Anon.: Ǧawāmiʿ kitāb Ǧālīnūs fī aṣnāf al-ḥummayāt ((Alexandrian) Summary of Galen's Book On the Types of Fevers)
Work
Anon., Ǧawāmiʿ kitāb Ǧālīnūs fī aṣnāf al-ḥummayāt
English: (Alexandrian) Summary of Galen's Book On the Types of Fevers
Related to
Text information
Type: Summary (Arabic)
Date:
unknown
Source
Matthias Wernhard. "Galen Über die Arten der Fieber in der arabischen Version des Ḥunain Ibn Isḥāq". Ph.D. thesis, Munich (Ludwig-Maximilians-Universität) 2004, 301-335
جوامع المقالة الأولى من كتاب جالينوس في أصناف الحمّيات ترجمة حنين بن إسحاق
أصناف الحمّيات صنفان. فمنها جوهريّة، ومنها عرضيّة. والأصناف الجوهريّة هي التي تؤخذ من نفس الحرارة. وهي ثلاثة أجناس، واحد من زيادة الحرارة ونقصانها، والآخر من مادّتها، والثالث من جهة حركتها.
وأمّا العرضيّة، فهي التي تؤخذ ممّا يلزم الحرارة ويلحقها، وهي نوعان، واحد من الأشياء القريبة والآخر من الأشياء البعيدة. أمّا من الأشياء القريبة، فبمنزلة الفصول المأخوذة من اللون ومن الكيفيّات الملموسة بمنزلة الصلابة واللين. وأمّا البعيدة، فبمنزلة الفصول المأخوذة من الزمان أو من العضو أو من لزوم النظام في أدوار النوائب والخروج عنه.
كلّ حمّى فهي تكون في مادّة ما، والموادّ في البدن ثلاث، وهي الأرواح والأخلاط والأعضاء الأصليّة. فالأرواح تتشبّث بها حمّى يوم، وتكون إمّا يوماً واحداً، وإمّا أيّاماً كثيرة، والأخلاط تتشبّث بها حمّى العفونة، وتكون إمّا
دائمة، وإمّا ذات فترات، والدائمة منها ما تكون مطبقة من أوّلها إلى آخرها، ويسمّيها اليونانيّون سونوخس، وهي حمّى الدم، ومنها ما تكون لها أوقات تهيج فيها، وأوقات تخفّ. وذلك يكون إمّا في كلّ يوم، وإمّا يوماً ويوماً لا، وإمّا يوماً ويومين لا. وأمّا التي لها فترات، فتكون بنوائب إمّا في كلّ يوم، وإمّا يوماً ويوماً لا، وإمّا يوماً ويومين لا. والأعضاء الأصليّة تتشبّث بها حمّى الدقّ، وهي ثلاثة أصناف. وذلك أنّها إمّا أن تكون مبتدئة ساذجة، وإمّا ذبوليّة، وإمّا مفنّنة.
جميع من كان من الأطبّاء بعد بقراط وقبل جالينوس، قد أخطأ في تقسيم الحمّيات، وذلك أنّ منهم من نقص من فصولها الجوهريّة بمنزلة أصحاب أرسسطراطس وأسقليبياذس. فإنّ هؤلاء لم يعلموا أنّ جوهر الحمّى إنّما هو حرارة خارجة عن المجری الطبيعيّ، ومن أجل ذلك لم يعرفوا أصنافها الجوهريّة. ومنهم من خلط بالفصول الجوهريّة فصولاً عرضيّة بمنزلة أصحاب أرخيجانس. فإنّ هؤلاء أدخلوا في عداد فصول الحمّيات، وأخلطوا بها الفصول التي من الأعضاء العليلة. ومنهم من نقص وحذف من أجناسها بمنزلة أصحاب أثيناوس. فإنّ هؤلاء زعموا أنّ الحمّيات كلّها إنّما تكون من العفونة، ومنهم من
زاد في الأجناس بمنزلة أصحاب فركساغورس. فإنّ هؤلاء أدخلوا في عداد أجناس الحمّيات وقالوا إنّ منها ما تكون معه أورام رخوة، ومنها ما تكون معه أورام صلبة. وهذه ليست أجناساً، لكن فصولاً بعيدة.
وأمّا بقراط، فإنّه ذكر الفصول الجوهريّة على حدة، والفصول التي من الأعراض القريبة على حدة. فقال في الفصول الجوهريّة إنّ من الحمّيات ما هي لذّاعة، ومنها ليّنة ساكنة، وهذان الفصلان من كيفيّة الحرارة، ومنها متزيّدة، وهذا فصل من كمّيّة الحرارة، ومنها ما هي حارّة، إلاّ أنّ اليد تقهرها، إذا وُضِعَت على البدن، ومنها ما هي منذ أوّل أمرها محرقة، ومنها ما لا تزال دقيقة أبداً، ومنها ذات نفّاخات، وهذه كلّها فصول من جهة حركة الحرارة. وقال في الفصول التي من جهة الأعراض القريبة إنّ من الحمّيات ما هي في غاية الحمرة، ومنها في غاية الصفرة، ومنها إلى الخضرة، وغير ذلك من أشباه هذه.
اجعل مثالك في حمّى الدقّ قَدَساً حارّاً، وفيه ماء بارد، وفي حمّيات العفونة قَدَساً بارداً، وفيه ماء حارّ، وفي حمّى يوم زقَّ حدّادٍ، وفيه هواء حارّ مع رطوبة.
إنّما يحكم على الحمّى من أيّ جنس هي من الشيء الذي منه تبتدئ،
وذلك أنّها إن كان مبدؤها من الأعضاء الأصليّة، ثمّ أخذت بعد ذلك في الجنسين الآخرين، سمّيناها حمّى الدقّ، وإن كان مبدؤها من الأخلاط، ثمّ أخذت بعد ذلك في إسخان الأعضاء الأصليّة والأرواح، سمّيناها حمّى العفونة، وإن كان مبدؤها من الأرواح، ثمّ أخذت بعد ذلك في الجنسين الآخرين، سمّيناها حمّى يوم. والأعضاء الأصليّة من هذه الأجناس الثلاثة غليظة، والأرواح لطيفة، والأخلاط فيما بينهما. بقراط يسمّي الأعضاء الأصليّة حاوية، والأخلاط محويّة، والأرواح منتشرة.
أسطقسّات الأمراض أربعة، وهي الحارّ والبارد والرطب واليابس. والحارّ يتشبّث إمّا بالأعضاء الأصليّة، وإمّا بالرطوبات، وهي الأخلاط، وإمّا بالأرواح. وجوه الأسباب التي منها تكون الحمّى خمسة، أحدها الحركة المفرطة، إمّا بالتعب الشديد في حركات البدن، وإمّا بالغضب في حركات النفس، وأمّا الثاني، فملاقاة الأشياء الحارّة بالفعل مثل الشمس الحارّة، والثالث العفونة بمنزلة ما يعرض في الحمّيات الحادثة عن العفن وفي الأورام، والرابع استحصاف الجلد بمنزلة ما يعرض لمن يصيبه البرد أو يستحمّ بماء فيه قوّة الشبّ، والخامس ملاءمة المادّة الواردة على البدن بمنزلة ما يعرض لمن يأكل الأطعمة التي هي حارّة بالقوّة كالبصل والثوم والكرّاث وما شاكله.
ضيق مسامّ الجلد يكون إمّا لتكاثفها، وإمّا لانسدادها. والتكاثف يكون إمّا من البرد، وإمّا من اليبس، وإمّا من أشياء قابضة. والسدد تكون إمّا من كثرة الأخلاط، وإمّا من غلظها، وإمّا من لزوجتها.
