Aristotle: Analytica posteriora (Posterior Analytics)
Work
Aristotle, Analytica posteriora
(Ἀναλυτικὰ ὕστερα)
English: Posterior Analytics
Text information
Type: Translation (Arabic)
Translator: Abū Bišr Mattā
Translated from: Syriac
(Literal)
Date:
between 900 and 940
Source
ʿAbd al-Raḥmān Badawī. Manṭiq Arisṭū, al-ǧuzʾ al-ṯānī. Dirāsāt islāmīyah 7/2. Cairo (Maṭbaʿat Dār al-kutub al-miṣrīyah) 1949, 307-465
Download
arist_analytpost-transl-ar1.xml [280.18 KB]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
كتاب «أنولوطيقا الأواخر»، وهو المعروف بكتاب «البرهان» لأرسطوطالس، نقل أبي بشر متّى بن يونس القنّائيّ إلى العربيّ من نقل إسحاق بن حنين إلى السريانيّ
المقالة الأولى
〈نظريّة البرهان〉
قال أرسطوطالس:
١
〈ضرورة المعرفة المتقدّمة الوجود〉
كلّ تعليم وكلّ تعلّم ذهنيّ إنّما يكون من معرفة متقدّمة الوجود. وهذا يكون لنا ظاهراً، إذا ما نحن نظرنا في جميعها: وذلك أنّ العلوم التعليميّة بهذا النحو تحصل عندنا، وكلّ واحدة من تلك الصناعات الأخر. وعلى هذا المثال يجري الأمر في الأقاويل أيضاً، أعني التي تكون بالمقاييس والتي تكون باستقراء؛ فإنّ كلا العلمين إنّما يجعلان التعليم بأشياء متقدّمة المعرفة: فبعضها يقتضب اقتضاباً على 〈أساس: إمّا أنّ الخصوم〉 فهموا، وبعضها
يبين الكلّيّ من قبل ظهور الجزئيّ. — وكذلك تقنع 〈الحجج〉 الخطبيّة، وذلك أنّها إمّا أن تقنع بالأمثلة — وهذا هو الاستقراء، وإمّا بالأ〈نثومميا أي القياس الإضماريّ، وهو〉 أيضاً قياس. وقد تجب ضرورة ما يقدم فيعرف على جهتين: فبعـ〈ـضها تحتاج من〉 الضرورة إلى أن تتقدّم فتتصوّر أنّها موجودة، وبعضها الأولى أن نفهم فيها على ماذا يدلّ القول. وبعض الأشياء قد تدعو الضرورة إلى أن يتقدّم فيعرف من أمرها كلا الصنفين. مثال ذلك أنّ في كلّ شيء قد يصدّق إمّا الموجبة وإمّا السالبة، فإنّه موجود؛ وأمّا في المثلّث فإنّه يعرف أنّه يدلّ على هذا الشيء؛ وأمّا في الوحدة فكلا الصنفين: أعني على ماذا يدلّ وأنّها موجودة. وذلك أنّ كلّ واحد من هذه ليس هو معروفاً لنا على مثال واحد.
وقد يتعرّف الإنسان بعض الأشياء، وقد كان عرفه قديماً؛ وبعض الأشياء يعلمها من حيث يحصل تعرّفها معاً، مثال ذلك جميع الأشياء الموجودة تحت الأشياء الكلّيّة التي هو مقتنٍ لمعرفتها. فإنّه أمّا أنّ «كلّ مثلّث زواياه مساوية لقائمتين» فقد كان تقدّم فعلم، وأمّا أنّ «هذا المرسوم في نصف الدائرة وهو مثلّث» فقد نتعرّفه ونعلمه مع
أخذوا برهانه. والبرهان الذي حصلوه ليس هو أنّ كلّ ما يعلمون أنّه مثلّث أو أنّه عدد، لكن على الإطلاق في كلّ عدد وكلّ مثلّث. وذلك أنّه ليس يقتضب ولا مقدّمة واحدة هذه حالها، أعني: «العدد الذي تعرفه» أو «المستقيم الخطوط الذي أنت عارف به»، لكن على الإطلاق. لكن لا شيء فيما أظنّ يمنع أن يكون الأمر الذي يعلمه الإنسان قد يعلمه من جهة ولا يعلمه من جهة. ذلك أنّ القبيح الشنيع ليس هو أن يكون ما يتعلّمه يعرفه بنحو ما؛ لكن إنّما القبيح أن يكون ذلك بهذا النحو الذي به يعلمه كما هو الأمر.
٢
〈العلم والبرهان〉
وقد يظنّ بنا أنّا نعرف كلّ واحد من الأمور على الإطلاق، 〈لا على طريق السوفسطائيّين〉 الذي هو بطريق العرض، متى ظنّ بنا أنّا قد تعرّفنا العلّة التي من أجلها الأمر، وأنّها هي العلّة، وأنّه لا يمكن أن يكون الأمر على جهة أخرى. ومن البيّن أنّ هذا هو معنى: «أن يعلم». وذلك أنّ الذين لا يعلمون والذين يعلمون: أمّا أولئك فقد يتوهّمون من أمر الشيء أنّ هذه حاله؛ وأمّا العلماء فقد يوجد لهم هذا المعنى. فإذن ما لنا العلم به 〈وجوداً〉 لا يمكن 〈أن يكون〉 على جهة أخرى.
فأمّا إن كان قد يوجد نحو آخر للعلم فإنّا نخبر عنه بأخرة. وقد نقول إنّا نعلم علماً يقيناً بالبرهان أيضاً، وأعني بالبرهان القياس المؤتلف اليقينيّ؛ وأعني بالمؤتلف اليقينيّ الذي نعلمه بما هو موجود لنا. — فإن كان معنى أن يعلم هو على ما وضعنا، فقد يلزم ضرورة أن يكون العلم البرهانيّ من قضايا صادقة، وأوائل غير ذات وسط، وأن يكون أعرف من النتيجة، وأكثر تقدّماً منها، وأن يكون عللها. وذلك أنّه بهذا النحو تكون مبادئ مناسبة أيضاً. 〈على أنّ〉 الذي قد مرّ من القياس قد يكون من غير هذه أيضاً، وأمّا البرهان فلا يكون، 〈لأنّه لن يكون محصّلاً لليقين〉. أمّا أن تكون القضايا صادقة فقد يلزم من قبل أنّه لا سبيل إلى أن يعلم 〈ما ليس〉 بموجود، مثال ذلك أنّ القطر 〈مشا〉رك للضلع. وأمّا أنّ البرهان من أوائل غير مبرهنة، 〈فذلك〉 أنّه لم يكن يوجد السبيل إلى أن تعلم إذا لم يكن عليها برهان. وذلك أنّ معنى أن تعلم الأشياء التي عليها برهان لا بطريق العرض، إنّما هو أن تقتني البرهان عليها. — 〈ثمّ〉 وأن يكون عللاً أيضاً وأن يكون أعرف وأقدم: أمّا علل فمن قبل أنّا حينئذٍ نعلم متى علمنا العلّة. وأمّا أنّها أقدم فإن كانت عللاً؛ وأمّا أنّها أعرف فلا بنحو واحد، أعني
بأن يفهمها، لكن بأن تعلم أنّها موجودة —. وأن يكون أكثر تقدّماً وأعرف هو على ضربين: وذلك أنّه ليس أن يكون الشيء متقدّماً عند الطبيعة وأن يكون عندنا أكثر تقدّماً هو معنى واحداً بعينه؛ ولا أيضاً أن يكون أعرف عند الطبيعة وأن يكون أعرف عندنا معنى واحداً بعينه. وأعني بالتي هي 〈أقدم وأعرف〉 عندنا 〈تلك التي تكون〉 أقرب إلى الحسّ. وأمّا التي هي أقدم وأعرف على الإطلاق 〈فإنّها〉 هي الأشياء التي هي أكثر بعداً منه. والأشياء التي هي أبعد ما تكون منه هي الأمور الكلّيّة خاصّة. والتي هي أقرب ما يكون منه هي الأشياء الجزئيّة والوحيدة. فهذان قد يقابل بعضهما بعضاً.
ومعنى أنّه من الأوائل هو أنّه من مبادئ مناسبة. وذلك أنّي إنّما أعني بالأوّل والمبدأ معنى واحداً بعينه. ومبدأ البرهان هو مقدّمة غير ذات وسط. وغير ذات الوسط هي التي ليس توجد أخرى أقدم منها. فأمّا المقدّمة فهي أحد جزئي 〈القول〉، أعني 〈جعل〉 الحكم واحداً على واحد. وأمّا الديالقطقيّة، أعني الجدليّة، فهي التي تقتضب أحد جزئي المناقضة: أيّهما كان. وأمّا الأبودقطقيّة، أي البرهانيّة، فهي أحد جزئي المناقضة مع التحديد، وهو الصادق. وأمّا الحكم فهو أيّ جزء كان من المقابلة. وأمّا المناقضة فهي أنطيثاسس، أعني التقابل الذي الأوسط له بذاته.
وجزء المناقضة: وأمّا ما كان على شيء فهو موجبه؛ وأمّا ما كان من شيء فهو سالبه. وأمّا المبادئ القياسيّة غير ذات وسط: أمّا ما كان لا سبيل إلى أن تبرهن، ولا أيضاً يلزم ضرورة أن يكون حاصلاً لمن يعـ〈ـقـ〉ـل شيئاً ما، فإنّي أسمّيه وضعاً. وأمّا 〈ما كا〉ن منها لقد يجب ضرورة أن يكون المتعلّم 〈حاصلاً عليه فهو〉 أكسيوما، أعني 〈الشيء〉 المتعارف: فإنّه قد توجد بعض الأشياء 〈من هذا الجنس〉، وذلك أنّ عادتنا أن نستعمل هذا الاسم في أمثال هذه خاصّة. وأمّا الوضع فإنّي أسمّي ما يقتضب أيّ جزء من جزئي الحكم كان — وهو أنّ الشيء موجود أو غير موجود — أيوباثسيس، أعني الأصل الموضوع؛ وأمّا ما كان غير هذا فالتحديد. فإنّ التحديد هو وضع، وذلك أنّ صاحب العدد 〈قد〉 يضع أنّ الوحدة ما لا ينقسم بالكمّ وضعاً، وليس هو أصلاً موضوعاً. وذلك أنّ معنى ما هي الوحدة ومعنى أنّها موجودة ليس هو واحداً بعينه.
ولمّا كان قد يجب أن نصدق بالأمر ونعلمه من طريق ما لنا عليه، مثل هذا القياس الذي نسمّيه أبودكسيس، أعني البرهان، وهذا هو
موجود بأنّ هذه موجودة، أعني التي منها يكون السلوجسموس نفسه، فقد يجب ضرورة ليس أن نكون عارفين بالأوائل فقط: إمّا بجميعها، وإمّا ببعضها — لكن أن نكون عارفين بها أكثر. وذلك أنّ ما من أجله يوجد كلّ واحد هو أبداً أكثر وجوداً: مثال ذلك محبّتنا للذي من أجله يحبّ أكثر.
فإن كنّا إذن إنّما نعلم ونتيقّن ونصدّق من أجل الأوائل، فتصديقنا وتيقّننا لها أكثر، إذ كان تصديقنا بالأشياء الأخيرة إنّما هو 〈عن طريقها. إلّا أنّه〉 غير ممكن أن يكون الإنسان عارفاً أكثر من التي هو عالم بها بالأشياء التي يتّفق له لا أن يعلمها، ولا أن يكون حاله في علمها أفضل، ولا يكون حاله من أمرها كما لو اتّفق له أن يعرفها. وهذا قد يلزم إن لم يتقدّم الإنسان فيعرفها من التي إنّما يصدّق بها من أجل البرهان. فقد يلزم ضرورة أن يكون تصديقنا بالمبادئ — إمّا بجميعها أو ببعضها — أكثر من النتيجة.
فمن كان عازماً على اقتناء علم برهانيّ فقد يجب عليه لا أن يكون تعرّفه وتصديقه بالمبادئ فقد أكثر من تعرّفه وتصديقه لما يتبيّن منها، بل ألّا
يكون عنده شيء آخر من الأشياء المقابلة للمبادئ. وهذه هي الأشياء التي منها يكون قياس المغالطة المضادّ أكثر تصديقاً منها وأعرف، إذ كان قد يجب على من كان عالماً على الإطلاق ألّا يشوب تصديقه تغيّر.
٣
〈نقد بعض الأغلاط في العلم والبرهان〉
فأمّا قوم فقد يظنّون أنّه — 〈لمّا〉 كان قد يجب أن تعلم الأوائل — فإنّه ليس 〈تمكن ا〉لمعرفة. وقوم آخرون قد يظنّون أنّه قد توجد معرفة، غير أنّ البرهان قد يكون على كلّ شيء. وهذان الرأيان ولا واحد منهما صادق، ولا أيضاً ضروريّ. فإنّه: أمّا أولئك فإنّهم لمّا وضعوا أنّه لا سبيل إلى علم شيء على وجه آخر، ولا يوجبون التصاعد إلى ما لا نهاية، قالوا بذلك من قبل أنّه لا سبيل إلى علم الأشياء التي هي أكثر تأخّراً من الأشياء التي هي أكثر تقدّماً من أمور لا أوائل لها. (وقولهم هذا مستقيم صواب، وذلك أنّه غير ممكن أن نقطع الأشياء التي لا نهاية لها). فإن كانت متقدّمة وقد توجد مبادئ فهذه هي غير معلومة،
إذ كان ليس عليها برهان. وهذا هو الذي يقولون إنّه وجده فقط معنى العلم.
فإن لم يكن سبيل إلى علم الأوائل، فإنّه لا سبيل إلى أن نعلم على الإطلاق الأشياء أيضاً التي عن هذه. ولا سبيل أيضاً إلى أن تعلم على الحقيقة، اللّهمّ إلّا أن تكون بنحو الأصل الموضوع، وهو إن كانت تلك موجودة.
وأمّا أولئك الآخرون فقد يقرّون ويذعنون بوجود العلم. وذلك أنّهم يقولون إنّ العلم إنّما هو بالبرهان فقط، غير أنّهم يقولون إنّه لا مانع يمنع أن يكون برهان على كلّ شيء. فإنّهم زعموا أنّه قد يمكن أن يكون البرهان دوراً ولبعض الأشياء ببعض.
وأمّا نحن فنقول إنّ ليس كلّ علم فهو برهاناً، لكن العلم الذي من غير توسّط هو غير مبرهن. (فأمّا أنّ هذا واجب ضرورة فهو بيّن. وذلك أنّه إن كان قد يجب ضرورة أن نعرف الأشياء التي هي أكثر 〈تقدّ〉ماً والأشياء التي منها البرهان، وقد تقف المتوسّطات وقتاً ما: فهذه قد يجب ضرورة أن تكون غير مبرهنة). فهذا القول نقول في هذه على هذا النحو؛ وأنّه ليس إنّما يوجد العلم فقط، بل قد نقول إنّه يوجد أيضاً مبدأ ما للعلم هو الذي به تتعرّف الحدود.
فأمّا أنّه غير ممكن أن يتبيّن شيء على 〈شيء بالبرهان بالمعنى الـ〉ـأدقّ فبيّن، إذ البرهان إنّما يجب أن يكون من الأشياء التي هي أكثر تقدّماً 〈وأكثر معرفة، لأنّه من المستحيل أن تكون أشياء بعينها بالنسبة إلى أشياء بعينها أكثر تقدّماً〉 وأكثر تأخّراً 〈إلّا〉 عند ما نسأل متى 〈يمكن〉 أن تكون: أمّا هذه فعندنا، وأمّا هذه فعلى الإطلاق — أنّه 〈بهذه تكون الطريقة〉 التي يصير بها الشيء معروفاً بالاستقراء. وإن كان هذا هكذا، لا يكون تحديد〈نا〉 بالمعنى العلم على الإطلاق جرى على الصواب، لكن يكون مضاعفاً من قبل أنّ البرهان الآخر لا يكون على الإطلاق من الأشياء التي هي أعرف.
وقد يلزم الذين يقولون إنّه يكون البرهان بالدور ليس هذا الذي خبّرنا به الآن فقط، لكن ألّا يكونوا يقولون شيئاً آخر، غير أنّ هذا موجود بأنّ هذا الشيء نفسه موجود — وعلى هذا القياس قد يسهل أن يتبيّن كلّ شيء. ومن البيّن أنّ هذا لازم إذا وضعت حدود ثلاثة. وذلك أنّه لا فرق بين أن يقال إنّ التحليل بالعكس قد يكون بأشياء كثيرة، وبين أن يقال إنّه يكون بأشياء يسيرة. ولا فرق أيضاً بين أن يقال إنّه يكون بأشياء يسيرة، وبين أن يقال إنّه يكون بشيئين. وذلك أنّه إن كان متى كانت اَ
موجودة، كانت ٮَ من الاضظرار موجودة، وإذا كانت هذه موجودة فـ حـَ موجودة، فإنّه إذا كانت اَ موجودة قد تكون حـَ موجودة. فإن كان متى كانت اَ موجودة تكون ٮَ من الاضطرار موجودة، وإذا كانت 〈ٮَ〉 موجودة فـ اَ موجودة (فإنّ هذا هو البرهان بالدور)، فلتوضع 〈اَ مكان حـَ. وإذن فإنّ قولنا إن〉 كانت ٮَ موجودة تكون اَ موجودة، هو 〈القول بأنّه إذا كانت ٮَ موجودة فإنّ حـَ موجودة〉، وهذا هو أن يقال إنّه متى كانت اَ موجودة 〈فإنّ حـَ〉 موجودة. وحـَ واَ هما شيء واحد بعينه. فقد يلزم إذن القائلين 〈إنّ البرهان〉 يكون دوراً 〈ألّا يقولوا〉 أشياء أخر غير أنّه إذا كانت اَ موجودة 〈فإن اَ موجودة، وبهذا〉 قد يسهل أن يتبيّن البرهان على كلّ شيء.
〈وكذلك فإنّ مثل هذا البرهان لا يمكن إلّا في 〉 الأشياء التي يلزم بعضـ〈ـها بعضاً، مثل الصفات الحقيقيّة. كذلك فد أثبتنا أنّنا إذا قنعنا بأن نضع حدّاً〉 واحداً، أنّه لا عندما توضع حدود 〈على نحو خاصّ〉، ولا أيضاً عندما يوضع وضع 〈واحد〉 يلزم شيء آخر، وأنّه إنّما يمكن أقلّ ما يكون من وضعين أوّلين متى أردنا أن نقيس. فإن كانت اَ لازمة لـ ٮَ وحـَ، وكان هذان لازمين بعضهما بعضاً ولازمين لـ اَ، فعلى هذا
النحو قد يمكن أن يتبيّن البعض من البعض جميع الأشياء التي صودر عليها في الشكل الأوّل عامّاً يبين في الأقاويل في القياس. وقد يبين أيضاً أنّ في الشكلين الآخرين إمّا ألّا يكون قياس، وإمّا ألّا يكون على الأشياء المأخوذة. فأمّا الأشياء التي لا تنعكس فتحمل، فالسبيل أن تتبيّن دوراً. ولذلك لمّا كانت أمثال هذه في البراهين يسيرة، فمن البيّن الظاهر أنّ القول بأنّ البرهان يكون من البعض على البعض — فإنّ من قبل هذا قد يمكن أن يكون برهان على كلّ شيء — هو قول باطل وغير ممكن.
٤
〈تعريف ما هو بالكلّ وبالذات والكلّيّ〉
ولمّا كان الأمر الذي العلم به على الإطلاق غير ممكن أن يكون على خلاف ما هو عليه، فمن الاضطرار أن يكون المعلوم هو الأمر الذي يكون بالعلم البرهانيّ. والعلم البرهانيّ هو الحاصل لنا من طريق أنّه يحصل لنا برهانه: فالبرهان إذاً هو قياس يكون عن مقدّمات ضروريّة. فقد ينبغي إذن أن يؤخذ من ماذا ومن أيّ الأشياء يكون البرهان. — ولنفصّل أوّلاً لماذا نقول: 〈محمول على كلّ موضوع، و〉لماذا 〈هو بذاته، ولماذا هو يقال بالكلّيّ〉.
〈أمّا〉 ما نقول فيه إنّه على الكلّ، فهو شيء لم يكن على البعض 〈دون أن يكون〉 على البعض 〈الآخر〉، أولا كان في وقت ما موجوداً وفي وقت آخر غير موجود: مثال ذلك إن كان الحيوان على كلّ إنسان؛ فإنّه إن كان القول في هذا 〈إنّه إنسان〉، فالقول فيه 〈إنّه حيوان〉 أيضاً صادق؛ وإن كان أحدهما الآن صادقاً، 〈فالآخر كذلك صادق في نفس الوقت. وإذا〉 كانت النقطة في كلّ خطّ، 〈فالأمر على هذا النحو كذلك. والبرهان على ما قلنا〉 إنّما يأتي بالمعاندة، فنعاند بها القول بأنّه 〈إذا كان الحمل صحيحاً على كلّ الموضوع، فإنّه〉 موجود في شيء ما، أو أنّه ليس بموجود في وقت ما.
و 〈ما هو «بذاته هو أوّلاً»〉 الأشياء الموجودة فيها هوّ الشيء: مثال ذلك في المثلّث الخطّ، وفي الخطّ النقطة. وذلك أنّ جوهرهما هو في هذه الأشياء.
والأشياء التي توجد في القول المخبر ما هو الشيء، وجميع ما كان من الأمور توجد الأشياء، تلك الأشياء موجودة في القول المخبر ما هي. مثال ذلك: الاستقامة والانحناء موجودان للخطّ؛ والفرد والزوج للعدد؛ والأوّل والمركّب؛ والمتساوي الأضلاع والمختلف الطول؛ وجميع هذه قد توجد في القول المخبر ما هي: أمّا هنالك فالخطّ، وأمّا هاهنا فالعدد. — وكذلك
في تلك الأشياء الأخر الباقية أيضاً، فإنّي أقول لأمثال هذه إنّها موجودة بذاتها للجزئيّات والآحاد؛ فأمّا جميع الأشياء التي ليست موجوة على أحد هذين الضربين فهي أعراض: مثال ذلك الموسيقى أو البياض للحيوان.
وأيضاً ما لا يقال على شيء آخر موضوع، مثال ذلك 〈بالنسبة إلى من〉 يمشي إنّما هو الذي يمشي، وهو شيء آخر. وكذلك الأبيض أيضاً. وأمّا الجوهر وكلّ ما يدلّ على المقصود إليه بالإشارة فليس إنّما هي موجودة من حيث هي شيء آخر. — فالأشياء التي لا تقال على شيء موضوع أقول إنّها بذاتها، وأمّا التي هي على موضوع فهي أعراض.
وأيضاً على نحو آخر ما هو موجود لكلّ واحد من أجل ذاته، أقول إنّه بذاته؛ وأمّا ما لم يكن من أجل ذاته فعرض. مثال ذلك إن كان عندما يمشي إنسان ما حدث البرق، فذلك عرض؛ وذلك أنّه ليس إنّما حدث البرق من أجل أنّه يمشي، لكن إنّما نقول إنّ هذا عرض واتّفق. فأمّا إن كان من أجله نفسه فهو بذاته: مثال ذلك أن يكون الإنسان عندما ينحر يموت، فنقول إنّ ذلك بذاته من قبل أنّ ذلك كان بسبب الذبح، وليس إنّما عرض واتّفق أنّه عندما ينحر يموت.
والتي تقال في المعلومات على الإطلاق 〈إمّا〉 على أنّها موجودة في المحمولات، وهذه موجودة في تلك، فهي موجودة من أجل ذاتها من الاضطرار، وذلك أنّه غير ممكن ألّا تكون موجودة إمّا على الإطلاق وإمّا المتقابلة. مثال ذلك في الخطّ: إمّا الاستقامة، وإمّا الانحناء؛ وفي العدد: إمّا الفرد وإمّا الزوج. وذلك أنّ المضادّ إمّا عدم وإمّا نقيض في ذلك الجنس نفسه: مثال ذلك: الزوج هو ما لم يكن في العدد فرداً من قبل أنّه قد يلزم لزوماً. فلهذا السبب كان من الاضطرار إمّا موجبة وإمّا سالبة. فمن الاضطرار أنّ هذه أيضاً موجودة بذاتها. فبهذا النحو يتلخّص ما هو على الكلّ وما هو بذاته.
وأمّا الكلّيّ فأعني به الأمر الموجود للكلّ وبذاته وبما هو موجود. فمن البيّن إذن أنّ جميع الأشياء التي هـ 〈ـي كلّيّة〉 هي موجودة للأمور من الاضطرار. وقولي «بذاته» وقولي «بما هو موجود» هما 〈أشياء واحدة〉 بأعيانها. مثال ذلك: أنّ النقطة موجودة للخطّ بذاتها والاستقامة أيضاً، وذلك أنّهما موجودان له بما هو خطّ. والتساوي أيضاً للزاويتين القائمتين هو شيء موجود للمثلّث بما هو مثلّث، وذلك أنّ المثلّث زواياه الثلاث مساوية لقائمتين بذاته. 〈والمحمول إن كان هو〉 الكلّيّ، فحينئذٍ يكون موجوداً — متى وجد — في أيّ شيء اتّفق، ويتبيّن أنّه موجود
في الأوّل أيضاً. مثال ذلك أن يكون التساوي للقائمتين، لا للشكل على طريق الكلّيّة. هذا على أنّه قد يوجد السبيل ليتبيّن أنّ للشكل زاويتين مساويتين لقائمتين، لكن ليس في أيّ شكل اتّفق، ولا أيضاً يستعمل هذا المعنى المبرهن في أيّ شكل اتّفق. وذلك أنّ المربّع هو شكل وليس له زوايا مساوية لقائمتين، لكن ليس ذلك أوّلاً، لكن إنّما ذلك أوّلاً للمثلّث. فالأمر الذي أيّ شيء اتّفق منه هو الأوّل ممّا يتبيّن أنّ له زوايا مساوية لقائمتين أو شـ〈ـيئاً آخر،〉 أيّ شيء كان. فهذا هو موجود أوّلاً على طريق الكلّيّ. والبرهان 〈بذاته〉 على طريق الكلّيّ هو لهذا. وأمّا تلك الأخر فذلك على نحو ما، لا بذاته، لوجود ذلك المتساوي الساقين ليس هو على طريق الكلّيّ، لكن ذلك قد يقصد.
٥
〈الأغلاط في كلّيّة البرهان〉
وقد ينبغي ألّا نختدع ويغيب عنّا أنّا مرّات كثيرة قد يعرض أن نقول بأن نظنّ أنّه ليس الأمر الذي يبين أوّلاً كلّيّ، أو عندما نظنّ أنّه قد تبرهن الأوّل الكلّيّ برهاناً. وقد نختدع هذه الخدعة ويغني عنّا هذا المعنى: إمّا بأنّه لا يوجد ولا شيء واحداً يقتضيه هو أعلى غير الأشياء الجزئيّة
إن بيّن إنسان أيضاً في واحد واحد من المثلّثات ببرهان واحد أو ببراهين مختلفة أنّ كلّ واحد من المتساوي الأضلاع على انفراده وغير المتساوي الأضلاع والمتساوي الساقين زوايا كلّ واحد منها مساوية لقائمتين، يكون قد يعلم أنّ المثلّث زواياه الثلاث مساوية لقائمتين إلّا أن يكون على ذلك النحو السوفسطائيّ، ولا أيضاً على المثلّث بأسره، ولا أيضاً يعلم أنّه ولا مثلّث واحداً آخر خارج عن هذه. وذلك أنّه ليس يعلم ذلك من أمره من طريق أنّه مثلّث ولا أيضاً أنّ كلّ مثلّث كذلك، لكن إنّما يعلم من طريق العدد. وأمّا بالنوع فليس كلّ، ولا أيضاً إن كان لا يوجد ولا واحد لا نعلمه.
فمتى إذن لا نعلم على طريق الكلّيّ، ومتى يعلم على الإطلاق؟ فنقول إنّه من البيّن أنّ ذلك إن كان الوجود للمثلّث والمتساوي الأضلاع أو لواحد واحد أو لجميعها واحداً بعينه. فأمّا إن لم يكن الوجود لها واحداً بعينه، لكان الوجود قد يجب أن يكون معنى آخر، فإنّه لا يعلم.
فليت شعري، البرهان إنّما يوجد أوّلاً وبالكلّيّة بما هو مثلّث أو بما هو متساوي الساقين؟ ومتى يكون من أجل هذا موجوداً أوّلاً؟ وبالجملة لأيّ شيء هو البرهان؟ فمن البيّن أنّ الأمر الذي إذا ارتفعت له يوجد أوّلاً.
