Anon.: Ǧawāmiʿ kitāb Ǧālīnūs fī l-ʿanāṣir ʿalā raʾī Abuqrāṭ ((Alexandrian) Summary of Galen's Book On the Elements According to the Doctrine of Hippocrates)

Work

Anon., Ǧawāmiʿ kitāb Ǧālīnūs fī l-ʿanāṣir ʿalā raʾī Abuqrāṭ
English: (Alexandrian) Summary of Galen's Book On the Elements According to the Doctrine of Hippocrates

Related to

Text information

Type: Summary (Arabic)
Date: unknown

Source

John Walbridge. The Alexandrian Epitomes of Galen. Volume I: On the Medical Sects for Beginners. The Small Art of Medicine. On the Elements According to the Opinion of Hippocrates. Islamic Translation Series. Provo, Utah (Brigham Young University Press) 2014, 135-186

بسم اللّه الرحمن الرحيم

جوامع كتاب جالينوس في العناصر علی رأي أبقراط ترجمة حنين بن إسحاق

[الفصل الأوّل]

[أجناس العناصر]

(١) أجناس العناصر ثلثة، فمنها عناصر بعيدة تعمّ الأجسام المركّبة كلّها، وهي النار والهواء والماء والأرض، ومنها قريبة تخصّ أبدان الحيوان الذي له دم،

وهي الأربعة الأخلاط، أعني الدم والبلغم والمرّة الصفراء والمرّة السوداء، ومنها أقرب ما يكون، وهي الأعضاء التي بدن كلّ نوع من أنواع الحيوان مخصوص منها بشيء، أعني الأعضاء المتشابهة الأجزاء بمنزلة الشحم واللحم والقرون والأنياب والمخّ والمخاليب.

(٢) والعنصر هو جزء مفرد بسيط للشيء الذي هو عنصر له، والشيء المفرد البسيط علی وجهين، أحدهما عند الحسّ والآخر عند الطبيعة. البسيط المفرد عند الحسّ بمنزلة العصبة والعظم، فإنّ هذه وإن كانت عند الحسّ بسيطة مفردة إلّا أنّها في طبيعتها مركّبة من النار والهواء والماء والأرض، وأمّا البسيط المفرد عند الطبيعة، وهو البسيط الحقّ، فهو بمنزلة النار والهواء والماء والأرض، لأنّ هذه ليس علمنا بأنّها عناصر علم حسّيّ بل علم عقليّ.

[الفصل الثاني]

‹اختلافهم في العناصر›

(٣) وقد اختلف الناس في الكلام في العناصر، فمنهم من قال إنّ العنصر واحد، ومنهم من قال إنّ العنصر أكثر من واحد، والذين قالوا إنّ العنصر واحد منهم من قال إنّه غير متحرّك ومنهم من قال إنّه متحرّك، والذين قالوا إنّه غير متحرّك منهم من قال إنّه متناهٍ بمنزلة قول بارمانيدس، ومنهم من قال إنّه غير متناهٍ بمنزلة قول مالسيس، وأمّا الذين قالوا إنّه متحرّك فمنهم من قال إنّ هذا العنصر الواحد الماء، وممّن قال ذلك ثالس وإيبن، ومنهم من قال إنّه الهواء، وممّن قال ذلك أنكسيمانس وديوجانس، ومنهم من قال إنّه النار، وممّن قال ذلك إيراقلطيس وإيباسس، ومنهم من قال إنّه الأرض، وممّن قال ذلك كسانوفانس، فأمّا الذين قالوا إنّ العناصر كثيرة، فمنهم من قال إنّها متناهية العدد، ومنهم من قال إنّه لا نهاية لعددها والذين قالوا إنّها متناهية العدد منهم

من قال إنّها اثنان، ومنهم من قال إنّها ثلثة، ومنهم من قال إنّها أربعة، والذين قالوا إنّها اثنان، منهم إمبذقلس، فإنّ هذا، وإن كان يزعم العناصر ستّة، فإنّه يقول إنّ اثنين منها إنّما هي أصول ورؤوس وليست بعناصر، أعني الغلبة والمحبّة، ويقول في الأربعة الباقية إنّ واحداً منها حارّ وثلثة باردة، فيجب من ذلك أن يكون بجمع العناصر الأربعة وتحصّلها في اثنين، وأمّا الذين قالوا إنّها ثلثة، فمنهم إيون المنسوب إلی كيوس، فإنّ هذا زعم أنّ العناصر هي الأرض والماء والنار، وأمّا الذين قالوا إنّها أربعة، فمنهم أبقراط، فإنّ هذا قال إنّ العناصر هي النار والهواء والماء والأرض، وأمّا الذين قالوا إنّ العناصر غير متناهية العدد، فمنهم من قال إنّها أجسام متشابهة الأجزاء بمنزلة قول أنكساغورس، ومنهم من قال إنّها أجسام لا تتجزّأ، ومن هؤلاء إبيقورس، وهو يزعم أنّها لا تنقطع ولا تنقسم، ومنهم أسقلبياذس، وهو يزعم أنّها لا تتّصل ولا تلتحم، ومنهم لوقيفس، وهو يزعم أنّها أجسام ليس لها أجزاء.

‹الفرق بين العنصر والرأس›

(٤) الفرق بين العنصر والرأس الذي هو الأصل أنّ العنصر جزء بسيط من أجزاء الشيء الذي هو عنصره، والعنصر لا محالة موجود فيما هو عنصره بالقوّة، والرأس، أعني الأصل والمبدأ، ليس يجب أن يكون لا محالة موجوداً في الشيء الذي هو رأسه، من ذلك أنّ البخار ليس هو موجود في الخشب، والرأس لا محالة ليس هو جزء ممّا هو رأس له ولو أنّه كان به ثباته وقوامه بمنزلة الهيولی والنوع، فإنّ هذين ليس هما جزآن من الجسم، وذلك أنّهما ليسا بجسم، وأن يكون شيء ليس هو جسم جزءاً من الجسم، فإنّ ذلك منكر شنع.

‹رؤوس الأشياء›

(٥) الذين تكلّموا في رؤوس الأشياء وأصولها منهم من قال إنّ الرأس واحد، ومنهم من قال إنّها كثيرة، والذين قالوا إنّ الرأس واحد منهم من قال إنّه واحد في النوع علی ما قال ديمقريطس ولوقبس، ومنهم من قال إنّه واحد في العدد علی ما قال بارامانيدس ومالسس، فأمّا الذين قالوا إنّ الرؤوس كثيرة، فمنهم من قال إنّها اثنان، اللّه تبارك وتعالی والهيولی، ومنهم من قال إنّها ثلثة،

النوع والهيولی والعدم، علی ما قال سوقراطيس، ومنهم من قال إنّها أربعة، اللّه تبارك وتعالی والنوع والهيولی والعدم، علی ما قال أرسطوطاليس، ومنهم من قال إنّها ستّة، الأربعة العناصر والغلبة والمحبّة، علی ما قال إمباذقليس، ومنهم من قال إنّها عشرة، علی ما قال أصحاب فوثاغورس. الذين قالوا إنّ العناصر كثيرة منهم من قال إنّها كثيرة في العدد بمنزلة قول ديمقريطس، وزعم أهل هذا القول أنّ الأجسام المكوّنة من هذه العناصر إنّما صارت مختلفة من قبل اختلاف هذه العناصر في أشكالها ووضعها وتضادّها، أمّا في الشكل فإنّ هذه العناصر التي لا تتجزّأ تختلف لأنّ بعضها مدوّر وبعضها مطاول، وأمّا في الوضع فلأنّ بعضها منتصب وبعضها مبطوح، وأمّا في التضادّ فلأنّ بعضها متقدّم وبعضها متأخّر، ومنهم من قال إنّها كثيرة في النوع بمنزلة قول أبقراط، وأهل هذا القول يقولون إنّ اختلاف الأجسام التي هي مؤلّفة من هذه العناصر إنّما جاء من قبل اختلاف مزاج العناصر. الأمراض الحادثة في الأعضاء المتشابهة الأجزاء علی رأي إبيقورس ضربان، أحدهما التكاثف والآخر التخلخل.

[الفصل الثالث]

[اختلافهم في أنّ للعناصر حسّ وألم]

(٦) الذين قالوا إنّ العناصر كثيرة منهم من قال إنّها لا تحسّ ولا تألم بمنزلة قول ديمقريطس، ومنهم من قال إنّها تحسّ وتألم بمنزلة قول أسقليبياذس، ومنهم من قال إنّها لا تألم لكنّها تحسّ بمنزلة قول أنكساغورس، ومنهم من قال إنّها لا تحسّ لكنّها تألم بمنزلة قول أبقراط، ومعنی الألم هاهنا قبول الأحداث، وإذا جمع كلّ واحد من الألم والحسّ وعدم الألم وعدم الحسّ مع كلّ واحد من الثلثة الأخر تركّب من كلّ اثنين منهما تركيباً، وبعض هذه التركيبات يلتأم وبعضها لا يلتأم علی هذه المثال:

عناصر عديمة الحسّ لا تلتأم عناصر حسّاسة
رأي ديمقريطس رأي أبقراط رأي أنكساغورس رأي أسقليبياذس
عناصر لا تقبل الأحداث لا تلتأم عناصر تقبل الأحداث

(٧) الذين أوجبوا عناصر لا أجزاء لها منهم من قال إنّها لا تتجزّأ لصلابتها ومنهم من قال إنّها لا تتجزّأ لصغرها، ويلزم من قال إنّها لا تتجزّأ لصلابتها أمران منكران شنعان، أحدهما أنّها تكون مكيّفة قابلة للأحداث، وذلك أنّه إن كانت لها صلابة، فلها أيضاً لين، واللين شيء يوجب سهولة قبول الأحداث مع أنّ الصلابة نفسها هي أيضاً كيفيّة تابعة للبرودة أو اليبوسة، والأمر الآخر أنّه إن كان إنّما السبب في بعدها عن قبول الأحداث صلابتها، فلِمَ صارت علی ما يبوحون به من أمرها تكون صغاراً ولا تكون كباراً؟ وأمّا من قال إنّها لا تتجزّأ لصغرها فيلزمه أن تكون هذه العناصر، وإن كانت لا تتجزّأ بالفعل، فهي تتجزّأ بالقوّة لأنّ طبعها من شأنه أن يقبل القسمة والتجزئة، لكن صغرها يمنع من ذلك.

