّی يكون قد قارب المرض، ويقال إنّ حينئذٍ للبدن الذي حاله هذه الحال ممراض، والرابع أن يكون قد بعد عن حال البدن الصحيح بعداً كثيراً، ويقال له إذا كان كذلك مريضاً.
(٧٤) والذي يحدث في الخلقة من الآفات والأمراض خمسة أصناف، أحدها ما يحدث في الشكل، وذلك عندما يتغيّر شكل العضو بمنزلة ما يصير المستدير مطاولاً، والثاني ما يحدث في المجاري والثقب والمنافذ عندما يضيق أو يتّسع
يعرض للأمعاء أن تنتقل وتزول عن موضعها في الفتل وتنحدر إلی الأنثيين أو يعرض لبعض المفاصل الانخلاع والخروج عن موضعه، والثاني أن يكون العضو الذي شأنه أن يقرب أو يبعد من عضو آخر في أوقات الحاجة إلی ذلك يتغيّر عمّا كان عليه بمنزلة ما يعرض للأصابع والشفتين أو للجفنين أن يقرب الواحد من الآخر ولا يتباعد عنه، أو يتباعد ولا يندو منه.
(٧٥) والأسباب التي بها يكون إصلاح ما يحدث في الشكل من الآفات اثنان، أحدهما التقويم والإصلاح باليد، والآخر الرباط، وأمّا الأسباب التي يكون بها إصلاح ما يحدث في التجويف من الآفات فتختلف بحسب اختلاف الآفة، وذلك أنّه إن كان التجويف قد عظم ويحتاج إلی أن يصغر فإصلاحه يكون بالرباط والسكون، وإن كان قد صغر ويحتاج إلی أن يكبر، فإصلاحه يكون بتحريكه بالعمل وحصر النفس الذي يقال له باليونانيّة قاطالبسس، وهو أن يحبس الإنسان نفسه ويدفع مع ذلك هواء التنفّس، وأمّا الأسباب التي بها يكون إصلاح ما يحدث في مقادير الأعضاء، فهي أيضاً تختلف بحسب أصناف هذه الآفات، وذلك أنّه إن كانت الآفة إنّما تحدث من طريق أنّ مقدار العضو زاد فإصلاحه يكون بالسكون والرباط، وإن كانت إنّما حدثت من طريق أنّ المقدار نقص فإصلاحه يكون بالحركة والدلك. شكل الأعضاء يفسد
إمّا في الرأس بمنزلة ما يعرض له إذا كان مسفّطاً، وإمّا في الصلب بمنزلة ما يعرض إذا صارت بالإنسان حدبة، وإمّا في الساق بمنزلة ما يعرض إذا كان الساق مقوّساً إلی داخل أو إلی خارج، وإمّا في غير هذه الأعضاء فبمنزلة ما يعرض للفخذ إذا اعوجّت.
(٧٦) السدّة تحدث إمّا حدوثاً أوّليّاً وإمّا حدوثاً عرضيّاً، فأمّا السدّة العرضيّة فبمنزلة ما يعرض منها بسبب ورم من الأورام وأمّا السدّة الأوّليّة، فتكون إمّا من أخلاط غليظة لزجة ومداواتها بالأشياء التي تقطع والأشياء التي تجلو بمنزلة السكنجبين وماء العسل، وإمّا من فضل آخر غليظ بمنزلة الرجيع الصلب ويداوی أوّلاً بالترطيب ثمّ بتقطيع ذلك الغلظ بالحقن التي لها فضل حدّة، وإمّا من شيء جملته من جنس ما هو خارج عن الطبيعة بمنزلة الحصاة، ومداواة الأشياء التي جملتها من جنس ما هو خارج عن الطبيعة تكون بإخراجها عن البدن أصلاً، فأمّا الأشياء التي مقدارها فقط خارج عن الطبيعة، فمداواتها تكون بتنقيصها، وأمّا من شيء قد كثر مقداره والشيء الذي يكثر مقداره إن كان في العروق، فينبغي أن يستفرغ بفصد العرق، وإن كان شيء في المعدة فبالقيء، وإن كان شيء في الصدر فبالسعال، وإن كان شيء في الكبد فبحسب الناحية التي هو فيها، وذلك أنّه إن كان في الجانب المقعّر من الكبد فينبغي أن يستفرغ من الأمعاء بالإسهال، وإن كان في الجانب المحدّب منها فينبغي أن يستفرغ بالبول، وأمّا السدّة
العرضيّة، فتكون إمّا من ورم دمويّ وإمّا من ورم صلب وإمّا من ورم رخو وإمّا من يبس وإمّا من فساد شكل العضو.
