Aristotle: De sophisticis elenchis (On Sophistical Refutations)
Work
Aristotle, De sophisticis elenchis
(Περὶ σοφιστικῶν ἐλέγχων)
English: On Sophistical Refutations
Text information
Type: Translation (Arabic)
Translator: Ibn Zurʿah
Translated from: Syriac
(Close)
Date:
between 960 and 1008
Source
ʿAbd al-Raḥmān Badawī. Manṭiq Arisṭū, al-ǧuzʾ al-ṯāliṯ. Dirāsāt islāmīyah 7/3. Cairo (Maṭbaʿat Dār al-kutub al-miṣrīyah) 1952, 737-1015
Download
arist_sophel-transl-ar2.xml [176.33 KB]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
«سوفسطيقا» بنقل الفاضل أبي زكريا يحيى بن عديّ — أعلى اللّه منزلته —، وبنقل أبي عليّ عيسى بن إسحق بن زرعة، وبنقل قديم منسوب إلى الناعميّ، مثبت في كلّ صفح ما نقله كلّ واحد، وغيره، عن المعاني الثابتة في ذلك الصفح
نقل أبي عليّ عيسى بن إسحق بن زرعة من السريانيّ بنقل أثانس من اليونانيّ
كتاب «سوفسطيقا»، أي التظاهر بالحكمة، لأرسطوطالس:
١
وأمّا في التبكيت الذي يظهر السوفسطائيّون فعله، وليس تبكيتاً، بل تضليلاً، فنبدأ — ونحن للطبيعة مقتدّون — بالكلام في المبادئ ونقول: إنّه من البيّن أنّ القياس منه موجود، ومنه ما يظنّ موجوداً وليس كذلك. وذلك أنّ الشبهة قد توجد في الأقاويل كما توجد في الأمور الأخر التي يضلّنا فيها ما لها من المشابهة، وذلك أنّ بعض الناس جميل الاعتقاد، وبعضهم يظنّ ذلك به للعجب بما يجري مجرى الأخبار ولتعظيمهم نفوسهم، والذين ينسبون إلى الجمال: أمّا بعضهم فلما له من ذلك، وأمّا بعضهم فيظنّ ذلك به لما تكلّفه من الزينة. ومثل ذلك أيضاً يوجد فيما لا نفس له، وذلك أنّ منه ما هو فضّة، ومنه ذهب بالحقيقة، ومنه ما ليس كذلك، بل البصر
يتخيّله. مثال ذلك أنّ الحجارة الفضّيّة والتي تتّخذ من الرصاص القلعيّ منسوبة إلى الفضّة، والأشياء المصبوغة بالمرار منسوبة إلى الذهب؛ فعلى هذا النحو أيضاً يكون القياس والتبكيت: أمّا ذاك فموجود، وأمّا هذا فغير موجود، بل يظنّ ذلك به لعدم الدربة، وذلك أنّ الذين لا دربة لهم لعدمهم لها كالناظرين من بعد. فأمّا القياس فهو قول من أشياء موضوعة ليلزم عنها شيء آخر من الاضطرار. والتبكيت هو قياس يتضمّن مناقضة النتيجة، — السوفسطائيّون يفعلون ذلك من غير أن يشعر بهم، لأسباب كثيرة أحدها قويّ مشهور جدّاً، وهو الذي يكون عن الأسماء، ومن قبل أنّا عندما نتكلّم إنّما نأتي بالأسماء، لا الأمور،
ونقيم الأسماء مقامها في أقاويلنا كالدلائل عليها. وقد يظنّ أنّ الذي يعرض للأسماء يعرض مثله للأمور كما يخلق الحساب في الحسابات، غير أنّ
يكون بما له من المعرفة يعلم أنّه لم يكذب ويمكنه إظهار كذب الكاذب. وهذان الأمران يكون أحدهما بالاقتدار على بادئة القول والآخر في استماعه. فيجب إذن على الذين يريدون فعل المغالطة أن يلتمسوا جنس الألفاظ المذكورة؛ وذلك أنّ هذا متقدّم للفعل، لأنّ بمثل هذه القوّة يصيرون متى شاؤوا إلى أن يظنّ بهم أنّهم حكماء وليس هم كذلك. فأمّا هل يوجد جنس ما للألفاظ يجري هذا المجرى وينسبه نسباً إلى مثل هذه القوّة القوم الذين نسمّيهم المغالطين، فذلك ظاهر. ونحن منذ الآن آخذون في أن نبيّن كم أنواع الألفاظ السوفسطائيّة، وكم مبلغ عدد الأشياء التي عنها تقوّمت هذه القوّة، وكم عدد أجزاء هذه الصناعة، ونبيّن مع ذلك أشياء أخر بها كمال هذه الصناعة.
٢
〈أنواع الحجج في المناقشة〉
وأجناس الألفاظ التي تجري في المفاوضة أربعة: البرهانيّة، والجدليّة، والامتحانيّة، والمرائيّة.
فأمّا البرهانيّة فهي التي تجب على المتعلّم التصديق، لأنّها تقيس من المبادئ الخاصّة بكلّ علم، لا من اعتقادات المجيبين. والجدليّة هي التي تقيس مراراً. والامتحانيّة هي التي تقيس من الأمور التي بحسب ظنّ المجيب. ومن الاضطرار أن يكون القائس عالماً بذلك لوجود العلم له على نحو ما حدّد
في مواضع أخر. والمرائيّة هي التي تقيس من الأمور التي تظنّ مشهورة وليست كذلك؛ ولهذه العلّة يتوهّم أنّها قياسيّة. فأمّا التعليميّة والبرهانيّة فقد تكلّمنا فيها في «أنالوطيقا»؛ وقد تكلّمنا في الجدليّة والامتحانيّة في مواضع أخر؛ وسنتكلّم الآن في قياسات المجاهدة والمراء.
٣
〈الأغراض الخمسة للحجاج السوفسطائيّ〉
فلنضع أوّلاً، كم الأسباب التي من قبلها يظنّ بهؤلاء أنّهم منازعون ممارون — وهذه خمسة، وهي: التبكيت؛ والكذب؛ وضعف الرأي؛ والعجمة؛ والخامس أن تصير مخاطبة إلى الهذر والهتار. وهذا هو أن يضطرّه اضطراراً شديداً إلى تكرير القول الواحد بعينه.
فإمّا أن يفعلوا هذه الأشياء، أو إن لم يفعلوها يظنّ أنّهم قد فعلوا واحداً منها. وذلك أنّ أكثر ما يؤثرون أن يظنّ بهم أنّهم قد بكّتوا. وثانياً أن يظهروا كذب قول ما. وثالثاً أن يصيروا بالمخاطب إلى خلاف الرأي المشهور. ورابعاً أن يستعجموا؛ والعجمة هي أن يجعل المجيب من قبل
اللغة أعجميّ اللفظ. والآخر هو أن يكون القول الواحد بعينه مراراً كثيرة.
٤
وأنحاء التبكيت هما نحوان: أحدهما من القول، والآخر خارجاً عن القول. وأقسام النحو الكائن عن القول التي عنها تكون الشبهة عددها ستّة، وهي هذه: أحدها الاتّفاق في الاسم، والمراء، والتركيب، والقسمة، والتعجيم، وشكل القول. وتحقيق ذلك يكون بالاستقراء والقياس. وهذا يكون إذا أخذ شيئاً ما أخذاً مختلفاً وواحداً بعينه في الأسماء والكلم فلم تكن دلالته واحدة بعينها. — والمثال على الألفاظ التي هي أسماء متّفقة هو كقولنا: «هؤلاء يتعلّمون»، «هؤلاء يعلمون». وذلك أنّ التي يلفظ بها هي التي يتعلّمها النحويّون، فإنّ لفظة «يتعلّمون» اسم مشترك يدلّ على أنّا نفهم ونعرف عند استعمال العلم ويدلّ على اقتباس العلم. وأيضاً أنّ الشرور خيرات، والأمور الواجبة خيرات. والشرور تكون واجبة. وذلك أنّ الواجب يقال على جهتين: أحدهما الضروريّ الذي يعرض على أكثر الأمر وعلى الشرور، لأنّ
بعض الشرور ضروريّ. وقد نقول في الخيرات إنّها واجبة. وأيضاً الشيء الواحد بعينه معاً: قاعداً وقائماً، ومريضاً وصحيحاً. وذلك أنّ الذي كان قائماً يقوم والذي كان صحيحاً هو صحيح، والقائم هو الذي كان قاعداً، والصحيح هو الذي كان مريضاً، وذلك أنّ قولنا: «مريض»: فاعلاً كان أو منفعلاً، ليس يدلّ على شيء واحد، لكنّه يدلّ أحياناً على الذي هو مريض، وأحياناً على الذي كان فيما مضى مريضاً، لكن المريض والذي كان مريضاً هو الآن صحيح، والصحيح ليس هو المريض، بل الذي كان مريضاً، لا في هذا الوقت، لكن فيما سلف.
فأمّا التي من المراء فتكون على هذا النحو: «يريدون للمقاوم لي يأخذون». و: «أترى الذي يعلمه الإنسان فذاك يعلم» — وذلك أنّ هذا القول يمكن أن يكون دالّاً على العالم وعلى المعلوم كأنّه عالم. و: «أترى الذي يبصره الإنسان فذاك يبصر؟» و«هو يبصر العمود»؛ «فالعمود إذن يبصر». و: «أترى الذي قلت إنّه موجود أنت هو الموجود؛ وأنت قلت إنّ الحجر موجود؛ فأنت إذن قلت إنّك حجر». وأيضاً القول بأنّ «الساكت يتكلّم»، يفهم منه معنيان: أحدهما أنّ الساكت يتكلّم، والآخر أنّ المتكلّم يسكت. وهذه هي الأشياء التي يتكلّم بها.
فالأنحاء التي تكون من اتّفاق الاسم والمراء ثلاثة: أحدها إذا كانت الكلمة والاسم على الحقيقة تدلّ على معانٍ كثيرة — مثال ذلك: النسر والكلب. والآخر إذا جرينا على العادة فيما نقوله على هذه الجهة. والثالث عندما يكون القول إذا ركّب دلّ على كثير، وإذا فصّل دلّ على واحد، مثال ذلك قولنا: معرفة الكتابة. وذلك أنّ كلّ واحدة من لفظتي الكتابة والمعرفة قد عرض أنّها تدلّ على واحد. فأمّا المجتمع منهما فيدلّ على أكثر
من واحد، لأنّه يدلّ إمّا على أنّ الكتابة معرفة، أو على أنّ الكتابة معروفة عند آخر.
والمراء واشتراك الاسم يكونان من أمثال هذه الأنحاء. — وأمّا المواضع التي من التركيب فتكون على هذا النحو: مثال ذلك: قد يمكن الجالس أن يمشي، والذي لا يكتب أن يكتب، وذلك أنّه ليس دلالة القول إذا قيل بغير تركيب وإذا ركّب فقيل: الجالس يمكن أن يمشي، والذي لا يكتب أن يكتب — واحدة بعينها. وكذلك يجري الأمر إذا ركّبت، مع أنّ الذي ليس يكتب يكتب. وذلك أنّ هذه تدلّ على أنّ له قوّة إذا كان ليس يكتب على أن يكتب وإن لم يركّب أنّ له قوّة وهو لا يكتب على أن يكتب، مع أنّه يتعلّم الكتابة الآن أن يكون يتعلّم ما يعلم. وأيضاًً الذي يمكنه أن يأتي بشيء واحد فقط يمكنه أن يأتي بأشياء كثيرة.
وأمّا من القسمة فإنّ الخمسة اثنان وثلاثة، وأزواج وأفراد، وأنّ الأكبر مساوٍ، وما يجري هذا المجرى. وأيضاً فإنّ القول إذا قصد به شيء
فليس يظنّ به دائماً إذا فصّل وركّب أنّه يدلّ على معنى واحد بعينه، مثال ذلك أنّا جاعل لك عبداً وأنت حرّ.
وأمّا من الخمسين الرجل فقتل المحمود أخيلوس مائة.
وأمّا الموضع الذي من التعجيم فليس يسهل على المتكلّم أن يأتي فيه بقول من دون الكتابة. بل هو فيما يكتب وفي الشعر خاصّة، مثال ذلك أنّ قوماً يسدّدون أوميروس عند اللائمين له كأنّه قد قال منكراً عند قوله:
«ليس يعفن بالمطر»، ويحلّون ذلك بالتعجيم بأن يجعلوا لفظة «ليس» مثقلة جدّاً. وكذلك ما في رؤيا أغاممنن من أن ليس زاوس هو الذي قال إنّا نمنحه الحمد ليحصل له، إلّا أنّه أوعز إلى الرؤيا بإعطائه ذلك.
فأمثال هذه الأشياء هي التي تكون عن التعجيم. والأشياء التي تعرض من شكل القول هي التي الواحد بعينه منها ليس يعبّر عنه على جهة واحدة، مثال ذلك تأنيث المذكّر أو تذكير المؤنّث، أو بالذي ليس بمذكّر ولا مؤنّث، وبأن يوصف أيضاً ما من الكيفيّة بالكمّيّة أو من الكمّيّة بالكيفيّة أو الفاعل بأنّه منفعل أو الموضوع بأنّه فاعل. وتلك الأشياء الأخر بحسب قسمتها بدءاً. وذلك أنّ ما يجري هذا المجرى يكون عندما يوجد شيء ليس من الأشياء التي تفعل فيجعل القول الدالّ عليه كالدالّ على شيء من الأشياء الفاعلة بمنزلة القول القائل الصحيح فإنّه سببه في شكل القول بالقول القائل القاطع الناقض الداني، وإن كان ذلك إنّما يدلّ على كيف ما وكيف يضع الذي يفعل شيئاً ما. وعلى هذا النحو يجري الأمر في الأشياء الأخر.
فهذه هي التبكيتات التي في القول؛ ووجودها يكون من أمثال هذه المواضع. — وأنواع التضليلات الخارجة عن القول سبعة: فالأوّل المأخوذ من الأعراض؛ والثاني من حمل شيء على شيء على الإطلاق، أو ليس على الإطلاق، بل في شيء أو بحيث أو في زمان أو بالإضافة. والثالث يكون من عدم العلم بالتبكيت. والرابع الذي يكون من اللوازم. والخامس من الأمور المأخوذة بدءاً. والسادس من وضع ما ليس بعلّة على أنّه علّة. والسابع أن يجعل السؤالات الكثيرة سؤالاً واحداً.
٥
〈التبكيتات التي خارج القول〉
فأمّا التضليل الكائن من الأعراض فيكون عندما يوجب لأيّ شيء اتّفق أمراً ما وعرضاً من الأعراض على مثال واحد ومن قبل أنّه
قد يعرض للشيء الواحد بعينه أعراض كثيرة، فليس من الاضطرار أن توجد جميع هذه لسائر المحمولات — مثال ذلك إن كان قوريسقوس غير الإنسان فإنّه يكون غير نفسه لأنّه إنسان، أو إن قيل إنّ سقراط غير مخاطب، وسقراط إنسان، فيلزم الاعتراف بأنّه غير الإنسان، لأنّه قد عرض أن يكون الذي يقال فيه إنّه غيره هو إنسان. فأمّا التي تكون من قبل الحمل على الإطلاق أو من
أن تكون موجودة على الإطلاق؛ فليس يسهل تأمّل جمعيها وأنّها تسلّم على الحقيقة. وذلك أنّ هذه إنّما توجد بهذه الحال في الأمور المتضادّّة التي على مثال واحد، لأنّه قد يتوهّم أنّه إمّا أن يكونا جميعاً محمولين على الشيء أو ألّا يسلّم أنّ غيرهما محمول عليه — مثال ذلك أنّه إن كان شيء أحد نصفيه أبيض والآخر منه أسود، فأيّ الاثنين هو: أسود أم أبيض؟ فأمّا المواضع الكائنة من قبل أنّ القياس لم يحدّد ما هو حسن
ولا ما هو التبكيت، فإنّ الكذب يكون فيها بسبب ما يلحقه من النقص. فأمّا التبكيت فهو مناقضة شيء واحد بعينه لا في الاسم، بل في المعنى والاسم؛ ولا يكون ذلك في شيء ممّا أسبق منه، بل في الاسم نفسه ومن الموضوع بعينه من الاضطرار من غير أن يكون، سيّما للذي قيل أوّلاً وفي شيء واحد بعينه وبالإضافة إلى شيء واحد بعينه وعلى جهة واحدة وفي زمان واحد بعينه. والكذب يكون في الشيء على هذا النحو بعينه. ولإغفال بعض الناس شيئاً من هذه المعاني المذكورة قد يظنّ أنّهم بكّتوا — مثال ذلك أنّ الشيء الواحد بعينه قد يكون ضعفاً وليس بضعف، وذلك أنّ الاثنين: أمّا بالإضافة إلى الواحد فهما ضعف، وأمّا بالإضافة إلى الثلاثة فليسا بضعف، أو أن يكون الشيء الواحد بعينه لشيء واحد بعينه ضعفاً وليس بضعف، إلّا أنّ ذلك ليس من جهة واحدة بعينها، وذلك أنّه يكون أمّا من
جهة الطول فضعف، وأمّا بحسب العرض فليس بضعف، أو إن كان لشيء واحد بعينه وفي معنى واحد بعينه ومن جهة واحدة، إلّا أنّ ذلك ليس في زمان واحد بعينه، ولذلك يكون التبكيت مظنوناً. وللإنسان أن يدفع هذا الموضع إلى التي من القول.