‹حدوث الوجع›

(٨) حدوث الوجع يحتاج فيه إلی أمرين، أحدهما قبول الألم والآخر أن يحسّ ما يناله من الألم، أمّا قبول الألم فلأنّ ما له حسّ إن هو لم يألم لم يحسّ ولم يتّجع، وأمّا حسّ الألم فلأنّ الذي يألم إن لم يكن له حسّ لم يوجعه ذلك الألم.

‹تركيب الأشياء›

(٩) الأشياء التي يتركّب بعضها مع بعض منها ما يكون تركيبها علی طريق المجاورة والملامسة فقط بمنزلة الأشياء التي يبنی بها بيت والأشياء التي تخلط منها

البزور، وما كان تركيبه علی هذه الجهة فليس يكون لجملة الشيء مركّب شيء ليس هو للأجزاء البسيطة التي منها تركّب، ومنها ما يكون تركيبها علی طريق المخالطة والممازجة بعضها لبعض بمنزلة الخلّ والعسل اللذين يركّب منهما السكنجبين، وما كان تركيبه علی هذا الوجه فقد يتولّد من الأجزاء إذا ركّبت شيء آخر لم يكن لها في وقت ما كانت بسيطة قبل أن تتركّب، وكون الأجسام المركّبة بحسب رأي القوم الذين ينتحلون عناصر كثيرة العدد، أعني أصحاب ديمقريطس، إنّما يكون علی جهة المجاورة إذ كانت هذه العناصر لا يفعل بعضها في بعض ولا ينفعل بعضها من بعض ليكون منها مزاج، ولذلك ليس يمكن أهل هذا الرأي أن ينتحلوا ويولّدوا من تركيب عناصر لا تحسّ ولا تقبل الأحداث أجساماً قابلة للأحداث حسّاسة، فأمّا بحسب رأي القوم الذين ينتحلون عناصر كثيرة في النوع، أعني أصحاب أبقراط، إنّما تكون الأجسام المركّبة عندهم علی جهة المزاج لأنّهم يقولون إنّ هذه العناصر تقبل الأحداث، ولذلك قد يمكنهم، وإن كانوا يقولون إنّ العناصر لا تحسّ أن ينتجوا ويولّدوا من مزاجها أجساماً تحسّ.

‹آلات الاستخراج›

(١٠) الأدوات والآلات التي بها تستخرج معرفة الأمور اثنان، أحدهما القياس والآخر التجارب، وقد يعلم أنّ العنصر ليس هو واحد في النوع علی ما ظنّ ديمقريطس من القياس ومن التجارب، أمّا من القياس فمن قول أبقراط حيث يقول إنّه لو كان الإنسان واحداً لم يتّجع، وقد نجده يتّجع، فليس هو إذاً واحداً، أي ليس هو مركّباً من عنصر واحد، لأنّ الذي يناله الوجع يحتاج أن يتغيّر، والمتغيّر إنّما ينتقل ويتغيّر من شيء إلی شيء، وأمّا من التجارب، فمن أنّا إذا غرزنا البدن بإبرة فأوجعته. إن قال ديمقريطس إنّ تلك الإبرة إنّما دخلت في الخلاء الذي بين الأجزاء التي لا تتجزّأ، فقد كان ينبغي أن لا تحدث بدخولها وجعاً لأنّ الخلاء والفضاء الذي فيما بين هذه الأجزاء ليس هو شيئاً، وإن قال إنّ الإبرة دخلت في نفس الأجزاء التي لا تتجزّأ، فقد تجزّأت التي هي عنده غير متجزّئة وقبلت الأحداث التي هي عنده غير قابلة للأحداث كما أنتج أبقراط في حدوث الوجع أنّ العنصر ليس بواحد. كذلك قد يمكنّا أن ننتج من جميع التغييرات

الأخر. هذه النتيجة بعينها، أعني بالتغييرات الأخر اللذّة والغمّ والحرارة والبرودة وسائر الأنواع الأخر، وذاك أنّه لو كان الإنسان مركّباً من عنصر واحد لكان لا يلذّ ولا يغتمّ ولا يسخن ولا يبرد ولا يناله شيء من الأحداث الأخر، إذ كان ليس هاهنا شيء يؤلمه ولا يمكن أن يكون الشيء هو المؤلم لنفسه والقابل للفعل منها حتّی يكون هو الفاعل والمنفعل من جهة واحدة بعينه.

‹انفساخ أقوالهم›

(١١) وبانفساخ قول ديمقريطس قد انفسخت أقوال سائر من زعم أنّ العناصر لا تقبل الأحداث بمنزلة إمباذقليس وأنكساغورس، فإنّ إمباذقليس ينتحل أيضاً أنّ العناصر لا تقبل الأحداث ولا تتغيّر، ويزعم أنّ الأجسام المركّبة إنّما تكون من العناصر بتركيبها علی طريق المجاورة لا علی طريق المزاج، وأنكساغورس يزعم أنّ العناصر أجزاء لا تتجزأ وأنّها غير قابلة للأحداث وأنّ الكون والفساد إنّما يكونان باجتماعهما وتفرّقهما، وإمباذقليس وأنكساغورس يشتركان ويتّفقان في أنّهما جميعاً ينتحلان أنّ العناصر لا تقبل الأحداث وأنّ الأجسام المركّبة

إنّما تكوّن وتفسد باجتماع هذه العناصر وتفرّقها فقط، ويختلفان في أنّ إمباذقليس ينتحل أنّ العناصر هي النار والهواء والماء والأرض، وأنّ المتشابهة الأجزاء إنّما هي أجسام مركّبة من هذه، وأنكساغورس يزعم خلاف هذا، وذاك أنّه يقول إنّ الأجسام المتشابهة الأجزاء هي العناصر البسيطة، والنار والهواء والماء والأرض، إنّما هي مركّبة من هذه.

‹انتحالهم في العناصر›

(١٢) الآراء التي انتحلوها القدماء في العناصر أربعة، وأهل الرأي الأوّل، وهم الذين قالوا إنّ العناصر لا تحسّ ولا تقبل الأحداث، قولهم قول كذب صراح محال إلّا أنّه ليس هو قول لا يفهم، فأمّا أهل الرأي الثاني، وهم الذين قالوا إنّ العناصر تحسّ ولا تقبل الأحداث، فقولهم كذب صراح محال لا يفهم، وذلك أنّه ليس يمكن إنسان أن يفهم كيف يكون شيء يحسّ من غير أن يناله حدث من الأحداث، وأمّا قول أهل الرأي الثالث، وهم الذين قالوا إنّ العناصر تحسّ وتقبل الأحداث، وقولهم قول ممكن إلّا أنّه ليس بحقّ، أمّا إمكانه فمن طريق أنّه يجوز أن يكون من عناصر تقبل الأحداث وتحسّ أبدان تقبل الأحداث وتحسّ

ومن أنّه يجب أيضاً أن يكون كلّ جزء من الشيء الحسّاس يحسّ، وأمّا كذبه فمن طريق أنّه لو كانت العناصر تحسّ لكان جميع ما هو منها من الأجسام يحسّ، ونحن نری أنّه لا النبات ولا كثيراً من أجزاء الحيوان له حسّ، وأمّا أهل الرأي الرابع، وهم الذين قالوا إنّ العناصر تقبل الأحداث وليست بحسّاسة، فهو قول ممكن حقّ، وذلك أنّا إذا كنّا نجد عياناً بعض الأجسام يحسّ وبعضها لا يحسّ، فقد تبيّن لنا من هذا أنّ العناصر لا حسّ لها، وأنّ الأشياء الحسّاسة إنّما تتولّد من المزاج، وذاك أنّ كون ما له حسّ ممّا لا حسّ له أمر يمكن لأنّ الطبيعة أبداً إنّما شأنها المصير إلی الأمر الأفضل والنزوع من العدم إلی الوجود، فأمّا أن تكون ممّا له حسّ أشياء لا حسّ لها، فليس ذلك ممّا يمكن.

‹اختلافهم في المزاج›

(١٣) قد اختلف الناس في أمر المزاج، فمنهم من قال إنّه جوهر الحسّ وجوهر جميع القوی النفسانيّة والطبيعيّة بمنزلة ما قال جلّ الأطبّاء، وبحسب رأي هؤلاء يجب أن يكون الحسّ إنّما يتولّد من المزاج. ومنهم من قال إنّه الآلة

الأولی من آلات القوی، وليس هو جوهرها بمنزلة ما قال حذّاق الفلاسفة، وهم أرسطوطاليس وأصحابه، وبحسب رأي هؤلاء يجب أن تكون الموافقة لقبول الحسّ إنّما تتولّد من المزاج.