(٧٧) الخشونة تكون إمّا في عظم، وينبغي حينئذٍ أن يحكّ ذلك العظم حتّی يتملّس، وإمّا في اللسان، فينبغي أن يملّس بالأشياء اللزجة التي تغرّي مثل الصمغ والبزرقطونا، وأمّا ما كان في قصبة الرئة، فينبغي أن يملّس بالكثيراء وأصل السوس، والملاسة إمّا أن تكون في عظم، فينبغي أيضاً أن يحكّ حتّی يخشن، وإمّا في الرحم فينبغي أن يستفرغ ذلك الخلط الذي ملّسها.
(٧٨) الأشياء التي عددها خارج عن الطبيعة ما كان منها من طريق الزيادة، فينبغي أن يقطع إمّا بالحديد وإمّا بالنار وإمّا بالأدوية المحرقة، وما كان منها من طريق النقصان، فينبغي أن يعمل في أمره بحسب الأصل الذي منه كان، وذلك أنّه إن كان في عضو خلق من الدم، فقد يمكن أن يتمّم بمنزلة ما يری ذلك في اللحم إذا نقص في قرحة غائرة، وإن كان النقصان في عضو كونه من المنی، فليس يمكن أن يتمّم ويخلف بدلاً منه، ولكنّا نعوض منه بأشياء أخر، بعضها يقوم مقام الرباط بمنزلة ما نفعل في العظم المكسور بإثباتنا علی موضع الكسر شيئاً صلباً يربطه ويمكسه بمنزلة اللحام، وبعضها يصلح لتخشين الموضع بمنزلة ما نفعل في الشفة التي قد قصرت عمّا
ينبغي أنّا نشقّها كيما تسترخي وتغطّي الأسنان. الأعضاء منها ما خلق من المنی، وهي جميع الأعضاء الأصليّة الصلبة بمنزلة العروق الضوارب وغير الضوارب والعظام، ولذلك صارت هذه الأعضاء متی انقطع منها شيء لم ينبت بدلاً منه لأنّ المادّة التي منها خلقت ليست معدّة مهيّئة في البدن، ومنها ما خلق من دم الطمث، وهي اللحم والأعضاء اللحميّة، ولأنّ الدم لا يزال مهيّئاً معدّاً في البدن دائماً صارت هذه الأعضاء إذا انقطع منها شيء عاد ونبت من الرأس. الأشياء التي هي خارجة عن الطبع في عددها ما كان منها من طريق النقصان إن كان ممّا خلق من الدم، فهو يمكن أن يعود إلی حاله في كلّ سنّ من الأسنان، وإن كان ممّا خلق من المنی، فإنّما يكون ممكناً أن يعود في سنّ الصبيّ فقط، لأنّ في هذا السنّ فقط بقيّة من جوهر المنی معدّة في البدن، وأمّا ما كان منها من طريق الزيادة، فيحتاج إمّا إلی أن يستأصل كلّه بمنزلة الخنازير، وإمّا إلی أن ينقل عن موضعه بمنزلة الماء النازل في العين.
(٧٩) وأمّا الأمراض الحادثة في وضع الأعضاء، فإنّها تداوی بردّ الأعضاء إلی مواضعها الطبيعيّة وحفظها فيها بالكيّ والرباط، ومن الأمراض الحادثة في الوضع الخلع، وهو شيء يحدث بسبب المدّ القاسر، ويداوی بالمدّ المخالف وبالتقويم
والإدخال والردّ، ومنها الفتق، وهي قيلة الأمعاء، وذلك يكون إمّا بسبب انخراق يحدث في الصفاق لصلابته، وإمّا بسبب تمدّد في الصفاق للينه.
