Aristotle: Topica (Topics)

Work

Aristotle, Topica (Τοπικά)
English: Topics

Text information

Type: Translation (Arabic)
Translator: Abū ʿUṯmān al-Dimašqī (bk. 1-7), Ibrāhīm ibn ʿAbdallāh al-Nāqid (bk. 8)
Translated from: Greek (Close)
Date: between 870 and 950

Source

ʿAbd al-Raḥmān Badawī. Manṭiq Arisṭū, al-ǧuzʾ al-ṯānī, al-ǧuzʾ al-ṯāliṯ. Dirāsāt islāmīyah 7/2. Cairo (Maṭbaʿat Dār al-kutub al-miṣrīyah) 1949, 467-733

Download

arist_top-transl-ar1.xml [494.58 KB]

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الأولى من كتاب طوپيقا، نقل أبى عثمان الدمشقى 〈الجدل وموضوعه — الحجج〉

١

〈غرض هذا البحث〉

قال:

إن قصدنا فى هذا الكتاب أن نستنبط طريقا يتهيأ لنا به أن نعمل من مقدمات ذائعة قياسا فى كل مسئلة تقصد، وأن نكون — إذا أجبنا جوابا — لم نأت فيه بشىء مضاد. فينبغى أن نقول أولا ما هو القياس، وما هى أصنافه حتى يحصل لنا القياس الجدلى إذ كنا هذا القياس نلتمس فى هذا الكتاب. فنقول:

إن القياس قول إذا وضعت فيه أشياء لزم من تلك الأشياء الموضوعة شىء آخر غيرها من الاضطرار — فالبرهان هو القياس الذى يكون من مقدمات صادقة أولية، أو من مقدمات يكون مبدأ المعرفة بها قد حصل من مقدمات ما أولية صادقة.

والقياس الجدلى هو الذى ينتج من مقدمات ذائعة.

والمقدمات الصادقة الأولى هى التى تصدق بذاتها، لا بغيرها؛ وذلك أنه ليس ينبغى لنا أن نلتمس فى مبادئ العلوم اليقينية «لم الشىء»، لكن ينبغى أن يكون كل واحد من مبادئ العلوم اليقينية صادقاً بنفسه. والمقدمات الذائعة هى التى يظنها جميع الناس أو أكثرهم أو جماعة الفلاسفة أو أكثرهم أو المشهورون منهم والذين فى غاية النباهة.

والقياس الممارى هو الذى يكون من مقدمات ذائعة فى الظاهر، وليست ذائعةً على الحقيقة؛ أو الذى يكون فى الظاهر من مقدمات ذائعة أو من ذائعة فى الظاهر، لأنه ليس كل ما كان ذائعا فى الظاهر فهو أيضا ذائعاً. وذلك أنه ليس شىء من الأشياء التى يقال فيها إنها ذائعة يكون تصوره فى جميع حالاته مموهاً كما يعرض فى مبادئ أقاويل الممارين، لأن طبيعة الكذب تتبين فيها على المكان فى أكثر الأمر لمن معه أدنى فطنة، فضلا عن غيره. فالأول من القياسين المماريين اللذين وصفنا ينبغى أن يسمى قياسا. وأما الثانى فينبغى أن يسمى مماريا، فأما 〈أن يسمى〉 قياسا، فلا؛ لأنه فى الظاهر قياس، إلا أنه ليس ينتج.

وها هنا أيضا غير هذه القياسات المذكورة كلها، وهى المغالطات التى تكون من الأشياء التى تخص بعض العلوم، بمنزلة ما يعرض فى الهندسة وما جانسها من العلوم. فإنه قد يشبه أن يكون هذا الصنف يخالف القياسات التى وصفنا، لأن الذى يرسم شكلا باطلا ليس يعمل قياسا من مقدمات صادقة أولية، ولا من مقدمات ذائعة: إذ كان ليس يدخل فى الحد، وذلك أنه ليس يقتضب ما يظنه جميع الناس ولا ما يراه أكثرهم، ولا ما يظنه الفلاسفة أو أكثرهم أو المشهورون جداً منهم، لكنه يعمل القياس من المقدمات التى تخص الصناعة، إلا أنها ليست صادقة. لأنه إذا رسم أنصاف الدوائر على غير ما ينبغى، أو أخرج بعض الخطوط على غير طريق إخراجها، استعمل المغالطة.

فلينزل أن أنواع القياسات، إذا حصلناها على طريق الرسم، هى هذه التى وصفنا. وبالجملة، نقول إن هذا مبلغ ما نريد تحصيله فى جميع ما وصفنا وما سنصفه من بعد، لأنه ليس قصدنا فى شىء منها استيفاء القول المستقصى. ولكن الذى نريد أن نصفه من أمرها على طريق الرسم لما رأينا فيه من الغناء والكفاية فى هذا الطريق الذى نحونا نحوه، وهو أن يكون يتهيأ لنا أن نتعرف كل واحد منها كيفما كان.

٢

〈فائدة الجدل〉

ويتبع ما وصفنا أن نذكر الأشياء التى ينتفع فيها بهذا الكتاب: كم هى؟ وما هى؟

فنقول إنه ينتفع به فى ثلاثة أشياء: فى الرياضة، وفى المناظرة، وفى علوم الفلسفة. والأمر فى أن هذا الكتاب نافع فى الرياضة ظاهر بين من هذا، وذلك أنه إذا كان لنا طريق نسلكه أمكننا بأسهل مأخذ أن نحتج فيما نقصد للحجة فيه. — فأما منفعته فى المناظرة فمن قبل أنا إذا أحصينا آراء الجمهور كانت مخاطبتنا إياهم من الآراء التى تخصهم، لا من الأشياء الغريبة، لننقلهم عما نراهم لا يصيبون القول فيه. — فأما منفعته فى علوم الفلسفة فلأنا إذا قدرنا أن نتشكك فى الأمرين جميعا، سهل علينا فى كل واحد من الأمور أن ندرك الحق والباطل.

وقد ننتفع به أيضا فى أوائل كل واحد من العلوم، وذلك أنه ليس يمكننا أن نقول فيها شيئا من الأشياء من المبادئ التى تخص العلم الذى ننحو نحوه، لأنها مبادئ أولى الجميع. فأما من الأشياء الذائعة فى كل واحد فواجب ضرورة أن نتكلم فيها. فإن هذا المعنى أخص الأشياء وأليقها بصناعة المنطق، إذ كان لها بما هى عليه من الفحص والتنقير طريق إلى مبادئ جميع الصناعات.

٣

〈المهارة فى الجدل〉

وإنما يحصل لنا من هذه الصناعة على الكمال متى كانت حالنا فيها على مثال حالنا فى الخطابة والطب وفى أمثالها من القوى، أعنى أن يكون إنما يفعل ما يريد أن يفعله من الأشياء التى يمكن أن نفعل. فإن الخطيب ليس يقنع من كل وجه، ولا الطبيب يعيد الصحة من كل وجه، لكن متى لم يغفلا شيئا مما يمكنهما ألا يغفلاه قلنا إنهما قد حصلا الصناعة على الكفاية.

٤

〈نظرة عامة إلى عناصر البرهان الجدلى〉

فأولاً ينبغى أن ننظر من ماذا تتقوم هذه الصناعة. فإنا إذا حصلناكم هى، وما حالها، وأى الأقاويل هى، وكيف نستنبطها، كنا قد حصلنا ما قصدنا له على الكفاية. فنقول: إن الأشياء التى منها الأقاويل و〈الأشياء التى〉 فيها القياسات متساوية فى العدد وواحدة بعينها. وذلك أن الأقاويل تحدث عن المقدمات، والأشياء التى فيها تكون القياسات هى المسائل. 〈وكل مقدمة〉 وكل مسئلة، فإما أن تكون خاصة أو جنسا أو عرضا. وذلك أن الفصل لما كان جنسيا، وجب أن يرتبه مع الجنس؛ ولأن من الخاصة ما يدل على ما الشىء، ومنها ما لا يدل على ذلك،

فلنقسمها إلى الجزئين الموصوفين كليهما، ولنسم الدال على ما هو الشىء «حداً»، ونسمى الجزء الثانى بالاسم العام لهما، أعنى خاصة. فبين مما قلنا أنه يلزم أن يكون جميعها على حسب هذه القسمة أربعة: إما حداً، وإما خاصة، وإما جنسا، وإما عرضا. وليس ينبغى أن يظن بنا أحد أنا نقول إن كل واحد من هذه إذا قيل على حدته فهو إما مسئلة وإما مقدمة، لكنا تقول إن من هذه تحدث المقدمات والمسائل. — والمسئلة إنما تخالف المقدمة بالجهة. وذلك أن هذا القول إذا قيل على هذه الجهة: ليس قولنا: حى — مشاء — ذو رجلين حدا للإنسان؟ — تكون مقدمة. وكذلك إذا قيل: أليس الحى جنسا للإنسان؟ كان مقدمة. فإن قيل: هل قولنا: حى — مشاء — ذو رجلين، — حد للإنسان؟ وهل قولنا: «الحى» جنس للإنسان أم لا؟ — كان مسئلة. وعلى ذلك المثال يجرى الأمر فى سائر الأشياء الأخر. فبالواجب صارت المسائل والمقدمات متساويةً فى العدد، وذلك أنك قد تعمل من كل مقدمة مسئلة إذا نقلتها عن جهتها.

٥

〈دراسة عناصر الجدل تفصيلا〉

وينبغى أن نقول: ما الحد؟ وما الخاصة؟ وما الجنس؟ وما العرض؟

فالحد هو القول الدال على ماهية الشىء. وقد يوصف أيضا بأنه قول مكان اسم، أو قول مكان قول، لأنه قد يمكننا أن نحد بعض الأشياء

التى يستدل عليها بقول. فأما الذين يجعلون الصفة بالاسم كيفما كان فمن البين أنهم ليس يوفون تحديد المعنى، لأن كل تحديد فهو قول ما. إلا أنه ينبغى أن نجعل ما يجرى هذا المجرى داخلا فى باب الحد، مثل قولنا: اللائق جميل. وكذلك قولنا: هل الحس والعلم شىء واحد بعينه؟ أم أحدهما غير الآخر؟ فإن أكثر البحث أيضا إنما يكون فى الحدود عن: هل الشىء واحد بعينه، أو هو غير؟ وبالجملة، فينبغى أن نسمى جميع الأشياء التى هى والحدود تحت صناعة واحدة بعينها الداخلة فى باب الحدود.