فأمّا المواضع التي تكون عمّا يؤخذ من مبدأ الأمر فهي على هذا النحو، وذاك بأن يسأل ما أمكن عن التي في أوّل الأمر؛ وإنّما يظنّ أنّهم قد بكّتوا لأنّه يتعذّر عليهم أن يفرقوا بين الذي هو واحد بعينه والمخالف.
وأمّا التبكيت الذي من اللوازم فإنّما يكون للظنّ بأنّ المتلازمة تنعكس، حتّى إنّه إذا كان هذا موجوداً فمن الاضطرار أن يوجد ذاك. وإذا كان ذاك موجوداً، يظنّ أنّ الآخر يكون موجوداً من الاضطرار. ومن هذا الموضع تقع الضلالة في الاعتقاد دائماً من قبل الحسّ، وذلك أنّا كثيراً ما نظنّ بالمرار أنّه عسل للزوم اللون الأحمر للعسل. وقد يعرض للأرض أن تندى إذا مطرت، فإن كانت نديّة توهّمنا أنّها قد مطرت، وهذا ليس واجباً ضرورة. والبراهين الخطبيّة التي من العلامات مأخوذة من اللوازم؛ وذلك أنّهم إذا أرادوا أن يبيّنوا أنّ فلاناً زانٍ أخذوا الشيء اللازم وهو أنّه متزيّن، أو أنّه يطوف بالليل. وقد توجد هذه لكثيرين، والمحمول ...
غير موجودة، وكذلك تكون الحال في الأمور القياسيّة — مثال ذلك قول مالسّس إنّ الكلّ لا مبدأ له، عند أخذه أنّ الكلّ غير مكوّن، والكائن
يكون ممّا ليس بكائن (وذلك أنّه ليس يتكوّن شيء ممّا ليس بموجود)، والكائن إنّما يكون عن مبدأ. فإن كان كلّ ما ليس بكائن لا مبدأ له، فإذن ولا نهاية له. وليس يلزم هذا من الاضطرار. وذلك أنّه ليس إذا كان لكلّ كائن مبدأ فكلّ ما له مبدأ كائن. كما لا يلزم إن كان كلّ محموم يكون حارّاً، أن يكون كلّ حارّ من الاضطرار محموماً.
فأمّا المواضع التي تكون العلّة ما ليس بعلّة فتكون إذا أضيف إلى ما يؤخذ ما ليس بعلّة — وقد يعرض مثل ذلك في القياسات السائقة إلى المحال. وذلك أنّا قد نضطرّ في هذه إلى رفع شيء من التي وضعت؛ فإن كان واحداً وعدد في جملة ما يسأل عنه من الاضطرار في لزوم ما يعرض. وكثيراً ما لا يمكن أن يظنّ التبكيت يكون من هذا — مثال ذلك أنّ النفس
والحياة ليستا شيئاً واحداً بعينه، وذلك أنّ الكون إن كان مضادّاً للفساد ففساد ما يضادّه كون ما، والموت هو فساد ما، وهو مضادّ للحياة، فالحياة إذن كون، والذي يحيا يتكوّن، وذلك غير ممكن، فليس النفس والحياة شيئاً واحداً بعينه، ولا يكون عن ذلك قياس. وقد يعرض أيضاً محال وإن لم يقل قائل إنّ النفس والحياة هما شيء واحد بعينه، بل قال إنّ المضادّ للحياة هو الموت الذي هو فساد فقط، وأنّ الكون مضادّ للفساد. فأمّا هذه المقدّمات فليست ممّا لا تأليف فيه على الإطلاق، لكن تأليفها ليس هو نحو الأمر الذي تقدّم وضعه، ولذلك تضلّ السائلين هذه الأشياء مراراً كثيراً ضلالة ليست باليسيرة.
فالأقاويل التي تكون من اللوازم ومن التي توضع فيها علّة ما ليس بعلّة هي أمثال هذه. — فأمّا التي تكون من تصيير السؤالين سؤالاً واحداً فإنّما تضلّ إذا كانت المسائل كثيرة فأجيب عنها كأنّها سؤال واحد.
فأمّا في بعض الأمور فليس يسهل الوقوف على أنّها كثيرة، ويمتنع من الإجابة عنها. مثال ذلك: هل الأرض هي البحر أم السماء؟ وهذا في بعض
الأشياء أقلّ وكأنّها أمر واحد، فإمّا اعترفوا بأنّهم لا يجيبون عمّا عنه كانت المسئلة، وإمّا أن يظهر أنّهم قد بكّتوا — مثال ذلك: أترى هذا وهذا هما إنسان — فإذاً إن ضرب ضارب هذا وهذا فقد ضرب الإنسان، إلّا أنّه لم يضرب الناس. وأيضاً بعض هذه الأشياء هي خيرات وبعضها ليست خيرات، فما حال جميعها: أخيرات هي أم ليست خيرات؟ فبأيّ شيء أجاب من هذين فإنّه يكون أحياناً كالمبكّت وكالذي يظنّ أنّه قد أظهر كذباً. وذلك أنّا إن قلنا في شيء من هذه التي ليست خيرات إنّه خير، أو في شيء من الخيرات إنّه ليس بخير، هو كذب، فإن كان قد أخذ زيادة ما، فإنّ التبكيت يكون صحيحاً — مثال ذلك أنّه إن سلّم الإنسان أنّ القول في الواحد وفي الكثيرين إنّهم بيض فإنّهم عراة، وإنّهم عمي يكون على مثال واحد بعينه. فإن كان الأعمى هو الذي لا بصر له في الوقت الذي من شأنه أن يوجد له، فإنّ العمي يكونون الذين لا بصر لهم في الوقت الذي من شأنه أن يوجد لهم. فإن كان موجوداً لبعضهم وغير موجود لبعضهم، فإنّ القسمين جميعاً يلزم أن يكونا مبصرين أو عمياً، وهذا غير ممكن.
٦
〈ردّ الأغاليط إلى تجاهل الردّ〉
وقسمتنا القياسات المظنونة والتبكيت إمّا أن يكون على هذا النحو، أو بأن ترفع جميعاً إلى الجهل بالتبكيت، ويجعل هذا مبدءاً لذلك. ولنا أيضاً أن ندخل جميع هذه الأنحاء التي ذكرت في حدّ التبكيت. — أمّا أوّلاً فإنّهم إن كان فيها تأليف فيجب أن تلزم النتيجة عن المقدّمات الموضوعة حتّى نقول إنّها موجودة من الاضطرار، لا أنّها مظنونة. وينظر بعد ذلك بحسب أجزاء الحدّ، فأمّا التي توجد في القول فهي التي توجد له من حيث تقال على نحوين — مثال ذلك اشتراك الاسم والكلمة والاشتراك في الشكل، وذلك أنّ من شأن الكلّ أن يصير كالدالّ على مثل هذا. والتركيب والقسمة والتعجيم تحدث إذا لم تكن دلالة الكلمة أو الاسم واحدة بعينها أو كانا مختلفين.
والذي يجب في هذا أن تكون حاله كحال الأمر بعينها إن كان التبكيت والقياس ممّا من شأنه أن يوجد — مثال ذلك، إن كان الذي قيل ثوباً فلا يقول عند التأليف قميصاً، بل «ثوب» — على أنّ القول الآخر حقّ، إلّا أنّه ليس يكون منه تأليف: بل يحتاج أيضاً الذي يبحث عن السبب إلى المسألة: هل الذي يدلّان عليه واحد بعينه؟
فأمّا التي من العرض فإنّها تكون معلومة عند تحديد القياس. وذلك أنّ حدّ القياس بعينه يجب أن يكون حدّ التبكيت، بل يضاف إليه ذكر التناقض من قبل أنّ التبكيت هو قياس على النقيض. فليس قياس بالعرض إذن هو الذي عنه يكون التبكيت، وذلك أنّه ليس إذا كانت هذه موجودة فمن الاضطرار أن يكون ذاك موجوداً؛ وهذا هو أبيض، فمن الاضطرار أن يكون أبيض على طريق القياس. ولا أيضاً إن كان المثلّث هو الذي زواياه الثلاث مساوية لقائمتين وقد عرض له أن يكون شكلاً ما، وأن يكون أوّلاً في معنى الشكل أو في الأوّل أو في الابتداء، من قبل أنّ المبدأ هو الشكل أو الأوّل الذي هذه حاله، وليس ذلك له بما هو شكل ولا بما هو أوّل: بل البرهان عليه إنّما هو بما هو سلب. وعلى هذا المثال في الأمور الأخر. فإذاً إن كان التبكيت
قياساً ما، فليس يكون التبكيت الذي على جهة العرض. إلّا 〈أنّ〉 من هذا النحو أصحاب الصنائع، وبالجملة، العلماء إنّما يبكّتهم من لا علم له: لأنّهم يقيسون على العلماء من الأمور العرضيّة، وهؤلاء [هم] الذين لا يمكنهم أن يقسموا، إمّا الذين يجيبون عندما يسألون، أو الذين يظنّ بهم — وما سلّموا — أنّهم قد سلّموا.
فأمّا التي تكون من الحمل من جهة أو على الإطلاق فإنّما تكون لأنّ الموجبة والسالبة لا توجد لشيء واحد بعينه. وذلك أنّ الذي يناقض قولنا: «إنّه أبيض من جهة» إنّما هو أنّه «غير أبيض من جهة»؛ وسالبة — قولنا «أبيض على الإطلاق»: «ليس بأبيض على الإطلاق». فإن أعطي أنّه أبيض من جهة، وأخذ كأنّه قد قيل على الإطلاق
فإنّه لم يبكّت، بل يظنّ ذلك لعدم المعرفة بماهيّة التبكيت. [لأنّه ينقص نقصاناً يسيراً]
ويصير عندنا أظهر من جميع الأشياء التي تقدّم ذكرها من حدّ التبكيت الذي منه لقّبوا. وذلك أنّ الشبهة تدخل على القول لما فيه من النقص. وإذا جرت قسمتنا على هذه الجهة كان نقصان القول عامّاً لجميع هذه الأشياء.
وهذه التي تكون من المأخوذة في أوّل الأمر، وعن التي تضع علّة ما ليس بعلّة فمن الحدّ يوقف عليها. وذلك أنّ النتيجة يجب أن تكون عارضة عن هذه؛ وهذا ليس بموجود فيما لا علّة له؛ وألّا يكون ذلك أيضاً عند ما تعدّ في جملة الأشياء المأخوذة أوّلاً. وهذا ما لا يوجد لهذه التي إنّما تكون عن التي يسأل عنها في أوّل الأمر.
فأمّا التي من اللوازم فهي جزء للتي من العرض، وذلك أنّ التي من اللوازم عارضة. والفرق بينها وبين التي من العرض أنّ العرض لنا أن نأخذه أيضاً في شيء واحد فقط (مثال ذلك أن يكون الأحمر والعسل شيئاً واحداً بعينه، وكذلك الأبيض وققنس)، فأمّا اللازم فيحمل أبداً على كثيرين: وذلك أنّ المحمولات التي تؤخذ لشيء واحد ليس يحملها عليه وحده، فإنّا نحمل تلك
بأعيانها بعضها على بعض. ولهذا السبب يكون التبكيت عن اللوازم. وليس هو لا محالة صادقاً إن كان ممّا وجوده على جهة العرض، وذلك أنّ الثلج وققنس هما في البياض شيء واحد بعينه. وبحسب قول مالسّس أيضاً الذي أخذ أنّ المتكوّن والذي له مبدأ هما شيء واحد بعينه في أنّ لهما كوناً فلأنّ الذي يتكوّن له مبدأ يوجب لما له مبدأ أن يكون متكوّناً وكأنّهما جميعاً شيء واحد بعينه في أنّ لهما جميعاً مبدءاً، وكذلك الذي يتكوّن وما له نهاية. وعلى هذا النحو يجري الأمر في المتساوية؛ فإن كانت الأشياء التي عظمها واحد متساوية، فإنّ التي تكون متساوية عظمها واحد، فيكون إذن قد أخذ اللازم. — فلأنّ التبكيت الذي من العرض يكون من قبل الجهل بالتبكيت فظاهر أنّ كذلك أيضاً ما يكون عن اللوازم. فلتعمل هذه على جهة أخرى.
فأمّا التي تكون من تصيير المسائل الكثيرة مسئلة واحدة، فكونها من قبل أنّ ألفاظ المقدّمة تكون غير مستقيمة، وذلك أنّ المقدّمة هي حمل واحد
على واحد. وذلك أنّ الحدّ الواحد بعينه إنّما يكون لما هو أمر واحد فقط على الإطلاق. ومثال ذلك حدّ الإنسان وحدّ إنسان واحد فقط؛ وكذلك في الأشياء الأخر. فإن كانت إذن المقدّمة الواحدة فقط هي التي تجمع شيئاً مقولاً على شيء؛ وبالجملة ما جرى هذا المجرى من السؤالات فهو مقدّمة، ولأنّ القياس يكون من المقدّمات، والتبكيت قياس، فالتبكيت يكون من المقدّمات. فإن كانت المقدّمة هي التي يحمل فيها واحد على واحد، فظاهر أنّ هذا أيضاً يكون من قبل عدم المعرفة بالتبكيت: لأنّه مظنون كما يظنّ بما ليس مقدّمة أنّه مقدّمة. فأمّا إن أجاب كأنّه مجيب عن سؤال واحد، فإنّ التبكيت يكون وإن لم يعط، بل ظنّ به أنّه قد سلم، فإنّ التبكيت يكون مظنوناً. فجميع الأنحاء إذن ترتقي إلى عدم المعرفة بالتبكيت. فالتي تكون عن القول هي الكائنة عن المناقضة المظنونة التي هي خاصّة التبكيت؛ وهذه الأخر تكون من حدّ القياس.
٧
〈أسباب الأغاليط〉
والضلالة الكائنة إمّا في اشتراك الاسم والكلمة فيكون للعجز عن قسمة ما يقال منها على أنحاء كثيرة ( وقد تعسر قسمة أفراد منها ومثال ذلك الواحد والموجود والذي هو هو بعينه )، فأمّا التي من التركيب والقسمة فلأنّا نتوهّم أنّ القول غير مختلف البتّة عند تركيبه وتفصيله كما يعرض في أمور كثيرة. — وعلى هذا النحو يجري أمر ما يكون عن التعجيم، وذلك أنّه ليس يظنّ أنّ دلالة اللفظ تختلف إذا قيل مرسلاً أو مسدّداً، ولا إن كان حملها على واحد أو على كثير. — فأمّا التي من شكل القول فيصعب تمييز ما كان منها بهذه الحال وما كان يقال على جهات أخر لتشابه اللفظ بها: لأنّ الذي يمكنه أن يفعل ذلك فقد قرب من إدراك الحقّ وكثيراً ما يتسرّع إلى الإشارة بأنّ كلّ ما يحمل على شيء يظنّ أنّه أمر موجود. ونحن نستجيب إلى القول بأنّ الموجود هو هذا الشيء وهو واحد: وذلك أنّه قد يظنّ أنّ الواحد والجوهر يلزمهما على الأكثر هذا الشيء والموجود. ولهذه العلّة يكون هذا النحو هو الموضوع للتي يلفظ بها: أمّا أوّلاً فلأنّ الضلالة تكون خاصّة عند مفاوضتهم غيرهم
أكثر منها إذا كانت مع نفوسهم؛ وذلك أنّ المفاوضة تكون مع أغيارنا بالألفاظ، فأمّا مع نفوسنا فليست بدون تلك، لأنّها تكون من ذلك الأمر نفسه. فقد يعرض للإنسان أيضاً أن يضلّ بنفسه إذا كان مفكّراً في القول. والضلالة أيضاً تكون من قبل التشابه، والتشابه إنّما يقع في اللفظ. فأمّا التي تكون من العرض فلأنّا لا نقدر على تمييز ما هو واحد بعينه وما يختلف، وما هو واحد وكثير، ولا على تمييز أصناف الحمل. وجميع هذه أعراض للأمور. — وعلى هذا المثال أيضاً تكون هذه التي من اللوازم. وذلك أنّ اللزوم جزء ما للتي من العرض؛ من قبل أنّه أيضاً ممّا يظنّ مقولاً على كثير على هذا النحو إن كان هذا غير مفارق لهذا فإنّ الآخر يكون غير مفارق لذاك؛ ونحن نلغي بالكلّيّة ذكر التي تكون عمّا به القول من النقص، وهي التي تكون عن وجود الشيء من جهة وعلى الإطلاق، من قبل أنّها ممّا تكاد أن تكون ضلالة، لأنّ القول لم يستثن فيه بما يدلّ على ما الشيء أو كيف هو أو متى.
وكذلك أيضاً يضرب عن التي يؤخذ فيها المطلوب وعن التي لغير علّة وعن جميع التي المسائل الكثيرة فيها واحدة. وذلك أنّ الضلالة في جميعها تكون لأنّا لا نكاد نبحث بحثاً مستقصىً: لا من حدود المقدّمات، ولا عن القياس، للسبب المذكور.