(٨٠) إنّ جالينوس يتمثّل في الأمراض المركّبة الحادثة في الأعضاء الباطنة بإنسانين رآهما، أحدهما كانت معدته باردة مستديرة صغيرة نائتة إلی خارج، وكان بهذه المعدة أربعة أمراض، ثلثة منها من أمراض الأعضاء المركّبة التي هي الآلات، وواحد من أمراض الأعضاء المتشابهة الأجزاء، وهو سوء المزاج البارد، وأمّا الثلثة الأمراض الآليّة، فواحد منها كان في مقدار العضو، وهو صغره، والثاني في خلقته، وهي استدارته، والثالث في وضعه، وهو نتوءه إلی خارج، وأمّا الإنسان الآخر، فكان غذاؤه لا يرتقي من معدته وبطنه إلی كبده إلّا بكدّ، فاستعمل فيه الحدس ووقف علی أنّ في كبده مرضين، أحدهما في خلقتها، وهو ضيق العروق التي فيها، والآخر صغر مقدارها، أعني الكبد نفسها.
[الفصل السابع والعشرون]
[ذكر تفرّق الاتّصال]
(٨١) تفرّق الاتّصال يحدث إمّا في الأعضاء اللحميّة، وإمّا في الأعضاء العصبيّة، وإمّا في الأعضاء العظميّة، والذي يكون في الأعضاء اللحميّة تقال له قرحة، والقرحة تحتاج في مداواتها إلی أربعة أشياء، أحدها جمع الأجزاء التي تفرّقت، والثاني حفظها بعد الجمع، والثالث التوقّي من وقوع شيء فيما بين تلك الأجزاء في مبدأ الأمر أو بعد زمان، والرابع الغذاء الذي يكون كيفيّته غليظة لزجة ومقداره معتدل، وأمّا الذي يكون في الأعضاء العصبيّة، ويقال له باليونانيّة سقاسما، وتفسيره الفسخ وأويغما وتفسيره الهتك، وأمّا الذي يكون في الأعضاء العظميّة، فيقال له الكسر، والتحام الكسر مشارك لالتحام اللحم من طريق أنّهما جميعاً يكونان من فعل الطبيعة ومن المادّة الموجودة في البدن التي هي واحدة بعينها، وهو مخالف من جهة الصلابة، وذلك أنّ الشيء الذي به يلتحم العظم الصلب من لحام اللحم لأنّه قريب من جوهر العظم. تفرّق الاتّصال في اللحام مركّب علی ثلثة أوجه، إمّا مع سبب من أسباب الأمراض بمنزلة ما يعرض إذا كان مع الكسر مادّة تنصبّ إلی العضو المكسور، وإمّا مع مرض من الأمراض بمنزلة الورم والتقوير وسوء المزاج، وإمّا مع عرض من الأعراض بمنزلة بول القيح والصديد.
[الفصل الثامن والعشرون]
[ذكر المعالجة والتقدمة بالحفظ والإنعاش]
(٨٢) سوء المزاج منه ما قد استحكم وانتهی، وإصلاحه تقال له مداواة، وتكون بالأشياء المضادّة له في قوّتها، ومنها ما هو في حدّ الكون، وإصلاحه تقال له مداواة مركّبة مع التقدّم بالحفظ، ومنه ما هو يريد أن يكون ومنع هذا من أن يكون يقال له الحفظ المركّب مع المداواة، ويقال له بالجملة التقدّم بالحفظ. أمّا قولنا مداواة، فمثل تغيّر العفونة وإحالتها في حمّی الربع بالترياق وإطفاء حرارة الحمّی وتسكينها في الغبّ بإسقاء الماء البارد، وأمّا قولنا التقدّم بالحفظ فمثل استفراغ الخلط السوداويّ في حمّی الربع بالخربق الأسود واستفراغ الخلط المراريّ في حمّی الغبّ بالسقمونيا ليمنع بذلك من عودة دور، والاستفراغ يكون إمّا علی جهة الجذب من عضو موضعه في خلاف الناحية التي فيها العضو العليل، وهو مع هذا مشارك له، وذلك عندما تكون المادّة هو ذا تنصبّ بعد إلی العضو العليل، وإمّا علی جهة النقل والانتزاع من نفس العضو العليل أو من عضو
قريب منه مشارك له، وذلك إذا كانت المادّة قد تمكّنت واستقرّت في العضو، ونريد أن نخرجها ونستفرغها منه، وهذان النوعان كلاهما من الاستفراغ يكونان بإخراج الدم وبالحقنة وبالأدوية المدرّة للبول وبالعرق.