مثال ذلك أنّ المثلّث المتساوي الساقين المعمول من النحاس قد توجد الزوايا مساوية لقائمتين، لكن ذلك له وإن ارتفع منه أنّه من نحاس وأنّه متساوي الساقين أيضاً. — إلّا أنّه ليس وإن ارتفع منه أنّه شكل أو أنّه نهاية، غير أنّ ذلك ليس من حيث هو هذان أوّل — فعند ماذا إذن أوّل؟ — فإن كان ثانياً يكون مثلّثاً. فمن أجل هذا يوجد البرهان لتلك الباقية. فالبرهان على طريق الكلّيّ هو لهذا.
٦
〈الضرورة في مبادئ البرهان〉
فإن كان العلم البرهانيّ من مبادئ ضروريّة (وذلك أنّ ما يعلمه الإنسان علماً لا يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه) وكانت الأشياء الموجودة بذاتها هي الأمور الضروريّة للأمور (إذ كان بعضها موجوداً في حدود الأمور، وبعضها — وهي التي أحد المتقابلين قد يلزم ضرورة أن يوجد في الأمور للأمور نفسها — موجودة في حدود المحمولات عليها) — فمن البيّن أنّ المقاييس البرهانيّة إنّما تكون من أمثال هذه: وذلك أنّ كلّ شيء إمّا أن يكون موجوداً بهذا النحو، وإمّا أن يكون بالعرض. والأشياء التي بالعرض ليست ضروريّة.
فإمّا أن يكون ينبغي أن نجري القول على هذا النحو، وإمّا أن نضع مبدءاً ما. فنقول: إنّ البرهان هو شيء ضروريّ، وإن كان شيء ما قد يبين فإنّ هذا لا يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه، فقد يجب إذن أن يكون القياس من أشياء ضروريّة. وذلك أنّه قد يمكن الإنسان أن يقيس من مقدّمات صادقة، من غير أن يبرهن. فأمّا أن يبين، فلا سبيل إلّا من الضروريّة: وذلك أنّ هذا هو خاصّة البرهان. والدليل على أنّ البرهان إنّما يكون من أشياء ضروريّة هو أنّ المتعاندة إنّما تأتي بها على الذين يظنّون أنّهم قد بيّنوا أشياء بأن يروا أن ليس ما يأتون به ضروريّاً، أو يمكن بالجملة أن يكون على جهة أخرى، أو أنّه بحسب القول فقط.
فظاهر بيّن من هذه الأشياء أنّ الذين يظنّون أنّهم مصيبون في أخذ المبادئ متى كانت المقدّمة صادقة مشهورة هم قوم 〈فيهم عـ〉ـته: مثل ما يأتي به السوفسطائيّون، وهو أنّ الذي له علم يعلم ما هو العلم. وذلك أنّه ليس إنّما تكون المقدّمة مبدءاً بأن تكون مقبولة أوّلاً، لكن من طريق أنّها أولى لذلك الجنس الذي عليه يكون البرهان. وليس كلّ حقّ هو مناسباً خاصّيّاً.
وقد يتبيّن من هذه الأشياء أيضاً أنّ القياس قد يجب أن يكون من الأشياء الضروريّة. وذلك أنّه إن كان الذي ليس له عنده القول على لم الشيء — والبرهان
موجود — ليس هو عالماً. وهذا يكون بأن تكون اَ موجودة لـ حـَ من الضرورة، وأمّا لـ ٮَ التي هي أوسط وبتوسّطه كان البرهان ليس هو من الضرورة فإنّه لا يعلم لم هو. وذلك أنّ هذا ليس هو من أجل الأوسط إذ كان هذا قد يمكن ألّا يكون، وأمّا النتيجة فهي ضروريّة. — وأيضاً إن كان الإنسان لا يعلم من حيث له القول الآن وهو باقٍ والأمر الذي كان يعلمه من قبل باقٍ ولم يتبعه. والأوسط قد يفسد فساداً من قبل أنّه ليس هو ضروريّاً. فقد يكون القول إذن حاصلاً له وباقياً والأمر باقٍ، غير أنّه لا يعلم. فإذن ولا فيما تقدّم كان يعلم أيضاً. فإن لم يكن الأوسط قد فسد، لكن قد يمكن أن يفسد، فالأمر اللازم هو ممكن، إلّا أنّه غير ممكن أن يكون لنا علم بالأشياء التي هذه حالها.
أمّا إذا كانت النتيجة هي من الضرورة، فلا مانع يمنع أن يكون الأوسط الذي به تثبت ليس هو ضروريّاً. وذلك أنّه قد يمكن أن نقيس على الضروريّ من أشياء غير ضروريّة، كما يكون الصدق أيضاً من أشياء غير صادقة. وأمّا متى كان الأوسط ضروريّاً، فالنتيجة أيضاً موجودة من الضرورة، كما أنّ النتيجة التي من المقدّمات الصادقة هي أيضاً دائماً صادقة. فلتكن اَ على ٮَ من الاضطرار، وهذه على حـَ : فـ اَ إذن موجودة أيضاً لـ حـَ من الاضطرار. فأمّا إذا لم تكن النتيجة ضروريّة فولا الأوسط أيضاً يمكن أن
يكون ضروريّاً. وإلّا، فلتكن اَ موجودة لـ حـَ ليس من الضرورة، و لـ ٮَ، وهذه أيضاً لـ حـَ من الاضطرار: فـ اَ إذن قد تكون موجودة لـ حـَ من الاضطرار، لكن لم يوضع هذا. فلمّا كان متى علم الإنسان بطريق البرهان قد يجب أن يكون موجوداً من الاضطرار، فمن البيّن أنّه قد يجب أن يكون البرهان إنّما هو حاصل لنا بأوسط هو أيضاً ضروريّ. وإلّا لم يكن بالذي نعلم، لا لم الشيء ولا أنّ ذلك الأمر موجود من الاضطرار، لكن إنّما يظنّ ظنّاً أنّه يعلم، وهو لا يعلم إذ كان ظانّاً بالأمر الذي ليس هو ضروريّاً أنّه ضروريّ وإلّا يكون يظنّ ولا ظنّاً أيضاً كان عنده من أمر الشيء أنّه قد كان عالماً أنّه موجود بالأوساط، أو كان عنده من أمره لم هو بالأوساط أيضاً على مثال واحد.
وذلك أنّ الأعراض التي ليست موجودة بالذات على الجهة التي عليها حدّدت وميّزت الأشياء التي بالذات ليس عليها علم برهانيّ. وذلك أنّه لا سبيل إلى أن يبين أنّ النتيجة ضروريّة، إذ كان العرض قد يمكن أن يؤخذ ويمكن ألّا يؤخذ. وذلك أنّي ما أريد بقولي هذا عوضاً هذه حاله. — على أنّه لعلّ الإنسان أن يتشكّك فيقول: إن لم تكن النتيجة موجودة من الضرورة، فأيّ سبب يوجب أن يسأل عن مثل هذه الأشياء إذا كانت النتيجة ليس ضروريّة؟ 〈إذ〉 أنّه لا فرق في ذلك أن يكون الإنسان
عندما يسأل أيّ شيء اتّفق عند ذلك 〈بالنتيجة〉. وقد يجب أن يسأل ليس على أنّه ضروريّ من أجل 〈القضايا المطلوبة〉، لكن من قبل أنّه قد يلزم ضرورة أن يخبر بها ويصرح بها الذي يقول الأقاويل، وأن يقولها قولاً حقّاً إن كانت هذه موجودة على الحقيقة.
ولمّا كانت الأشياء الموجودة من الاضطرار في كلّ واحد واحد من الأجناس إنّما هي جميع الأشياء الموجودة بذاته وبما هو كلّ واحد واحد، فمن البيّن الظاهر أنّ البراهين إنّما تكون على الأشياء الموجودة بذاتها. ومن أمثال هذه هي موجودة. وذلك أنّ الأعراض ليست ضروريّة. ولهذا السبب لا سبيل إلى أن تعلم النتيجة من الاضطرار. ولا أيضاً لو كانت موجودة دائماً إلّا أنّها ليس بالذات: مثال ذلك المقاييس التي تكون بالعلامات. وذلك أنّ ما هو بالذات ليس نعلمه أنّه بالذات، ولا أيضاً لم هو. وذلك أنّ العلم بالشيء: «لم هو؟» هو أن نعلمه بالعلّة. فقد يجب إذن لهذا السبب أن يكون الأوسط موجوداً للثاني أيضاً، والأوّل للأوسط بالذات.
٧
〈عدم إمكان الانتقال من جنس إلى آخر〉
وذلك أنّه لا سبيل على هذا القياس أن ينقل البرهان من جنس إلى جنس آخر مثل أن ننقل معاني الهندسة فنستعملها في صناعة العدد.
وذلك أنّ الأشياء التي توجد في البرهان هي ثلاثة: أحدهما الشيء الذي يتبيّن، وهو النتيجة، وهذا هو الموجود لجنس ما بذاته؛ والثاني العلوم المتعارفة. والعلوم المتعارفة هي التي منها هي؛ والثالث الجنس الموضوع، وهو الذي البرهان يدلّ ويعرف التأثيرات والأعراض الموجودة له بذاته. فالتي منها يكون البرهان قد يمكن أن تكون واحدة بأعيانها؛ وأمّا الأشياء التي أجناسها مختلفة بمنزلة جنس علم العدد وعلم الهندسة، فلا سبيل إلى أن يطابق بالبرهان على الأعراض اللازمة للأ 〈عظام〉 البرهان على الأعداد، إذ كانت الأعظام ليست أعداداً. فأمّا 〈كيف〉 يمكن أن يكون هذا في بعض الأشياء، فنحن نخبر 〈بذلك فيما بعد.
أمّا〉 البرهان العدديّ فهو مقتنٍ دائماً للجنس الذي فيه يكون البرهان؛ وكذلك تلك 〈العلوم〉 الباقية. فقد يجب إذن ضرورة متى عزم المبرهن أن ينقل البرهان، أن يكون الجنس واحداً بعينه: إمّا على الإطلاق، وإمّا على جهة ما. وأمّا أنّ هذا لا يمكن أن يكون على جهة أخرى، فذلك بيّن. وذلك أنّ الطرفين والأوسط قد لزم ضرورة أن يكون من جنس واحد
بعينه. فإنّها إن لم تكن بذاتها فهي أعراض. ولهذا السبب ليس لعلم الهندسة أن يبين أنّ العلم بالأضداد واحد، وأنّ المكعّبين مكعّب واحد. ولا لعلم آخر أيضاً ما لعلم آخر، اللّهمّ إلّا أن يكون ذلك في الأشياء التي حال بعضها عن بعض هذه الحال، وهي أن يكون أحد الشيئين تحت الآخر بمنزلة ما المعاني المناظريّة تحت الهندسة، ومعاني تأليف اللحون تحت علم العدد. ولا أيضاً إن وجد شيء ما للخطوط لا بما هي خطوط ولا بما هو من مبادئ خاصّة، مثل أن نبيّن أنّ الخطّ المستقيم أحسن من سائر الخطوط، أو أنّه مقابل للخطّ المستدير؛ وذلك أنّ هذه الأشياء ليست للخطوط من طريق أنّ جنسها الخاصّ مقتنٍ، لكن من قبل أنّه شيء عامّ.
٨
〈البرهان يتعلّق بالنتائج الثابتة أبداً〉
ومن البيّن الظاهر أنّه إن كانت المقدّمات التي منها يكون القياس كلّيّة، فمن الاضطرار أن تكون أيضاً نتيجة مثل هذا البرهان، ونتيجة البرهان على الإطلاق هي دائمة. فليس إذن برهان على الأشياء الفاسدة، ولا علم أيضاً على الإطلاق، اللّهمّ إلّا أن يكون بطريق العرض، من قبل أن ليس البرهان له بالكلّيّة، لكن في وقت ما، وعلى جهة ما. ومتى كان البرهان موجوداً، فقد يلزم ضرورة أن تكون إحدى المقدّمات ليست كلّيّة
وتكون فاسدة (أمّا فاسدة فمن قبل أنّه إذا كانت موجودة فالنتيجة أيضاً تكون موجودة؛ وأمّا أنّها ليست كلّيّة، فمن قبل أنّ هذا الشيء من الأشياء التي يكون 〈فيها هذا〉 موجوداً، وهذا الآخر لا يكون موجوداً) ولهذا السبب لا سبيل 〈إلى تحصيل〉 الكلّيّة، لكن أنّه الآن — وكذلك حالها في التحديد أيضاً، من قبل أنّ التحديد إمّا أن يكون مبدأ البرهان، وإمّا أن يكون برهاناً متغيّراً في الوضع، وإمّا أن تكون نتيجة ما للبرهان. — وأمّا البراهين والعلوم والأشياء التي تحدث وتكون دفعات كثيرة بمنزلة البرهان والعلم بكسوف القمر، فمن البيّن أنّ البراهين: أمّا من حيث هي لمثل هذا، هي موجودة دائماً؛ فأمّا من حيث ليست 〈موجودة دائماً〉 فهي جزئيّة. والحال في البراهين على الكسوف كالحال في الأشياء الأخر الباقية.
٩
〈المبادئ الخاصّة والتي لا يمكن البرهنة عليها في البرهان〉
ولمّا كان بيّناً ظاهراً أنّه لا سبيل إلى أن يتبيّن كلّ واحد إلّا من المبادئ التي لكلّ واحد، إذ كان الشيء الذي يتبيّن إنّما هو موجود من طريق أنّ ذاك موجود، فلا سبيل إلى علم هذا وأن يتبيّن بمقدّمات صادقة غير محتاجة إلى البرهان وغير ذوات أوساط. فإنّه قد تبيّن على هذا النحو
كما رام بروسن تربيع الدائرة، وذلك أنّ هذا الكلام قد يدلّ على أمور عامّيّة ليست متجانسة؛ وهذا هو موجود لشيء آخر أيضاً. ولهذا السبب قد تطابق هذه الأقاويل أشياء أخر أيضاً ليست متناسبة الجنس. فإذن ليس يعلم من طريق أنّ ذاك موجود، لكن بطريق العرض؛ وإلّا فما كان البرهان نفسه يطابق جنساً آخر أيضاً.
وإنما يعلم كلّ واحد لا بطريق العرض متى تعرّفنا أنّه موجود بما وجوده من مبادئه الخاصّة به من طريق أنّ ذاك موجود: مثال ذلك أنّا نعلم أنّ المثلّث زواياه مساوية لقائمتين بأن يكون هذا الذي قيل موجوداً له بذاته من مبادئه الخاصّة به. فإن كان إذن هذا أيضاً موجوداً لما هو موجود بذاته، فقد يجب ضرورة أن يكون الحدّ الأوسط مجانساً مناسباً ومن جنس واحد بعينه. وإن لم يكن كذلك فكما تتبيّن معاني تأليف الجوهر بعلم العدد. وأمثال هذه قد تتبيّن
بياناً على مثال واحد، غير أن 〈ثمّت فرقاً هو〉 أنّ البرهان على أنّه موجود هو للعلم الأخير، إذ كان 〈النوع الذي هو موضوع له هو مميّز مختلف〉، وأمّا لم هو فهو شأن العلم الذي هو أعلى وهو 〈الذي〉 التأثيرات موجودة له بذاته. فإذن بيّن ظاهر من هذه أيضاً أنّه لا سبيل إلى أن يـ 〈ـكون برها〉ن على كلّ واحد على الإطلاق إلّا من مبادئ كلّ واحد، لكن مبادئ هذه قد يوجد لها شيء عامّ.
فإن كان هذا بيّناً، فظاهر أنّه لا سبيل إلى أن تبرهن المبادئ الخاصّيّة بكلّ واحد، وإلّا فقد تكون تلك مبادئ جميعها، 〈والعلـ〉ـم بتلك هو أحقّ من جميعها. وذلك أنّه إنّما 〈يكون〉 يعلم أكثر 〈مـ〉ـن كان يعلم من أسباب هي أعلى. فإنّه إنّما يعلم من التي هي أكثر تقدّماً متى لم يكن علمه من علل أيضاً هي معلولات. فإن كان إذن يعلم أكثر، فعلمه أيضاً أجود. وإن كان العلم إنّما هو ذاك، فهو في باب العلم أكثر وأجود أيضاً. وأمّا البرهان فلا يطابق أن ينقل إلى جنس آخر، اللّهمّ إلّا أن يكون ذلك كما قيل إنّ للمعاني الهندسيّة عند المناظريّة وفي المعاني العدديّة عند تأليف اللحون.
وقد يصعب أن نعلم هل قد علمنا، أو لا. وذلك أنّه من الأمر الصعب أن نعلم هل قد علمنا كلّ واحد من الأمور علماً يقيناً من مبادئ مناسبة
خاصّيّة به أو لا. وهذا هو معنى العلم. وقد نظنّ أنّا قد علمنا متى كان لنا قياس من مقدّمات صادقة أول. وليس هذا هكذا؛ لكن قد يجب أن تكون المعاني مناسبة ومجانسة للأوائل.
١٠
〈المبادئ المختلفة〉
وأعني بالأوائل في كلّ واحد من الأجناس هذه التي نصفها وهي التي لا يمكن المبرهن أن يبرهن أنّها موجودة. فأمّا على ماذا تدلّ المبادئ والتي من هذه، فذلك يقتضب اقتضاباً. فأمّا أنّها موجودة: أمّا المبادئ فقد يجب ضرورة أن تؤخذ أخذاً، فهو يقتضب ذلك في المبادئ اقتضاباً. وأمّا تلك الأخر فإن تبيّن: مثال ذلك أنّه ما الوحدة أو ما المستقيم، وما المثلّث. وقد تؤخذ الوحدة أخذاً أو العظم أيضاً. وأمّا تلك الأخر فتبين.
وقد يؤخذ ما تستعلمه العلوم البرهانيّة: أمّا بعض الأشياء فما تخصّ واحداً واحداً من العلوم، وأمّا بعضها فأمور عامّيّة، والعامّيّة هي على طريق التناسب في كلّ ما هو موافق للجنس الذي هو تحت العلم — فالخاصّ هو بمنزلة القول بأنّ الخطّ هو مثل هذا والمستقيم مثل هذا. وأمّا الأمور العامّيّة فبمنزلة القول بأنّه إذا نقص من المتساوية تكون الباقية متساوية.
فكلّ واحد من هذه هو كافٍ بمبلغ ما يستعمل في ذلك الجنس و〈ذلك أنّه يكون〉 فعلاً واحداً بعينه يفعل، وإن لم يوجد في جميعها، لكن في الأعظام فقط والعدد.
والأمور الخاصّيّة هي تلك التي يؤخذ أيضاً أنّها موجودة؛ وهذا هو الذي ينظر العلم من أمره في الأشياء الموجودة بذاته. مثال ذلك: أمّا علم العدد 〈فـ〉ـللوحدة، وأمّا علم الهندسة فللنقط. وذلك أنّهم قد يأخذون هذه أنّها موجودة وأنّها هذا الشيء؛ وأمّا التأثيرات التي لهذه بذاتها فيأخذون على ماذا يدلّ كلّ واحد منها. مثال ذلك: أمّا علم العدد فنأخذ ما هو الفرد وما هو الزوج، أو ما المربّع أو ما المكعّب أو الدائرة. وأمّا علم الهندسة فنأخذ ما هو الأصمّ والمنكسر أو المنعطف. وأمّا أنّه موجود فيبيّنون بياناً بالأمور العامّيّة ومن الأشياء التي يبيّنون بها؛ وكذلك علم النجوم. — وذلك أنّ كلّ علم برهانيّ هو في ثلاثة أشياء: أحدهما الأشياء التي نضع أنّها موجودة (وهي ذلك الجنس الذي نظره في التأثيرات الموجودة له بذاتها)؛ والعلوم المتعارفة التي يقال لها عامّيّة وهذه هي الأوائل التي منها يبيّنون؛ والثالث التأثيرات، وهي تلك التي يأخذون أخذاً على ماذا يدلّ كلّ واحد منها. وفي بعض العلوم لا مانع يمنع أن نصدق بشيء شيء من هذه: مثال ذلك:
أمّا الجنس، ألّا يوضع إن كان وجوده ظاهراً (وذلك أنّه ليس حال العدد وحال البارد والحارّ في أنّه ظاهر الوجود حالاً واحدة)؛ ولا مانع يمنع أيضاً في أمر التأثيرات ألّا يوجد على ماذا يدلّ إن كانت ظاهرة. كما أنّه ولا الأمور العامّيّة أيضاً: وذلك أنّه ليس يأخذ على ماذا يدلّ القول أنّه إن نقص من المتساوية متساوية تبقى الباقية متساوية من قبل أنّ ذلك ظاهر. وكذلك ليس وجود هذه الثلاثة في نفس الطبع بدون ذلك: أعني ما فيه يبرهن، والأشياء التي عليها يبرهن، والأشياء التي منها يبرهن.
[وليس يوجد أصل] ولا شيء من الأصل الموضوع ولا من المصادرة أيضاً ما هـ〈ـو〉 من أجل ذاته ويظنّ أنّه ضروريّ. وذلك أنّ البرهان ليس هو نحو القول 〈الخارج〉، لكن نحو القول الذي في النفس، فإنّه ولا القياس أيضاً. وذلك أنّ القول الخارج قد يعاند دائماً، لكن القول الباطن ليس يعاند دائماً. — فجميع التي يأخذها وهي مقبولة من حيث لم يبينها، إن كان أخذه لها هو مظنوناً عند المتعلّم، فإنّما يضعها وضعاً، وهي أصل موضوع، أعني الوضع لا على الإطلاق، لكنّها عند ذاك
فقط. فأمّا إن هو أخذه من حيث ليس له فيه بعينه ولا ظنّ واحد، أو من حيث ظنّه على ضدّ، فإنّما يصادر عليه مصادرة؛ وبهذا المعنى يخالف الأصل الموضوع ويستعمله المصادرة. وهذا هو الفرق بين المصادرة وبين الأصل الموضوع. وذلك أنّ المصادرة هي ما كان مقابلاً لظنّ المتعلّم، وهذا هو الذي يأخذه الإنسان وهو متبرهن من حيث لم يبينه.
وأمّا الحدود فليست الأصل الموضوع، وذلك أنّها ليس تخبر أنّ الشيء موجود أو ليس بموجود، لكن إنّما هي أصول موضوعة في المقدّمات. والحدود إنّما ينبغي أن نفهمها فقط، وهذا ليس هو أصلاً موضوعاً، اللّهمّ ألّا أن يكون الإنسان يسمّي السماع أصلاً موضوعاً. ليكن 〈الأصل الموضوع هو أنّه حينما〉 جميع الأشياء التي عندما تكون موجودة تكون النتيجة موجودة من طريق أنّ تلك موجودة، هو لا المهندس أيضاً يضع أشياء كاذبة، كما قال قوم عندما ظنّوا أنّه قد يجب أن تستعمل أشياء كاذبة عندما نقول في ما ليس هو ذراعاً إنّه ذراع، أو عندما نقول إنّ الخطّ المخطوط
مستقيم وليس هو مستقيماً. والمهندس ليس ينتج ولا نتيجة واحدة من طريق أنّ هذا الخطّ هو كما خبّر عنه، لكن بالأشياء التي يستدلّ عليها بهذه.
وأيضاً المصادرة والأصل الموضوع إمّا أن تكون كالكلّ، وإمّا على طريق الجزء. فأمّا الحدود فولا واحد من هذين.
١١
〈المصادرات〉
فأمّا وجود الصور، أو وجود شيء واحد خارج عن الكثرة إن كان البرهان مزمعاً أن يكون، فليس هو شيئاً تدعو إليه الضرورة. وأمّا القول بأنّ الضرورة قد تدعو في ذلك إلى أن يوجد شيء واحد على الكثير فصادق؛ وإن لم يكن الأمر الكلّيّ موجوداً إن لم يكن هذا موجوداً. وإن لم يكن الكلّيّ موجوداً أو ليس يكون الأوسط موجوداً، فإذن ولا البرهان أيضاً. فقد يجب إذاً أن يكون شيء واحد بعينه محمولاً على الكبير، ليس على طريق الاتّفاق في الاسم.
فأمّا القول بأنّه غير ممكن أن يحكم على شيء واحد بالإيجاب والسلب معاً؛ فإنّه ليس يأخذها ولا برهان واحد، اللّهمّ إلّا أن تدعو
الحاجة إلى أن يتبيّن أنّ النتيجة هذه حالها. وقد يتبيّن عندما يقتصّون أنّ الأوّل قد يصدق على الأوسط بالإيجاب؛ وأمّا بالسلب فلا يصدق. وأمّا الأوسط فلا فرق في أمره أن يؤخذ أنّه موجود أو غير موجود؛ وكذلك الثالث أيضاً. وذلك أنّه إن سلّم أنّ ما يصدق عليه القول بأنّه إنسان قد يصدق عليه القول بأنّه حيوان، وإن كان قد يصدق أيضاً القول بذلك على ما هو الإنسان، إلّا أنّ الإنسان هو حيوان، وليس هو لا حيوان، فيكون القول إذن صادقاً في قالياس، وإن كان في لا قالياس على مثال واحد أنّه حيوان وليس هو لا حيوان. والسبب في هذا هو أنّ الأوّل ليس إنّما يقال على الأوسط فقط، لكن على أشياء أخر، من قبل أنّه قد يقال على أشياء كثيرة. فإذن ولا فرق في أمر النتيجة إن كان الأوسط موجوداً هو وليس هو.
فأمّا القول بأنّ على كلّ شيء إمّا موجبة وإمّا سالبة فإنّه قد يأخذه البرهان السائق إلى المحال. وليس أخده لهذا دائماً على طريق الكلّيّة، لكن
بمبلغ ما يكون كافياً، وهو كافٍ في جنس جنس، وأعني في الجنس بمنزله ما هو في الجنس الذي نأتي فيه بالبراهين، كما قيل فيما تقدّم أيضاً.
وقد يشارك جميع العلوم بعضها بعضاً في الأمور العامّيّة، وأعني بالعامّيّة التي يستعملونها على أنّهم منها يبيّنون، لا لما فيه يبيّنون، ولا أيضاً ما إيّاه يبيّنون.
والجدل لجميعها، وإن كان يوجد شيء ما يلتمس بالكلّيّة تتبيّن الأمور العامّيّة، مثال ذلك أنّه لكلّ شيء: إمّا موجبة وإمّا سالبة، وإن نقص من المتساوية متساوية أو شيء من أمثال هذه. وأمّا صناعة الجدل فليس حالها حالاً أنّها للأشياء المحدودة، ولا أيضاً لجنس ما محدود، وإلّا لم يكن بالتي تسأل ولا سؤالاً. وذلك أنّ الذي يبرهن ليس له أن يسأل من قبل أنّه إذا كانت أشياء متقابلة لا يتبيّن شيء واحد بعينه وقد يتبيّن هذا في «المقاييس».
١٢
〈السؤال العلميّ〉
إلا أنّه إن كان السؤال القياسيّ والمقدّمة المأخوذة من النقيض هما واحداً بعينه، وكانت المقدّمات في واحد واحد من العلوم هي التي منها يكون القياس
في واحد واحد منها، فقد يكون سؤال ما علمنا وهو الذي منه يكون قياس مناسب خاصّ في واحد واحد من العلوم. فمن البيّن إذاً أنّه ليس كلّ سؤال يوجد هندسيّاً ولا طبّيّاً. وكذلك في تلك الأخر الباقية. لكن إمّا أن يكون من تلك التي منها تتبيّن معنى ما من التي عليها الهندسة، وإمّا التي منها بأعيانها يتبيّن من المعاني التي منها الهندسة بمنزلة المسائل المناظريّة. وكذلك في تلك الأخر الباقية. والقول إنّما ينبغي أن يقبل في هذه من مبادئ ونتائج هندسيّة. وأمّا القول في المبادئ فلا ينبغي للمهندس أن يوفى السبب بما هو مهندس، وكذلك في العلوم الأخر الباقية أيضاً.
فليس ينبغي إذن أن يسأل كلّ واحد من العلماء عن كلّ شيء؛ ولا أيضاً ينبغي أن يجيب عن كلّ ما يسأل في كلّ واحد به؛ لكن إنّما يجب أن يجيب عن أشياء محدودة منحازة في علمه. فإن وجد إنسان يجاري المهندس قولاً ما ويناظر بما هو مهندس، فمن البيّن أنّ فعله هذا يكون فعلاً جميلاً متى كان يبيّن شيئاً ما من أمثال هذه. وأمّا إن لم يكن كذلك فليس هو بالجميل.