‹أجناس الكيفيّات›

(١٤) أجناس الكيفيّات أربعة، ثلثة منها يوجد فيها الشيء وخلافه والرابع ليس يوجد ذلك فيه. أمّا الثلثة الجامعة للمتخالفات، فهي الوجود والعدم والإمكان والامتناع والفعل والانفعال، ولذلك قد يكون التغيّر في هذه الأجناس من الشيء إلی خلافه، وأمّا الجنس الرابع الذي لا يوجد فيه الشيء وخلافه، فهو الشكل، وذاك أنّه ليس من شكل هو مخالف لشكل آخر كما لا يكون عظماً مخالفاً لعظم آخر، ولذلك لا يكون في الشكل استحالة وتغيير، وذلك أنّ كلّ تغيّر وكلّ استحالة إنّما يكون من الشيء المخالف إلی الشيء الذي هو خلافه من أجل ذلك، متی صار من مثلّثين مربّع لا نقول إنّ المثلّثين قد تغيّرا أو استحالا إلی المربّع لأنّ المثلّثين قائمان موجودان في المربّع لم يتغيّرا ولم يستحيلا كما لا يستحيل الصغير إذا صار منه عظيماً، وذاك أنّ الصغير داخل في الكبير.

‹تركيب المجاورة›

(١٥) ولمّا كانت أنواع التركيب علی ما وصفنا نوعين، أحدهما المزاج والآخر المجاورة، فقد يجب أن يكون الشيء المركّب بتركيب المزاج تجتمع له كيفيّات لم تكن للأشياء البسيطه التي منها ركّب في الثلثة الأجناس من أجناس الكيفيّات الجامعة للشيء وخلافه، وأمّا الشيء المركّب بتركيب المجاورة، فليس له من الكيفيّات التي لم يكن للأشياء البسيطة التي منها ركّب شيء أصلاً، ولا في واحد من الثلثة الأجناس الكيفيّات الجامعة للمتخالفات خلا الشكل والعظم، وهذا إن اكتسب من التركيب شيئاً، فإنّما يكتسب هذين فقط. ومثال ذلك البيت، فإنّه إذا بُني بقي فيه لون الحجارة التي يبنی بها وثقلها وصلابتها علی حاله لا يتغيّر، وأكسبه التأليف والبناء شيئاً هو للبيت خاصّة، وليس هو لتلك الحجارة، وهو الشكل الذي يبنی عليه والمقدار الذي يعمل له من العظم.

‹الشناعات›

(١٦) الشناعات التي تلزم من قال إنّ العناصر لا تقبل الأحداث هي علی هذا النحو، أوّلها أنّه لو كان الإنسان مركّباً من عنصر واحد لكان لا يحسّ، إذ كان الحسّ إنّما يكون بقبول الحاسّ للحدث الواقع به من الشيء الذي يحسّه، ولو كان الإنسان

لا يحسّ لكان لا يشتهي شيئاً ويعاف آخر، وذاك أنّ الشهوة إنّما تكون إمّا بالتوقان إلی الشيء المرفد النافع، فيجتلب، وإمّا بالعيافة للشيء الضارّ، فيجتنب، وإن لم يكن للشيء حسّ لم يعرف النافع فيجتلبه ولا الضارّ فيجتنبه، ولو كان الإنسان لا شهوة له لكان أيضاً لا تكون له حركة إراديّة، إذ كانت كلّ حركة إراديّة يتحرّكها الإنسان، فإنّما يتحرّكها بالشهوة منه للشيء، والثانية أنّه لو لم يكن للإنسان حسّ لكان يستبطل تخيّله أيضاً، وذاك أنّه إن لم تتأدّی إليه مثالات الأشياء وصورها من الحسّ إلی التخيّل لم يتخيّل للإنسان شيء، ولو لم يكن الإنسان يتخيّل لكان أيضاً لا يتفكّر، وذاك أنّه ليس يكون للفكر شيء يحكم عليه، متی لم تكن للتخيّل صور ومثالات أخذها عن الحسّ. والثالثة أنّه لو لم تكن في الإنسان هذه الثلثة، أعني الحركة الإراديّة والحسّ والأفعال السياسيّة، لم يكن له أيضاً نفس، ولو لم يكن له نفس لم يكن متنفّساً، أي من ذوات الأنفس، ولو لم يكن من ذوات الأنفس لم يكن حيواناً.

‹قياس ومقدّمات ونتيجة›

(١٧) قد بيّن أبقراط أنّ الإنسان ليس هو من عنصر واحد بقياسين من القياسات الوضعيّة، الأوّل منهما أنّه قال لو كان الإنسان من عنصر واحد لكان لا يناله الوجع، ولكنّا قد نجده يناله الوجع، فيجب من ذلك أن لا يكون الإنسان مركّباً من عنصر واحد، والقياس الثاني أنّه قال لو كان الإنسان يناله الوجع، وهو شيء واحد، لكانت مداواته أيضاً نحواً واحداً، ونحن نجد مداواته ليست نحواً واحداً، فيجب من ذلك أن يكون الإنسان ليس يناله الوجع، وهو شيء واحد، ومعنی هذا القول أنّه إن كان الإنسان مركّباً من عنصر واحد، فالقياس يوجب ضرورة أنّه لا ينبغي أن يناله الوجع إذ كان لا يوجد شيء يوجعه، وإن سامحنا أهل هذه المقالة في هذا وأعطيناهم أنّه قد يناله الوجع، فالأمر في ذلك بيّن أنّه إنّما يناله الوجع من ذاته، وإن كانت ذاته شيئاً واحداً، فقد يجب أن يكون وجعه وجعاً واحداً، ولأنّ وجعه واحداً، فقد يجب أن تكون مداواته نحواً واحداً، ونحن نجد عياناً أنّ مداواته تكون بأنحاء شتّی، ولهذا القياس ابتداء من الحسّ داخل في باب الإجماع، ومقدّمات تابعة لذلك الابتداء علی طريق البرهان ونتيجة تحصل من ذلك برهانيّة. أمّا الابتداء الداخل في باب الإقرار الموجود حسّاً، فهو أنّ أنحاء المداواة مختلفة، وذاك أنّ منها ما يكون بالأشياء التي تسخن، ومنها ما

يكون بالأشياء التي تبرّد، ومنها ما يكون بالأشياء التي تجفّف، ومنها ما يكون بالأشياء التي ترطّب، ومنها بالأشياء التي تحبس وتمنع، ومنها بالأشياء التي تطلق وتحلّ، ومنها بالأشياء التي تقبّض وتسدّ، ومنها بالأشياء التي توسّع وتخلخل. وأمّا المقدّمات البرهانيّة التابعة لهذا الأصل، فمقدّمتان، إحداهما أنّه إن كانت أنحاء المداواة مختلفة، فقد يجب أن تكون أنحاء الأوجاع أيضاً مختلفة، والثانية أنّه إن كانت أنحاء الأوجاع مختلفة، فالأشياء التي عنها تحدث الأوجاع مختلفة أيضاً، وأمّا النتيجة الحاصلة عن هاتين المقدّمتين، فهي أن يجب من هذا أنّ الإنسان ليس هو من شيء واحد.

[الفصل الرابع]

[ذكر في أنّ العنصر ليس بواحد العدد]

(١٨) الذين قالوا إنّ العنصر واحد منهم من قال إنّه واحد في النوع بمنزلة أصحاب ديمقريطس، وقد انفسخ قول هؤلاء وظهرت عليهم الحجّة، ومنهم من قال إنّه واحد في العدد وأصحاب هذه المقالة يختلفون، فمنهم من يقول إنّ هذا الواحد في العدد لا يتغيّر ولا يقبل الأحداث ولا يتحرّك بمنزلة أصحاب مالسيس، ومنهم من يقول إنّه يتحرّك ويتغيّر ويقبل الأحداث، وأهل المقالة الأولی قوم يدفعون الحسّ ويجحدون ما يدركه العيان، فنحن من هذا الطريق يدعهم يفرحون بما هم فيه إذ كان الحسّ هو الموبّخ لهم والفاسخ لقولهم، وأمّا أهل المقالة الثانية، فنحن ننظر في قولهم ونفسخه، وهم جماعة كلّ واحد منهم ينتحل في هذا الواحد غير ما ينتحله الآخر، منهم إيراقليطس، وهو ينتحل أنّ النار هي العنصر، وبرهانه علی ذلك أنّها إذا تكاثفت قليلاً صارت هواء، وإذا زاد تكاثفها صارت ماء، وإذا تكاثفت أكثر من هذا صارت أرضاً، ومنهم ديوجانس وأنكسيمانس، وهما يزعمان أنّ العنصر هو الهواء، وبرهانهما علی ذلك أنّ الهواء إذا تكاثف قليلاً صار ماء، وإذا زاد

تكاثفه صار أرضاً، وإذا تخلخل صار ناراً، ومنهم ثالس وإيبون، وهما يريان أنّ العنصر هو الماء، وبرهانهما علی ذلك أنّ الماء إذا تكاثف صار أرضاً، وإذا تخلخل صار هواء، وإذا ازداد تخلخله صار ناراً، ومنهم كسانوفانس القلوفويّ، وهو يزعم أنّ العنصر هو الأرض، وبرهانه علی ذلك أنّها إذا تخلخلت قليلاً صارت ماء، وإذا زاد تخلخلها صارت هواء، وإذا تخلخلت أكثر من ذلك صارت ناراً.