والأمر فى أن جميع ما قلناه الآن حاله هذه الحال بين من ذاته. فإنا إذا قدرنا أن نقول الشىء بعينه والغير، أمكننا الاحتجاج فى الحدود أيضا بهذا الوجه بعينه. وذلك أنا إذا بينا أنه ليس فيها الشىء بغيته، نكون قد أبطلنا التحديد. غير أن المعنى الذى وصفنا الآن لا ينعكس، لأنه ليس يكفى فى تثبيت الحد أن نبين أن الشىء بعينه فيه موجود. فأما فى إبطاله فقد يكفى أن نبين أنه ليس فيه الشىء بعينه.

والخاصة هى ما لم يدل على ماهية الشىء وكان موجودا للأمر وحده وراجعا عليه فى الحمل. مثال ذلك: قبول علم النحو للإنسان: فإنه مهما كان الإنسان موجوا، فالقابل لعلم النحو موجود. ومهما كان القابل لعلم

النحو موجودا، فالإنسان موجود. وذلك أنه ليس أحد يقول إن الخاصة يمكن أن توجد لغير ما هى له خاصة، بمنزلة النوم للإنسان، لا ولو اتفق أن يوجد له وحده فى وقت من الأوقات. فإن قيل لما يجرى هذا المجرى خاصة، فليس يقال له خاصة، على الإطلاق، لكن فى بعض الأوقات وبالإضافة إلى شىء. فإن وجود الشىء يمنةً إنما يقال إنه خاصة له فى بعض الأوقات؛ وذو الرجلين فإنما يقال إنه خاصة بالإضافة إلى شىء — بمنزلة ما هو للإنسان بالإضافة إلى الفرس وإلى الكلب. والأمر بين فى أنه ليس شىء مما يمكن أن يوجد لشىء آخر غير الشىء الذى هو له يرجع عليه بالتكافؤ فى الحمل. وذلك أنه ليس يجب ضرورةً متى وجد شىء ينام أن يكون الإنسان موجودا.

والجنس هو المحمول على كثيرين مختلفين بالنوع من طريق ما هو. وينبغى أن يقال إن الأشياء التى تحمل من طريق ما هو — وهى التى يليق بنا أن نأتى بها إذا سئلنا عن الشىء الموضوع: ما هو؟ كما يليق بنا إذا سئلنا عن الإنسان ما 〈هو〉 أن نقول إنه حيوان. فأما ما يسأل عنها هل هى فى جنس واحد بعينه وهى مختلفة، أم فى جنسين مختلفين، فإنما هى فى مذهب الجنس، لأن ما يجرى هذا المجرى يدخل هو والجنس فى طريق واحد بعينه. وذلك أنا إذا قلنا إن الحيوان جنس للإنسان، وكذلك للثور، نكون قد قلنا

إن هذين داخلان فى جنس واحد بعينه. فإن نحن بينا أنه جنس لأحدهما، غير جنس للآخر، نكون قد قلنا إن هذين ليسا بداخلين فى جنس واحد بعينه. والعرض هو ما لم يوجد واحداً من هذه: لا حدا، ولا خاصةً، ولا جنسا، وهو موجود فى الشىء، أو هو الذى يمكن أن يوجد لواحد بعينه كائنا ما كان، وألا يوجد — بمنزلة الجلوس، فإنه يمكن أن يوجد لواحد بعينه كائنا ما كان وألا يوجد؛ وكذلك الأبيض، فإنه ليس مانع يمنع أن يكون شىء واحد بعينه مرةً أبيض، ومرة غير أبيض. والثانى من حدى العرض أجود من الأول، لأن الأول إذا قيل احتاج من يريد أن يفهمه أن يتقدم فيعلم ما الحد والجنس والخاصة. فأما الثانى فكامل بنفسه، يستغنى به على حدته فى معرفة الموصوف ما هو. وينبغى أن نضيف إلى العرض مقايسات الأشياء بعضها إلى بعض كيفما كانت إذا قيلت من العرض، مثال ذلك قولنا: أيهما آثر؟: الجميل، أو النافع؟ وأى المذهبين ألذ: الذى تستعمل فيه الفضيلة، أو الذى ينهمك فيه الشهوات؟ وغير ذلك مما يقال على هذا المثال. فإن البحث فى أمثال هذه كلها إنما هو عن: أى الاثنين يكون لزوم المحمول به أحرى؟

وبين من هذه أنه ليس يمنع مانع فى بعض الأوقات وبالإضافة إلى شىء أن يكون العرض خاصة: 〈بمنزلة〉 الجلوس الذى هو عرض. فمتى ألفى

إنسان جالسا وحده، صار الجلوس له فى ذلك الوقت حينئذ خاصة. وإذا لم يكن جالسا هو وحده، فالجلوس له خاصة بالإضافة إلى ما ليس هو جالسا. فليس يمنع إذاً مانع من أن يكون العرض فى بعض الأوقات وبالإضافة إلى شىء، خاصة. فأما خاصة على الإطلاق، فلا يكون.

٦

〈دراسة الألفاظ المحمولة〉

وليس ينبغى أن يذهب علينا أن جميع ما يقال فى الخاصة والجنس والعرض قد يليق به أن يقال فى الحدود. وذلك أنا إذا بينا أن الحد ليس هو لما تحت الحد وحده كالحال فى الخاصة أيضا، أو أن الموصوف فى الحد ليس هو جنسا، أو أن شيئا ما قد وصف فى القول لا يوجد له، كالذى يقال فى العرض، نكون قد أبطلنا التحديد. فيجب — بحسب القول الموصوف آنفا — أن يكون جميع ما عددنا داخلاً فى مذهب الحدود بضرب من الضروب.

ولكن ليس ينبغى لهذا السبب أن نلتمس فى جميعها طريقاواحدا كليا، لأن هذا أمر ليس يسهل وجوده. وإن وجد، كأن فى غاية الإغماض ولم ينتفع به فى هذا الكتاب. وإذا وصف طريق خاص فى كل واحد من الأجناس المحصلة، صارت صفة ما يقصد له منها سهلة من الأشياء التى تخص واحدا واحدا فينبغى أن نقسمها على طريق الرسم كما قلنا قبل. فأما الباقية فيجب

أن نضم كل واحد منها إلى أخص الأشياء به ونسميها الداخلة فى باب الحد والداخلة فى باب الجنس. ونكاد أن نكون قد أضفنا ما وصفناه إلى كل واحد منها.

٧

〈على كم نحو يقال الشىء بعينه〉

وينبغى قبل كل شىء أن نلخص أمر الشىء بعينه على كم نحو يقال فنقول: إنه يظن بالشىء بعينه إذا أخذ على طريق الرسم أنه ينقسم على ثلاثة أنحاء. وذلك أنا قد اعتدنا 〈أن نقول〉 فى الشىء بعينه إنه كذلك: إما فى العدد، وإما فى النوع، وإما فى الجنس. أما فى العدد فمتى كانت الأسماء له كثيرة والمعنى واحدا بعينه، بمنزلة الثوب والرداء. وأما فى النوع فجميع الأشياء التى هى كثيرة، إلا أنها غير مختلفة فى النوع — بمنزلة إنسان مع إنسان، وفرس مع فرس. وذلك أن جميع الأشياء التى هى تحت نوع واحد يقال فيها إنها شىء واحد بعينه فى النوع. وكذلك جميع الأشياء التى تحت جنس واحد يقال فيها إنها شىء واحد بعينه فى الجنس — بمنزلة الإنسان والفرس: فإنهما شىء واحد بعينه فى الجنس. وقد يظن بالماء الذى 〈هو〉 خارج من عين واحدة بعينها إذا قيل فيه إنه واحد بعينه أن بينه وبين الأصناف التى ذكرت فرقاً ما؛ وليس الأمر كذلك، لا بل ينبغى أن يرتب هذا الصنف أيضا فى الأشياء التى يقال فيها إنها شىء

واحد بعينه فى النوع كيفما كان ذلك، فإن أمثال هذه الأشياء كلها يشبه أن تكون متجانسة ويشبه بعضها بعضا. وذلك أن كل ما قد يقال إنه، وكل ماء، شىء واحد بعينه فى النوع لما بينها من المشابهة، والماء الذى يخرج من عين واحدة بعينها ليس يختلف بشىء آخر إلا بشدة المشابهة. ولذلك ليس يفرق بينه وبين ما يقال فيه إنه تحت نوع واحد كيفما قيل ذلك. والشىء بعينه فى العدد قد يظن بالإجماع عند الناس كلهم أنه أولى ما يوصف بذلك. وقد جرت العادة بأن هذا المعنى يقال على أنحاء كثيرة، أحقها وأولادها بالتقديم ما وصف واحدا بعينه بالاسم أو بالحد، كالحال فى الثوب والرداء، وفى قولنا للإنسان: حى مشاء ذو رجلين. والنحو الثانى ما كان كذلك بالخاصة، كالحال فى قولنا: قابل للعلم — فى الإنسان، وفى قولنا: سام إلى فوق بالطبع — فى النار. والنحو الثالث ما وصف بذلك من العرض كقولنا: جالس، أو موسيقار — فى سقراط. فإن جميع هذه من شأنها أن تدل على الواحد فى العدد.

ومن أبلغ ما وقف الإنسان منه على صحة ما قيل فى هذا الموضع تغيير الألقاب. وذلك أنا مراراً كثيرة إذا هممنا بأن نأمر بأن يدعى إلينا بإنسان من قوم جلوس باسمه، غيرنا اسمه إذا اتفق أن يكون الذى يأمره كان يعرف اسمه وجعلناه من العرض، من قبل أنه لذلك أفهم وأمرناه أن يدعو لنا بالجالس أو المناظر لظننا بأن الأمر بين فى أن الدلالة بالاسم وبالعرض واحدة بعينها.

٨

〈براهين الألفاظ المحمولة〉

فالشىء بعينه ينقسم كما قلنا على ثلاثة أنحاء: فأول التصديق — بأن الأقاويل إنما هى مما وصفنا أولا وبما وصفنا وفيما وصفنا — هو الذى يكون بالاستقراء. وذلك أن باحثا إن بحث عن واحدة واحدة من المقدمات والمسائل يبين له أنها تحدث: إما عن الحد، وإما عن الخاصة، وإما عن الجنس، وإما عن العرض.