ومن البيّن أنّه ليس يكسف المهندس ولا تكسيفاً أيضاً، اللّهمّ إلّا أن يكون بطريق العرض. فإذن لا سبيل إلى الكلام في الهندسة بين قوم غير مهندسين. وذلك أنّه قد يضلّ الذي تجري مناظرته مجرى رديئاً. وكذلك في العلوم الأخر الباقية أيضاً. ولمّا كان قد توجد مسائل ما هندسيّة، أترى قد توجد أيضاً مسائل ما غير هندسيّة؟ — وفي واحد واحد من العلوم مسائل هي بلا علم هندسيّة، فأيّما هي؟ وترى الذي هو بلا علم هو قيس أم مغالطة؟ وهو في الهندسة، أم في صناعة أخرى؟ مثال ذلك السؤال الموسيقى هو غير هندسيّ في الهندسة. وأمّا الظنّ بأنّ الخطوط المتوازية تلتقي فهو هندسيّ على جهة ما، وغير هندسيّ على جهة أخرى. وذلك أنّ هذا يكون على ضربين كالحال في: لا وزن، فيقال: لا هندسة — أمّا على نحو واحد فمن قبل أنّها ليست موجودة له بمنزلة عدم الوزن، وأمّا بنحو آخر فمن قبل أنّه مقتنٍ له اقتناءاً رديئاً. وهذا النحو من لا علم، وهو من أمثال هذه المبادئ، هو مضادّ.
فأمّا في التعاليم فليس المغالطة فيها على هذا المثال من قبل أنّ الحدّ الأوسط هو أبداً مضاعف، وذلك أنّ آخر يحمل على هذا كلّه، وهذا يقال
على الآخر كلّه (وأمّا المحمول فلا يقال كلّ)؛ وهذه حالها حال ينظر إليها في الذهن. وأمّا في الجدليّة فقد يضلّون: أترى كلّ دائرة هي شكل؟ فإن رسمه رسماً كان ظاهراً. وما يرى الكلام المسمّى باليونانيّة اَ ا في أهو دائرة؟ فظاهر أنّها ليست دائرة.
وليس ينبغي أن يؤتى عليه بالمعاندة إن كانت المقدّمة استقرائيّة. فكما أنّه ولا المقدّمة تكون التي على أشياء كثيرة — إذ كانت ليست على جميعها وكان القياس من المقدّمات الكلّيّة —، فمن البيّن الظاهر أنّه ولا المعاندة أيضاً. وذلك أنّ المقدّمة والمعاندة هي واحدة بأعيانها، إذ كانت المعاندة التي يأتي بها قد تكون مقدّمة: إمّا برهانيّة وإمّا جدليّة.
وقد يعرض في بعض الأشياء أن يكون ما يأتون به من الأقاويل غير قياسيّة من قبل أنّهم يأخذون أشياء محمولة على كليهما، مثال ذلك بمنزلة ما كان يفعل قائس في قياسه على أنّ النار هي بالتناسب ذات أضعاف كثيرة. وذلك أنّ النار تولّدها سريع كما زعم، وما بالتناسب هو كبير الأضعاف قد تولّد سريعاً. فإنّه على هذا النحو لا يكون قياس، اللّهمّ إلّا أن تكون كثرة الأضعاف تابعة للتناسب الذي هو أسرع ما يكون، وكان التناسب الذي هو أسرع ما يكون في الحركة تابعاً للنار.
فكثيراً ما لا يمكن أن يقاس من المقدّمات التي اقتضبت. وأحياناً قد يمكن ذلك، لكنّه ليس هو ممّا يرى ويعتقد.
ولو لم يمكن أن يبيّن الحقّ من الكذب، لقد كان التحليل بالعكس سهلاً، وذلك أنّه قد كان ينعكس الأمر بالتساوي. فلتكن اَ ممّا هو موجود. وإذا كانت هذه موجودة، فلتكن هذه الأشياء التي أعلم أنّها موجودة موجودة — مثال ذلك الأشياء التي عليها ٮَ: فمن هذه إذاً أبيّن أنّ تلك موجودة. والأشياء التي في التعاليم فقد تنعكس بالتساوي أكثر، من قبل أنّه لا يوجد فيها ولا عرض واحد، لكن حدود (وبهذا المعنى أيضاً قد تخالف الأمور الجدليّة).
وتزيد وتنمى لا بالأوسط، لكن بأنّهم يستأنفون فيقتضبون: مثال ذلك : اَ، بـ ٮَ، وهذه بـ حـَ، وهذه أيضاً بـ ىَ، وعلى هذا النحو إلى ما لا نهاية. أو يعدلون إلى الجانب أيضاً بمنزلة اَ على ٮَ وعلى هـَ. مثال ذلك إن كان العدد الكمّيّ أو غير متناه أيضاً المرسوم عليه اَ، والعدد الفرد الكمّيّ الذي عليه ىَ، والعدد الفرد الذي عليه حـَ: فـ اَ إذن هو على حـَ. وليكن أيضاً العدد الزوج ذو كمّ ما عليه ىَ، والعدد الزوج الذي عليه هـَ؛ فـ اَ إذن هو على هـَ.
١٣
〈العلم بأنّ الشيء موجود والعلم بالعلّة〉
والعلم بأنّ الشيء موجود، والعلم «بلم هو» قد يخالف بعضهما بعضاً: أمّا أوّلاً ففي علم واحد بعينه؛ وفي هذا يكون على ضربين: أحدهما متى كان كون القياس لا بغير ذوات الأوساط (وذلك أنّه ليس توجد العلّة الأولى، والعلم بلم هو إنّما يكون بالعلّة الأولى)؛ والنحو الآخر متى كان القياس بغير ذوات أوساط، لكن ليس العلّة نفسها، بل بالتي تنعكس بالتساوي، أو بأشياء هي أعرف: وذلك أنّه لا مانع يمنع أن يكون ما ليس هو علّة من التي تحمل بالتساوي أعرف من العلّة؛ ولذلك قد يوجد بتوسّط هذا برهان: بمنزلة البرهان على أنّ الكواكب المتحيّرة قريبة منّا من قبل أنّها تلمع. — ليكن الذي عليه حـَ المتحيّرة، والذي عليه ٮَ أنّها لا تلمع، والذي عليه اَ أنّها قريبة منّا؛ فالقول بأنّ ٮَ على حـَ حقّ، وذلك أنّ المتحيّرة لا تلمع. وكذلك اَ على ٮَ، فإنّ الذي يلمع هو قريب منّا. وهذه فلتوجد بلاستقراء أو بالحسّ. فـ اَ إذن موجودة لـ حـَ من الاضطرار. فقد تبيّن إذن أنّ الكواكب المتحيّرة قريبة منّا.
فهذا القياس ليس هو على «لم الشيء»، لكن على أنّه إذا كان ليس سبب قربها منّا أنّها لا تلمع، لكن من أجل أنّها قريبة منّا لا تلمع. وقد يمكن أن يتبيّن هذا بدال الأخر منها فيكون عند ذلك البرهان على «لم هو». مثال ذلك: لتكن حـَ المتحيّرة، وليكن ما عليه ٮَ قربها منّا، وليكن أنّها لا تلمع ما عليه اَ — فـ ٮَ موجودة لـ حـَ، وتكون أيضاً اَ لـ حـَ و اَ أيضاً — وهي أنّها لا تلمع — لـ ٮَ؛ ويكون هذا القياس على «لم هو»، إذ كان قد أخذت فيه العلّة الأولى. وأيضاً كما يبيّنون أنّ القمر كرى نيّر بذاته، وذلك أنّ الذي يقبل التزيّد بهذا الضرب من القبول هو كريّ يتزيّد أُنّه، وذلك أنّ الذي يقبل التزيّد بهذا الضرب من القبول هو كريّ؛ والقمر يقبل هذا التزيّد؛ فمن البيّن أنّه كرى. فعلى هذا النحو يكون قياس أُنّه. وأمّا إذا وضع الأوسط بالعكس فيكون القياس على «لم هو»، وذلك أنّه ليس إنّما هو كريّ بسبب تزيّده هذا الضرب من التزيّد، لكن من قبل أنّه كريّ يقبل مثل هذه التزيّدات. فليكن القمر الذي عليه حـَ، والكرى ما عليه ٮَ؛ وليكن التزيّدات ما عليه اَ.
وأمّا الأشياء التي لا يرجع الأوسط فيها بالتساوي، وكان الذي ليس هو علّة أعرف من العلّة؛ أمّا أنّ الشيء فقد يتبيّن، وأمّا لم هو فلا. — وأيضاً
في الأشياء التي توضع الأوساط فيها خارجاً فإنّ في هذه أيضاً إنّما يكون البرهان على أُنّ الشيء لا على «لم هو» إذ كان لا يخبر بالعلّة نفسها — مثال ذلك: لم لا يتنفّس الحائط؟ فيقال: لأنّه ليس بحيوان. فلو كان هذا هو السبب في أنّه لا يتنفّس لقد كان يجب أن يكون الحيوان هو السبب في التنفّس — مثال ذلك إن كان السبب هو السبب في ألّا يكون الشيء موجوداً، مثل أنّه إن كان وجود الحارّ والبارد على غير اعتدال هو السبب في ألّا يكون صحيحاً، فوجودها معتدلة هو السبب في أن يكون صحيحاً. وكذلك أيضاً إن كان الإيجاب سبباً في أن يكون الشيء موجوداً، فالسلب في ألّا يكون موجوداً.
وأمّا في الأشياء التي وفيت على هذا النحو فليس ما قيل لازماً، وذلك أنّه ليس كلّ حيوان يتنفّس. والقياس الكائن بمثل هذه العلّة يكون في الشكل الثاني — مثال ذلك: ليكن اَ حيواناً، وما عليه ٮَ أنّه يتنفّس، وما عليه حـَ الحائط. فـ اَ موجود لكلّ ٮَ إذ كان كلّ ما يتنفّس هو الحيوان؛
واَ ولا على شى من حـَ؛ فإذن ٮَ غير موجودة لشيء من حـَ. فالحائط إذن لا يتنفّس.
وقد يشبه أن تكون أمثال هذه الأسباب يحتويها على جهة الغنى والغزارة، وهذا هو أن يخبر بالأوسط بعد أن يبعد بعداً كثيراً. مثال ذلك قول أنّا خرسس إنّه ليس في بلد الصقالبة الغناء وآلاته، إذ كان ليس قبلهم كروم. أمّا الخلافات بين القياس على «أُنّ» الشيء، وبين القياس على «لم» الشيء في علم واحد بعينه فهي هذه الخلافات. فأمّا في علمين مختلفين فيكون على نحو آخر، وهذا أن يكون أحد العلمين ينظر في أحدهما، والعلم الآخر في الآخر منهما. وأمثال هذه العلوم هي جميع العلوم التي حال أحدهما عند الآخر هي هذه الحال التي أنا اوصفها، وهي أن يكون أحد العلمين تحت الآخر بمنزلة علوم المناظر عند الهندسة، وعلم الحيل عند علم المجسّمات، وعلم تأليف اللحون عند علم العدد، والظاهرات عند علم النجوم. وذلك أنّه كاد أن تكون هذه العلوم متواطئة أسماؤها بمنزلة علم النجوم التعاليميّ والذي تستعمله صناعة الملاحة، وبمنزلة تأليف اللحون، أعني التعاليميّ والسماعيّ. وذلك أنّ العلم بأُنّ الشيء في هذه هو لمن يحسّ بالأمر، وأمّا العلم بلم هو فهو لأصحاب التعاليم، إذ كان هؤلاء هم الذين عندهم العلم بالأسباب، وكثيراً ما لا يشعرون بأنّه كالحال في الذين يبحثون عن الأمر الكلّيّ؛ فإنّهم
كثيراً ما لا يشعرون ببعض الأوحاد لقلّة تأمّلهم لها. وهؤلاء هم جميع الذين يستعملون الصور، وهي شيء آخر في الجوهر. وذلك أنّ أصحاب التعاليم إنّما يستعملون الصور: وهي لا على شيء موضوع، وذلك أنّه وإن كانت المقادير على شيء موضوع، غير أنّه ليس يستعملها من حيث هي على ذلك الأمر الموضوع.
وقد يوجد علم آخر حاله عند علم المناظرة كحال هذا عند علم الهندسة، مثال ذلك أمر القوس الحادثة في السحاب: أمّا أنّها موجودة فهو إلى الطبيعيّ، وأمّا لم هي فالنظر في ذلك إلى صاحب علم المناظر: إمّا على الإطلاق وإمّا للذي هو في التعاليم. — وكثير من العلوم التي ليس بعضها تحت بعض هذه حالها بمنزلة حال علم الطبّ عند الهندسة، وذلك أنّ الجرح المستدير: أمّا أنّه عسير البرء فعلمه إلى الطبيب، وأمّا لم ذلك فإلى المهندس.
١٤
〈فضل الشكل الأوّل〉
وأصحّ العلم وأشدّ يقيناً من الأشكال هو الشكل الأوّل. أمّا أوّلاً فمن قبل أنّ العلوم التعليميّة بهذا الشكل تأتي براهينها — مثال ذلك: علم العدد وعلم الهندسة وعلم المناظر. وكادت أن تكون جميع العلوم التي تبحث عن «لم» الشيء هذا الشكل تستعمل. وذلك أنّ القياس على «لم» الشيء إنّما يكون بهذا الشكل: إمّا بالكلّيّة وإمّا على أكثر الأمر وفي أشياء كثيرة
جدّاً. فهو بهذا السبب أيضاً أشدّ الأشكال يقيناً، والعلم بلم الشيء هو أكثر تحقيقاً. — وبعد ذلك أنّ العلم بما هو الشيء بهذا الشكل وحده فقط يمكن أن يتصيّد. وذلك أنّه في الشكل الأوسط لا يكون قياس موجب، والعلم بما هو الشيء هو موجب. وأمّا في الأخير فقد يكون، لكنّه ليس هو بكلّيّ، وأمّا والعلم بما هو الشيء هو من الأمور الكلّيّة، إذ كان الإنسان ليس هو حيواناً ذا رجلين بنحو ما.
وأيضاً فإنّ هذا الشكل ليس هو بمحتاج إلى ذينك، وأمّا ذانك فبهذا الشكل يتّصل وينمي إلى أن يصير إلى غير ذوات الأوساط.
فمن البيّن إذن أنّ الشكل الأوّل أحقّ الأشكال جدّاً في باب العلم.
١٥
〈القضايا السالبة غير ذوات الأوساط〉
وكما أنّه قد يمكن أن تكون اَ موجودة لـ ٮَ بغير انقطاع، كذلك قد يمكن ألّا يوجد لها أيضاً، وأعني بأن يكون الشيء موجوداً أو غير موجود
بغير انقطاع هو ألّا يكون بينهما وسط، فإنّه على هذا النحو لا يكون الشيء موجوداً أو غير موجود من أجل شيء آخر. فأمّا متى كانت اَ أو ٮَ في كلّ الشيء أو كليهما، فغير ممكن أن تكون اَ موجودة لـ ٮَ أوّلاً؛ وإلّا فلتكن اَ في كلّ حـَ. فإذن إن كانت ٮَ ليست في كلّ حـَ (وذلك أنّه قد يمكن أن تكون اَ في كلّ شيء وتكون ٮَ غير موجودة في هذا)، فيكون من ذلك قياس على أنّ اَ غير موجودة لـ ٮَ. فإنّه إن كانت حـَ على كلّ اَ وغير موجودة لشيء من ٮَ فـ اَ تكون ولا على شيء من ٮَ. ولذلك أيضاً إن كانت حـَ في كلّ شيء مثل أن تكون في ىَ، وذلك أنّ الـ ىَ تكون موجودة في كلّ ٮَ و اَ، ولا على شيء من ىَ. فـ اَ إذن تكون غير موجودة لشيء من ٮَ بقياس. وبهذا النحو بعينه يتبيّن إن كانتا كلتاهما في كلّ شيء. — أمّا أنّ ٮَ قد يمكن ألّا تكون في الشيء الذي اَ في كلّه أو لا تكون اَ أيضاً في ما ٮَ في كلّه، فهو بيّن ظاهر من الأشياء التي لا تبدل الرتبة بعضها لبعض. وذلك أنّه إن كان ولا واحدة من التي في رتبة اَ حـَ ىَ تحمل ولا على شيء من التي في رتبة ٮَ هـَ ىَ، وكانت اَ في كلّ الـ طَ التي هي من رتبتها، فظاهر أنّ ٮَ لا تكون موجودة في طَ، وإلّا تبدل اللتان في الرتبتين.
وكذلك إن كانت ٮَ أيضاً في كلّ الشيء، وكانت اَ غير موجودة لـ ٮَ، فمن البيّن أنّ لا وجودها لها بغير انقطاع. وذلك أنّه إن كان بينهما أوسط ما، فقد يلزم ضرورة أن يكون أحدهما في كلّ الشيء ويكون قياس إمّا في الشكل الأوّل وإمّا في الثاني. فإن كان في الشكل الأوّل فـ ٮَ هي التي تكون في كلّ الشيء إذ كانت المقدّمة التي هي عند هذه قد يجب أن تكون موجبة. وإن كان في الأوسط فأيّهما اتّفق. وذلك أنّ القياس قد يكون أيّهما أخذت سالبة. وأمّا إن كانتا كلتاهما سالبتين، فلا يكون قياس.
فمن البيّن إذاً أنّه قد يمكن أن يكون شيء آخر غير موجود لشيء آخر. فأمّا متى يكون وكيف ذلك فقد خبّرنا به.
١٦
〈الضلالة والجهل الناشئان عن مقدّمات بغير أوساط〉
وأمّا الجهل الذي يقال لا على جهة السلب، لكن على جهة الحال والملكة، فهو خدعة وضلالة تكون بقياس. وهذا يكون في الأشياء التي هي موجودة
أو غير موجودة، أوّلاً على ضربين: وذلك أنّه يكون إمّا بأن يظنّ الإنسان أنّه موجود أو غير موجود على الإطلاق، أو بأن يكتسب ظنّه بقياس.
أمّا الخدعة وضلالة الظنّ البسيط فهما بسيطان؛ وأمّا الضلالة التي تكون بالقياس فهي كثيرة الفنون. — فلتكن اَ غير موجودة لشيء من ٮَ بغير انقطاع. فإن قاس أنّ اَ موجودة لـ ٮَ عندما تأخذ حـَ الحدّ الأوسط، فقد يكون جاهلاً بقياس. فقد يمكن أن تكون المقدّمتان كلتاهما كاذبتين، وقد يمكن أن تكون إحداهما كاذبة فقط. وذلك أنّه إن كانت اَ غير موجودة لشيء من حـَ، وحـَ أيضاً غير موجودة لشيء من ٮَ، وقد أخذت كلّ واحدة منهما بالعكس، فقد تكون كلتاهما كاذبة (وقد يمكن أن تكون حال حـَ عند اَ أو عند ٮَ حالاً لا تكون بها تحت اَ ولا تكون لـ ٮَ بالكلّيّة. فأمّا ٮَ فغير ممكن أن تكون في كلّ الشيء، إذ كان قد قيل إنّ اَ غير موجودة لها أوّلاً، وأمّا اَ فليست من الاضطرار موجودة لجميع الأشياء بالكلّيّة. فإذاً قد تكون كلتاهما كاذبة). وأيضاً قد يمكن أن توجد إحداهما صادقة، غير أنّه ليس أيّهما اتّفق، لكن مقدّمة اَ حـَ. وذلك أنّ مقدّمة حـّ ٮّ هي دائماً كاذبة من قبل أنّ ٮَ ليست ولا في شيء واحد. فأمّا اَ حـَ فقد
يمكن؛ مثال ذلك إن كانت اَ موجودة لـ حـَ ولـ ٮَ بغير انقطاع؛ ولا فرق في ذلك وإن لم يكن بغير انقطاع، وذلك أنّ هذه المقدّمة خاصّة صادقة لا محالة؛ وأمّا الأخرى فكاذبة. وذلك يكون متى كان شيء واحد بعينه محمولاً على أكثر من واحد، وكان ولا واحد منهما ولا في واحد منهما.
أمّا الضلالة والخدعة على أنّ الشيء موجود فإنّما يكون بهذه الأشياء فقط وعلى هذا النحو. وذلك أنّ القياس ما كان يكون على أنّ الشيء موجود في شكل آخر. وأمّا القياس على أنّه ليس بموجود، فقد يكون في الشكل الأوّل والثاني. فليخبر أوّلاً على: كم ضرباً يكون في الشكل الأوّل؟ وبأيّ حال من أحوال المقدّمات يكون؟
فنقول: إنّه قد يمكن أن يكون قياس، والمقدّمتان كلتاهما كاذبة، مثل أنّه إن كانت اَ موجودة لـ حـَ ولـ ٮَ أيضاً بغير توسّط: فإنّه إن أخذت اَ غير موجودة لشيء من حـَ، وأخذت حـَ لكلّ ٮَ، فالمقدّمتان تكونان كاذبتين.
وقد يمكن أن يكون القياس وإحدى المقدّمتين كاذبة، والآخرى صادقة: أيّهما كانت. وذلك أنّه قد يمكن أن تكون مقدّمة اَ حـَ صادقة، و حـَ ٮَ كاذبة. أمّا أنّ اَ حـَ صادقة فمن قبل أنّ اَ ليست بموجودة لجميع الأشياء الموجودة؛ وتكون حـَ ٮَ كاذبة من قبل أنّه غير ممكن أن تكون حـَ، التي اَ غير موجودة لشيء منها، موجودة لـ ٮَ. وذلك أنّه ما كانت تكون مقدّمة اَ حـَ حينئذٍ صادقة. ولو كانت أيضاً مع ذلك كلتاهما صادقة، لقد كانت تكون النتيجة أيضاً صادقة. وقد يمكن أن تكون حـَ ٮَ أيضاً صادقة وتلك الأخرى كاذبة — مثل أن تكون ٮَ موجودة في حـَ وفي اَ أيضاً. وذلك أنّه من الاضطرار أن تكون إحداهما تحت الأخرى. ولذلك إن أخذنا اَ غير موجودة لشيء من حـَ تكون هذه المقدّمة كاذبة.
فمن البيّن إذن أنّه قد يكون قياس الكذب إذا كانت إحداهما كاذبة، وإذا كانت كلتاهما كاذبة. وأمّا في الشكل الأوسط فأن تكون المقدّمتان كلتاهما كاذبة بكلتيهما، فغير ممكن. وذلك أنّه إذا كانت اَ موجودة لكلّ
موجودة لشيء من ٮَ فإنّه قد يكون: أمّا حـَ اَ فصادقة، وأمّا حـَ ٮَ فكاذبة. وأيضاً ما هو غير موجود لشيء من ٮَ فإنّه ليس هو أيضاً موجوداً لجميع اَ. وذلك أنّه إن كان موجوداً لـ اَ فهو موجود لـ ٮَ أيضاً، لكنّه لم يكن موجوداً: فإن أخذت حـَ موجودة لكلّ اَ وغير موجودة لشيء من ٮَ، تكون مقدّمة ٮَ حـَ صادقة، وتكون تلك الأخرى كاذبة. وكذلك تكون وإن بدّلت السالبة: وذلك أنّ ما هو غير موجود لشيء من اَ فليس يكون موجوداً ولا لـ ٮَ أيضاً. فإن أخذت إذن حـَ غير موجودة لشيء من اَ، وموجودة لكلّ ٮَ، فإنّه تكون مقدّمة حـَ اَ صادقة، والأخرى كاذبة. وأيضاً أن يؤخذ ما هو موجود لكلّ ٮَ غير موجود لشيء من اَ هو كذب، إذ كان من الاضطرار أنّه إن كانت موجودة لكلّ ٮَ، فهي موجودة لـ اَ ما أيضاً. فإن أخذت إذن أنّ حـَ موجودة لكلّ ٮَ وغير موجودة لشيء من اَ، تكون حـَ ٮَ صادقة، و حـَ اَ كاذبة.
فمن البيّن إذن أنّ قياس الخدعة قد يكون في الأشياء التي الوجود فيها بغير متوسّط، إذا كانت كلتا المقدّمتين كاذبة، وإذا كانت إحداهما فقط كاذبة.
١٧
〈الجهل والضلالة الناشئان عن مقدّمات ذوات أوساط〉
فأمّا في الأشياء التي الوجود فيها ليس هو بغير متوسّط، فإنّه متى كان القياس على الكذب بمتوسّط هو مناسباً، فإنّه ليس يمكن أن تكون كلتا المقدّمتين كاذبة. لكن إنّما يمكن أن تكون كذلك المقدّمة الكبرى فقط، وأعني بالمتوسّط المناسب، المتوسّط الذي به يكون قياس النقيض. فلتكن اَ موجودة لـ ٮَ بمتوسّط هو حـَ. فلمّا كانت مقدّمة حـَ ٮَ، متى كان قياس، قد يلزم أن تكون موجبة، كان من البيّن أنّ هذه المقدّمة تكون دائماً صادقة، إذ كانت لا ترتجع. وتكون مقدّمة اَ حـَ كاذبة، وذلك أنّ هذه هي التي ترتجع فيكون القياس المضادّ. — فكذلك وإن أخذ الحدّ الأوسط من رتبة أخرى — مثال ذلك بمنزلة أنّه إن كانت ىَ في كلّ اَ ومحمولة على كلّ ٮَ فإنّه قد يجب ضرورة أن تكون مقدّمة ىَ ٮَ ثابتة على حالها وتنعكس المقدّمة الأخرى. ولذلك تكون هذه المقدّمة دائماً صادقة، وأمّا تلك الأخرى فدائماً كاذبة. وكاد أن تكون مثل هذه الخدعة هي بعينها الخدعة الكائنة بمتوسّط مناسب. فأمّا
إن كان القياس ليس بمتوسّط مناسب، فمتى كان الوسط تحت اَ وغير موجود لشيء من ٮَ، فمن الضرورة أن تكون كلتا المقدّمتين كاذبة، إذ كان قد يجب أن تؤخذ مقدّمتان على الحال التي هي ضدّ للحال الموجودة لها متى كان القياس مزمعاً أن يكون. فإذا أخذت هكذا تكون كلتاهما كاذبة — مثال ذلك أن تكون اَ موجودة لكلّ ىَ، وىَ ولا لشيء من ٮَ؛ فإنّه إذا قبلت هاتان قد يكون قياس، والمقدّمتان كلتاهما كاذبة.
وأمّا متى لم يكن الحدّ الأوسط تحت اَ، بمنزلة ىَ، فقد يكون: أمّا مقدّمة اَ ىَ فصادفة، وأمّا مقدّمة ىَ ٮَ فكاذبة. فأمّا كون اَ ىَ صادقة فمن قبل أنّ ىَ لم تكن في اَ؛ وأمّا مقدّمة ىَ ٮَ كاذبة فمن قبل أنّه لو كانت صادقة لقد كانت تكون النتيجة صادقة؛ لكن قد وضع أنّها كاذبة.
وأمّا إذا كانت الخدعة في الشكل الأوسط فإنّه لا يمكن أن تكون كلتا المقدّمتين كاذبة بكلتيهما. وذلك أنّه إذا كانت ٮَ تحت اَ فليس بممكن أن يوجد شيء يكون لأحدهما للكلّ وغير موجود لشيء من الآخر، كما قلنا فيما تقدّم. وأمّا إحداهما فقد يمكن — أيّهما كانت — ؛ وذلك أنّه إن كانت حـَ موجودة لـ اَ ولـ ٮَ أيضاً، وأخذت أيّهما موجودة لـ اَ وغير موجودة لـ ٮَ، تكون مقدّمة اَ حـَ صادقة، والآخرى كاذبة. وأيضاً
إن أخذت حـَ موجودة لـ ٮَ وغير موجودة لشيء من اَ تكون مقدّمة حـَ ٮَ صادقة والأخرى كاذبة.