(١٩) وجالينوس يحتجّ علی هؤلاء كلّهم عامّة بخمسة حجج، أوّلها أنّهم قوم أرادوا أن يثبتوا اعتقادهم في أمر العناصر، فتركوا ذلك وهم لا يشعرون وأخبروا باستحالات العناصر وانقلاب بعضها إلی بعض، والثانية أنّهم أنتجوا من هذه الاستحالة والانقلاب اللذين أوجبوهما للعناصر شيئاً لا يشاكل ولا يجري علی طريق النتائج القياسيّة، وذلك أنّهم لمّا وصفوا استحالة العناصر وانقلابها بعض إلی بعض، وبيّنوا أنّه ينبغي أن يكون هذا الانقلاب وهذه الاستحالة في شيء واحد، وكان يتّبع هذا القول أن ينتجوا منه أنّ الشيء الموضوع للعناصر الأربعة هو شيء واحد لا صورة له ولا نوع يخصّه، أعني الهيولی، فتركوا ذلك وأنتجوا أنّ واحداً من الأربعة هو العنصر، والثالثة أنّهم وضعوا أنّ العنصر والرأس الذي هو أصل الأشياء إنّما هو واحد، ثمّ زعموا أنّه يتغيّر ويستحيل، وإن كان يستحيل فقد بطل

وارتفع، والرأس والأصل ليس ينبغي أن يرتفع ويبطل، بل ينبغي أن يلبث ويبقی، فإن قالوا إنّه يبقی، فكيف يجوز لهم أن يقولوا النار تبقی ناراً وتصير ماء؟ والرابعة أنّ جميعهم يقولون أقوالاً أضداداً، وكلّهم يأتون ببرهان واحد بعينه، وهو أنّ هذا العنصر الواحد إذا تكاثف وتخلخل تولّدت منه العناصر الأخر، والخامسة أنّهم إن كانوا يزعمون أنّ هذا العنصر الواحد يتخلخل ويتكاثف، فالأمر فيه بيّن أنّه ليس بواحد إذ كان يجب لا محالة أن يكون تغيّره من حال إلی حال إنّما يكون من شيء آخر يغيّره مرّة إلی التخلخل ومرّة إلی التكاثف، فيجب من ذلك أن يكونا اثنين.

[الفصل الخامس]

[ذكر في أنّ بدن الإنسان ليس من عنصر واحد]

(٢٠) والذين قالوا إنّ العنصر واحد منهم قوم من أصحاب علم الطبيعيّات ومنهم قوم من الأطبّاء، ومن كان منهم من أصحاب علم الطبيعيّات قضی بأنّ الأجسام كلّها من عنصر واحد واختلفوا فيه، فقال ثالس إنّه الماء، وقال إيراقليطس إنّه النار، وقال أنكسيمانس إنّه الهواء، وقال كسونوفانس إنّه الأرض، ومن كان من الأطبّاء قضی بأنّ الإنسان من عنصر واحد، واختلفوا أيضاً، فقال بعضهم إنّ الإنسان من الدم، وبعض قال إنّه من البلغم، وبعض قال إنّه من المرّة الصفراء، وبعض قال إنّه من المرّة السوداء، وقد يعلم أنّ الإنسان ليس هو من عنصر واحد من ثلثة أشياء، أحدها الكون، الثاني اختلاف الأنواع، الثالث اختلاف القوی. أمّا الكون، فإنّه أبداً لا يلتأم من واحد، وذلك لأنّ كون الأجسام البسيطة بمنزلة النار والماء يحتاج فيه لا محالة إلی اثنين، أحدهما فاعل والآخر منفعل، وكون الأجسام المركّبة من هذه إنّما يكون بالمزاج، والأمر في المزاج

بيّن أنّه ليس هو من واحد، بل أكثر من واحد، وأمّا اختلاف الصور والأنواع، فإنّه ما كانت الأنواع والصور لتختلف لو لا إنّ بناءها من أشياء مختلفة، وأمّا اختلاف القوی، فهو يدلّ علی اختلاف الأصول.

(٢١) الإنسان يكون في سنّ الصبی وفي وقت الربيع أشدّ حمرة، وفي سنّ الشباب وفي وقت الصيف أشدّ صفرة، وفي سنّ الكهول ووقت الخريف أشدّ سواداً، وفي سنّ الشيوخ ووقت الشتاء أشدّ بياضاً.

(٢٢) وقد تعلم أنّ الإنسان مؤلّف من الأربعة العناصر من وجهين، أحدهما أنّ فيه أشياء نظائر الأربعة العناصر تكاد أن تكون هي العناصر بأعيانها، وذلك أنّا نری في البدن شيئاً ثقيلاً كثيفاً بارداً يابساً بمنزلة العظم، فنقول إنّ في الإنسان أرضاً، ونری في البدن شيئاً منحلّاً سيّالاً رطباً بارداً بمنزلة البلغم، فنقول من هذا قول بتّات إنّ في الإنسان ماء، وإذا وضعنا أيدينا علی البدن أحسسنا منه بحرارة تقهر حرارة الهواء، فنقضي عليه من هذا أنّ فيه ناراً، ونری في البدن أيضاً رياحاً، فنقضي بأنّ فيه هواء.

(٢٣) والوجه الآخر من أنّ البدن إنّما يغتذي من الأربعة العناصر والشيء الذي منه يغتذي الشيء فبنيته أيضاً منه، وذلك أنّه إن كان الشيء الذي يزيد في الشيء عند قبول للتزيّد والنماء هو شيء شبيه بالشيء الذي صار هذا

زيادة عليه، فالأمر واضح أنّ بنية هذا الشيء القابل للزيادة وقوامه إنّما هو من الشيء الذي منه قوام ذلك الشيء الزائد في هذا وبنيته. مثال ذلك أنّ شجرة كانت مقدار ذراع واحد، فتزيّدت ونمت بالأرض والماء حتّی صارت ذراعين. أقول إنّ بنية الذراع الأوّل وقوامها إنّما كان أيضاً من الأرض والماء، وذلك أنّه إن كانت الذراع الثانية غير مخالفة للذراع الأولی في شيء والذراع الثانية إنّما هي من الأرض والماء، فالأولی أيضاً إنّما هي من الأرض والماء، وقد نعلم أنّ الأبدان إنّما تغتذي من الأربعة العناصر من هذا الوجه، وهو أنّ النبات إنّما قوامه بالأربعة العناصر، إذ كان لا قوام له بالأرض دون الماء ولا بالماء دون الأرض، فيجب من ذلك أن يكون النبات من الأرض والماء، ولكن مخالطة الأرض للماء إنّما يحدث عنها طين فقط، فيجب من ذلك أن يكون في النبات شيء آخر غير الأرض والماء، ولم يبق بعد الأرض والماء من الأجسام البسيطة شيء خلا النار والهواء، فيجب أن يكون قوام النبات إنّما هو بهذين بعد الأرض والماء خاصّة إذ كنّا قد نری عياناً أنّ النبات لا ثبات له دون لقاء الهواء وحرارة الشمس من طريق أنّه يحتاج إلی الاغتذاء من هذين أيضاً، فالنبات علی ما بيّنّا يغتذي من الأربعة العناصر، والحيوان يغتذي من النبات، والإنسان يغتذي من الحيوان ومن النبات، فتحصل من ذلك أنّ الإنسان أيضاً مؤلّف من الأربعة العناصر.

[الفصل السادس]

‹الحارّ والبارد›

(٢٤) اسم الحارّ واسم البارد يجريان علی معنيين، أحدهما كيفيّة الحرارة والبرودة بمنزلة ما نقول إنّ هذا الجسم حاله حال حارّة أو حال باردة، والآخر الجسم الذي فيه تلك الكيفيّة، إلّا أنّ هذا الجسم إمّا أن تكون فيه تلك الكيفيّة التي يوصف بها وحدها، وإمّا أن يكون يخالطها فيه ضدّها، أمّا وحدها فبمنزلة الحرارة في النار التي ليس معها برودة وبمنزلة البرودة في الماء التي ليس معها حرارة، وما كان من الأجسام علی هذا، فهو يقال إنّه في غاية الحرارة والبرودة، وذلك أنّ كلّ شيء خالص محض لا يخالطه ضدّه، فهو في الغاية، وأمّا الكيفيّة التي يخالطها ضدّها، فبمنزلة ما في جميع الأجسام المركّبة، وكلّ واحد من هذه يوصف بالحرارة والبرودة علی أحد وجهين، إمّا بالأغلب عليه، وإمّا بالمقايسة بينه وبين آخر، وأمّا من جهة الأغلب، فإذا كانت الحرارة فيه أكثر من البرودة، فيقال من هذا الوجه إنّه حارّ، وإذا كانت البرودة فيه أكثر من الحرارة قيل من هذا الوجه إنّه بارد، وأمّا من جهة المقايسة، فإذا قيس بجسم آخر، فوجد أشدّ حرارة منه، فقيل من هذا الوجه إنّه حارّ، أو وجد أشدّ برودة منه، فقيل إنّه بارد.

(٢٥) فإذا قال أبقراط إنّ الأبدان مركّبة من الحارّ والبارد، فليس ينبغي أن نفهم عنه أنّه يريد بذلك الكيفيّات لأنّ الكيفيّات ليست أجساماً، والعنصر مجانس للشيء الذي هو له عنصر، فيجب من ذلك إذ كانت الأبدان أجساماً أن لا يكون عنصرها كيفيّة ليس لها هيولی، بل إنّما الكيفيّة رأس ونوع للجسم المحسوس، ولا ينبغي أيضاً أن نفهم عنه أنّه يريد بقوله هذا الجسم الذي يقال إنّه كذلك علی طريق الأغلب أو علی طريق المقايسة، لأنّ الأجسام التي هي علی هذه الصفة لا نهاية لها، والعناصر ينبغي أن تكون متناهية، وذاك أنّها إن كانت غير متناهية لم يتمّ بها كون، لأنّ ما لا نهاية له لا يقطع ولا يحاز، لكن ينبغي أن نفهم عنه أنّه يريد بهذه الأجسام التي هي في الغاية من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وهي أربعة أجسام، النار والهواء والماء والأرض.

