Aristotle: Categoriae (The Categories)
Work
,
(Κατηγορίαι)
English:
Text information
Type: Translation (Arabic)
Translator: Isḥāq ibn Ḥunayn
Translated from: Syriac
(Close)
Date:
between 865 and 910
Source
Khalil Georr. Les Catégories d'Aristote dans leurs versions syro-arabes. Beirut (Institut français de Damas) 1948, 319-358
Download
arist_categ-transl-ar3.xml [109.90 KB]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
كتاب أرسطوطاليس المسمّى قاطيغورياس أي المقولات
(١) المتّفقة أسماؤها
يقال إنّها التي الاسم فقط عامّ لها، فأمّا قول الجوهر الذي بحسب الاسم فمخالف. ومثال ذلك: الإنسان والمصوّر حيوان. فإنّ هذين الاسم فقط عامّ لهما؛ فأمّا قول الجوهر الذي بحسب الاسم فمخالف. وذلك أنّ موفّياً إن وفّى في كلّ واحد منهما ما معنى أنّه حيوان كان القول الذي يوفّي في كلّ واحد منهما خاصّيّاً له. والمتواطئة أسماؤها يقال إنّها التي الاسم عامّ لها وقول الجوهر الذي بحسب الاسم واحد بعينه أيضاً. ومثال ذلك: الإنسان والثور حيوان. فإنّ هذين، أعني الإنسان والثور، يلقّبان باسم عامّ أعني حيواناً وقول الجوهر واحد بعينه أيضاً. وذلك أنّ موفّياً إن وفّى في كلّ واحد منهما ما معنى أنّه حيوان كان القول الذي يوفّي واحداً بعينه. والمشتقّة أسماؤها يقال إنّها التي لها لقب شيء بحسب اسمه، غير أنّها مخالفة له في التصريف. ومثال ذلك: الفصيح من الفصاحة والشجاع من الشجاعة.
(٢) التي تقال منها ما يقال بتأليف، ومنها ما يقال بغير تأليف. فالتي تقال بتأليف، كقولك: الإنسان يحضر، الثور يغلب. والتي بغير تأليف، كقولك: الانسان. الثور. يحضر. يغلب.
الموجودات منها ما يقال على موضوع ما وليست البتّة في موضوع ما كقولك: الإنسان، فقد يقال على إنسان ما وليس هو البتّة في موضوع ما ومنها ما هي في موضوع، وليست تقال أصلاً على موضوع ما. (وأعني بقولي في موضوع، الموجود في شيء لا كجزء منه، وليس يمكن أن يكون قوامه من غير الذي هو فيه) ومثال ذلك: نحو ما، فإنّه في موضوع ما، أي في النفس وليس يقال أصلاً على موضوع ما؛ وبياض ما هو في موضوع أي في الجسم (إذ كان كلّ لون في جسم) وليس يقال البتّة على موضوع ما. ومنها ما يقال على موضوع، وهي أيضاً في موضوع. ومثال ذلك: العلم فإنّه في موضوع، أي في النفس، ويقال على موضوع أي على الكتابة. ومنها ما ليست هي في موضوع، ولا تقال على موضوع؛ ومثال ذلك: إنسان ما أو فرس ما؛ فإنّه ليس شيء من ذلك وما جرى مجراه، لا في موضوع، ولا يقال على موضوع ما. وبالجملة الأشخاص والواحد بالعدد لا تقال على موضوع أصلاً، فأمّا في موضوع فليس مانع يمنع أن يكون بعضها موجوداً فيه، فإنّ كتابة ما هي من التي في موضوع، أي في النفس، وليست تقال على موضوع أصلاً.
(٣) متى حمل شيء على شيء حمل المحمول على الموضوع، قيل كلّ ما يقال على المحمول على الموضوع أيضاً. مثال ذلك: أنّ الإنسان يحمل على إنسان ما ويحمل على الإنسان الحيوان. فيجب أن يكون الحيوان على إنسان ما أيضاً محمولاً؛ فإنّ إنساناً ما هو إنسان وهو حيوان. الأجناس المختلفة التي ليس بعضها مرتّباً تحت بعض فإنّ فصولها أيضاً في النوع مختلفة؛ من ذلك أنّ فصول الحيوان كقولك: المشّاء والطائر وذو الرجلين والسابح وفصول العلم ليست شيئاً من هذه؛ فإنّه ليس يخالف علم علماً بأنّه ذو رجلين. فأمّا الأجناس التي بعضها تحت بعض فليس مانع يمنع من أن تكون فصول بعضها فصول
بعض بأعيانها؛ فإنّ الفصول التي هي أعلى تحمل أعلى الأجناس التي تحتها حتّى تكون جميع فصول الجنس المحمول هي بأعيانها فصول الجنس الموضوع.
(٤) كلّ واحد من التي تقال بغير تأليف أصلاً فقد يدلّ إمّا على جوهر. وإمّا على كم. وإمّا على كيف. وإمّا على إضافة. وإمّا على أين. وإمّا على متى. وإمّا على موضوع. وإمّا على أن يكون له. وإمّا على يفعل. وإمّا على ينفعل. فالجوهر على طريق المثال كقولك: إنسان، فرس. والكمّ كقولك: ذو ذراعين، ذو ثلث أذرع. والكيف كقولك: أبيض كاتب. والإضافة كقولك: ضعف، نصف. وأين كقولك: في لوقين في السوق. ومتى كقولك: أمس، عاماً أوّل. وموضوع كقولك: متّكئ، جالس. وأن يكون له كقولك: منتعل، متسلّح. ويفعل كقولك: يقطع، يحرق. وينفعل كقولك: ينقطع، يحترق. وكلّ واحد من هذة التي ذكرت، إذا قيل مفرداً على حياله، فلم يقل بإيجاب ولا بسلب أصلاً. لكن بتأليف بعض هذه إلى بعض تحدث الموجبة أو السالبة. فإنّ كلّ موجبة أو سالبة يظنّ أنّها إمّا صادقة وإمّا كاذبة. والتي تقال بغير تأليف أصلاً فليس منها شيء لا صادقاً ولا كاذباً ومثال ذلك: إنسان، أبيض، يحضر، يظفر.
(٥) في الجوهر
فإمّا الجوهر الموصوف بأنّه أولى بالتحقيق والتقديم والتفضيل فهو الذي لا يقال على موضوع ما ولا هو في موضوع ما؛ ومثال ذلك: إنسان ما أو فرس ما فأمّا الموصوفة بأنّها جواهر ثوانٍ فهي الأنواع التي فيها توجد
الجواهر الموصوفة بأنّها أول ومع هذه ا[لأ]جناس هذه الأنواع أيضاً، ومثال ذلك: أنّ إنساناً ما هو في نوع أي في الإنسان، وجنس هذا النوع الحيّ؛ فهذه الجواهر توصف بأنّها ثوانٍ كالإنسان والحيّ. وظاهر ممّا قيل إنّ التي تقال على موضوع فقد يجب ضرورة أن يحمل اسمها وقولها يقال على ذلك الموضوع. ومثال ذلك: أنّ الإنسان يقال على موضوع، أي على إنسان ما فاسمه يحمل عليه، فإنّك تحمل الإنسان على إنسان ما وقول الإنسان أيضاً يحمل على إنسان ما. فإنّ إنساناً ما هو إنسان وهو حيّ. فيكون الاسم والقول يحملان على الموضوع.
فأمّا التي في موضوع ففي أكثرها لا يحمل على الموضوع لا اسمها ولا حدّها. وفي بعضها ليس مانع يمنع من أن يحمل اسمها على الموضع فأمّا قولها فلا يمكن. ومثال ذلك: أنّ الأبيض هو في موضوع أي في الجسم وهو يحمل على الموضوع (وذلك أنّ الجسم قد يوصف بأنّه أبيض). فأمّا قول الأبيض فليس يحمل في حال من الأحوال على الجسم. وكلّ ما سواها فأمّا أن يكون على موضوعات، أي يقال على الجواهر الأوّل وأمّا أن يكون في موضوعات، أي يقال فيها. وذلك ظاهر من قبل التصفّح للجزئيّات مثال ذلك: أنّ الحيّ يحمل على الإنسان، فهو أيضاً على إنسان ما. فإنّه إن لم يكن ولا على واحد من أشخاص الناس، فليس هو ولا على إنسان أصلاً. وأيضاً إنّ اللون في الجسم فهو أيضاً في جسم ما فإنّه إن لم يكن في واحد من الجزئيّة فليس هو ولا في الجسم أصلاً. فيجب أن يكون كلّ ما سواها إمّا أن يكون على موضوعات، أي يقال على الجواهر الأول وإمّا أن يكون في موضوعات، أي يقال فيها فيجب إذاً أن لم تكن الجواهر الأول ألّا يكون سبيل إلى أن يوجد شيء من تلك الأخر. وذلك
أنّ كلّ ما سواها فإمّا أن يكون على موضوعات، أي يقال عليها، وإمّا في موضوعات أي فيها.
والنوع من الجواهر الثانية أولى بأن يوصف جوهراً من الجنس لأنّه أقرب من الجوهر الأوّل؛ وذلك أنّ موفّياً إن وفّى الجوهر الأوّل ما هو، كان إعطاؤه النوع وإعطاؤه الجنس ملائماً في ذلك إلّا أنّ إعطاءه النوع أشدّ ملاءمة وأبين في الدلالة عليه من إعطائه الجنس؛ مثال ذلك: أنّه إن وفّى إنساناً ما ما هو كان إعطاؤه أنّه إنسان أبين في الدلالة عليه من اعطائه أنّه حيّ. فإنّ ذاك أخصّ بإنسان ما وهذا أعمّ. وإن وفّى شجرة ما ما هي كان إعطاؤه أنّها شجرة أبين في الدلالة عليها من إعطائه أنّها نبت. وأيضاً فإنّ الجواهر الأول لمّا كانت موضوعة لسائر الأمور كلّها وسائر الأمور كلّها محمولة عليها أو موجودة فيها، فلذلك صارت أولى وأحقّ بأن توصف جواهر. وقياس الجواهر الأول عند سائر الأمور كلّها هو قياس النوع عند الجنس، إذ كان النوع موضوعاً للجنس لأنّ الأجناس تحمل على الأنواع. وليس ينعكس الأنواع على الأجناس. فيجب من ذلك أيضاً أنّ النوع أولى وأحقّ بأن يوصف جوهراً من الجنس. وأمّا ما كان من الأنواع ليس هو جنساً فليس الواحد منها أولى من الآخر بأن يوصف جوهراً إذ كان ليس توفيتك في إنسان ما أنّه إنسان أشدّ ملاءمة من توفيتك في فرس ما أنّه فرس. وكذلك ليس الواحد من الجواهر الأول أولى من الآخر بأن يوصف جوهراً، إذ كان ليس إنسان ما أولى بأن يوصف جوهراً من فرس ما. وبالواجب صارت الأنواع والأجناس وحدها دون غيرها تقال، بعد الجواهر الأول، جواهر ثوانٍ لأنّها وحدها تدلّ على الجوهر الأوّل من بين ما يحمل عليه. فإنّ موفّياً إن وفّى إنساناً ما ما هو فوفّاه بنوعه أو بجنسه كانت توفيته له ملائمه وإذا وفّاه بأنّه إنسان، كان ذاك أبين في الدلالة عليه
من توفيته له بأنّه حيّ؛ وإن وفّاه بشيء ممّا سوى ذلك أيّ شيء كان كانت توفيته له غريبة مستنكرة كما إذا وفّى بأنّه أبيض أو أنّه يحضر أو شيء من أشباه ذلك أيّ شيء كان. فبالواجب قيلت هذه دون غيرها جواهر. وأيضاً لأنّ الجواهر الأول موضوعة لسائر الأمور كلّها وسائر الأمور كلّها محمولة عليها، أو موجودة فيها، لذلك صارت أولى وأحقّ بأن توصف جواهر. وقياس الجواهر الأول عند سائر الأمور هو قياس أنواع الجواهر الأول وأجناسها عند سائر الأمور الأخر كلّها وذلك أنّ سائر الأمور كلّها على هذه تحمل. فإنّك تقول في إنسان ما إنّه نحويّ فأنت إذاً تقول نحويّاً على الإنسان وعلى الحيّ. وكذلك يجري الأمر في سائر ما أشبهه.