٨
〈المباكتات السوفسطائيّة في المادّة〉
فإذ قد حصل لنا كم الأسباب التي عنها تكون القياسات المظنونة، فإنّا نكون قد وجدنا أيضاً: كم الأسباب التي عنها تكون القياسات السوفسطائيّة والتبكيتات، وأعني بالتبكيت والقياس السوفسطائيّ ليس الذي يظنّ قياساً وتبكيتاً، وليس كذلك، فقط، بل والموجود كذلك، فليس بمظنون من قبل الموضوع الخاصّ بالأمر. وهؤلاء هم الذين ليس يبكّتون ويثبتون للذين لا يعلمون من الأشياء المأخوذة من ذات الأمر، فإنّ هذا هو فعل الجدليّ. وذلك أنّ صناعة الجدل تنتج الكذب عن تجزئة. والمجزّأة هي جزء من الجدليّة: وهذه فإنّما يمكنها إنتاج الكذب لأنّ المجيب ليس بعالم. والتبكيتات السوفسطائيّة، وإن كانت تنتج النقيض، فليس إنّما تفيد من ليس بعالم علماً؛ لكنّها تعوق بهذه الأقاويل من كان عالماً.
وقد يعلم أنّ الموجود لنا في هذه الصناعه نفسها إنّما ينحى به نحو الأمور المظنونة، وهي عند السامعين مثلها عند المجيبين؛ وإنّما يقاس على ذلك إذا كان المجيب هو الذي يظنّ. فالمقاييس الكاذبة إذن تكون: إمّا بجميع هذه
الأشياء، أو بالمفردات منها. والذي يعتقد الإجابة قبل السؤال فإنّه لو سئل لأعطي؛ بل قد يعرض في بعض الأشياء الأمران جميعاً معاً، أعني أن يسأل سؤالاً ناقضاً وأن يبيّن كذباً، ومثال ذلك المواضع التي من القول، ومن السولوقسموس. فإن كانت التضليلات الكائنة عن التناقض إنّما تكون من التبكيت المظنون، فمعلوم أنّ قياسات الكذب تكون من جميع هذه، أعني من جميع الأشياء التي عنها يكون التبكيت المظنون. والتبكيت المظنون يكون من أجزاء التبكيت الصحيح، وذلك أنّ النقض في التبكيت يظهر لكلّ أحد ( مثال ذلك: أمّا في التي تعرض من قبل القول فلأنّه يؤدّي إلى المحال ) والذي يجعل السؤالين سؤالاً واحداً في المقدّمات وإن كان الشيء بذاته من العرض، والتي من اللوازم هو جزء من هذا. وأيضاً إن كان الذي يعرض ليس هو للأمر نفسه بل للقول، وأيضاً إن كان التناقض كلّيّاً وبذاته وبالإضافة إلى شيء واحد بعنيه وعلى جهة واحدة فأخذ محمول على شيء، أو من كلّ واحد من هذه. وأيضاً إذا اقتضت من أوّل الأمر بما ليس من شأنه أن يعدّد.
فقد حصل لنا إذن عن كم شيء تكون التضليلات، وأنّها لا تكون من أمور زائدة، وأنّها بأسرها إنّما تكون من الأمور التي ذكرت، وأنّ التبكيت السوفسطائيّ ليس تبكيتاً على الإطلاق بل نحو شيء. وكذلك
أيضاً القياس. فإمّا لم يأخذ الذي من الاسم المشترك دالّاً على واحد، والذي من اشتراك الشكل دالّ على هذا الشيء فقط، وكذلك في تلك الأخر، فليس تكون تبكيتات ولا قياسات: لا على الإطلاق، ولا نحو الأمر الذي عنه كانت المسألة. فإن أخذت فإنّها تكون موجودة نحو ما عنه كان السؤال، ولا تكون موجودة على الإطلاق. وذلك أنّ الذي أخذوه لم يأخذوه دالّاً على واحد، بل ما يظنّ كذلك. وعلى هذا يجري الأمر في الباقية.
٩
〈استحالة معرفة كلّ التضليلات〉
وليس يجب أن يروم تحصيل عدد الوجوه التي منها يكون توبيخ الذين يبكّتون قبل المعرفة بجميع الموجودات، لأنّ هذا ليس إنّما يوجد لواحده.
من الصنائع، وذلك أنّ المعلومات كثيرة غير متناهية. فمعلوم إذن أنّ البراهين أيضاً كذلك. والتبكيتات قد تكون صادقة، لأنّه كما لنا أن نبيّن فلنا أن نبكّت من يضع نقيض الحقّ — مثال ذلك الوضع بأنّ للقطر والضلع مقداراً مشتركاً: فإنّا نبكّت من يضع ذلك البرهان على أنّه ليس لهما مقدار مشترك. فنحن إذن محتاجون إلى أن نكون عارفين بجميع الأشياء؛ وذلك أنّ هذه الأشياء إنّما توجد عن المبادئ الهندسيّة ونتائجها، وهذه من الأمور التي في الطبّ، وهذه من العلوم الأخر. وكذلك التبكيتات الكاذبة قد تكون غير متناهية، وذلك أنّ في كلّ صناعة يوجد قياس كاذب — مثال ذلك: أمّا في الهندسة فقياس هندسيّ، وأمّا في الطبّ فطبّيّ، أعني أنّ في كلّ
صناعة ما هو بحسب مبادئ تلك الصناعة. فمعلوم إذن أنّا ليس إنّما نأخذ المواضع من جميع التبكيتات، بل من المأخوذة من الجدليّ؛ وذلك أنّ هذه التي تعمّ كلّ صناعة وقوّة. فأمّا النظر في التبكيت الذي يكون في جميع العلوم، وهل هو مظنون لا حقيقة له، وإن كان موجوداً، فمن قبل ماذا وجوده — فهو من شأن العالم. فالذي يكون من الأمور العامّيّة التي ليست تحت واحدة من الصنائع هو من المقدّمات الجدليّة. فإذا كان عندنا ممّاذا تكون القياسات المشهورة نحو أيّ شيء أردنا، فإنّ لنا أن نعمل من هذه تبكيتات، وذلك أنّ التبكيت هو قياس التناقض. فقياس التناقض إذن إمّا أن يكون واحداً، وإمّا أن يكون اثنين. فالقياس إذن الكائن بهذه الأشياء: كان قياساً مظنوناً أو قياساً جدليّاً أو جدليّاً مظنوناً، فهو تبكيت بالتناقض.
فقد حصل لنا إذن عن كم شيء تكون أمثال هذه الأشياء كلّها. وإذا كانت هذه حاصلة لنا فإنّ حلّها موجود عندنا، وذلك أنّ بوجود هذه توجد الحلول. وقد حصل لنا عن كم شيء تكون القياسات المظنونة. والمظنونات ليست موجودة في ما اتّفق، بل في التي وجودها على هذا النحو، وذلك أنّ الإنسان لو فكر في عدد الأشياء التي من أجلها يظنّ أنّ هذه الأشياء تعرض وحدها غير محدودة. فقد ظهر إذن أنّ الجدليّ هو الذي
يمكنه أن يأخذ من الأمور العامّيّة كم الأسباب التي عنها تكون: إمّا أسباب التبكيت، أو التي [لما] تظنّ تبكيتاً
أو اسباب التي تظنّ جدليّة أو الممتحنة.
١٠
〈الحجج اللفظيّة والحجج الموضوعيّة〉
وليس الذي يقوله بعض الناس في الألفاظ من أنّ بعضها موجودة بحسب الاسم، وبعضها بحسب الاعتقاد فصلاً لها. وذلك أنّه من القبيح أن يظنّ أنّ الألفاظ التي ينحى بها نحو الاسم غير الألفاظ التي ينحى بها نحو الاعتقاد، فإنّها ليست واحدة بأعيانها، وذلك أنّه ليس يعنى بأنّها ليست نحو الاعتقاد سوى ألّا يستعمل الاسم على النحو الذي ظنّ السائل أنّ المسؤول أعطاه إيّاه. وهذه الحال بعينها موجودة في التي نحو الاسم. فأمّا التي نحو الاعتقاد فيكون عند تأمّله ما يعطيه. فإن ظنّ ظانّ، إذا كان الاسم دالّاً على كثير، أنّه يدلّ على واحد: سائلاً كان أو مسؤولاً، فإنّه يكون دالّاً على واحد وكثير معاً؛ إلّا أنّ المجيب والسائل — شبيهاً بزينن في مسئلته — وهو يظنّ أنّ الموجود واحد؛ وقوله هو هذا: «إنّ الكلّ واحد». فهذا الكلام متوجّه
على جهة شنعة، بل القول بأنّها تضليلات ما وأنّها ليست بحسب ما يراه المجيب فيها، لكن بأن يكون السؤال الذي على هذا النحو هو الدالّ على كثير.
وقد يقبح بنا بالجملة أن نتكلّم في التبكيت قبل أن نبدأ بالكلام في القياس: وذلك أنّ التبكيت هو قياس ما؛ فالأوّل إذن أن نقدّم الكلام في القياس الذي له يقدّم على الكلام في التبكيت الكاذب؛ وذلك أنّ ما جرى هذا المجرى هو تبكيت مظنون. وقياس المناقضة هو الذي يكون عليها موجودة إمّا في القياس أو في المناقضة (وينبغي أن يضاف إلى القول لفظة التناقض)، إذا كان التبكيت المظنون موجوداً فيهما جميعاً. فأمّا القول إنّ «الساكت يتكلّم» فيوجد في التناقض لا في القياس. فأمّا أنّ «الإنسان يعطي ما ليس له» فيوجد فيهما جميعاً. وأمّا القول بأنّ «شعر أوميروس له شكل الدائرة» فإنّ ذلك يكون في القياس. والقياس الذي قد عدم كلّ واحد من هذه فهو قياس صحيح.
وليس ذلك من مصدر القول، ونبدأ أوّلاً بالكلام في الألفاظ التي في التعاليم و: هل هي ممّا ينحى به نحو الاعتقاد أم لا؟ وإن استجاد قائل القول في المثلّث إنّه يدلّ على معانٍ كثيرة، وسلّم أنّه ليس هو هذا الشكل الذي يتحصّل منه أنّ زواياه مساوية لقائمتين: أترى هذا يتكلّم بحسب اعتقاد ذاك، أم لا؟
فأمّا إن كان الاسم أيضاً يدلّ على كثيرين، فإنّ ذاك لا يفهم هذا ولا يظنّ، كيف يكون كلام هذا ليس نحو الاعتقاد أو كيف كان يجب أن يتكلّم: أبأن يقسّم، (أو بأن يسأل: هل الساكت يتكلّم)، أم لا؟ أو قد يجوز أن يسلب ذلك بجهة، ويوجبه بجهة؟ فإن أعطى إنسان أنّ لا نهاية موجودة: أفليس كلام الذي يتكلّم نحو الاعتقاد؟ وإن كان القول يوهم أنّه من التي من الاسم فليس يوجد إذن ما يكون نحو الاعتقاد جنساً للألفاظ. لكن أمّا هذه فهي التي نحو الاسم، وهذه فليس جميعها تبكيتات ولا من التي تظنّ كذلك أيضاً، وقد تكون اللواتي ليست من القول تبكيتات مظنونة — ومثال ذلك من العرض ومن المعاني الأخر.
فإن أوجب بعض الناس للقول بأنّ «الساكت يتكلّم» أن يقسم حتّى يكون منه كذا ومنه كذا: فإنّ هذا الإيجاب منه لهذا أوّلاً شنع، وذلك أنّه ربّما لم يظنّ بالأمر الذي سئل عنه أنّه ممّا يقال على أنحاء كثيرة وليس يمكن أن يقسم ما لا يظنّ ذلك به. وأيضاً ليكن أن يعلم شيئاً آخر هو أن يجعله ظاهراً عند من لا دربة له كدربته، وليس يعلم ولا يظنّ أنّه ممّا يقال على جهات كثيرة من قبل أنّ في
هذه التي ليست مضاعفة أيضاً ما الذي يمنع من أن يفعل هذا الفعل: أترى الوحدات في الأربعة مساوية للثنايات، وثنايات هذه فوجودها متّحدة يكون على هذا الوجه، وهذه على هذا النحو. وليت شعري: هل الأضداد علمها واحد أم لا؟ وقد يكون: أمّا بعض المتضادّات فمعلومة، وبعضها غير معلومة. ويظنّ، بالجملة، أنّ الذي يسوّي بين هذه ليس يعلم أنّ المعلّم غير الذي يبحث عمّا ينبغي؛ فأمّا الذي يعلم فألّا يسأل، بل يجعل الأمور معلومة، وأمّا ذاك فأن يسأل.
١١
〈أنواع تجاهل المطلوب〉
وأيضاً فإنّ المبرهن ليس له إمّا أن يضع أو أن يرفع بالسويّة، بل ذلك للذي يمتحن. وذلك أنّ الامتحان جزء من صناعة الجدل، ولهذه العلّة يكون نظرها في هذه المعاني، وذلك أنّ نظرها ليس هو مع العالم، بل مع الذي لا يعلم ويظنّ ذلك به. — فأمّا الذي ينظر في الأمر من قبل الأشياء العامّيّة فهو جدليّ. والذي يظهر أنّه قد فعل مثل هذا الفعل هو سوفسطائيّ. — وأمّا القياس المرائيّ والسوفسطائيّ فهما واحد يظنّ أنّه قياسيّ — ومن أجلهما تكون الجدليّة هي الممتحنة. فإن كانت النتيجة صادقة والقياس الذي يكون على «لم الشيء» هو الطالب و〈ثانياً〉 جميع التضليلات هي التي ليست بحسب المحصول لا واحدة من الصنائع، ويظنّ أنّها بحسب الصناعة. وذلك أنّ هذه الرسوم الكاذبة ليست غير مرائيّة (إلّا أنّ سوء القياس إنّما يكون من الأمور المرتّبة تحت الصناعة)، فإنّ الرسم الكاذب ليس يؤدّي إلى الحقّ — ومثال ذلك تربيع الدائرة، لا الذي عمله بقراط بالأشكال الهلاليّة؛ بل كما ربّع بروسن الدائرة بالمربّعات، إن
كانت الدائرة ممّا يربّع، إلّا أنّه ليس بحسب الصناعة. ولهذه العلّة يكون قياسه سوفسطائيّاً. فإذا كان القياس إنّما يظنّ موجوداً من أمثال هذه الأشياء، فإنّ القول يكون مرائيّاً فأمّا الذي يظنّ أنّه قياس بحسب الأمر، وإن كان ذلك القياس قولاً مرئيّاً
فقد يظهر أنّه موجود بحسب الأمر، فهو إذن مطالب وجائر. وكما أنّ للجور في الجهاد صورة ما وهي الجور في مخاصمة ما، فكذلك يكون الجور
فمعلوم أنّه بالقياس إلى هذه الأمور الأخر يكون مرائيّاً — مثال ذلك تربيع الدائرة الكائن بالأشكال الهلاليّة غير مرائيّ، والمرائيّ هو الذي عمله بروسن. فأمّا ذاك فليس لنا أن نرفعه إلّا إلى الهندسة فقط، لأنّه من مبادئها الخاصّيّة؛ والآخر فقد يرفعه إلى أشياء كثيرة القوم الذين لا يعرفون الممكن والممتنع في كلّ واحد من الأمور. وذلك أنّ تربيع الدائرة على مذهب أنطيفن أوفق من قول القائل إنّ المشي بعد العشاء فضل، بسبب قول زينن، الذي لم يقل بحسب صناعة الطبّ لأنّه قيل على العموم. فإن كانت حال المرائيّ عند الجدليّ كحال الذي يرسم الخطوط على خلاف الحقّ بعينها
لا محالة فإنّه لا يكون لهذا السبب ممارياً. فأمّا الآن فالجدليّ ليس هو نحو جنس ما محدود ولا مبرهن لشيء أصلاً؛ وليس يجري مجرى الكلّيّ في هذه
الضامنين إلى حدّ ما. وهذه هي أمور مشتركة؛ وذلك أن ليس معرفة هؤلاء بتلك الأشياء — وإن كانوا يظنّون أنّهم يقولون قولاً خارجاً عن الأمر جدّاً — دون معرفة غيرهم. فليس جميعهم إذن يبكّتون، لأنّ اشتراكهم ليس هو على طريق الصناعة؛ وذلك أنّ هذه الحيلة جدليّة؛ والمجرّب الذي يستعمل الصناعة القياسيّة هو جدليّ. ولأنّ هذه المعاني الموجودة للكلّ كثيرة، وليس جميعها موجودة كأنّها طبيعة ما أو جنس، بل على جهة السلب؛ وهذا ليس في جميع هذه
بل في أشياء خاصّة: فلنا أن نستعمل التجربة في جميع هذه الأشياء، ونصيّر صناعة ما ليست كصناعة المبرهنين. ولهذه العلّة لا يكون المماري هو الذي حاله لا محالة كحال الذي يرسم الخطوط على الكذب؛ وذلك أنّ التضليل ليس يكون من جنس ما للمبادئ محدود، بل المراء موجود في كلّ جنس.
فهذه هي المواضع التي منها تؤخذ التبكيتات السوفسطائيّة. ولأنّ صناعة الجدل هي التي تستعمل النظر، فلذلك ما يكون النظر ليس بعسر، وذلك أنّ جميع هذا النظر إنّما يقصد قصد المقدّمات.