[الفصل السابع]

‹حالات الأبدان›

(٢٦) وحالات الأبدان تتغيّر إمّا من قبل أنفسها وإمّا من قبل شيء من خارج، وتغيّرها من قبل شيء من خارج يكون بمنزلة الانتقال من موضع إلی موضع، وأمّا تغيّرها من قبل أنفسها، فيكون علی وجهين، أحدهما وجوهرها باقٍ علی حاله، والآخر وجوهرها ليس بباقٍ علی حاله، والتغيير الذي لا يبقی معه جوهر الأبدان ليس يدخل فيما يعنی به الطبّ من أمرها، فأمّا التغيير، فهو الذي يبقی معه جوهر الأبدان علی حاله، فهو الذي يدخل فيما يعنی به الطبّ من أمر الأبدان فقط.

‹تغيّر في الكيفيّة والكمّيّة›

(٢٨) وهذا التغيير صنفان، أحدهما في الكمّيّة والآخر في الكيفيّة. أمّا التغيّر في الكمّيّة، فعلی ضربين، أحدهما أن ينقص من البدن شيء، والآخر أن يزيد فيه شيء، وإذا نقص من البدن شيء، فينبغي للطبيب أن يزيد فيه مكان ما نقص منه من شيء شبيه به، ولأنّ البدن مركّب من الأربعة العناصر قد ينبغي أن يكون الغذاء الذي به تكون الزيادة فيه مركّباً أيضاً من الأربعة العناصر، ولذلك صار البدن لا يغتذي من العناصر، وهي بسيطة، لا من الماء ولا من الهواء ولا من الأرض

ولا من النار، فأمّا إذا زاد في البدن شيء، ينبغي للطبيب أن يحتال في تنقيصه بالاستفراغ، وأمّا التغيّر في الكيفيّة، فيكون بمنزلة ما يعرض للبدن إذا هو سخن أو برد، ومتی عرض له ذلك، فينبغي أن ينظر، فإن كان لم يتغيّر تغيّراً شديداً، فينبغي أن يداوی بدواء يقلّبه ويحيله إلی خلاف ذلك من غير أن يكون في الغاية من الكيفيّة التي هي له، لكن يكون منها في حدّ معادل لمقدار ميل البدن عن طبيعته، فإن كان البدن قد مال عن حاله إلی البرودة كانت مداواته بالفلفل أو بالعاقرقرحا، وإن كان قد مال البدن إلی الحرارة، كانت مداواته بالخسّ وبكشك الشعير، وإن كان البدن قد تغيّر تغيّراً شديداً، فينبغي أن يداوی بدواء يحيله ويقلّبه إلی خلاف ما هو عليه ممّا هو في الغاية، فإن كان قد برد أسخنّاه بالنار، وإن كان قد سخن برّدناه بالماء.

‹التعليم›

(٢٨) من التعليم المبني علی أمر الأسطقسّات، وهي العناصر له سبيلان، أحدهما المسلك الذي يبتدئ من منتهی الشيء وتمامه في الوهم ويرجع حتّی ينتهي إلی أصله ومبدئه، والثاني المسلك الذي يبتدئ من أصل الشيء ومبدئه وينتهي إلی تمامه وغايته، والطريق الأوّل من هذين التعليمين يقال له النقض والتحليل بمنزلة

ما نقول إنّ الأعضاء المتشابهة الأجزاء مركّبة من الأخلاط، والأخلاط من الأغذية، والأغذية من النبات، والنبات من الأربعة الأركان، أعني العناصر. والطريق الثاني يقال له التركيب بمنزلة ما نقول إنّ النبات يكون من الأربعة العناصر والأغذية من النبات والأخلاط من الأغذية والأعضاء المتشابهة الأجزاء من الأخلاط والأعضاء المركّبة من الأعضاء المتشابهة الأجزاء، وجملة البدن من الأعضاء المركّبة.

[الفصل الثامن]

[المركّبات]

(٢٩) جميع القدماء قد أقرّوا وأجمعوا أنّ الأجسام المركّبة إنّما تكون من تركيب العناصر البسيطة، إلّا أنّ ديمقريطس يقول إنّ العناصر تبقی علی حالها لا تتغيّر وتحدث عنها الأجسام المركّبة بتغيّر حالاتها في الوضع والتضادّ والشكل، وأنكساغورس يقول إنّ في العناصر أجزاء من كلّ واحد من الأعضاء، فإذا فارقت أجزاء العظم العناصر التي هي فيها واجتمعت والتأم بعضها إلی بعض صار منها عظم، وإذا فارقت أجزاء اللحم العناصر التي هي فيها واجتمعت والتأم بعضها ببعض صار منها لحم، وإذا تفرّقت هذه الأجزاء واختلطت بالعناصر صارت ناراً وماء وهواء وأرضاً، وذلك لأنّ أنكساغورس يعتقد أنّ العناصر إنّما هي خلط من الأجرام المتشابهة الأجزاء، وإمباذقلس يقول إنّ العناصر الأربعة غير مستحيلة ولا متغيّرة، وإنّما تحدث عنها أجسام مركّبة مختلفة من قبل اختلاف تركيبها عن غير تغيّر ولا استحالة، وأبقراط وثالس وإيراقليطس وديوجانس يقولون إنّ الأجسام المركّبة إنّما تحدث عن تغيّر العناصر واستحالتها، إلّا أنّ ثالس وأصحابه

يقولون إنّ تغيّر العناصر إنّما يكون باجتماعها وتفرّقها، فأمّا أبقراط فليس يقول إنّ تغيّر الأسطقسّات يكون باجتماعها وتفرّقها لكن بالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ولذلك جعل المحقّق لأنواع العناصر والمثبت لها هذه الكيفيّات، ولذلك سمّي العناصر الحارّ والبارد والرطب واليابس.

[الفصل التاسع]

‹الكيفيّات›

(٣٠) أجناس الكيفيّات مختلفة، فمنها ما يدركه البصر، وهي الألوان المختلفة، ومنها ما يدركه السمع، وهي الأصوات المختلفة، ومنها ما يدركه الشمّ، وهي الروائح المختلفة، ومنها ما يدركه المذاق، وهي الطعوم المختلفة، ومنها ما يدركه اللمس، وهي كيفيّات شتّی، أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والصلابة واللين والخفّة والثقل والكثافة والسخافة والخشونة والملاسة والمتانة والهشاشة والرخاوة والاكتناز، وبعض هذه الكيفيّات لا تغيّر جملة جوهر البدن، وبعضها يفعل فعله في جميع البدن. أمّا الكيفيّات التي لا تتغيّر بها جملة جوهر البدن، فهي الكيفيّات التي تبصر والتي تسمع والتي تشمّ والتي تذاق، وأمّا التي تبصر بمنزلة الألوان، فإنّها ليس تغيّر البدن كلّه لكن العينين فقط، وليس تغيّر أيضاً جملة كلّ واحدة من العينين، لكن تغيّر منها الروح الباصر فقط، فالأسود من جميع الألوان يجمع الروح الباصر والأبيض يفرّقه، وأمّا التي تسمع فإنّها تفعل ما تفعله في الأذنين فقط، وأمّا التي تشمّ فإنّها تفعل فعلها في البطنين المقدّمين من بطون الدماغ وتغيّرهما تغيّراً له قدر، وأمّا التي تذاق فإنّها إنّما تفعل أكثر ما تفعله في اللسان فقط، وأمّا في سائر البدن، فإنّها إمّا أن تكون لا تفعل فيه شيئاً، وإمّا أن تفعل فيه فعلاً يسيراً، والدليل علی ذلك أنّ

البدن قد يحسّ بما يحدثه عنها من التغيير، وأمّا الكيفيّات التي تفعل ما تفعله في جميع البدن، فبعضها تفعل ذلك في ظاهره فقط، ولا يبلغ فعلها إلی باطنه بمنزلة الخشونة والملاسة والصلابة واللين، وبعضها تفعل ذلك في ظاهر البدن وباطنه معاً بمنزلة الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ونقول أيضاً إنّ الكيفيّات الملموسة منها ما هو محرّك للشيء فقط بمنزلة الثقل والخفّة، ومنها ما يفعل في الشيء فعلاً يؤثّر فيه بمنزلة الحرارة والبرودة.

(٣١) وقد يقسم هذا المعنی أيضاً بضرب آخر من القسمة، فيقال إنّ الكيفيّات منها كيفيّات أول، وهي الأمّهات التي عنها تتولّد الكيفيّات الأخر، وهي أربع كيفيّات، الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ومنها كيفيّات ثوانٍ متولّدة عن تلك الأول، وهي سائر الكيفيّات الملموسة والكيفيّات المبصورة والمسموعة والمذوقة والمشمومة، وأمّا سائر الملموسة، فمنها الكثافة، وتولّدها عن البرودة، ومنها السخافة، وتولّدها عن الحرارة، ومنها اللين، وتولّده عن الرطوبة، ومنها الصلابة، وتولّدها عن اليبوسة، ومنها المتانة، وتولّدها عن الرطوبة، ومنها الهشاشة، وتولّدها عن اليبوسة، وأمّا الكيفيّات المبصورة، وهي الألوان، فإنّها تابعة للكثافة والسخافة، وهاتان تابعتان للحرارة والبرودة، وذلك أنّ الكثافة تولّد السواد، إذ كان السواد إنّما هو سلب فعل البصر وحدوثه يكون عن اجتماع أجزاء الشيء المبصور، ولذلك متی لم ير الإنسان شيئاً ظنّ أنّه ينظر إلی السواد،

والسخافة تولّد البياض لأنّ البياض إنّما هو إيجاب فعل البصر ووقوعه علی الشيء المبصور، وهذا تابع للانفتاح أجزاء الشيء المبصور وانبساطها حتّی يلقاها ويماسّها البصر، فأمّا سائر الألوان، فهي وسط فيما بين هذين اللونين مخلوطة منهما إذ كانا هما طرفان، وأمّا الكيفيّات المسموعة، فإنّها أصناف الأصوات وأنواعها، وهذه تابعة لصلابة الأجسام ولينها وعظمها وصغرها، والصلابة واللين تابعان للرطوبة واليبوسة، وأمّا الكيفيّات التي تذاق، فهي أنواع الطعوم، وهذه تابعة لأنواع المزاج، وأمّا الكيفيّات المشمومة، فهي أصناف الروائح، والروائح تابعة لأصناف المزاج ورقّة الجوهر وغلظه.