وقد يعمّ كلّ جوهر أنّه ليس في موضوع فإنّ الجوهر الأوّل ليس يقال على موضوع ولا هو في موضوع. والجواهر الثواني قد يظهر بهذا الوجه أنّه ليس شيء منها في موضوع، فإنّ الإنسان يقال على موضوع أي على إنسان ما وليس هو في موضوع أي فيه؛ وذلك أنّ الإنسان ليس هو في إنسان ما. وكذلك أيضاً الحيّ يقال على موضوع أي على إنسان ما، وليس الحيّ في إنسان ما وأيضاً التي في موضوع فليس مانع يمنع من أن يكون اسمها في حال من الأحوال يحمل على موضوع، وأمّا قولها فلا سبيل إلى أن يحمل عليه. فأمّا الجواهر الثواني فإنّه يحمل على الموضوع قولها واسمها؛ فإنّك تحمل على إنسان ما قول الإنسان وقول الحيّ. فيجب من ذلك أنّ الجوهر ليس هو ممّا في موضوع. إلّا أنّ هذا ليس بخاصّة للجوهر، لكن الفصل أيضاً هو ممّا ليس في موضوع؛ فإنّ الماشي وذا الرجلين يقالان على موضوع، أي على الإنسان وليسا في موضوع. وذلك أنّ ذا الرجلين ليس هو في الإنسان ولا الماشي؛ وقول الفصل أيضاً محمول على الذي يقال عليه الفصل؛ مثال ذلك: أنّ المشّاء إن كان يقال على الإنسان فإنّ قول المشّاء محمول على الإنسان وذلك أنّ الإنسان مشّاء.
ولا تغلطنا أجزاء الجواهر فتوهّمنا أنّها موجودة في موضوعات، أي في كلّيّاتها حتّى يضطرّنا الأمر إلى أن نقول إنّها ليست جواهر. لأنّه لم يكن قول ما يقال في موضوع على هذا الطريق على أنّه في شيء كجزء منه.
وممّا يوجد للجواهر والفصول أنّ جميع ما يقال منها إنّما يقال على طريق المتواطئة أسماؤها فإنّ كلّ حمل يكون منهما فهو إمّا أن يحمل على الأشخاص وإمّا على الأنواع. فإنّه ليس من الجوهر الأوّل حمل أصلاً إذ كان ليس يقال على موضوع ما البتّة. فأمّا من الجواهر الثواني فالنوع يحمل على الشخص، والجنس على النوع وعلى الشخص، وكذلك الفصول تحمل على الأنواع وعلى الأشخاص، والجواهر الأول تقبل قول أنواعها وأجناسها والنوع يقبل قول جنسه إذ كان كلّ ما قيل على المحمول فإنّه يقال أيضاً على الموضوع. وكذلك تقبل الأنواع والأشخاص قول فصولها أيضاً. وقد كانت المتواطئة أسماؤها هي التي الاسم عامّ لها والقول واحد بعينه أيضاً، فيجب أن يكون جميع ما يقال من الجواهر ومن الفصول فإنّما يقال على طريق المتواطئة أسماؤها. وقد يظنّ بكلّ جوهر أنّه يدلّ على مقصود إليه بالإشارة. فأمّا الجواهر الأول فبالحقّ الذي لا مرية فيه أنّها تدلّ على مقصود إليه بالإشارة، لأنّ ما يستدلّ عليه منها شخص وواحد بالعدد. وأمّا الجواهر الثواني فقد يوهم اشتباه شكل اللقب منها أنّها تدلّ على مقصود إليه بالإشارة كقولك: الإنسان، الحيوان. وليس ذلك حقّاً بل الأولى أنّها تدلّ على أيّ شيء لأنّ الموضوع ليس بواحد كالجوهر الأوّل لكن الإنسان يقال على كثير والحيوان. إلّا أنّها ليست تدلّ على أيّ شيء على الإطلاق بمنزلة الأبيض، فإنّ الأبيض ليس يدلّ على شيء غير أيّ شيء، فأمّا النوع والجنس فإنّهما يفرزان أيّ شيء في الجوهر: وذلك أنّهما إنّما يدلّان
على جوهر ثانٍ ما. إلّا أنّ الإفراز بالجنس يكون أكثر حصراً من الإفراز بالنوع فإنّ القائل حيوان قد جمع بقوله أكثر ممّا يجمع القاإل إنسان.
د. وممّا للجواهر أيضاً أنّه لا مضادّ لها. فماذا يضادّ الجوهر الأوّل كإنسان ما، فإنّه لا مضادّ له ولا للإنسان أيضاً ولا للحيوان مضادّ. إلّا أنّ ذلك ليس خاصّيّاً بالجوهر لكنّه في أشياء أيضاً كثيرة غيره مثال ذلك: في الكمّ فإنّه ليس لذي الذراعين مضادّ ولا للعشرة ولا لشيء ممّا يجري هذا المجرى؛ إلّا أن يقول قائل إنّ القليل ضدّ الكثير أو الكبير ضدّ الصغير لكن الكمّ المنفصل لا مضادّ له.
ه. وقد يظنّ بالجوهر أنّه لا يقبل الأكثر والأقلّ. ولست أقول أنّه ليس جوهر بأكثر من جوهر في أنّه جوهر (فإنّ ذلك شيء قد قلنا به) لكنّي أقول إنّ ما هو في جوهر جوهر ليس يقال أكثر ولا أقلّ؛ مثال ذلك: أنّ هذا الجوهر إن كان إنساناً فليس يكون إنساناً أكثر ولا أقلّ ولا إذا قيس بنفسه ولا إذا قيس بغيره فإنّه ليس أحد من الناس إنساناً بأكثر من إنسان غيره كما أنّ الأبيض أبيض بأكثر ممّا غيره أبيض، والخيّر خيّر بأكثر ممّا غيره خيّر، وكما أنّ الشيء إذا قيس بنفسه أيضاً قيل أنّه أكثر وأقلّ، مثال ذلك: أنّ الجسم إذا كان أبيض فقد يقال إنّه في هذا الوقت أبيض بأكثر ممّا كان قبل وإذا كان حارّاً فقد يقال إنّه حارّ بأكثر ممّا كان أو أقلّ فأمّا الجوهر فليس يقال أكثر ولا أقلّ فإنّه ليس يقال في الإنسان إنّه في هذا الوقت إنسان بأكثر ممّا كان فيما تقدّم ولا في غيره من سائر الجواهر فيكون الجوهر لا يقبل الأكثر والأقلّ.
و. وقد يظنّ أنّ أولى الخواصّ بالجوهر أنّ الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادّات والدليل على ذلك أنّه لن يقدر أحد أن ياتي بشيء ممّا
ليس هو جوهراً الواحد منه قابل للمتضادّات مثال ذلك: أنّ اللون الواحد بالعدد هو بعينه لن يكون أبيض وأسود ولا الفعل الواحد بالعدد هو بعينه يكون مذموماً أو محموداً. وكذلك يجري الأمر في سائر الأشياء ممّا ليس بجوهر. فأمّا الجوهر فإنّ الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادّات، مثال ذلك: إنسان ما فإنّ هذا الواحد هو بعينه يكون أبيض حيناً وأسود حيناً وحارّاً وبارداً وطالحاً وصالحاً. ولن يوجد ما يجري هذا المجرى في شيء ممّا سوى الجوهر أصلاً. اللّهمّ إلّا أن يردّ ذلك رادّ بأن يقول إنّ القول والظنّ ممّا يجري هذا المجرى، لأنّ القول بعينه مظنون صدقاً وكذباً؛ مثال ذلك: أنّ القول إن صدق في جلوس جالس فإنّه بعينه يكذب إذا قام وكذلك القول في الظنّ، فإنّ الظانّ إن صدق في جلوس جالس كذب إذا قام، متى كان ظنّه به ذلك الظنّ بعينه.
فنقول إنّ الإنسان وإن اعترف بذلك فإنّ بين الجنسين اختلافاً وذلك أنّ الأشياء في الجواهر إنّما هي قابلة للمتضادّات بأن تتغيّر أنفسها لأنّ الشيء إذا كان حارّاً فصار بارداً فقد تغيّر، وإذا كان أبيض فصار أسود، وإذا كان مذموماً فصار محموداً، وكذلك في سائر الأشياء كلّ واحد منها قابل للمتضادّات بأن تقبل نفسه التغيّر. وأمّا القول والظنّ فإنّهما ثابتان غير زائلين، لا بنحو من الأنحاء ولا بوجه من الوجوه، وإنّما تحدث المضادّة فيهما بزوال الأمر. فإنّ القول في جلوس جالس، ثابت بحاله وإنّما يصير صادقاً حينا؛ وكاذباً حيناً بزوال الأمر وكذلك القول في الظنّ أيضاً. فتكون الجهة التي تخصّ الجوهر أنّه قابل المتضادّات بتغيّره نفسه، هذا إن اعترف الإنسان بذلك أعني أنّ الظنّ والقول قابلان للمتضادّات إلّا أنّ ذلك ليس بحقّ لأنّ القول والظنّ ليس إنّما يقال فيهما إنّهما قابلان للأضداد، من طريق أنّهما في أنفسهما يقبلان شيئاً، بل
من طريق أنّ حادثاً يحدث في شيء غيرهما، وذلك أنّ القول إنّما يقال فيه أنّه صادق، أو أنّه كاذب، من طريق أنّ الأمر موجود أو غير موجود، لا من طريق أنّه نفسه قابل للأضداد، فإنّ القول بالجملة لا يقبل الزوال من شيء أصلاً، ولا الظنّ فيجب ألّا يكونا قابلين للأضداد إذ كان ليس يحدث فيهما ضدّ أصلاً. فأمّا الجوهر، فيقال فيه أنّه قابل للأضداد من طريق أنّه نفسه قابل للأضداد، وذلك أنّه يقبل المرض والصحّة والبياض والسواد، وإنّما يقال فيه أنّه قابل للأضداد، من طريق أنّه هو نفسه يقبل كلّ واحد من هذه وما يجري مجراها. فيجب من ذلك أن تكون خاصّة الجوهر أنّ الوحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادّات بتغيّره في نفسه. فهذا فليكن مبلغ ما نقوله في الجوهر.
وقد ينبغي الآن أن نتبع ذلك بالقول في الكمّ.