١٢
〈الغرض الثاني من السوفسطيقا: إيقاع الخصم في الضلال أو فيما يخالف المشهور〉
فهذا مبلغ ما نقوله في التبكيتات المظنونة. — وأمّا في المعنى الثاني الذي يقصد المغالطون فعله، وهو أن يبيّنوا كذب القول ويرفعونه إلى ما يخالف الرأي المشهور، فإنّه يكون: أمّا أوّلاً فمن المسئلة عن الشيء كيفما اتّفق، وعن السؤال يعرض هذا على أكثر الأمر، وذلك أنّ تصيّد هذه الأشياء يكون إذا لم نقصد بسؤالنا موضوعاً محدوداً. فإذا أجابوا جواباً باطلاً يخطئون على الأكثر؛ وذلك أنّهم إنّما يقولون قولاً باطلاً إذا كان السؤال عن أشياء كثيرة ولم يكن عن شيء ما موضوع. فإن كان عند المتكلّم محدوداً، وإذا استجاز أن يقول الأشياء المظنونة، كثر الطرق التي تؤدّي إلى ما لا يمكن أو إلى الكذب. فإن كان عندما يسأل يضع أو يرفع، فإنّ أخذ هذين يؤدّي إلى ما تتّسع فيه الشكوك. وقد يمكنه أن يجعل فعله الآن وفي أوّل الأمر أقلّ شرّاً بهذه الأشياء؛ وذلك أنّه قد يلتمس منهم: كيف حال هذه عند التي أخذت في المبدأ؟ لأنّ الأصول التي عنها يعرض إمّا الكذب أو شيء غير
مشهور هي ألّا نسأل من أوّل الأمر عن واحد ممّا يوضع، بل نسأل إذا أردنا أن نرفع، كما يسأل المتعلّم؛ وذلك أنّ موضع التشكّك إنّما يحدثه الفكر. فالموضع السوفسطائيّ خاصّة الذي يؤدّي إلى تبيين الكذب هو أن يسوق هؤلاء إلى الأشياء التي يتّسع فيها القول. وقد يكون فعلنا ذلك على جهة محمودة وعلى جهة غير محمودة كما قلنا فيما تقدّم.
وليجل أيضاً المتكلّم فكره في الأشياء التي ليست مشهورة ومن أيّ جنس هي، ويسأل بعد ذلك عمّا لا يحمد القول به كثير من الناس، وذلك أنّ عند كلّ واحد
شيء مثل هذا. فأصل هذه الأشياء أن يأخذ أوضاع كلّ واحد منهم في المقدّمات. وأحسن ما أتي به في حلّ هذه هو أن يبيّن أنّ لزوم خلاف المشهور لم يعرض عن القول. وهذا المعنى هو الذي يطلبه المجاهد في كلّ وقت.
وذلك، من بعد، الاعتقادات والآراء الظاهرة. وذلك أنّ ما يعتقدون وما يقولون ليس هو شيئاً واحداً بعينه، بل يقولون من الأقاويل دائماً ما كان شكله أحسن. ويعتقدون أنّ المظنونة هي التي تنفع — مثال ذلك: هل الواجب إيثارنا أن نموت على جهة محمودة، أو أن نحيا على جهة مذمومة؟ وهل أن يفتقر على جهة العدالة آثر، أو أن يستغني على جهة قبيحة؟ وهم يطلبون هذه المتضادّات: فمن كان كلامه بحسب الاعتقادات جرينا به إلى الآراء المشهورة، ومن تكلّم بحسب هذه قدناه إلى الأمور الخفيّة، لأنّ اضطرارهم إلى القول بخلاف الآراء المشهورة يكون على جهتين: وذلك أنّهم
يقولون: المتضادّات إمّا نحو الآراء الظاهرة، أو نحو الآراء التي ليست ظاهرة.
والموضع الذي يجعلنا نقول ما يخالف الآراء المشهورة واسع بحسب ما يثبت أيضاً عن قيلقيس في «جورغيا〈س〉» إذ قال: وقد ظنّ القدماء بجميع الأشياء العرضيّة أنّها دون التي بالطبيعة، حتّى التي بحسب السنّة. وذلك أنّ الطبيعة والسنّة ضدّان: فإنّ العدالة: أمّا بحسب السنّة فهي خير؛ وأمّا بحسب الطبيعة فليست خيراً. فيجب إذن أن يدلّ قول من يقول بحسب الطبيعة بالتي بحسب السنّة. وأمّا قول من يتكلّم بحسب السنّة فبأن يصير به إلى التي بحسب الطبيعة. وذلك أنّ القول بخلاف الرأي المشهور يكون على الجهتين جميعاً؛ وعندهم أنّ ما بحسب الطبيعة صحيح، وأنّ ما بحسب السنّة ممّا يظنّه الكثيرون. — فمعلوم إذن أنّ أولئك مثل الموجودين الآن جميعاً يرومون إمّا تبكيت المجيب، أو أن يقول ما يخالف الرأي المشهور. والسؤالات التي من شأن الجواب عن قسمتها أن يلزم أمراً غير مشهور يسيرة، مثال ذلك: أيّما أوجب طاعة:
الحكماء أو الآباء؟ فإن يفعل الأصلح، أو الأفعال العادلة؟ وأيّ هذين أشهى: أن يُظلَم أو أن يَظلِم؟ وقد ينبغي أن نحمل على هذه المتضادّات أمر الكثيرين والحكماء. فإن قال القائل مثل ما يقوله الكلاميّون حملناه على ما يقوله الكثيرون. فإن قال ما تقوله الكثرة حملنا على التي من القول. وهؤلاء يقولون إنّ من أفلح فمن الاضطرار أن يكون عادلاً. والكثيرون يقولون إنّ الملك لا يمكن ألّا يكون مفلحاً. وإنتاجنا في هذه الأشياء الموجودة على هذا النحو ممّا يخالف الآراء المشهورة هو مثل أن يسوق القول في التي هي بحسب الطبيعة والتي بحسب السنّة إلى المتضادّات بعينه: وذلك أنّ السنّة هي ما يراه الكثيرون، والحكماء هم المبتغون في قولهم الطبيعة والحقّ.
١٣
〈غرض آخر للسوفسطيقا: إيقاع الخصم في المهاترة〉
فالأشياء التي تخالف الآراء المشهورة ينبغي أن تطلب من هذه المواضع. — فأمّا أن نجعل المجيب مكرّراً فقد تقدّم قولنا ما الذي نعني بقولنا: تكرّر. وجميع أمثال هذه الأقاويل فإنّما يقصدون بها هذا المعنى، وهو ألّا يفرقوا بين أن يقال الاسم أو الكلمة، وأنّ الضعف أو ضعف النصف هي شيء واحد بعينه. فإن كان إذن الضعف للنصف، فإنّ النصف للضعف يكون موجوداً. فأمّا إن كان أيضاً شيء ما ضعفاً، وقد وضع أنّه ضعف للنصف، فإنّ «للنصف» يكون قد قيل ثلاث مرّات: للنصف للنصف للنصف ضعف. فأترى إذا كانت شهوة للذيذ موجودة، فالشوق إلى اللذيذ موجود؛ وقد يوجد الشوق إلى اللذيذ؛ فقد تكون إذن الشهوة للذيذ هي الشوق إلى اللذيذ.
وكلّ ما كان من الألفاظ يجري هذا المجرى فهي داخلة في المضاف، وهي التي ليست بأسرها داخلة تحت جنس واحد، لكنّها تقال على جهة المضاف وتجعل محمولة على شيء واحد بعينه (مثال ذلك الشوق: يقال إنّه شوق إلى شيء، والشهوة: شهوة لشيء، والضعف: ضعف لشيء — مثال ذلك: الضعف للنصف)؛ وجواهر جميع الأشياء، التي ليست داخلة في المضافات بالكلّيّة، التي للملكات والانفعالات أو ما جرى هذا
المجرى إنّما يوجد لها، فإنّها توجد في حدود هذه المحمولات بأعيانها، وتدلّ — مع ما تدلّ عليه — عليها؛ مثال ذلك أنّ «الفرد» هو عدد له وسط، وذلك العدد هو الفرد، فيكون إذن العدد 〈الفرد هو〉 عدداً له وسط؛ والأفطس هو تقعير في الأنف، وقد يوجد أنف أفطس، فقد يوجد إذاً أنف هو أنف أقطس.
فهم يوهمون أنّهم قد عملوا ولم يعملوا. وربّما كان ذلك من قبل أنّا لا نسأل — مع ما نسأل عنه — : هل الضعف يدلّ على شيء إذا قيل مفرداً على حياله، أو ليس يدلّ على شيء؟ وإن كان دالّاً على شيء، فهل ذلك الشيء واحد بعينه أو مختلف؟ بل نأتي بالنتيجة للوقت. إلّا أنّ هذا إنّما يكون من قبل الظنّ بأنّ الاسم إذا كان واحداً بعينه فإنّ دلالته تكون واحدة بعينها.
١٤
〈غرض آخر للسوفسطيقا: الاستعجام〉
فأمّا السولوقسموس فقد قلنا أوّلاً أيّ الأشياء هو. ولنا أن نفعل ذلك وأن يظنّ ذلك بنا وإن لم نفعل، وإن نفعل ولا يظنّ ذلك بنا، كما
قال فروطاغورس إن كان السخط والعمل مذكّرين، فالذي يقول فيها إنّها قد هلكت فقد أتى بحسب هذا بسولوقسموس، إلّا أنّها غير مظنونة عند آخرين. فأمّا إن قال هلك، فإنّها مظنونة إلّا أنّها سولوقسموس. فمعلوم إذن أنّ الإنسان قد يمكنه أن يفعل ذلك بصناعة. ولهذا السبب كثير من الألفاظ التي لم يأتلف منها سولوقسموس يظنّ أنّه قد تؤلّف مثل ما في التبكيتات.
فجميع التي يظنّ بها أنّها عجمة إلّا اليسير إنّما تكون من التي تجري هذا المجرى. وعندما تنحرف دلالتها فلا تدلّ على مذكّر ولا مؤنّث، لكن على المتوسّط. وذلك أنّ لفظة «هذا» تدلّ على الذكر، ولفظة «هذه» تدلّ على الأنثى، ولفظة «طوطو» تروم أن تكون دالّة على المتوسّط، وكثيراً ما تدلّ وعلى كلّ واحد من ذينك: مثال ذلك: ما هذا؟ قاليوب — ويكون: الطرف أو خشبة، — قوريسقوس —. فأمّا تصاريف المذكّر والمؤنّث فإنّها كلّها مختلفة. فأمّا المتوسّط فهو في بعضها موافق، وفي بعضها غير موافق. وكثيراً ما إذا سلّم لهم هذه يجعلون التأليف كأنّ الذي سلّم لهم هذا. وكذلك يبدّلون تصريفاً بتصريف غيره. والضلالة إنّما تكون من قبل أنّ لفظة «هذا» تكون عامّة لتصاريف كثيرة. وذلك أنّ
«طوطو» تدلّ أحياناً على «هذا»، وأحياناً على: «لهذا». وينبغي إذا بدّلت أن تدلّ أمّا مع «موجود» فعلى: «هذا»، وأمّا مع «يكون»: فعلى: «لهذا» — ومثال ذلك: «يوجد» قوريسقوس، «يكون» قوريسقوس. وكذلك يجري الأمر في الأسماء المؤنّثة وفي الأشياء التي يقال إنّها آنية التفريغ، فإنّ لها ميلاً إلى التذكير والتأنيث. وذلك أنّ
جميع ما في آخره «أو» أو «أون» فله مثل الانحراف 〈الذي〉 يوجد لأسماء الأواني، مثال ذلك الخشب، الحبل. وما لم تكن كذلك فهي إمّا مذكّرة، وإمّا مؤنّثة. وقد نأتي بأفراد منها على انحراف — ومثال ذلك: أمّا الزقّ فهو اسم مذكّر، وهو مائل إلى التأنيث؛ فلهذه العلّة يكون الموجود والمتكوّن، في الأشياء التي تجري هذا المجرى، مختلفين كاختلاف هذه. وقد تشبه العجمة بجهة ما التبكيتات التي تكون من غير المتشابه إذا قيل إنّها على مثال واحد، وذلك أنّ مثل ما يعرض لأولئك في الأمور يقع لهؤلاء في الأسماء أن يفعلوا عجمة، وذلك أنّ قولنا: الإنسان، وقولنا: أبيض، وهو أمر واسم.
فقد ظهر أنّا إنّما نروم تأليف السولوقسموس من هذه التصاريف المذكورة.
وقد تختلف أنواع الأقاويل الجهاديّة وأجزاء أنواعها؛ وهذه المواضع المذكورة أن رتّبت في أن تضلّ على نحو ما فعل
فى الأقاويل الجددليّة اختلافاً ليس باليسير.
١٥
〈ترتيب الحجج〉
فليكن كلامنا إذن أوّلاً بعدما تكلّمنا فيه في هذه المعاني. فأحد ما يعين على التبكيت هو الإطالة: وذلك أنّ تحصيل أشياء كثيرة معاً يعسر؛ والإطارة تستعمل في هذه الأصول التي تقدّم ذكرها. — وموضع ثانٍ من المبادرة،
وذلك أنّهم إذا لم يلحقوا نقص ما يسبقون إلى تأمّله. — والغضب أيضاً والمراء، وذلك أنّهم إذا أسخطوا قصروا عن ضبط جميع ما يحتاج إليه. وأصول السخط هي أن يظهر فعل الجور إذا أراد أن يجور وألّا يخجل البتّة. وأيضاً أن يبدّل وضع الأشياء التي يسأل عنها. وإن كان للإنسان أن يأتي في بيان الشيء الواحد بعينه بأقاويل كثيرة، وكان له أن يبيّن أنّه كذا وأنّه ليس كذا، فيعرض مع ذلك أن يحترس إمّا من الأقاويل الكثيرة أو من المتضادّة. — وبالجملة فجميع الأشياء التي قصد بها فيما تقدّم قصد الستر نافعة في الأقاويل الجهاديّة. وذلك أنّ الستر إنّما يراد من أجل أن يضلّ، ولأن يضلّ تضليلاً.
وأمّا السؤال إذا كان نحو الذين يومئون إلى فوق، إذا ظنّوا أنّ الكلام متوجّه نحو معنى ما، فيكون على جهة السلب — كأنّه إنّما طلب المضادّ ولا يجعل السؤال من الأشياء المساوية: وذلك أنّ الذي يريد أخذه إذا كان غير معروف كان تعسرهم أقلّ. وإذا سلّم في مفردات الأجزاء من حيث هي أجزاء للكلّيّ، فلا يكثر السؤال، بل يستعمله كالشيء المقرّ به. وقد ربّما ظنّ الذين سلّموا وتوهّم السامعون ذلك من أجل ما جرى له من
الذكر أنّ مسألتهم لم تكن باطلة؛ ففي هذه الأشياء ليس إنّما يعرف الكلّيّ بالاسم، بل إنّما يستعمل التشبيه نحو الشيء الأوّل، وذلك أنّ التشبيه كثير التضليل.
وقد ينتفع في أخذ المقدّمات بأن يجعل المشبه سؤاله على جهة التضادّ. ومثال ذلك إن احتجنا إلى أن نأخذ مقدّمة: «أنّ في كلّ شيء ينبغي أن يطاع الآباء»، فبأن نقول: أفي كلّ شيء ينبغي أن يطاع الآباء، أو ألّا يطاعوا في كلّ شيء؟ والأشياء التي هي على أكثر الأمر كثيرة ما الذي نفعل فيها؟ أنطرح الكثيرة أم اليسيرة؟ وخاصّة إن كانوا يظنّون أنّها كثيرة من الاضطرار. وذلك أنّ هذه إذا قرنت بالمضادّات عظمت وخفّت في ظنّ الناس: الرذائل والفضائل.
وأكثر ما يوهم به السائلون إيهاماً قويّاً أنّ الغشم السوفسطائيّ خاصّة قد بكّت أنّهم من غير أن يقيسوا أو يؤلّفوا أو أن يصيروا بالتكلّم لهم إلى الإمساك يقولون قولاً كالمنتج، كأنّهم قد ألّفوا، ولا أحسبهم يذكرون المقدّمات.
والمغالطة، التي تكون من خلاف الرأي المشهور، تضع أنّ الواجب أن يجاب بالمظنون. فإذا قدّمت وضع الشيء المظنون في ابتداء الأمر، وكان
إيراد هؤلاء لأمثال هذه المسائل على هذا النحو ما المظنون عندك، فإنّ السؤال أن كان من الأشياء التي يكون منها قياس فإنّه يكون من الاضطرار إمّا تبكيت أو ما يخالف الرأي المشهور. أمّا إن أسلم فيبكّت؛ وإن لم يسلم فتوهّم فيه أنّه قد سلّم فشبيه بالتبكيت.
