Anon.: Muḫtaṣar maqāl Ǧālīnūs fī l-ḥaṯṯ ʿalā taʿallum al-ʿulūm wa-l-ṣināʿāt (Synopsis of Galen's Treatise on the Exhortation to Learn the Sciences and Arts)

Work

Anon., Muḫtaṣar maqāl Ǧālīnūs fī l-ḥaṯṯ ʿalā taʿallum al-ʿulūm wa-l-ṣināʿāt
English: Synopsis of Galen's Treatise on the Exhortation to Learn the Sciences and Arts

Related to

Text information

Type: Summary (Arabic)
Date: unknown

Source

ʿAbd al-Raḥmān Badawī. Dirāsāt wa-nuṣūṣ fī al-falsafah wa-l-ʿulūm ʿind al-ʿarab. Beirut (al-Muʾassasah al-ʿarabīyah li-l-dirāsāt wa-l-našr) 1981, 187-189

Download

anon_gal_protr-summ_mukhtasar-ar1.xml [10.91 KB]

مختصر مقال جالينوس في الحثّ على تعلّم العلوم والصناعات

قال:

أمّا الأمر في أنّ الحيوان الذي يسمّى «غير ناطق» لا نطق له البتّة، فغير بيّن، لأنّه قد يكون — وإن كان ليس له النطق اللفظيّ الذي يظهر بالصوت، ويقال له: النطق الظاهر، فله النطق الثابت في النفس المستكنّ فيها، وهو في بعضه أكثر وفي بعضه أقلّ. والإنسان أتمّ منه، وبينهما بعد في فهم الأمور والاحتيال فيها: فإنّه وحده له قبول تعلّم الصناعات الكثيرة واستعمالها. وأكثر الحيوان غير الناطق لا يعاني شيئاً من الصناعات. وما كان منه يعاني صناعة ما، فإنّما يعانيها بالطبع لا بالإرادة. والإنسان لا تفوته معرفة شيء من هذه، فإنّه يشارك العنكبوت في النسج، والنحل في البناية ومع هذا لا يفوته ما يعانيه المتألّهون كالطبّ والنجامة والكهانة وإشفاء الأمراض والإخبار بما تحت الأرض وفوق السماء وقد استخرج بشدّة حرصه على الفلسفة ووصل بها إلى الخيرات الإلاهيّة. فكيف لا يكون من المنكر الشنيع أن يغفل عن الأمر الذي به يقرب إلى اللّه تعالى ويقتدي به في أفعاله، ويهمل أمر نفسه ويستسلم لالبخت؟ والقدماء، لمّا أرادوا إثبات رداءة الالتجاء إلى البخت لم يقنعهم أن صوّروا صوره امرأة، وإن كان في هذا دلالة على نقص الفهم حتّى جعلوا في يده سكّاناً يمسكه، ووضعوا تحت رجله قاعدة كريّة وسلبوه العينين. فدلّوا بهذه الخصال على أنّه لا ثبات له ولا تجري أموره على نظام: فيرفع المستحقّين تارة ويحطّهم تارة؛ وكذلك يعمل مع غير المستحقّين. والذي يمنحه هو سريع التغيّر. وقد تبع هذا المدبّر الأعمى كثيرون ممّن لا أدب له، وعندما يسقطون بسقوطه يذمّونه، وقد يفارقون اتّباعه، وقد يعطبون عند سقوطه وهو لا يعطب، بل يبرم كما كان لأنّه لازم الكرّة، ويضحك عندما ينوحون. — وأمّا الحكمة وأصحابها فبالعكس من ذلك. وأتباع البخت تراهم بطّالين متعلّقين بالآمال، يجرون مع البخت. وبعضهم أقرب

إليه، وبعضهم أبعد منه، وأحوالهم متغيّرة مختلفة، وينتهون إلى شرور كثيرة. وأمّا الجمع الآخر فكلّهم بحال حسنة يعانون الصناعات ولا يجرون ولا يضطربون ولا يتقاتلون. وبعضهم أقرب إلى الحكمة من بعض:

فأوّلهم أصحاب الفلسفة والآداب. وبعدهم المصوّرون والنجّارون والبنّاؤون وأمثالهم — وبعدهم أصحاب باقي الصنائع. والكلّ مقبلون بوجوههم إلى اللّه تعالى، عاملون بأوامره، وله عناية بهم في البرّ والبحر وبالقريبين منه بالأكثر. فإنّ أرسطبّس كسر في البحر فطلع إلى جزيرة فرأى شكلاً هندسيّاً فاستبشر أنّه قد وقع لأناس لا لأغنام. فخاطبهم وطلب ما يحتاج إليه، فأعطوه. ووجد من يسير إلى بلده فقالوا: هل لك من تقوله لأهلك؟ فقال: قولوا لهم: ليكن ما تكسبونه وتقتنونه شيئاً إذا كسرتم في البحر وطلعتم، طلع معكم ولم يمكن أن يضرّكم بل وينفعكم، فإنّ كثيرين ممّن غاية مقاصدهم المال لمّا وقعوا في مثل هذه الشدائد عمدوا إلى ذهب أو فضّة فعلّقوه على أيديهم أو شدّوه في أوساطهم، فكان ذلك سبباً لتلفهم وذهابه منهم، فكيف لا يفهم محبّو المال أنّهم إنّما يؤثّرون ويختارون من الحيوان الذي لا نطق له ما كان فيه فضيلة ما تأديبيّة، كالخيل التي قد علّمت جودة المشي والعدو وسرعته، والكلاب والطيور التي قد علّمت الصيد، فإنّ هذه آثر عند الناس من باقي الخيل والكلاب والطيور التي لم تؤدّب. وهؤلاء يعلّمون عبيدهم الصناعات وقد يعلّمونهم بعض الآداب العلميّة وينفقون عليهم مالاً ويخدمونهم ليحصل لهم مال أكبر ويعقلون أمور نفوسهم حتّى يصير العبد بصناعته العمليّة والعلميّة يساوي الآلاف من الدراهم وسيّده لو صار عبداً لم يساو واحداً من ذلك، ولا بعض ألف درهم بل ولا درهماً واحداً، بل وقد نجد هذا الرجل لا يرضى أحد بأخذه مجاناً وليس في الحسب أمر يعود نفعه على صاحبه إلّا إن كان يحتاج إليه في منافسته في الخير فيقصد إلى أخصّ الناس به في التشبّه ويجعل قدوته أقاربه ويرى أنّ من اشتهر نسبه بفضيلة، فقبيح به أن يكون خالياً منها أو مقصّراً فيها. وبعض الحكماء، لمّا عيّره بعض الناس بجنسه قال: أمّا أنا فإنّما مبدأ لنسلي في شرف الجنس، وبما ارتفع حسبي. فأمّا أنت فبك اتّضع حسبك وعندك انقرض شرف جنسك.

وقد يعرض لمن اشتهر بالجمال أن يغفل أمر نفسه. فسبيله أن يعلم أنّ الجميل إنّما يرى جماله وقتاً ما، وأنّ الأمر جميل في كلّ وقت. وينبغي للإنسان أن ينظر إلى حال شيخوخته ويستعدّ لها.

فقد بان أنّه ليس ينبغي لأحد أن يعتمد على كثرة مال، ولا على شرف حسب، ولا على حسن وجمال، ويغفل — لشيء من هذا — أمر نفسه، ويتهاون بتعلّم الصناعات.

والصناعات التي ينبغي أن يتعلّم هي التي الغرض فيها تدبير مصالح الجماعة، لا كمهنة من يرتقي على خشبة طويلة، ويمشي على حبل. وأخاف عليكم من مهنة المصارعين التي قد تكسب المدائح والكرامات العامّيّة. وأقول إنّ جنس الناس مشارك للملائكة في أنّه ناطق. فينبغي أن تكون عنايته بالأمر الأفضل وهو الأدب. فإن هو وصل إليه فقد استفاد أعظم الخيرات، وإن فاته لم يخسر، إذ كان عجزه من أعظم الأشياء. فإن قصد الأنقص، — كالصراع مثلاً — فإن فاته كان ذلك خزياً له وعارّاً عليه، إذ كان قد عجز عن الشيء الناقص؛ وإن ناله لم يفضل البهائم، فإنّه لا يصل إلى أن يضرّ الأسد أو الفيل، وكذلك ولا أن يعدو كالفرس والأرنب.

تمّت والحمد والشكر للّه دائماً أبداً.