(٦) في الكمّ
وأمّا الكمّ، فمنه متفصّل ومنه متّصل. وأيضاً منه ما هو قائم من أجزاء فيه لها وضع بعضها عند بعض، ومنه من أجزاء ليس لها وضع. فالمتفصّل مثلاً هو العدد. والقول. والمتّصل الخطّ البسيط والجسيم. وأيضاً ممّا يطيف بهذه الزمان والمكان. فإنّ أجزاء العدد لا يوجد لها حدّ مشترك أصلاً يلتأم عنده بعض أجزائه ببعض؛ مثال ذلك: أنّ الخمسة إذ هي جزء من العشرة، فليس تتّصل بحدّ مشترك الخمسة منها بالخمسة، لكنّها منفصلة. والثلثة والسبعة أيضاً ليس يتّصلان بحدّ مشترك؛ وبالجملة لست تقدر في الإعداد على أخذ حدّ مشترك بين أجزائها لكنّها دائماً منفصلة؛ فيكون العدد من المنفصلة. وكذلك أيضاً القول هو من المنفصلة. فأمّا أنّ القول كمّ فظاهر، لأنّه يقدر بمقطع ممدود أو مقصور؛ وإنّما أعني ذلك القول الذي يخرج بالصوت وأجزاؤه ليست تتّصل
بحدّ مشترك، وذلك أنّه لن يوجد حدّ مشترك تتّصل به المقاطع لكن كلّ مقطع منفصل على حياله.
فأمّا الحظّ فمتّصل، لأنّه قد يتهيّأ أن يؤخذ حدّ مشترك تتّصل به أجزاؤه كالنقطة؛ وفي البسيط الخطّ. فإنّ أجزاء السطح قد تتّصل بحدّ ما مشترك؛ وكذلك أيضاً في الجسم قد تقدر أن تأخذ حدّاً مشتركاً وهو الخطّ، أو البسيط تتّصل به أجزاء الجسم. وممّا يجري هذا المجرى أيضاً الزمان والمكان؛ فإنّ الآن من الزمان يصل ما بين الماضي منه وبين المستأنف. والمكان أيضاً من المتّصلة. لأنّ أجزاء الجسم تشغل مكاناً وهي تتّصل بحدّ ما مشترك فتكون أجزاء المكان أيضاً يشغلها واحد واحد من أجزاء الجسم تتّصل بالحدّ بعينه الذي به تتّصل أجزاء الجسم. فيجب أن يكون المكان أيضاً متّصلاً، إذ كانت أجزاؤه قد تتّصل بحدّ واحد مشترك.
وأيضاً منه ما هو قائم من أجزاء فيه لها وضع بعضها عند بعض، ومنه من أجزاء ليس لها وضع، مثال ذلك: أنّ أجزاء الخطّ لها وضع بعضها عند بعض، لأنّ كلّ واحد منها موضوع بحيث هو، وقد يمكنك أن تدلّ وترشد أين كلّ واحد منها موضوع من السطح وبأيّ جزء من سائر الأجزاء يتّصل؛ وكذلك أيضاً أجزاء السطح لها وضع ما، وذلك أنّه قد يمكن على هذا المثال في كلّ واحد منها أن يدلّ عليه أين هو موضوع وأيّ الأجزاء يصل ما بينها، وكذلك أجزاء المصمت، وأجزاء المكان؛ فأمّا العدد فلن يقدر أحد أن يرى فيه أنّ أجزاءه لها وضع ما بعضها عند بعض، ولا أنّها موضوعة بحيث ما، ولا أنّ أجزاء ما من أجزائه تصل بعضها ببعض؛ ولا أجزاء الزمان، فإنّه لا ثبات لشيء من أجزاء الزمان، وما لم يكن ثابتاً فلا سبيل إلى أن يكون له وضع ما، بل الأولى أن يقال إنّ لها ترتيباً ما، لأنّ بعض الزمان متقدّم وبعضه متأخّر، وكذلك العدد، لأنّ الواحد في العدّ قبل الاثنين، والاثنين قبل الثلثة؛ فيكون لها بذلك ترتيب ما، فأمّا وضعاً، فيكاد ألّا تقدر أن تأخذ لها؛ والقول أيضاً
كذلك، لأنّه لا ثبات لشيء من أجزائه فإنّه إذا نطق به مضى فلم يكن إلى أخذه فيما بعد سبيل؛ فيجب ألّا يكون لأجزائه وضع، إذ كان لا ثبات لشيء منها؛ فمنه إذا ما يقوم من أجزاء لها وضع، ومنه من أجزاء ليس لها وضع.
فهذه فقط التي ذكرت يقال لها بالتحقيق كمّ؛ وأمّا كلّ ما سواها فبالعرض يقال ذلك فيها، فإنّا إنّما نقول فيما سوى هذه أنّها كمّ، ونحن نقصد قصد هذه، مثال ذلك: أنّا نقول في البياض إنّه مادّ كثير، وإنّما نشير إلى أنّ البسيط كثير؛ ونقول في العمل إنّه طويل، وإنّما نشير إلى أنّ زمانه طويل؛ ونقول أيضاً في الحركة إنّها كثيرة. فإنّ كلّ واحد من هذه ليس يقال له كمّ بذاته؛ والمثال في ذلك: أنّ موفّياً إن وفّى، كم هذا العمل، فإنّما يحدّه بالزمان فيقول عمل سنة أو ما أشبه ذلك؛ وإن وفّى كم هذا الأبيض، فإنّما يحدّه بالبسيط فإنّه إنّما يقول في مبلغ البياض بمبلغ البسيط. فتكون هذه فقط التي ذكرت يقال لها بالتحقيق وبذاتها كمّ؛ فأمّا ما سواها فليس منها شيء هو بذاته كمّ بل إن كان ولا بدّ فبالعرض.
ا. والكمّ أيضاً لا مضادّ له أصلاً؛ فأمّا في المتفصّلة، فظاهر أنّه ليس له مضادّ أصلاً، كإنّك قلت لذي الذراعين أو لذي الثلث الأذرع أو للسطح أو لشيء ممّا أشبه ذلك؛ فإنّه ليس له ضدّ أصلاً. إلّا أن يقول قائل إنّ الكثير مضادّ للقليل، أو الكبير للصغير، وليس شيء من هذه البتّة كماً لكنّها من المضاف. وذلك أنّه ليس يقال في شيء من الأشياء البتّة بنفسه أنّه كبير أو صغير، بل بقياسه إلى غيره؛ مثال ذلك: أنّ الجبل قد يوصف صغيراً، والسمسمة كبيرة بأنّ هذه أكبر ممّا هو من جنسها، وذاك أصغر ممّا هو من جنسه؛ فيكون القياس إنّما هو إلى شيء غيره؛ فإنّه لو وصف شيء صغيراً أو كبيراً بنفسه، لمّا وصف الجبل في حال من الأحوال صغيراً، أو السمسمة كبيرة؛ وأيضاً قد نقول إنّ في القرية أناساً كثيراً، وفي مدينة أيثينية أناساً قليلاً، على أنّهم أضعاف أولائك، ونقول إنّ في البيت أناساً كثيراً وفي الملعب أناساً قليلاً، على أنّهم
أكثر منهم كثيراً. وأيضاً ذو الذراعين وذو الثلث الأذرع وكلّ واحد ممّا أشبههما يدلّ على كمّ، فأمّا الكبير والصغير فليس يدلّان على كمّ بل على مضاف. فإنّ الكبير والصغير إنّما يعقلان بالقياس إلى شيء آخر، فيكون من البيّن أنّ هذين من المضاف. وأيضاً إن وضعت أنّهما كمّ، أو وضعت أنّهما ليس بكمّ، فليس لهما مضادّ البتّة، وذلك أنّ الشيء الذي لا يمكن أخذه بنفسه، وإنّما يمكن أخذه بقياسه إلى غيره، كيف يمكن أن يكون لهذا مضادّ. وأيضاً إن يكن الكبير والصغير متضادّين، وجد الشيء بعينه قابلاً للمتضادّات معاً؛ وأنّ كلّ واحد منهما أيضاً مضادّ لذاته لأنّ الشيء بعينه قد يوجد كبيراً وصغيراً معاً، إذ كان عند هذا صغيراً وهو بعينه عند غيره كبير. فيكون قد يوجد الشيء بعينه كبيراً وصغيراً في زمان بعينه، حتّى يكون قد يقبل الضدّين معاً؛ إلّا أنّه من المتّفق عليه أنّه ليس يمكن أن يقبل شيء واحد الضدّين معاً؛ مثال ذلك: في الجوهر، فإنّ الجوهر من المتّفق عليه أنّه قابل للمتضادّات إلّا أنّه لن يصحّ ويسقم معاً، ولا يكون أبيض وأسود معاً ولا شيء من سائر الأشياء البتّة يقبل الضدّين معاً؛ ويوجد أيضاً كلّ واحد منهما مضادّ لذاته، وذلك أنّه إن كان الكبير مضادّ للصغير، وكان الشيء الواحد بعينه كبيراً وصغيراً معاً، فالشيء يكون مضادّاً لذاته؛ إلّا أنّه من المحال أن يكون شيء مضادّاً لذاته؛ فليس الكبير إذا مضادّاً للصغير ولا الكثير للقليل. فتكون هذه وإن قال الإنسان إنّها ليست من المضاف، بل من الكمّ، ليس فيها تضادّ.
وأكثر ما ظنّت المضادّة في الكمّ موجودة في المكان، لأنّ المكان الأعلى يضعون أنّه مضادّ للمكان الأسفل ويعنون بالمكان الأسفل الذي
يلقى الوسط. وإنّما ذهبوا إلى ذلك لأنّ البعد بين الوسط وبين أطراف العالم أبعد البعد. ويشبه أن يكونوا إنّما اجتلبوا الحدّ لسائر المتضادّات من هذه، لأنّهم إنّما يحدّون المتضادّات بأنّها التي بعدها بعضها من بعض غاية البعد، ويجمعها جنس واحد.
ب. وليس بمظنون بالكمّ أنّه قابل للأكثر والأقلّ؛ مثال ذلك: ذو الذراعين، فإنّه ليس هذا ذا ذراعين بأكثر من هذا؛ وكذلك في العدد، مثال ذلك: الثلثة والخمسة؛ فإنّه ليس يقال إنّ هذه خمسة بأكثر ممّا هذه ثلثة، أو إنّ هذه ثلثة بأكثر ممّا هذه ثلثة. ولا يقال أيضاً في زمان إنّه زمان بأكثر من غيره ولا يقال بالجملة في شيء ممّا ذكر الأكثر ولا الأقلّ. فيكون إذاً الكمّ غير قابل للأكثر والأقلّ. وأخصّ الخواصّ بالكمّ أنّه يقال مساوياً وغير مساوٍ مثال ذلك الجثّة تقال مساوية وغير مساوية؛ وكلّ واحد من سائر ما ذكر على هذا المثال يقال مساوٍ وغير مساوٍ. أمّا سائر ما لم يكن كمّاً فليس يكاد يظنّ به أنّه يقال مساوياً ولا غير مساوٍ؛ مثال ذلك: الحال ليس تكاد أن تقال مساوية ولا غير مساوية، بل بالأحرى أن تقال شبيهة؛ والأبيض ليس يكاد أن يقال مساوياً وغير مساوٍ بل شبيه؛ فيكون أخصّ خواصّ الكمّ أنّه يقال مساوياً وغير مساوٍ.