الشيء الذي يتحلّل من البدن إمّا أن يكون من جنس البخار بمنزلة ما يتحلّل من الأبدان التي الغالب عليها الدم، وهذا البخار، إذا احتقن، أحدث في البدن امتلاء، وإذا عفن، أحدث حمّى مطبقة، وإمّا أن يكون من جنس الدخان اللطيف بمنزلة ما يتحلّل من الأبدان التي الغالب عليها المرار، وهذا، إذا احتقن، أحدث حمّى غبّ، وإمّا من جنس الدخان الغليظ بمنزلة ما يتحلّل من الأبدان التي الغالب عليها البلغم، وهذا، إذا احتقن، أحدث حمّى بلغم، وإمّا من جنس الدخان بمنزلة ما يتحلّل من الأبدان التي الغالب عليها المرّة السوداء، وهذا، إذا احتقن، أحدث حمّى ربع، إذا كانت الأبدان رديئة الأخلاط. فما كان منها تتحلّل فضوله تحلّلاً حسناً، ولم تكن فيه سدد، فهو صحيح، إلاّ أنّ صحّته غير موثوق بها، وما كان منها تتحلّل فضوله تحلّلاً رديئاً، وكانت فيه سدد في الأعضاء الشريفة، فالحمّيات تسرع إليه، فتصيبه حمّى يوم وحمّيات العفونة.
الأسباب الداعية التي تجلب الفضول الحادّة هي أربعة، أحدها طبيعة بدن الإنسان، إذا كان تغلب عليه السوداء أو الصفراء أو البلغم، والأخر الأطعمة
الرديئة في طبائعها بمنزلة البصل وما شاكله، أو الرديئة بسبب آفة مكتسبة عرضت لها إمّا في أوّل كونها بمنزلة الشوب واليرقان، وإمّا من بعد ذلك لأنّها عفنت، وإمّا لآفة نالتها حين خُزِنَت، إذا كان خزنها في موضع رديء.
الذين تعرض لهم التخم، من كان منهم في بدنه أخلاط رديئة، وكان مع ذلك لا يروض بدنه رياضة في وقتها أو يستحمّ في غير وقته، فهو يُحَمّ. ومن كان منهم في بدنه أخلاط جياد، وكان من بعد التخمة يستريح، ويلزم القرار والسكون، فليس بواجب أن يُحَمّ. لا محالة من أصابته تخمة، واستُفرغ من بدنه الشيء الفاسد، فالحمّى تعرض له إمّا بسبب التعب، وإمّا بسبب ورم، وهذان كلاهما يكونان من كثرة القيام والاختلاف.
السدد تكون على ثلاثة ضروب، إمّا من قبل الامتلاء عندما تكثر الأخلاط، وإمّا من قبل كثرة غلظها، وإمّا من قبل لزوجتها، والامتلاء يكون إمّا بحسب القوّة، وتحدث الحمّى من قبل أنّ الطبيعة متى لم تنضج المادّة، عفنب المادّة، وأحدثت حمّى، وإمّا بحسب المواضع، أعني بحسب سعة العروق، فتحدث عنه الحمّى من طريق ارتبال الفضل وعدمه للتروّح لموضع السدّة المانعة له من ذلك.
الأطعمة منها غليظة لزجة، ومنها لطيفة حارّة، والغليظة اللزجة تحدث
عنها الحمّى بسبب الأخلاط الرديئة المتولّدة منها، ولما تحدثه من الحدّة للروح الذي في القلب.
المادّة التي تنصبّ إلى العضو الذي يرم، إمّا أن تكون من جنس الدم، فيحدث فيه ورم حارّ بسيط، وإمّا من جنس المرار، فيحدث الورم الذي يعرف بالحمرة، وإمّا مركّبة منهما جميعاً، فيحدث إمّا ورم حارّ يضرب إلى ورم الحمرة، وإمّا ورم حمرة يضرب إلى الورم الحارّ، إذا حدث في البدن امتلاء حدثت عنه سدد وعدم التنفّس.
الهواء الحارّ إذا استنشق، أسخن القلب، وإذا ورد البدن باجتذاب العروق الضوارب له، أسخن البدن كلّه مع القلب.
الحمّيات الحادثة عن الوباء تحدث عن سببين، أحدهما ملاءمة البدن لقبول الحمّى، والآخر تغيّر مزاج الهواء أو رداءته. وذلك أنّه إمّا أن يكون مزاج الهواء حارّاً، فتحدث عنه في البدن عفونة، وإمّا أن يكون الهواء في نفسه معتدل المزاج، إلاّ أنّ بخارات رديئة عفنة تخالطه، إمّا من شيء يتصاعد من مستنقعات الماء والآجام، وإمّا من جِيَف لا تُحرَق، فتنتن وتفسد الهواء بمنزلة ما عرض لأهل أثينة، وذلك أنّ أولائك عرض لهم الفساد والوباء من جهتين، أحدهما رداءة الأخلاط، لأنّ تدبيرهم كان تدبيراً رديئاً، والآخر تغيّر مزاج
الهواء بميله إلى الحرارة، وتغيّر جوهره بما خالطه من البخارات العفنة التي اتّصلت به من الموتى الذين كانوا ببلاد الحبشة.
كلّ سبب يحدث في البدن حادثاً ما، فهو يحتاج إلى ثلاثة أشياء، أحدها أن يكون مقداره عظيماً، والآخر أن يكون البدن القابل لفعله ملائماً لذلك، والثالث أن تكون له من الزمان مدّة يفعل فيها فعله.
الأبدان صنفان، فمنها ما يتغيّر ويستحيل عند حدوث الوباء سريعا، وهي الأبدان التي تكون مملوءة أخلاطاً رديئة، والتي تتحلّل فضولها تحلّلاً رديئاً لكثرة الراحة والدعة، والتي تسرف في الجماع وفي دخول الحمّام، ومنها ما يعسر تغيّره واستحالته، وهي الأبدان التي لا فضول فيها، واستعمالها للرياضة دائم، وليست فيها سدد.
الهواء يمرض الأبدان، إمّا لأنّه يسخنها، وإمّا لأنّه يبرّدها، وإمّا لأنّه يرطّبها، وإمّا لأنّه يجفّفها، وإمّا لأنّه يعفّنها. إذا حدث الوباء، فإنّ الأبدان الحارّة الرطبة تذعن له وتؤاتيه وتوافقه، فينبغي حينئذٍ أن تجفّفها. والأبدان الباردة اليابسة تمانعه وتخالفه وتدافعه، فينبغي حينئذٍ أن تُحفَظ على ما هي عليه. وأمّا سائر الأبدان الأخر، فما كان منها ممتلئاً، فينبغي أن يستفرغ بفصد العرق، وما كان منها فيه أخلاط رديئة، فينبغي أن يستفرغ بالإسهال، وما كان منها فيه سدد، فينبغي أن يداوى بالأشياء الفتّاحة للسدد.
الطبّ منه ما هو مداواة المرضى، وذلك يكون بالأضداد، ومنه التقدّم في حفظ الأبدان من المرض. وهذه الأبدان، إمّا أن تكون في غاية الصحّة، فيكون حفظها بما يشاكلها ويشبه مزاجها، وإمّا متهيّئة للمرض، فيكون حفظها بما يخالف مزاجها، وإمّا ليست في غاية الصحّة ولا متهيّئة للمرض، فيكون حفظها في بعض الأوقات بما هو مضادّ لمزاجها، وذلك إذا نحن أردنا أن ننقلها عن تلك الحال إلى الصحّة الكاملة، وفي بعض الأوقات بما هو مشاكل لها شبيه بمزاجها، وذلك عندما تريد أن تحفظها على حالها لموضع شغل اضطراريّ يمنع من المداومة على نقلها وتغيّرها.