والتصديق الآخر هو الذى يكون بالقياس. وذلك أنه واجب ضرورةً أن يكون كل محمول على شىء إما أن يرجع عليه بالحمل، وإما ألا يرجع عليه. فإن كان يرجع عليه فهو إما حد، وإما خاصة. وذلك أنه إن كان يدل على ماهية الشىء فهو حد؛ وإن لم يكن يدل على ماهيته فهو خاصة، إذ كانت الخاصة ما رجع على الشىء بالحمل من غير أن يدل على ماهيته. وإن كان لا يرجع على الشىء بالحمل فهو إما من الأشياء التى تقال فى حد الموضوع، أو ليس منها. فإن كان مما يقال فى الحد فهو إما جنس وإما فصل، لأن الحد مأخوذ من جنس وفصول. وإن لم يكن مما يقال فى الحد فمن البين أنه عرض، لأنا قد قلنا إن العرض هو ماليس بحد ولا خاصة ولا جنس، وهو موجود فى الشىء الذى هو له عرض.

٩

〈المقولات وصلتها بالألفاظ المحمولة〉

وبعد هذه الأشياء ينبغى أن نحد أجناس المقولات التى فيها توجد هذه الأربعة التى وصفنا. فنقول: إن عدتها عشرة: ما هو الشىء؛ والكم؛ والكيف؛ والمضاف؛ وأين؛ ومتى؛ والنصبة؛ وله؛ ويفعل؛ وينفعل. وذلك أن العرض والجنس والخاصة والحد أبداً فى واحد من هذه العشر مقولات يوجد. فإن جميع المقدمات المأخوذة من هذه إما أن تدل على ما الشىء، أو على كيف أو على كم، أو على واحدة من سائر المقولات الأخر. وبين من هذه أن الإنسان إذا دل على:«ما الشىء» فمرةً يدل على جوهر، ومرةً على كم، ومرةً على كيف، ومرة على واحدة من المقولات الأخر. وذلك أن واضعاً لو وضع إنسانا ثم قال: إن هذا الموضوع إنسان هو أو حى، فإنما يقول ما هو، وإنما يدل على جوهر. وإذا وضع لونا أبيض وقال: إن هذا الموضوع أبيض هو أو لون، فإنما يقول ما هو، وإنما يدل على كيف. وإذا وضع عظما مقدار ذراع فقال: إن هذا الموضوع ذو ذراع أو عظم، فإنما يقول ما هو، وإنما يدل على كم. وكذلك يخرج الأمر فى الأخر: وذلك أن كل واحد من أمثال هذه إنما كان هو يقال على نفسه أو الجنس يقال عليه، فإنما يدل على ما هو؛ وإن كان يقال على غيره فليس يدل على ما هو، لكن على كم وكيف أو واحدة من المقولات الأخر.— فهذه هى الأشياء التى فيها ومنها الأقاويل، وهذه عدتها.

١٠

〈القضايا الجدلية〉

وبعد هذا ينبغى أن نقول كيف نقتضب الأشياء التى بها نستنبط ونستخرج. ولنحدد أولا المقدمة المنطقية ما هى، والمسئلة المنطقية ما هى. وليس يجب أن نضع كل مقدمة منطقية، ولا كل مسئلة منطقية. وذلك أنه ليس أحد ممن له عقل يقدم ما لا يراه أحد، ولا يسأل عما هو ظاهر للناس كلهم أو لأكثرهم، لأن هذا ليس فيه شك، وذاك لا يضعه أحد من الناس.

والمقدمة المنطقية هى مسئلة ذائعة إما عند جميع الناس، أو عند اكثرهم، أو عند جماعة الفلاسفة، أو عند أكثرهم، أو عند أهل النباهة منهم، من غير أن تكون مبدعة. وذلك أن للإنسان أن يضع ما يراه الفلاسفة متى لم يكن مضادا لآراء الجمهور والأشياء الشبيهة بالذائعة والمضادة أيضا التى يظن بها أنها ذائعة إذا قدمت على جهة التناقض.

وجميع الآراء أيضا الموجودة فى الصناعات المستخرجة قد تكون مقدمات منطقية، وذلك أنه إن كان قولنا إن العلم بالمتضادات واحد بعينه ذائعا، فقولنا إن الحس بالمتضادات واحد بعينه يرى أنه ذائع. وإن كان قولنا إن كان يوجد نحو واحد بالعدد ذائعا، فقولنا يوجد غناء واحد

بالعدد ذائع. وإن كان قولنا: يوجد نحو أكثر من واحد ذائعا، فقولنا: يوجد غناء أكثر من واحد، ذائع. وذلك أن هذه كلها يشبه أن تكون متشابهة متجانسة. وكذلك الأشياء المضادة للذائعة إذا قدمت على جهة التناقض ظهرت ذائعة، لأن قولنا: ينبغى أن نحسن إلى الأصدقاء إن كان ذائعا، فإن قولنا أيضا: لا ينبغى أن نسىء إليهم، ذائع. فأما ضد هذا القول فهو قولنا: ينبغى أن نسىء بالأصدقاء. فأما المناقض له فولنا: ليس ينبغى أن نسىء بهم. وكذلك قولنا: إن كان ينبغى أن نحسن إلى الأصدقاء فلا ينبغى أن نحسن إلى الأعداء. وكذلك يجرى الأمر فى الأشياء الأخر. وقد يظهر بالمقايسة أن الضد على الضد أيضا ذائع، مثال ذلك: إن كان ينبغى أن نحسن إلى الأصدقاء فقد ينبغى أن نسىء بالأعداء. وقد يظهر أن الإحسان إلى الأصدقاء ضد الإساءة بالأعداء. وسننظر فى هذا الأمر هل هو على الحقيقة هكذا، أم لا — فيما نقوله فى المتضادات.

ومن البين أن الآراء التى توجد فى الصناعات قد تكون مقدمات منطقية، لأن لواضع أن يضع الأشياء التى يعتقدها الحذاق بهذه الصنائع: مثل الطبيب فيما يوجد فى صناعة الطب، والمهندس فيما يوجد فى صناعة الهندسة؛ وكذلك الأمر فى الصنائع الأخر.

١١

〈المسئلة الجدلية والوضع الجدلى〉

والمسئلة المنطقية هى طلب معنى ينتفع به فى الإيثار للشىء والهرب منه، أو فى الحق والمعرفة — إما هو بنفسه وإما من قبل أنه معين على شىء آخر من أمثال هذه، أو ما يكون الفلاسفة تعتقد أيضا فيه لا كذا ولا كذا، وإما ما يكونون يعتقدون فيه ضد ما يعتقده الجمهور، وإما ما يكون كل واحد من الفريقين يضاد صاحبه فيما يعتقد فيه. وذلك أن بعض المسائل ينتفع بمعرفته فى الإيثار للشىء أو فى الهرب منه — مثال ذلك قولنا: هل اللذة مؤثرة، أم لا. وبعضها ينتفع به فى العلم به فقط، مثل قولنا: هل العالم أزلى، أم لا؟ وبعضها لا ينتفع بها أنفسها فى شىء من هذين المعنيين، بل هى معينة على بعض هذه. وذلك أن كثيراً من الأشياء ليس نريد أن نعلمها هى فى أنفسها، بل إنما نريدها لغيرها، أعنى لنعلم بها أشياء أخر. وهاهنا أيضا مسائل لها قياسات متضادة، وذلك أنه قد يقع فيها شك: هل هى كذا، أم ليس هى كذا؟ من قبل أن فى كلا المعنيين أقاويل مقعنة، والتى ليس لنا أيضا فيها حجة إذ هى عظيمة لظننا بأن قولنا فيها: لم ذلك؟ عسر — مثال ذلك: هل العالم أزلى، أم لا؟ فإن لمطالب أن يطالب بأمثال هذه. فقد حصلت المسائل والمقدمات كما قلنا.

والوضع هو رأى مبدع لبعض المشهورين بالفلسفة — مثال ذلك ما قاله أنطستانس أنه ليس لأحد أن يناقض، وما قاله ايراقليطس من أن كل شىء يتحرك، وما قاله مالسس من أن الكل واحد. وذلك أن من الحزن أن يهتم الإنسان بقول شاذ يحكم بضد الآراء، أو يهتم بالأشياء التى فيها قول مضاد للآراء — مثال ذلك القول بأن ليس كل موجودا إما مكونا وإما أزليا، كما تقول السوفسطائية إن الذى هو موسيقار ويصير نحوياً ليس هو متكونا ولا أزليا. وذلك أن هذا، وإن كان لا يراه أحد، فقد يظن به أنه شىء لأن فيه قولاً.

فالوضع أيضا مسئلة، وليس كل مسئلة وضعا، لأن بعض المسائل يجرى مجرى ما لا يعتقد فيها أن الأمر كذا أو كذا، والأمر فى أن الوضع مسألة ما، بين، وذلك أنه واجب ضرورة مما قلنا إما أن يتشكك الجمهور فى الوضع على الفلاسفة، وإما أن يتشك أحد الفريقين: أيهما كان، على أنفسهم، من قبل أن الوضع رأى ما مبدع.

وتكاد أن تكون المسائل الجدلية فى هذا الموضع تسمى أوضاعا؛ وليس فى ذلك خلاف كيفما قيل، لأنا لسنا نريد بقسمتها أن نخترع لها اسما، لكن الذى نريد 〈هو〉 ألا يذهب علينا فصولها أيما هى.

وليس ينبغى لنا أن نبحث عن كل مسئلة، ولا عن كل وضع؛ لكن يجب أن يكون بحثنا عما شك فيه شاك مما يحتاج فيه إلى قول، لا إلى عقوبة أو حس. وذلك أن الذين يشكون فيقولون: هل ينبغى أن يعبد الله، أم لا؟ وأن يجب أن يكرم الوالدان أم لا؟ يحتاجون إلى عقوبة. والذين يشكون فيقولون: هل الثلج أبيض، أم لا؟ — يحتاجون إلى حس. ولا يجب أن يتشكك أيضا فيما كان البرهان عليه قريبا جدا، ولا فيما كان البرهان عليه بعيدا جدا، فإن ذاك ليس فيه شك، وهذا أبعد كثيرا من أن يكون مقدمة يرتاض بها.