(٧) في التي من المضاف
يقال في الأشياء إنّها من المضاف متى كانت ماهيّاتها إنّما تقال بالقياس إلى غيرها أو على نحو آخر من أنحاء النسبة إلى غيرها أيّ نحو كان. مثال ذلك: أنّ الأكبر ماهيّته إنّما تقال بالقياس إلى غيره، وذلك أنّه إنّما يقال أكبر من شيء؛ والضعف ماهيّته بالقياس إلى غيره، وذلك أنّه إنّما يقال ضعفاًّ لشيء. وكذلك كلّ ما يجري هذا المجرى.
ا. ومن المضاف أيضاً هذه الأشياء مثال ذلك: الملكة، والحال، والحسّ، والعلم، والوضع. فإنّ جميع ما ذكر من ذلك فماهيّته إنّما تقال بالقياس إلى غيره لا غير. وذلك أنّ الملكة إنّما تقال ملكة لشيء، والعلم علم بشيء، والوضع وضع لشيء، والحسّ حسّ بشيء، وسائر ما ذكرنا يجري هذا المجرى؛ فالأشياء إذاً التي من المضاف هي كلّ ما كانت ماهيّاتها إنّما تقال بالقياس إلى غيرها، أو على نحو آخر من أنحاء النسبة إلى غيرها أيّ نحو كان لا غير مثال ذلك: الجبل يقال كبيراً بالقياس إلى غيره، فإنّه إنّما يقال جبل كبير بالإضافة إلى شيء؛ والشبيه إنّما يقال شبيهاً بشيء وسائر ما يجري هذا المجرى على هذا المثال يقال بالإضافة. والاضطجاع والقيام والجلوس هي من الوضع، والوضع من المضاف؛ فأمّا يضطجع أو يقوم أو يجلس؛ فليست من الوضع بل من الأشياء المشتقّ لها الاسم من الوضع الذي ذكر.
ب. وقد يوجد أيضاً المضادّة في المضاف؛ مثال ذلك: الفضيلة والخسيسة؛ كلّ واحد مضادّ لصاحبه وهو من المضاف. والعلم والجهل؛ إلّا أنّ المضادّة ليست موجودة في كلّ المضاف فإنّه ليس للضعفين ضدّ ولا للثلثة الأضعاف ولا لشيء ممّا كان مثله.
ج. وقد يظنّ المضاف أنّه أيضاً يقبل الأكثر والأقلّ، لأنّ الشبيه يقال أكثر شبهاً، وغير المساوي يقال أكثر وأقلّ، وكلّ واحد منهما من المضاف؛ فإنّ الشبيه إنّما يقال شبيهاً بشيء، وغير المساوي غير مساوٍ لشيء، ولكن ليس كلّه يقبل الأكثر والأقلّ؛ فإنّ الضعف ليس يقال ضعفاً أكثر ولا أقلّ ولا شيئاً ممّا كان مثله.
د. والمضافات كلّها ترجع بالتكافؤ بعضها على بعض في القول. مثال
إذا لم يكن ذو الجناح، لم يكن الجناح لشيء. فقد يجب أن تكون الإضافة إلى الشيء الذي إليه تقال معادلة؛ وإن كان يوجد اسم موضوعاً، فإنّ الإضافة تكون سهلة. وإن لم يوجد، فخليق أن نكون نضطرّ إلى اختراع اسم. وإذا وقعت الإضافة على هذا النحو، فمن البيّن أنّ المضافات كلّها ترجع بعضها على بعض في القول بالتكافؤ.
ه. وقد يظنّ أنّ كلّ مضافين فهما معاً في الطبع. وذلك حقّ في أكثرها؛ فإنّ الضعف موجود والنصف معاً. وإن كان النصف موجوداً، فالضعف موجود؛ وإن كان العبد موجوداً، فالمولى موجود؛ وكذلك يجري الأمر في سائرها. وقد يفقد كلّ واحد منهما الآخر مع فقده. وذلك أنّه إذا لم يوجد الضعف، لم يوجد النصف؛ وإذا لم يوجد النصف، لم يوجد الضعف. وعلى هذا المثال يجري الأمر فيما أشبهها. وقد يظنّ أنّه ليس يصحّ في كلّ مضافين أنّهما معاً في الطبع. وذلك أنّ المعلوم مظنون بأنّه أقدم من العلم لأنّ أكثر تناولنا لعلم الأشياء من بعد وجودها. وأقلّ من ذاك أو لا شيء البتّة يوجد من العلم والمعلوم جاريين معاً. وأيضاً المعلوم إن فقد، فقد معه العلم به؛ فأمّا العلم فليس يفقد معه المعلوم؛ وذلك أنّ المعلوم إن لم يوجد، لم يوجد العلم (لأنّه لا يكون حينئذٍ علم بشيء البتّة). فأمّا إن لم يوجد العلم، فلا شيء مانع من أن يكون المعلوم؛ مثال ذلك: تربيع الدائرة إن كان معلوماً، فعلمه لم يوجد بعد؛ فأمّا هذا المعلوم نفسه فأنّيّته قائمة. وأيضاً الحيّ إذا فقد، لم يوجد العلم؛ فأمّا المعلوم، فقد يمكن أن يكون كثير منه موجوداً. وكذلك يجري الأمر في باب الحسّ أيضاً. وذلك أنّه قد يظنّ أنّ المحسوس أقدم من الحسّ به، لأنّ المحسوس إذا فقد، فقد معه الحسّ به؛ فأمّا الحسّ فليس يفقد معه المحسوس؛ وذلك أنّ الحواسّ إنّما وجودها بالجسم وفي الجسم؛ وإذا فقد المحسوس، فقد الجسم أيضاً (إذ
كان الجسم شيئاً من المحسوسات) وإذا لم يوجد الجسم فقد الحسّ أيضاً. فيكون المحسوس يفقد معه الحسّ؛ فأمّا الحسّ فليس يفقد معه المحسوس. فإنّ الحيّ إذا فقد، فقد الحسّ وكان المحسوس موجوداً، مثل الجسم والحارّ، والحلو، والمرّ، وسائر المحسوسات الأخر كلّها. وأيضاً فإنّ الحسّ إنّما يكون مع الحاسّ؛ وذلك أنّ معاً يكون الحيّ والحسّ، فأمّا المحسوس فموجود من قبل وجود الحيّ والحسّ. فإنّ النار والماء وما يجري مجراهما، ممّا منه قوام الحيوان، موجودة من قبل أن يوجد الحيوان بالجملة، أو الحسّ، فلذلك قد يظنّ أنّ المحسوس أقدم وجوداً من الحس.
وممّا فيه موضع شكّ، هل الجواهر ليس جوهر منها يقال من باب المضاف، على حسب ما يظنّ؛ أو ذلك ممكن في جواهر ما من الجواهر الثواني. فأمّا في الجواهر الأول، فإنّ ذلك حقّ؛ وذلك أنّه ليس يقال من المضاف لا كلّيّاتها، ولا أجزاؤها؛ فإنّه ليس يقال في إنسان ما إنّه إنسان ما لشيء، ولا في ثور ما إنّه ثور ما لشيء. وكذلك أجزاؤها أيضاً، فإنّه ليس يقال في يد ما إنّها يد ما لإنسان، لكن إنّها يد لإنسان؛ ولا يقال في رأس ما أنّه رأس ما لشيء، بل رأس لشيء؛ وكذلك في الجواهر الثانية، في أكثرها؛ فإنّه ليس يقال إنّ الإنسان إنسان لشيء، ولا إنّ الثور ثور لشيء، ولا إنّ الخشبة خشبة لشيء؛ بل يقال إنّها ملك لشيء. فأمّا في هذه فإنّ الأمر ظاهر أنّها ليست من المضاف؛ وأمّا في بعض الجواهر الثواني، فقد يدخل في أمرها الشكّ؛ مثال ذلك: أنّ الرأس يقال إنّه رأس لشيء، واليد يقال إنّها يد لشيء، وكلّ واحد ممّا أشبه ذلك؛ فيكون قد يظنّ أنّ هذه من المضاف. فإن كان تحديد التي من المضاف قد وفّى على الكفاية، فحلّ الشكّ الواقع في أنّه ليس جوهر من الجواهر يقال من المضاف، إمّا ممّا يصعب جدّاً، وإمّا ممّا لا يمكن. وإن لم يكن على الكفاية لكن كانت الأشياء التي من المضاف الوجود لها هو أنّها مضافة على نحو من الأنحاء، فلعلّه يتهيّأ أن يقال شيء في
فسخ ذلك. فأمّا التحديد المتقدّم، فإنّه يلحق كلّما كان من المضاف؛ إلّا أنّه ليس معنى القول إنّ الوجود لها هو أنّها مضافة، هو معنى القول إنّ ماهيّاتها تقال بالقياس إلى غيرها. وبيّن من ذلك أنّ من عرف أحد المضافين محصّلاً، عرف أيضاً ذلك الذي إليه يضاف محصّلاً؛ وذلك ظاهر من هذا. فإنّ الإنسان متى علم أنّ هذا الشيء من المضاف، وكان الوجود للمضاف هو أنّه مضاف على نحو من الأنحاء، فقد علم أيضاً ذلك الشيء الذي هذا عنده بحال من الأحوال؛ فإنّه إن لم يعلم أصلاً ذلك الشيء الذي هذا عنده بحال من الأحوال، لم يعلم ولا أنّه عند شيء بحال من الأحوال. وذلك بيّن أيضاً في الجزئيّات؛ مثال ذلك: الضعف، فإنّ من علم الضعف على التحصيل، فإنّه على المكان يعلم أيضاً ذلك الشيء الذي هذا ضعفه محصّلاً؛ فإنّه إن لم يعلمه ضعفاً لشيء واحد محصّل، فليس يعلمه ضعفاً أصلاً. وكذلك أيضاً إن كان يعلم أنّ هذا المشار إليه أحسن، فقد يجب لذلك ضروة أن يكون يعلم أيضاً ذلك الشيء الذي هذا أحسن منه محصّلاً؛ فإنّه ليس يجوز أن يكون إنّما يعلم أنّ هذا أحسن ممّا دونه في الحسن، فإنّ ذلك إنّما يكون توهّماً لا علماً. وذلك أنّه ليس يعلم يقيناً أنّه أحسن ممّا دونه؛ فإنّه ربّما اتّفق ألّا يكون شيء دونه فيكون قد ظهر أنّه واجب ضرورة متى علم الإنسان أحد المضافين محصّلاً، أن يكون يعلم أيضاً ذلك الآخر الذي إليه أضيف محصّلاً. فأمّا الرأس، واليد، وكلّ واحد ممّا يجري مجراهما ممّا هي جواهر، فإنّ ماهيّاتها أنفسها قد تعرف محصّلة. فأمّا ما يضاف إليه فليس واجباً أن يعرف، وذلك أنّه لا سبيل إلى أن يعلم على التحصيل رأس من هذا، ويد من هذه؛ فيجب من ذلك أنّ هذه ليست من المضاف وإذ لم تكن هذه من المضاف، فقد يصحّ القول إنّه ليس جوهر من الجواهر من المضاف. إلّا أنّه خليق أن يكون قد يصعب التقحّم على إثبات الحكم على أمثال هذه الأمور، ما لم تتدبّر مراراً كثيرة؛ فأمّا التشكّك فيها فليس ممّا لا درك فيه.