أثيناوس كان يُقرّ بالحمّيات الحادثة عن عفونة الأخلاط ويجحد الحمّيات الحادثة عن سخونة الروح، وهي حمّى يوم. لأنّ هذه ليست ممّا يحدث عن العفونة، بل ما كان منها يحدث عن الاحتراق، فحدوثه إنّما يكون من طريق ملاقاة البدن لشيء حارّ بالفعل، وما كان يحدث عن الغضب والسهر، فحدوثه يكون من طريق الحركة المفرطة، وما كان يحدث عن استحصاف البدن، فحدوثه يكون من طريق احتقان الفضل الدخانيّ، وما كان يحدث عن التخم، فحدوثه يكون من طريق ما يتولّد في البدن من الفضل الحارّ.
الحمّيات الحادثة عن الورم الحادث في اللحم الرخو، منها ما هي من جنس حمّى يوم، وهي التي تكون من قبل ورم يحدث من سبب من خارج بمنزلة ما
يعرض، إذا حدثت في الرجل قرحة من عثرة، فتورّمت الأربيّة، وحدثت عن ذلك حمّى. فإنّ الورم في هذه الحمّيات هو سبب الحمّى، ومنها ما هي من جنس حمّيات العفونة، وهي التي تكون من قبل ورم حدث عن سبب من داخل، وذلك يكون عندما يحدث في عضو من الأعضاء الشريفة ورم بمنزلة الكبد، أو عندما يكثر الامتلاء في البدن. وفي مثل هذه الحمّى الورم يكون دليلاً على الحمّى وعلى السبب الفاعل لها.
الحمّى الحادثة في البدن الذي يحدث فيه الورم، إنّما تحدث لمكان العفونة الحادثة في الخلط المحتقن في ذلك الورم، إلاّ أنّه، متى كان ما يتأدّى وينفذ من ذلك الورم إلى القلب، إنّما هو الحرارة المتولّدة من العفونة فقط، لا شيء من العفونة نفسها، فالحمّى حمّى يوم، ومتى كان ما ينفذ ويصل إلى القلب ليس هو حرارة فقط، لكن عفونة أيضاً، فالحمّى حمّى عفونة. الأجسام التي تنالها الحرارة، منها ما لا يجوز أن تحدث فيه عفونة، ومتى بردت حرارتها، لم يبق فيها أثر للحرارة بمنزلة الحجارة، ومنها ما هي ملائمة لحدوث العفونة فيها، وإذا بردت، لم تطفأ حرارتها، بل تبقى العفونة تدبّ في أجزائها بمنزلة الزبل الذي يعفن أوّلا فأوّلا.
تغيّر الأخلاط واستحالتها إمّا في داخل العروق، وإمّا خارجاً منها. فإن كانت الاستحالة في داخل العروق، فتكون على ثلاثة ضروب، أحدها استحالة
جيّدة، وهي التي تكون عند صحّة القوّة وجودة المادّة، أو قلّة رداءتها، ويقال لها نضج وهضم، ويستدلّ عليها بالبول الذي يرسب فيه ثفل أبيض مستوٍ أملس، والآخر استحالة رديئة، ويقال لها عفونة، وتكون إمّا من ضعف القوّة، وإمّا من رداءة الأخلاط، وإمّا منهما جميعاً، ويستدلّ عليها بالبول الأسود المنتن. والثالث استحالة مركّبة، وهي التي تكون، إذا ما كانت الطبيعة تفعل بعض الفعل ويفوتها بعضه، ويستدلّ على ذلك بالبول الذي قد نضج نصف نضجه بمنزلة البول الذي يكون فيه ثفل متشتّت.
وأمّا إن كانت الاستحالة خارجاً من العروق، فإنّها تكون إمّا في خارج، وإمّا في ورم، وهذه أيضاً ثلاثة ضروب، أحدها الاستحالة الجيّدة، ويقال لها النضج، ويستدلّ عليها بالمدّة البيضاء الجيّدة، والآخر استحالة رديئة، ويقال لها العفونة، ويستدلّ عليها بالمدّة الرديئة المنتنة، والثالث الاستحالة المركّبة، ويستدلّ عليها بالمدّة التي قد نضجت نصف نضجها.
أصناف الاستحالة صنفان، أحدهما الاستحالة الجيّدة، والآخر الرديئة. فالاستحالة الجيّدة هي نوع واحد وقوام واحد ولون واحد ورائحة واحدة. والاستحالة الرديئة أصناف كثيرة مختلفة في القوام واللون والرائحة. وذلك أنّ البول والمدّة، إذا كان كلّ واحد منهما قد نضج نصف نضجه، فإنّ نضجه يكون إمّا في قوامه، وإمّا في لونه، وإمّا في رائحته.
حمّى يوم تعرف بالجملة من السبب البادئ الفاعل للحمّى، ومن نوع البول أنّه يكون نضيجاً، ومن نبض العروق أنّه يكون مستوياً، ومن كيفيّة الحرارة، أنّها تكون ساكنة ليّنة، ومن الوجه الذي به تقلع الحمّى. فإنّها تقلع إمّا بعرق، وإمّا بندىً يظهر في البدن.
الحمّيات منها ما تكون مدّتها يوماً واحداً، ومنها ما تدوم مدّتها أيّاماً كثيرة، والتي تكون أيّاماً كثيرة، منها ما هي من جنس حمّيات العفونة، ومنها من جنس حمّى الدقّ.
العلامات الدالّة على حمّيات العفن ثمانٍ، الواحدة من السبب الفاعل لها، وهي أنّ هذه الحمّيات إنّما تكون من أسباب متقادمة، والثانية من مدخل نوائب الحمّى، وذلك أنّ هذه الحمّيات تبتدئ بنافض أو ببرد أو باقشعرار أو بانقباض الحرارة وانهزامها إلى باطن البدن مع انضغاط من النبض، والثالثة من حركة نبض العروق، وذلك أنّ النبض يكون في هذه الحمّيات مختلفاً، والرابعة من كيفيّة الحرارة، وذلك أنّ الحرارة فيها تكون لذّاعة، والخامسة من كرّات نوائبها، وذلك أنّ هذه الحمّيات تنوب نوائب كثيرة، والسادسة من البول، وذلك أنّ البول في هذه الحمّيات يكون غير نضيج في أوائل الحمّى، ما دامت في الابتداء، والسابعة من منتهاها، فإنّ في منتهى هذه الحمّيات تكون أعراض قويّة شديدة، والثامنة من انحطاطها، وذلك أنّ هذه الحمّيات ما دامت في
ابتدائها، ليس يكون في انحطاط نوائبها عرق.
النافض يكون إمّا بسبب دخول نوبة الحمّى، وإمّا بسبب البرودة، وإمّا بسبب شدّة إحراق الحمّى. اختلاف النبض يكون إمّا بسبب الحمّى، وإمّا بسبب عرض يحدث معها، أعني إمّا تلذيعاً، وإمّا برداً. سرعة انقباض العرق تكون في وقت تزيّد الحمّى بيّنة، وتكون في وقت دخول نوبة الحمّى ووقت منتهاها غير بيّنة.
البول يكون في ابتداء حمّيات العفونة إمّا في غاية البعد من النضج، وإمّا قد نضج، إلاّ أنّ نضجَه نضج ضعيف خفيّ.