فقد قيل كيف يكون قياس الخدعة، وبأيّ مقدّمات يكون وهو سالب. فأمّا إن كان موجباً، فمتى كان بمتوسّط مناسب فإنّه ليس يمكن أن تكون كلتا المقدّمتين كاذبة، إذ كان قد يلزم ضرورة أن تكون مقدّمة حـّ ٮّ باقية على حالها، إن كان القياس مزمعاً أن يكون كما قيل فيما تقدّم أيضاً. فمقدّمة اَ حـَ إذن تكون دائماً كاذبة، إذ كانت هذه هي التي تنعكس. وكذلك تكون وإن أخد الحدّ الأوسط من رتبة أخرى، كما قيل في الخدعة السالبة: فإنّه 〈يجب〉 أن تكون مقدّمة ىَ ٮَ باقية، وأمّا اَ ىَ فتعكس، 〈والخد〉عة هي بعينها الخدعة التي تقدّمتها. — فأمّا متى لم يكن 〈القياس بوسط مـ〉ـناسب فإنّه إن كانت ىَ تحت اَ، فهذه المقدّمة تكون صادقة، وأمّا الأخرى 〈فـ〉ـتكون كاذبة. وذلك أنّه قد يمكن أن تكون اَ موجودة لأشياء كثيرة ليس بعضها تحت بعض. وأمّا إن لم تكن ىَ تحت اَ فمن البيّن أنّ هذه المقدّمة تكون دائماً كاذبة، إذ كانت إنّما توجد موجبة. وأمّا ىَ ٮَ فقد يمكن أن تكون صادقة ويمكن أن تكون كاذبة أيضاً. وذلك أنّه لا مانع يمنع أن تكون اَ غير موجودة لشيء من ىَ وتكون ىَ موجودة لكلّ ٮَ، مثل أن يكون الحيوان موجوداً للعلم، والعلم موجوداً للموسيقى. وأيضاً ولا إن كانت اَ ولا لشيء من ىَ، و ىَ أيضاً ولا لشيء
من ٮَ. فمن البيّن إذن أنّه إذا لم يكن الحدّ الأوسط تحت اَ فقد يمكن أن تكون كلتاهما كاذبة، وقد يمكن أن تكون إحداهما أيّهما اتّفق.
أما بأيّ مقدّمات يمكن أن تكون الخدعة في الأشياء التي لا أوساط لها وفي التي تتبيّن بالبرهان، فذلك بيّن ظاهر.
١٨
〈الجهل سلب العلم〉
وظاهر أيضاً أنّه إن فقدنا حسّاً ما فقد يجب ضرورة أن نفقد علماً ما لا يمكننا أن نتناوله. إذ كنّا إنّما نتعلّم إمّا بالاستقراء، وإمّا بالبرهان. فالبرهان هو من المقدّمات الكلّيّة، والاستقراء هو من الجزئيّة. ولا يمكننا أن نعلم الكلّيّ إلّا بالاستقراء. وإلّا فها الأشياء التي توجد في الذهن على الإطلاق إن قصد الإنسان إلى أن يوضح من أمرها أنّها موجودة لو أخذ واحد من الأجناس إنّما يوضحها بالاستقراء، وإن كانت غير مفارقة أو كانت حالـ〈ـها غير تلك〉 الحال، ولا أيضاً يمكننا أن نستقرئ إذا لم يكن 〈ثمّت حسّ: لأنّ〉 الحسّ هو للأشياء الجزئيّة. فإنّه لا يمكن أن نتناول 〈العلم بالجزئيّ، لأنّه لا يستخلص من الكلّيّات بدون الاستقراء ولا يستخلص بالاستقراء بدون الإحساس. فالعلم هو بـ〉ـالكلّيّ.
١٩
〈هل مبادئ البرهان محدودة العدد أو لا محدودة؟〉
وكلّ قياس هو بثلاثة حدود: أحدها يقال فيه إنّه يتبيّن أنّ اَ موجودة لـ حـَ من قبل أنّها موجودة لـ ٮَ وٮَ موجودة لـ حـَ. وأمّا السبب فيؤخذ في إحدى المقدّمتين أنّ شيئاً آخر موجود لشيء آخر. وأمّا الآخرى فيؤخذ فيها أنّه غير موجود له.
فمن االبيّن الظاهر أنّ المبادئ، والتي يقال لها الأصول الموضوعة، هي هذه. وذلك أنّه إنّما يلزم ضرورة أن يبرهن عندما توجد هذه — مثال ذلك أنّ اَ موجودة لـ حـَ بتوسّط ٮَ، وكذلك أيضاً أنّ ٮَ موجودة لـ حـَ. فالذين يقيسون على طريق الظنّ والرأي المشهور وعلى طريق الجدل فقط، فمن البيّن الظاهر أنّ ما ينبغي أن يبحث من أمر قياسهم إنّما هو هذا،
ويقف أمر يمكن أن يمضي إلى ما لا نهاية؟ وأيضاً إن كانت اَ ليس يحمل عليها شيء بذاته وكانت اَ موجودة لـ طَ أوّلاً، ولم يكن بينهما ولا شيء واحد قد مرّ، وكانت طَ موجودة 〈لـ حـَ و〉حـَ موجودة لـ ٮَ، أترى هذا أيضاً قد ينقطع ويقف ضرورة؟ أم هذا أيضاً قد أن يمعن إلى ما لا نهاية؟
ومبلغ الفرق بين هذا الطلب وبين الطلب المتقدّم هو بأنّ الطلب المتقدّم يطلب فيه: أترى قد يمكن الذي يبتدئ من موضوع ليس يوجد ولا لشيء واحد آخر، لكن شيئاً آخر موجود له، أن يمعن إلى ما لا نهاية؟ وأمّا الطلب الثاني فيطلب فيه ويبحث: هل يمكن عندما يبتدئ محمول يحمل على شيء آخر، ولا يحمل عليه هو شيء آخر أصلاً أن يمعن إلى أسفل إلى ما لا نهاية، أم لا؟ وأيضاً قد يبحث عن التي بينهما، أتراها قد يمكن أن تكون بلا نهاية من حيث أنّ الطرفين محدودان؟ وأعني بقولي هذا مثل أنّه إن كانت اَ موجودة لـ حـَ، وكانت ٮَ متوسّطة بينهما، وكانت أشياء أخر محمولة على ٮَ، وعلى تلك أشياء أخر — أترى هذه أيضاً قد يمكن أن تمعن إلى ما لا نهاية؟ أو ذلك غير ممكن؟
والبحث عن هذا المعنى هو البحث: هل يمكن أن تمعن البراهين بلا نهاية؟ وهل يوجد برهان على كلّ شيء؟ أم ينتهيان بعضهما عن بعض؟
وكذلك القول في المقاييس والمقدّمات السالبة. مثال ذلك: إن كانت اَ غير موجودة لشيء من ٮَ: فإمّا أن تكون غير موجودة لشيء منها؛ أو لا؛ وإمّا أن يكون بينهما شيء له أو لا يوجد اَ — مثال ذلك: إن كانت اَ غير موجودة لشيء من حـَ، وهي موجودة لكلّ ٮَ. وأيضاً إن كانت غير موجودة لشيء مثل حـَ. فإنّ في هذه أيضاً قد يوجد لا تناهٍ للأشياء التي هي الأول، ممّا لا يوجد لـ حـَ، أو هذا أيضاً ينقطع فيقف.
فأمّا في الأشياء التي ينعكس بعضها على بعض 〈فليست〉 حال الأمر هذه الحال. وذلك أنّه ليس في الأشياء التي ينعكس بعضها على أمر أوّل هو المحمول الأوّل، أو آخر عليه يكون الحمل، إذ كان جميعها عند جميعها في هذا المعنى على مثال واحد. وإن كانت الأشياء المحمولة على هذا الأمر غير متناهية، فالأمور التي فيها النظر والشكّ هي غير متناهية من الناحيتين، اللّهمّ إن لم يكن يمكن أن يكون عكسها بعضها على بعض على مثال واحد، بل يكون هذا كالعرض، وهذا كالحمل.
٢٠
〈عدد الأوساط غير لا محدود〉
أمّا أنّ الأشياء المتوسّطة فغير ممكن أن تكون غير متناهية متى وقعت من فوق وأسفل، (وأعني بالفوق الإمعان إلى ناحية الأمر الكلّيّ، والأسفل الإمعان إلى ناحية الأمر الجزئيّ) فإنّه إن كان عندما تحمل اَ على ىَ تكون المتوسّطات — وهي المرسوم عليها ٮَ — غير متناهية، فمن البيّن أنّه قد يمكن الإمعان من اَ إلى ناحية الأسفل آخر على آخر محمولاً بلا نهاية. وذلك أنّه قبل الوصول إلى ىَ تكون التي بينهما بلا نهاية. ومن ىَ إلى فوق تكون الأشياء التي بينهما قبل الوصول إلى اَ بلا نهاية. فإن كان هذا غير ممكن، فلا يمكن أيضاً أن تكون التي بين اَ وىَ غير متناهية. وذلك أنّه ولا لو قال قائل إنّ بعض هذه المتوسّطات مثل ما من اَ ٮَ ... حـَ قد يتبع بعضاً لبعض حتّى لا يكون بينهما متوسّط. وبعضها لا سبيل إلى أن يوجد كذلك، فإنّه لا فرق في هذا المعنى. فإنّ ما اقتضبه من ٮَ إمّا نحو اَ وإمّا نحو ىَ. فإمّا أن يكون الذي بينه وبينه بلا نهاية، وإمّا ألّا يكون كذلك، أعني أن يكون التي بينها أوّلاً بلا نهاية، فإنّه لا فرق في ذلك: كان من أوّل وهلة أو لم يكن كذلك. وذلك أنّ الأشياء التي 〈تأتي بعد〉 هذه تكون بلا نهاية.
٢١
〈فى البراهين السالبة ليست المتوسّطات بلا نهاية〉
ومن البيّن الظاهر أنّ هذا قد يقف أيضاً في البراهين الـ〈ـسا〉لبة إلى كلتا الحيثيّتين، إذ كان قد يقف في البراهين الموجبة. فليكن غير ممكن أن يمعن إلى ما لا نهاية، لا إلى فوق من ناحية الأخير (وأعني بالأخير الشيء الذي لا يوجد ولا لشيء من الأشياء، وقد يوجد له شيء آخر بمنزلة ىَ)، ولا أيضاً من الأوّل إلى ناحية الأخير (وأعني بالأوّل ما هو محمول على شيء آخر وليس يحمل عليه هو ولا شيء واحداً آخر): فإن كانت هذه موجودة في السلب أيضاً، فقد يقف الإمعان فيه. — وذلك أنّ الأنحاء التي بها يتبيّن أنّه غير موجود هي ثلاثة: فإنّه إن كان ما يوجد له حـَ قد يوجد ٮَ لجميعه، وما يوجد له ٮَ لا يوجد اَ لشيء منه. فمقدّمة ٮَ حـَ — ودائماً المقدّمة التي هي أحد البعدين — قد يجب ضرورة أن تتخطّى إلى ما لا وسط له، إذ كان هذا البعد إيجاباً.
وأمّا المقدّمة الأخرى فمن البيّن أنّه إن كانت غير موجودة لشيء آخر هو أقدم بمنزلة ىَ، فقد تدعو الحاجة إلى أن تكون موجودة لكلّ ٮَ. فإن
كانت أيضاً غير موجودة لآخر هو أقدم من ىَ، فقد تدعو الحاجة أن يكون موجوداً لكلّ ىَ. فمن قبل أنَ الطريق إلى أسفل قد ينقطع ويقف، وجب أن يكون الطريق إلى فوق يقف أيضاً ويؤخذ شيء ما أوّل هي غير موجودة له. — وأيضاً إن كانت ٮَ موجودة لكلّ اَ وغير موجودة لشيء من حـَ، فـ اَ غير موجودة لشيء من حـَ. فإن كان يجب أيضاً أن تبيّن هذه، فمن البيّن أنّها إمّا أن تتبيّن بذلك النحو الذي أتى به فوق، وإمّا أن تتبيّن بهذا النحو، وإمّا أن تتبيّن بالنحو الثالث. فأمّا النحو الأوّل فقد قيل، وأمّا النحو الثالث فنحن مزمعون أن نبيّنه. وذلك أن نتبيّن ذلك على هذا النحو: مثال ذلك: لمّا كانت اَ موجودة لكلّ ٮَ وغير موجودة لشيء من حـَ، 〈فلذلك〉 دعت الضرورة أن يكون شيء ما موجوداً لـ ٮَ. وأيضاً إن كان هذا غير موجود لـ حـَ، فقد يكون شيء آخر موجوداً لـ اَ ويكون هذا غير موجود لـ حـَ. فمن قبل أنّ 〈القول〉 بأنّه موجود [فـ]ـقد يقف دائماً في الإمعان إلى فوق. فسيقف أيضاً القول بأنّه غير موجود.
والضرب الثالث فقد كان هذا وهو أنّه إن كانت اَ موجودة لكلّ ٮَ، وحـَ غير موجودة لها، تكون حـَ غير موجودة لكلّ اَ. وهذه أيضاً إمّا أن
تبيّن بتلك التي قيلت فوق على مثال واحد. وبحسب ذينك النحوين فقد ينقطع ويقف؛ وأمّا إن كان يتبيّن على هذا النحو فقد يؤخذ ٮَ أيضاً أنّها موجودة لـ هـَ التي حـَ غير موجود لكلّ هـَ؛ وهذه أيضاً على مثال واحد. فمن قبل أنّه موضوع أنّه قد يقف من ناحية أسفل، فمن البيّن أنّها قد تقف أيضاً القائلة إن حـَ غير موجودة.
ومن البيّن الظاهر أيضاً أنّه وإن لم يكن بيانها بطريق واحد، لكن لجميعها أحياناً في الشكل الأوّل، وأحياناً في الثاني، وأحياناً في الثالث، فإنّه على هذا النحو أيضاً قد ينقطع ويقف، وذلك أنّ الطرق هي متناهية، فالتي هي متناهية مرّات متناهية فلها بأجمعها نهاية.
فقد تبيّن وظهر أنّ الإ〈معان〉 والسلوك فقد ينقطعان ويقفان في السوالب أيضاً كما ينقطع ويقف في الموجبات.
٢٢
〈عدد الحدود متناهٍ في البراهين الموجبة〉
فأمّا أنّ الأمر هو هكذا أيضاً في تلك للذي ينظر على طريق المنطق فيتبيّن بهذا النحو، وهو أنّه في الأشياء التي تحمل من طريق ما الشيء،
ما هو حيوان. فأمّا أنّ جميع الأشياء التي لا تدلّ على الجوهر فهي دائماً إنّما تحمل على شيء موضوع، فهو معلوم، وأنّه ليس يوجد شيء هو أبيض من حيث ليس هو شيئاً آخر.
فأمّا الصور فعليها السلام، إذ كانت فرعاً باطلاً لا محصول له. وإن كانت موجودة، فليس لها مدخل فيما نحن بسبيله. وذلك أنّ البرهان إنّما يكون على أمثال هذه. وأيضاً إن لم يكن هذا الشيء عند هذا الشيء كيفيّة، وذاك لهذا، ولم يكن أيضاً للكيفيّة كيفيّة، فليس بممكن أن ينعكس على هذا النحو بعضها على بعضه، لكنّه أمّا أن يقال فالحقّ أنّه يمكن، وأمّا أن يحمل بعضها على بعض فغير ممكن على طريق الحقّ. وذلك أنّه إمّا أن يحمل كالجوهر، مثال ذلك إمّا وهو جنس، وإمّا أن يكون فصلاً لما يحمل عليه. وهذان قد تبيّن من أمرهما أنّهما لا يجريان إلى ما لا نهاية، لا إلى فوق ولا إلى أسفل. مثال ذلك: الإنسان ذو رجلين، وهذا حيوان، وهذا شيء آخر؛ ولا أيضاً الحيوان على الإنسان، وهذا على قالياس، وهذا على شيء آخر من طريق ما هو. وذلك أنّ كلّ جوهر هذه حاله فقد يوجد له التحديد، وأمّا الأشياء التي بلا نهاية فلا سبيل إلى أن تقطع بالذهن. ولهذا السبب ليست تكون بلا نهاية، وإلّا فلم يكن
ليوجد لما الأشياء التي تحمل عليه بلا نهاية تحديد. أمّا كالجنس فلا يمكن أن يحمل بعضها على بعض، وذلك أنّه يكون الشيء نفسه هو موجوداً. — ولا أيضاً ما كان من الكيف (أو من تلك الأخر الباقية)، ولا واحد ممّا ليس حمله بطريق العرض، وذلك أنّ هذه بأجمعها إنّما تعرض وتحمل على الجوهر. — غير أنّها لا تكون بلا نهاية، ولا إلى فوق أيضاً، وذلك أنّ الذي يحمل على كلّ واحد ما كان يدلّ: إمّا أن يكون كيفاً ما، أو كمّاً أو شيئاً من أمثال هذه الأشياء التي في الجوهر: وهذه متناهية، وأجناس القاطيغورياس هي أيضاً متناهية، وذلك أنّها إمّا أن تكون كيفاً، أو كمّاً، وإمّا المضاف، وإمّا يفعل، وإمّا ينفعل، وإمّا أين، وإمّا متى.
وقد وضع أنّ المحمول واحد على واحد. وأمّا أنّها هي على نفسها جميع الأشياء التي ليس معنى ما هي لا تحمل — فذلك معلوم، إذ كانت بأجمعها أعراضاً، لكن بعضها بذاتها، وبعضها على نحو آخر، وجميع هذه إنّما نقول إنّها محمولة على شيء موضوع، وإنّ العرض ليس هو شيئاً موضوعاً: وذلك أنّا لسنا نضع ولا واحد من أمثال هذه بنعت ويقال مهما يقال وينعت من حيث ليس هو شيئاً آخر، لكن إنّما نقول 〈إنّه محمول على شيء〉 آخر، وآخر على شيء آخر.
فليس يقال إنّه موجود واحد على واحد، لا إلى فوق ولا إلى أسفل. وذلك أنّ الأشياء التي تقال عليها الأعراض هي جميع الأشياء التي هي في الجوهر لكلّ واحد، وهذه ليست بلا نهاية. أمّا إلى فوق، فهذه والأعراض كلاهما ليست بلا نهاية. فقد يلزم إذن أن يوجد شيء يحمل عليه الشيء، وعلى هذا آخر، وينقطع هذا ويقف، وأن يوجد شيء لا يحمل على آخر أقدم ولا أيضاً عليه يحمل شيء آخر أقدم.
فهذا أحد أنحاء البرهان الذي يجري على طريق المنطق. وأمّا الآخر فهو هذا:
أقول إنّه إن كان قد يكون البرهان على الأمور التي تحمل عليها أشياء أكثر تقدّماً، والأشياء التي يكون عليها برهان لا يمكن أن يوجد السبيل إلى أن نعلمها بنحو آخر أفضل، ولا أن نعلمها بلا برهان. فإنّه إن كان هذا الشيء إنّما يعلم بهذه الأشياء، وكانت هذه الأشياء غير معلومة عندنا، ولا أيضاً لنا إليها طريق علم هو أفضل، فإنّه سوف لا يعلم ولا الشيء الذي بهذه يعلم. فإن كان قد يوجد العلم لشيء ما بالبرهان على الإطلاق لا من أشياء ولا أيضاً من أصول موضوعة، فقد يلزم ضرورة أن تنقطع وتقف الحمول التي في الوسط. فإنّه إن لم تنقطع ولم تقف، لكن كان قد توجد دائماً للأمر الذي يوجد شيء هو أعلى، فإنّه على جميعها يكون البرهان. فلذلك إن كان غير ممكن أن يقطع الأشياء التي لا نهاية لها التي يكون عليها البرهان، فسيؤول بنا الأمر إلى ألّا نعلم هذه بالبرهان. فإن كان ليس
لنا في أمرها نحو آخر من العلم هو أفضل، فإنّه ليس نعلم ولا شيء واحداً بالبرهان على الإطلاق، اللّهمّ إلّا أن يكون ذلك عن أصل موضوع.
أمّا على طريق المنطق فمن هذه الأشياء قد يجد الإنسان السبيل إلى التصديق بما قلناه. وأمّا على جهة التحليل، بالعكس، فبهذه الأشياء يتبيّن بإيجاز من القول إنّه لا إلى فوق ولا إلى أسفل يمكن أن تكون المحمولة بلا نهاية في العلوم البرهانيّة التي عليها هذا البحث. وذلك أنّ البرهان إنّما هو جميع الأشياء الموجودة بذاتها للأمور. والأشياء الموجودة بذاتها هي على ضربين: وذلك أنّ جميع الأشياء التي توجد في تلك من طريق ما الشيء، وجميع الأشياء التي هذه هي موجودة فيها من طريق ما هو: مثال ذلك أنّ الفرد موجود في العدد، والعدد مأخوذ في قوله. وأيضاً فالكثرة من قبل أنّه متّصل، هو مأخوذ في قول الحدود. ولا واحد من هذين
الجنسين يمكن أن يكون بلا نهاية، لا كالفرد للعدد. وذلك أنّه قد يوجد للفرد شيء آخر هو موجود فيه إذا وجد. وهذا إن كان موجوداً فقد يكون أوّلاً العدد موجوداً في الأشياء التي توجد فيه. فإن كان لا يمكن أن توجد أمثال هذه بلا نهاية للواحد، فإنّه لا يمكن أيضاً أن تكون بلا نهاية إلى فوق، لكن قد يجب ضرورة أن تكون بأجمعها للأوّل (مثل العدد، وأن يكون الأوّل موجوداً لتلك)، فإذاً إنّما يؤخذ أنّها تنعكس فترجع، لا أنّها تمعن وتمتدّ إلى فوق. وأيضاً ولا جميع التي هي موجودة في الشيء من طريق ما هو، فإنّه ولا هذه أيضاً تمرّ بلا نهاية، وذلك أنّه لما كان لوجود التحديد سبيل. فإن كانت الأشياء المحمولة كلّها تقال بذاتها، وهذه ليست بلا نهاية، فقد تنقطع وتقف الأشياء التي إلى فوق. فإذاً والأشياء التي إلى أسفل.
وإن كان هذا هكذا فالأشياء التي هي بين حدّين هي أيضاً دائماً متناهية. وإن كان هذا، فمن البيّن أنّه قد يلزم أن يكون البرهان 〈من〉 مبادئ وأنّه ليس لكلّ شيء برهان، وهو ما قلناه في أوّل الأمر إنّ قوماً يقولون. وذلك أنّه إن كان قد توجد مبادئ فليس كلّ شيء هو مبرهناً، ولا أيضاً يمكن أن يمعن إلى ما لا نهاية. فإنّ وجود أحد هذين، أيّهما اتّفق، ليس هو شيئاً آخر غير أنّه ليس ولا بعد واحد ليس له وسط ولا منقسم، بل كلّها منقسمة. وذلك أنّه إنّما يتبيّن ما يتبيّن بأن يدخل الحدّ ويوضع داخلاً، لا بأن يزيد ويقتضب.
فلهذا السبب، إن كان هذا يمكن أن يمعن إلى ما لا نهاية فقد يمكن أن يوجد بين حدّين أوساط بلا نهاية. لكن هذا غير ممكن إن كان قد ينقطع ويقف الحمل إلى فوق وإلى أسفل. وقد يبين أنّها تنقطع وتقف: أمّا على طريق المنطق ففيما تقدّم، وأمّا على طريق التحليل بالعكس فالآن.
٢٣
〈لوازم〉
وإذ قد تبيّنت هذه الأشياء فمن البيّن الظاهر أنّه إن وجد شيء واحد بعينه لشيئين بمنزلة وجود اَ لـ حـَ ولـ ىَ ولم يحمل أحدهما على الآخر إمّا بتـ〈ـاتاً و〉إمّا لا على كلّ، فليس وجوده لهما بشيء عامّ — مثال ذلك أنّ زوايا المثلّث مساوية لقائمتين هو معنى موجود للمتساوي الساقين وللمختلف الأضلاع بشيء عامّ. وذلك أنّ هذا موجود لهما بما هما شكل ما، لا بما هو كلّ واحد منهما. وهذا ليس هو دائماً على هذه الحال. وإلّا، فليكن ٮَ الشيء الذي به يوجد اَ لـ حـَ و لـ ىَ. فمن البيّن إذن أنّ ىَ أيضاً موجودة لـ حـَ و لـ ىَ بشيء آخر عامّ، وذلك لشيء آخر، فإذن قد يقع بين حدّين حدود من بلا نهاية. لكن ذلك غير ممكن. فبأمر عامّ ليس
مبادئ ما غير مبرهنة يتبيّن بها أنّ هذا الشيء موجود أمراً ما ويتبيّن بها أنّ هذا الشيء لهذا الشيء، وكذلك قد توجد مبادئ يبين بها أنّ هذا الشيء ليس هو موجوداً أمراً ما، ولا أيضاً هذا الشيء موجود لهذا الشيء. فتكون إذن مبادئ : بعضها لوجود الشيء، وبعضها لغير وجوده. — فمتى دعت الحاجة إلى البرهان فقد يجب أن يوجد ما يحمل على ٮَ أوّلاً، وليكن 〈حـَ ويضاف إلى〉 هذا — على ذلك المثال — اَ. فإذا سلكنا دائماً هذا المسلك، فإنّه لا سبيل إلى أن توجد مقدّمة في وقت من الأوقات، ولا أنّه موجود أيضاً ما هو أكثر خروجاً من اَ في باب البرهان، لكن يكون دائماً الأوسط متّصلاً متكاثفاً حتّى ينتهي الأمر إلى أن تكون الحدود غير منقسمة وواحداً. وهو واحد متى لم يكن ذا وسط، والمقدّمة الواحدة على الإطلاق هي التي لا وسط لها. وكما أنّ في سائر الأمور الأخر المبدأ فيها هو شيء بسيط، وهذا ليس هو واحداً بعينه في جميع المواضع (لكنّه في الثقل هو منّا، وفي اللحن هو ربع الطنينة، وهو في أشياء مختلفة مختلف)، كذلك في القياس يكون ذلك الواحد هو المقدّمة غير ذات وسط، وفي البرهان والعلم العقل. فأمّا في المقاييس التي تبرهن أنّه موجود فليس يقع خارجاً ولا واحداً.
وأمّا في السالبة فحيث يكون موجوداً لشيء ما فولا واحد من
هذا يقع خارجاً — مثال ذلك إن كانت اَ لـ ٮَ بتوسّط حـَ فإنّه إن كانت حـَ موجودة لكلّ ٮَ، واَ ولا على شيء من حـَ، إن دعتك ضرورة إلى أن تكون اَ ولا على شيء من حـَ، فقد يجب أن يوجد حدّ أوسط بين اَ وحـَ؛ وهذا المأخذ نسلكه دائماً. — فإن دعت الضرورة إلى أن يبين أنّ ىَ ليست موجودة لـ هـَ بأنّ حـَ موجودة لكلّ ىَ وغير موجودة لشيء من هـَ أو ليست لكلّها، فإنّه خارج عن هـَ لا يقع ولا في وقت من الأوقات. وهذا هو الذي لا يجب أن يكون موجوداً له. و أمّا الضرب الثالث فليس لك أن تسلك إلى خارج من ذلك الذي تسلبه.
٢٤
〈فضل البرهان الكلّيّ〉
ولمّا كان البرهان منه كلّيّ ومنه جزئيّ، ومنه حمليّ ومنه سالب — ففي ذلك مواضع للشكّ: وهو أيّ البرهانين ليت شعري أفضل! وكذلك قد نتشكّك في البرهان الذي يقال إنّه برهانيّ، وفي الذي يسوق الكلام إلى ما لا يمكن. فلنبحث أوّلاً عن البرهان الكلّيّ والجزئيّ. فإذا ما نحن كشفنا أمر هذين، ففي عزمنا أن نتكلّم في البرهان المستقيم، وفي السائق إلى
ما لا يمكن. ولعلّ قوماً يظنّون أنّ البرهان الجزئيّ هو أفضل عندما يجعلون بحثهم بهذه الطريق. قالوا: إن كان البرهان الذي به نعلم أكثر هو برهاناً 〈أفضل〉 — وذلك أنّ هذا هو فضيلة البرهان — وقد يعلم كلّ واحد متى علمناه بذاته أكثر من علمنا به عند نظرنا إليه بشيء آخر: مثال ذلك علمنا بأنّ قورسقوس هو موسيقار متى كان قورسقوس موسيقاراً، أكثر من علمنا به ممّا هو إنسان. وكذلك في تلك الأخر الباقية.
وأمّا البرهان الكلّيّ فإنّه إنّما يبين ما هو ذلك الآخر، وليس ذلك الشيء الشيء الذي اتّفق أن يكون هو يبين — مثال ذلك البرهان على المثلّث المتساوي الساقين لا بما هو متساوي الساقين، لكن بما هو مثلّث.