١٢

〈البرهان والاستقراء الجدليان〉

وإذ قد لخصنا هذه الأشياء فينبغى أن نميز وننظر كم أنواع الأقاويل المنطقية. فنقول: إن أنواعها نوعان: أحدهما استقراء النظائر، والآخر قياس. وقد قلنا ما القياس فيما تقدم.— و〈أما〉 الاستقراء فهو الطريق من الأمور الجزئية إلى الأمر الكلى — مثال ذلك أنه إن كان الربان الحاذق هو الأفضل، فالأمر كذلك فى الفارس؛ فيصير بالجملة الحاذق فى كل واحد من الصنائع هو الأفضل. والاستقراء هو أكثر إقناعا وأبين وأعرف فى الحس، وهو مشترك للجمهور. فأما القياس فهو أشد إلزأماً للحجة وابلغ عند المناقضين.

١٣

〈الآلات التى يستخرج بها القياس〉

فقد لخصنا الأجناس التى فيها ومنها الأقاويل كما قلنا آنفا.

فأما الآلات التى بها يستخرج القياس، فأربع: إحداهن اقتضاب المقدمات؛ والثانية الاقتدار على تمييز كل واحد من الأشياء على كم نحو يقال؛ والثالثة استخراج الفصول؛ والرابعة البحث عن الشبيه. وقد توجد ثلاث من هذه بضرب من الضروب مقدمات، لأنه قد يمكننا أن نعمل فى كل واحدة منها مقدمة — مثال ذلك قولنا إن الجميل أو اللذيذ أو النافع مأثور، وإن الحس يخالف العلم بأن هذا يمكن إذا طرح أن يوجد، وذاك لا يمكن هذا فيه؛ وإن حال المنسوب إلى الصحة عند الصحة على مثال حال المنسوب إلى خصب البدن عند خصب البدن. فالمقدمة الأولى مأخوذة مما يقال على أنحاء كثيرة؛ والثانية من الفصول؛ والثالثة من الأشباه.

١٤

〈اختيار القضايا〉

فينبغى أن نتخير المقدمات بحسب الأنحاء التى لخصت عليها المقدمة بأن نتصفح: إما آراء الجمهور، أو آراء أكثر الناس، أو آراء جميع الفلاسفة، أو أكثرهم، أو أهل النباهة، منهم، أو الآراء المضادة للظاهرة، وجميع

الآراء التى فى الصنائع. وينبغى أن نقدم الآراء المضادة التى هى فى الظاهر ذائعة على جهة التناقض كما قلنا قبل. وليس إنما ننتفع عند الاختيار باستعمال الذائعة منها فقط، لكن والشبيهة بهذه أيضا — مثال ذلك قولنا إن العلم بالمتضادات واحد، لأن الحس بها كذلك، أو قولنا إن الحس بالمتضادات واحد بعينه، لأن العلم بها كذلك، وأنا أنما ننظر بأن نقبل شيئا فينا، لا بأن ندفع شيئا منا، لأن الأمر على هذا المثال يجرى فى الحواس الباقية. وذلك أنا إنما نسمع بأن نقبل فينا شيئا، لا بأن نخرج؛ وعلى ذلك المثال نشم ونذوق؛ وكذلك الحال فى سائر الحواس الأخر. وأيضا ينبغى أن نأخذ ما يظهر فى جميع الأمور أو فى أكثرها على أنه أصل ومبدأ ووضع مظنون. وذلك أنه قد يضعها الذين لا يفهمون فى أى شىء من الأشياء ليس هى كذلك. وينبغى أن نتخير أيضا من الأقاويل المثبتة فى الكتب ونثبت ما فى جنس جنس ونضعه ناحيةً — مثال ذلك أنك إذا أردت أن تبحث عن كل خبر بدأت من البحث بما هو وأثبت بآرائه آراء واحد واحد — بمنزلة ما نقول إن أنبادقليس يرى أن اسطقسات الأجسام أربعة؛ فإن لواضع أن يضع ما يقوله واحد من المشهورين.

وقد توجد أجناس المسائل والمقدمات إذا حصلناها على طريق الرسم ثلاثة: وذلك أن منها ما هى مقدمات خلقية، ومنها مقدمات طبيعية،

ومنها مقدمات منطقية. فالخلقية مثل قولنا: لمن أولى أن نطيع: لآبائنا، أو للنواميس، متى اختلفتا؟ والمنطقية مثل قولنا: هل العلم بالمتضادات واحد بعينه، أم لا؟ والطبيعية مثل قولنا: هل العالم أزلى، أم لا؟ وكذلك يجرى الأمر فى المسائل. وليس يسهل علينا أن نصف كل واحدة من هذه التى تقدم ذكرها، إنما هى بتحديد يوفيها إياه. لكن ينبغى أن أن نلتمس تعرف كل واحدة منها بالارتياض فى الاستقراء بعد تفقدنا إياها بحسب المثالات التى تقدم وصفها.— فنجعل بحثنا عنها عند الفلاسفة على جهة الحقيقة، وعند الظن على جهة الجدل. وينبغى أن نأخذ جميع المقدمات أخذا كليا بأكثر ما يمكن، وأن نجعل المقدمة الواحدة مقدمات كثيرة. مثال ذلك أن نقول إن العلم بالمتقابلات واحد بعينه، ثم نقول إن العلم بالمتضادات واحد بعينه، وإن العلم بالأشياء الداخلة فى باب المضاف واحد بعينه، وعلى هذا المثال ينبغى أن نقسم هذه أيضا من الرأس ما دامت القسمة فيها ممكنة — مثال ذلك أن نقول: العلم بالخير والشر واحد بعينه، والعلم بالأبيض والأسود، والعلم بالبارد والحار، وكذلك فى سائر الأشياء الأخر.

١٥

〈البحث عن الألفاظ المشتركة〉

فما وصفناه كاف فى أمر المقدمات. وينبغى أن نبحث عما يقال على أنحاء كثيرة. وليس يجب أن نلتمس وصف الأشياء التى تقال على

جهات مختلفة فقط، بل يجب أن نصف أيضا أقاويلها — مثال ذلك أن العدل والشجاعة ليس إنما يقال فيهما إنهما خير بخلاف الجهة التى يقال بها إن المصح والمخصب خير فقط، لكن وبأن تلك كيفيات ما، وهذه فاعلات شىء ما، لا أنها كيفيات ما. وكذلك يجرى الأمر فى سائر الأخر.

وينبغى أن ننظر لهذه الأشياء: هل الشىء يقال على أنحاء كثيرة بالنوع أم على نحو واحد؟ فنبحث أولا عن الضد، إن كان يقال على أنحاء كثيرة كان مختلفا فى النوع أو فى الاسم. وذلك أن بعض الأشياء تكون مختلفة بالأسماء من أول أمرها، بمنزلة «الحاد» فإن ضده فى الصوت «الثقيل»، وفى العظم الكال. فمن البين أن ضد الحاد يقال على أنحاء كثيرة. وإذا كان هذا يقال على أنحاء كثيرة، فالحاد أيضا يقال كذلك، لأن فى كل واحد منهما يوجد الضد. وذلك أنه لا يوجد المضاد للثقيل والكال واحداً بعينه. والمضاد لكل واحد منهما هو الحاد. وأيضا ضد الثقيل فى الصوت الحاد، وفى العظم الخفيف؛ فالثقيل إذاً يقال على أنحاء كثيرة، لأن ضده يقال على أنحاء كثيرة. وكذلك النظيف، فإن ضده فى الحى السمج، وفى الثوب الوسخ: فالنظيف إذاً اسم مشترك. وفى بعض الأشياء المشتركة لا تختلف الأسماء أصلا، لكن الاختلاف فيها بين لا محالة بالنوع، كالحال فى الأبيض والأسود فإنه قد يقال صوت أبيض وصوت أسود، وكذلك

لون أبيض ولون أسود؛ فليس بينهما اختلاف فى الأسماء. فأما بالنوع فاختلافهما بين جدا؛ وذلك أن الأبيض ليس يقال فى الصوت وفى اللون على مثال واحد؛ وذلك بين من الحس، لأن الحس بالأشياء التى هى واحدة بعينها فى النوع واحد بعينه. والأبيض الذى يقال على الصوت وعلى اللون ليس يحكم عليه بحاسة واحدة، لكن أحدهما يحكم عليه بحاسة البصر والآخر بالسمع. وكذلك الحاد الذى يقال فى الطعوم والذى يقال فى الأعظام: أحدهما يحكم عليه باللمس والآخر بالذوق. وذلك أن هذين ليس يختلفان بالأسماء، لا فى أنفسهما ولا فى أضدادها، لأن كل واحد منهما هو الكال.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان لأحد المعنيين ضد ما، والآخر ليس له ضد من الأضداد على الإطلاق — مثال ذلك أن اللذة التى تكون من قبل الشرب ضدها الأذى الذى يكون من قبل العطش، واللذة التى تكون من قبل العلم بأن القطر مبابن للضلع ليس لها ضد. فاللذة إذاً مما يقال على أنحاء كثيرة. والمحبة التى تكون بالفكر ضدها البغضة. فأما المحبة التى تكون فى فعل الجسم فلا ضد لها؛ فمن البين أن المحبة اسم مشترك.

وأيضا ينبغى أن ننظر فى المتضادات التى بينها وسط، إذا كان صنف منها يوجد فيه وسيط، والصنف الآخر: إما ألا يوجد فيه وسيط، أو إن كان يوجد فى الصنفين وسيط إلا أنه ليس هو واحداً بعينه، بمنزلة الأبيض

والأسود: فإن فميا بينهما فى الألوان وسيطاً هو الأدكن، وليس بينهما فى الصوت وسيط، اللهم إلا أن يكون فيما بينهما المتخلخل كما يزعم قوم أن الصوت المتخلخل وسط بين الأبيض والأسود. فالأبيض إذاً اسم مشترك؛ وكذلك الأسود.

وأيضا ينبغى أن ننظر إذا كان صنف منها فيه وسائط كثيرة، وصنف آخر فيه وسيط واحد، كالحال فى الأسود والأبيض. فإن الوسائط بينهما فى الألوان كثيرة، وفى الصوت واحد وهو المتخلخل.