إذا بلغت حمّى العفن منتهاها، تبيّنت فيها إمّا علامة الحمّى المحرقة، وهي شدّة الالتهاب، وإمّا علامة الحمّى المركّبة من الغبّ والبلغميّة، وهي أنّ نوبة الحمّى تكون في اليومين جميعاً، وإمّا علامة الحمّى التي يسمّيها اليونانيّون ليفورياس، وهي أن يكون المحموم يحسّ بحرارة من خارج بدنه وبرودة من داخل، وإمّا علامة الحمّى التي يسمّيها اليونانيّون طيفوذيس، وهي أن يكون المحموم يجد حرارة في باطن البدن، وبرودة في ظاهره، وإمّا علامة الحمّى التي يسمّيها اليونانيّون إيبيالس، وهي أن يكون المحموم يحسّ بالحرّ والبرد معاً في باطن بدنه وفي ظاهره.
الدالائل التي تدلّ على أنّ حمّى يوم قد انتقلت إلى جنس آخر من الحمّيات، هي أن تكون الحمّى، إذا انحطّت، لا ينقّى منها المحموم ولا تقلع عنه إقلاعا تامّاً، وأن يصعب عليه منتهى حمّاه، وأن تنحطّ الحمّى من غير أن يعرق البدن.
النبض الصلب يكون في حمّيات يوم إمّا بسبب البرد، وإمّا بسبب الاستفراغ، وإمّا بسبب التمدّد، ويكون في حمّيات العفونة إمّا بسبب ورم حارّ، وإمّا بسبب ورم صلب، وفي حمّيات الدقّ بسبب اليبس.
صلابة النبض تكون إمّا بسبب برودة تنال البدن بمنزلة ما يعرض لمن شرب الماء البارد، أو يأكل الفاكهة، أو يستحمّ بالماء البارد، وإمّا بسبب تمدّد يكون من تشنّج أو من ورم حارّ أو من ورم صلب، وإمّا بسبب يبوسة تكون من سهر أو من شدّة الهمّ أو من اختلاف الدم.
حمّيات الدقّ منها ما هي حمّى دقّ بالإطلاق، وهي التي تكون في أوائل الأمر، ومنها دقّ ذبوليّة، وهي التي تكون من بعد تزيّد الحمّى. وهذان الصنفان كلاهما يكونان إمّا من انتقال حمّى العفونة إلى حمّى الدقّ، إذا كانت حمّيات العفونة حادّة جدّاً أو طالت مدّتها أكثر من المقدار، والذي يحدث من الدقّ بعقب هذه، هو الصنف المعروف بالذبول، وإمّا من أسباب بادئة قويّة بمنزلة الغمّ
والغضب والهمّ والتعب، وإذا كان ذلك، فالذي يحدث في ابتداء الأمر إنّما هو الدقّ. فإذا تزيّد ذلك، وقع إلى الذبول.
الذبول يكون من يبس الأعضاء الأصليّة، إلاّ أنّ هذه تكون إمّا مع برودة، وإمّا مع حرارة. فإن كانت مع حرارة، حدثت عنها الحمّى المعروفة بالذبوليّة، وهي الصنف الثاني من أصناف حمّى الدقّ. وإن كانت مع برودة، فإنّ تلك البرودة، إمّا أن تكون حدثت على طول الزمان بمنزلة برودة الشيوخ، وإمّا أن تكون حدثت من سبب يطفئ الحرارة الغريزيّة ويخمدها. وهذا السبب إمّا أن يفعل ذلك بنفسه بمنزلة الماء البارد إذا شرب على غير ما ينبغي، وإمّا بالعرض بمنزلة الحرارة المفرطة وطول الإمساك عن الغذاء.
العلامات الدالّة على الحمّى الذبوليّة هي غوران العينين والرمص اليابس ويبس الوجه وجفافه مع العينين والبدن كلّه وذهاب نضارة الحياة، وأن تكون الأجفان تنحدر دائماً إلى أسفل، كما يعرض لها في وقت النعاس، ويكون الصدغان لاطئين غائرين، ومراقّ البطن مهزولاً ذابلاً، ويكون كأنّه خالياً من الأحشاء، وعلّة ذلك كلّه فناء الرطوبة الغريزيّة.
وأعظم الدلائل على هذه الحمّى دليلان، أحدهما أن يكون النبض دقيقاً صلباً متواتراً ضعيفاً، والآخر أن يكون الحرارة ضعيفة، إلاّ أنّها، إذا طال لبث
اليد على البدن، أحسّ الإنسان منها بحدّة.
في الأعضاء الأصليّة رطوبة، هي التي تصل أجزاءها بعضها ببعض. فمتى سخنت هذه الرطوبة فقط، ولم يفنى منها شيء، فالحمّى هي النوع الأوّل من أنواع الدقّ وتسمّى حمّى دقّ مطلقة. ومتى كانت هذه الرطوبة لم تسخن فقط، لكن قد ابتدأ بها الفناء، فالحمّى هي النوع الثاني من أنواع الدقّ، ويقال لها الحمّى الذبوليّة، وما دامت في أوائلها، وكان قد انحلّ من تلك الرطوبة شيء صار بخاراً غير أنّها لم يفنى كثير منها، فالحمّى بعد في الطبقة الوسطى، ومداواتها أيضاً وسطى. وإن كانت إلى النوع الأوّل أقرب، كانت مداواتها أسهل. وإن كانت إلى النوع الثالث أقرب، كانت مداواتها أصعب. وإن كانت متوسّطة بين النوعين، كانت مداواتها متوسّطة. ومتى كانت هذه الرطوبة قد فنيت كلّها، فالحمّى هي النوع الثالث من الدقّ، ويقال لها الذبول المميت، وليس لها برء، ولا تنجح فيها المداواة.
ابتداء الحمّى يُحدّ في حمّى يوم بعدد الساعات، وذلك أنّ تزيّدها يكون في مقدار ساعتين أو ثلاث، وفي الحمّى الحادثة عن العفونة يُحدّ بفقد النضج. فإنّ هذه الحمّيات، ما دامت علامات النضج فيها مفقودة، فهي في ابتدائها. وفي حمّى الدقّ يُحدّ بكيفيّة العلّة، وذلك أنّه، إن كانت الرطوبة إنّما سخنت
وغلبت فقط، ولم يتحلّل منها شيء، فالعلّة في ابتدائها، والحمّى حمّى دقّ مطلقة. وإن كانت قد سخنت وأخذت تفنى، فالعلّة في تزيّدها، والحمّى حمّى دقّ ذبوليّة.
علامات حمّى الدقّ هي أن تكون الحمّى من سبب بادئ، وأن تبقى الحمّى مقيمة لا تقلع، وأن تتزيّد، وأن يكون البدن جافّاً، والحرارة حادّة، وأن تكون الحرارة من بعد تناول الطعام أزيد.
علامات حمّى الدقّ، منها ما هي عامّيّة لجميع أنواعها، وهي أن تكون الحرارة فيها دقيقة لازمة، وتكون حركتها أبداً متساوية، ومنها ما هي خاصّيّة للنوع الذبوليّ، وهي جفاف البدن وضعف النبض وصلابته.
العلامات الدالّة على وقوع حمّى يوم إلى الدقّ، هي أن تكون بعد اثنتي عشرة ساعة صعوبة، وتشتدّ في الانحطاط، ولا يستفرغ من البدن شيء بالعرق ولا بندىً فضلاً عن أن يعرق، وإذا كان ذلك، فهو ابتداء حمّى الدقّ، وأن يكون في اليوم الثالث تمدّد ويبس وصعوبة، وإذا كان ذلك، فهو تزيّد حمّى الدقّ. وأمّا العلامة الدالّة على ابتداء النوع الثاني، فهي صلابة النبض وشدّة ضعفه.