(٣٢) وتأليف الأربع الكيفيّات الأمّهات يكون علی هذا المثال، الحرارة والبرودة لا تأتلفان، والرطوبة واليبوسة لا تأتلفان، والحرارة واليبوسة تأتلف منهما النار، والحرارة والرطوبة يأتلف منهما الهواء، والبرودة واليبوسة يأتلف منهما الأرض، والبرودة والرطوبة يأتلف منهما الماء. مثال ذلك:

الحرارة لا تأتلفان البرودة
يأتلف منهما النار يأتلف منهما الهواء يأتلف منهما الأرض يأتلف منها الماء
اليبوسة لا تأتلفان الرطوبة

(٣٣) وللكيفيّات قسمة أتمّ وأكمل من القسمة المتقدّمة، وهي أنّ الكيفيّات منها أمّهات مولّدة، وهي الكيفيّات الملموسة، ومنها متولّدة من الملموسات، فأمّا الكيفيّات الملموسة، فمنها كيفيّات أول، وهي الكيفيّات التي يتولّد عنها غيرها ولا تتولّد هي عن غيرها، وهي أربع، أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ومنها كيفيّات ثوانٍ، والثواني صنفان، فمنها ما تولّد وتتولّد، ومنها ما تتولّد ولا تولّد. أمّا التي تتولّد ولا تولّد، فبمنزلة الثقل والخفّة، وأمّا التي تولّد وتتولّد، فمنها ما تولّد أشباهها، ومنها ما تولّد غير أشباهها. أمّا المولّدة لأشباهها، فبمنزلة الخشونة والملاسة، فإنّ الملاسة تولّد ملاسة مثلها، والخشونة تولّد بطبعها خشونة مثلها، وكثيراً ما تولّد الخشونة بطريق العرض ملوسة بمنزلة ما يفعل المبرّد، وأمّا المولّدة لغير أشباهها، فبمنزلة الكثافة والتخلخل، فإنّ الكثافة يتولّد عنها السواد والثقل والصلابة، والتخلخل يتولّد عنه البياض والخفّة واللين، وأمّا الكيفيّات المتولّدة عن الكيفيّات الملموسة، فمنها مبصورة ومنها مسموعة ومنها مشمومة ومنها مذوقة، والكيفيّات المبصورة منها البياض، وهو يتولّد عن تخلخل أجزاء الجسم، ومنها السواد، وهو يتولّد عن تكاثف أجزاء الجسم، وسائر الألوان التي فيما بين هذين اللونين تتولّد عن الحالات التي فيما بين هاتين الحالتين، وأمّا الكيفيّات المسموعة، فهي تابعة لصلابة الأجسام ولينها وعظم مقاديرها وصغرها، وأمّا الكيفيّات المشمومة والكيفيّات المذوقة، فهي تابعة للمزاج بمنزلة ما يتّبع الحارّ الحدّة والحرافة والمرارة والملوحة، ويتّبع البارد القبض والعفوصة والحموضة، ويتّبع الاعتدال بينهما الحلاوة والدسومة.

(٣٤) ونقول أيضاً إنّ الكيفيّات الملموسة منها كيفيّات تخصّ علی طريق اشتراك الأسماء باسم الجنس المشتمل عليها، فتدعی الملموسة، وهي الكيفيّات التي لا تدرك إلّا بحاسّة اللمس ولا تعرف بغيرها، ومنها ما لا يخصّ باسم الملموسة، والتي تخصّ باسم الملموسة منها ما ينفذ فعله في جميع الجوهر ظاهره وباطنه، ومنها ما لا يتجاوز فعله ظاهر الجوهر، ومنها ما لا يفعل لا في ظاهر الجوهر ولا في باطنه، وأمّا التي لا تخصّ باسم الملموسة، فمنها المبصورة، وهي التي تفعل في حاسّة البصر وحدها، ومنها المسموعة، وهي التي تفعل في حاسّة السمع وحدها، ومنها المشمومة، وهي التي تفعل في البطنين المقدّمين من بطون الدماغ وخاصّة فعلها أو أكثر فعلها فيهما، ومنها المذوقة، وهي التي فعلها في اللسان وأعلی الحنك فقط أو أكثره هناك.

‹اختلافهم في عنوانات كتبهم في العناصر›

(٣٥) قد اختلف أصحاب الكتب في العناصر في عنوانات كتبهم وترجماتها، فمنهم من جعل ترجمة كتابه في العناصر «الكتاب في الطبيعة» بمنزلة ما فعل بارمانيدس ومالسيس، ومنهم من جعل ترجمة كتابه فيها «الكتاب في الجوهر» بمنزلة ما فعل خروسبس، ومنهم من جعل ترجمة كتابه فيها «الكتاب في طبيعة الإنسان» بمنزلة ما فعل أبقراط، ومنهم من جعل ترجمة كتابه فيها «الكتاب في العناصر» بمنزلة ما فعل

جالينوس، فأمّا أرسطوطاليس فإنّه ذكر أمر العناصر في موضعين، أحدهما جعل ترجمته «كتاب السماء»، الآخر جعل ترجمته «كتاب الكون والفساد».

‹اختلافهم في المزاج›

(٣٦) قد اختلف القدماء في أمر المزاج وجملة آرائهم فيه ثلثة، أحدها رأي أسقليبياذس، والآخر رأي الرواقيّين، والثالث رأي أرسطوطاليس، فأمّا أسقليبياذس، فيزعم أنّ المزاج يحدث عن لزوم الأجزاء التي لا تتجزّأ بعضها لبعض، ورأي هذا منفسخ لأنّ لزوم الأجزاء بعض لبعض ليس هو مزاج، بل إنّما هو مجاورة وتركيب إذ كانت هذه المضامّة ليست مضامّة مخالطة بالحقيقة، بل إنّما هي مضامّة اقتران عند الحسّ فقط، وأمّا الرواقيّون، فيزعمون أنّ الأجسام يدخل بعضها في بعض، وأمّا أرسطوطاليس فيقول إنّ الأجسام تتجزّأ أجزاء صغار، ثمّ يضامّ بعضها بعضاً، وكيفيّاتها تتمازج بكلّيّتها عندما تفعل كلّ واحدة من الكيفيّات في الأخری ويقبل كلّ واحدة منهما فعل الأخری، فيحصل من هذه الثلثة الآراء إذا عزل عنها الرأي الأوّل الذي لا يوجب مزاجاً، بل تركيباً علی طريق المجاورة رأيان، أحدهما رأي من يزعم أنّ جواهر الأجسام يخالط

بعضها بعضاً، والآخر رأي من يقول إنّ الأجسام لا يدخل بعضها في بعض، وأهل القول الأوّل يزعمون أنّ الجواهر الجسميّة يدخل بعضها في بعض، وهذا أصل مبناه شنع لا يفهم، وتتّبعه مع ذلك شناعات أخر، أحدها أنّه يجب من هذا القول أن يكون العالم كلّه يدخل في حبّة جاورس يحصره بأجمعه، وذاك أنّه إن كان يجوز أن يدخل جسم في جسم، فقد يجوز أن تدخل جاورسة في جاورسة، وإن جاز أن تدخل جاورسة في جاورسة فقد يجوز أن تدخل معها أخری ولا يزال هذا حتّی يقسم العالم كلّه جاورساً، ويدخل جميعها في تلك الواحدة.

(٣٧) وأمّا أهل القول الثاني، فيقولون إنّ الأجسام أنفسها لا يدخل بعضها في بعض، لكنّها يضامّ بعضها بعضاً عندما ينقسم أجزاء صغار، فأمّا كيفيّاتها، فيفعل بعضها في بعض ويقبل بعضها فعل بعض حتّی تصير شبيهة بعضها ببعض، ويصير الكلّ متشابه الأجزاء من غير أن يكون هذا الكلّ واحداً من تلك الأجزاء المفردة التي عنها حدث المزاج، لكن شيئاً وسطاً فيما بينهما، وهو بالقوّة ذانك الجزآن المفردان اللذان عنهما حدث وبالفعل ليس بواحد منهما.