وأيضاً فمثل ما يفعل في الأشياء الخطبيّة فليفعل في الأمور التبكيتيّة من النظر في الأضداد وفيما يقوله الذي يبكّت أو فيما يعترف بأنّه محمود من قول أو فعل، وكذلك أيضاً في الأمور التي يظنّ بها أنّها مثل هذه، أو نحو التي تشبهها، إمّا عند أكثر الناس أو عند جميعهم —. بمنزلة ما يفعل المجيبون ذلك كثيراً على نحوين إذا بكّتوا، إن كانوا يظنّون أنّهم لم يبكّتوا، أو يفعل هذا الفعل أحياناً
عندما يكون السؤال متوجّهاً نحو من يريد أن يثبت أنّ هذا إن كان يعرض على هذا النحو فليس هو على هذه الجهة، من قبل أنّه يوهم مثل ذلك. وقد فعل قلاوفون هذا الفعل أيضاً في «مندروبولس»، أي مجلس المشاورة. — وينبغي إذا كانت بيننا وبين النتيجة وسائط كثيرة أن نطرح باقي المناحب. فإن سارع المجيب إلى الإحساس بذلك بادرنا إلى مقاومته وعاجلناه بالقول. — وربّما عدّلنا أحياناً إلى معانٍ أخر غير التي كنّا نقصدها عندما كنّا نأخذ المقدّمات إن لم نصل إلى أن نتكلّم في الأمور التي كانت أوّلاً موضوعة لنا، بمنزلة ما فعل 〈لو〉قوفرون عندما مدح الألحان. فأمّا إذا كان الذين يخاطبون يبحثون عمّا كان قصد له أوّلاً فلأنّا نظنّ أنّ ذلك واجب، فينبغي أن نأتي في ذلك بعلّة. وإذ قد عدّدنا الجزئيّات، فالكلّيّ أيسر حفظاً. فقد يعرض في التبكيت أن نأتي بنقيض الوضع: فإن وضع رفعنا، وإن رفع وضعنا. إلّا أن ليس من قبل أنّ هذه متقابلة تكون المعرفة بها واحدة بعينها، أو ليست واحدة بعينها. — وليس ينبغي على جهة الإطالة أن نسأل عن النتيجة (فقد ربّما تركنا أحياناً المسئلة أصلاً): بل قد نستعمل النتيجة كالشيء المقرّ به.
١٦
〈حلّ التضليلات〉
فقد قلنا من أيّ المسائل، وكيف نسأل في مجالس الجدل والمفاوضات التي على جهة المقاومة. ولنتكلّم — بعدما تكلّمنا فيه — في الجواب، وكيف يستعمل الحلّ، وما المنافع المقصودة في أمثال هذه الأقاويل.
فأمّا في الفلسفة فهي نافعة لشيئين: أمّا أوّلاً فإذا كانت الألفاظ تدلّ على معانٍ كثيرة فإنّها تجعل تلك موجودة على ما يجب عندما نعدّد على كم نحو تقال كلّ واحدة منها، وأيّها على مثال واحد، وأيّها مختلفة. وقد يعرض ذلك في الأمور والأسماء. — والثاني عندما يبحث الإنسان مع نفسه، وذلك أنّه ليس يسهل أن يضلّه آخرون كما يلحقه ذلك كثيراً من نفسه، وهو لا يشعر. — وقد بقي نحو ثالث هو الذي القصد فيه المدح، وذلك أنّا إذا وبخنا أقاويل من يشاركنا في المفاوضة، من غير أن يكون له ما يتفضّل به من الشناعة
فإنّ هذا يوهم أنّ ما ظنّ به من التعسّر ليس هو من أجل الحقّ، بل من قلّة الدربة.
فأمّا كيف يقاوم أمثال هذه عندما يجيب فهو بيّن إن كان ما قلناه أوّلاً — في أنّ من أيّ الأشياء تكون التضليلات، وفي قسمتنا صنوف الغلبة بالمسألة — كافياً. وليس أن يأخذ القول وينظر فيه ويحلّ الشناعة وأن يسأل فيمكننا المقاومة بسرعة — شيئاً واحداً؛ وذلك أنّ الشيء الذي نحن عارفون به كثيراً إذا وضع معكوساً لم نعرفه. وأيضاً فكما أنّ السرعة والإبطاء في الأشياء الأخر إنّما تكونان من التخرّج والدربة خاصّة، كذلك الحال في الأقاويل: فإن كانت لنا إذن معرفة بأن يجيب بسرعة فيتباطأ مدّة طويلة. فقد يعرض أحياناً مثل الذي يوجد في الكتابات والخطوط؛ وذلك أنّا هناك قد ربّما حللنا فلا يمكننا أن نعود فنركّب: وكذلك في التبكيتات إذا علمنا الشيء الذي عنه يعرض القول، فنحن إلى حلّ القول مضطرّون.
١٧
〈الحلول الظاهريّة للأغاليط السوفسطائيّة〉
فأمّا أوّلاً فكما أنّه يجب أحياناً أن نؤثر أن نقيس على الأكثر مراراً مشهورة أو صادقة، فكذلك وأن نحلّ أحياناً يكون إنّما على جهة الرأي المشهور خاصّة، أو على جهة الحقّ. وذلك أنّا إنّما نقصد بالجملة مقاومة الممارين، لا على أنّا نبكّت، بل على أن نماري، وذلك أنّا ليس نقول إنّا نقيس عليهم فنحن إذن متوجّهون إلى ألّا يظنّ ذلك بنا. فإن كان التبكيت هو مناقضة ما، وليس هو الاشتراك في الاسم، فإنّك ليس بمحتاج البتّة إلى التشكّك فيما بين المراء واشتراك الاسم (وذلك أنّه ليس يقيس نحو شيء من الأشياء)؛ سوى الشيء الذي كان مؤثراً له، إلّا أنّ النتيجة يظنّ أنّها شبيهة بالتبكيت. فليس إذن التبكيت هو الذي يضلّ، بل ما يظنّ كذلك، من قبل أنّ المسألة عن الأشياء المرائيّة، والتي من الاسم المشترك في جميع الضلالات الأخر الجارية هذا المجرى تفسد التبكيت الصحيح وتجعل الشيء المبكّت غير معروف. وذلك من قبل أنّ له عندما يجمع اجتراء أن يقول إنّه رفع، لا الذي وضع، بل على جهة الاشتراك في الاسم، وإن أتى في ذلك الشيء بعينه بما يعرض على الأكثر، فليس يعلم أنّه بكّت.
وذلك أنّه ليس يعلم أنّ الذي قاله الآن حقّ. فإن كانت مسئلته مع قسمتنا للاسم المشترك أو المرائيّ تتعذّر معرفة الشيء أن يبكّت في وقت من الأوقات فتكون المرائيّة يسيرة وقد كانت قبل ذلك كثيرة؛ فعند ذلك كان المسؤول لا يجيب: فأمّا الآن فمن قبل أنّ الذين سألوا لما لم يحرسوا لهم على الصواب، وجب من الاضطرار أن نضيف إلى جوابنا شيئاً ينصلح به فساد السؤال من قبل أنّ قسمته إن كانت كافية، فقول المجيب من الاضطرار يكون إمّا: «نعم»، أو «لا».
فإن ظنّ ظانّ أنّ التي تكون بحسب الاسم المشترك هي بجهة ما تبكيت، فإنّ المجيب ليس يخلص من التبكيت. وقد يضطرّ في الأمور المحسوسة إلى أن يرفع الاسم الذي وضع، ويضع الذي رفع. فليس ينتفع بتقويم بعض الناس لهذا المعنى: وذلك أنّهم ليس يقولون إنّ قوريسقوس موسيقار وليس بموسيقار، لكن أنّ قوريسقوس هذا: موسيقار، وقوريسقوس هذا: ليس بموسيقار. 〈ولا تنحلّ الصعوبة بهذا〉، وذلك أنّ قوريسقوس هذا وقوريسقوس هذا هما جميعاً في الحدّ شيء واحد بعينه. 〈و〉ما نحمله على ذاك يكون على الإطلاق، فشنع أن نزيد فيما نحمل على الآخر أنّه في شيء أو أنّه لشيء، فإنّه ليس يوجد للآخر شيء زائد؛ وذلك أنّهما ليس يختلفان بشيء البتّة.
ولكن من قبل أنّه غير معلوم ما الذي بكّت أو لم يبكّت، لأنّ المراء لم يحدّد، وقد أخبرت لنا قسمة الألفاظ، فظاهر أنّ الذي يجيب من غير أن يحدّد، بل على الإطلاق، فقد أخطأ، فإذن وإن لم يكن هو، بل القول نفسه، يكون شبيهاً بالذي قد بكّت. وقد يعرض لكثرة ما يسأل على جهة المراء لإيصال ما يورد علينا ممّا يجري هذا المجرى أن نتكاسل عن القسمة حتّى لا يعترض في جميعها، فيظنّ بنا التعسّر في التسليم ومراراً كثيرة؛ وهم لا يشعرون أيضاً أنّ من هذه يكون قياس يلزمهم خلاف الرأي المشهور.
فلأنّ القسمة إذن قد أطلقت لنا، فليس يجب أن نتكاسل كما قلنا فيما سلف.
فإن لم يجمع الإنسان بين سؤالين ويجعلهما سؤالاً واحداً، فإنّ الضلالة ليس تكون من اشتراك الاسم ولا من المراء، بل عسى أن تكون تبكيتاً أو لا تكون. وذلك أنّه ما الفرق بين أن يسأل عن قلياس وثامسطوقولوس: هل هما موسيقاران؟ — وبين أن يجعل لهما اسماً واحداً وهما مختلفان. فإن كان دالّاً على كثيرين فإنّه يسأل عن كثيرين مسئلة واحدة. فإن لم يكن صواباً أن يجيب عن مسألتين جواباً واحداً على الإطلاق، فظاهر أن ليس جوابنا في الواحد أيضاً من هذه المتّفقة أسماؤها بصواب، وبالجملة ولا لو صدق فيها كلّها، بمنزلة ما يوجب ذلك بعض الناس. وذلك أنّه لا فرق بين المسئلة عن هذه وبين المسئلة عن قوريسقوس وقالياس هل هما في البيت أو ليس هما في البيت: كانا جميعاً حاضرين أم لم يكونا، لأنّ المقدّمات المثنّاة كثيرة، فليس من أجل أنّ القول الذي هذه حاله صدق في مسئلة واحدة يمكن إذا سئلنا عن عشرة آلاف سؤال آخر أن يجيب عن جميعها إمّا «بنعم» أو «لا»، ويكون قولنا صادقاً، بل يجب ألّا يجيب
بجواب واحد، لأنّ الكلام يعدم. وعلى هذا المثال بعينه لكثيرين. فإن كان ليس يجب إذن أن يجيب عن مسئلتين جواباً واحداً، فظاهر أنّه ولا عن الأسماء المشتركة ينبغي أن يجيب׃ «نعم» أو «لا»: 〈ولا〉 المجيب يخلص 〈بهذا〉 من تبعة 〈في〉 جوابه، بل إنّما قال قولاً؛ إلّا أنّ هذا يجري في بعض ما يتكلّم به للذهول عمّا يعرض.
ومن قبل أنّ التي ليست تبكيتات يظنّ أنّها موجودة شيئاً ما، كما قلنا، فعلى هذا المثال بعينه توجد أشياء ليست حلولاً يظنّ أنّها شيء ما من غير أن تكون حلولاً. فينبغي أحياناً أن نأتي بهذه التي قلنا خاصّة إمّا نحو الأقاويل الصحيحة التي تكون في الأقاويل الجهاديّة، أو نحو المقاومة التي تكون مضعّفة.
ويجب أن يجيب عن التي يظنّ أنّه قالها على جهة الإيجاب: وذلك أنّه أمّا على هذا النحو فليس يكون تبكيتاً البتّة. فإن اضطرّ إلى القول بخلاف الرأي المشهور ففي هذا الموضع خاصّة يزيد في قوله: «فيما أظنّ»، ذلك أنّ على هذه الجهة ليس يظنّ أنّه يكون تبكيتاً ولا ما يخالف الرأي المشهور. —
ولأنّه قد علم كيف يكون السؤال عن التي أوّل الأمر، وذلك أنّهم يظنّون أنّه، وإن كان قريباً، فإنّه يرفع لا محالة، ولا يطلق أن تؤخذ الجزئيّات إذا كانت مثل التي يسأل عنها في أوّل الأمر، فإذا أوجب الإنسان مثل هذا، فإنّ الذي يعرض بالاضطرار عن الموضوع كذباً كان أو خلاف الرأي المشهور، فإنّ الذي يقال هو ذلك الشيء بعينه، وذلك أنّ التي تعرض من الاضطرار إنّما يظنّ أنّها موجودة عن ذلك الموضوع بعينه. — وأيضاً إذا لم يصرّح بذكر الكلّيّ، بل أخذ بالمقايسة، فيقال إنّه لم يوجد على ما سلمّ، ولا فرّع على ما أصّل، فإنّ التبكيت كثيراً ما يكون عن مثل هذا.
فإذا أمسكنا عن هذه على أنّها ليست مبنيّة على ما يجب، فليكن السعي في المقاومة بحسب الحدّ المذكور.
فأمّا في الأسماء الحقيقيّة فمن الاضطرار أن يجيب إمّا على الإطلاق، أو بأن يقسم: ويكون ما يضعه هو ما قد فكرنا فيه مثلما يجري في جميع الأشياء التي لم يفصح بالمسئلة عنها، بل سئل عنها على جهة الإيجاز، فإنّ التبكيت قد يكون من هذه. ومثال ذلك: أترى ما هو للآثنيّين فهو ملك للآثنيّين؟ — فيقال: «نعم»! — وكذلك في أشياء أخر: ألا إنّ الإنسان للحيوان؟ فيقال: نعم! — أترى الإنسان ملك للحيوان؟ — 〈ولكن هذه سفسطة〉، وذلك أنّا إنّما نقول إنّ الإنسان للحيوان من قبل أنّه
حيوان، ونقول إنّ لوسندروس للاقون من أجل أنّه لاقونيّ. فمعلوم إذن أنّ في هذه الأشياء التي يظهر كيف يتفرّع فيها ما أصّل يجب ألّا نتركها مطلقة.
وإذا كان السؤال عن شيئين متى وجد أحدهما يظنّ أنّ الآخر موجود من الاضطرار، وليس هذه حال الآخر عند المسئلة عنه من الاضطرار، فيجب أن يجيب أوّلاً بالذي هو أنقص، وذلك أنّه عسر جدّاً أن يؤلّف من أشياء كثيرة. فأمّا إن رام الكلام في شيء هو مضادّ بجهة وغير مضادّ
بجهة أخرى، وكان قوله صادقاً، فجوابنا يكون بحسب ما هو مضادّ بجهة أخرى وكان قوله صادقاً فجوابنا يكون بحسب ما هو مضادّ، فالجهة الأخرى لا اسم لها.
من قبل أنّ بعض هذه يقوله كثير من الناس، فلا يتطرّق على قولهم الكذب، وبعضها ليست كذلك، والمثال في ذلك جميع الأشياء التي الرأي المشهور موجود فيها على جهتين (وذلك أنّ القول بأنّ: هل نفس الحيوان فاسدة أو غير مائتة؟ هو عند كثيرين غير محدود)، ففي هذه الأشياء التي ليس يعلم ما من شأنه أن يقال في التي يتقدّم وضعها: أترانا نجيب بحسب الاعتقادات؟ وذلك أنّهم يسمّون الاعتقادات الآراء الصادقة بالكلّيّة والسالبة، ومثال ذلك القطر غير مشارك للضلع. — أو عسى، لأنّ الآراء الصادقة تقال على جهتين: فإنّه إذا تنقل غفل عن الأسماء: ولأنّ الحقّ ليس يعلم في أيّ شيء هو، ليس يظنّ أنّ في هذه الأشياء حكمة، وذلك أنّها لمّا كان الرأي فيها على ضربين لم يظنّ أنّها تكذب، من قبل أنّها تجعل ما ينتهي إليه القول غير مبكّت.
وأيضاً فإنّ الإنسان إذا تقدّمت معرفته بجميع السؤالات سارع إلى الكلام في مقاومتها، وذلك أنّه هكذا خاصّة يكون منعه للسائل.
١٨
〈الحلّ الحقيقيّ للأقيسة السوفسطائيّة〉
ولأنّ النقض الصحيح برهان على كذب القياس، وعلى الكذب ونحو أيّ سؤال يعرض، (وذلك أنّ القياس الكاذب يقال على جهتين: إمّا عند تأليفه من الكذب، أو إذا ظنّ أنّه قياس وليس بقياس)، فيكون
الحلّ المذكور الآن وتهذيب القياس الذي يظنّ موجوداً إنّما يكون في بعض المسائل. فيعرض إذن في مقدّمات القياس إن كان فيها شيء من الأشياء المظنونة أن يكون النقض عندما نقسم. — وبعض الأقاويل المؤلّفة تلزمها نتائج صادقة، وبعضها يلزمها الكذب، والتي لها شبه النتائج الكاذبة يمكن أن تحلّ على جهتين: إمّا برفع شيء ممّا سئل عنه، وإمّا بتبيين أنّ النتيجة ليست كذلك.
فأمّا التي من قبل المقدّمات فبأن يرفع الشيء فقط؛ وذلك أنّ النتيجة تكون صادقة. فلينظر الذين يريدون نقض القول أوّلاً: هل هو مركّب أو غير مركّب؟ وينظرون بعد ذلك: هل نتيجته صادقة، أم كاذبة؟ حتّى يكون نقضنا إمّا عندما نرفع، ورفعنا يكون إمّا على هذا النحو أو على هذا النحو كما قلنا فيما تقدّم. — وبين أن يسأل عن الشيء، وبين أن يكون الشيء معلوماً فلا ينقض القول — فرق كبير. وذلك أنّ المسارعة في النظر صعبة؛ وأمّا التملّي للنظر فسهل.