حمّيات الدقّ، منها ما يكون من أسباب بادئة، ومنها ما يكون من انتقال الحمّى المحرقة.
النوع الثاني من أنواع حمّى الدقّ يكون من ورم حارّ يحدث في بعض الأعضاء الشريفة، أعني إمّا في المعدة، وإمّا في فم المعدة، وإمّا في الكبد، وإمّا في الكلى، وإمّا في المثانة، وإمّا في المعي المسمّى قولون، وإمّا في واحد من سائر الأمعاء الأخر.
حمّيات الدقّ منها بسيطة ساذجة، ومنها مركّبة، وهي التي تكون معها واحدة من حمّيات العفونة، والعلامات الدالّة عليها، إذا كانت كذلك، هي أن تكون للحمّى نوائب، وتكون لازمة، وأن تكون بعد انقضاء نوبة الحمّى بالعرق أو بالندى تبقى حمّى دقيقة لازمة، وأن تكون العروق الضوارب في ملمسها حارّة.
دلائل الحمّى الحادثة عن حرارة الشمس هي أن تكون العينان حمراوين حارّتين، والرأس يتوقّد، وإذا وضعت اليد على البدن، أحسست منها على المكان بحرارة وجفاف الوجه. ودلائل الحمّى الحادثة عن برد الهواء أو غيره من الأسباب الباردة البادئة التي تلقى البدن من خارج، هي الزكام والنوازل والحرارة اليسيرة وانتفاخ الوجه.
تمّت جوامع المقالة الأولى من كتاب جالينوس في أصناف الحمّيات.
جوامع المقالة الثانية من كتاب جالينوس في أصناف الحمّيات
الحمّيات الحادثة عن عفونة الأخلاط منها ما لها نوائب وفترات، وهي ثلاث حمّيات، واحدة تنوب في كلّ يوم وتكون من البلغم، وأخرى تنوب يوماً ويوماً لا وتكون من المرّة الصفراء، ويقال لها حمّى الغبّ، والثالثة تنوب يوماً ويومين لا، ويقال لها حمّى الربع.
ومنها ما هي لازمة لا نوائب لها، وهذه صنفان، وذلك أنّ منها ما تكون مطبقة منذ أوّلها إلى آخرها، وتكون من الدم، وأحوالها مختلفة. فمنها ما تكون في أوّلها وآخرها على حال واحدة وتسمّى المتساوية في القوّة، ومنها ما تكون في أوائلها ساكنة ليّنة، وفي آخرها صعبة شديدة، وتسمّى المتزيّدة، ومنها ما تكون في ابتدائها قوّية صعبة، ثمّ تليّن وتنحطّ في آخرها، وتسمّى المنتقصة.
والصنف الآخر صنف الحمّيات الدائمة التي لها أوقات معلومة تشتدّ فيها وتصعب، إمّا في كلّ يوم، وهي الحمّى التي تكون من عفونة البلغم، إذا عفن في جوف العروق، وإمّا يوماً ويوماً لا، وتكون من الصفراء، إذا عفنت في
داخل العروق، وإمّا يوماً ويومين لا، وتكون من المرّة السوداء، إذا عفنت في داخل العروق.
حمّيات العفونة منها ما هي متساوية في الجنس، وهي الحمّيات التي تكون من مادّة واحدة بعينها، ومنها ما هي مختلفة في الجنس، وهي التي تكون من موادّ مختلفة.
حمّى الغبّ يكون حدوثها عندما تتّفق الأشياء المعيّنة بالتئامها حارّة يابسة، أعني أن يكون مزاج البدن حارّاً يابساً، والسنّ سنّ الشباب، والوقت صيفاً، وحال الهواء حارّة يابسة، والبلد كذلك، والتدبير المتقدّم تدبيراً يولّد المرار، ويكون انقضاؤها إمّا بقيء مرار وإمّا بإسهال مرار وإمّا بعرق وإمّا ببول يغلب عليه المرار.
مقدار طول نوبة حمّى الغبّ مرّة يكون اثنتي عشرة ساعة، وهذا أطول ما يكون، ومرّة يكون ثماني ساعات، ومرّة يكون ستّ ساعات، ومرّة يكون سبع ساعات، ونوبة هذه الحمّى تطول وتقصر إمّا بسبب القوّة، وإمّا بسبب هيئة البدن، وإمّا بسبب كيفيّة المادّة، وإمّا بكمّيّتها. وذلك لأنّ القوّة إن كانت قويّة، فنوبة الحمّى تقصر، وإن كانت ضعيفة، طالت، وهيئة البدن، إن كانت إلى السخافة والتخلخل، فالنوبة تقصر، وإن كانت كيفيّته ملزّزة، طالت، وكيفيّة
المادّة، إن كانت رقيقة لطيفة، فالنوبة تقصر، وإن كانت غليظة، طالت، وكمّيّتها، إن كانت يسيرة، فالنوبة تقصر، وإن كانت كثيرة، طالت.
العلامات الدالّة على العفونة في وقت فترة الحمّى وتركها لا تتبيّن ولا تعرف، وفي وقت ابتداء النوبة تتبيّن ضعيفة خفيّة، وفي وقت تزيّدها تكون أبين، وعند منتهاها تكون أقلّ بياناً، وفي وقت الانحطاط أقلّ من ذلك.
النافض يكون في الحمّى النائبة في كلّ يوم بسبب كثرة الخلط المولّد للحمّى، وفي حمّى الربع بسبب قرب الخلط البارد من الأعضاء الحسّاسة. وذلك أنّ هذا الخلط، إذا انتشر وانصبّ على هذه الأعضاء، أحدث ببرودته انتفاضاً. وأمّا في حمّى الغبّ، فالنافض يكون بسبب تباعد الحرارة، وذلك أنّ الحرارة الغريزيّة، إذا نالها الأذى من خارج، هربت إلى باطن البدن لما ينالها من الأذى، ولأنّ الحرارة التي داخل تجتذبها، أعني الحرارة المتولّدة من العفونة، فيبرد لذلك ظاهر البدن، وتحدث له الرعدة بسبب البرودة التي تحدث له وبسبب الأذى الذي يناله من تلذيع المرار إيّاه بحدّته.
حرارة الحمّى تكون في الحمّى الحادثة عن البلغم دخانيّة، وفي حمّى الغبّ نقيّة. صغر نبض العرق وضعفه يكون في ابتداء نوبة الحمّى، إلاّ أنّه يكون في نوبة الحمّى الحادثة عن عفونة البلغم أطول لبثاً، وفي حمّى الغبّ أقلّ
مكثاً وأسرع رجوعاً. الحمّى الحادثة عن عفونة البلغم تكون في الأبدان البلغميّة وفي سنّ الصبيان والشيوخ وفي وقت الشتاء وفي حالات الهواء الباردة الرطبة وفي التدبير المولّد للبلغم.
حمّى البلغم تنوب في كلّ يوم، والسبب في ذلك أنّ الخلط الذي يحترق في وقت نوبتها لا يتحلّل كلّه، ولا ينقّى منه البدن نقاء تامّاً، لكن تبقى منه بقيّة. وممّا يدلّك على ذلك لزوجة البلغم وكثرة مقداره في البدن. حمّى الغبّ تنوب يوماً ويوماً لا، والسبب في ذلك أنّ الشيء الذي يحترق يتحلّل كلّه، وينقّى منه البدن نقاء تامّاً. وممّا يدلّك على ذلك لطافة المرّة ورقّتها وقلّة مقدارها في البدن. ومن أجل ذلك تكون فترات هذه الحمّى نقيّة خالصة. وحمّى الربع تنوب يوماً ويومين لا، وذلك لأنّ الخلط المحدث لها، إذا احترق يتحلّل كلّه. وممّا يدلّك على ذلك أنّ خلط المرّة السوداء لا لزوجة له، ومقداره في البدن قليل.