‹الجسمان›

(٣٨) متی التقيا جسمان طبيعيّان لهما كيفيّات فاعلة وكيفيّات منفعلة، وتلك الكيفيّات أضداد، فإنّهما إن كانا متكافئين في القوّة أو قريبين من ذلك في القوّة أو في المقدار، فعل كلّ واحد منهما في الآخر وقبل كلّ واحد منهما فعل الآخر، فلم ينقلب أحدهما إلی نوع الآخر، ولم يستحل إليه غاية الاستحالة، ويولّد بينهما شيء وسط، وهذا الصنف من التغيّر والاستحالة يقال له مزاج، وإن كان الجسمان ليسا بمتكافئين، لكن أحدهما أقوی من الآخر، وأكثر منه مقداراً والآخر أضعف من هذا وأقلّ مقداراً منه، فالجسم الذي هو منها أضعف وأقلّ مقداراً يستحيل ويفسد وينتقل إلی نوع الأقوی، والذي هو أقوی يقال له قد تزيّد، فأمّا أنّه قد خالط أو قد مازج، فلا، وذاك أنّه ليس يقال إنّ الغذاء يخالط اللحم، ولا أنّ الحطب يخالط النار.

[الفصل العاشر]

‹ما يقال بالقوّة›

(٣٩) الأشياء التي يقال إنّها بالقوّة منها ما هو بعيد ومنها ما هو قريب. أمّا البعيد، فبمنزلة ما يقال إنّ الصبيّ بالقوّة عالم بالنحو، وإنّ الماء بالقوّة نار، وأمّا القريب، فبمنزلة ما يقال في النحويّ النائم إنّه نحويّ، وفي الزفت والكبريت إنّهما بالقوّة نار. عناصر البدن منها عامّيّة متقدّمة في الطبع بعيدة عن الحسّ، وهي التي ذكرناها فيما تقدّم، ومنها خاصّيّة متقدّمة عند الحسّ قريبة، وهي الأعضاء المتشابهة الأجزاء، ومنها وسط فيما بين هاتين الطبقتين، وهي الأخلاط، ومن أجل ذلك ينبغي لنا أن نذكر أوّلاً هذه، ثمّ نأخذ في ذكر العناصر القريبة.

[الفصل الحادي عشر]

‹اختلافهم في الأخلاط›

(٤٠) وقد وقع في أمر الأخلاط أيضاً اختلاف في الرأي، وذلك أنّ قوم قالوا إنّ بنية البدن وقوامه من خلط واحد، وقوم قالوا إنّه من أخلاط كثيرة، فأمّا الذين قالوا إنّه من خلط واحد، فمنهم من زعم أنّه من الدم وحده، ومنهم من قال إنّه من المرّة الصفراء، ومنهم من قال إنّه من المرّة السوداء، ومنهم من قال إنّه من البلغم، فأمّا الذين قالوا إنّه من أخلاط كثيرة، فمنهم أبقراط وأصحابه، فإنّ هؤلاء قالوا إنّ بنية البدن وقوامه من الدم والبلغم والمرّتين، وهذه الخمسة الآراء إذا امتحنت وجدت ثلثة منها، وهي رأي من يزعم أنّ البدن مركّب من الصفراء، ومن يزعم أنّه مركّب من السوداء، ومن يزعم أنّه مركّب من البلغم كاذبة لا مقنع فيها، وذلك أنّ الحياة إنّما تكون بالحرارة والرطوبة، وليس من هذه الثلثة الأخلاط واحد يجتمع فيه هذان لأنّ الصفراء يابسة والبلغم بارد والسوداء باردة يابسة، وأمّا رأي من يزعم أنّ بنية البدن وقوامه من الدم وحده، فهو رأي مقنع إلّا أنّه ليس بحقّ، وأمّا رأي من يزعم أنّ البدن مركّب من الأربعة الأخلاط، فهو رأي مقنع، وهو مع هذا حقّ.

(٤١) الذين يزعمون أنّ بنية البدن وقوامه من الدم وحده يثبتون ذلك ويأتون فيه بالحجّة المقنعة من القياس علی مجری الكلام في الطبائع ومن الحسّ. أمّا من القياس الطبيعيّ، فأوّل ما احتجّوا به هذا، قالوا إنّ جوهر الحيوان إنّما هو بالحركة، والتحريك هو شيء خاصّ بالحرارة ملائم لها وسهولة الحركة خاصّ بالرطوبة، وإذا كان الأمر علی هذا، فجوهر الحيوان إنّما هو بالحرارة والرطوبة، فالمادّة إذن التي الغالب عليها الحرارة والرطوبة، هي التي ينبغي أن يكون منها الحيوان، وإذا كان ذلك كذلك، فلا المرّة الصفراء ولا المرّة السوداء ولا البلغم يصلح أن يكون منه جوهر الحيوان، لكن الدم وحده لأنّه حارّ رطب، والأغلب عليه الكيفيّة الموافقة للحركة الكثيرة، وفيه مع هذا برودة ويبوسة ليكون له بذلك ثبات وجمود، ولا يكون في غاية الانحلال سيّالاً لا يثبت، وإذا كان ذلك كذلك فكون البدن إذن إنّما هو من الدم.

(٤٢) ثمّ احتجّوا بعد ذلك، فقالوا إنّ كلّ جسمين يلتقيان، فهما إن كانت قوّة كلّ واحد منهما مساوية لقوّة الآخر يحيل الواحد منهما الآخر ويتولّد عنهما مزاج، وإن كان أحدهما قاهراً للآخر أحال القاهر المقهور وأقلبه إلی نوعه، فصار زيادة فيه، والغذاء لمّا كان يتزيّد به البدن صار البدن أقوی منه، ولو لا ذلك لكان البدن يستحيل إلی نوع الغذاء، ولم يكن الغذاء يستحيل إلی نوع

البدن، وإذا كان الأمر علی هذا، فالبدن ليس قوامه من مرّة صفراء ولا من مرّة سوداء ولا من بلغم، لكن من الدم فقط، وذلك لأنّ المرّة الصفراء أشدّ حرارة ويبوسة من البدن بأضعاف كثيرة، فهي لذلك أقوی من البدن لشدّة حرارتها، ولأنّها يابسة، والبدن رطب واليابس أقوی من الرطب، والمرّة السوداء أبرد من البدن كثيراً وأيبس منه، ولذلك ليس يستطيع البدن أن يحيلها ويقلبها، بل هي أحری أن يحيله ويقلبه، والبلغم هو أيضاً أبرد من البدن وأرطب منه كثيراً، وأمّا الدم فإنّه شبيه في مزاجه بالبدن، وهو مع هذا أقلّ حرارة منه وأكثره رطوبة منه، فهو للأمرين جميعاً أضعف من البدن، فهذا ما احتجّوا به علی طريق القياس من الطبع.

(٤٣) وأمّا من الحسّ فاحتجّوا في ذلك بثلثة أشياء، أحدها الكون، والآخر الغذاء، والثالث ما يستفرغ من البدن ويحتبس فيه. أمّا من الكون، فاحتجّوا بأن قالوا إنّا نری الشيء الذي يقع في الأرحام، ويكون منه الجنين إنّما هو الدم والمنی الذي من طبيعة الدم، فليس يقع في الأرحام عند كون الجنين، ولا واحد من المرّتين ولا البلغم، وأمّا من الغذاء فاحتجّوا بأن قالوا إنّا نجد عياناً أنّ البدن إنّما يغتذي من الدم فقط، وذلك أنّ الأعضاء إنّما تجتذب إليها من الأخلاط ليغتذي به الدم وحده، وأمّا سائر الأخلاط، فهي تدفعها عن أنفسها وتقذف بها كما تقذف بالشيء الغريب المنافر، ولذلك قد نجد المرارة فضلاً عن غيرها

من الأعضاء وإن كانت تجتذب إليها المرّة الصفراء، فليس تغتذي بها، وممّا يدلّ علی ذلك أنّ عروقاً يجري فيها الدم، تتفرّق في جرم المرارة وتغذوها، وكذلك الطحال أيضاً، فإنّه تجتذب إليه المرّة السوداء ولكنّه لا يغتذي منها، بل إنّما يغتذي من الدم المخالط لها، والدليل علی ذلك أنّه إذ أصفی هذا الدم وميّزه وفصّله من المرّة السوداء قذف بالمرّة السوداء ودفعها عن نفسه إلی فم المعدة كما يدفع الشيء الذي لا ينتفع به، وإذا كان الأمر علی هذا فقد علم أنّ سائر الأخلاط إنّما هي فضول لازمة لتولّد الدم وكونه بمنزلة ما يلزم في كون الشراب من تولّد الزبد الذي هو نظير للمرّة الصفراء والدرديّ الذي هو نظير للمرّة السوداء، وهذا ما احتجّوا به من الغذاء، وأمّا من استفراغ ما يستفرغ من البدن واحتباس ما يحتبس فيه، فاحتجّوا بأن قالوا إنّ الدم احتباسه شيء واجب في الطبع واستفراغه شيء خارج عن الطبع، وأمّا المرّتان والبلغم فاستفراغ كلّ واحد منهما واجب في الطبع نافع واحتباسه خارج عن الطبع ضارّ، فالمرّة الصفراء إذا احتبست حدث عنها اليرقان، والسوداء إذا احتبست حدث عنها السرطان والجذام، والبلغم إذا احتبس أضرّ احتباسه بالمعدة والأمعاء.