(٨) في الكيف والكيفيّة
وأسمّي بالكيفيّة تلك التي بها يقال في الأشخاص كيف هي. والكيفيّة ممّا يقال على انحاء شتّى؛ فليسمّ، نوع واحد من الكيفيّة ملكة وحالاً. وتخالف الملكة الحال في أنّها أبقى وأطول زماناً، وما يجري هذا المجرى العلوم والفضائل، فإنّ العلم مظنون به أنّه من الأشياء الباقية التي تعسر حركتها، وإن كان الإنسان إنّما شدا من العلم ما لم يحدث عليه تغيّر فادح، عن مرض أو غيره ممّا أشبهه؛ وكذلك أيضاً الفضيلة، مثل العدل والعفّة وكلّ واحد ممّا أشبه ذلك قد يظنّ بها أنّها ليست بسهلة الحركة، ولا سهلة التغيّر؛ وأمّا الحالات فيسمّى بها الأشياء السهلة الحركة السريعة التغيّر، مثل الحرارة والبرودة والمرض والصحّة وسائر وما أشبه ذلك؛ فإنّ الإنسان قد قبل بهذه حالاً على ضرب من الضروب، إلّا أنّه قد يتغيّر بسرعة فيصير بارداً بعد إن كان حارّاً، وينتقل من الصحّة إلى المرض؛ وكذلك الأمر في سائرها. إلّا أن يكون الإنسان قد صارت هذه الأشياء أيضاً له لطول المدّة حالاً طبيعيّة لا شفاء لها، أو عسرت حركتها جدّاً، فلعلّه أن يكون للإنسان أن يسمّي هذه حينئذٍ ملكة. ومن البيّن أنّه إنّما يقتضي اسم الملكة الأشياء التي هي أطول زماناً وأعسر حركة؛ فإنّهم لا يقولون فيمن كان غير متمسّك بالعلوم تمسّكاً يعتدّ به، لكنّه سريع التنقّل، إنّ له ملكة؛ على أنّ لمن كان بهذه الصفة حالاً ما في العلم إمّا أخسّ وإمّا أفضل. فيكون الفرق بين الملكة وبين الحال أنّ هذه سهلة الحركة وتلك أطول زماناً وأعسر تحرّكاً. والملكات هي أيضاً حالات، وليست الحالات ضرورة ملكات. فإنّ من كانت له ملكة، فهو بها
بحال ما أيضاً من الأحوال؛ وأمّا من كان بحال من الأحوال فليست له لا محالة ملكة.
وجنس آخر من الكيفيّة، هو الذي به نقول ملاكزيّين، أو محاضريّين، أو مصحّحين، أو ممراضين، وبالجملة ما قيل بقوّة طبيعيّة أو لا قوّة. وذلك أنّه ليس يقال كلّ واحد من أشباه هذه، لأنّ له حالاً ما، لكن من قبل أنّ له قوّة طبيعيّة، أو لا قوّة في أن يفعل شيئاً ما بسهولة، أو لا ينفعل شيئاً؛ مثال ذلك: أنّه يقال ملاكزيّون، أو محاضريّون، ليس من قبل أنّ لهم حالاً ما، لكن من قبل أنّ لهم قوّة على أن يفعلوا شيئاً بسهولة؛ ويقال مصحّحون من قبل أنّ لهم قوّة طبيعيّة على ألّا ينفعلوا شيئاً بسهولة من الآفات العارضة. ويقال ممراضون، من قبل أنّه لا قوّة لهم طبيعيّة على ألّا ينفعلوا شيئاً؛ وكذلك أيضاً الأمر في الصلب، وفي اللين؛ فإنّه يقال صلب، من قبل أنّ له قوّة على ألّا ينقطع بسهولة، ويقال ليّن من قبل أنّه لا قوّة له على هذا المعنى نفسه.
وجنس ثالث من الكيفيّة، كيفيّات انفعاليّة وانفعالات؛ ومثالات ذلك: هذه الحلاوة والمرارة، وكلّ ما كان مجانساً لهذين؛ وأيضاً الحرارة والبرودة والبياض والسواد. وظاهر أنّ هذه كيفيّات، لأنّ ما قبلها قيل فيه بها كيف هو؛ مثال ذلك: العسل يقال حلو لأنّه قبل الحلاوة، والجسم يقال أبيض لأنّه قبل البياض؛ وكذلك يجري الأمر في سائرها. ويقال كيفيّات انفعاليّة ، ليس من قبل أنّ تلك الأشياء أنفسها التي قبلت هذه الكيفيّات انفعلت شيئاً، فإنّ العسل ليس يقال حلواً، من قبل أنّه انفعل شيئاً، ولا واحد من سائر ما أشبهه. وعلى مثال هذه أيضاً، الحرارة والبرودة تقالان كيفيّتين انفعاليّتين، ليس من قبل أنّ تلك الأشياء أنفسها التي قبلتها انفعلت شيئاً؛ بل إنّما يقال لكلّ واحدة من هذة الكيفيّات، التي ذكرناها،
تقال كيفيّات؛ ومثال ذلك: تيه العقل والغضب وما يجري مجراهما، فإنّهم به يقال فيهم بها، كيف هم؛ فيقال غضوب وتائه العقل؛ وكذلك أيضاً سائر أصناف تيه العقل، إذا لم تكن طبيعيّة لكن كان تولّدها عن عوارض ما أخر، يعسر التخلّص منها، اوهى غير زائلة أصلاً، يقال كيفيّات؛ وذلك أنّه يقال فيهم بها كيف هم؛ وما كان حدوثه فيها عن أشياء سهلة وشيكة العودة إلى الصلاح، فإنّها تقال انفعالات؛ مثال ذلك: الإنسان إن اغتمّ، فأسرع غضبه، فإنّه ليس يقال غضوباً من أسرع غضبه بمثل هذا الانفعال، بل أحرى أن يقال إنّه انفعل شيئاً؛ فتكون هذه إنّما تقال انفعالات لا كيفيّات.
وجنس رابع من الكيفيّة الشكل والخلقة الموجودة في واحد واحد؛ ومع هذين أيضاً الاستقامة والانحناء وشيء إن كان يشبه هذه، وبكلّ واحد من هذه يقال كيف الشيء؛ فإنّه قد يقال في الشيء بأنّه مثلّث أو مربّع كيف هو، وبأنّه مستقيم أو منحنٍ؛ ويقال أيضاً كلّ واحد بالخلقة كيف هو. فأمّا المتخلخل والمتكاثف والخشن والأملس، فقد يظنّ أنّها تدلّ على كيف ما؛ إلّا أنّه قد يشبه أن تكون هذه وما أشبهها مباينة للقسمة التي في الكيف، وذلك أنّه قد يظهر أنّ كلّ واحد منهما أحرى بأن يكون إنّما يدلّ على وضع ما للأجزاء، فإنّه إنّما يقال كثيف، بأنّ أجزاءه متقارب بعضها من بعض، ويقال متخلخل بأنّ أجزاءه متباعدة بعضها عن بعض، ويقال أملس بأنّ أجزاءه موضوعة على استقامة ما، ويقال خشن بأنّ بعضها يفضل وبعضها يقصّر. ولعلّه قد يظهر للكيفيّة ضرب ما آخر، إلّا أنّ ما يذكر خاصّة من ضروبها فهذا مبلغه. فالكيفيّات هي هذه التي ذكرت.
وذوات الكيفيّة هي التي يقال بها على طريق المشتقّة أسماؤها، أو على طريق آخر منها كيف كان؛ فأمّا في أكثرها، وفي جميعها، إلّا الشاذّ
منها، فإنّما يقال على طريق المشتقّة أسماؤها؛ مثال ذلك: من البياض أبيض، ومن البلاغة بليغ، ومن العدالة عدل؛ وكذلك في سائرها. وأمّا في الشاذّ منها، فلأنّه لم يوضع للكيفيّات أسماء فليس يمكن أن يكون يقال منها على طريق المشتقّة أسماؤها؛ مثال ذلك: المحاضريّ أو الملاكزيّ، الذي يقال بقوّة طبيعيّة، فليس يقال، في اللسان اليونانيّ، من كيفيّة من الكيفيّات على طريق المشتقّة أسماؤها؛ وذلك أنّه لم يوضع للقوى، في اللسان اليونانيّ، اسم فيقال بها هو لا كيف هم، كما وضع للعلوم وهي التي بها يقال ملاكزيّين أو مناضليّين، من طريق الحال؛ فإنّه يقال علم ملاكزيّ أي علم الملاكزة، وعلم مناضليّ أي علم المناضلة؛ ويقال في حالهم من هذه، على طريق المشتقّة أسماؤها، كيف هم. وربّما كان لها اسم موضوع، ولا يقال المكيّف بها على طريق المشتقّة أسماؤها؛ مثال ذلك: من الفضيلة مجتهد؛ فإنّ الذي له فضيلة إنّما يقال مجتهد، ولا يقال، في اللسان اليونانيّ، من الفضيله، على طريق المشتقّة أسماؤها. وليس ذلك في الكثير. فذوات الكيفيّة تقال التي تدعى من الكيفيّات التي ذكرت على طريق المشتقّة أسماؤها، أو على طريق آخر منها كيف كان.
وقد يوجد أيضاً في الكيف مضادّة؛ مثال ذلك: أنّ العدل ضدّ الجور؛ وكذلك البياض والسواد وسائر ما أشبه ذلك؛ وأيضاً ذوات الكيفيّة بها، مثال ذلك: الجائر للعادل، والأبيض للأسود، إلّا أنّ ذلك ليس فيها كلّها، فإنّه ليس للأشقر ولا للأصفر ولا لما أشبه ذلك من الألوان ضدّ أصلاً، وهي ذوات كيفيّة، وأيضاً إن كان أحد المتضادّين، أيّهما كان، كيفاً فإنّ الآخر أيضاً يكون كيفاً؛ وذاك بيّن لمن تصفح سائر النعوت، مثال ذلك: إن كان العدل ضدّ الجور، وكان العدل كيفاً، فإنّ الجور أيضاً كيف؛ فإنّه لا يطابق الجور ولا واحداً من سائر النعوت، لا الكمّ مثلاً،
ولا المضاف، ولا أين ولا واحداً من سائر ما يجري مجراها بتّة ما خلا الكيف؛ وكذلك في سائر المتضادّات التي في الكيف.