النافض يكون في حمّى الغبّ مع نخس، وفي حمّى البلغم مع برودة في الأطراف، وفي حمّى الربع مع برودة في جميع البدن وتكسّر. وحمّى الربع تحدث في الأبدان التي تغلب عليها المرّة السوداء، وفي سنّ الكهول، وفي وقت الخريف، وفي حالات الهواء والبلدان الباردة اليابسة، وفي التدبير المولّد
للسوداء. ونوبة الحمّى تكون في الربع الخالصة أطول مدّة، وفي غير الخالصة أقصر مدّة.
الأخلاط التي في البدن أربعة، وكلّ واحد منها، إذا غلب، فإنّه يغلب إمّا في جميع البدن، وإمّا في عضو واحد، والمرّة الصفراء، إذا غلبت في البدن كلّه، فهي إن عفنت، أحدثت حمّى غبّ دائمة، وإن لم تعفن، أحدثت يرقاناً، وإذا غلبت في عضو واحد، فإنّها إن عفنت، أحدثت حمّى غبّ تنوب بأدوار، وإن لم تعفن، أحدثت الورم المعروف بالحمرة والورم المعروف بالنملة.
المرّة السوداء، إذا أفرطت في جميع البدن، فإنّها إن عفنت، أحدثت حمّى ربع دائمة، وإن لم تعفن، أحدثت الجذام، وإذا أفرطت في عضو واحد، فإنّها إن كانت عفنة، أحدثت حمّى ربع تنوب بأدوار، وإن لم تعفن، أحدثت السرطان.
والبلغم، إذا أفرط في جميع البدن وعفن، أحدث حمّى بلغميّة دائمة، وإن لم يعفن، أحدث الاستسقاء للحمّى، وإذا أفرط في عضو واحد، فإنّه إن كان قد عفن، أحدث حمّى بلغم تنوب بأدوار، وإن كان لم يعفن، أحدث ورماً رخواً.
والدم الخارج عن المجری الطبيعيّ لا يخلو من أن يكون محتبساً في جوف
العروق أو خارجاً منها. فإن كان في داخل العروق، فإنّه إن كان في مقداره خارجاً عن المجری الطبيعيّ في كثرته، وفي كيفيّته باقياً على الحال الطبيعيّة، أحدث امتلاء بحسب تجويف العروق، وإن كان في كيفيّته خارجاً عن الطبيعة، فإنّه إن كان قد سخن، أحدث حمّى مطبقة من جنس حمّى يوم، وإن كان قد عفن، أحدث حمّى مطبقة من جنس حمّى العفونة، وإن كان الدم خارجاً من العروق، فإنّه إن كان غليظاً، أحدث ورماً حارّاً، وإن كان لطيفاً، أحدث الورم المعروف بالحمرة، وإن كان قد عفن، أحدث خراجاً.
الشيء الذي يستفرغ من البدن يحتاج إلى أن تجتمع له ثلالة أشياء، أحدها أن تكون القوّة الدافعة قويّة، والآخر أن تكون المادّة غير جامدة ولا متعقّدة، والثالث أن تكون المجاري مفتوحة مهيّأة له. ويجب لهذا بعينه أن يكون امتناع استفراغه إنّما يعرض إمّا لضعف من القوّة الدافعة، وإمّا لأنّ المادّة مستعصية. وذلك يكون إمّا لغلظها، وإمّا للزوجتها، وإمّا لكثرة مقدارها. والسبب الثالث في الامتناع أن تكون المجاري مسدودة.
كلّ مادّة تصل إلى عضو من الأعضاء. فإنّها إمّا أن تنضج فيه بهضمه لها، فتصير شبيهة به، وإمّا أن تستفرغ منه وتندفع عنه إلى جميع البدن أو إلى عضو واحد، وإمّا أن تبقى لابثة فيه، فتحدث في طول مدّتها حمّى، إذا هي عفنت.
فإنّها، دون أن تعفن، لا تحدث حمّى، وإذا اندفعت إلى جميع البدن، صارت كما يعرض في اليرقان وفي الجذام. وإن اندفعت إلى عضو واحد، صارت كما يعرض في الورم وفي الحمرة.
النافض يكون إمّا من غير حمّى، أعني النافض الذي لا يسخن صاحبه، وحدوثه يكون من البلغم الزجاجيّ، وإمّا متقدّماً للحمّى. والنافض الذي لا يسخن صاحبه يكون إمّا يوماً واحداً، وإمّا بأدوار معلومة، وإمّا متّصلاً دائماً منذ أوّل الأمر إلى آخره، وهذا يكون إمّا مع حركة من البدن، وإمّا من غير أن يتحرّك البدن.
العلّة المسمّاة إيبيالس زعم أرخيجانس أنّها تكون من البلغم، إذا كان بعضه قد عفن، فصارت منه حمّى، وبعضه لم يعفن، فيحدث منه نافض. وزعم أصحاب اللغة المسمّاة من لغة اليونانيّين أطيقيّ، وأحدهم رجل من أصحاب المديح يقال له أفلاطون، أنّ هذا الاسم، أعني إيبيالس، إنّما يصرف على النافض الذي يكون من قبل الحمّى.
قد اختلف الأطبّاء في الحكم على الأخلاط. فزعم فركساغورس أنّه إنّما يحكم عليها من ألوانها، وأنّ البلغم إنّما هو بارد لأنّه أبيض، وزعم فروذيقس أنّه يحكم عليها من أسمائها في لغة اليونانيّين، وأنّ البلغم حار ّ لأنّ اسمه باليونانيّة
مشتقّ من اسم الالتهاب. وأمّا بقراط فيقول إنّ الحكم عليها إنّما يكون من أفعالها، وإنّ البلغم إنّما يقال إنّه بارد لأنّه يبرّد أبدان الناس.
البلغم أصناف، فمنه حلو، وهو البلغم الطبيعيّ الذي يمكن فيه أن يصير في بعض الأوقات غذاء، ومنه مالح، وملوحته تكون إمّا من عفونة تعرض له، وإمّا من رطوبة مائيّة تخالطه، ومنه حامض، ومنه زجاجيّ، وهذا الزجاجيّ منه ما هو حامض، ومنه ما لا طعم له.
الحمّيات الحادثة عن عفونة البلغم، منها ما يكون من البلغم الزجاجيّ، ويتقدّمها أبدا النافض، ومنها ما يكون من البلغم المالح، ويتقدّمها اقشعرار، ومنها ما يكون من البلغم الحامض، ويتقدّمها برد، ومنها ما يكون من البلغم الحلو، وليس يتقدّمها من هذه الأعراض شيء.
الحمّيات منها بسيطة، ومنها مركّبة، والمركّبة منها ما طبيعتها طبيعة ليست بظاهرة بمنزلة الحمّى المسمّاة إيبيالس، ومنها ما طبيعتها طبيعة بيّنة ظاهرة بمنزلة الحمّى المركّبة من حمّى الغبّ والحمّى البلغميّة. وتركيب حمّى البلغم وحمّى الغبّ يكون على ضروب، إمّا على التركيب المسمّى إيميطريطاوس على الحقيقة، وإمّا على التركيبات الأخر، وتكون منها إيميطريطاوس غير خالصة. فإذا اجتمعتا حمّى بلغم دائمة وحمّى غبّ دائمة،
صارت منهما إيميطريطاوس غير خالصة، وإذا اجتمعتا حمّى بلغم تنوب وحمّى غبّ تنوب، صارت منهما أيضاً إيميطريطاوس غير خالصة. وإذا اجتمعتا حمّى بلغم تنوب وحمّى غبّ دائمة، صارت منهما إيميطريطاوس غير خالصة. وإذا اجتمعتا حمّى بلغم دائمة وحمّى غبّ غير دائمة، صارت منهما حمّى إيميطريطاوس خالصة، وإذا اجتمعتا حمّى بلغم دائمة وحمّى بلغم تنوب، أو حمّى غبّ دائمة وغبّ تنوب، فليس يقال لهذا التركيب إيميطريطاوس.