وأيضا ينبغى أن نبحث عما يتقابل على طريق التناقض: هل يقال على أنحاء كثيرة. وذلك أن هذا إن كان يقال على أنحاء كثيرة، فإن المقابل له قد يقال أيضا على أنحاء كثيرة، مثال ذلك: الذى لا يبصر؛ فإنه يقال على أنحاء كثيرة: أحدهما على الذى ليس له بصر، والآخر على الذى لا يستعمل البصر. وإذا كان هذا يقال على أنحاء كثيرة، فواجب ضرورةً أن يكون الذى يبصر يقال على أنحاء كثيرة. وذلك أن كل واحد من صنفى قولنا: «لا يبصر» يقابله شىء ما، أعنى أن الذى ليس له بصر يقابله الذى له بصر، والذى لا يستعمل البصر يقابله المستعمل للبصر.

وأيضا ينبغى أن نبحث عن التى تقال على طريق العدم والملكة: فإن أحدهما إن كان يقال على أنحاء كثيرة، فإن الآخر يقال كذلك: مثاله أن الإحساس إن كان يقال على أنحاء كثيرة فى النفس والبدن، فإن عدم الإحساس

يقال على أنحاء كثيرة فى النفس والبدن. والأمر فى أن الأشياء التى ذكرناها فى هذا الموضع تتقابل على جهة العدم والملكة بين، لأن من شأن الحيوان أن يكون له كل واحد من الحسين، أعنى حس النفس وحس البدن.

وأيضا ينبغى أن نبحث عن التصاريف. وذلك أنه إن كان العدل يقال على أنحاء كثيرة، فالعدالة تقال على أنحاء كثيرة. وذلك أن فى كل واحدة من الجهتين اللتين يقال فيهما العدل قد توجد عدالة ما — مثال ذلك أنه قد يقال للذى يحكم بحسب رأيه وللذى يحكم بما يجب، إنهما قد حكما حكماً بالعدل؛ وعلى ذلك المثال يجرى الأمر فى العدالة. وكذلك أيضا إن كان المصح يقال على أنحاء كثيرة، فإن الصحيح أيضا يقال على أنحاء كثيرة — مثال ذلك أن الذى يفعل الصحة يقال له مصح، وكذلك الذى يحفظ الصحة والذى يدل عليها. والصحيح أيضا قد يقال على الذى يفعل ويحفظ ويدل 〈على الصحة〉. وعلى هذا المثال يجرى الأمر فى سائر الأخر، أعنى أنه إذا كان شىء يقال على أنحاء كثيرة، فإن التصريف الذى يؤخذ منه يقال أيضا على أنحاء كثيرة. وإن كان التصريف يقال على أنحاء كثيرة، فإنه هو أيضا يقال على أنحاء كثيرة.

وينبغى أن نبحث عن أجناس الحمل الذى بحسب الاسم: هل هى واحدة بعينها فى الجميع؟ وذلك أنها إن لم تكن واحدة بعينها، فمن البين أن الموصوف اسم مشترك — مثال ذلك المحمود، فإنه فى الأطعمة ما يحدث اللذة، وفى الطب ما يحدث الصحة، وفى النفس ما تكون به بحال ما، أعنى

عفيفة أو شجاعة أو عادلة. وكذلك فى الإنسان أيضا. ويقال فى الشىء إنه محمود فى بعض الأوقات، مثل الكائن فى وقته. وذلك أنه قد يقال محمود للكائن فى وقته؛ ويقال مراراً كثيرة على الكم كما يقال على المعتدل، فإنه قد يقال للمعتدل أيضا محمود. فالمحمود إذاً اسم مشترك. وكذلك الأبيض؛ فإنه فى الجسم اللون، وفى الصوت الحس المسموع؛ وكذلك الحاد، إذ ليس يقال واحدا بعينه على جميع الأشياء — مثال ذلك قولنا: صوت حاد، للسريع، كما يقول أصحاب التأليف فى الأعداد؛ وقولنا الزاوية الحادة، للتى هى أصغر من قائمة؛ وقولنا: سكين حاد، للحادة الزاوية.

وينبغى أن نبحث عن أخبار الأشياء التى تحت اسم واحد بعينه: هل هى مختلفة وليس بعضها مرتبا تحت بعض، كقولنا للآلة حمار وللحيوان حمار. وذلك أن الحد الذى بحسب اسمها مختلف، لأن الحيوان يقال بحال ما، والآلة تقال بحال أخرى. وإن كانت الأجناس بعضها تحت بعض فليس يلزم ضرورة أن تكون الأقاويل مختلفة — مثال ذلك الغراب: فإن الحى وذا الريش جنس له. فإذا نحن قلنا فى الغراب إنه ذو ريش وحى، فقد قلنا إنه بحال ما. فالجنسان إذا كلاهما محمول عليه. وكذلك إذا قلنا فى الغراب إنه حى طائر ذو رجلين، فقد قلنا إنه ذو ريش. وبهذا الوجه يحمل الجنسان كلاهما وقولاهما على الغراب.

فأما الأجناس التى لا يقال بعضها تحت بعض فليس يلزم فيها ذلك. وذلك أنا ليس إذا قلنا آلة فقد قلنا حى، ولا إذا قلنا حى فقد قلنا آلة. وينبغى أن تعلم أنه ليس إنما يقال أجناس مختلفة ليس بعضها تحت بعض فى الموضوع فقط، بل قد يقال أيضا فى الضد. وذلك أنه إن كان الضد يقال على أنحاء كثيرة، فمن البين أن الموضوع أيضا يقال على أنحاء كثيرة.

وقد ينتفع أيضا بالنظر فى الحد الذى يكون عن المركب، مثل الجسم الأبيض والصوت الأبيض. وذلك أن خاصة كل واحد منهما إذا رفعت، فينبغى أن يبقى القول واحدا بعينه. وهذا أمر ليس يلزم فى المتفقة أسماؤها كالحال فى اللذين وصفناهما الأن، وذلك أن أحدهما يصير جسماً له لون بحال كذا، والآخر صوت حسن المسموع. فإذا ارتفع منهما الجسم والصوت لم يكن الباقى منهما شيئا واحدا بعينه، وقد كان يجب أن يكون كذلك لو كان الأبيض الذى قيل فى كليهما اسماً متواطئا.

وقد يخفى علينا فهم الاتفاق فى الاسم فى الأقاويل نفسها أيضا مرارا كثيرة. ولذلك أيضا ينبغى أن نبحث عن الأقاويل، مثال ذلك إن قال قائل إن الدال على الصحة والفاعل للصحة هو الذى حاله عند الصحة حال اعتدال، لم يجب أن يدفع، لكن يجب أن يبحث عن قوله حال

اعتدال ما هو فى كل واحد منهما فنقول: إن هذا هو ما كان بمقدار كذا حتى تحدث الصحة، وهذا ما كان بحال كذا حتى يدل على سجية ما.

وأيضا ينبغى أن ننظر ألا تكون متفقة فى الشبه أو فى الأكثر، بمنزلة قولنا: صوت أبيض وثوب أبيض، وطعم حاد وصوت حاد؛ فإن هذه ليست تقال بيضاً وحادة على مثال واحد فى الشبه؛ ولا أن أحدهما أكثر من الآخر. فالأبيض إذاً والحاد من المتفقة فى الأسماء. وذلك أن المتواطئة كلها متفقة، إذ كانت تقال إما أحدهما أكثر من الآخر، وأما أنهما على مثال واحد فى الشبه. — ولأن الأجناس المختلفة التى ليس بعضها تحت بعض ففصولها أيضا مختلفة بالنوع بمنزلة الحى والعلم (فإن فصولهما مختلفة)، فينبغى أن ننظر هل الأشياء التى تحت اسم واحد بعينه فصول لأجناس مختلفة ليس بعضها تحت بعض — مثال ذلك أن الحاد للصوت وللحجم: فإن صوتا يخالف صوتا بأنه حاد، وكذلك حجم يخالف حجما. فالحاد إذاً اسم مشترك، وذلك أنهما فصلان لأجناس مختلفة ليس بعضها تحت بعض.

وأيضا ينبغى أن ننظر هل فصول الأشياء، التى هى بعينها تحت اسم واحد بعينه، مختلفة — بمنزلة اللون الذى فى الأغانى. فإن الذى فى الأجسام فصوله الذى يجمع البصر ويفرقه، والذى فى الأغانى ليس فصوله هذه بعينها. فاللون إذاً من المتفقة فى الاسم، لأن الأشياء التى هى واحدة بعينها فصولها واحدة بعينها.

وأيضا لأن النوع ليس هو لشىء من الأشياء فصلا. فينبغى أن ننظر فى الشيئين اللذين تحت اسم واحد: هل أحدهما نوع والآخر فصل — مثال ذلك «الأبيض»، فإن الذى فى الصوت فصل. وذلك أن صوتا يخالف صوتا بأنه أبيض.

فينبغى أن يكون بحثنا عما يقال على أنحاء كثيرة فى هذه الأشياء وأمثالها.

١٦

〈البحث عن الاختلافات〉

ويجب أن ينظر فى حال الفصول بعضها عند بعض فى الأجناس أنفسها، مثل أن نعلم بمأذا يخالف العدل الشجاعة، والحلم للعفة؛ فإن جميع هذه من جنس واحد بعينه هو الفضيلة، ونأخذ الفصول التى من جنس واحد بعينه كالفهم والعفة والشجاعة والعدل، فإن كل واحد من هذه فضيلة. وننظر أيضا فى التى من جنس بالقياس إلى التى من جنس آخر غيره من غير أن يكون بعضها من بعض متباعداً بعداً كثيراً، كقولنا: بماذا يخالف الحس العلم، لأن الفصول — فى الأشياء المتباعدة بعداً كثيرا — بينة جدا.

١٧

〈البحث عن المشابه〉

وينبغى أن نبحث عن التشابه فى الأشياء التى توجد فى أجناس مختلفة إن كان حال هذا الشىء عند غيره كحال آخر عند آخر، مثال ذلك أن حال العلم عند المعلوم كحال الحس عند المحسوس. وإن كان حال شىء عند غيره

كحال شىء آخر فى آخر، مثال ذلك أن حال البصر فى العين كحال العقل فى النفس، وحال الهدوء فى البحر كالركود فى الهواء، وذلك أن كليهما سكون.