وقد يقبل أيضاً الكيف الأكثر والأقلّ فإنّه يقال إنّ هذا أبيض بأكثر من غيره، أو بأقلّ؛ وهذا عادل بأكثر من غيره، أو بأقلّ؛ وهي أنفسها تحتمل الزيادة؛ فإنّ الشيء الأبيض قد يمكن أن يزيد بياضه فيصير أشدّ بياضاً. وليس كلّها، ولكن أكثرها. فإنّه ممّا يشكّ فيه، هل تقال عدالة أكثر أو أقلّ من عدالة؛ وكذالك في سائر الحالات. فإنّ قوماً يمارون في أشباه هذه، فيقولون إنّه لا يكاد أن يقال عدالة أكثر ولا أقلّ من عدالة، ولا صحّة أكثر ولا أقلّ من صحّة؛ ولكنّهم يقولون إنّ لهذا صحّة أقلّ ممّا لغيره ولهذا عدالة أقلّ ممّا لغيره؛ وعلى هذا المثال، لهذا كتابة أقلّ من كتابة غيره، وسائر الحالات. فأمّا ما تسمّى بها فإنّها تقبل الأكثر والأقلّ بلا شكّ؛ فإنّه يقال إنّ هذا أبلغ من غيره، وأعدل وأصحّ، وكذلك الأمر في سائرها. وأمّا المثلّث والمربّع، فلن يظنّ أنّهما يقبلان الأكثر لا الأقلّ، ولا شيء من سائر الأشكال البتّة. فإنّ ما قبل قول المثلّث أو قول الدائرة. فكلّه على مثال واحد مثلّثات ودوائر؛ وما لم يقبله فليس يقال إنّ هذا أكثر من غيره فيه، فإنّه ليس المربّع في أنّه دائرة أكثر من المستطيل إذ كان ليس يقبل ولا واحد منهما حدّ الدائرة. وبالجملة إنّما يوجد أحد الشيئين أكثر من الآخر، إذا كانا جميعاً يقبلان قول الشيء الذي يقصد له؛ فليس كلّ الكيف إذاً يقبل الأكثر والأقلّ.
فهذه التي ذكرت ليس منها شيء هو خاصّة الكيفيّة. فأمّا الشبيه وغير الشبيه، فإنّما يقالان في الكيفيّات وحدهما؛ فإنّه ليس يكون هذا شبيهاً بغيره بشيء، غير ما هو به كيف. فتكون خاصّة الكيفيّة أنّ بها يقال شبيه وغير شبيه.
وليس ينبغي أن يتداخلك الشكّ فتقول إنّا قصدنا للكلام في الكيفيّة، فعدّدنا كثيراً من المضاف، إذ الملكات والحالات من المضاف. فإنّه يكاد أن تكون أجناس هذه كلّها وما أشبهها إنّما تقال من المضاف؛ وأمّا الجزئيّات، فلا شيء منها البتّة، فإنّ العلم، وهو جنس، ماهيّته إنّما تقال بالقياس إلى غيره (وذلك أنّه إنّما يقال علم بشيء)؛ فأمّا الجزئيّات فليس شيء منها ماهيّته تقال بالقياس إلى غيره؛ مثال ذلك: النحو، ليس يقال نحواً بشيء، ولا الموسيقى هي موسيقى بشيء، اللّهمّ إلّا أن تكون هذه أيضاً قد تقال من المضاف، من طريق الجنس؛ مثال ذلك: النحو يقال علماً بشيء، لا نحواً بشيء؛ والموسيقى علم بشيء، لا موسيقى بشيء؛ فيجب أن تكون الجزئيّات ليست من المضاف. ويقال لنا ذوي كيفيّة بالجزئيّات، وذلك أنّه إنّما لنا هذه، فإنّا إنّما يقال لنا علماً، بأنّ لنا من الجزئيّة. فيجب من ذلك أن تكون هذه أيضاً، أعني الجزئيّات، كيفيّات وهي التي بها تدعى ذوي كيفيّة، وليس هذه من المضاف. وأيضاً إن ألغىي شيء واحد بعينه كيفاً ومضافاً، فليس بمنكر أن يعدّ في الجنسين جميعاً.
(٩) فى يفعل وينفعل
وقد يقبل يفعل وينفعل مضادّة والأكثر والأقلّ. فإنّ يسخن، مضادّ ليبرد، ويسخن مضادّ ليبرّد، ويلذّ مضادّ ليتأذّى؛ فيكونان قد يقبلان المضادّة. وقد يقبلان أيضاً الأكثر والأقلّ. فإنّ يسخن قد يكون أكثر وأقلّ، ويسخن أكثر وأقلّ، ويتأذّى أكثر وأقلّ. فقد يقبل إذاً يفعل وينفعل الأكثر والأقلّ.
فهذا مبلغ ما نقوله في هذه. وقد قيل في الموضوع أيضاً، في باب المضاف، إنّه إنّما يقال من الوضع، على طريق المشتقّة أسماؤها. فأمّا في
الباقية، أعني في متى وفي أين وفي له، فإنّها إذ كانت واضحة، لم نقل فيها شيئاً سوى ما قلناه بدءاً من أنّه يدلّ، أمّا على له، فمنتعل؛ متسلّح؛ وأمّا على أين، فمثل قولك: في لوقين؛ وسائر ما قلناه فيها.
فهذا ما نكتفي به من القول في الأجناس التي إيّاها قصدنا.
(١٠) في المتقابلات
وقد ينبغي أن نقول في المتقابلات على كم جهة من شأنها أن تتقابل. فنقول إنّ الشيء يقال إنّه يقابل غيره على أربعة أوجه: إمّا على طريق المضاف، وإمّا على طريق المضادّة، وإمّا على طريق العدم والملكة، وإمّا على طريق الموجبة والسالبة. فتقابل واحد واحد من هذه، إذا قيل على طريق الرسم، أمّا على طريق المضاف، فمثل الضعف للنصف؛ وأمّا على طريق المتضادّة، فمثل الشرير للخيّر؛ وأمّا على طريق العدم والملكة، فمثل العمى والبصر؛ وأمّا على طريق الموجبة والسالبة، فمثل جالس ليس بجالس.
فما كان يقابل على طريق المضاف، فإنّ ماهيّته إنّما تقال بالقياس إلى الذي إليه يقابل، أو على نحو آخر من أنحاء النسبة إليه؛ مثال ذلك: الضعف عند النصف؛ فإنّ ماهيّته إنّما تقال بالقياس إلى غيره، وذلك أنّه إنّما هو ضعف لشيء؛ والعلم أيضاً يقابل المعلوم على طريق المضاف، وماهيّة العلم إنّما تقال بالقياس إلى المعلوم؛ والمعلوم أيضاً فماهيّته إنّما تقال بالنسبة إلى مقابله، أي إلى العلم، فإنّ المعلوم إنّما يقال إنّه معلوم عند شيء أي عند العلم.
فما كان إذا يقابل على طريق المضاف، فإنّ ماهيّته إنّما تقال بالقياس إلى غيره، أو يقال بعضها عند بعض على نحو آخر. فأمّا على طريق المتضادة، فإنّ ماهيّاتها لا تقال أصلاً بعضها عند بعض، بل إنّما يقال إنّ بعضها مضادّ لبعض. فإنّه ليس يقال إنّ الخيّر هو خيّر للشرير، بل مضادّ له؛ ولا الأبيض أبيض للأسود، بل مضادّ له. فتكون هاتان المتقابلتان
مختلفتين. وما كان من المتضادّة هذه حالها، أعني أنّ الأشياء التي من شأنها أن يكون وجودها فيها، أو الأشياء التي تنعت بها، يجب ضرورة أن يكون أحد المتضادّين موجوداً فيها، فليس فيما بينها متوسّط أصلاً. وما كان ليس واجباً أن يكون أحدهما موجوداً فيها، فتلك فيما بينهما متوسّط ما لا محالة؛ مثال ذلك: الصحّة والمرض، من شأنهما أن يكونا في بدن الحيوان، ويجب ضرورة أن يكون أحدهما، أيّهما كان، موجوداً في بدن الحيوان، إمّا المرض وإمّا الصحّة. والفرد والزوج ينعت بهما العدد، ويجب ضرورة أن يوجد أحدهما، أيّهما كان، في العدد، إمّا الفرد وإمّا الزوج، وليس فيما بين هذه متوسّط البتّة، لا بين الصحّة والمرض ولا بين الفرد والزوج. فأمّا ما لم يكن واجباً أن يوجد فيها أحدهما، فتلك فيما بينها متوسّط؛ مثال ذلك: السواد والبياض، من شأنهما أن يكونا في الجسم، وليس واجباً أن يكون أحدهما موجوداً في الجسم؛ فإنّه ليس كلّ جسم فهو إمّا أبيض وإمّا أسود. والمحمود والمذموم، قد ينعت بهما الإنسان، وينعت بهما أيضاً أشياء كثيرة غيره؛ إلّا أنّه ليس بواجب ضرورة أن يكون أحدهما موجوداً في تلك الأشياء التي تنعت بهما. وذلك أنّه ليس كلّ شيء فهو إمّا محمود وإمّا مذموم؛ فبين هذه متوسّطات ما؛ مثال ذلك: أنّ بين الأبيض وبين الأسود الأدكن والأصفر وسائر الألوان، وبين المحمود والمذموم ما ليس بمحمود ولا مذموم. فإنّ في بعض الأمور، قد وضعت أسماء للأوساط؛ مثال ذلك: أنّ بين الأبيض وبين الأسود الأدكن والأصفر؛ وفي بعضها لا يمكن العبارة عن الأوسط باسم، بل إنّما يجد الأوسط بسلب الطرفين؛ مثال ذلك: لا جيّد ولا رديء، ولا عدل ولا جور.
ج. فأمّا العدم والملكة، فإنّهما يقالان في شيء واحد بعينه؛ مثال ذلك: البصر والعمى في العين. وعلى جملة من القول، كلّ ما كان من شأن
الملكة أن تكون فيه، ففيه يقال كلّ واحد منهما. وعند ذلك نقول في كلّ واحد ممّا هو قابل للملكة، إنّه عادم عندما لا تكون موجودة للشيء الذي من شأنها أن تكون موجودة له، وفي الحين الذي من شأنها أن تكون له فيه؛ فإنّا إنّما نقول أدرد لا لمن لم تكن له أسنان، ونقول أعمى لا لمن لم يكن له بصر، بل إنّما نقول ذلك فيما لم يكونا له في الوقت الذي من شأنهما أن يكونا له فيه. فإنّ البعض ليس له حين يولد لا بصر ولا أسنان، ولا يقال فيه إنّه أدرد ولا إنّه أعمى. وليس أن يعدم الملكة وأن يوجد الملكة هما العدم والملكة من ذلك أنّ البصر والعمى عدم، وليس أن يوجد البصر هو البصر، ولا أن يوجد العمى هو العمى فإنّ العمى هو عدم ما فأمّا أن يكون الحيوان أعمى، فهو أن يعدم البصر، وليس هو العدم. فإنّه لو كان العمى وأن يوجد العمى شيئاً واحداً بعينه، لقد كانا جميعاً ينعت بهما شيء واحد بعينه؛ غير أنّا نجد الإنسان يقال له أعمى ولا يقال له عمى على وجه من الوجوه. ومظنون أنّ هذين أيضاً يتقابلان، أعني أن يعدم الملكة وأن يوجد الملكة، كتقابل العدم والملكة. وذلك أنّ جهة المضادّة واحدة بعينها؛ فإنّه كما العمى يقابل البصر كذلك الأعمى يقابل البصير.
د. وليس أيضاً ما تقع عليه الموجبة والسالبة موجبة ولا سالبة؛ فإنّ الموجبة قول موجب، والسالبة قول سالب. فأمّا ما تقع عليه الموجبة والسالبة، فليس منها شيء هو قول. ويقال في هذه أيضاً إنّها تقابل بعضها بعضاً، مثل الموجبة والسالبة، فإنّ في هذه أيضاً جهة المقابلة واحدة بعينها. وذلك أنّه كما الموجبة تقابل السالبة، مثال ذلك: قولك إنّه جالس، لقولك إنّه ليس بجالس، كذلك يتقابل أيضاً الأمران اللذان يقع عليهما كلّ واحد من القولين، أعني الجلوس لغير الجلوس.