(٤٤) فالذين قالوا إنّ بنية البدن من الأربعة الأخلاط بيّنوا ذلك من ثلثة أشياء، أحدها اختلاف الأعضاء والآخر اختلاف الدم والثالث استفراغ ما

يستفرغ من البدن، أمّا من اختلاف الأعضاء، فإنّهم قالوا إنّ كلّ واحد من الأعضاء إنّما يغتذي من خلط مزاجه شبيه بمزاجه علی التقريب، وكانت الأعضاء بعضها بارد رطب بمنزلة الدماغ، وبعضها بارد يابس بمنزلة العظم، وبعضها حارّ يابس بمنزلة الرئة، وبعضها حارّ رطب بمنزلة اللحم، فالأمر فيها بيّن أنّ اللحم إنّما يغتذي من خلط حارّ رطب، وهذه الصفة إنّما هي للدم الخالص، والعظم إنّما يغتذي من خلط مائل إلی البرودة واليبوسة، وهذه الصفة موجودة في الخلط الذي من جنس السوداء، والدماغ إنّما يغتذي من خلط بارد رطب، وهذه الصفة موجودة في البلغم، والرئة إنّما تغتذي من خلط حارّ يابس، وهذه الصفة موجودة في المرّة الصفراء، وأمّا من اختلاف الدم، فإنّهم قالوا كما أنّ اللبن في ظاهر أمره إنّما نراه شيئاً واحداً، وهو مركّب من جواهر مختلفة، فبعضه ماء وبعضه جبن وبعضه زبد، كذلك الدم أيضاً فيه شيء غليظ من جنس الدرديّ، والكثيف نظيره المرّة السوداء، وشيء آخر رقيق يضرب إلی الحمرة من جنس المرّة الحمراء وشيء أبيض من جنس البلغم، ولذلك صار الدم مختلف الحالات في لونه وفي قوامه بحسب اختلاف الأسنان وبحسب اختلاف أوقات السنة وحسب اختلاف مزاج الحيوان وحسب اختلاف مزاج البدن، وأمّا من استفراغ ما يستفرغ من البدن، فإنّهم قالوا إنّا نری الدواء المسهل إذا أخذه إنسان فأفرط بصاحبه الإسهال حتّی

يستفرغ ما في بدنه من الخلط الذي ذلك الدواء مخصوص بإسهاله ويخرج بعده خلط آخر ليس من شأن ذلك الدواء إسهاله مات، وإذا كان الأمر علی هذا فقد تبيّن أنّ البدن يحتاج في البقاء علی السلامة إلی الأخلاط الأربعة.

(٤٥) لون الدم يعرف من لون البشرة من خارج ومن رؤيته إذا استفرغ بفصد العرق.

‹باقي الأدوية›

(٤٦) إذا سقی الدواء المسهل، فأفرط عمله في الإسهال، كان أوّل شيء يخرج بالإسهال الخلط الذي ذلك الدواء مخصوص بإسهاله، ثمّ يخرج بعده أرقّ الأخلاط الباقية وأسهلها إجابة، ثمّ يتبع ذلك أغلظ الأخلاط وأشدّها عسراً، وفي آخر الأمر يخرج بعدها كلّها أخصّ الأخلاط بالطبيعة، وهو الدم. مثال ذلك أنّا إذا سقينا دواء يسهل المرّة الصفراء كان أوّل شيء يخرجه مرّة صفراء، ثمّ يخرج بعدها بلغم، ثمّ مرّة سوداء، وفي آخر الأمر يخرج الدم، وإن سقينا دواء يسهل البلغم كان أوّل شيء يحرج البلغم، ثمّ يخرج بعده مرّة صفراء، ثمّ مرّة سوداء، ثمّ في آخر الأمر يخرج الدم، وإن سقينا دواء يسهل المرّة السوداء كان أوّل شيء يخرجه مرّة سوداء، ثمّ يخرج بعدها صفراء، ثمّ بلغم، وفي آخر الأمر يخرج الدم، وكلّ واحد من الأدوية المسهلة يجتذب في أوّل الأمر الخلط الذي هو

مخصوص بإسهاله من تجويفات الأعضاء المجوّفة، ثمّ إنّه بعد ذلك إذا استنظف ما هناك من ذلك الخلط اجتذب ما في جوهر الأعضاء الأصليّة من ذلك الخلط الذي هو مخصوص به اجتذاباً عنيفاً، ولشدّة اجتذابه وعنفه ينتزع منها مع الخلط الذي هو مخصوص به الأخلاط التي ليس هو مخصوص بها إلّا أنّ أوّل شيء يجتذبه وينتزعه منها أسهلها انقياداً وأكثرها مؤاتاة وأسرعها إجابة وأقلّها خصوصيّة بالطبيعة، وبعده أعسرها إجابة وأبعدها عن القرب من الطبيعة، وفي آخر الأمر أخصّها بالطبيعة، وهو الدم.

‹تقسيم العناصر›

(٤٧) العناصر صنفان، فمنها عناصر كيفيّاتها باقية علی الحال الطبيعيّة، ومنها عناصر كيفيّاتها خارجة عن الحال الطبيعيّة، أمّا التي كيفيّاتها علی الحال الطبيعيّة، فهي العناصر التي هي الموجودة في الطبع بمنزلة النار التي تكون بها الحياة والماء العنصريّ الذي هو أيضاً ممّا تكون به الحياة، وأمّا التي كيفيّاتها خارجة عن الحال الطبيعيّة، فهي العناصر التي قد أفرطت فيها الكيفيّات التي هي مخصوصة بها، فهي لذلك مفسدة للحياة بمنزلة الجمد الذي قد أفرطت فيه البرودة ولهيب النار الذي قد أفرطت فيه الحرارة، وكذلك الأمر في الأخلاط، فمنها عنصريّة طبيعيّة،

وهي معتدلة حلوة المذاق تغذو الأبدان بمنزلة ما هو مخالط منها للدم، وذلك لأنّ كلّ غذاء فهو حلو من قبل أنّ جميع الأعضاء حلوة الطعم، وهذه الأخلاط المخالطة للدم نحن نسمّيها مرّة صفراء وسوداء وبلغم، ومنها خارجة عن الطبع، وهي إفراطات تلك الكيفيّات الملائمة للطبع، وما كان كذلك فليس يغذو، بل يدفع ويخرج عن البدن بمنزلة الشيء المنافر، ومتی احتبس أضرّ بالبدن وأفسده، وليس من هذا شيء له حلاوة، بل المرّة الصفراء من هذا الجنس مرّة والسوداء حامضة عفصة، والبلغم حامض أو مالح.

(٤٨) وإذا وقع الدم في الأرحام أو المنی ميّزته الطبيعة فصار ما هو منه غليظ بارد يابس مائل إلی السوداء مادّة لكون العظام وما هو منه بارد رطب بلغميّ مادّة لكون الدماغ وما هو منه أشدّ حرارة ورطوبة مادّة لكون اللحم وما هو منه أشدّ حرارة ويبساً مادّة لكون الرئة.

[الفصلان الثاني عشر والثالث عشر]

‹اختلافهم في الدواء›

(٤٩) قد اختلف الآراء في الدواء المسهل، ومحصولها رأيان، أحدهما رأي أبقراط الذي يعتقد أنّ كلّ واحد من الأدوية المسهلة إنّما يجتذب الخلط الذي هو مخصوص به، والآخر رأي أسقليبياذس الذي يظنّ أنّ كلّ واحد من الأدوية المسهلة إنّما يولّد الخلط الذي يسهله، وهذا الرأي ينفسخ من وجهين، أحدهما أنّا نجد من كان الغالب عليه البلغم يعسر إسهاله بالأدوية التي تسهل المرّة الصفراء وضرّت به ويسهل الأمر في إسهاله بالأدوية التي تسهل البلغم وينتفع بها، ومن كان الغالب عليه المرّة الصفراء عسر إسهاله بالأدوية التي تسهل البلغم وتضرّ به، ويسهل الأمر في إسهاله بالأدوية المسهلة للصفراء وتنفعه، والوجه الآخر أنّا نجد الدواء المسهل إذا استنظف الخلط الذي هو مخصوص به أخرج بعده خلطاً آخر ممّا ليس هو مخصوص به، ولا بدّ في ذلك من أحد أمرين، إمّا أن تكون

قوّة الدواء قد خارت وضعفت وبطلت فلا ينبغي له حينئذٍ أن يخرج شيئاً إذ كان لا يقدر عند هذه الحال أن يولّد وقوّته قد بطلت، وإمّا أن تكون قوّته باقية، وإن كانت باقية فينبغي أن يخرج ما لم يزل يخرجه منذ أوّل الأمر، فإنّه ليس يجوز لك أن تقول إنّه كان أوّلاً حارّاً، فكان يولّد الصفراء، وبعد ذلك يردّ فصار يولّد البلغم لأنّه إن كان مزاجه قد استحال هذه الاستحالة كلّها، فقد بطل من أن يكون مسهلاً لأنّا ليس نجد دواء مسهلاً بارداً، مع أنّ هذا شنع منكر جدّاً أن نقول إنّ الدواء المسهل يكتسب في البدن أمزاجاً كلّ واحد منهما من الخلاف لصاحبه في هذا الحدّ، فيصير مرّة حارّاً يابساً عند إسهاله للصفراء ومرّة بارداً رطباً عند إسهاله للبلغم، ثمّ يصير بارداً يابساً عندما يسهل المرّة السوداء، ويرجع في آخر الأمر فيصير حارّاً رطباً عندما يسهل الدم.

[الفصل الرابع عشر]

‹موضع الأخلاط›

(٥٠) الأخلاط من البدن في موضعين، فبعضها في تجويفات العروق محصورة، وهذه هي أوّل شيء تجتذبه الأدوية المسهلة بسهولة وسرعة، وبعضها في نفس جواهر الأعضاء الأصليّة، وإذا اجتذبت الأدوية المسهلة هذه الأخلاط عندما يستنظف ما في العروق منها جذبت بشدّة اجتذابها وعنفها مع الخلط الذي الدواء المسهل مخصوص بإسهاله خلطاً آخر، ليس ذلك الدواء مخصوص به، فأسهله.

تمّت جوامع كتاب جالينوس في العناصر ترجمة حنين بن إسحق.