وينبغى أن تكون رياضتنا فى الأشياء المتباعدة جدا خاصة، فإن الأشياء الباقية قد يمكننا فيها أن نقف على المتشابهة بأسهل مأخذ.

وينبغى أن ننظر أيضا فى الأشياء التى فى جنس واحد: هل يوجد لجميعها شىء واحد بعينه، بمنزلة الإنسان والفرس والكلب؟ فإنه إن كان يوجد لها شىء واحد بعينه فهى من جهته متشابهة.

١٨

〈الأنتفاع بآلات الجدل الثلاث الأخيرة〉

وقد ينتفع بالبحث عن الشىء على كم جهة يقال، فى الإيضاح والبيان. وذلك أن الإنسان يكون أحرى بأن يعلم ماذا يضع إذا تبين له على كم نحو يقال. وقد ينتفع به أيضا فى أن تكون القياسات فى المعنى نفسه، لا بحسب الاسم. وذلك أن الشىء إذا لم يعلم على كم نحو يقال، فقد يمكن ألا يجتمع فيه رأى السائل والمجيب على شىء واحد بعينه. فإذا تنبه على كم نحو يقال الشىء، وعلى ماذا يضعه من أتى به، سخر من السائل متى لم ينح بالقول نحوه. — وقد ينتفع به أيضا فى أن يغالط وألا يغالط. وذلك أنا إذا علمنا على كم نحو يقال الشىء لم يقع علينا غلط، لكن نعلم إن كان السائل نحا بقوله نحو شىء واحد بعينه. وإذا نحن سألنا أمكننا أن نغالط متى اتفق

أن يكون المجيب لا يعلم على كم نحو يقال الشىء. وليس هذا ممكننا فى الجميع، لكن إذا كانت الأشياء التى تقال على أنحاء كثيرة منها ما هى صادقة، ومنها ما هى كاذبة. وليس هذا الفن خاصا بالجدل؛ ولذلك ينبغى لأصحاب الجدل أن يتوقوا هذا المعنى أصلا، أعنى أن تكون مجادلتهم فى الاسم، إلا أن يحس الواحد بضعف من نفسه عن الجدل بغير هذه الجهة فى الشىء الموضوع.

ووجود الفصول نافع فى القياسات التى تعمل فى الواحد بعينه والغير، وفى تعرف كل واحد من الأشياء ما هو. والأمر بين فى أنه نافع فى القياسات التى تعمل فى الواحد بعينه والغير. وذلك أنا إذا وجدنا فصلا للأشياء التى نقصد نحوها — أى فصل كان —، نكون قد قلنا أن ليس هو واحداً بعينه. فأما منفعته فى تعرف كل واحد من الأشياء ما هو، فلأنه من عادتنا أن نفرق القول الذى يخص جوهر كل واحد بالفصول التى تخص واحداً واحداً من الأشياء.

فأما النظر فى الشبيه فنافع فى أقاويل الاستقراء وفى قياسات الوضع وفى أداء الحدود. فأما فى أقاويل الاستقراء فلأنا إنما نحكم على الأمر الكلى باستقراء الجزئيات فى الأشياء، وذلك أنه ليس يسهل علينا أن نستقرئ النظائر ونحن لا نعلم الأشباه. وأما فى قياسات الوضع فلأن من الأمر الذائع أن الحال فى سائر الأشياء كالحال فى واحد منها، حتى إنه إذا تهيأ لنا أن نناظر فى أى شىء منها كأن

إجماعنا مع ذلك على أن الحال فى الشىء الذى قصدنا له كالحال فى هذه، لأنا إذا بينا ذلك نكون قد بينا الشىء الذى قصدنا له من الوضع، لأنا إذا وضعنا أن الحال فيما قصدنا له كالحال فى هذه نكون قد علمنا البرهان. وأما فى أداء الحدود، فلأنا إذا قدرنا أن نعلم ما الواحد بعينه فى واحد واحد لم يذهب علينا إذا حددنا الشىء الذى قصدنا له فى أى جنس ينبغى أن نضعه، وذلك أن أولى الأشياء العامية بالعموم هو جنس يحمل معنى ما هو. وكذلك أيضا النظر فى الأشباه قد ينتفع به عند التحديد فى الأشياء الكبيرة التباعد كقولنا: سكون الريح فى البحر، وركود الهواء شىء واحد بعينه، لأن كل واحد منهما هدوء، وأن النقطة فى الخط وحدة فى العدد، لأن كل واحد منهما مبدأ. فلذلك متى وفينا الجنس العام فى الجميع لم يظن بنا أحد أنا قد حددنا حدا غريبا. ويكاد أن يكون الذين يحدون على هذا الوجه اعتادوا أن يعرفوا الحدود، لأنهم يقولون إن الوحدة مبدأ العدد، والنقطة مبدأ الخط. فمن البين أنهم يضعونهما فى الجنس العام لكليهما.

فهذه هى الآلات التى بها تكون القياسات. فأما المواضع التى ينتفع فيها بما وصفنا فهى ما نصف.

][ تمت المقالة الأولى من كتاب «طوپيقا» لأرسطوطالس ][

][ قوبل به ][

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الثانية منه 〈مواضع العرض المشتركة〉

١

〈استهلال عام〉

قال:

إن من المسائل ما هى كلية، ومنها ما هى جزئية. فالكلية مثل قولنا إن كل لذة خير وإنه ولا لذة واحدة خير. والجزئية مثل قولنا: قد توجد لذة واحدة خير، أو توجد لذة واحدة ليست خيرا. والتى تثبت وتبطل بالكلية مشتركة لجنسى المسائل كليهما. وذلك أنا إذا بينا أن الشىء يوجد للكل، نكون قد بينا أنه موجود للبعض. وكذلك إذا بينا أنه ليس يوجد ولا لواحد، نكون قد بينا أنه ليس يوجد للبعض. فينبغى أولاً أن نتكلم فى التى تبطل إبطالا كليا من قبل أنها مشتركة للكلية والجزئية، ومن قبل أنها أخرى بأن تستعمل الأوضاع فيما يوجد أو مالا يوجد، ولأن الجدليين إنما من شأنهم أن يبطلوا الأقاويل. ومن أصعب الأمور أن تنعكس التسمية المشاكلة المأخوذة من العرض، وذلك أن الذى يكون بجهة من

الجهات وليس بكل، فإنما يمكن أن يكون فى الأعراض وحدها. وذلك أنه واجب، ضرورةً، أن يكون الانعكاس من الحدود ومن الخاصة ومن الجنس — مثال ذلك أنه إن وجد لشىء من الأشياء أنه حى مشاء ذو رجلين، كان الذى يعكسه فيقول: إنه حى مشاء ذو رجلين — صادقا. وكذلك أيضا من الجنس: فإنه إن وجد لشىء من الأشياء أنه حى فهو حى. ومثل هذا بعينه يوجد فى الخاصة أيضا. وذلك أنه إن وجد لشىء من الأشياء أنه قابل للنحو، فهو قابل للنحو، إذ كان ليس يمكن فى شىء من هذه أن يكون إنما يوجد فى بعض الشىء، لكنه يوجد على الإطلاق أو لا يوجد. فأما فى الأعراض فليس يمنع مانع من أن يكون فى بعض الشىء بمنزلة البياض والعدالة. فإنه ليس يكتفى فى التبيين على أن الإنسان أبيض أو عادل بأن يتبين أن البياض أو العدالة يوجدان له. وذلك أنه قد يقع الشك فى أنه أبيض أو عادل فى شىء منه. فليس الانعكاس إذاً بواجب فى الأعراض.

وينبغى أن نلخص الخطأ الواقع فى المسائل فنقول إنه صنفان: إما بأن يكذب فيها، وإما بأن يتجاوز اللفظ الموضوع فيها، وذلك أن الذين يكذبون يخطئون إذا قالوا فيما ليس بموجود لشىء إنه موجود له. وكذلك الذين يلقبون الأشياء بأسماء غريبة، فيسمون مثلا الدلبسة إنسانا — يتجاوزون التسمية الموضوعة.

٢

〈مواضع〉

فأحد المواضع أنه ينبغى أن ننظر إن كان الموجود بحال من الأحوال أخرى غير العرض يوصف على أنه عرض. وهذا الخطأ يقع خاصة فى الأجناس — بمنزلة ما لو قال قائل إنه عرض للأبيض أن يكون لونا، وذلك أنه لم يعرض له أن يكون لونا، لكن اللون جنسه. فقد يمكن الواضع أن يلخص فى التسمية أيضا، بمنزلة ما يقول إنه عرض للعدالة أن تكون فضيلة. وقد يتبين للإنسان مراراً كثيرة — وإن لم يلخص ذلك — أنه قد وصف الجنس على أنه عرض، بمنزلة ما لو قال قائل إن البياض تلون، وإن المشى تحرك. وذلك أنه لا يقال إن حمل جنس من الأجناس على النوع يكون على طريق الاشتقاق، لكن جميع الأجناس إنما يحمل على الأنواع على طريق التواطؤ، لأن الأنواع تقبل اسم الأجناس وقولها. وذلك أنه من قال إن الأبيض متلون لم يصفه على أنه جنس، لأنه إنما وصفه على طريق الاشتقاق، ولا وصفه على أنه خاصة، ولا على أنه حد. وذلك أن الخاصة والحد لا يوجدان لشىء آخر غير ما هما له. وقد توجد أشياء أخر كثيرة متلونة، مثل خشبة وحجر وإنسان وفرس. فمن البين أنه قد وصفه على أنه عرض.

وموضع آخر أنه قد ينبغى أن ننظر فى الأمور التى قيل إن الشىء لها يوجد: إما لكلها وإما لواحد منها. وينبغى أن يكون نظرنا فى الأنواع، لا فى التى هى بلا نهاية. وذلك أن الأولى بالبحث أن يكون فى طريق من الطرق وفى الأقل من الأمور.