ه. فأمّا أنّ العدم والملكة ليسا متقابلين تقابل المضاف، فذلك ظاهر. فإنّه ليس ماهيّته تقال بالقياس إلى مقابله. وذلك أنّ البصر ليس هو بصراً بالقياس إلى العمى، ولا ينسب إليه على جهة أخرى أصلاً؛ وكذلك أيضاً ليس يقال للعمى عمى للبصر، بل إنّما يقال للعمى عدم للبصر فأمّا عمى للبصر فلا يقال. وأيضاً فإنّ كلّ مضافين، فكلّ واحد منهما يرجع على صاحبه في القول بالتكافؤ. فقد كان يجب في العمى أيضاً كان من المضاف أن يرجع بالتكافؤ على ذلك الشيء الذي إليه يضاف بالقول لكنّه ليس يرجع بالتكافؤ؛ وذلك أنّه ليس يقال إنّ البصر هو بصر للعمى.
ومن هذه الأشياء يتبيّن أيضاً أنّ التي تقال على طريق العدم والملكة ليست متقابلة تقابل المضاف، فإنّ المتضادّين اللذين ليس بينهما متوسّط أصلاً، قد يجب ضرورة أن يكون أحدهما موجوداً دائماً في الشيء الذي فيه من شأنها أن تكون، أو في الأشياء التي تنعت بها. فإنّ الأشياء التي ليس بينها متوسّط أصلاً، كانت الأشياء التي يجب ضرورة أن يكون أحد الشيئين منها موجوداً في القابل؛ مثال ذلك: في المرض والصحّة والفرد والزوج. فأمّا اللذان بينهما متوسّط ما، فليس واجباً ضرورة، في حين من الزمان، أن يكون أحدهما موجوداً في كلّ شيء؛ فإنّه ليس كلّ شيء قابل فواجب ضرورة أن يكون، إمّا أبيض وإمّا أسود، وإمّا حارّاً وإمّا بارداً. وذلك أنّه ليس مانع من أن يكون إنّما يوجد فيه شيء ممّا في الوسط. وأيضاً فإنّه قد كانت الأشياء التي بينها متوسّط ما، هي الأشياء التي ليس واجباً ضرورة أن يكون أحد الشيئين موجوداً في القابل، ما لم يكن أحدهما موجوداً بالطبع: مثل أنّ للنار أنّها حارّة، والثلج أنّه
أبيض؛ وفي هذه وجود أحد الشيئين محصّلاً واجب لا أيّهما اتّفق. فإنّه ليس يمكن أن تكون النار باردة، ولا الثلج أسود؛ فيكون ليس يجب وجود أحد الشيئين، أيّهما كان، في كلّ قابل لكن وجود الواحد فيما هو له بالطبع، دون غيره؛ ووجود الواحد في هذه محصّلاً، لا أيّهما اتّفق. فأمّا في العدم والملكة، فليس يصحّ ولا واحد من الأمرين اللذين ذكرا؛ وذلك أنّه ليس يجب ضرورة أن يوجد دائماً في القابل أحدهما، أيّهما كان؛ فإن لم يبلغ بعد إلى أن يكون من شأنه أن يبصر، فليس يقال فيه لا إنّه أعمى، ولا إنّه بصير؛ فيكون هذان ليسا من المتضادّات التي ليس بينها متوسّط أصلاً، ولا هما أيضاً من المتضادّات التي بينها متوسّط ما؛ فإنّ أحدهما موجود في كلّ قابل ضرورة، أعني أنّه إذا صار في أحد ما من شأنه أن يكون له بصر، فحينئذٍ يقال له أعمى أو بصير، وليس يقال فيه أحدهما محصّلاً، لكن أيّهما اتّفق؛ فإنّه ليس يجب فيه لا العمى ولا البصر، بل أيّهما اتّفق. فأمّا المتضادّات التي بينها متوسّط، فلم يكن يلزم ضرورة في وقت من الأوقات أن يكون أحدهما موجوداً في الكلّ، لكن في البعض؛ وفي هذه أيضاً أحدهما محصّل. فيكون قد تبيّن من ذلك أنّ التي تقال على طريق العدم والملكة، ليست تتقابل ولا كواحدة من جهتي تقابل المتضادّات.
وايضا فإنّ المتضادّات إذا كان القابل موجوداً، فقد يمكن أن يكون تغيّر من كلّ واحد من الأمرين إلى الآخر، ما لم يكن الواحد موجوداً لشيء بالطبع، مثل ما للنار الحرارة؛ فإنّ الصحيح قد يمكن أن يمرض، والأبيض قد يمكن أن يصير أسود، والبارد قد يمكن أن يصير حارّاً، والصالح قد يمكن أن يصير طالحاً، والطالح قد يمكن أن يصير صالحاً. فإنّ الصالح إذا نقل إلى معاشرة من هو على مذاهب وأقاويل أجمل، فإنّه
قد يأخذ على طريق الفضيلة ولو يسيراً؛ وإن هو أخذ في هذا الطريق مرّة واحدة، فمن البيّن أنّه إمّا أن ينتقل عمّا كان عليه على التمام، وإمّا أن يمعن في ذلك إمعاناً كثيراً. وذلك أنّه كلّما مرّ، ازدادت سهولة الحركة عليه إلى الفضيلة؛ وإذا أخذ في هذا الطريق، ولو أخذاً يسيراً منذ أوّل الأمر، حتّى يكون وشيكاً بأن يمعن فيه، ثمّ تمادى في ذلك، ودام عليه، انتقل على التمام إلى الملكة المضادّة لها إن لم يقصر به الزمان. فأمّا العدم والملكة، فليس يمكن أن يكون فيهما التغيّر من البعض إلى البعض؛ فإنّ التغيّر من الملكة إلى العدم قد يقع، وأمّا من العدم إلى الملكة فلا يمكن أن يقع، فإنّه لا من صار أعمى يعود فيبصر، ولا من صار أصلع يعود ذا جمّة، ولا من كان أدرد تنبت له الأسنان.
ومن البيّن أنّ التي تتقابل على طريق الموجبة والسالبة، فليس تقابلها ولا على واحد من هذه الأنحاء التي ذكرت؛ فإنّ في هذه وحدها يجب ضرورة أن يكون أبداً أحدهما صادقاً، والآخر كاذباً. وذلك أنّه لا في المتضادّات يجب ضرورة أن يكون أبداً أحدهما صادقاً، والآخر كاذباً، ولا في المضاف، ولا في العدم والملكة؛ مثال ذلك: الصحّة والمرض متضادّان، وليس واحد منهما لا صادقاً ولا كاذباً؛ وكذلك الضعف والنصف يتقابلان على طريق المضاف، وليس واحداً منهما لا صادقاً ولا كاذباً. ولا أيضاً التي على جهة العدم والملكة، مثل البصر والعمى. وبالجملة فإنّ التي تقال بغير تأليف أصلاً، فليس شيء منها لا صادقاً ولا كاذباً؛ وهذه التي ذكرت كلّها، إنّما تقال بغير تأليف. إلّا أنّه قد يظنّ أنّ ذلك يلزم خاصّة في المتضادّات التي تقال بتأليف. فإنّ سقراط صحيح مضادّ لسقراط مريض، لكنّه ليس يجب ضرورة دائماً، ولا في هذه، أن يكون أحدهما صادقاً، والآخر كاذباً؛ فإنّ سقراط إذا كان موجوداً كان أحدهما صدقاً، والآخر كذباً؛ وإذا لم يكن موجوداً، فهما جميعاً كاذبان. وذلك أنّه متى لم
يكن سقراط موجوداً البتّة، لم يكن صدقاً، لا أنّ سقراط مريض ولا أنّه صحيح. فأمّا في العدم والملكة، فإنّ العين إذا لم تكن موجودة، أصلاً لم يكن ولا واحد من الأمرين صدقاً؛ ومتى كانت أيضاً موجودة، لم يكن أبداً أحدهما صدقاً؛ فإنّ سقراط بصير، مقابل لسقراط أعمى تقابل العدم والملكة؛ وإذا كان موجوداً، فليس واجباً ضرورة أن يكون أحدهما صادقاً أو كاذباً (فإنّه ما لم يأت الوقت الذي من شأنه أن يكون فيه بصيراً أو أعمى فهما جميعاً كاذبان)؛ ومتى لم يكن أيضاً سقراط أصلاً؛ فعلى هذا الوجه أيضاً الأمران جميعاً كاذبان، أعني أنّه بصير وأنّه أعمى. فأمّا في الموجبة والسالبة فأبداً كان موجوداً، أو لم يكن موجوداً، أحدهما يكون كاذباً والآخر صادقاً. فإنّ القول بأنّ سقراط مريض، وأنّ سقراط ليس مريضاً، إن كان سقراط موجوداً، فظاهر أنّ أحدهما صادق أو كاذب؛ وإن لم يكن موجوداً، فعلى هذا المثال؛ فإنّ القول بأنّ سقراط مريض، إذا لم يكن سقراط موجوداً كاذب؛ والقول بأنّه ليس مريضاً صادق. فيكون في هذه وحدها خاصّة، أحد القولين أبداً صادقاً أو كاذباً، أعني التي تتقابل على طريق الموجبة والسالبة.
(١١) ا. والشرّ ضرورة مضادّ للخير؛ وذلك بيّن بالاستقراء في الجزئيّات؛ مثال ذلك: المرض للصحّة، والجور للعدل، والجبن للشجاعة؛ وكذلك أيضاً في سائرها. فأمّا المضادّ للشرّ، فربّما كان الخير، وربّما كان الشرّ؛ فإنّ النقص وهو شرّ، يضادّه الإفراط، وهو شرّ. وكذلك التوسّط مضادّ لكلّ واحد منهما، وهو خير. وإنّما يوجد ذلك في اليسير من الأمور؛ فأمّا في أكثرها، فإنّما الخير دائماً مضادّ للشرّ.
ب. وأيضاً فإنّ المتضادّين ليس واجباً ضرورة، متى كان أحدهما
موجوداً، أن يكون الباقي موجوداً؛ وذلك أنّه إن كانت الأشياء كلّها صحيحة، فإنّ الصحّة تكون موجودة، فأمّا المرض فلا، وإن كانت الأشياء كلّها بيضاء، فإنّ البياض موجود، فأمّا السواد فلا. وأيضاً إن كان أنّ سقراط صحيح مضادّاً لأنّ سقراط مريض، وكان لا يمكن أن يكونا جميعاً موجودين فيه بعينه، فليس يمكن، متى كان أحد هذين المتضادّين موجوداً، أن يكون الباقي أيضاً موجوداً. فإنّه متى كان موجوداً أنّ سقراط صحيح، فليس يمكن أن يكون موجوداً أنّ سقراط مريض.
ج. ومن البيّن، أنّ كلّ متضادّين فإنّما شأنهما أن يكونا في شيء واحد بعينه؛ فإنّ الصحّة والمرض في جسم الحيّ، والبياض والسواد في الجسم على الإطلاق، والعدل والجور في نفس الإنسان. وقد يجب في كلّ متضادّين، إمّا أن يكونا في جنس واحد بعينه، وإمّا أن يكونا في جنسين متضادّين؛ وإمّا أن يكونا أنفسهما جنسين؛ فإنّ الأبيض والأسود في جنس واحد بعينه (وذلك أنّ جنسهما اللون) فأمّا العدل والجور، ففي جنسين متضادّين (فإنّ الجنس لذاك فضيلة، ولهذا رذيلة)؛ وأمّا الخير والشرّ فليسا في جنس، بل هما أنفسهما جنسان لأشياء.