وأمّا البرهان الجزئيّ فإنّما يبين ذلك الشيء الذي هو. فإن كان البرهان الذي يبين بذاته هو أفضل، وهذا هو البرهان الجزئيّ أكثر من الكلّيّ، فالبرهان الجزئيّ أفضل من الكلّيّ. — وأيضاً إن كان الكلّيّ ليس هو شيئاً خارجاً عن الأوحاد والجزئيّة، والبرهان يوهمنا أنّ هذا هو شيء، أعني الذي
أنّه مثلّث. وبالكلّيّة إن كان إنّما يبين بعد أن يأخذ ما ليس هو له بما مثلّث، فليس يكون برهان. فإن كان يبين لما هو موجود له، فالذي يعلم كلّ واحد بما هو كلّ واحد فقد يعلمه أكثر. فإن كان إذاً المثلّث هو أكثر وكان الحدّ واحداً بعينه، وليس معنى المثلّث على طريق الاتّفاق في الاسم. وقد يوجد معنى ما لكلّ مثلّث، وليس وجود مثل هذه الزوايا له بما هو متساوي الساقين، لكن ذلك المتساوي الساقين إنّما هو مثلّث. فالذي يعلم إذن كلّيّاً هو بما هو به موجود أكثر علماً ممّا هو عالم به على طريق الجزئيّ. فالبرهان الكلّيّ إذاً أفضل.
وأيضاً إن كان الأمر الكلّيّ هو قولاً ما واحداً وليس هو على طريق الاتّفاق في الاسم، فليس وجوده بأقلّ من الأوحاد والجزئيّة، لكن أكثر أيضاً بمبلغ ما هي فيه غير فاسدة؛ والجزئيّة خاصّة هي فاسدة. وأيضاً ليس يدعو أوّلاً ضرورة واحدة من طريق أنّه يدلّ على واحد أن يظنّ أنّ هذا هو شيء خارج عن
هذه. وذلك أنّ الحال في ذلك ليست أكثر ممّا في سائر الأشياء الأخر التي هي جميع الأشياء التي ليس تدلّ على شيء إلّا: إمّا كيفيّة، وإمّا مضاف، وإمّا يفعل، وسائر ذلك. فإن كان الظنّ بهذا ضروريّاً، فليس اللوم راجعاً على البرهان، لكن الذي ينصت.
وأيضاً إن كان البرهان قياساً على العلّة وعلى «لم هو»، وكان الكلّيّ في باب العلّة أكثر (وذلك أنّ ما يوجد له الشيء بذاته هذا هو العلّة له؛ كأنّ الكلّيّ هو الأوّل؛ والكلّيّ إذن هو علّة). فإذن هذا البرهان أيضاً أفضل، إذ كان بيانه عن العلّة وعن لم الشيء.
وأيضاً فإنّما نطلب لم الشيء إلى أن ننتهي إلى هذا، وحينئذٍ نظنّ ونرى أنّا قد علمنا متى لم يوجد شيء آخر خارجاً عن هذا من أجله إمّا أن يكون كائناً أو يوجد وجوداً، وذلك أنّه بهذا النحو هو آخر ونهاية — مثال ذلك نحو: ماذا جاء 〈به〉؟ فيقال: لكيما يأخذ المال؛ وهذا ليقضى غريمه الدين؛ وهذا لكيما لا يظلم.
فإذا أمعنّا على هذا النحو متى لم يكن من أجل شيء آخر، ولا على أنّه لشيء آخر، فقد هوّل أنّ مجيئه كان من أجل هذا كالأخير لما يكون ولما هو موجود، وأنّا حينئذٍ نعلم خاصّة لماذا جاء. — فإن كان الأمر في سائر
العلل وفي لم الشيء يجري على هذا المثال، وكان في جميع العلل التي هي على هذا النحو علل، على أنّها نحو ماذا هكذا تعلم خاصّة، فإذاً في تلك الأخر أيضاً الباقية حينئذٍ يعلم أكثر متى لم يوجد هذا من أجل شيء آخر. فمتى علمنا أنّ الزوايا الخارجة مساوية لأربع قوائم من قبل أنّه متساوي الساقين، فذلك ناقص. ولماذا هو بما هو متساوي الساقين؟ فيقال: إنّه من أجل أنّه المثلّث؛ وهذا من أجل أنّه شكل مستقيم الخطوط. وإن كان هذا ولا يوجد حينئذٍ شيء آخر هو من أجله، فحينئذٍ نعلم أكثر؛ والكلّيّ أيضاً فحينئذٍ نعلمه. فالكلّيّ إذاً أفضل.
وأيضاً كلّ ما كان جزئيّاً فوقوعه إلى ما لا نهاية. وأمّا الكلّيّ فمصيره إلى شيء بسيط ونهاية. والأمور أمّا بما هي بلا نهاية فهي غير معلومة؛ وأمّا بما هي متناهية فهي معلومة. فهي إذاً من طريق الكلّيّة أكثر معلومة ممّا هي كذلك من طريق الجزئيّة. فالأشياء الكلّيّة إذاً هي في باب ما هي مبرهنة أكثر. والأشياء التي هي مبرهنة أكثر برهاناً أكثر، إذ كانت المضافات معاً تكون أكثر. فالكلّيّة إذاً أكثر من قبل أنّها برهان هو أكثر.
وأيضاً أن كان البرهان الذي يعلم به هذا الشيء وشيئاً آخر هو آثر من الذي إنّما يعلم به هذا فقط؛ وكان الذي عنده علم الكلّيّ قد يعلم الجزئيّ أيضاً، وأمّا هذا فلا يعلم الكلّيّ. فالكلّيّ إذن على هذا القياس آثر.
وأيضاً فإنّ البرهان على طريق الكلّيّة خاصّة هو أن يبرهن بأوسط هو أقرب إلى المبدأ؛ والذي هو أقرب إلى المبدأ هو أكثر استقصاءاً ويقيناً من الذي ليس هو من المبدأ، وكان الذي هو من المبدأ أكثر من الذي هو منه أقلّ، وكان هذا هو الذي أكثر كلّيّاً. فالكلّيّ إذن هو أفضل. مثال ذلك: إن كان يجب أن نبيّن أنّ اَ على ىَ، والأوساط هي التي عليها ٮَ حـَ التي قيلت، وكانت ٮَ أعلى؛ فالبرهان إذاً الذي يكون بهذا هو أكثر كلّيّة.
إلّا أنّ بعض الأقاويل في هذا هي منطقيّة. وأمّا ما منه يعلم خاصّة أنّ الكلّيّ أكثر وأحقّ، ففي المقدّمات. وذلك أنّه إذا ما كانت لنا الأولى فقد نعلم — بنحو ما — أيضاً، ونحن مقتنون لها بالقوّة. مثال ذلك إن كان الإنسان يعلم أنّ كلّ مثلّث زواياه مساوية لقائمتين، فهو يعلم بنحو ما أنّ زوايا المتساوي الساقين أيضاً مساوية لقائمتين. فهو يعلم بالقوّة — وإن لم تكن له خبرة — بأنّ المتساوي الساقين هو مثلّث. وأمّا الذي له هذه المقدّمة فليس عنده علم بالكلّيّة بتّة، لا بالقوّة ولا بالفعل أيضاً.
والكلّيّ هو معقول. وأمّا الجزئيّ فيؤول أمره إلى الحسّ.
٢٥
〈فضل البرهان الموجب〉
فهذا مبلغ ما نقوله في أنّ البرهان الكلّيّ أفضل من الجزئيّ.
فأمّا أنّ البرهانيّ أفضل من السالب، فمن ها هنا نعلم ذلك: ليكن البرهان الأفضل هو الذي هو من المصادرات، أو من الأصول الموضوعة،
أو من مقدّمات هي أقلّ. وذلك أنّه إن كنّا نعلم على مثال واحد فأن نعلم على جهة هي أوجز وأقرب لهذه تكون، وهذا آثر. وقول هذه المقدّمة — وهي أنّ العلم من الأشياء التي هي أقلّ هو أفضل وهو بالكلّيّة هذا، وهو أنّه إن كانت الأوساط في باب ما هي معلومة على مثال واحد، وكانت التي هي أقدم هي أعرف؛ فليكن البرهان الواحد بأوساط هي: ٮَ، حـَ، ىَ — على أنّ اَ موجودة لـ هـَ. وليكن برهان آخر بأوساط نَ حَ — على أنّ اَ موجود لـ هـَ — فوجود اَ لـ ىَ واَ لـ هـَ هو على مثال واحد. ووجود اَ لـ ىَ أقدم وأعرف من وجود اَ لـ هـَ، وذلك أنّ هذا بذاك يتبيّن. وما بتوسّطه يتبيّن الشيء هو أكثر تصديقاً. فالبرهان إذن الكائن بأشياء هي أقلّ وتلك الأخر الباقية هي موجودة بأعيانها، هو أفضل.
فكلا البرهانين يتمّ بثلاثة حدود ومقدّمتين، لكن ذلك البرهان يأخذ أنّ الشيء موجود، وأمّا هذا فيأخذ أنّه موجود وغير موجود، فإذاً بأشياء كثيرة، فهو إذن أخسّ.
وأيضاً فمن قبل أنّه قد يتبيّن أنّه لا يمكن أن يكون قياس وكلتا المقدّمتين سالبة، بل يجب أن تكون حال إحدى المقدّمتين هذه الحال، وتكون الأخرى أنّه موجود.
وأيضاً مع هذا فقد يجب أن يوجد هذا المعنى: وهو أنّ القضايا الموجبة، إذا تريد البرهان، قد يلزم ضرورة أن تكون كثيرة. وأمّا السوالب فلا يمكن أن تكون في كلّ قياس أكثر من مقدّمة واحدة —: فلتكن اَ غير موجودة لشيء ممّا عليه ٮَ، ولتكن ٮَ لكلّ حـَ، فإن احتيج إلى أن تنمي وتزيد المقدّمتان كلتاهما، فقد يجب أن نجعل بين اَ ٮَ حدّاً أوسط، وليكن هذا ىَ؛ وبين ٮَ حـَ، هـَ — فمن البيّن إذاً أنّ هـَ هي موجبة؛ وأمّا ىَ فهي على ٮَ موجبة، وأمّا عند اَ فهي سالبة. وذلك أنّ ىَ عـ〈ـلى كلّ〉 ٮَ، واَ قد يجب أن تكون ولا على شيء من ىَ. فتكون إذن المقدّمة السالبة واحدة وهي اَ ىَ. — وعلى هذه الجهة بعينها يكون في المقاييس الأخر أيضاً. وذلك أنّ الأوسط الذي بين الحدّين الموجبين دائماً قد يلزم أن يكون موجباً من كلتا الحيثيّتين. وأمّا الذي بين السالب فهو سالب من إحدى الجهتين. ولهذا السبب هذه المقدّمة تكون هكذا. وأمّا المقدّمات الأخر الباقية فهي موجبات. فإن كان ما من أجله يكون البرهان هو أعرف وأصدق، وكانت السالبة تتبيّن بالموجبة، وكانت هذه لا تتبيّن بتلك — إذ كانت أقدم وأعرف وأصدق — فهي إذن أفضل.
وأيضاً لمّا كان مبدأ القياس هي المقدّمة الكلّيّة غير ذات وسط، وكانت هذه إمّا في البرهانيّة موجبة، وإمّا في السالب سالبة، أعني المقدّمة الكلّيّة،
وكان البرهان الموجب أقدم من السالب وأعرف منه (إذ كانت السالبة إنّما تعرف من الموجبة، وكانت الموجبة أقدم من السالبة، كما الموجود أقدم من غير الموجود)، فإذاً مبدأ البرهانيّة أفضل من مبدأ البرهان السالب، والتي تستعمل مبادئ أفضل هي أفضل.
وأيضاً هي أشرف. وذلك أنّه لا سبيل إلى أن يكون البرهان السالب من غير المبرهن.
٢٦
〈فضل البرهان المباشر على البرهان السائق إلى المحال〉
ولمّا كان البرهان الموجب أفضل من السالب فمن البيّن أنّه أفضل من البرهان السائق للكلام إلى المحال.
وقد يجب أن ننظر ما الفرق بينهما. فلتكن اَ غير موجودة لشيء ممّا توجد له ٮَ؛ ولتكن ٮَ موجودة لكلّ حـَ؛ فقد يلزم أن تكون اَ غير موجودة لشيء من ىَ. فإذا أخذت الحدود بهذا النحو يكون سالباً برهانيّاً وهو أنّ اَ غير موجودة لـ حـَ. وأمّا السائق إلى المحال فهذه حـ〈ـاله〉: إن احتيج أن يبين أنّ اَ غير موجودة لـ ٮَ؛ فقد يجب أن يؤخذ أنّها موجودة؛ وٮَ لـ حـَ، فقد يلزم إذاً أن تكون اَ موجودة لـ حـَ. وليكن هذا معلوماً مقرّاً أنّه غير ممكن. فليس يمكن إذن أن توجد اَ لـ ٮَ. وإن كان مقرّاً بأنّ ٮَ موجودة لـ حـَ، فإنَ اَ لا يمكن أن توجد لـ ٮَ.
فترتيب الحدود في كلا البرهانين على مثال واحد. والفرق بينهما هو في هذا المعنى وهو: أيّ القضيّتين أعرف من السالبتين؟ أترى أنّ اَ غير موجودة لـ ٮَ، أو أنّ اَ غير موجودة لـ حـَ؟ فمتى كانت النتيجة أعرف بأنّها ليست موجودة، فقد يكون البرهان السائق إلى المحال. وأمّا متى كانت القضيّة التي في القياس، فبرهانيّاً. وإنّ اَ غير موجودة لـ ٮَ هي أقدم عند الطبيعة من اَ حـَ، إذ كانت التي عنها تكون النتيجة أقدم منها. والقضّية القائلة إنّ اَ غير موجودة لـ حـَ فهي نتيجة. وأمّا اَ ٮَ، فالتي عنها تكون النتيجة.
وليس يلزم، إن ارتفع شيء ما، أن يكون هذا نتيجة وتلك هي التي منها؛ لكن إنّما يكون ما منه يكون القياس متى ما كانت حاله هذه الحال، وهي أن يوجد إمّا كالكلّ عند الجزء، أو كالجزء عند الكلّ. ومقدّمتا اَ حـَ و〈اَ ٮَ〉 ليس حالهما بعضهما عند بعض هذه الحال.
فإن كان البرهان الذي يكون بمقدّمات هي أعرف وأقدم هو أفضل، وكان كلا البرهانين مصدّقاً بأنّه ليس يوجد الشيء، غير أنّ تلك إنّما يكون بما هو أقدم، وتلك 〈الأخر〉 بما هو أشدّ تأخّراً، فالبرهان السالب أفضل من السائق إلى المحال. فما هو 〈يكون〉 أفضل من هذا، وهو الإيجاب، من الظاهر أنّه أفضل أيضاً من البرهان السائق إلى المحال.
٢٧
〈شروط العلم الفاضل〉
وقد يكون العلم أكثر استقصاءاً ويقيناً من علم. وأقدم العلم 〈العلم〉 بأنّ الشيء موجود، والعلم بلم الشيء الذي هو هو بعينه، لا العلم بأُنّ الشيء الذي هو خلو من العلم بلم الشيء. والعلم أيضاً الذي ليس هو على شيء موضوع: مثال ذلك علم الأعداد أكثر استقصاءاً ويقيناً من علم تأليف اللحون. والعلم أيضاً الذي يكون من أشياء هي أقلّ، أكثر استقصاءاً ويقيناً من الذي يكون بالزيادة: مثل أنّ علم العدد أكثر استقصاءاً ويقيناً من علم الهندسة. وأعني بقولي «بالزيادة» مثل أنّ الوحدة هي ذات لا وضع لها؛ وأمّا النقطة فهي ذات قد قبلت وضعاً: وهذا على طريق الزيادة.
٢٨
〈وحدة العلوم وتنوّعها〉
وأمّا العلم الواحد فهو الذي يبيّن في جنس واحد جميع الأشياء المركّبة من مبادئ أول وهي أجزاء لهذه، أو الأشياء اللازمة لها بذاتها.
وأمّا العلم الذي هو مخالف لعلم 〈آخر،〉 فجميع العلوم التي مبادئها ليس منها بأعيانها، ولا تلك الأخر. وعلامة هذا إذا أمعنّا إلى مبادئ غير مبرهنة، وذلك أنّه قد يجب أن تكون هذه هي الجنس بعينه الذي توجد فيه الأشياء التي تبرهن. ودليل هذا أيضاً إذا كانت الأشياء التي بها تتبيّن هي في الجنس بعينه ومتناسبة.
٢٩
〈تعدّد البراهين〉
وقد يمكن أن تكون على شيء واحد براهين كثيرة، وليس إنّما يكون ذلك بأن يؤخذ الحدّ الأوسط من رتبة واحدة بعينها فقط مثل أن 〈يوجد〉 الأوسط بين اَ وٮَ : حـَ وىَ وزَ، لكن بأن يؤخذ من رتبتين مختلفتين. مثال 〈ذلك〉: لتكن اَ المتغيّر، والذي عليه ىَ المتحرّك، والذي عليه ٮَ القابل للذّة؛ وأيضاً لتكن جَ القابل للسكون؛ فحقّ أن يقال ىَ على ٮَ، واَ أيضاً على ىَ. وذلك أنّ قابل اللذّة هو متحرّك؛ والمتحرّك هو متغيّر. وأيضاً حقّ 〈أن يقال〉 اَ على حـَ وحـَ على ٮَ. وذلك أنّ كلّ ما يقبل اللذّة قد يقبل السكون، والقابل للسكون قد يتغيّر. فيكون القياس إذاً بأوساط مختلفة ليست من رتبة واحدة. غير أن ليس يكون ذلك بألّا يكون ولا واحد من الوسطين محمول على الآخر، إذ كان قد يلزم أن يوجد كلاهما لشيء واحد بعينه.
وقد يجب أن نبحث في الشكلين الآخرين الباقيين على كم جهة يمكن أن يكون قياس لشيء واحد بعينه.
٣٠
〈الأشياء التي بالاتّفاق لا تكون موضوع البرهان〉
فأمّا الشيء الذي عن الاتّفاق فلا علم به بالبرهان؛ إذ كان الأمر الذي بالاتّفاق ليس هو ضروريّاً ولا على أكثر الأمر؛ لكن ما يكون خارجاً عن هذين. وأمّا البرهان فهو على أحد هذين: وذلك أنّ كلّ قياس إنّما يكون إمّا بمقدّمات ضروريّة، وإمّا بمقدّمات هي على أكثر الأمر. فإن كانت المقدّمات ضروريّة فالنتيجة هي أيضاً ضروريّة؛ وإن كانت على أكثر الأمر فالنتيجة أيضاً هذه حالها. ولذلك إن كان ما يكون بالاتّفاق ليس هو على أكثر الأمر ولا هو ضروريّ أيضاً، فليس يكون عليه برهان.
٣١
〈امتناع البرهان بطريق الحسّ〉
وأيضاً لا سبيل إلى قبول العلم بالحسّ. وذلك أنّه إن كان 〈الحسّ〉 لشيء هو مثل هذا وليس هو بهذا، لكن قد يلزم أن يكون الإحساس بهذا الشيء وأين والآن. وأمّا الكلّيّ والذي هو في كلّ شيء، فليس يمكن أن يقع بالإحساس، إذ كان ليس هو لهذا، ولا هو الآن أيضاً؛ وإلّا ما كان يكون كلّيّاً. وذلك أنّا إنّما نقول 〈إنّه〉 كلّ الأمر الذي هو دائم وفي كلّ موضع. فلمّا كانت البراهين
من الأشياء الكلّيّة، وكان لا سبيل إلى أن يقع الإحساس بهذه، فمن البيّن أنّه لا سبيل إلى قبول العلم بالحسّ، بل معلوم أنّه لو كان وجد السبيل إلى الإحساس بأنّ المثلّث زواياه الثلاث مساوية لقائمتين، لقد كنّا نطالب بالبرهان على هذا، وليس (كما يقول) قوم إنّا قد كنّا نكون عالمين به. وذلك أنّ الحسّ قد يلزم أن يكون للأوحاد والأشياء الجزئيّة. وأمّا العلم فإنّما هو العلم لشيء كلّيّ. ولهذا السبب فإنّا ولو كنّا حاصلين فوق القمر وكنّا نعاين أنّ الأرض تستره، لما كنّا نعلم علّة الكسوف. وذلك أنّا إنّما كنّا نحسّ حينئذٍ أنّه قد أظلم الآن؛ وما كنّا بالذين نعلم بالكلّيّة لم، إذ كان الحسّ ليس هو للأمر الكلّيّ. وأيضاً من المشاهدة بأنّ هذا الشيء قد عرض مرّات كثيرة إذا تصيّدنا الكلّيّ كنّا نقتني برهاناً؛ إذ كان الكلّيّ يظهر من جزئيّات كثيرة.
والكلّيّ هو أشرف، من قبل أنّه ينبئ ويعرّف السبب. فإذن الكلّيّ على أمثال هذه هو أشرف من الحسّ ومن التصوّر أيضاً بالعقل في الأشياء التي الواحد منها سببها. فأمّا الأوائل فالكلام فيها كلام آخر.
فمن البيّن إذن أنّه لا يمكن أن يكون معنى الإحساس هو معنى علم شيء من الأشياء التي عليها برهان، اللّهمّ إلّا أن يحبّ إنسان أن يسمّي العلم بالبرهان الإحساس. — إلّا أنّه قد توجد أشياء ترقى في المطالب إلى فقد الحسّ. وذلك أنّ بعض الأشياء لو كنّا نعاينها لما كنّا نبحث؛ وليس ذلك
من قبل أنّا كنّا نحصّل علماً بالمعاينة والإبصار؛ لكن من قبل أنّا كنّا نحصّل الكلّيّ من المعاينة والإبصار؛ مثال ذلك أنّا لو كنّا نبصر الزجاج أنّ فيه مسامّ؛ وكنّا نرى الضوء يخرقها، لقد كان يتبيّن لنا لأيّ سبب يخرق من قبل أنّ البصر في كلّ واحد واحد على الانفراد يتصوّر معاً أنّ الحال في كلّها هذه الحال.
٣٢
〈تعدّد المبادئ〉
فأمّا أن تكون مبادئ جميع مقاييس واحدة بأعيانها فيتبيّن أنّ ذلك غير ممكن: أمّا أوّلاً إذا جعلنا بحثنا على طريق المنطق. — وذلك أنّ بعض المقاييس هي صادقة، وبعضها كاذبة. فإنّه وإن كان قد تكون نتيجة صادقة من مقدّمات كاذبة، فإنّ ذلك إنّما يكون دفعة واحدة، مثل أن تكون اَ على حـَ حقّاً، ويكون الأوسط — وهو ٮَ — كذباً. وذلك أنّه لا اَ موجودة لـ ٮَ، ولا ٮَ موجودة لـ حـَ. إلّا أنّه إن أخذ بين هاتين المقدّمتين أوساط، كانت المقدّمات كاذبة من قبل أنّ كلّ نتيجة كاذبة إنّما تنتج عن مقدّمات كاذبة، والصادقة من الصادقة، والصدق والكذب هما مختلفان. وأيضاً ولا المقاييس الكاذبة تكون منها بأعيانها. وذلك أنّ الكاذبة قد يكون مضادّاً بعضها لبعض وغير ممكنة أن تؤخذ لشيء
واحد، مثل القول بأنّ العدل هو جور أو جبن، وأنّ الإنسان هو فرس أو ثور، أو المساوي هو أكبر أو أصغر.
وأمّا من الأشياء الموضوعة فعلى هذا النحو، وذلك أنّه ولا مبادئ المقاييس الصادقة هي واحدة بأعيانها. وذلك أنّ مبادئ أشياء كثيرة هي مختلفة في الحسّ حتّى إنّه لا يطابق بعضها بعضاً، مثل أنّ الوحدات غير مطابقة للنقط، وذلك أنّه: أمّا تلك فليس لها وضع، وأمّا هذه فلها. وقد يلزم ضرورة أن تكون مطابقة: إمّا في الأوساط، وإمّا من فوق، وإمّا من أسفل، وإمّا أن يكون لبعضها من داخل الحدود، ولبعضها من خارج. — وأيضاً ولا من المبادئ العامّيّة يمكن أن يكون البعض، وهي التي من شأنها أن يبيّن منها كلّ شيء (وأعني بالعامّيّة مثل أنّ القول على كلّ شيء إمّا موجبة وإمّا سالبة) : وذلك أنّ أجناس الموجودات هي مختلفة، وبعضها هي موجودة للكمّيّات فقط، وبعضها للكيفيّات فقط. وهذه هي التي معها يكون البرهان بالمبادئ العامّيّة. وأيضاً المبادئ ليست أقلّ من النتائج بالكثير، فإنّ المبادئ هي المقدّمات؛ والمقدّمات تكون إمّا بزيادة حدّ يقتضب، وإمّا بأن يدخل. وأيضاً النتائج تمعن إلى ما لا
نهاية، والحدود متناهية من قبل أنّ المبادئ بعضها ضروريّة، وبعضها ممكنة. أمّا الذي يجعل بحثه على هذا النحو، فإنّه لا يمكن أن تكون المبادئ واحدة بعينها أو محدودة والنتائج بلا نهاية. فأمّا إن قال الإنسان على جهة أخرى بنحو ما مثل أن نقول إنّ هذه للهندسة، وهذه للحساب، وهذه للطبّ — فما الذي يقال غير أنّ للعلوم مبادئ؟
فأمّا القول بأنّها واحدة بأعيانها من قبل أنّ هذه هي واحدة بأعيانها فذلك ممّا يستحقّ أن يهزأ به، إذ كان على هذا القياس تكون كلّها واحدة بأعيانها. وأيضاً ولا القول بأنّه قد يبيّن 〈أنّ〉 كلّ ما اتّفق من جميعها حقّ. وهذا هو أن يطلب أنّ مبادئ جميعها هي واحدة بأعيانها. وذلك أنّ القول بهذا كثير البله، إذ كان لا يكون هذا إلّا في التعاليم التي هي بيّنة ظاهرة. ولا أيضاً يمكن أن يكون في التحليل بالعكس، وذلك أنّ المبادئ هي مقدّمات غير ذوات أوساط. وقد تكون، عندما يزاد فيقتضب مقدّمات غير ذوات أوساط مختلفة، نتائج مختلفة. فإن قال قائل إنّ المقدّمات الأول غير ذوات الأوساط هي المبادئ، إلّا أنّها واحدة في كلّ واحد من الأجناس. — فإن كان ليس من جميعها يبيّن كلّ ما اتّفق بطريق الواجب، ولا أيضاً هي مختلفة
على هذا الضرب من الاختلاف حتّى يكون لكلّ واحد واحد من العلوم مبادئ مختلفة، فلعلّه أن يكون الباقي هو أن تكون مبادئ جميعها متناسبة في الجنس، لكن من هذه هذه، ومن هذه هذه. ومن البيّن الظاهر أنّه ولا بهذا أيضاً ممكن. وذلك أنّه قد تبيّن أنّ مبادئ الأشياء المختلفة في الجنس هي أيضاً مختلفة في الجنس؛ وذلك أنّ المبادئ تقال على ضربين: التي منها؛ والتي فيه. فأمّا التي منها فهي عامّيّة؛ وأمّا التي فيه فهي خاصّيّة بمنزلة العدد من العظم.
٣٣
〈العلم والظنّ〉
والعلم والمعلوم هو مخالف للظنّ والمظنون، بأنّ العلم يكون على طريق الكلّيّ وبأشياء ضروريّة؛ والضروريّ لا يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه. وقد توجد أشياء هي صادقة وموجودة، غير أنّها قد يمكن أن تكون على خلاف ما هي عليه.
فمن البيّن إذاً أنّ في هذه لا يكون علم، وألّا تكون أشياء يمكن أن تكون على خلاف ما هي عليه. وأيضاً ولا العقل (وأعني بالعقل مبدأ العلم)، ولا أيضاً علم غير مبرهن، وهذا هو اعتقاد مقدّمات غير ذوات أوساط. والصادقة هي العقل والعلم والظنّ وما يقال بهذه. فقد بقي إذاً أن يكون الظنّ بالصدق أو بالكذب، ويمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه؛ وهذا هو الاعتقاد في المقدّمات غير ذوات الأوساط وليس ضروريّاً. وهذا هو هكذا موافق للأشياء المشاهدة. وذلك أنّ الظنّ هو شيء غير ثابت؛ وطبعه هو مثل هذا. ومع هذه ليس إنسان يعتقد في ما لا يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه أنّ اعتقاده ظنّ، لكن يرى أنّه يعلم علماً. لكن إذا كان الأمر على هذا، ويمكن أيضاً أن يكون على خلاف ما هو عليه، فلا مانع يمنع حينئذٍ أن يظنّه ظنّاً. فإذاً مثل هذا الأمر قد يكون عليه ظنّ، وأمّا على الأمر الضروريّ فعلم.
فكيف يمكن إذاً أن يعلم ويظنّ شيء واحد بعينه؟ ولأيّ سبب لا يكون الظنّ علماً؟ إن وضع إنسان أنّ كلّ ما يعلمه فهذا قد يظنّه ظنّاً بالمتوسّطات حتّى تصير إلى غير ذوات الأوساط حتّى يكون بما ذاك هو عالم يكون هذا أيضاً يعلم. وذلك أنّه كما أنّه قد يوجد الظنّ بأنّه موجود، كذلك بلم هو؛ وهذا هو الوسط.