وينبغى أن نبحث ونجعل ابتداءنا من الأوائل؛ ثم نجرى على ذلك النسق حتى نصير إلى الأشخاص، مثال ذلك أنه إن كان القائل قال: إن العلم بالمتقابلات واحد بعينه، فينبغى أن ننظر هل العلم بالأشياء المضافة والأشياء المتضادة والأشياء المتقابلة على جهة العدم والملكة والمتقابلة على جهة الإيجاب والسلب — واحد بعينه. فإن لم يكن الأمر ظاهراً فى واحد من هذه بعد، فينبغى أيضا أن نقسم كل واحد من هذه إلى أن نصير إلى الأشخاص، مثال ذلك أن ننظر: هل العلم بالعدل والجور، أو العلم بالضعف والنصف، أو العلم بالعمى والبصر، أو العلم بأن الشىء موجود أو ليس هو موجودا — واحداً بعينه؟ وذلك أنه إن تبين فى شىء من هذه أنه ليس واحدا بعينه، نكون قد أبطلنا المسألة. وكذلك إن تبين أنه لا يوجد لشىء منها. وهذا الموضع ينعكس على الإثبات والإبطال. وذلك أنه إن ظهر لمن يقسم أنه على الجميع أو على كثيرين، فله أن يحكم بوضعه كلياً، أو يعاند فى واحد.

فنقول إنه ليس كذلك. فإنه إن لم يفعل واحدا من هذين سخر منه، إذ لم يضع شيئا.

وموضع آخر وهو أن يعمل حدى العرض والشىء الذى يعرض فيه العرض جميعا، أو حد أحدهما، ثم ينظر إن كان قد أخذ فى الأقاويل شىء ليس يحق على أنه حق — مثال ذلك أن ينظر إن كان يمكن أحداً أن يظلم الله، فما الظلم؟ وذلك أنه إن كان إنما هو الإضرار طوعاً، فمن البين أن الله ليس يظلم، إذ ليس يمكن أن يناله ضرر. وإن كان الفاضل حسودا، فما الحسود؟ وما الحسد؟ وذلك أن الحسد إن كان التأذى بما يظهر من حسن حال خير من الأخيار، فمن البين أن الفاضل ليس بحسود، لأنه لو كان كذلك لكان رديئا. فإن كان المنافس حسودا، فما كل واحد منهما؟ وذلك أنه بهذا الوجه يتبين هل ما قيل حق أم باطل — مثال ذلك أنه إن كان الحسود هو المتأذى بحسن حال الأخيار، والمنافس هو المتأذى بحسن حال الأشرار، فمن البين أن المنافس ليس حسودا.

وينبغى أن نأخذ أقاويل بدل الأسماء التى فى الأقاويل ولا نفارقها إلى أن نصير إلى الشىء المعروف. وذلك أنه مرارا كثيرة قد يوفى القول

بأسره فلا يكون المطلوب بيناً. وإذا قيل قول مكان اسم من الأسماء التى فى القول، صار المطلوب بينا.

وأيضا يصير الإنسان المسألة لنفسه مقدمة، ثم يقاومها، لأن المقاومة تصير له حجة بحذاء الوضع. ويكاد أن يكون هذا الموضع والموضع الذى يقال فيه إنه ينبغى أن ننظر فى الأمور التى قيل فيها إن الشىء يوجد إما لكلها، وإما ولا لواحد منها واحدا بعينه، إلا أنه يخالفه فى الجهة.

وأيضا ينبغى أن نلخص أى الأشياء يجب أن نسميها كما يسميها الجمهور، وأيها لا؛ وهذا نافع فى الإثبات والإبطال، مثال ذلك أنه ينبغى أن تلقب الأعيان بالتسمية كما يلقبها الجمهور. فأما عند تحصيلنا أيما من الأعيان هو بحال كذا، وأيما ليس هو بحال كذا، فلا ينبغى أن نصغى إلى قول الجمهور فيه، مثال ذلك أنه ينبغى أن نقول فى المصح إنه الفاعل للصحة كما يقول الجمهور. فأما عند تحصيلنا الموضوع: هل هو فاعل للصحة أم لا؟ فليس ينبغى أن نسميه كما يسميه الجمهور، لكن كما يسميه الطبيب.

٣

〈مواضع أخرى〉

وأيضا إن كان الشىء يقال على أنحاء كثيرة، وكان موضوعا إما على أنه موجود، وإما على أنه غير موجود، فينبغى أن نتبين ذلك فى أحد ما يقال

على تلك الأنحاء الكثيرة إن لم يكن أن يقال ذلك فى جميعها. وينبغى أن نستعمله فيما يذهب على المخاطب. وذلك أنه إن لم يذهب عليه أنه يقال على أنحاء كثيرة قاوم الذى يتشكك عليه وأراه أنه لم يرد ما شك فيه، وإنما أراد الآخر. — وهذا الموضع ينعكس على إثبات الشىء وعلى فسخه. وذلك أنه إذا أردنا أن نثبت، بينا أن أحدهما موجود متى لم نقدر أن نبينها جميعا. وإذا أردنا أن نفسخ، بينا أن أحدهما غير موجود إن لم يمكنا أن نبين ذلك فى جميعها. غير أن الذى يفسخ ليس يحتاج أن يقر بشىء، لا إن كان قيل فيه إنه موجود لجميع الشىء، ولا أنه موجود ولا لشىء منه. وذلك أنا إذا بينا فى شىء منه — أى شىء كان — أنه لا يوجد، كنا قد أبطلنا أنه يوجد لجميعه. وكذلك إن بينا أنه يوجد لشىء منه، أبطلنا أنه لا يوجد ولا لشىء منه.

فأما المثبت فينبغى له أن يتقدم فيعترف بأنه إن وجد لشىء ما منه — أى شىء كان — فهو يوجد للجميع متى كانت المقدمة مقنعة. وذلك أنه ليس يكفى فى البيان على أنه يوجد للجميع القول بأنه يوجد لواحد، بمنزلة ما نقول إن كانت نفس الإنسان غير مائتة فكل نفس غير مائتة؛ فينبغى أن نتقدم فنقر بأنه إن كانت أى نفس وجدت غير مائتة، فكل نفس غير مائتة. وليس ينبغى أن نفعل هذا فى كل وقت، بل إنما ينبغى أن نفعله إذا لم نجد قولا واحدا عاما بقوله على الجميع، كما يقول المهندس إن ثلاث زوايا المثلث

مساويات لقائمتين. فإن لم يذهب عليك أن الشىء على أنحاء كثيرة ففصله وانظر على كم نحو يقال، ثم حينئذ تثبت وتبطل. مثال ذلك أن الواجب إن كان هو النافع والجميل، فينبغى أن نلتمس فى الموضوع إما نثبيت الأمرين جميعا أو إبطالهما، أعنى أنه جميل ونافع، أو أنه لا جميل ولا نافع. وإن لم يمكن أن تبين كليهما، فينبغى أن تبين أحدهما، بعد أن تدل على أن هذا هو الموجود منهما، وهذا غير الموجود. والقياس 〈يكون〉 واحداً بعينه، إذ كانت الأشياء التى ينقسم إليها أكثر من اثنين.

وأيضا ينبغى أن نميز كل ما لم يكن يقال على أنحاء كثيرة باتفاق الاسم، لكن بجهة أخرى — بمنزلة علم واحد بأشياء كثيرة، إما كالغاية، وإما كالأشياء المؤدية إلى الغاية، مثل صناعة الطب فإنها علم برد الصحة وبالتدبير، إما على أن كليهما غايتان كما يقال إن العلم بالمتضادات واحد بعينه، فإن أحد المتضادين ليس بأن يكون غاية أولى من الآخر، وإما على أنهما بالذات أو بالعرض: أما بالذات، فمثل قولنا إن ثلاث زوايا المثلث مساوية لقائمتين، وأما بالعرض فمثل قولنا إنه متساوى الأضلاع. وذلك أن الذى به عرض للمتساوى الأضلاع أن يكون مثلثا، به يعلم أن زواياه الثلاث مساويات لقائمتين. فإن كان ليس يمكن بوجه من الوجوه أن يكون

علم واحد بأشياء كثيرة، فمن البين أنه ليس يمكن أصلا. وإن كان يمكن بوجه من الوجوه، فمن البين أنه يمكن.

ونحتاج أن نقسمهما فنعلم على كم نحو يقال، مثال ذلك أنا إذا أردنا أن نثبت أمثال هذه الأشياء، تقدمنا فوضعنا كل ما كان منها يمكن، فقسمنا إلى هذه فقط جميع ما كان منها نافعا فى التثبيت. وإن أردنا أن نبطل، وضعنا كل ما لا يمكن، والباقى ينبغى أن نتركه. ويجب أن نفعل مثل ذلك أيضا فى هذه إذا ذهب عنا على كم نحو يقال.

وينبغى أن نثبت أن كذا موجود لكذا أو غير موجود من هذه المواضع بعينها، مثال ذلك أن علم كذا بكذا يوجد له إما على أنه من الأشياء التى تؤدى إلى غاية، أو على أنه مما يقال بالعرض، أو أنه أيضا لا يوجد ولا على حال من هذه الأحوال المذكورة. والقول 〈يكون〉 واحداً بعينه أيضا فى الشهوة وسائر الأشياء الأخر التى تقال على أنحاء كثيرة، وذلك أن الشهوة لهذا الشىء إما أن تكون على أنه غاية مثل الصحة، أو على أنه من الأشياء التى تؤدى إلى الغاية، مثل المداواة، أو على أنه بالعرض مثل حال من يحب الحلاوة عند الشراب، وذلك أنه يشتهيه من طريق ما هو حلو، لا من طريق ما هو شراب، إذ كان يشتهى الحلو

بذاته، ويشتهى الشراب بالعرض؛ وذلك أن الشراب لو كان عفصا لم يشتهه. فشهوته إذاً للشرب إنما هو بالعرض. — وهذا الموضع نافع فى الأشياء الداخلة فى باب المضاف.

٤

〈مواضع أخرى〉

والنقل أيضا إلى الاسم الذى هو أعرف، مثال ذلك أن نجعل مكان قولنا فى: الظن — «البين»، ومكان قولنا: كثرة البحث — «محبة البحث». وذلك أن الاسم إذا قيل قولا أعرف صار الموضع أسهل مراماً. وهذا الموضع أيضا عام فى الأمرين جميعا فى الإثبات والإبطال.