(٨٣) متی حدث في عضو من الأعضاء ورم، فالمادّة الفاعلة له تستفرغ إمّا بأن ترجع إلی ورائها وإمّا بأن تخرج من نفس العضو العليل، ورجوع المادّة إلی ورائها يكون إمّا بأن تدفع وإمّا بأن تجذب وإمّا بأن ترسل، وخروجها من نفس العضو يكون إمّا خروجاً يدركه الحسّ مثل خروج ما في الورم بالشرط وإمّا خروج يدرك بالعقل مثل تحلّل ما في الورم بالضماد المسخن.
(٨٤) قد يستدلّ علی ما يحتاج إليه في مداواة العضو العليل من وضع العضو ومن مزاجه ومن خلقته ومن قوّته، أمّا من وضعه فبحسب موضعه إن كان قريباً أو بعيداً أو بحسب مشاركته للموضع الذي منه يمكن أن يستفرغ ما فيه، وأمّا من خلقته فبحسب ما هو عليه من أنّ له تجويفاً أم لا تجويف له، وأمّا من قوّته فبحسب
حاله في نفسه هل هو أصل ومعدن تنفذ منه قوّة إلی الأعضاء بمنزلة الكبد أو هل هو يفعل فعلاً عامّاً ينتفع به البدن كلّه بمنزلة المعدة أو هل هو قوی الحسّ بمنزلة العين.
(٨٥) التقدّم بالحفظ من شأنه العناية بأمر الأخلاط، والأخلاط تتغيّر إمّا في كمّيّتها إذا هي تزيّدت، وإمّا في كيفيّتها إذا هي استحالت، وتزيّدها يكون علی ضربين، أحدهما أن يكون كلّها يتولّد من سبب واحد، والثاني أن يكون قد تولّد منها شيء ويكون ذلك الذي تولّد يغيّر ويحيل سائر ما هناك، فيكثر من هذا الوجه، وتغيّرها في كيفيّتها يكون علی ثلثة أوجه، أحدها أن يلطف فيرقّ وإمّا بأن يغلظ، والثاني أن يتغيّر لونها، فيصير إمّا أصغر وإمّا أحمر ناصع وإمّا بلون النار، والثالث أن تتغيّر رائحتها فتصير رديئة الرائحة، وردّ الأخلاط إلی الحال الطبيعيّة يكون بأحد وجهين، إمّا بالتغيّر والإحالة بالنضج وإمّا بالاستفراغ، والاستفراغ يكون بالحقن وبالأدوية المدرّة للبول وبالعرق.
(٨٦) الإنعاش ينقسم ثلثة أقسام، أحدها تدبير أبدان الصبيان، والثاني تدبير أبدان الشيوخ، والثالث تدبير أبدان الناقهين من المرض، وهي الأبدان التي الدم فيها جيّد إلّا أنّه يسير المقدار والبدن يابس، فهو لذلك ضعيف،
وينبغي أن يصلح هذه الأبدان، بالأطعمة السريعة الانهضام المعتدلة المزاج مثل لحم الدجاج والفراريج والسمك الرضراضيّ وبالشراب الموافق مثل الخمور اللطيفة الرقيقة الريحانيّة التي لم تبق وبالرياضة المعتدلة مثل المشي المعتدل والحمّام والركون.
تمّت جوامع الإسكندرانيّين لكتاب جالينوس المعروف بالصناعة الصغيرة الطبّيّة نقل أبي زيد حنين ابن إسحق.