فنقول إنّه إن كان اعتقاد على هذا من الحال، وهو أن يعتقد في الأشياء أنّها لا يمكن أن تكون على خلاف ما هي عليه كما توجد الحدود التي بها تكون البراهين، فليس إنّما يظنّ ظنّاً، لكنّه يعلم علماً. وإن كان يعتقد أنّها صادقة، غير أنّها ليست موجودة في الجوهر والصورة، فإنّما يظنّ ظنّاً وليس يعلم علماً بالحقيقة أنّه موجود ولم هو موجود أيضاً، إن كان بالمتوسّطات فيظنّ لم هو موجود؛ وإن كان بغير متوسّطات فيظنّ أنّه موجود فقط.
فأمّا أن يكون العلم والظنّ شيئاً واحداً، فذلك ليس لا محالة يوجد. لكن كما أنّه قد يكون ظنّ صادق وكاذب في شيء واحد بعينه على جهة ما، كذلك أيضاً قد يكون العلم والظنّ علماً وظنّاً لشيء واحد بعينه. فقد يلزم الاختيار لذلك شناعة، وهي أن يلزمه أن يكون ما يظنّه ظنّاً كاذباً أن لا يظنّه. ولمّا كان الواحد بعينه يقال على وجوه كثيرة: فمنها ما هو كالممكن، ومنها كغير الممكن، فأن يظنّ 〈ظنّاً〉 حقّاً أنّ القطر مشارك
للضلع هو شناعة، لكن أن يكون القطر 〈الذي ينطبق عليه القولان〉 شيئاً واحداً بعينه فهكذا يكون لشيء واحد بعينه: فأمّا الماهيّة لكلّ واحد منهما بالقول 〈فـ〉ـليست واحدة بعينها. كذلك العلم والظنّ أيضاً يكونان لشيء واحد بعينه. أمّا العلم فبأن نأخذ أنّه حيوان هكذا، وهو على أنّه لا يمكن أن يكون حيواناً؛ وأمّا الظنّ فعلى أنّه يمكن. مثال ذلك إن كان ذاك ما هو موجود للإنسان؛ وهذا أنّه إنسان؛ لكنّه ليس هو موجوداً للإنسان. وذلك أنّه شيء واحد بعينه وهو أنّه إنسان، وعلى هذا النحو، على أنّه ليس هو واحداً بعينه.
فظاهر من هذه أنّه ليس يمكن ولا أن يكون لشيء واحد بعينه ظنّ وعلم معاً. وإلّا، قد كان يحصل بشيء واحد بعينه الاعتقاد أنّه قد يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه ولا يمكن، وهذا غير ممكن. وأمّا في مختلفين فقد يمكن أن يكون كلّ واحد منهما. فأمّا أن يكون لشيء واحد بعينه كما قلنا بشيء واحد بعينه فلا يمكن أيضاً على هذا الوجه، وإلّا قد يكون له اعتقاد معاً — مثلاً فيما هو إنسان إنّه حيوان، وهذا هو أنّه يمكن أن يكون غير حيوان وأنّه ليس هو حيواناً، وذلك أنّ هذا هو أنّه قد يمكن.
وأمّا كيف يجب أن تقسم الباقية في الذهن والعلم والعقل والصناعة والفهم والحكمة: فبعضها من حقّ النظر الطبيعيّ، وبعضها من علم الأخلاق خاصّة.
٣٤
〈الذكاء〉
وأمّا الذكاء فهو حسن حدس ما يكون في وقت لا يؤاتي للبحث عن الأوساط، مثل ما أنّه إذا رأى إنسان أنّ ما يلي الشمس من القمر هو دائماً مضيء، يفهم بسرعة لأيّ سبب هو هذا، وهو أنّه كذلك من أجل أنّه من الشمس ينير؛ أو إذا رأى إنساناً يخاطب غنيّاً يعلم أنّ ذلك لكيما يقترض؛ أو أنّهما أصّدقاء من أجل أنّهما أعداء واحد بعينه. وذلك أنّ الذي يعلم الطرفين يعلم جميع الأسباب 〈المتوسّطة〉. — فليكن 〈النيّر〉 ما ينظر إلى الشمس الذي عليه اَ وأنّه 〈ينير هو ما عليه〉 ٮَ، والقمر الذي عليه حـَ. فـ ٮَ موجودة لـ حـَ، أعني للقمر؛ وأعني بالـ ٮَ أنّه ينير من الشمس؛ واَ موجودة لـ ٮَ، أعني أنَ النيَر 〈هو أن يكون〉 هذا أعني إلى ناحية ما منه ينير. فـ اَ إذن موجودة لـ حـَ بتوسّط 〈ٮَ〉.
][ تمّت المقالة الأولى من كتاب أرسطوطالس في البرهان، نقل أبي بشر متّى بن يونس القنّائيّ من السريانيّ إلى العربيّ. نقلت من نسخة بخطّ الحسن بن سوار. قوبل به نسخة كتبت من نسخة عيسى بن إسحاق بن زرعة المنقولة من نسخة يحيى بن عديّ، فكان موافقاً لها. ][
بسم اللّه الرحمن الرحيم
١
المقالة الثانية من كتاب «البرهان» نقل أبي بشر متّى بن يونس، من السريانيّ
〈نظريّة الحدّ والعلّة〉
〈أنواع المطالب〉
قال أرسطوطالس:
الأشياء التي تطلب 〈هي و〉جميع الأشياء التي نعلمها هي متساوية. والاشياء التي نطلبها هي أربعة: أحدها أنّه يوجد؛ والآخر لماذا، إن كان موجوداً؛ وما هو.
وذلك أنّا متى طلبنا أيّ الشيئين: أهذا، أو هذا؟ من حيث قد وضعنا بالعدد — مثال ذلك: أيّ الأمرين ليت شعري: أتقبل الشمس كسوفاً أم لا؟ فإنّا نطلب هل يوجد والدليل على ذلك هو هذا. وذلك أنّا إذا وجدنا أنّها تقبل، قد كففنا عن الطلب. وإن علمنا منذ أوّل الأمر أنّها تقبل الكسوف، ليس نطلب أيّ الأمرين يرى هو. وإذا علمنا أنّه قد يوجد، طلبنا حينئذٍ لأيّ سبب يقبل الكسوف، ولأيّ سبب تتحرّك الأرض.
فهذه هكذا نطلبها. وبعض يكون طلبنا لها على جهة أخرى — مثال ذلك أن نطلب إن كان الإنسان أو الإلاه موجوداً أو غير موجود — وأعني بطلبنا أنّه موجود أو غير موجود على الإطلاق، لا أنّه أبيض أو غير أبيض.
وإذا علمنا أنّه موجود نطلب ما هو — مثال ذلك ما هو إذاً الإلاه، أو ما هو الإنسان.
٢
〈كلّ طلب هو للأوسط〉
فالأشياء التي نطلبها، والأشياء التي إذا وجدناها علمناها علماً يقيناً هي هذه، وهذا عددها. فإذا طلبنا أنّه يوجد (أو أنّه موجود على الإطلاق)، فإنّما نطلب: أترى قد يوجد له شيء أوسط، أم لا؟ (ومتى علمنا إمّا أنّه يوجد أو أنّه موجود، إمّا بالجزء وإمّا على الإطلاق، وطلبنا من الرأس: لم هو؟ أو: ما هو؟ فطلبنا حينئذٍ إنّما هو أن يطلب ما هو الأوسط. وأعني بقولي إنّه يوجد بالجزء 〈و〉على الإطلاق: أمّا بالجزء فأن يطلب: أترى يقبل القمر كسوفاً؟ أعني عدم النور، أو يتزيّد تزيّداً. وذلك أن طلبنا في أمثال هذه إمّا أنّ الشيء موجود أو غير موجود. أمّا على الإطلاق فهو أن نطلب إن كان موجوداً أو غير موجود القمر والليل).
فقد يلزم إذن في جميع المطالب أن يكون الطلب هو إن كان يوجد شيء وسطاً. وما هو الوسط؟ وذلك أنّ الوسط هو العلّة. وفي جميعها إنّما يطلب هذا: ليت شعري قد يقبل الكسوف؟ والطلب في هذا إنّما هو: أترى يوجد شيء هو علّة، أم لا؟ ومن بعد هذا، عندما يعلم أنّه يوجد، يطلب ما هو
إذن هذا؟ وذلك أنّ علّة الوجود ليست لهذا الشيء أو لهذا الشيء، لكنّها على الإطلاق للجوهر، أو لما هو لا على الإطلاق، لكن بما هو شيء من الأشياء الموجودة بالذات، أو على طريق العرض هو الأوسط. وأعني بقولي ما هو على الإطلاق الشيء الموضوع — مثال ذلك: القمر أو الأرض أو الشمس أو المثلّث؛ وأمّا شيء ما فللكسوف وللتساوي واللاتساوي. أو إن كان في الوسط أوّلاً. وذلك أنّ في جميع هذه هو ظاهر أنّ الطلب لما هو وللم هو، هو واحد بعينه. وما هو الكسوف؟ — عدم ضوء القمر لستر الأرض إيّاه. لم هو الكسوف، أو لم يقبل القمر الكسوف؟ لأنّه يفقد نوره عندما تستره الأرض. ما هو اتّفاق الصوت؟ — نسبة للأعداد في الحدّة والثقل. لم يوافق الحادّ الثقيل؟ — لأنّ الثقيل والحادّ يشبه الأعداد. أترى نسبتها موجودة في الأعداد؟ وإذا أخذنا أنّها موجودة، طلبنا ما هي نسبتها.
فأمّا أنّ الطلب هو الأوسط فذلك قد تدلّ عليه الأشياء التي الأوسط فيها محسوس. ذلك أنّا قد نطلب ونحن لا نحسّ بالكسوف
مثلاً إن كان موجوداً أم لا. ولو كنّا على القمر لمّا كنّا نبحث لا هل يكون الكسوف، ولا لم يكون. لكن قد كان يظهر لنا الأمران جميعاً معاً، إذ قد كان يحصل لنا من الإحساس أن نعلم بالكلّيّة. فإنّ الحسّ إنّما هو أنّه الآن يستر، وذلك أنّه بيّن أنّ الآن أيضاً يقبل الكسوف. ومن هذا قد كان يكون لنا الكلّيّ.
فالعلم — كما نقول — بما هو وبلم هو واحد بعينه. وهذا إمّا على الإطلاق: لا شيء من الأشياء الموجودة، وإمّا لشيء من الأشياء الموجودة — مثال ذلك العلم بأنّها قائمتان أو بأنّه أكبر أو أصغر.
٣
〈الفرق بين الحدّ والبرهان〉
أمّا أنّ في جميع الأشياء المطلوبة الطلب إنّما هو للأوسط فذلك بيّن ظاهر. فأمّا كيف يظهر معنى ما هو الشيء، وأيّما هو طريق يوافي به، وما هو الحدّ، ولأيّ الأشياء هو — فلنخبر بذلك من حيث سيّر أوّلاً على هذه المعاني شكّاً. وليكن مبدأ الأقاويل المستأنفة ما هو الأمر للأقاويل التابعة. فقد يتشكّك الإنسان فيقول: أترى قد يعلم
شيء واحد على جهة واحدة بالحدّ والبرهان؟ أو ذلك ممّا لا يمكن؟ وذلك أنّ الحدّ قد نظنّ أنّه لما هو الشيء، وما هو الشيء بأسره هو كلّيّ وموجب. والمقاييس منها سالبة، ومنها ما ليست كلّيّة — مثال ذلك المقاييس التي في الشكل الثاني هي كلّها سالبة، والتي في الشكل الثالث غير كلّيّة. وبعد ذلك ولا لجميع الموجبات التي في الشكل الأوّل يوجد حدّ — مثال ذلك أنّ كلّ مثلّث زواياه الثلاث مساوية لقائمتين. وهذا عليه برهان، وليس له حدّ من قبل أنّ العلم على طريق البرهان هو أن نقتني البرهان. فإذاً إن كان في أمثال هذه قد يوجد برهان، فمن البيّن أنّه ليس يوجد لها حدّ أيضاً. وإلّا قد كان للإنسان أن يعلمها بالحدّ أيضاً من غير أن يكون عنده برهان. وذلك أنّه لا مانع يمنع ألّا يوجد له معاً. والتصديق الكافي بهذا هو الاستقراء أيضاً، وذلك أنّه ولا شيء واحداً عندما حدّدناه نكون قد علمناه، لا من الأشياء الموجودة بذاتها، ولا من الأشياء الموجودة على طريق العرض. وأيضاً من قبل أنّ الحدّ مبنى ومعرّف كجوهر الشيء. ومن البيّن الظاهر أنّ أمثال هذه ليست جواهر.
أمّا أنّه ليس كلّ ما يوجد عليه البرهان قد يوجد له حدّ، فذلك بيّن. فإذا يقول: ألكلّ ما يوجد له حدّ، أترى يوجد عليه برهان أم لا؟ ففي هذا أيضاً واحد، وهو هو بعينه. وذلك أنّ العلم بشيء واحد بما هو واحد إنّما هو علم واحد. فإن كان معنى أن يعلم المبرهن هو أن يقتني البرهان عليه، فقد يلزم شيء غير ممكن. وذلك أنّ الذي عنده حدّه، فقد يعلمه علماً من غير أن يكون عليه برهان. — وأيضاً مبادئ البرهان هي حدود؛ وهذه فقد تبيّن فيما تقدّم أنّه لا سبيل إلى أن يوجد عليها البرهان. وإلّا إمّا أن تكون المبادئ مبرهنة، وأيضاً مبادئ للمبادئ، ويمرّ هذا بلا نهاية، وتكون الأوائل غير متناهية. — إلّا أنّه يقال: أترى إن لم يكن للكلّ وهو هو بعينه؟ أو قد يكون لشيء واحد بعينه حدّ وبرهان؟ لكن ذلك غير ممكن، وذلك أنّه لا برهان لما له حدّ، من قبل أنّ الحدّ لما هو الشيء وللجوهر.
وأمّا البراهين فظاهر من أمرها بأجمعها أنّها تضع «ما الشيء» وضعاً، وتقتضبه اقتضاباً — مثال ذلك أنّ العلوم التعاليميّة تأخذ ما هي الوحدة، وما هو التعدّد. وكذلك تلك الأخر. — وأيضاً كلّ برهان إنّما يبيّن شيئاً على شيء — مثال ذلك: إمّا أنّه يوجد، وإمّا أنّه لايوجد.
وأمّا في الحدّ فلا شيء يحمل على شيء آخر، لا الحيوان على ذي رجلين، ولا هذا على الحيوان، ولا البسيط على الشكل، ولا الشكل على البسيط. وأيضاً معنى ما الشيء وأن يتبرهن أنّه يوجد، هما مختلفان. فالحدّ يعرف ما هو الشيء؛ وأمّا البرهان فيبيّن إمّا أنّه يوجد هذا على هذا، وإمّا ألّا يوجد. والبرهان على شيء آخر هو برهان آخر إن لم يكن البرهان كجزء ما من جميعه. وأقول هذا من قبل أنّه قد تبرهن برهاناً على أنّ المتساوي الساقين زواياه مساوية لقائمتين إن كان قد بيّن كلّ مثلّث. وذلك أنّ 〈هذا〉 جزء، وهذا كلّ، وهذا أُنّ، أعني أنّه يوجد وما هو ليس حالهما بعضهما عند بعض هذه الحال. وذلك أنّه ليس ولا واحدة منهما جزء لواحد منهما. وظاهر إذن أنّه لا لكلّ ما له حدّ له برهان، ولا أيضاً لكلّ ما له برهان يوجد له حدّ. فإذن لا يمكن أن يكونا كلاهما موجودين لشيء واحد بعينه بوجه من الوجوه.
فمن البيّن أنّه لا الحدّ ولا البرهان هما شيء واحد بعينه، ولا أيضاً أحدهما أيّهما كان في أحدهما، وإلّا كانت الأشياء الموضوعة لهما، المرتّبة تحتهما، حالها هذه الحال. فإلى هذا المقدار يكون ما يأتي به من الشكّ في هذه.
٤
〈لا برهان على الماهيّة〉
وأمّا القول ما هو الشيء، أترى قد يوجد عليه قياس أو برهان، أم لا يوجد، كما وضع الآن القول؟ وذلك أنّ القياس قد يبيّن شيئاً على شيء بالمتوسّط، فأمّا معنى ما هو، هو خاصّة ومحمول من طريق ما هو. وهذه قد تلزم ضرورة أن تنعكس بالتساوي: فإنّه إن كانت اَ خاصّة لـ حـَ فمعلوم أنّها خاصّة لـ ٮَ وٮَ خاصّة لـ حـَ، فجميعها إذن خواصّ بعضها لبعض. فإن كانت اَ أيضاً موجودة لجميع ٮَ من طريق ما هو؛ وكانت ٮَ أيضاً بالجملة تقال على كلّ حـَ من طريق ما هو، فقد يلزم ضرورة أن تكون أيضاً مقولة على حـَ من طريق [ما طريق] ما هو. فإن لم يأخذ الإنسان بأن يكرّر بهذا النحو، فليس تكون اَ محمولة على حـَ من طريق ما هو إن كانت اَ موجودة لـ ٮَ من طريق ما هو، ولم يكن على جميع ما يقال عليه ٮَ من طريق ما هو. ومعنى ما هو قد يوجد لكلتيهما؛ فتكون إذاً ٮَ أيضاً على حـَ من طريق ما هو، 〈إذ〉 كان معنى ما هو ومعنى الوجود له موجوداً لكليهما. فيكون معنى ما هو والوجود له موجوداً أوّلاً في الأوسط.
وبالجملة، إن وجد البرهان على ما هو الإنسان: فليكن حـَ الإنسان؛ ولتكن اَ — وهي معنى ما هو — حيواناً ذا رجلين كان ذلك أو كان شيئاً آخر. فإن انقاس هذا، فقد يلزم ضرورة أن تكون اَ محمولة على كلّ ٮَ ويكون هذا قولاً آخر متوسّطاً. فيكون إذاً هذا أيضاً معنى ما هو الإنسان. فإذاً إنّما يأخذ ما يجب أن يبيّنه أخذاً. وذلك أنّ ٮَ أيضاً هي معنى ما هو الإنسان. وقد يجب أن نتأمّل في المقدّمتين جميعاً الحدود الأول غير ذوات الوسط، إذ كان بهذا خاصّة يتبيّن ويظهر ما يقوله. فالذين يثبتون ما هي النفس أو ما هو الإنسان أو ما هو شيء آخر — أيّ شيء كان من الأشياء الموجودة ربّما يرجع بالتساوي — فقد يصادرون على المطلوب الأوّل — مثل أن يوجب الإنسان أنّ النفس هي ما هو علّة الحياة لذاته، وهذا هو عدد محرّك لذاته؛ وذلك أنّه قد يلزم ضرورة أن نصادر على أنّ النفس هي عدد محرّك لذاته. وتكون مصادرته لهذا على أنّه هو هو معنى واحد بعينه. وذلك أن ليس إن كانت اَ لازمة لـ ٮَ، وهذه لـ حـَ، تكون اَ لـ حـَ معنى ما هو والوجود له. لكن إنّما الحقّ أن يقال إنّها موجودة فقط؛ ولا إن كانت اَ في ذلك الشيء ومحمولة أيضاً على كلّ ٮَ. وذلك أنّ ما هو موجود حيواناً قد يحمل على ما هو موجود إنساناً (فإنّه حقّ أن يقال إنّ
كلّ ما هو موجود إنساناً هو موجود حيواناً، كما أنّه كلّ إنسان أيضاً هو حيوان)، ولكن ليس بهذا النحو على أنّهما شيء واحد. فإذاً إن لم تأخذ هكذا لم يقس عليه أنّ اَ موجودة لـ حـَ ما هي والوجود لها ونفس الجوهر. فإن أخذ ذلك فيكون قد أخذ معنى ما هي حـَ والوجود لها أوّلاً. فليس إنّما يتبيّن إذاً بياناً إذ كان ما يصادر على المطلوب الأوّل.
٥
〈الماهيّة لا يمكن أن يبرهن عليها بالقسمة〉
وأيضاً ولا بالطريق التي تكون بالقسمة كما قيل في تحليل الأشكال بالعكس نقيس، إذ كان يلزم ضرورة في وضع من المواضع أن يكون ذلك الأمر موجوداً بوجود أشياء ما. لكن كما أنّه ولا الذي يستقرئ يبيّن بياناً، كذلك ولا الذي يقيس، إذ كانت النتيجة لا يصادر عليها ولا يسلّم أنّها موجودة، لكن إنّما يلزم ضرورة إذا كانت تلك موجودة، فإن لم يصرّح بها ذاك الذي يجيب. 〈فيسأل مثلاً〉: أترى الإنسان هو حيوان أو غير متنفّس، ثمّ يأخذ أنّه حيوان أخذاً وليس يقيس ذلك قياساً. وأيضاً كلّ حيوان إمّا أن يكون ماشياً أو سابحاً؛ ويأخذ أنّه ماشٍ. — والقول بأنّ الإنسان هو هذه الجملة
ليس هو لازماً من الاضطرار للتي قيلت، لكن إنّما يأخذ هذا أخذاً. ولا فرق في ذلك بين أن يكون هذا بأشياء كثيرة أو بأشياء يسيرة، إذ كان المعنى واحداً بعينه. وهذا ليس هو قياساً.
وقد ينتفع به أيضاً الذين يستعملون هذا المأخذ في الأشياء أيضاً التي يمكن أن تنقاس. فما المانع أن يكون حقّاً أن يقال هذه الجملة على الإنسان، إلّا أنّها ليست بمعنى ما هو ولا يدلّ على معنى ما الوجود له بذاته؟ وأيضاً ما المانع من أن يراد شيء ما أو يترك شيء أو يتجاوز الجوهر؟ — فهذه قد تترك وتنقص. غير أنّه قد يمكن أن تصلح بأن يؤخذ الأشياء المحمولة بما هو كلّها ويفعل ما هو لازم في القسمة عندما يصادر على الأوّل ولا يترك 〈أيّ〉 واحد. وهذا قد يلزم ضرورة إن وقع كلّه في القسمة ولا ينقص 〈شيء〉. وهذا يلزم ضرورة، إذ كان قد يجب أن يكون حينئذٍ غير متجزّئ. —
بالقسمة على ما يظنّ فيقول من أجل أنّ الكلّ إمّا أن يكون مائتاً، وإمّا غير مائت. وكلّ قول هذه حاله هو حدّ، إلّا أنّه وإن كان يبيّن بالقسمة غير أنّ الحدّ لا يكون قياساً.
٦
〈لا يمكن البرهنة على الماهيّة بالقياس الشرطيّ〉
أفترى قد يوجد البرهان على ما هو الجوهر عندما يأخد من الأصول الموضوعة أنّ معنى ما هو الشيء والوجود له في ذاته هو الذي من خواصّ تحمل من طريق ما هو، وهذه الأشياء مثلاً هي وحدها فقط من طريق ما هو، والكلّ هو خاصّة؟ فهذه إذاً هي معنى الوجود لذاك. — فنقول: إنّ هذا القول أيضاً قد يأخذ أخذاً معنى ما هو والوجود له بذاته، إذ كان قد يلزم ضرورة أن يبيّن بالمتوسّط.
وأيضاً كما أنّه ولا في القياس يؤخذ ما هو معنى القياس (إذ كانت المقدّمات التي منها يكون القياس هي دائماً كلّاً وجزءاً)، كذلك ولا معنى ما هو والوجود له في ذاته يجب أن يكون في القياس، لكن يكون موجوداً إذا كانت هذه
موضوعة ناحية. ويعاند بهذا من تشكّك وامترى أنّ الذي أتى به هو قياس أوّلاً؛ ويقال إنّه قد كان القياس هذا، فيناقض بذلك القائل بأنّه لم نقس على ما هو الشيء وما الوجود له في ذاته. ويقال: بلى لعمري! وذلك أنّ هذا هو الذي كان موضوعنا أنّ معنى ما هو الشيء والوجود له في نفسه. فإذاً قد يجب أن يقاس الشيء من غير أن يستعمل فيه ما هو القياس أو ما الوجود له في نفسه. — لكن لعلّه أن يبيّن بالشريطة — أعني بالأصل الموضوع، مثال ذلك: إن كان معنى الوجود للشيء هو أنّه للنفس والمختلف، فالمعنى لضدّه هو أنّه لضدّه. وهذا في جميع الأشياء التي يوجد لها شيء مضادّ. فالخير مضادّ للشرّ، والمنقسم للامنقسم. فالوجود إذاً للخير هو أنّه لغير المنقسم. فإنّ هاهنا أيضاً إنّما يبيّن الأمر عندما يأخذ معنى ما هو والوجود له في نفسه، وأن يقتضب شيئاً آخر في البرهان على ما هو الشيء والوجود له في نفسه. ليكن، إذ كان في البرهان أيضاً قد يؤخذ أنّ هذا على هذا. غير أنّه ليس هو هو بعينه، ولا أيضاً ذلك الأمر بعينه الذي القول عليه ومنعكس بالتساوي والشكّ نحو كليهما.
أعني الذي يبيّن بطريق القسمة، والذي يقيس بهذا النحو هو الشكّ واحد بعينه، وهو أن يقال: لم يكن الإنسان حيواناً مشّاءًا ذا رجلين، لا حيواناً ومشّاءاً. وذلك أنّه ليس ولا شيء واحداً من الأشياء المأخوذة يلزم ضرورة أن يكون فيه ذلك المحمول، لكن كما أنّ الإنسان — وهو واحد بعينه — هو موسيقوس وغرماطيقوس.
٧
〈الحدّ لا يمكن أن يبرهن على الماهيّة〉
فعلى أيّ جهة يبيّن الجوهر، عندما يفصّل ويحدّد، معنى ما هو موجود؟ وذلك أن ليس فعله كفعل الذي يبيّن من الأشياء المقرّ بها: أنّها ظاهرة أنّه قد يجب ضرورة إذا كانت تلك موجودة يكون شيء آخر موجوداً، إذ كان هذا هو برهاناً. ولا أيضاً فعله كفعل من يستقرئ الأشياء الجزئيّة، من قبل أنّها ظاهرة، على أنّ جميعها هي على هذه الحال من قبل أنّه ليس يوجد ولا واحد على خلاف ذلك؛ وذلك أنّه ليس إنّما يبيّن ما هو، لكن إمّا أنّه موجود، وإمّا أنّه غير موجود. فأيّ وجه آخر يبقى؟ وذلك أنّه لا سبيل إلى أن يبيّن بالحسّ أو بالإصبع.
وأيضاً فكيف يبيّن معنى ما هو؟ فإنّه قد يلزم الذي يعلم ما هو الإنسان أو شيئاً آخر — أيّ شيء كان — أن يعلم أيضاً أنّه موجود. وذلك أنّ
ما ليس هو موجوداً فليس إنسان من الناس يعلم ما هو. لكن إذا قلت: عنزائيل — قد يعلم على ماذا تدلّ الكلمة والاسم. فأمّا 〈ما〉 هو عنزائيل فلا يمكن أن يعلم.
فإن كان إذاً يبيّن ما هو يبيّن أيضاً بقول واحد بعـ〈ـينه〉 أنّه موجود، وكيف هو، إذ كان الحدّ والبرهان يدلّان على شيء واحد. ومعنى ما هو الإنسان، ومعنى أنّه موجود، مختلفان. وأيضاً إنّما يقول إنّه يلزم أن يبيّن أنّه موجود لكلّ ما هو موجود بالبرهان متى لم يكن الموجود جوهراً. وقولنا الموجود ليس هو جوهراً لشيء من الأشياء، إذ كان الموجود ليس هو جنساً. فالبرهان إذاً يكون على أنّه موجود. وهذا هو الذي تجري عليه الآن العلوم. وذلك أنّ المهندس إنّما يقتضب اقتضاباً على ماذا يدلّ المثلّث، وأمّا أنّه موجود فيبرهن برهاناً. فما الذي يبيّن إذاً الذي بحدّ ما هو، لا المثلّث. فإذا علم الإنسان بالحدّ ما هو، ليس يعلم أنّه موجود، لكن ذلك غير ممكن.