وكلّ حمّيين تتركّبان على هذا الوجه من التركيب، فتركيبهما يكون على ضربين، إمّا على جهة المجاورة إذا كانت نوبتا الحمّيين ليستا بمتقاربتين في الساعات، وإمّا على جهة الممازجة، إذا كانتا متقاربتين. وتعرّف ما كان من الحمّيات مركّبا على الضرب الأوّل منها سهل، وتعرّف ما كان منها مركّبا على الضرب الثاني عسر شاقّ.
وإذا اجتمعتا حمّى بلغم دائمة تهيج وتضعف في أيّام أزواج وحمّى غبّ تنوب في أيّام أفراد، وقعت أدوار هيجان الدائمة في اليوم الثاني والرابع والسادس والثامن والعاشر والثاني عشر والرابع عشر والسادس عشر والثامن عشر، ووقعت أدوار الحمّى التي تنوب في اليوم الأوّل والثالث والخامس والسابع
والتاسع والحادي عشر والثالث عشر والخامس عشر والسابع عشر. والدالائل التي بها تعلم أيّ الحمّيين تقلع أو لا هي طول النوائب وعظمها وشدّتها وحركتها.
إذا كانت الحمّى المركّبة من حمّى الغبّ والحمّى النائبة في كلّ يوم قد وقع تركيبهما على تمازج من هتين الحمّيين في النوائب، جرى ذلك على ضربين، أحدهما أن تكون على هذه الحال منذ أوّل أمرها، فتكون نوائبها كلّها مع نافض، والآخر أن تكون كذلك، لأنّ النوائب إمّا أن تتقدّم أوقاتها أو تتأخّر، فتكون فيها نوبة واحدة بنافض.
علامات الحمّى المركّبة من الغبّ والنائبة في كلّ يوم إذا كانت خالصة أربع، الواحدة النافض، والثانية الدوام، والثالثة أنّ نوائبها تكون في أحد اليومين خفيفة سهلة وفي الآخر شديدة صعبة، والرابعة أنّ نوائبها وأدوارها تكون قوّتها متساوية. وأمّا الأصناف الثلاثة الأخر من تركيباتها، فأحدها أن تكون الحمّيان كلتاهما فيه نوائب معها فترات، وليس يكون لحمّاه دوام، والآخر أن تكون الحمّيان فيه دائمتين لا فترات لها وليس يكون معها نافض، والثالث الذي تكون
حمّى البلغم فيه ذات فترات وحمّى الصفراء دائمة وليست تكون نوائبها وأدوارها متساوية في القوّة.
الاسم الذي يسمّى به الحمّى المركّبة من حمّى البلغم وحمّى الصفراء، وهو باليونانيّة إيميطريطاوس، من شأن أرخيجانس أن يصرفه على الحمّى المركّبة من حمّيين نائبتين مع فترات، وأغاثينس يصرفه على حمّى الغبّ، إذا امتدّت وطال مكث نوبتها.
أصناف الحمّيات منها ما هي بسيطة، والكلام فيها خاصّ بهذا الكتاب، ومنها ما هي مركّبة، والكلام فيها خاصّ بكتاب أدوار الحمّيات.
وتركيب الحمّيات المتولّدة عن عفونة الأخلاط يجري على ضروب، وقد جعل جالينوس لها مثالاً من تركيب حمّى الغبّ والحمّى النائبة في كلّ يوم، ونحن نمتثل ما فعله في ذلك ونبيّن كيف تتركّب هذه الحمّيات، حمّيين أو ثلاثاً، مختلفة الجنس ومتساوية الجنس، ومختلفة النوع ومتساوية النوع، تركيبات صحيحة قائمة.
فنقول إنّه متى تركّبت حمّى الغبّ ذات الفترات والحمّى النائبة في كلّ يوم ذات الفترات، كانتا هتان متساويتين في النوع مختلفتين في الجنس، ومتى تركّبت غبّ ذات فترات مع غبّ دائمة، كانتا متساويتين في الجنس مختلفتين
في النوع، ومتى تركّبت حمّى غبّ ذات فترات مع حمّى بلغميّة دائمة، كانتا مختلفتين في الجنس والنوع معاً، ومتى تركّبت غبّ دائمة مع بلغميّة ذات فترات، كانتا مختلفتين في الجنس والنوع معاً أيضاً، ومتى تركّبت غبّ دائمة مع بلغميّة دائمة، كانتا متساويتين في النوع مختلفتين في الجنس، ومتى تركّبت بلغميّة ذات فترات مع بلغميّة دائمة، كانتا متساويتين في الجنس مختلفتين في النوع. فعلى هذا يجري أمر تركيب الحمّيات المختلفة والمتّفقة في الجنس أو في النوع، حمّيين كانتا أو ثلاثاً.
فأمّا ما يصحّ ويثبت من تركيباتها، فيجري على هذا المثال. أمّا إذا كانتا حمّيين حمّيين، فالغبّ والبلغميّة تكونان على ما وصفنا، والغبّ والربع تكونان على ما نصف. إذا كانت غبّ ذات فترات وربع ذات فترات، فالتركيب يصحّ، وكذلك الغبّ ذات الفترات والغبّ الدائمة، والغبّ ذات الفترات والربع الدائمة، والغبّ الدائمة والربع الدائمة، والربع ذات الفترات والربع الدائمة.
فأمّا إذا كانت ثلاث حمّيات، فتركيب الغبّ ذات الفترات والبلغميّة ذات الفترات والربع ذات الفترات يصحّ، وكذلك تركيب الغبّ الدائمة والبلغميّة الدائمة والربع الدائمة، وتركيب الغبّ ذات الفترات والغبّ الدائمة والبلغميّة ذات الفترات، وتركيب الغبّ الدائمة والغبّ ذات الفترات والربع
ذات الفترات، وتركيب الربع ذات الفترات والبلغميّة ذات الفترات والربع الدائمة، وتركيب الربع الدائمة مع الربع ذات الفترات والبلغميّة الدائمة، وتركيب البلغميّة الدائمة مع الغبّ الدائمة والربع ذات الفترات، وتركيب البلغميّة الدائمة مع الربع الدائمة والغبّ ذات الفترات.
أصناف الحمّيات الحادثة عن العفونة منها حقيقيّة، ومنها غير حقيقيّة. وأمّا الحقيقيّة، فستّة، وأمّا غير الحقيقيّة، فخمسة. أحدها ما يلزمها من قبل العضو الذي فيه تعفن الأخلاط بمنزلة الحمّيات المسمّاة طيفوذيس، والآخر من قبل كثرة الأخلاط بمنزلة الحمّيات المسمّاة إلوذيس، والثالث من قبل مقدار العفونة بمنزلة الحمّيات المطبقة، والرابع من كيفيّة العفونة بمنزلة الحمّى المحرقة، والخامس من قبل حركتها بمنزلة الحمّى المنتقصة.