١٩
〈حلّ التبكيتات الناشئة عن اتّفاق الاسم وعن المراء〉
فأمّا التبكيتات فما كان منها من الاسم المشترك ومن الآراء فهي شيء من السؤالات التي تدلّ على أشياء كثيرة وهي التي نتائجها تقال على جهات كثيرة — ومثال ذلك: أمّا النتيجة القائلة إنّ الساكت يتكلّم فتكون على نحوين، والقائلة إنّ الذي يعلم، فإنّ أحد السؤالين يكون مرائيّاً. وأمّا الثنائي فيكون أحياناً موجوداً وأحياناً غير موجود، لكنّه يدلّ بجهتين: أمّا أحدهما فعلى أنّه موجود، والأخرى على أنّه ليس بموجود.
فأمّا في المسائل التي تدلّ على كثير فإن لم يضف إلى ما يأخذه التناقض فإنّه لا يكون تبكيت: والمثال في ذلك القول بأنّ «لأعمى يبصر»، وذلك أنّه ليس يكون تبكيت بغير تناقض. — وليس في جميع المسائل يضطرّ إلى أن يتقدّم فيرفع ما يدلّ على نحوين: وذلك أنّ الكلام ليس هو نحو هذا، بل من أجل هذا. فأمّا في أوّل الأمر فإذا كان الاسم والكلمة يدلّان على أكثر من معنى واحد، فليكن جوابنا هكذا: وهو أنّه موجود على هذا النحو، وغير موجود على نحو آخر، بمنزلة القول: إنّ الساكت يتكلّم، فإنّه يكون موجوداً بجهة وغير موجود بجهة. فأمّا الأشياء التي يجب أن يفعلها فهي
هذه بجهة، وبجهة ليست هذه؛ والأمور الواجبة تقال على أنحاء كثيرة. فإن لحقه غلط فإنّه يتلافى غلطه في آخر الأمر بزيادة في السؤال: «أترى يكون للساكت أن يتكلّم»؟. — فيقال: لا، بل لهذا الساكت. وكذلك يجري الأمر في هذه التي يوجد في مقدّماتها ما يقال — على أنحاء كثيرة
أترانا ليس نعلم الذي نعلم: بلى! قد نعلم، إلّا أنّا ليس نعلم الأمور التي هي بهذه الحال؛ وذلك أن ليس القول «بأنّهم لا يعلمون» والقول «بأنّهم لا يعلمون التي هي هكذا —» يدلّان على شيء واحد بعينه. [من قبل أنّهما 〈لا〉 يتقابلان بالكلّيّة]. 〈ويجب على المجيب أن يعارض، حتّى〉 إن كان قياساً على الإطلاق من قبل أنّه لم يرفع الأمر الذي وضع، بل الاسم ؛ فليس هو إذن تبكيتاً.
٢٠
〈حلول التبكيتات الناشئة عن القسمة والتركيب〉
وهو بيّن كيف يكون نقضنا للمسائل التي في القسمة والتركيب: وذلك أنّ القول كان يدلّ عند القسمة والتركيب على أمور مختلفة: فإنّ الذي يقال عند الجميع هو الضدّ. وجميع أمثال هذه الأقاويل هي إمّا من التركيب أو من القسمة: «أترى بالذي علمت، أنّ هذا كان يضرب»؟ فيقال: «كان يضرب، وبالذي كان يضرب علمت»؛ وقد يوجد في هذه شيء من المسائل المرائيّة، إلّا أنّه من التركيب. لأنّ الذي من القسمة ليس نفهم منه معنيين: وذلك أنّ القول ليس يبقى واحداً بعينه عندما نقسم إن كان ما يدلّ عليه قولنا: تو أورس و〈هو〉 أوروس — إذا قيلا معربين هكذا أوّلاً على معاني مختلفة. (إلّا أنّ هذا الاسم إذا كان مكتوباً فهو واحد بعينه
إذ كان إنّما يكتب بحروف واحدة بأعيانها وعلى مثال واحد — وقد يجعلون هذه الأشياء مطّرحة بالواحدة — فأمّا إذا عبّر عنها فليست واحدة بأعيانها). فليست تكون التي من القسمة إذن ممّا يقال على نحوين. ومن البيّن أيضاً أن ليس جميع التبكيتات ممّا تقال على جهتين، كما قال بعض الناس.
فليكن المجيب هو الذي يقسمها، وذلك أن ليس «نشاهد المضروب بأبصارنا« وأن نقول «إنّا نشاهد المضروب بأبصارنا» — شيئاً واحداً بعينه. وقول أوتادوموس: أتزال تعلم الآن أنّ السفن التي لها ثلاثة سكنات موجودة في سقلّيّة؟ وأتراه يكون جيّداً وهو مع ذاك يرسى رديئاً؟ فيكون الإنسان مع أنّه جيّد يرسى رديئاً؟ فيكون إذن سقراط جيّداً ورديئاً. وأترى المعلومات الفاضلة العلم بها فاضل، والشرّ فالعلم به فاضل، فالعلم الرديء إذن فاضل؟ إلّا أنّ الشرّ في العلم به شرّ، فالشرّ إذن العلم به شرّ، إلّا أنّ العلم الذي ليس برديء هو فاضل.
وأترى صدق أن يقال إنّك كنت، فأنت إذن كنت الآن، أو تكون — هذا القول إذا قسم دلّ على معنى آخر، وذلك أنّه حقّ أن يقال الآن إنّك كنت، لكن ليس الآن. وأترى بحسب إمكان ما هو لك بالإمكان، وكذلك تكون أفعالك، وقد يمكنك وأنت غير ضارب بالعود أن تضرب؟ فأنت إذن ضارب عندما لست ضارباً. وإمّا أن تكون القوّة التي على هذا ليس هي على أنّه إذا كان غير ضارب أن يضرب، بل على أن يفعل إذا كان غير فاعل.
وقد حلّ ذلك قوم على جهة أخرى، وهي أنّه إذا سلم أنّه يفعل بحسب ما يمكنه فليس يعرض إذن من ذلك أن يكون، وهو غير ضارب، ضارباً؛ وذلك أنّه لم يسلّم أنّه يفعل كلّ ما يمكنه فعله لا محالة لأن ليس يفعل
بحسب ما يمكنه، وأن يفعل بحسب ما يمكنه لا محالة شيئاً واحداً بعينه. — إلّا أنّه بيّن أنّهم لم يحلّوا حلّاً جيّداً، وذلك أنّ الأقاويل المأخوذة من شيء واحد بعينه حلّها واحد بعينه، وهذا فليس بموافق في جميع الأمور، ولا هو موجود لا محالة في التي يسأل عنها، لكنّه نحو السائل، لا نحو الكلمة.
٢١
〈حلّ التبكيتات الناشئة عن النبرة〉
والمواضع التي من الشكل ليست ألفاظاً ولا ممّا يكتب ولا من التي يتكلّم بها: بل إن كان ذلك في شيء منها فهو في اليسير — ومثال ذلك هذا القول: أتراك في الحقيقة لا تنقض البيت؟ فيقال: نعم. «فأن لا ينقض البيت» إذاً هي سالبة: «أن ينقضه». فإذا كان الحقّ هو أنّك لا تنقض البيت، فالبيت إذن سالبة. فأمّا كيف يكون نقضنا فهو معلوم: وذلك أنّ القول ليس يدلّ إذا قيل بحدّة وضجر شديد وإذا قيل بتمهّل تامّ بدلالة واحدة بعينها.
٢٢
〈حلّ التبكيتات الناشئة عن صورة القول〉
وقد يعلم من الأقاويل التي تقال على مثال واحد للتي ليست واحدة بأعيانها كيف تقسم إن كانت عندنا للمقولات أجناس. وذلك أنّ: أمّا ذاك
فيسلم إذا سئل عن جميع الأشياء الدالّة على ما الشيء أنّه ليس هو شيئاً منها. وهذا بيّن ممّا يوجد لشيء على أنّه من المضاف أو من الكمّيّة، وقد يظنّ —
بهم أنّهم يدلّون على شيء من أجل الصوت. وفي هذا القول مثال لذلك: أترى يمكن في الشيء الواحد بعينه أن يفعل وينفعل معاً؟ فقال: لا! إلّا أنّه ممكن في الشيء الواحد بعينه أن يبصر ويبصر معاً. فقد وجد إذن شيء من هذه: ينفعل، ويفعل. فإداً والقول بأنّ الذي ينقطع وينفعل بحسّ ممّا يقال على مثال واحد. وجميع هذه هي من التي ينفعل. وأيضاً فإذا قلنا: يحضر، يبصر فإنّهما يقالان على مثال واحد؛ ولكن «أن يبصر» هو «أن يحسّ بشيء»، فقد ينفعل إذن الشيء ويفعل معاً. فإن أعطى هناك معطٍ — مع أنّه ليس يمكن في الشيء الواحد بعينه أن يفعل وينفعل معاً — أنّه قد يمكن 〈أن〉 يبصر الشيء ويبصر، فلم ينله التبكيت بعد متى قال
إنّ «أن يبصر» ليس هو «أن يفعل شيئاً»، بل «أن ينفعل». وذلك أنّ هذا السؤال محتاج إلى هذا المعنى، إلّا أنّ السامع، كائناً من كان، يظنّ به أنّه يسلم إذ أن يقطع هو أن يفعل، ويعطى أنّ الذي ينقطع ينفعل، وسائر الأشياء الأخر التي تجري في القول هذا المجرى. فأمّا باقي الأقاويل فالسامع يلحقها إلى تلك، من قبل أنّها جارية في القول مجراها، وتلك ليست كذلك، بل قد يظنّ ذلك بها بسبب الصوت. وقد يعرض في هذا بعينه مثل ما يعرض في الأسماء المشتركة: وذلك أنّ الجهاد الذي يكون في الأقاويل يوهم أنّه قد رفع الأمر الموضوع لا الاسم، وهو في هذا أيضاً محتاج إلى سؤالات، إن كان وهو ينظر في شيء واحد يكون الذي يقوله: اسماً مشتركاً، وذلك أنّه على هذا النحو يكون قد سلم التبكيت.
وقد تشبه أمثال هذه الأمور والأقاويل هذه الأشياء في أن كان الإنسان الذي يوجد له شيء ما لم يلق ما يوجد له بأخرة، فإنّ الذي ألقى كعباً واحداً فقط لا توجد له عشرة كعاب، أو الذي ألقى ما لم يكن له أوّلاً — في الوقت الذي وجد له؛ فأمّا هل ما كان غير موجود أو جميعها ألقى — فليس ذلك من الاضطرار. فإذاً كان سؤاله عمّا يوجد له يجعل ما ينتجه في جميعها، والعشرة هي ذوات كمّيّة. فإن سأل إذن في أوّل الأمر: هل
جميع ما لا يوجد للإنسان ممّا قد كان موجوداً له أوّلاً هو الذي ألقى، لما كان من أحد يسلم، إلّا إمّا جميع هذه أو بعضها. — أو أنّ الإنسان
يعطى ما هو موجود له، وليس إنّما يوجد له كعباً واحداً فقط. وأنّه ليس يعطى ما لم يكن له إلّا على أنّه بمنزلة ما لا يوجد له. وذلك أنّ الواحد فقط ليس يدلّ لا على هذا ولا على مثل هذا ولا على كمّيّة ما، بل يوجد على أنّه مضاف إلى شيء، مثل أنّه ليس مع آخر بمنزلة ما لو سأل: أترى الإنسان يعطى ما ليس بموجود له؟ فإذا قال: لا ! سأله: فهل يعطي الإنسان على جهة السرعة عند ما يوجد له على جهة السرعة؟ فيقول: نعم! فيؤلّف أنّ الإنسان يعطي ما لا يوجد له. ومن البيّن أنّه 〈لم〉 يأتلف: وذلك أنّ الذي يكون على جهة السرعة ليس هو أنّه يعطي ما يوجد له، فهو إذن يعطي ما ليس له — مثال ذلك إذا كان الشيء موجوداً له على جهة اللذّة يسلّم أنّه على جهة الأذى.
وجميع الأمور الجارية هذا المجرى متشابهة. أتراه يضرب باليد وهي غير موجودة له، أو ينظر بالعين إلى ما ليس بموجود له؟ وذلك أنّه ليس توجد له
جميع هذه التي قيلت الآن وفيما تقدّم ليس إنّما هو نحو القول، لكنّها نحو الإنسان. وذلك أنّ هذا لو كان حلّاً لكان إذا سلم الضدّ لا يمكنه أن ينقضه، مثلما يكون في الأمور الأخر أيضاً — مثال ذلك إن كان هذا موجوداً هذا الشيء: فإنّ قولنا فيه إنّه هذا الشيء ليس ينقض، وإن سلم في شيء أنّه يجتمع على الإطلاق فليس ينتقض إذا لم يجتمع: وذلك أنّا عند تسليم جميع الأشياء التي تقدّم ذكرها، ليس نقول إنّه يكون قياس.
وقد تكون هذه أيضاً من هذه الألفاظ: أترى الإنسان يكتب ما هو مكتوب، وقد كتب الآن أنّك كتبت، قولاً كاذباً، وقد كان المظنون عندما كنت صادقاً، فيكون الذي يكتب إذن كاذباً وصادقاً معاً. وذلك أنّ الكاذب إمّا أن يكون قولاً صادقاً، أو يكون رأياً، أو ليس هو هذا، لكنّه يدلّ على مثل هذا. وهذا المعنى بعينه هو الذي يقال في الرأي. وأترى ما يتعلّمه المتعلّم هو هذا؟ وقد يتعلّم الإنسان الخفيف والثقيل، فليس هو إذاً الذي يتعلّم، بل إنّما يقال إنّه كالشيء الذي يتعلّم. وأترى الذي يمشي الإنسان فيه يتوطأوه وهو يمشي النهار كلّه، أو لا يكون قال الذي يمشي، بل قال إذا مشى؛ ولا أنّ الذي يشرب يشرب القدح، لكن من القدح. وأترى ما يعلمه الإنسان إنّما يعلمه إذا تعلمه، أو إذا وجده؟ ومن هذين أمّا ذاك فوجده؛ وأمّا هذا فتعلمه. فإمّا أن يكون المجتمع ليس غيرهما، أو يكون ذاك غير هذين. — وأن يكون الإنسان شيئاً موجوداً ثالثاً إذاً فليس بنفسه وبكلّ واحد من الأمرين. وذلك أنّ الإنسان وكلّ أمر عامّ ليس
هو هذا الشيء، بل هو كهذا، أو يكون مضافاً أو ذاك على شيء من أمثال هذه. وكذلك يجري الأمر في قوريسقوسن وقوريسقوس الموسيقار: هل هما يدلّان على شيء واحد بعينه، أو أحدهما مخالف للآخر، حتّى يكون: أمّا ذاك فيدلّ على هذا الشيء، وهذا على مثل هذا الشيء. فليس يجب إذن أن يضع أنّهما شيء واحد بعينه. وليس إنّما يصير الإنسان ثلاثيّاً بوضعنا إيّاه كذلك. فلينزل ما يدلّ عليه أنّه هذا الشيء. وذلك أنّه ليس يدلّ أنّه هذا الشيء على ما هو قالياس وعلى ما هو الإنسان. ولا خلاف بين قول القائل فيما يوضع أنّه ليس هو الموجود هذا الشيء، بل هو المكيّف البتّة. فليكن الذي ينسب إلى الكثيرين وهو واحد، أعني الإنسان. فظاهر أنّه ليس يسلّم في الشيء الذي يحمل على العموم على الكلّ أنّه هذا الشيء، لكن إمّا كيفيّة أو مضاف أو كمّيّة أو شيء ممّا يدلّ على أمثال هذه.
٢٣
〈القاعدة العامّة لحلّ التبكيتات الناشئة عن القول〉
وبالجملة فنقض هذه الكلم التي تكون من الصوت
هي دائماً مثل التي تكون من الضدّ، لا ممّا عنه كانت الكلمة — مثال ذلك أنّه إذا كان من التركيب يكون النقض بالقسمة، وإذا كان بالقسمة كان ذاك بالتركيب؛ وأيضاً إن كان عن الشكلة المسمّاة الحادّة، فالنقض يكون بالشكلة التي تسمّى الثقيلة؛ وإن كان بالثقيلة فبالحادّة. — وإن كان إنّما هو من الاسم المشترك فالنقض إنّما يكون عندما يأتي باسم مضادّ — ومثال ذلك أنّه إن عرض أن يقال في الشيء إنّه ذو نفس، فرفعنا لذلك يكون بألّا يكون القول دالّاً على ما هو غير ذي نفس، وإن قال إنّه غير ذي نفس وكان قصده بتأليفه القول بأنّه ذو نفس فيما هو غير ذي نفس. — فكذلك يجري الأمر في المراء. — فإن كان عن تشابه الصوت فإنّ النقض يكون بالضدّ: أتراه يعطى ما ليس بموجود له، وليس يعطى ما لا يوجد له، بل ما هو كالذي لا يوجد له، أيّ كعباً واحدة فقط كما قيل. وأترى الذي تعلّمه إنّما علمه بالتعليم أو بالاستنباط؟ — إلّا أنّ هذه ليست التي تعلمها. وإن كان إذا مشى يتوطأ، إلّا أنّه ليس يتوطأ 〈إذا〉 مشى. وعلى هذا المثال يجري الأمر في الأشياء الأخر.