وظاهر أيضاً في ضروب الحدود التي لا يبيّن بها من يحدّ أنّه موجود. وذلك أنّه إن كانت الدائرة شيئاً متساوياً من وسطه، إلّا أنّه ليس يخبر لم هو
كذلك هذا المحدود، ولم صارت الدائرة هذا المعنى. وذلك أنّه لقائل أن يقول إنّ هذا المعنى هو لجبل من نحاس أيضاً؛ فإنّه ليس تعرّف الحدود أنّه قد يمكن أن يوجد ما خبر به. ولا أيضاً أنّ الحدود هي لذلك الشيء الذي عبّروا عنه، لكنّه مطلق دائماً أن يقال لم هو. فإن كان إذاً الذي يحدّ يبيّن بياناً إمّا ما هو، وإمّا على ماذا يدلّ اسمه إن لم يكن أصلاً لما هو قد يكون الحدّ قولاً دلالته دلالة الاسم بعينها. لكن هذا شنع: أمّا أوّلاً فمن قبل أنّه قد يكون لأشياء ليست جواهر ولأشياء ليست موجودة أيضاً. وذلك أنّه لنا أن تدلّ على أشياء ليست موجودة. وأيضاً يكون جميع الكلام حدوداً، إذ كان قد يوضع اسم لأيّ كلمة كانت، فيؤخذ إذن اباجغيا أنّا نلفظ ونتكلّم بالحدود، ويكون إيلياس حدّاً. وأيضاً ولا برهان واحداً يبرهن على أنّ هذا الاسم يدلّ على هذا الشيء. فإذاً ولا الحدود أيضاً تعرف هذا.
فمن هذه الأشياء يظهر أن ليس الحدّ والقياس شيئاً واحداً بعينه، ولا أيضاً القياس والحدّ لشيء واحد بعينه. ومع هذه أنّ الحدّ لا يبيّن بياناً
ولا شيئاً من الأشياء. ولا سبيل أيضاً الى أن يعلم معنى ما هو، لا بالحدّ ولا بالبرهان أيضاً.
٨
〈الصلة بين الحدّ والبرهان〉
وقد يجب أن نبحث من الرأس ما الذي قيل من هذه الأقاويل قولاً حسناً، وما الذي لم يحسن في القول فيه؛ وما هو الحدّ؟ ونبحث: أترى كيف حال ما هو الشيء؟ أيوجد له البرهان أو الحدّ، أو ليس يوجد له البتّة؟ فنقول: إنّه لمّا كان العلم بما هو والعلم بعلّة ما هو هما كما قلنا شيئاً واحداً بعينه، والحجّة في هذا هي أنّه يوجد سبب ما؛ وهذا إمّا أن يكون هو هو بعينه، أو مختلفاً، أو مبرهناً، أو غير مبرهن؛ فإن كان إذن آخر مختلفاً ويمكن أن يبيّن، فقد يلزم أن يكون السبب أوسط وأن يبيّن في الشكل الأوّل، إذ كان الأمر الذي تبيّن هو كلّيّاً وإيجاباً. فالضرب الواحد هو هذا الذي اعتبر الآن: وهو أن يبيّن معنى ما هو بتوسّط شيء آخر. وذلك أنّ الأشياء التي هي ما هو قد يلزم أن يكون الأوسط بينها ما هو والتي
بين الخواصّ خاصّة. فإذاً أمّا أحدهما فيتبيّن؛ وأمّا الآخر من الأشياء التي هي معنى ما هو الشيء والوجود له في نفسه فلا تتبيّن لأمر واحد بعينه.
أمّا أنّ هذا الضرب ليس هو برهاناً — فقد خبّرنا به فيما تقدّم، غير أنّه قياس منطقيّ. وأمّا على أيّ وجه يمكن، فنحن مخبّرون بذلك بأن نعود من الرأس إلى أوّل الأمر، نقول: كما أنّا نطلب لم هو عندما 〈نعرفه، لكن〉 كثيراً ما يظهران جميعاً معاً. إلّا أنّه لا يمكن أن نتعرّف أوّلاً لم هو، قبل أن نتعرّف أنّه موجود؛ وكذلك لا سبيل إلى أن نتعرّف ما هو الشيء والوجود له في نفسه من غير أن نعلم أنّه موجود. وذلك أنّه غير ممكن أن نعلم ما هو إذا لم نكن عارفين بأنّه موجود، فمعنى أنّه موجود قد يحصل لنا أحياناً بطريق العرض، وأحياناً من حيث يوجد معنى شيء من الأمر — مثال ذلك أنّ الرعد صوت ما في السحاب، وأنّ الكسوف فقد ما للنور، وأنّ الإنسان حيوان، وأنّ النفس الشيء المحرّك ذاته. فجميع الأشياء التي
هي استتار أم انقلاب القمر، أم الانطفاء؟ وهذا هو قول أحد الطرفين — مثال ذلك في هذه لـ اَ. وذلك أنّ الكسوف هو الاستتار الكائن عن الأرض. ما هو الرعد؟ — انطفاء النار التي هي في السحاب. لم ترعد؟ — لأنّ النار تنطفئ في السحاب. فليكن السحاب حـَ؛ وليكن الرعد اَ؛ وليكن انطفاء النار ٮَ، فـ ٮَ موجودة لـ حـَ، أي للسحاب. وذلك أنّه قد تنطفئ النار فيه. واَ — وهي الصوت — موجودة لهذه. وٮَ هي قول اَ، وهو الطرف الأوَل. فإن كان يوجد لهذا أيضاً وسط آخر، فقد يكون ذاك من الأقاويل التي هي باقية.
أمّا كيف يوجد معنى ما هو ويكون معلوماً، فقد خبّرنا به؛ فإذاً القياس على ما هو الشيء فلا يكون ولا البرهان أيضاً، غير أنّه قد يكون ظاهراً بالقياس والبرهان. ولذلك لا سبيل إلى أن نعلم معنى ما الشيء من الأشياء التي توجد لها علّة أخرى بلا برهان. ولا أيضاً يوجد البرهان له نفسه، كما خبّرنا في شكوكنا.
٩
〈لا برهان على وجود المبادئ وماهيّتها〉
وقد يوجد لبعض الأشياء علّة هي شيء آخر، ولبعضها لا يوجد. فمن البيّن أنّ الأشياء أيضاً التي لها ما هو: بعضها لا وسط لها وهي
مبادئ، وهذه قد يجب أن يوضع وضعاً أنّها موجودة، وما هي، أو يظهر ويوضح ذلك بنحو آخر. وهذا ما يعمله صاحب العدد. وذلك أنّه يضع وضعاً أنّ 〈الوحدة〉 موجودة، وما هي. وأمّا الأشياء التي لها أوسط والتي قد يوجد فيها للجوهر علّة ما هي شيء آخر، فقد تعرف وتظهر بالبرهان كما قلنا، لا بأنّا نبيّن معنى ما هو.
١٠
〈أنواع الحدّ〉
والحدّ بما يقال إنّه قول ما هو، فمن البيّن أنّ أخذ ذلك هو أن يقال على ماذا يدلّ الاسم أو قول آخر يدخل في باب دلالة الاسم — مثال ذلك: على ماذا يدلّ ما هو المثلّث؟ هذا الذي إذ كان لنا أنّه موجود يطلب لم هو. وذلك أنّه قد يصعب أن نأخذ الأشياء التي لا يعلم أنّها موجودة. وسبب الصعوبة قد خبّرنا به فيما تقدّم من قبل أنّا لا نعلم ولا أنّه موجود أو لا، اللّهمّ إلّا بطريق العرض. والقول يقال إنّه واحد على ضربين: أحدهما بالرباط، بمنزلة إيلياس، والآخر بأن يدلّ بشيء واحد على شيء واحد، لا بطريق العرض. — فأحد الحدود هو هذا الذي قيل الآن. وقد يوجد حدّ آخر وهو قول يعرّف: لم هو الشيء؟ فذلك المتقدّم قد يدلّ دلالة، فأمّا بياناً فلا يبيّن. وهذا الآخر فمن البيّن أنّه كالبرهان على ما هو، وإنّما يخالف البرهان بالوضع. وذلك أنّ بين أن يقال: لم يرعد؟ وبين أن يقال:
ما هو الرعد؟ — فرقاً. وذلك أنّه قد يجيب أمّا في ذاك، فلأنّ النار التي في السحاب تنطفئ؛ وأمّا ما هو الرعد فيجيب عنه بأنّه صوت انطفاء النار في السحاب. فإذن قول واحد بعينه يقال على جهتين مختلفتين. فأمّا في تلك الجهة فبرهان متّصل؛ وأمّا في هذا فتحديد. — وأيضاً حدّ الرعد أنّه صوت في السحاب. وهذا هو نتيجة البرهان على معنى ما هو وحدّ الأشياء التي لا وسط بها هو وضع لمعنى ما هو غير مبرهن.
فأحد أقسام الحدّ إذن هو قول على معنى ما الشيء غير مبرهن؛ والآخر قياس على معنى ما هو، يخالف البرهان بالتصريف؛ والثالت نتيجة البرهان على ما هو.
فقد ظهر ممّا قيل كيف يوجد البرهان على معنى ما هو، وكيف لا يكون، ولأيّ الأشياء يوجد البرهان، ولأيّها لا يوجد؛ وأيضاً على كم ضرب يقال الحدّ؛ وكيف يبيّن معنى ما هو وكيف لا يبيّن ولأيّ الأشياء هو، ولأيّ الأشياء لا؛ وأيضاً كيف حال الحدّ عند البرهان، وكيف يمكن أن يكون، موجوداً لأمر واحد بعينه، وكيف لا يمكن.
١١
〈العلل المختلفة مأخوذة أوساطاً〉
ولمّا كنّا إنّما نظنّ أنّا قد علمنا متى علمنا العلّة، وكانت العلل أربعاً: إحداها: ما معنى الوجود للشيء في نفسه؟ والأخرى:
عندما يكون: أيّ الأشياء يلزم أن يكون هذا الشيء؟ والثالثة: العلّة التي يقال فيها: ما الأوّل الذي حرّك؟ والرابعة: هي التي يقال فيها: نحو ماذا؟ — فإنّ جميع هذه ترى في المتوسّط. — وذلك أنّ العلّة التي يقال فيها إنّ عند وجود هذا الشيء يجب أن يوجد هذا الشيء فإنّها ليست عند أخذ مقدّمة واحدة، لكن عندما هي، أقلّ ما تكون، اثنتان. وهاتان هما شيء كان لهما وسط واحد. فإنّه عندما يوجد هذا واحداً، فالنتيجة موجودة من الاضطرار. وهذا معلوم هكذا أيضاً: لم صارت الزاوية التي في نصف الدائرة قائمة؟ والقائمة هي شيء ما. فلتكن القائمة التي عليها اَ. وليكن نصف القائمتين التي عليها ٮَ. ولتكن الزاوية التي في نصف الدائرة التي عليها حـَ. فالعلّة في أنّ اَ القائمة موجودة لـ حـَ، وهي التي في نصف الدائرة، هي ٮَ. وذلك أنّ هذه مساوية لـ اَ، و حـَ لـ ٮَ نصف القائمتين. فإذا كانت ٮَ — وهي نصف القائمتين — موجودة لـ حـَ، فـ اَ موجودة لـ حـَ، وهذه هي القول بأنّ الزاوية التي في نصف الدائرة قائمة؛ وهذه، وهي معنى ما الوجود للشيء بذاته، هي هي واحد بعينه من قبل أنّه على هذا يدلّ القول. فقد ظهر الأوسط أيضاً أنّه هو العلّة لمعنى وجود الشيء بذاته.
فأمّا القول: لم حارب أهل أثينة الذين حاربوهم؟ فهو أن يقال: ما العلّة في حروب أهل أثينة؟ وهذه من قبل أنّهم كبسوا أهل ساردس مع أراثريا،
وذلك أنّ هذا هو الذي تحرّك أوّلاً. فلتكن الحرب ما عليه اَ؛ ولتكن ٮَ الكبس الذي تقدّم، وليكن أهل أثينة حـَ — فـ ٮَ موجودة لـ حـَ، أعني أنّه كبس أوّلاً أهل أثينة. واَ موجودة لـ ٮَ، وذلك أنّهم قد يحاربون الذين بدأوهم بالجور. فـ اَ إذن موجودة لـ ٮَ، أعني محاربة الذين بدأوا أوّلاً؛ وهذه، وهي ٮَ، موجودة لأهل أثينة، وذلك أنّهم هم الذين بدأوا أوّلاً. فالحدّ الأوسط هاهنا أيضاً هو علّة في الأشياء التي العلّة فيها المحرّك الأوّل.
وأمّا جميع الأشياء التي العلّة لها هي معنى: نحو ماذا؟ — فمثل أن يقال: لم يمشي؟ فيقال: لكيما يصحّ. لم البيت موجود؟ لكيما يحفظ الأثاث. فتلك نحو الصحّة، وهذه نحو الحفظ. ولا فرق بوجه من الوجوه بين أن يقال: لم يجب المشي بعد العشاء؟ أو بين أن يقال: نحو ماذا؟ فليكن المشي بعد العشاء الذي عليه حـَ؛ وليكن: ألّا تطفو الأطعمة الذي عليه ٮَ؛ والصحّة التي عليها اَ. فليوضح أنّ معنى ألّا تطفو الأطعمة في فم المعدة موجود للمشي بعد العشاء، وأنّ هذا هو صحّيّ، فإنّ هذا هو مظنون؛ وألّا تطفو الأطعمة — وهو ٮَ — موجود للمشي، وهو حـَ؛ واَ — وهو أن يصحّ — موجود لهذه. فالعلّة في أن توجد اَ لـ حـَ، وهي
التي من أجله، هي بَ، وهي ألّا تطفو الأطعمة؛ وهذه كأنّها قول لتلك. وذلك أنّ اَ هكذا توفّي القول، ووجودها لـ حـَ من أجل ٮَ من قبل أنّ هذه هي معنى أن يصحّ، أعني أن تكون بهذه الحال. وقد ينبغي أن نبدّل الكلام؛ فيكون بهذا النحو تظهر واحدة واحدة. والأكوان هاهنا حالها عكس حالها في العلل التي على طريق الحركات. وذلك أنّ هنالك ينبغي أن يكون الأوسط أوّلاً. وأمّا هاهنا فالأوّل هو الثالث الأخير، وآخر ذلك الشيء الذي نحوه.
وقد يمكن أن يكون شيء واحد هو نحو ماذا ومن الاضطرار — مثال ذلك نفوذ الضوء في المصباح. وذلك أنّ نفوذ الشيء اللطيف الأجزاء بتوسّط منافذ هي أكبر هو من الضرورة إن كان الضوء يكون بالنفوذ، وهو نحو ماذا، أي كيما لا يتغيّر. فليت شعري إن كان وجودها ممكناً فقد يمكن أن يكون أيضاً — مثل أنّه إن أرعد عندما تنطفئ النار انتشّ من اضطرار، ويكون لها صوت؛ وإن كان كما تقول شيعة فوثاغورس إنّ ذلك يكون لتهديد الذين في طرطاروس كيما يفزعوا. وأمثال هذه كثيرة جدّاً، وخاصّة
هي معاً في الأشياء التي قوامها ووجودها بالطبيعة. وذلك أنّ الطبيعة تفعل من أجل شيء، وهذا من الاضطرار. — فإنّ الضرورة تقال على مرّتين: إحداهما الطبيعة والقوّة، والأخرى قسراً أو خارجاً عن القوّة — بمنزلة حركة الحجر إلى فوق وإلى أسفل أيضاً، لكن ليس ذلك بضرورة واحدة.
فأمّا الأشياء التي تكون بالرويّة والذهن بعضها ليس يكون عن تلقاء نفسه أصلاً — مثال ذلك البيت أو التمثال، ولا أيضاً من الاضطرار، لكن من أجل شيء؛ وبعضها يكون بالاتّفاق — مثال ذلك الصحّة والسلامة، وخاصّة في جميع الأشياء التي يمكن فيها أن يكون هكذا، وعلى جهة أخرى أيضاً متى لم يكن كونها عن البخت.
فالكمال إذاً أو الخير يكون على أنّه لشيء إمّا بالطبيعة وإمّا بالصناعة. فأمّا عن البخت والاتّفاق فولا شيء يكون من أجل شيء.
١٢
〈معيّة العلّة والمعلول〉
والعلّة للأشياء التي تكون والتي هي مزمعة بالكون — مثال ذلك: لم كان الكسوف؟ — من قبل أنّه قد كانت الأرض في الوسط؛ ولم هو مزمع بأن يكون؟ — من قبل أنّها مزمعة أن تكون في الوسط، وهو موجود من قبل أنّها موجودة؛ ما الجليد؟ وليؤخذ أنّه ما 〈هو〉 جامد؛ — فليكن الماء الذي عليه حـَ، وأنّه جليد ما عليه اَ؛ ولتكن العلّة — وهي الأوسط — وهي ما عليه ٮَ فقد الحرارة التامّ، فـ ٮَ موجودة لـ حـَ ولهذا معنى الجمود وهي التي عليها اَ؛ فيكون الجليد عند〈ما〉 تكون ٮَ؛ وقد كان عندما قد كانت، وهو مزمع بأن يكون عندما تكون مزمعة؛ — فالعلّة التي على هذا النحو والشيء الذي العلّة عليه يتكوّن عندما يتكوّن معاً، وموجود متى كانت موجودة. وكذلك في باب ما أنّه قد كان ومزمع أن يكون.
فأمّا في الأشياء التي ليست معاً أترى هي موجودة في الزمان المتّصل، كما يظنّ أنّ أشياء أخر هي علل لأشياء أخر، وهذه هي العلّة لأن قد كان الشيء، بأن قد كان شيء آخر، وأنّها علّة لمزمع أن يكون شيء آخر مزمعاً، وهي أيضاً لمعنى أنّه يتكوّن من قبل؟ فالقياس هو موجود من الأخير متى كان (ومبدأ هذه أيضاً هي الأشياء التي قد كانت، ولهذا السبب هي في الأشياء التي تتكوّن على هذا المثال).
وأمّا من الذي هو أكثر تقدّماً فليس يكون (مثال ذلك أنّ هذا الأخير يتكوّن من قبل أنّ هذا قد كان، وكذلك فيما هو مزمع أن يكون): وذلك أنّه ليس هو مزمعاً بأن يكون لا بأن يكون الزمان محدوداً، ولا بأن يكون غير محدود مزمعاً أن يكون، حتّى يكون من أجل أنّ القول بأنّه قد كان هذا هو صادقاً يكون القول بأنّه قد كان الأخير صادقاً: وذلك أنّ في الزمان الذي في الوسط يكون القول بأنّ هذا قد كان وفرغ، عندما قد كان ذاك الآخر، كذباً. وهذا القول بعينه فيما هو مزمع أن يكون: فإنّه ليس من أجل أنّ هذا قد كان يكون هذا مزمعاً بأن يكون، وذلك أنّ الأوسط قد يجب أن يكون متساوياً في الكون: أمّا للأشياء التي قد كانت أنّه قد كان، وللأشياء التي هي مزمعة بأن تكون بأنّه مزمع بأن يكون، وللتي تكون أن يكون،
وللأشياء التي هي موجودة أنّها موجودة. فأمّا ما يكون كوناً وما هو مزمع بأن يكون، فلا يمكن أن يكون متساوياً في الكون. وأيضاً الزمان الذي في الوسط ليس يمكن أن يكون لا محدوداً ولا غير محدود. وذلك أنّ القول بأنّ الوسط موجود، كذب. — فقد يجب أن نبحث ما الذي يربط ويصل حتّى يكون معنى أنّه يكون موجوداً في الأمور، بعد معنى قد كان. فنقول إنّه من البيّن أنّه ليس معنى أنّه يكون مضامّاً تابعاً للذي قد كان، وذلك أنّه ولا معنى قد كان أيضاً مضامّاً تالياً لمعنى قد كان، إذ كانا طرفين وغير متجزّئين: فكما أنّه ولا النقط أيضاً يتلو بعضها بعضاً، فولا التي قد كانت أيضاً، إذ كان كلا الأمرين غير متجزّئ. ولا أيضاً الذي يكون تالياً للذي قد كان، لهذا السبب بعينه، وذلك أنّ الذي يكون هو متجزّئ، وأمّا معنى قد كان فغير متجزّئ. فكما للخطوط عند النقطة، كذلك لمعنى يكون، عند معنى قد كان. وذلك أنّه قد يوجد فيما يكون معاني أنّها قد كانت بلا نهاية. فقد يجب أن نتكلّم في هذه كلاماً أوضح في أقاويلنا التي نأتي بها بالكلّيّة في الحركة.
أمّا كيف يكون حال الأوسط الذي هو علّة إذا كان الكون على التتالي، فهذا مبلغ ما نقتضب فيه. وذلك أنّه قد يجب في هذه أيضاً أن يكون الأوسط والأوّل غير ذوات أوساط — مثال ذلك: اَ قد كانت من قبل أنّ حـَ قد كانت؛ وأخيراً كانت حـّ، وأمّا أوّلاً فـ اَ؛ وحـَ هي مبدأ من قبل أنّها أقرب من الآن الذي هو مبدأ الزمان. وحـَ كانت، إن كانت ىَ كانت. فعندما قد كانت ىَ، قد يلزم ضرورة أن تكون قد كانت اَ. والكلمة هي حـَ، وذلك أنّه عندما قد كان ىَ يلزم أن يكون قد كانت حـَ؛ وعندما قد كانت حـَ، يلزم أن تكون اَ قد كانت أوّلاً. — فإذا ما أخذت الأوسط هكذا ينتهي ويقف في موضع عندما الأوسط له، وإلّا قد يقع دائماً في الوسط من قبل لا نهاية. وذلك أنّه لا شيء كان متّصلاً بما قد كان. فما قلنا غير أنّه قد يلزم أن يبتدئ من الوسط ومن الذي هو أوّل الآن. — وكذلك فيما هو مزمع أن يكون. وذلك أنّه إن كان القول بأنّ ىَ مزمعة بأن تكون، حقّاً، فقد يلزم أن يكون القول بأنّ اَ مزمعة بأن تكون أوّلاً، حقّاً، وعلّة هذه هي حـَ؛ فإنّه إن كانت ىَ مزمعة بأن تكون، فـ حـَ مزمعة بأن تكون أوّلاً؛ فإن كانت حـَ مزمعة بأن تكون، فتكون اَ هي مزمعة بأن تكون أوّلاً. — وعلى هذا المثال القطع في هذه أيضاً بلا نهاية، وذلك أنّه لا شيء من الأشياء التي هي مزمعة
بأن تكون تتلو أو تضامّ بعضها بعضاً. والمبدأ في هذه أيضاً ينبغي أنّه يؤخذ بلا وسط. ومعنى هذا في الأعمال والأفعال أنفسها هو هكذا: إن كان البيت قد كان، فيلزم ضرورة أن يكون قد نحتت الحجارة. وقد كان هذا من أجل ماذا؟ نقول إنّه من أجل أنّه يلزم أن يكون الأساس قد كان أوّلاً إن كان البيت قد كان. وإن كان الأساس فيلزم ضرورة أن تكون الحجارة قد كانت أوّلاً ومن الرأس، إن كان البيت مزمعاً بأن يكون. كذلك قد تكون الحجارة هي أوّلاً مزمعة بأن تكون. وقد نرى ونتبيّن في الأوسط على مثال واحد، وذلك أنّ الأساس قد يكون مزمعاً بأن يكون أوّلاً.
ولمّا كنّا قد نرى في الأشياء التي تكون، قد يوجد كون ما دوراً، فهذا إنّما يمكن أن يكون إن كان الوسط والطرفان يتبع بعضها بعضاً، وذلك أنّه في هذه يكون العكس بالتساوي. وقد تبيّن هذا في تلك الأوّل، أعني أنّ
النتائج قد ترجع بالتساوي؛ فإنّ معنى الدور هو هذا. فأمّا في الفعل والعمل فقد يظهر هذا هكذا: يقول إنّه: إذا كانت الأرض نديّة، فقد يلزم أن يتوّلد بخار وهو السحاب. وإذا تولّد هذا أن يتولّد الماء؛ وإذا تولّد الماء أن تندى الأرض؛ وهذا هو الذي كان أوّلاً. فإذاً قد دار دوراً، وذلك أنّه عندما يكون الواحد من هذه الأشياء موجوداً — أيّها كان — يكون الآخر موجوداً؛ وعندما يكون ذلك، يكون الآخر؛ وعندما يكون هذا، يكون الأوّل موجوداً.
وقد يوجد بعض الأشياء كونها على طريق الكلّيّة (وذلك أنّه دائم وعلى الكلّ إمّا أن تكون موجودة هكذا، وإمّا أن تتكوّن)؛ وقد توجد أشياء ليست دائماً، غير أنّها في أكثر الأمر — مثال ذلك: ليس كلّ ذكر من الناس ينبت الشعر في ذقنه، لكن في الأكثر. فالأوسط لأمثال هذه قد يلزم أن يكون في أكثر الأمر. وذلك أنّه إن كانت اَ محمولة على ٮَ على طريق الكلّيّة، وهذه على حـَ على طريق الكلّيّة، فقد يلزم أن تكون اَ
محمولة على حـَ دائماً وعلى الكلّ، إذ كان هذا هو القول على طريق الكلّيّ، وهو أن يكون على الكلّ ودائماً؛ لكن قد وضع أنّه في أكثر الأمر. فقد يلزم إذن أن يكون الأوسط — وهو الذي عليه ٮَ — في أكثر الأمر. فتكون إذاً المبادئ غير ذوات أوساط للأشياء التي في أكثر الأمر: جميع الأشياء التي هي في أكثر الأمر إمّا موجودة هكذا، وإمّا متكوّنة.
١٣
〈حدّ الجوهر بطريق التركيب — استعمال القسمة〉
أمّا كيف يوفّي معنى ما هو، وعلى أيّ نحو يوجد له برهان أو حدّ، أو ليس يوجد له؟ — فذلك قد قلناه فيما تقدّم. فلنقل الآن كيف يجب أن نتصيّد الأشياء المحمولة من طريق ما هو. فنقول: إنّ الأشياء الموجودة دائماً لكلّ واحد منها ما يفضل عليه وهي أكثر منه، غير أنّها لا تخرج عن جنسه (وأعني بقولي «إنّها تفضل عليه وهي أكثر منه» جميع الأشياء الموجودة لكلّ واحد من الأشياء على الكلّ، وهي موجودة أيضاً لآخر غيره). مثال ذلك: قد يوجد شيء موجود لكلّ ثلاثيّة، إلّا أنّه موجود أيضاً لما ليس هو ثلاثيّة (بمنزلة معنى الموجود فإنّه قد يوجد للثلاثيّة، إلّا أنّه قد يوجد أيضاً لما ليس هو عدداً)، ومعنى الفرد أيضاً موجود لكلّ ثلاثيّة، ووجوده أكثر (وذلك أنّه موجود للخماسيّة أيضاً)، غير أنّه ليس يخرج عن جنسها. فإنّ الخماسيّة هي عدد، وليس يخرج معنى
الفرد عن العدد. فينبغي أن نتخيّر أمثال هذه إلى أن ننتهي في تخيّرها إلى مقدار ما يكون كلّ واحد منها وجوده أكثر وتكون جميعها ليست بأكثر. وذلك أنّ هذا قد يلزم ضرورة أن يكون جوهر الأمر — مثال ذلك معنى العدد، ومعنى الفرد. ومعنى الأوّل على ضربي الأوّل موجود لكلّ ثلاثيّة. وأعني بضربي الأوّل أنّه لا يعدّه عدد، وأنّه ليس هو مركّباً من الأعداد. فالثلاثيّة إذاً هي هذا الشيء: أعني عدداً فرداً أوّل، وبهذه الحال أوّل. وذلك أنّ كلّ واحد من ذينك المعنيين موجد لجميع الأفراد، وهذا الأخير موجود للثنائيّة أيضاً. فأمّا جميعها فليست موجودة ولا لواحد.
فإن كان قد علم ممّا أتينا به فوق أنّ الأشياء المحمولة من طريق ما هو، هي ضروريّة، وكانت الضروريّة هي كلّيّة، وكانت الأشياء المقتضبة بهذه الحال هي موجودة للثلاثيّة بشيء آخر من طريق ما هو، فمن الاضطرار أن تكون الثلاثيّة هي هذه. — فأمّا أنّها جوهر فمعلوم من هذا المعنى، وهو أنّه
قد يلزم ضرورة إن لم تكن هذه معنى الوجود للثلاثيّة، فتكون كجنس ما: إمّا مسمّى؛ وإمّا غير مسمّى. فيكون إذاً موجوداً لأكثر من الثلاثيّة: فليوضح أنّ الجنس هو هذا، أعني أنّه موجود بالقوّة لأكثر؛ فإن كان هذا ليس موجوداً ولا لشيء آخر إلّا للثلاثيّات غير المتجزّئة، فقد يكون هذا هو معنى الوجود للثلاثيّة. وذلك أنّا نضع أيضاً أنّ جوهر كلّ واحد هو المقولة الأخيرة التي بعد غير المتجزّئة التي هي بهذه الحال. وكذلك إذاً تكون الأشياء التي تبيّن من أمرها أنّها هكذا لشيء آخر — أيّ شيء كان — هي الوجود له وما هو.