نوبة حمّى الغبّ يختلف طولها. فإذا كان أخذها اثنتي عشرة ساعة، سمّيت غبّاً خالصة، وإذا كانت أربعاً وعشرين ساعة، سمّيت غبّاً ممتدّة، وإذا كانت ثلاثين ساعة، سمّيت غبّاً ممتدّة كثيراً، وإذا كانت ستّاً وثلاثين ساعة، سمّيت غبّاً ممتدّة أكثر من ذلك، وإذا كانت أربعين ساعة، سمّيت غبّا ممتدّة غاية ما تكون.
الأخلاط أربعة، فالمرّة الصفراء، إذا عفنت، أحدثت الغبّ، والبلغم تحدث عنه، إذا عفن، الحمّى النائبة في كلّ يوم، والمرّة السوداء، تحدث عنها، إذا عفنت، الربع. وأمّا الدم، فإنّه، إذا احترق، تغيّر ما هو منه لطيف إلى المرار وأحدث حمّى غبّ، وتغيّر ما هو منه غليظ إلى السوداء وأحدث حمّى ربع.
والدم تناله الآفة إمّا في كيفيّته، فإنّه قد يسخن، وإمّا في جوهره، فإنّه قد يعفن. والعفونة تعرض له إمّا بسبب حرارة تناله بمنزلة ما يعرض من إحراق الشمس، أو من حال الهواء إذا فسد من الوباء، أو من الحمّيات، إذا توالت، وإمّا بسبب سدد تعرض من قبل ورم حارّ، أو من قبل ورم يكون في اللحم الرخو أو خراج. والدم إن كان لطيفاً رقيقاً، ثمّ احترق، استحال إلى الصفراء، وإن كان أسود غليظاً، استحال عند احتراقه إلى السوداء. والحرارة المتولّدة في البدن عن الدم تكون كثيرة، إلاّ أنّها ساكنة، والمتولّدة عن المرار تكون يسيرة، إلاّ أنّها حادّة، والمتولّدة عن البلغم تكون في أوّل ما تلمس اليد البدن ليّنة ساكنة، وتكون في آخر الأمر حادّة.
من العلل النائبة بأدوار معلومة وجع العين والأذن والرأس والمفاصل والرجلين والأعضاء الباطنة بمنزلة الورم الحادث في الجنبين أو في الرئة.
القوى الطبيعيّة أربع، فالجاذبة تجتذب الشيء المشاكل الخاصّ بالعضو، والماسكة تمسك ما تجتذبه تلك، والهاضمة تهضم ما أمسكته هذه، والدافعة تدفع كلّ ما كان منافراً للعضو غريباً منه. وهذا الغريب المنافر هو صنفان، وذلك أنّ منه ما هو غريب منافر في مقداره وكمّيّته، ومنه ما هو كذلك في كيفيّته. الفضل يجتمع في العضو بسبب كثرة المادّة، وضعف القوّة الهاضمة، وصحّة القوّة الدافعة في الأعضاء التي تبعث بالفضل وضعفها في الأعضاء القابلة له.
الأسباب التي من أجلها تنصبّ مادّة إلى عضو من الأعضاء هي ثلاثة، أحدها أن تدفع الأعضاء القويّة بالفضل عن أنفسها إلى الأعضاء الضعيفة، والثاني أن تكثر الحرارة حتّى تجتذب الفضل كما تجتذب المحجمة الدم، والثالث أن يكون هناك وجع. فإنّ الوجع أيضاً، بسبب الحرارة الحادثة عن شدّة حركة القوّة الدافعة إذا انتبهت وتحفّزت لدفع الشيء المؤذي ومانعته وقاومته، يجذب إلى العضو مادّة. السبب في أن يكون ما ينصبّ من المادّة جيّداً أو رديئاً هو من قبل العضو الباعث، والسبب في أن يكون ذلك كثيراً أم قليلاً، هو الباعث والقابل جميعاً.
الورم الحارّ الحادث عن الدم يجلب الحمّى إمّا لعظم مقداره، وإمّا لقرب
موضعه من القلب. الخلط يجتمع في العضو، إذا كان مؤذياً، فإنّه ربّما خنق قوّة العضو، وربّما لم يخنقها، وفي الأمرين كليهما تحدث حمّى.
نوبة الحمّى تكون في وقت معلوم لا تتقدّم ولا تتأخّر عنه، عندما تدوم قوّة العضو الباعث على صحّتها، وقوّة العضو القابل على ضعفها، ويبقى الفضل على حاله في كمّيّته وفي كيفيّته. ويختلف وقت النوبة عندما يتغيّر شيء من قوّة العضو الدافع أو من قوّة العضو القابل أو من كمّيّة الفضل أو من كيفيّته. ونوبة الحمّى ربّما طالت، وربّما قصرت. وطولها يكون إمّا لكثرة مقدار المادّة، وإمّا لغلظها، وإمّا لاستحصاف الجلد، وإمّا لضعف القوّة. وقصرها يكون إمّا لقلّة المادّة، وإمّا للطافتها ورقّتها، وإمّا لصحّة القوّة، وإمّا لسخافة البدن. نوبة الحمّى تحدث إمّا بسبب الباعث، وإمّا بسبب القابل، وذلك لأنّ الشيء الذي ينصبّ من عضو إلى عضو يفسد، لأنّه لا ينهضم بسبب ضعف القوّة، ولأنّه، إذا عفن، فسد، وعفن معه ما هو جيّد.
والسبب المانع من أن ينصبّ فضل من عضو إلى عضو آخر هو إمّا ضعف من القوّة الدافعة التي في العضو الذي فيه الفضل، وإمّا سدد تحدث في المجاري والطرق. وهذه السدد تكون إمّا لكثرة الأخلاط، وإمّا لغلظها، وإمّا للزوجتها.
وقت نوبة الحمّى ينقسم إلى أربعة أوقات، أحدها ابتداء النوبة، وهو وقت ما تختنق الحرارة التي في العضو من المادّة التي تغمرها، والثاني تزيّدها، وهو وقت ما تبتدئ الحرارة تقهر المادّة، والثالث منتهاها، وهو وقت ما تقهر الحرارة
المادّة، والرابع انحطاطها، وهو وقت تحلّل الأخلاط التي اشتعلت فيها الحرارة. وهذا التحلّل يكون على ضربين، أحدهما غير محسوس، وهو الذي يكون بالبخار، والآخر محسوس، وهو الذي يكون بالعرق.
العفونة تعرض إمّا بسبب السدد، وإمّا بسبب التكاثف، والسدد تكون إمّا لغلظ الأخلاط، وإمّا للزوجتها، وإمّا لكثرتها، وكثرتها تكون إمّا بحسب احتمال العروق، وإمّا بحسب احتمال القوّة. وأمّا التكاثف، فيكون إمّا بسبب البرودة، وإمّا بسبب الاستحصاف، وإمّا بسبب اليبس. والاستحصاف يكون إمّا في المنافذ الصغار، وإمّا في المنافذ الكبار البيّنة للحسّ.
السبب في نوائب الحمّيات التي لا تلزم نظاما واحدا، هو اختلاف الأخلاط واسحالتها وإبدالها لمواضعها وسوء تدبير المريض.
العلل التي تدور بنوائب تحدث في الأعضاء عندما يدفع بعض الأعضاء عن نفسه الفضل، ويقبله بعضها، فيكون بعضها يجتذب الفضل إليه، وبعضها يولّده. الحمّى المطبقة تنقضي إمّا عندما تنضج الأخلاط، وإمّا عندما تستفرغ، وإمّا عندما يعرض لها الأمران كلاهما معاً.
تمّت جوامع المقالة الثانية من كتاب جالينوس في أصناف الحمّيات، وتمّ الكتاب بأسره.