٢٤
〈حلّ التبكيتات المأخوذة من العرض〉
فأمّا نقض التي تكون بنحو العرض فهو واحد فقط في جميعها. فلأنّ الوقت الذي يحمل فيه الشيء على الأمر إذا كان الشيء محمولاً على
العرض غير محدود، فإنّه يظنّ أنّه يكون مقولاً على أمور كثيرة وغير محمول في جزئيّات من الأمور حملاً ضروريّاً، فيفعل الحمل إذن في جميعها على أنّه ليس من الاضطرار. وينبغي أن تكون المسارعة إلى إحضار أمثلة لهذه الأشياء عنده ممكنة. — وجميع ما جرى من الألفاظ هذا المجرى يكون من العرض: أتراك تعلم ما أريد أن أسألك عنه؟ فأنت تعلم إذن الذي يدخل، أو المخفيّ؟ أترى التمثال لك عبد أو الكلب الذي لك أب، أو هذه الأشياء التي على جهة التصغير صغار. فظاهر أنّ جميع هذه الأشياء إنّما تصدق في الأمور على جهة العرض لا من الاضطرار. والأشياء الداخلة في باب الجوهر فقط هي التي يظنّ بجميعها أنّها واحدة غير مختلفة. وليس أن يكون الخير موجوداً خيراً وأن يكون من شأنه أن يسأل عن مسئلة شيء واحد بعينه، وليس بين القريب أو المشهور وبين الداخل القريب نسبة؛ ولست، وإن كنت عارفاً بالذي يدخل، أكون بقوريسقوس —
بعينه عارف وغير عارف؛ ولا إذا كان هذا عبداً فإنّ هذا العبد هو عبد لي، لكن أيّما ملكوا أو أمر من الأمور أو شيء آخر، وعلى هذا النحو يجري الأمر في الأشياء الأخر.
وقد ينقض بعض الناس بإفسادهم السؤال، وذلك أنّهم يقولون إنّه ممكن أن يعرف الأمر الواحد بعينه ولا يعرفه، إلّا أنّ ذلك ليس من جهة واحدة. فإنّا إذا كنّا بالذي يدخل عارفين وبقوريسقوس غير عارفين فقد نقول في الشيء الواحد بعينه إنّا نعرفه ولا نعرفه. إلّا أنّ ذلك ليس بجهة واحدة. — على أنّه يجب كما قلنا فيما سلف أن يكون إصلاح الأقاويل المأخوذة من شيء واحد بعينه واحداً بعينه؛ وهذا ليس يكون إن كان الإنسان ليس يأخذ المطلوب نفسه بمعرفة، بل على أنّه موجود كيفما اتّفق — مثال ذلك إن كان هذا أب وهو لك فإن كان هذا صادقاً وكان ممكناً في أمور يسيرة أن يعلمنا وألّا يعلمنا، إلّا أن ليس للتي ذكرت شركة فيما قيل هاهنا. — وليس يمنع مانع من أن يلحق بالقول الواحد بعينه شناعات كثيرة، إلّا أنّه ليس يكون نقضاً لكلّ ما يبرهن الخطأ: وقد يمكن، إذا كان الذي ألّف كاذباً، أن يبيّن شيئاً أكثر من أن لا يبيّن — ومثال ذلك قول زينن إنّه ليس يوجد متحرّك. فإن رام إنسان أن يقيس على خلاف الرأي المشهور، وكان إذا قاس على خلاف الرأي المشهور يخطئ، ولو فعل ذلك عشرة ألف مرّة لما كان أو يكون النقض ما يدلّ ذلك عليه. — ولكلّ
هذا لا مانع يمنع من أن يعرض في أفراد، إلّا أنّ هذا ليس يظنّ أنّه موجود في هذه؛ وذلك أنّا إنّما نعرف قوريسقوس بما هو قوريسقوس، ونعرف الذي يدخل بأنّه يدخل. وقد يمكن أن يتوهّم في الشيء الواحد بعينه أنّا نعرفه ولا نعرفه — مثال ذلك: أمّا الأبيض فإنّا نعرفه، فأمّا الموسيقار فليس نعلم: فعلى هذا النحو —
نكون عارفين بالشيء الواحد وغير عارفيه. إلّا أنّا ليس من جهة الذي يدخل بعينها يعرف قوريسقوس والذي يدخل وما لقوريسقوس.
وقد يقع مثل هذا الخطأ على الذين ينقضون القول بأنّ «كلّ عدد قليل» بمنزلة ما يكون في التي ذكرنا. فإن كانوا إذ لم ينتجوا ذلك قالوا إنّ الذي قد انتتج صادق، فالخطأ لاحق بجميعهم بالأقلّ والأكثر.
وقد يحلّ بعض الناس قول الذين يؤلّفون على أنّه أب لك أو ابن أو عبد من طريق ما يدلّ على التي من معنى واحد وعلى أنّه ظاهر أنّ التبكيت إن كان إنّما يظنّ موجوداً من أجل ما يقال على أنحاء كثيرة. فينبغي أن يكون إمّا الاسم أو الكلمة على الحقيقة تقال على معانٍ كثيرة؛ إلّا أنّه ما من أحد يقول على التحقيق إنّ هذا يكون ابناً لهذا إن كان الابن ملكاً له، لكن التركيب إنّما هو من العرض. أترى هذا هو لك؟ فيقال: نعم! وهذا هو ابن من قبل أنّه عرض له أن كان ابناً. فهذا إذن هو لك، وهو ابن، إلّا أنّه ليس بابن لك.
وكذلك يجري الأمر في أنّ بعض الشرور خير، وذلك أنّ الحكمة هي معرفة الشرور، وهذا ليس يقال على جهات كثيرة، بل هو ملك، فإن كان يقال على أنحاء كثيرة (فإنّا قد نقول في الإنسان إنّه للحيوان، وليس هو لشيء آخر؛ وإن نسب شيء إلى الشرور كان لذلك موجوداً في الشرور)، إلّا أنّ هذا الموجود في الشرور يظنّ أنّه ممّا يوجد في شيء وعلى الإطلاق. — على أنّه عسى أن يمكن في الشيء أن يكون خيراً وفي الشرور بجهتين. — إلّا أنّ ذلك ليس يكون في هذا القول، بل إن كان عمل ما قد أجيد فعله وهو رديء، ولعلّه على الأكثر ليس كذلك؛ وذلك أنّه إن كان جيّداً وكان لهذا فإنّه يكون جيّداً لهذا. ومع ذلك فالقول في الإنسان إنّه للحيوان ليس يقال على أنحاء كثيرة. وذلك
أنّا ليس نقول في الوقت الذي نشير إلى شيء إنّ هذا يقال على أنحاء كثيرة. فأمّا إذا قلنا نصف سطر من شعر أوميروس فإنّنا ندلّ على «إيلياذا» — ومثال ذلك: «اذكري لي أيّتها الآلهة السخط المهلك لآخيلوس ...».
٢٥
〈حلّ التبكيتات الناشئة عن استعمال الألفاظ المطلقة أو النسبيّة〉
وأمّا هذه التي يقال إنّها هذا الشيء على التحقيق، فليس يكون بعضها عند من يفكر في أن تكون نتيجة مناقضة من حيث يقال إنّها في مكان أو في متى أو كيف أو مضاف على الإطلاق، إذ أمكن أن ينفعل شيء من هذه؛ وليس يمكن أن نوجب الأضداد والمتقابلات لشيء واحد بعينه ونسلبها على الإطلاق
فأمّا أحياناً فقد يوجد كلّ واحد أن يكون إمّا مضافاً أو كيفاً أو أن يوجد أحياناً على الإطلاق، فلا يمنع مانع من ذلك. فإن كان هذا إذن موجوداً على الإطلاق، 〈وهذا الآخر موجوداً〉 في بعض الأوقات، فليس هي بعد تبكيتاً. لأنّ هذا إنّما يظهر في النتيجة عند المناقضة.
وجميع الألفاظ الجارية هذا المجرى هي التي هذه حالها. أترى يمكن أن يوجد ما ليس بموجود؟ إلّا أنّه قد يوجد شيء ليس بموجود؛ فعلى هذا
السيمة خير؟ إلّا أنّ هذا ربّما كان غير فاضل، فيكون وجود الشيء الواحد بعينه لشيء واحد بعينه خيراً وليس بخير؛ أو يكون لا مانع يمنع من أنّه إذا كان خيراً على الإطلاق ألّا يكون على هذا النحو، أو يكون في هذا الشيء خيراً، إلّا أنّه ليس في هذا الوقت، أو ليس هو في هذا الموضع خيراً. أترى ما ليس يطلبه الحكيم هو شرّ وليس يطلب استفادة الخير؟ فالخير إذن شرّ. وليس القول بأنّ الخير شرّ، والقول بأنّا نطرح الخير — شيئاً واحد بعينه.
والقول في السارق ممّا يجري هذا المجرى؛ وذلك أنّه ليس إن كان السارق شريراً فـ«ـأن يأخذ» هو شرير؛ إلّا أنّ قبول المرض ليس كذلك.
إن كانت هذه التي تقال جائرة فإنّ الذي يقول الجائرة يكون غالباً؛ وذلك أنّه يقول في هذه الأشياء التي يجوز أن يقال فيها إنّها عادلة، وفي الأشياء التي على الإطلاق إنّها جائرة لما من شأنها أن تقبله من الانفعال.
٢٦
〈حلّ التبكيتات الناشئة عن تجاهل المطلوب〉
فأمّا نقض التي تكون من حدّ التبكيت بحسب ما رسم —
فينبغي أن نبدأ أوّلاً بالنظر في حال مناقضة النتيجة حتّى تكون واحدة بعينها وفي شيء واحد بعينه ونحو شيء واحد بعينه وعلى جهة واحدة وفي زمان واحد بعينه. وإن كانت ممّا سئل عنه في أوّل الأمر فلا يذعن بها، من قبل أنّه ليس يمكن في الشيء الواحد بعينه أن يكون ضعفاً وغير ضعف ولا يعترف بها. فليس المناقضة ها هنا كما كانت فيما سلف، إنّما تكون من الأمور التي يقرّ بها. وجميع هذه الأقاويل تكون من أمثال هذه: أترى الذي يعرف كلّ واحد يعرف ما لكلّ واحد، ويعرف الأمور؟ وكذلك الذي لا يعرف، وقد يعرف قوريسقوس وليس يعلم يوجد لقوريسقوس الموسيقاريّة؟ فهو إذن يعرفه ولا يعرفه. وأترى ذو الأربع الأذرع أكبر من ذي الثلاثة الأذرع؟ فأمّا ذو الأربعة الأذرع فليكن أعظم من ذي الثلاثة الأذرع بحسب الطول. والأكبر هو أكبر من الأصغر، فيكون إذن الشيء الواحد بعينه أكبر من شيء وأصغر منه.
٢٧
〈حلّ التبكيتات الناشئة عن المصادرة على المطلوب الأوّل〉
وأمّا هذه التي تكون ممّا يوجد بالمسئلة في أوّل الأمر فإنّهم إذا سألوا فكان سؤالهم عن أشياء معروفة لم يسلمها؛ ولا إن كانت التي نقولها مشهورة بسبب الشناعة فإن غفلنا — لعدم العلم — عن شناعة أمثال هذه الأقاويل
فلنرجع على السائل باللوم من قبل أنّه لم يفحص عمّا تكلّم فيه، وذلك لأنّ التبكيت كان على غير ما أخذ أوّلاً، ولا يكون ما يستعمل بعد ذلك هو الذي يسلم، بل يكون كأنّه قاصد نحو هذا وتأليفه نحو الضدّ أو نحو شيء من التبكيتات.
٢٨
〈حلّ التبكيتات الناشئة عن فساد اللزوم〉
وينبغي أن تتبيّن الأقاويل التي نعتمد فيها على اللازم من ذلك القول بعينه. وتلازم الأشياء المتلازمة يكون على ضربين: وذلك أنّه إمّا كما يلزم الكلّيّ الجزئيّ — ومثال ذلك: الحيوان للإنسان، وذلك أنّهم يسوّون بين وجود هذا مع ذاك وبين وجود ذاك مع هذا —؛ أو على جهة تقابل الوضع، وذلك أنّ هذا كان لازماً لهذا، فإنّ ضدّه يلزمه المضادّ لذلك. وقول مالسّس من هذا النحو: وذلك لأنّه يوجب أنّه إن كان ما يتكوّن فله مبدأ. فإنّ ما لا يتكوّن يجب ألّا يكون له مبدأ. فإذن إن كانت السماء غير مكوّنة فهي غير متناهية؛ وليس الأمر كذلك.
٢٩
وذلك أنّ اللزوم يكون بعكس هذا.
〈حلّ التبكيتات الناشئة عن العلّة الفاسدة〉
وجميع الذين يؤلّفون بزيادة شيء ما ويعتقدون أنّهم إذا رفعوه لم يعرض أن ينقض، بل يبقى على حاله — فإنّا نبيّن أمرهم فيما بعد، وأنّه كالمسلّم لا كالمظنون، إلّا أنّه كالمتوجّه إلى قول ما، وهو لم يستعمل شيئاً البتّة ممّا ينحى به نحو القول.
٣٠
〈حلّ التبكيتات الناشئة عن جمع المسائل الكثيرة في مسئلة واحدة〉
فأمّا نحو الذين يجعلون المسائل الكثيرة واحداً فيجب أوّلاً أن يحدّد. وذلك أنّ السؤال الواحد إنّما يقتضي جواباً واحداً؛ فليس تكون إذن الكثيرة نحو واحد، ولا الواحد نحو الكثيرة؛ لكنّا إنّما نوجب الواحد للواحد ونرفعه. وكما أنّ في المتّفقة أسماؤها أحياناً يقع الحمل عليهما جميعاً، وأحياناً ليس يوجد لأحدهما، فإذا لم يكن السؤال إذن مطلقاً وكان جوابنا على الإطلاق، فليس يعرض من ذلك شيء مؤذٍ. وكذلك
يجري الأمر في هذه. أمّا عندما تكون الكثيرة موجودة لواحد أو الواحد موجوداً لكثيرة أو غير موجود، فإنّ الذي يجيب على الإطلاق يجني مثل هذه الجناية، فليس يعرض له شيء مضادّ. فأمّا إذا كان لأحدهما وغير موجود للآخر، أو كانت كثيرة موجودة لكثيرين حتّى يكون مثلاً اثنان موجودين لاثنين، فإنّه قد يجد سبيلاً إلى الأخير أبين — والمثال لذلك موجود في هذه الأقاويل: إذا كان شيئان أحدهما خير والآخر شرير، فلأنّه صدق أن توصف الجملة بعينها بالخير والشرّ وبأنّها أيضاً لا خير ولا شرّ (وذلك أنّ الكلام ليس هو في واحد واحد منها)، فيكون إذن الشيء الواحد بعينه خيراً وشرّاً، ولا خيراً ولا شرّاً. وكلّ واحد من هذين يوصف بما هو موجود له وبالصفة الأخرى التي للآخر، ولأنّ هذه الصفات ليست لغيرهما، بل لهما، وتوجد لهما صفات أخر؛ وهذه الأخر موجودة لهما، وهما موجودان بحالهما. وأيضاً إن كان الشرّ موجوداً في الخير، وكان الشرّ خيراً، فإنّ هذه تكون موجودة لشيئين مختلفين، وكلّ واحد منهما موافق لذاته، فيكونا إذا قيسا بنفوسهما متساويين.
وقد تقع هذه الأقاويل في قصص أخر؛ وذلك —
إنّ التثنية والجمع يدلّان على كثيرة. فيعرض إذن ألّا يوجب ويسلب لشيء واحد بعينه، بل للاسم. وهذا لم يكن تبكيتاً، إلّا أنّه ظاهر أنّ السؤال الواحد إذا كان محتملاً لهذه المعاني الكثيرة فوضعنا إذا أوجبنا أو إذا سلبنا واحداً على واحد، لم يلزم محال.
٣١
〈حلّ التبكيتات المؤدّية إلى الهذر وتحصيل الحاصل〉
فأمّا في الأشياء التي تلجئنا إلى أن يكون الشيء الواحد مراراً كثيرة، فنقول إنّه من البيّن أنّا ليس نسلّم في الأشياء التي يقال من المضاف عند تمييز المقولات إنّها تدلّ على انفرادها — ومثال ذلك: الضعف خلواً من الضعف أو النصف، من قبل الظنّ بأنّهما شيء واحد؛ وذلك أنّ العشرة
إنّما هي عشرة عن الواحد؛ «وأن يفعل» موجود في «لا يفعل»، وبالجملة في القول السالب. ولكن ليس فإن قال قائل إنّ هذا غير أبيض، فقد قال إنّ ذاك هو أبيض. ولعلّ الصفة ليس تدلّ ولا على شيء؛ كما أنّه ولا للنصف دلالة. فإن كان دالّاً، إلّا أنّه ليس هو واللازم له شيء واحد بعينه، ولا العلم هو الذي في النوع — مثال ذلك: الطبّ، فإنّه إن كان هو العامّ، وهذا فقد كان علماً بمعلوم، فإنّا في هذه المحمولات التي بتوسّطها يقع العلم، فالذي: نقوله هو أنّ المعلوم من هذه ليس هو في القول شيئاً واحداً مفرداً بعينه. وذلك أنّ الانقعار العامّ نفسه يدلّ على الفطس وعلى اعوجاج الساق. فإذا أضيف إليه شيء آخر فلا مانع يمنع من أن يكون مختلفاً: أمّا ذاك فيوجد في الأنف، وهذا في الساق؛ وهو هاهنا يدلّ على الفطس، وهناك على اعوجاج الساق. ولا فرق بين أن يقول: أنف أفطس، أو أنف منقعر. وليس يجب أن يجعل الجواب مطلقاً؛ وذلك من قبل أنّه يكون كذباً. وذلك أنّ الأفطس ليس هو الأنف المنقعر، بل الأنف الذي به مثل هذا الانقعار. فليس بشنع إذاً البتّة أن يكون الأنف هو الذي يوجد فيه انقعار الأنوف.