وقد ينبغي، متى قصد الإنسان إلى تحديد جملة ما وكلّ، أن يقسم الجنس إلى غير المتجزّئة الأوّل بالنوع — مثال ذلك أن يقسم العدد إلى الثلاثيّة والثنائيّة؛ ثمّ يلتمس أن يأخذ حدود هذين ونظائرهما — مثال ذلك حدّ الخطّ
المستقيم، وحدّ الدائرة، وحدّ الزاوية القائمة. ثمّ بعد ذلك إذا ما أخذ أيّما هو جنسه — مثال ذلك: أترى هو من الكمّيّات أو من الكيفيّات؟ فلننظر إلى لوازمه الخاصّيّة بتلك الأمور العامّيّة أوّلاً. وذلك أنّ التي هي لازمة للأشياء المركّبة من غير المتجزّئة تكون معلومة من الحدود من قبل أنّ الحدّ والبسيط هو مبدأ الكلّ؛ والأشياء اللازمة إنّما هي موجودة بذاتها للبسائط وحدها فقط، وأمّا وجودها لتلك الأخر فإنّما هو من أجل هذه.
وأمّا القسمة بالفصول فقد ينتفع بها في الإمعان على هذا النحو. وأمّا كيف يبيّنون، فقد قيل فيما تقدّم. وقد تكون نافعة بهذا الوجه فقط: أعني في أن تقاس على ما هو. على أنّه قد يظنّ أن ليس هذا شيئاً غير الاقتضاب دفعة، كما أنّه لو كان الإنسان يقتضب من أوّل وهلة من غير قسمة.
وفي أنّه أيّما ينبغي أن يحمل الأوّل، وأيّما أخيراً من الأشياء المحمولة — خلاف وفرق. مثال ذلك بين أن يقال: حيوان آنس ذو رجلين، وأن يقال: ذو رجلين حيوان آنس — فرق. وذلك أنّه إن كان الكلّ هو من شيئين، وكان معنى الحيوان الآنس واحداً، وأيضاً من هذا ومن الفصل الإنسان أو أيّ شيء كان إذا صار واحداً، فقد يلزم ضرورة أن يكون عندما ينقسم يصادر. — وأيضاً في ألّا ينزل ولا ينقص ولا واحد من طريق ما هو، فهكذا فقط يمكن. وذلك أنّه إذا ما أخذ الجنس الأوّل فإنّ هو اقتضب بعض الأشياء من الأشياء التي عن القسمة السفلى فإنّه
لا يقع الكلّ في هذه — مثال ذلك: ليس كلّ حيوان إمّا أن يكون متّصل الأجنحة أو متفرّق الأجنحة، لكن كلّ حيوان طائر، وذلك أنّ هذا الفصل إنّما هو لهذا. وأمّا فصل الجنس الأوّل فهو الذي يقع للجنس كلّه. وكذلك فصل كلّ أحد من تلك الأخر، وفصول الأجناس التي من خارج والتي تحتها — مثال ذلك: فصول الطائر: ما كلّ طائر له، وفصول السمك: ما كلّ سمك له. فإنّك إذا سلكت هذا المسلك، فلك أن تعلم أنّك لم تبق ولم تنقص شيئاً. وأمّا على جهة أخرى فقد يلزم أن ينزل وينقص وألّا يعلم.
وليس تدعو الحاجة بوجه من الوجوه المقسّم والمحدّد إلى أن يعلم جميع الموجودات. هذا على أنّه قد يقول بعض الناس إنّه غير ممكن أن يعلم الفصل الذي لكلّ واحد إن لم يعلم كلّ واحد، وأنّه من غير العلم بالفصول لا سبيل إلى أن يعلم كلّ واحد. وذلك أنّ ما ليس هو مخالفاً له هو واحد عند هذا، وما بينه وبينه خلاف هو آخر غير هذا. فنقول: أمّا أوّلاً فهذا كذب، وذلك أنّه ليس هو لكلّ فصل آخر مخالفاً، إذ كان قد توجد فصول كثيرة لأشياء هي واحدة بأعيانها في النوع، لكن ليس في الجوهر ولا بالذات. وأمّا بعد، فإنّه عندما يأخذ في الفصول المتقابلات وأنّ الكلّ يقع هاهنا أو هاهنا، ويأخذ أنّ المطلوب في واحد من كليهما ويكون عالماً بهذا. ولا فرق في أن يعلم أو لا يعلم الأشياء التي تحمل عليها فصول أشياء أخر. وذلك أنّه من البيّن الظاهر أنّه إن كان عندما يأخذ هذا المأخذ يصير إلى الأشياء التي ليس يوجد فيها أيضاً فصل، قد يكون مقتنياً لقول الجوهر.
فأمّا القول بأنّه يقع الكلّ في القسمة إن كانت الفصول المتقابلة من التي ليس فيها متوسّط، فليس هو مصادرة، وذلك أنّه قد يلزم ضرورة أن يكون موجوداً في أحدها إن كان فصلاً لذاك.
فأمّا في إثبات الحدّ بالقسمة فقد يجب أن ينحو نحو هذه الثلاثة، وهي أن تؤخذ الأشياء المحمولة من طريق ما هو وأن يرتّب في هذه أيّما هو الأوّل والثاني وأنّ جميعها هي هذه. — فالأولى من هذه من قبل أنّه قد يمكن كما يقاس في العرض أنّه موجود أو أن يثبت الجنس. — وأمّا الترتيب على ما ينبغي فقد يكون إن أخذ الأوّل. وهذا يكون إن اقتضب ما هو لازم لجميعها. وأمّا لهذا فليس كلّها، وذلك أنّه قد يوجد من الاضطرار شيء مثل هذا. فإذا أخذ هذا فبالأشياء التي تحت، يكون هذا النحو بعينه. وذلك أنّه يكون الثاني الأمر الذي هو للأشياء الأخر الباقية أوّلاً، والثالث هو الذي للأشياء التي تتبع. وذلك أنّه إذا ارتفع ذلك الذي فوق، فالأمر الذي يتلوه يكون أوّلاً للباقية، كذلك في تلك الأخر الباقية. — فأمّا أنّ جميعها هي هذه فيتبيّن من أخذ الشيء الأوّل من القسمة، وأنّ الكلّ إمّا أن يكون حيواناً فلانيّاً أو حيواناً فلانيّاً
〈آخر〉، والحيوان الفلانيّ موجود؛ وأنّ الفصل أيضاً هو لهذا كلّه، وأنّه ليس يوجد لذلك الآخر فصل، أو أنّه أيضاً مع الفصل الأخير لا فرق بينه وبين جملة الكلّ في النوع. وذلك أنّه ظاهر أنّه لم يرد فيوضع شيء فصل، إذ كانت كلّها مأخوذة من طريق ما هو ولم ينقص ويحلّل لشيء من هذه ولا واحد. وذلك أنّه إمّا أن يكون جنس، وإمّا أن يكون فصل. فالجنس هو الأوّل، وهو المأخوذ مع الفصول معاً، والفصول هي جميعاً لازمة، فلا يكون حينئذٍ شيء هو أشدّ تأخّراً؛ وإلّا فقد كان يكون شيء آخر مخالفاً بالنوع. وهذا قد قيل إنّه غير مخالف.
وقد يجب أن يكون طلبك عندما تتأمّل المشابهة غير المختلفة، أمّا أوّلاً: فما الشيء الذي هو موجود لجميعها واحداً بعينه؟ ثمّ تطلب من الرأس في الأشياء الأخر التي هي، وتلك في جنس واحد بعينه، وتلك هي بعضها عند بعض واحدة بعينها في النوع وهي أشياء أخر غير تلك. فإذا أخذ في هذه ما هو موجود في جميعها
واحداً بعينه وفي أشياء أخر على هذا المثال، فقد ينبغي أن يبحث من الرأس في الأشياء المأخوذة إن كان واحداً بعينه، ويكون البحث إلى أن ينتهي إلى قول واحد، وذلك أنّ هذا هو حدّ الأمر. فإن كنت إذا سلكت لا تصير إلى واحد، لكن إلى اثنين أو إلى ثلاثة، فمن البيّن أنّه لا يمكن أن يكون المطلوب واحداً، لكن أكثر من واحد. وأعني بهذا ما أنا واصفه:
وهو أنّه إن كان طلبنا ما هو كبر النفس فقد يجب أن نتأمّل وننظر في الأنواع التي هي كبيرة الأنفس التي نحن عارفون بها: ما المعنى الواحد الموجود لكلّها من طريق ما هي بهذه الصفة — مثال ذلك إن كان ألقيبيادس كبير النفس أو أخيلوس أو آيس، أن يبحث ما الأمر الموجود الذي هو واحد لجميعهم، فهم أنّهم لم يحتملوا الضيم إذ كان واحد منهم حارب، والآخر حقد، والآخر قتل نفسه. ثمّ يبيّن هذا من الرأس في قوم أخر — مثال ذلك في لوساندروس أو في سقراط، فنجد معناه أنّهم لم يتغيّروا عندما ينجح بحثهم أو يكدي. فإذا أخذت هذين المعنيين فأثبت ما الذي يوجد واحداً بعينه لغير قبول التأثير من الاتّفاق ولفقد الصبر على الامتهان. فإن لم يوجد ولا واحد، فيكون لكبر النفس نوعان قائمان. وكلّ حدّ هو أبداً كلّيّ؛ وذلك أنّ الطبيب ليس يخبر بشفاء هذه العين، لكن للكلّ، أو عندما يفصل بالنوع.
وتحديد الأوحاد أسهل من تحديد الكلّيّ. ولهذا السبب فإنّما ينبغي أن ننتقل من الأشياء الجزئيّة والأوحاد إلى الأشياء الكلّيّة. وذلك أنّ اشتراك الاسم يضلّل في الأشياء الكلّيّة أكثر ممّا يضلّل في الأشياء الغير مختلفة. وكما أنّ في البراهين قد يجب أن يكون معنى القياس موجوداً، كذلك يجب أن يكون في الحدود الظهور أيضاً. وهذا يكون متى حدّد في واحد واحد من الأجناس بالأشياء التي في الجزئيّة التي خبّر بها (مثال ذلك أن يرى لا لكلّ شبيهاً، لكن للذي في الألوان أو في الشكل، وللحادّ الذي في الصوت)، وبهذا المأخذ يسلك إلى العامّ من حيث يحترس ألّا يتلقّانا اشتراك الاسم فنقع فيه.
فإن لم يجب أن يستعمل الاستعارة والتشبيه عند المناظرة والكلام، فمن البيّن أنّه ليس يجب أن يستعمل في التحديد لا استعارة الأسماء والتشبيه،
ولا أيضاً ينبغي أن يستعمل فيها جميع الأشياء التي تقال على طريق الاستعارة والتشبيه. وذلك أنّه قد يلزم ضرورة أن يستعمل الاستعارة والتشبيه في باب المناظرة.
١٤
〈تحديد الأجناس〉
وقد يجب في الإخبار عن المسائل والمطالب أن يكون عندنا أمر التشريح والقسمة ونجري فيها هذا المجرى؛ وهو أن نضع الجنس العامّ لجميعها — مثال 〈ذلك〉 إن كانت الأشياء التي النظر فيها حيوانات، فقد يجب أن ننظر أيّ الأشياء موجودة لجميع الحيوانات. فإذا أخذت هذه ننظر من الرأس: أيّ الأشياء هي اللازمة للأوّل كلّه من الباقية — مثال ذلك إن كان هذا طيراً فيجب أن نطلب الأشياء التي هي لازمة لجميع الطير. وهكذا دائماً نأخذ الأقرب حدّاً، فإنّه من البيّن أن يحصل لنا حينئذٍ أنّا نخبر لأيّ سبب توجد الأشياء اللازمة للأمور التي تحت ذلك العامّ — مثال ذلك لأيّ سبب يوجد للإنسان أو الفرس. فليكن الحيوان الذي عليه اَ، ولتكن ٮَ الأشياء اللازمة لجميع الحيوان، وليكن الذي عليه حـَ الحيوانات الجزئيّة. فهو بيّن إذاً لم يوجد ىَ لـ حـَ، فإنّها توجد من أجل اَ، وكذلك لتلك الأشياء الأخر.
وهذا القول بعينه في الأشياء المرتّبة يجب دائماً. أمّا الآن فإنّما مخاطبتنا وكلامنا بحسب الأشياء العامّيّة التي تأدّت إلينا. وقد يجب أن نبحث لا في هذه فقط، لكن وإن كان شيء آخر يظهر أنّه موجود عامّ بأن نأخذ هذا والأشياء التي يتبعها هذا والأشياء التي هي لازمة لهذا — مثال ذلك أنّ الأشياء اللازمة للحيوانات ذوات القرون هي أنّ لها كرشاً وأنّه ليس لها الأسنان العليا. ثمّ نأخذ من الرأس لأيّ الأشياء تلزم القرون. وذلك أنّه بيّن لأيّ سبب وجد لتلك الأمر الموصوف، فإنّه إنّما يوجد لها من أجل أنّ لها قروناً.
وأيضاً قد يوجد نحو آخر من التخيّر والالتقاط، وهو ما يقال على طريق التناسب. وذلك أنّه إن لم يوجد سبيل إلى أخد شيء واحد بعينه ممّا يجب أن نسمّيه صدفة وشوكاً وعظماً، غير أنّه قد يكون عندنا الأشياء اللازمة لهذه أيضاً، كأنّ الشيء الذي هو مثل هذا هو طبيعة واحدة.
١٥
〈اتّحاد الأوسط في مسائل عديدة〉
وقد تكون المسائل واحدة بأعيانها: أمّا بعضها فبأن يؤخذ لها أوسط واحد بعينه مثال ذلك لجميعها الرجوع على طريق التقابل. — وبعض
هذه هي واحدة بعينها في الجنس، وهي جميع الأشياء التي توجد لها فصول من طريق أنّها لأشياء أخر أو على جهات مختلفة، مثال ذلك: لم يحدث الصدى؟ ولأيّ السبب يرى فيها؟ ولأيّ سبب تكون في السحاب قوس؟ وذلك أنّ جميع هذه هي مسئلة واحدة بعينها في الجنس، إذ كان جميعها إنّما هي الانعطاف والانكسار أو هي في النوع مختلفة.
وبعض المسائل قد يختلف من قبل أنّه يوجد فيها أوسط تحت أوسط — مثال ذلك: لم صار النيل يكون جريه عند المحاق أكثر؟ — لأنّ الشهر عند المحاق أدخل في باب الشتاء. ولم صار أدخل في باب الشتاء؟ — لأنّ القمر ينقص نوره. فأمّا هذه فحالها بعضها عند بعض هذه الحال.
١٦
〈الصلة بين العلّة والمعلول〉
وأمّا في العلّة، والشيء الذي العلّة علّته، والشيء الذي العلّة له، فقد يتشكّك الإنسان فيقول: أترى متى وجد المعلول فالعلّة أيضاً موجودة —
لـ هـَ، إذ كان كلّ ما ينثر ورقه عريض الورق؛ والعلّة هي هـَ، وهي أن ينثر ورقه. — فإن لم يمكن أن تكونا علّتين بعضهما لبعض (إذ كانت العلّة أقدم ممّا هي علّته، وكان وجود الأرض في الوسط هي العلّة في أن تنكسف، ولم يكن الكسوف العلّة في وجود الأرض في الوسط)، فإن كان البرهان الكائن بالعلّة هو برهاناً على «لم هو»، وأمّا ما لم يكن بالعلّة فهو برهان على «أُنّه»، فإنّه إذا علم أنّها في الوسط فقد علم أُنّها ولم يعلم لم هي. فأمّا أن ليس كسوفه علّة وجود الأرض في الوسط، بل وجود الأرض في الوسط هي العلّة في الكسوف، فذلك بيّن ظاهر، إذ كان وجود الأرض في الوسط مأخوذاً في قول الكسوف. فهو إذاً بيّن أنّ بهذا يعلم ذاك، لا هذا بذاك.
أو يمكن أن يكون الشيء واحداً بعينه 〈وله〉 علل كثيرة؟ وذلك أنّه وإن كان قد يحمل شيء واحد بعينه على أشياء كثيرة أو لا: فليكن اَ
(الحيوان) أنّها موجودة أو لا (أي بلا توسّط) لـ ٮَ (الناطق) و لـ حـَ (غير الناطق) وليكن هذان موجودين لـ ىَ (للإنسان) وهَ (الغراب). فـ اَ إذن موجودة لـ ىَ هـَ. والعلّة أمّا لـ ىَ فـ ٮَ؛ وأمّا لـ هـَ فـ حـَ. فلذلك عندما تكون العلّة موجودة قد يلزم أن يكون الأمر موجوداً. وإذا كان الأمر موجوداً، فليس من الاضطرار أن يكون كلّ ما هو علّة أيّ شيء كان، لكن أن تكون علّة، غير أنّه ليس كلّاً.
فنقول إنّ المسئلة دائماً هي كلّيّة، والعلّة هي كلّ ما، والأمر الذي العلّة علّته هو كلّيّ — مثال ذلك أنّ انتثار الورق هو موجود على الانفراد لكلّ ما، وإن كان له أنواع. وهو موجود لهذه على طريق الكلّيّة: إمّا للنبات، وإمّا لهذا النبات. فالأوسط إذن والأمر الذي العلّة علّته في هذه قد يجب أن يكونا متساويين وبنعكسا بالتساوي — مثال ذلك: لم صار الشجر ينثر ورقه؟ — إن كان ذلك لانعقاد الرطوبة، فقد يجب إن نثرت الشجرة
ورقها أن يوجد انعقاد الرطوبة؛ وإن وجد الانعقاد لا لكلّ ما اتّفق، لكن للشجر الذي ينثر ورقه.
١٧
〈هل يمكن العلل المختلفة أن تنتج معلولاً واحداً〉
فليت شعري: قد يمكن أن تكون لشيء واحد بعينه في الكلّ لا علّة واحدة بعينها، لكن علل مختلفة، أم لا يمكن؟ فنقول في جواب ذلك إنّه إن كان قد تبيّن من أمر العلّة أنّها بذاتها لا على طريق العلامة وبطريق العرض فذلك ممّا لا يمكن، وذلك أنّ الأوسط هو قول الطرف؛ وإن لم يكن هكذا فقد يمكن.
ويجوز أن نبحث عن الأمر الذي العلّة علّته، وعن الأمر الذي العلّة له على طريق العرض؛ وليس يظنّ بهذه أنّها مسائل. وإلّا كان يوجد لها الأوسط على مثال واحد إن كانت متّفقة أسماؤها، فالأوسط لها اسم مشترك؛ وإن كان على طريق الجنس، فهو لها على مثال واحد. مثال ذلك: لم صارت إذا بدّلت هي أيضاً متناسبة؟ وذلك أنّ العلل في ذلك في الخطوط والأعداد هي مختلفة وهي واحدة بعينها: وذلك أنّ بما هي خطوط هي مختلفة.
وأمّا من طريق ما يتزيّد هذا الضرب من التزيّد فهي على هذا النحو واحدة بعينها في جميعها.
وأمّا العلّة في أن يكون اللون يشبه اللون فهي غير العلّة في أن يكون الشكل يشبه الشكل؛ وذلك أنّ الشبيه في هذه هو اسم مشترك. فإنّ الشبيه أمّا في الأشكال فلعلّة هو أن تكون أضلاع متناسبة وزواياه متساوية، وأمّا في الألوان فبأن يكون الجنس واحداً أو شيئاً آخر مثل هذا.
والأشياء التي هي بالتناسب واحدة بأعيانها فالأوسط موجود لها أيضاً على طريق التناسب. فأمّا في العلّة والأمر الذي العلّة علّته، والأمر الذي العلّة له هي لازمة بعضها بعضاً، فالحال فيها هذه الحال، وهي أنّك إن أنت أخذت الشيء الذي العلّة علّته في الجزئيّة فهو أكثر (مثال ذلك أن تكون زواياه الخارجة مساوية لأربع قوائم هي أزيد ممّا المثلّث والمربّع)، فأمّا إذا أخذت جميعها فهي بالتساوي (وذلك أنّ جميع الأشياء التي زواياها الأربع
الخارجة مساوية لأربع زوايا قائمة بالأوسط على مثال واحد. والأوسط الأوّل هو قول الطرف الأوّل، من قبل أنّ جميع العلوم إنّما تكون بالحدود — مثال ذلك انتثار الورق هو لازم للكرم ويفضل عليه هو أيضاً لازم للبنية ويفضل عليها، لكن ليس يفضل على جميعها، لكنّه مساوٍ لها إن أخذ الإنسان أنّ الأوسط الأوّل هو قول: انتثار الورق. وذلك أنّه يكون الأوسط الأوّل الذي على أحدها جميعاً. وأيضاً الأوسط لهذا انعقاد الرطوبة أو شيء آخر من أشياء هذه. ما هو انتثار الورق؟ — هو انعقاد اللبن المتّصل بالبذر.
وأمّا في الأشكال فهكذا تكون التوفية للذين يطلبون اتّصال العلّة والأمر، أي ما العلّة علّته. فلتكن اَ (أي الحيوان) موجودة لكلّ ٮَ (الحسّاس). ولتكن ٮَ لكلّ واحد من ىَ (المتحرّك بإرادة) وتفضل علّته فـ اَ لـ ٮَ تكون كلّيّة لـ ىَ (وذلك أنّي إنّما أسمّي كلّيّاً لما لم يرجع بالتساوي، وأمّا الكلّيّ
الأوّل فأسمّي ما لم ينعكس عليه كلّ واحد بالتساوي)، وجملتها منعكسة عليه مساوغة له. فـ ٮَ هي العلّة في أن تكون اَ موجودة لـ ىَ. فقد يجب إذن أن تكون اَ لا تفضل في وجودها لـ ىَ وامتدادها معها على ٮَ، وإلّا لم تكن هذه علّة تلك خاصّة، أعني علّة الموضوع. فإن كانت اَ موجودة لجميع الهاءات، فتكون تلك كلّها شيئاً واحداً هو شيء آخر غير ٮ، وَ〈إلّا〉 فكيف يوجد السبيل إلى القول بأنّ كلّ ما يوجد له هـَ يوجد له اَ؟ وليس كلّ ما يوجد له اَ يوجد له هـَ، فلم لا توجد علّة ما كما اَ لـ ىَ؟ وذلك أنّها موجودة لجميع الدالّات؛ فهاءات إذن تكون معاً شيئاً واحداً. فقد يجب أن نبحث عن هذا؛ وليكن هذا حـَ.
فقد يمكن إذن أن تكون علل كثيرة هي علل شيء واحد بعينه؛ إلّا أنّه ليس على أنّها علل أشياء واحدة بأعيانها في النوع — مثال ذلك العلّة في أنّها طويلة الأعمار: أمّا لذي أربع فألّا تكون لها مرارة، وأمّا الطيور فهو 〈أن تـ〉ـكون يابسة أو شيئاً آخر.
١٨
〈العلّة القريبة هي العلّة الحقيقيّة〉
فإن لم يصر دفعة وينته إلى غير المتجزّئة ولم يكن الأوسط واحداً فقط، بل كثيرة، فالعلل أيضاً هي كثيرة. فأيّما من هذه الأوساط ليت شعري هو
العلّة للأشياء الجزئيّة؟ أترى هو الشيء القريب من الكلّيّ الأوّل، أو الذي عند الأشياء الجزئيّة؟ فمن البيّن أنّه الأشياء القريبة جدّاً لكلّ واحد الذي له العلّة، 〈إذ〉 أنّ العلّة في أن يكون الأوّل الذي تحت الكلّيّ موجوداً هو هذا. مثال ذلك: العلّة في أن تكون اَ موجودة لـ حـَ هي ٮَ، والعلّة في أن تكون اَ موجودة لـ ىَ هي حـَ، ولـ حـَ 〈هي〉 ٮَ، ولهذه تلك نفسها.
١٩
〈إدراك المبادئ〉
أمّا ما القياس، وما البرهان، وكيف يكون كلّ واحد منهما — فذلك ما قد تبيّن. وقد تبيّن مع ذلك أيضاً ما العلم البرهانيّ، وكيف يكون؛ وذلك أنّهما شيء واحد بعينه. فأمّا في المبادئ : كيف تكون معلومة، وأيّ ملكة هي عارفة بها، فليكن ذلك ظاهراً من هاهنا، بأن نتقدّم أوّلاً فنأتي من أمرها بشكوك. فأمّا أنّه لا يمكن أن يعلم بالبرهان من لم يكن عالماً بالمبادئ الأوّل التي هي غير ذوات أوساط، فذلك قد تقدّمنا فأخبرنا به. وأمّا أنّ العلم الذي بغير ذوات وسط أترى هو واحد بعينه، أم ليس هو كذلك — فللإنسان أن يتشكّك في ذلك. وقد يتشكّك ويقول: أترى أخذ كلّ واحد من الأمرين هو علم، أم لا ؟ أم بأحدهما يقع علم، وبالآخر
يكون حفظ كما قلنا؛ ومن تكرير الذكر مرّات كثيرة تكون تجربة، وذلك أنّ الأحفاظ الكثيرة في العدد هي تجربة واحدة. ومن التجربة عندما يثبت ويستقرّ الكلّيّ في النفس الذي هو واحد في الكثير، ذلك الذي هو في جميعها واحد بعينه هو مبدأ الصناعة والعلم. وذلك إنّه إن كان لما في الكون فهو مبدأ الصناعة، وإن كان فيما هو موجود فهو مبدأ للعلم.
فليس إذن هذه القنيات موجودة فينا منفردة؛ ولا أيضاً إنّما تكون فينا من ملكات أخر هي أكثر في باب ما هي عالمة، لكن من الحسّ — مثال ذلك في الجهاد، فإنّه إذا وقف واحد عند الرجوع فقد يقف آخر ثمّ آخر إلى أن يصير الأمر إلى المبادئ: والنفس هي الموجودة بهذه الحال 〈:أي〉 على أنّها يمكن أن تنفعل هذا الانفعال.
وما قلناه منذ أوّل الأمر ولم نفصح به ونظهره فلنخبر به من الرأس. فنقول: إنّه عندما يثبت في النفس من غير المختلفة شيء واحد على قباله الكلّيّ: وذلك أنّها تحسّ بالجزئيّ إحساساً، وأمّا الحسّ فهو بالكلّيّ: مثال ذلك بالإنسان، لا بإنسان هو قالياس. ثمّ نقف في هذه من الرأس إلى أن تثبت فيها معانٍ لا تتجزّأ وتلك الكلّيّة: مثال ذلك من هذا الحيوان إلى الحيوان، وهذا هو واحد على مثال واحد.
فمن البيّن إذن أنّه قد يلزم أن نعلم الأوائل بالاستقراء، وذلك أنّ الحسّ إنّما يحصل فيها الكلّيّ بالاستقراء على هذا النحو.
والملكات التي في الذهن التي نصدّق بها، منها ما هي صادقة دائماً، ومنها ما تقبل الكذب — بمنزلة الظنّ والفكر، وأمّا الصادقة دائماً فهي العلم والعقل. وليس يوجد جنس آخر أشدّ استقصاءاً وأتقن من العلم إلّا العقل. والمبادئ أعرف من البراهين. وكلّ علم هو مع قول. والمبادئ: أمّا العلم فلا سبيل إلى أن يقع بها. ولمّا كان يوجد شيء يمكن أن يكون أكثر صدقاً من العلم غير العقل إذا ما نحن بحثنا من هذه الوجوه من قبل أنّ مبدأ البرهان ليس هو برهاناً هو للمبادئ. فإذاً ولا مبدأ العلم أيضاً هو علم، ولذلك لم يكن لنا جنس آخر صادق غير العلم. فيكون العقل هو مبدأ العلم، ويكون هو مبدءاً للمبدأ؛ وجميعه عند جميع الأمر هو على مثال واحد.
][ تمّت المقالة الثانية من «أنولوطيقا الثانية» وهي آخر كتاب «البرهان». نقل أبي بشر متّى بن يونس القنّائيّ، من السريانيّ إلى العربيّ. نقلت من نسخة الحسن بن سوار.
قوبل به نسخة كتبت من نسخة عيسى بن إسحاق بن زرعة المنقولة من نسخة يحيى بن عديّ، فكان أيضاً موافقاً لها ][