(١٢) في المتقدّم
ا. يقال إنّ شيئاً متقدّم لغيره على أربعة أوجه. أمّا الأوّل وعلى التحقيق فبالزمان، وهو الذي به يقال إنّ هذا أسنّ من غيره، أو هذا أعتق من غيره. فإنّه إنّما يقال أسنّ أو أعتق من جهة أنّ زمانه أكثر.
ب. وأمّا الثاني فما لا يرجع بالتكافؤ في لزوم الوجود؛ مثال ذلك: أنّ الواحد متقدّم للاثنين، لأنّ الاثنين متى كانا موجودين لزم بوجودهما وجود الواحد. فإن كان الواحد موجوداً فليس واجباً ضرورة وجود الاثنين.
فيكون لا يرجع بالتكافؤ من وجود الواحد لزوم وجود الاثنين. ومظنون أنّ ما لم يرجع منه بالتكافؤ في لزوم الوجود، فهو متقدّم.
ج. وأما المتقدّم الثالث فيقال على مرتبة ما، كما يقال في العلوم وفي الأقاويل. فإنّ في العلوم البرهانيّة قد يوجد المتقدّم والمتأخّر في المرتبة. وذلك أنّ الأسطقسّات متقدّمة للرسوم في المرتبة؛ وفي الكتابة، حروف المعجم متقدّمة للهجاء. وفي الأقاويل أيضاً، على هذا المثال، الصدر متقدّم للاقتصاص في المرتبة.
د. وأيضاً ممّا هو خارج عمّا ذكر، الأفضل والأشرف، قد يظنّ أنّه متقدّم في الطبع. ومن عادة الجمهور أن يقولوا في الأشرف عندهم والذين يخصّونهم بالمحبّة، إنّهم متقدّمون عندهم. ويكاد أن يكون هذا الوجه أشدّ هذه الوجوه مباينة. فهذا يكاد أن يكون مبلغ الأنحاء التي يقال عليها المتقدّم.
ه. ومظنون أنّ هاهنا نحواً آخر للمتقدّم خارجاً عن الأنحاء التي ذكرت فإنّ السبب من الشيئين الذين يرجعان بالتكافؤ في لزوم الوجود، على أيّ جهة كان سبباً لوجود الشيء الآخر فبالواجب يقال إنّه متقدّم بالطبع. ومن البيّن أنّ هاهنا أشياء ما تجري هذا المجرى؛ إنّ الإنسان موجود يرجع بالتكافؤ في لزوم الوجود على القول الصادق فيه. فإنّه إن كان الإنسان موجوداً، فإنّ القول بأنّ الإنسان موجود صادق؛ وذلك يرجع بالتكافؤ. فإنّه إن كان القول بأنّ الإنسان موجود صادقاً فإنّ الإنسان موجود؛ إلّا أنّ القول الصادق لا يمكن أن يكون سبباً لوجود الأمر بل الذي يظهر أنّ الأمر سبب على جهة من الجهات لصدق القول. وذلك أنّ بوجود الأمر، أو بأنّه غير موجود، يقال إنّ القول صادق أو كاذب. فيكون قد يقال إنّ شيئاً متقدّم لغيره على خمسة أوجه.
(١٣) في معاً
ا. يقال معاً على الإطلاق والتحقيق في الشيئين إذا كان تكوّنهما في زمان واحد بعينه؛ فإنّه ليس واحد منهما متقدّماً ولا متأخّراً. وهذان يقال فيهما إنّهما معاً في الزمان.
ب. ويقال معاً بالطبع في الشيئين إذا كانا يرجعان بالتكافؤ في لزوم الوجود ولم يكن أحدهما سبباً أصلاً لوجود الآخر؛ مثال ذلك: في الضعف والنصف فإنّ هذين يرجعان بالتكافؤ (وذلك أنّ الضعف إذا كان موجوداً فالنصف موجود، والنصف إذا كان موجوداً، فالضعف موجود) وليس ولا أحد منهما سبباً لوجود الآخر.
ج. والتي هي من جنس واحد قسيمة بعضها لبعض، يقال إنّها معاً بالطبع والقسيمة بعضها لبعض يقال إنّها التي بتقسيم واحد. مثال ذلك: الطائر قسيم المشّاء والسابح. فإنّ هذه قسيمة بعضها لبعض من جنس واحد؛ وذلك أنّ الحيّ ينقسم إلى هذه أعني إلى الطائر والماشي والسابح، وليس واحد من هذه أصلاً متقدّماً ولا متأخّراً لكن أمثال هذه مظنون بها معاً بالطبع. وقد يمكن أن يقسم كلّ واحد من هذه أيضاً إلى أنواع؛ مثال ذلك: الحيوان المشّاء والطائر والسابح؛ فتكون تلك أيضاً معاً بالطبع أعني التي هي من جنس واحد بتقسيم واحد. فأمّا الأجناس فإنّها أبداً متقدّمة وذلك أنّها لا ترجع بالتكافؤ بلزوم الوجود؛ مثال ذلك: أنّ السابح إذا كان موجوداً فالحيّ موجود؛ وإذا كان الحيّ موجوداً، فليس واجباً ضرورة أن يكون السابح موجوداً.
فالتي يقال إنّها معاً بالطبع هي التي ترجع بالتكافؤ بلزوم الوجود، وليس واحد من الشيئين سبباً أصلاً لوجود الآخر. والتي هي من جنس واحد قسيمة
بعضها لبعض؛ فأمّا التي تقال على إطلاق إنّها معاً، فهي التي تكوّنها في زمان واحد بعينه.
(١٤) في الحركة
أنواع الحركة ستّة: التكوّن، والفساد، والنموّ، والنقص، والاستحالة، والتغيّر بالمكان.
فأمّا سائر هذه الحركات بعد الاستحالة، فظاهر أنّها مخالفة بعضها لبعض؛ وذلك أنّه ليس التكوّن فساداً، ولا النموّ نقصاً. ولا التغيّر بالمكان، وكذلك سائرها. فأمّا الاستحالة فقد يسبق إلى الظنّ فيها أنّه يجب ضرورة أن يكون ما يستحيل بحركة ما من سائر الحركات، وليس ذلك بحقّ فإنّا يكاد أن يكون في جميع التأثيرات التي تحدث فينا، أو في أكثرها، يلزمنا الاستحالة وليس يشوبنا في ذلك شيء من سائر الحركات. فإنّ المتحرّك بالتأثير، ليس يجب لا أن ينمي، ولا أن يلحقه نقص وكذلك في سائرها فتكون الاستحالة غير سائر الحركات فإنّها لو كانت هي وسائر الحركات شيئاً واحداً، لقد كان يجب أن يكون ما استحال فقد نمى لا محالة أو نقص أو لزمه شيء من سائر الحركات؛ لكن ليس ذلك واجباً. وكذلك أيضاً ما نمى أو تحرّك حركة ما أخرى، كان يجب أن يستحيل لكن كثيراً من الأشياء تنمي ولا تستحيل؛ مثال ذلك: أنّ المربّع إذا أضيف إليه ما يضاف حتّى يحدث العلم فقد تزايد، إلّا أنّه لم يحدث فيه حدث أحاله عمّا كان عليه؛ وكذلك في سائر ما يجري هذا المجرى. فيجب من ذلك أنّ تكوّن هذه الحركات مخالف بعضها لبعض.
والحركة على الإطلاق يضادّها السكون. وأمّا الحركات الجزئيّة، فتضادّها الجزئيّات أمّا التكوّن فيضادّه الفساد، والنموّ يضادّه النقص، والتغيّر بالمكان، يضادّه السكون في المكان. وقد يشبه أن يكون قد
تقابل هذه الحركة خاصّة التغيّر إلى الموضع المضادّ لذلك الموضع؛ مثال ذلك: التغيّر إلى فوق للتغيّر إلى أسفل، والتغيّر إلى أسفل للتغيّر إلى فوق. فأمّا الحركة الباقية من الحركات التي وصفت، فليس بسهل أن يعطى لها ضدّ؛ وقد يشبه أن لا يكون لهذه ضدّ. اللّهمّ إلّا أن يجعل جاعل في هذه أيضاً المقابل هو السكون في الكيف أو التغيّر إلى ضدّ ذلك الكيف، كما جعل المقابل في الحركة في المكان، السكون في المكان؛ أو التغيّر إلى الموضع المضادّ. فإنّ الاستحالة تغيّر بالكيف؛ فيكون تقابل الحركة في الكيف، السكون في الكيف، أو التغيّر إلى ضدّ ذلك الكيف مثل مصير الشيء أسود، بعد أن كان أبيض؛ فإنّه يستحيل إذا حدث له تغيّر إلى ضدّ ذلك الكيف.
(١٥) في له
ا. إنّ له تقال على أنحاء شتّى: وذلك أنّها تقال إمّا على طريق الملكة والحال أو كيفيّة ما أخرى. فإنّه يقال فينا إنّ لنا معرفة ولنا فضيلة. ب. وإمّا على طريق الكمّ؛ مثال ذلك: المقدار الذي يتّفق أن يكون للإنسان فإنّه يقال إنّه له مقداراً طوله ثلث أذرع، أو أربع أذرع. ج. وإمّا على طريق ما يشتمل على البدن، مثل الثوب أو الطيلسان. د. وإمّا في جزء منه، مثل الخاتم في الإصبع. ه. وإمّا على طريق الجزء، مثال ذلك: اليد أو الرجل. و. وإمّا على طريق ما في الإناء، مثال ذلك: الحنطة في المدى أو الشرب في الدنّ. فإنّ اليونانيّين يقولون إنّ الدنّ له شراب، بمعنى فيه شراب؛ والمدى له حنطة، يعني فيه حنطة. فهذان
يقال فيهما له، على طريق ما في الاناء. ز. وإمّا على طريق الملك، فإنّه قد يقال إنّ لنا بيتاً، ولنا ضيعة.
ح. وقد يقال في الرجل أيضاً إنّ له زوجة، ويقال في المراة إنّ لها زوجاً؛ إلّا أنّ هذه الجهة التي ذكرت في هذا الموضع أبعد الجهات كلّها من له. فإنّ قولنا له امرأة، لسنا ندلّ به على شيء أكثر من المقارنة. ولعلّه قد يظهر لقولنا له أنحاء ما أخر، فأمّا الأنحاء التي جرت العادة باستعمالها في القول، فيكاد أن نكون قد أتينا على تعديدها.
تمّ كتاب أرسطوطاليس المسمّى قاطيغوريا أي المقولات
... وصحّحه الحسن بن سوار من نسخة يحيى بن عديّ التي بخطّه وهي التي قابل بها الدستور الذي بخطّ إسحاق الناقل.
قوبل به نسخة كتبت من خطّ عيسى بن إسحاق بن ذرعة نسخها أيضاً من نسخة يحيى بن عديّ المنقولة من دستور الأصل الذي بخطّ إسحاق بن حنين فكان موافقاً والحمد للّه على إنعامه.