٣٢
〈حلّ التبكيتات المؤدّية إلى السولوقسموس〉
فأمّا السولوقسموس، وممّاذا يظنّ أنّه يعرض، فقد قلنا فيما سلف. وليكن عندنا ظاهراً كيف يكون نقضنا لتلك الأقاويل، فإنّ جميع أمثال هؤلاء إنّما توطئتهم لهذا.
القول وهو: أترى من يقول إنّ هذا بالحقيقة «طوطو» فقد قال إنّه حجر ما، أو أن يقول: حجر ليس هو أن يقول: «أو»، بل «أون»؟ ولا أن يقول «طوطو»، بل «وطوطون»؟ فإن سأل سائل فقال: أتراك تقول إنّ «أون» بالحقيقة هو «طوطون»؟ فليس يظنّ به أنّه يونانيّ؛ كما أنّه ولا إن سأل سائل فقال: أترى هذه التي تقول إنّها موجودة فهذا هو «طوطو»؟ ولا فرق بين قوله هذا في الخشبة أو في جميع ما يدلّ على ما ليس بمذكّر ولا مؤنّث. ولهذه العلّة يحدث السولوقسموس. أو إن كنت تقول إنّ «طوطو» هو الذي يكون، أعني أنّه يكون خشبة، فهو إذن خشبة؛ فالحجر وقولنا: «هذه» تقال فيما يسمّى بالتأنيث والخشبة. وقولنا: «هذا» ممّا يسمّى بالتذكير. فإن سأل سائل فقال: أترى هذا هو هذه؟ وقال أيضاً: إنّ قوريسقوس موجود، ثمّ قال بعد ذلك: أترى هذا هو هذه؟ فإنّه ليس يؤلّف سولوقسموس. ولا إن كان قوريسقوس يدلّ على هذه فكان هذا ممّا لا يسلّمه المجيب، بل ينبغي أن يضيف هذه إلى ما يسأل عنه، لأنّه إن
كان موجوداً فلم يسلّم، لم يؤلّف لا على ما هو موجود، ولا على ما عنه كانت مسئلته. فعلى هذا المثال إذن ينبغي أن يكون ما يدلّ عليه هناك الحجر، لا هذا. فإن لم تكن موجودة ولم يسلّم، فليس يردف بها النتيجة. وقد يظهر تصريف الاسم فيما ليس يشتبه أنّه شبيه. أترى يصدق قولنا إنّ هذه موجودة؟ فقد قلت في هذه ما يكون؛ وأنت إنّما قلت إنّ الكرة تكون موجودة: أفترى هذه الكرة موجودة، أم لا؟ وليس من الاضطرار أن تكون هذه تدلّ على الكرة، بل على أسفس. فإذا كان يقال في الكرة لهذه، فليس ينبغي أن يكون هذا هو، أو الذي قلت إنّه يكون «طوطون»، وذلك أنّ هذا ليس بقليونا، لأنّه قد قيل إنّ «أون» الذي أقول إنّه يكون «طوطون» هو هذا، لا «طوطون»؛ وذلك أنّ السؤال إن قيل هكذا لم يكن يونانيّاً. أترى أنت تعرف «طوطو»؟ و«طوطو» هو حجر؛ فأنت إذن تعرف الحجر؛ أو يكون واحداً بعينه في القول: أترى أنت تعرف «طوطو»؟ وفي القول إنّ «طوطو» حجر؛ إلّا أنّه في ذلك الأوّل «طوطون»، وهو في الآخر هذا. أترى ما العلم به موجود لك فأنت بهذا عارف؟ والعلم بالحجر موجود لك؛ فأنت إذن تعرف الحجر؛ أو تكون تقول فيما لهذا إنّه للحجر، وإنّ التي لـ«ـطوطون» هي للحجر، وقد سلم أنّه عارف بما عنده العلم به، وليس هو لهذا، بل لطوطا. فليس هو إذن للحجر، بل في الحجر. فأمّا أمثال هذه الألفاظ —
فليس يكون عنها سولوقسموس، بل هي مظنونة. فأمّا من أجل ماذا يظنّ، وكيف يجب أن يناقضها، فهو ظاهر من التي قيلت.
٣٣
〈مراتب الصعوبة في حلّ التضليلات〉
وينبغي أن نتأمّل جميع الأقاويل: فإنّ منها ما يسهل الوقوف عليه، ومنها ما يعسر ذلك فيه جدّاً. وقولنا: «نحو شيء»، و«فى شيء» شديدة التضليل للسامع إذا قيلت في أشياء واحدة بأعيانها. وذلك أنّا ينبغي أن نسمّي الكلمة الواحدة بعينها بما إليه تنسب. وقد تكون الكلمة الواحدة بعينها: أمّا عند بعض الأمور فمن الصوت، وفي بعضها من العرض، ويظنّ ببعضها أنّها من معنى آخر، من قبل أنّ كلّ واحد من هذه إذا أتى به مختلفاً لم يكن ما يفهم منه على مثال واحد، بمنزلة ما في هذه التي تكون من الاشتراك في الاسم النحو المظنون من الضلالات أشدّ خطأ. فأمّا هذه فتكون معلومة في جميع التي من العرض. وذلك أنّا قد نجد جميع الأقاويل المضحكة — إلّا الشاذّ منها — إنّما يكون من الصوت: مثال ذلك أنّ رجلاً كان يصعد على سلّم الكرسيّ،: إلى أين؟ — إلى السارية، و: أيّ الثورين رأيت قدّام؟ ولا واحد منهما، بل جميعاً من خلف،: و: هل 〈ريح〉 الشمال خالصة؟ — كلا، وذلك أنّه ممّا يقتل المسكين والذي كان يبيع، و: هل هو أوورخوس؟
— كلا، بل هو أفولونيدس. وعلى هذا النحو بعينه يكون في أكثر الأشياء الأخر إلّا اليسير منها. وقد يضلّ بهذه الأشياء القوم الذين يظنّ بهم أنّ لهم دربة. ويدلّ على هؤلاء أنّهم كثيراً ما يختصمون في الأسماء، أعني نقل الموجود والواحد يدلّان على جميع الأشياء دلالة واحدة بعينها، أو مختلفة. وذلك أنّ هؤلاء الذين يظنّون أنّ الموجود والواحد يدلّان على شيء واحد بعينه هم الذين ينقضون قول زينن وبرمانيدس لأنّ هذين يقولان إنّ الواحد والموجود يقالان على معانٍ كثيرة. وعلى هذا المثال يجري الأمر في التي من العرض ومن كلّ واحد من تلك الأخر. فأمّا بعض هذه فالنظر فيها يكون من أوائل سهلة، وبعضها من التي هي عسرة جدّاً، إذ أخذت في جنس ما؛ وليس أن ينظر في أنّ هل هذا تبكيت أو ليس بتبكيت ممّا يسهل. والنظر في جميعها يكون على هذا المثال.
والكلام الحادّ السديد هو الذي يجعلنا كثيري التشكّك، وذلك أنّ هذا هو خاصّة الذي يمسّ. والتشكيك يكون إمّا مثنّى وإمّا مضاعفاً: أمّا ذاك فبأن يرفع من التي قد ألّفت شيئاً من السؤالات؛ وأمّا هذا ففي هذه الأشياء الأخر. وكيف يقول القائل الأقاويل التي قد امتدّت؟ ولهذه العلّة تكون الأقاويل الحادّة في القياسات خاصّة هي التي تبعثنا على البحث. وأمّا القول القياسيّ الحادّ جدّاً فهو الذي إنّما يكون على —
الأكثر من الأمور المظنونة، لأنّه إنّما يرفع على الأكثر الرأي المشهور؛ وذلك أنّ القول الواحد إذا تغيّر وضع المقدّمة فيه كانت جميع التأليفات الكائنة عنه على مثال واحد، لأنّ من الواجب أن يكون رفعنا الأقاويل المشهورة بأقاويل مثلها مشهورة. ولهذه العلّة نضطرّ إلى التشكّك. فأمّا الأقاويل الحادّة جدّاً فهي التي تنتج بالسؤال عن الأمور المتساوية. — والثاني هو الذي ينتج من جميع الأشياء المتشابهة؛ وذلك أنّ هذه تجعل تشكّكنا على مثال واحد في أمر السؤالين، وأيّهما نرفع؛ وذلك أنّ هذا صعب، لأنّه ليس يعلم أيّما منهما إذا رفعناه نكون قد نقضنا من الكذب أو من القسمة. — والثاني من تلك الأخر فهو الذي قد علم أنّه يكون من القسمة أو من الرفع، إلّا أنّه ليس يظهر من أيّ السؤالات يكون النقض: أبالرفع يكون، أم بالقسمة؟ بل النظر في أنّ من أيّ هذين يكون هذا: هل هو من الجمع، أو من بعض المسائل؟
وربّما كان القول الذي لم يؤلّف ركيكاً إن كانت المأخوذة فيه إمّا بعيدة من الشهرة جدّاً، أو كاذبة؛ وربّما كان لا يستحقّ أن يستهان به. فإذا كان القول عادماً لشيء من أمثال هذه المسائل نحو أيّ شيء كان القول، ولأنّ المتكلّم لم يأخذه على ما أخذ ولا ألف، فإنّ القياس يكون ركيكاً. وإذا
كان من الأشياء التي من خارج، فليس يسهل أن يستهان به، بل يكون القول رقيقاً، فإنّ الذي سأل لم يسأل حسناً.
وهذا مثل أن يجعل النقض: أمّا أحياناً فمصروف إلى القول، وأحياناً مصروف إلى السائل وإلى السؤال. وليس يكون في وقت من الأوقات مصروفاً إلى غير هذه، وكذلك إذا سألنا، فإذ أن يسأل وأن يؤلّف يكون بحسب الموضوع وبحسب المجيب وبحسب الزمان إذا كان الزمان الذي يتكلّم فيه في النقض زماناً طويلاً.
〈خاتمة عامّة〉
فأمّا كم وأيّ الأشياء هي التي تكون منها ضلالات المتكلّمين، وكيف يعمل في إظهار كذب الكاذب الذي يأتي في قوله بالعجائب، وممّاذا يعرض السولوقسموس، وكيف يسأل، وكيف ترتيب المسائل، ونحو ماذا ينتفع أيضاً بهذه الأقاويل كلّها التي تجري هذا المجرى، وفي كلّ جواب على الإطلاق، وكيف ينقض الأقاويل والسولوقسموس: فقد تكلّمنا في جميع هذه الأشياء. فلنتكلّم الآن بإيجاز في الغرض الذي إيّاه قصدنا من أوّل الأمر على جهة الإذكار. ونختم بعد ذلك ما تكلّمنا فيه.
وقد كنّا نودّ أن تحصل لنا قوّة قياسيّة —
بسبب ما تقدّم وصفنا له من الأشياء المشهورة جدّاً. وهذا هو من فعل الرجل الجدليّ خاصّة والامتحانيّة. ولأنّه قد ينضاف إلى ما يستعدّ ممّا يتجابه نحو هذه بسبب التقارب بينهما، الصناعة السوفسطائيّة من قبل أنّ الممكن عندها ليس إنّما هو الامتحان الجدليّ فقط، بل كما يفعل العالم. فلذلك لم يقتصر على أن يجعل فعل الصناعة هو ما ذكرناه فقط، وهو ما لها من إمكان أخذ القول، بل وعلى أنّا إذا تخيّرناه حفظنا الموضوع باشتراك الاسم، كما يفعل في الأشياء المشهورة جدّاً. وقد قلنا ما العلّة في ذلك.
ولهذا السبب كان سقراط يسأل كلّ أحد، إلّا أنّه كان لا يجيب؛ وذلك لأنّه كان يعترف بأنّه لا يحسن. وقد علم ممّا ذكرناه فيما تقدّم ما غايات هذه الصناعة، وكم شيء تكون، وأرشدنا إلى المواضع التي تحصل لنا بها الغزارة في هذه الأشياء. وذكرنا مع ذلك أيضاً كيف نسأل، وكيف نرتّب سائر المسائل، وكذلك تكلّمنا في الجواب وفي وجوه نقض هذه القياسات. وقد يعلم ممّا ذكرناه سائر الأشياء الأخر الموجودة للصناعة الكلاميّة نفسها، وما عملناه على ذلك في سوء القياس كما قلنا فيما مضى.
فقد ظهر أنّا بلغنا فيما قصدنا من أوّل الأمر إلى غاية يكتفي بها. وقد ينبغي ألّا يغفل عمّا عرض لهذه الصناعة دون سائر الصنائع الموجودة. وذلك أنّ تلك لمّا كانت فيما سلف مأخوذة عن آخرين، وكان التعب فيها قد تقدّم أوّلاً أوّلاً، اتّسعت بنظر قوم آخرين من المتأخّرين فيها. فأمّا الصنائع التي هي في ابتداء وجودها فمن شأنها أوّلاً أن تكون حرجة. وهذا الابتداء أنفع كثيراً من التزيّد الذي يحصل لها بأخرة من هؤلاء. ولعلّ الأمر كما يقال من أنّ الابتداء بكلّ شيء عظيم جدّاً، إنّما هو من أجل هذا. وذلك أنّ بحسب ما يوجد له من فضل القوّة فبذلك النحو يكون مقداره أصغر ليكون الوقوف عليه فيما يظنّ عسيراً جدّاً. فإذا وجد هذا فإنّ
التزيّدات الباقية وإنّماء الصناعة يكون بعد ذلك سهلاً. ومثل هذا أيضاً عرض للأقاويل الخطبيّة ولجميع الصنائع الأخر على أكثر الأمر. وذلك أنّ تلك لمّا وجدت مبادؤها إنّما احتاجوا أن يأتوا لتكميلها بشيء يسير. وهذه التي قد ظهر فيها في هذا الوقت النجاح فإنّما حصل ذلك لها عمّن يتداولها أوّلاً فأوّلاً، بأنّه أتوا أوّلاً فيها باليسير، ثمّ زيّدوها: أمّا بعد القدماء فطيسياس، وبعد طيسياس تراسوماخوس، وبعد هذا ثؤدوروس. وانضاف إليها أجزاء كثيرة ممّا جمعه قوم كثيرون. ولهذه العلّة ليس من العجب أن يكون ما في هذه الصناعة بهذه الكثرة. فأمّا هذه الصناعة فليس إنّما كان بعضها موجوداً وبعضها غير موجود، وإنّما أضيف إليها الآن، لكن لم يكن منها شيء موجوداً البتّة. فإنّ ممن انصرفت عنايته إلى الأقاويل المرائيّة من حصل له شيء من التأدّب شبيه بالصناعة التي عملها جورجيس.
وذلك أنّ الأقاويل الخطبيّة إنّما أفادتنا العلم بالأمور المحبوبة. وكانوا يظنّون على أكثر الأمر أنّهم قد أدركوا هذه الأقاويل، ولأنّهم كانوا يعجلون في التعليم لم يكن من يتعلّم منهم يستفيد صناعة، وذلك أنّهم لم يكونوا أخذوا
عنهم صناعة؛ لكنّهم لمّا أفادوا أشياء صناعيّة توهّموا أنّهم قد أكسبوا تأديباً ما. وكما أنّ قائلاً لو قال: إنّني أفيدكم صناعة لا ينال أرجلكم معها ألم إن أنتم قطعتم الجلود، لما كان قد أفادهم ولا أوجدهم السبيل التي يمكن بها تحصيل أمثال هذه الأشياء، بل كان قد أعطانا أجناساً كثيرة للخفاف مختلطة غير مفصّلة. وذلك أنّ هذا: أمّا على الوصول إلى المنفعة فقد أعان، إلّا أنّه لم يفد صناعة. — ولأنّ أشياء خطبيّة كثيرة قد كانت موجودة في سالف الدهر؛ فأمّا في عمل القياس فلم يكن عندنا قديماً فيه شيء؛ إلّا أنّا بعد أن كددنا في الطلب زماناً طويلاً فإن كان قد يظهر لنا عند الفحص أنّ لهذه الصناعة من الأمور التي تجري هذا المجرى في ابتداء أمرها ما يكتفي به وهو زائد على على ما للصنائع الأخر التي إنّما تزيّدت بتعاقب الناظرين فيها عليها.
فليتشاغل جميع من سمع قولي إلى الصفح عمّا وقع فيه تقصير من هذه الصناعة، ويفيد ما قيل فيها من النعم السابقة.
][ تمّ كتاب «سوفسطيقا»، أي: التظاهر بالحكمة، لأرسطوطالس الفيلسوف، نقل عيسى بن إسحق بن زرعة — من السريانيّ بنقل أثانس.
وكتبت هذه النسخة من نسخة الحسن بن سوار؛ وهي منقولة من دستور الناقل ][