وعند تثبيتنا أن المتضادات موجودة لشىء واحد بعينه ينبغى أن نبحث عن ذلك فى الجنس، مثال ذلك إن أردنا أن نبين أنه قد يوجد فى الحس صواب وخطأ، قلنا: الإحساس هو تمييز، والتمييز يكون بصواب وبغير صواب. ففى الحس يوجد صواب وخطأ. فالبرهان إذاً الآن على النوع من الجنس، وذلك أن التمييز جنس للإحساس، وذلك أن الحس يميز بجهة من الجهات. وقد يكون أيضا البرهان على الجنس من النوع، وذلك أن كل ما يوجد للنوع قد يوجد أيضا للجنس — مثال ذلك أنه إن كان علم

يوجد خسيساً وفاضلاً فقد يوجد حال كذلك، لأن الحال جنس للعلم. — فالموضع الأول يكذب فى التثبيت، والثانى يصدق. وذلك أنه ليس يلزم ضرورةً أن يكون كل ما يوجد للجنس يوجد أيضا للنوع: فإن الحيوان يوجد طائراً وذا أربع، وليس الإنسان كذلك. وكل ما يوجد للنوع فواجب ضرورة أن يوجد للجنس أيضا، وذلك أنه إن كان الإنسان فاضلا فقد يوجد حيوان فاضلا.

فأما فى الإبطال فالمكان الأول صادق، والثاتى كاذب. وذلك أن كل ما لا يوجد للجنس، فليس يوجد أيضا للنوع. وكل ما كان لا يوجد للنوع فليس يجب ضرورةً ألا يوجد للجنس، لأنه من الضرورة أن ما يحمل عليه الجنس فقد يحمل عليه شىء من الأنواع. وكل ما كان له جنس أو كان يقال من الجنس عن طريق اشتقاق الاسم، فواجب ضرورةً أن يكون له شىء من الأنواع، أو أن يقال باشتقاق الاسم من شىء من الأنواع، مثال ذلك أنه إن حمل العلم على إنسان من الناس، فقد يحمل على ذلك الإنسان أيضا النحو أو الموسيقى أو علم من العلوم الأخر. وإن وجد إنسان علماً، أو 〈إن كان〉 اسمه مشتقاً من العلم فله: إما نحو، وإما موسيقى، وإما واحد من العلوم الأخر، أو اسمه مشتق من واحد منها، كقولنا: نحوى أو موسيقار.

فإن وضع شىء يقال كيفما قيل من الجنس بمنزلة قولنا إن النفس تتحرك، فينبغى أن ننظر إن كان يمكن أن تكون النفس تتحرك بواحد من أنواع الحركة، أعنى أن تنمى أو تفسد، أو تتكون، أو غير ذلك من أنواع الحركة. وذلك أنها إن لم تكن تتحرك بواحد منها، فمن البين أنها لا تتحرك. وهذا الموضع عام للأمرين جميعا للتصحيح والإبطال، لأنها إن كانت تتحرك بواحد من أنواع الحركة، فمن البين أنها تتحرك؛ وإذا لم تكن تتحرك بنوع من أنواع الحركة، فمن البين أنها لا تتحرك.

وإذا لم نجد حجة تنفع فى الوضع، فيجب أن نبحث من الحدود: إما الموجودة للأمر الموضوع أو التى نظن أنها له. وإن لم يكن ذلك من واحد، فمن أكثر من واحد. وذلك أن الحجة تسهل من حد الشىء، إذ كانت الحجة سهلة فى الحدود.

وينبغى أن ننظر فى الموضع ما الشىء الذى إذا وجد وجب ضرورةً أن يوجد الموضوع، أو ما الشىء الذى يوجد من الاضطرار إذا وجد الموضوع. فوجود الموضوع من الاضطرار إذا وجد شىء من الأشياء هو لمن يريد أن

يثبت الشىء. وذلك أنه إن تبين أن ذلك الشىء موجود، صار الموضوع متبينا. فأما وجود شىء من الأشياء إذا وجد الموضوع، فلمن يريد أن يبطل الشىء؛ وذلك أنا إن بينا أن اللازم للموضوع غير موجود، كنا قد أبطلنا الموضوع.

وأيضا فينبغى أن ننظر فى أمر الزمان إن كان الشىء يختلف فيه — مثال ذلك إن قال قائل إن المغتذى من الاضطرار أن ينمى. وذلك أن الحيوان يغتذى دائما وليس ينمى دائما. وكذلك إن قال قائل إن المتعلم يذكر، وذلك أن هذا للزمان الماضى، وذاك للزمان الحاضر والمستقبل. فإنه يقال فينا إنا نعلم الأمور الحاضرة والمستقبلة مثلما نعلم أنه سيكون كسوف الشمس. فأما التذكر فليس يمكن أن يكون إلا لشىء قد مضى.

٥

〈مواضع أخر〉

وأيضا من طريق المغالطة أن نسوق إلى مثل ذلك الشىء الذى فيه نلتمس وجود حجج. وهذا ربما كان ضروريا، وربما كان ضروريا فى الظاهر، وربما كان لا ضروريا، ولا ضروريا فى الظاهر. ويكون ضروريا إذا ما جحد المجيب شيئا مما ينتفع به فى الوضع، فجعل السائل

الأقاويل فى ذلك الشىء، ويكون هذا شيئا من أمثال هذه الأشياء التى يلتمس الإنسان فيها وجود حجج. وكذلك إذا استقرى النظائر فى شىء من الأشياء بتوسط الموضوع فرام أن يبطله، لأن هذا إذا بطل بطل الموضوع أيضاً. — ويكون ضرورياً فى الظاهر إذا كان نافعا ومشاكلاً للوضع، ولم يكن ينفع فى الشىء الذى فيه تكون الأقاويل، جحده المجيب، أو رام أن يبطله من الاستقراء الذائع الذى بالوضع يصير إليه. — فأما القسم الباقى، فإذا لم يكن الشىء الذى فيه الأقاويل لا ضروريا، ولا ضروريا فى الظاهر، وتعرض بجهة أخرى أن يفسخ على المجيب.

وينبغى أن نتوقى الوجه الأخير من الوجوه التى وصفناها. وذلك أنه يشبه أن يكون غريباً مبايناً لصناعة الجدل ألبتة. ولذلك ينبغى للمجيب ألا يصعب الأمر، لكن يضع ما ليس بنافع فى الوضع بعد أن يبينه على ما ليس يعتقده، غير أنه يضعه وضعاً. وذلك أنه أحرى أن يعرض للسائل فى أكثر الأمر أن يتشكك متى وضعت له هذه الأشياء بأجمعها، فلم ينتج منها شيئا.

وأيضا كل من قال شيئا من الأشياء — أى شىء كان — فقد قال بوجه من الوجوه أشياء كثيرة، لأن كل واحد من الأشياء من الاضطرار له لوازم كثيرة، مثال ذلك أن من قال إنسانا موجودا فقد قال إن حيوانا

موجود، وإن متنفسا موجود، وإن قابلا للعلم موجود، وإن ذا رجلين موجود. فأى شىء من اللوازم إذا ارتفع، ارتفع معه أيضا الأمر الأول. وينبغى أن نتوقى إبدال الشىء بالشىء الأصعب، فإنه فى بعض الأوقات قد يكون فسخ الشىء اللازم أسهل، وفى بعض الأوقات الموضوع نفسه.

٦

〈مواضع أخر〉

والأشياء التى يجب ضرورةً أن يكون أحد الأمرين فقط موجوداً لها (بمنزلة وجود المرض أو الصحة للإنسان)، فإن تهيأ لنا أن نقول فى أحدها إنه موجود أو غير موجود، فإن ذلك يتهيأ أيضا فى الباقى. وهذا المعنى ينعكس على الأمرين جميعا. وذلك أنا إذا بينا أن أحدهما موجود، نكون قد بينا أن الباقى غير موجود. وإن نحن بينا أن أحدهما غير موجود، نكون قد بينا أن الآخر موجود. فمن البين أن هذا الموضع نافع فى كليهما.

وأيضا ينبغى أن نحتج بعد أن ننقل الاسم بحسب القول حتى يكون ما نسميه به أليق من الاسم الموضوع له، مثال ذلك أن الجيد النفس ليس يدل على الشجاع كما وضع الآن، بل على الذى له نفس جيدة، مثل ما يدل الحسن الرجاء على الذى يرجو أموراً صالحة، وكذلك الجيد الجد الذى له جد فاضل كما قال كسانقراطس إن الجيد الجد هو الذى نفسه فاضلة، فإن نفس كل واحد من الناس زعم هى جده.

ولأن من الأمور ما هى من الاضطرار، ومنها ما هى على أكثر الأمر، ومنها ما هى على أى الأمرين اتفق. فإن وضع واضع ما هو من الاضطرار على أكثر الأمر، أو ما هو على أكثر الأمر من الاضطرار، إما هو بعينه، وإما المضاد لما هو على أكثر الأمر — فإنه أبداً يعطى موضعاً للحجة عليه. وذلك أنه إن وضع ما هو من الاضطرار على أكثر الأمر، فمن البين أنه قد قال فيما هو موجود للكل إنه ليس موجودا للكل. فيكون من قبل ذلك قد أخطأ. وكذلك يلزمه إن قال إن ما يقال على أكثر الأمر هو من الاضطرار. وذلك أنه يقول فيما ليس هو موجوداً للكل إنه موجود للكل. وكذلك إن قال إن المضاد لما هو على أكثر الأمر هو من الاضطرار، لأن المضاد لما هو على أكثر الأمر هو ما كان على أقل الأمر،

مثال ذلك أنه إن كان الناس على أكثر الأمر أردياء، فهم أخيار على أقل الأمر، فيكون الخطأ أيضا أكثر إن قال إنهم أخيار من الاضطرار. وكذلك إن قال إن ما هو على أى الأمرين اتفق — من الاضطرار أو على الأمر الأكثر، وذلك أنه يمكنه — وإن لم يقل ملخصا أى الأمرين قال إنه على الأمر الأكثر أو من الاضطرار، وكان الأمر على الأكثر — أن يجادل على أنه قد قال إنه من الاضطرار: مثال ذلك إن قال إن المنفيين من الميراث شرار، من غير أن يلخص، يجادل على أنه قال ذلك من الاضطرار.

وأيضا إن جعل الشىء عارضا لنفسه كأنه شىء آخر من قبل أن له اسما آخر، كما قسم فروديقوس اللذات إلى الفرح والطرب والسرور. وذلك أن هذه كلها أسماء لمعنى واحد هو اللذة. فإن قال قائل إن السرور عرض للفرح فإنما قال إن شيئا عرض لنفسه.

٧

〈مواضع أخرى〉

ولأن الأضداد يتركب بعضها على بعض على ستة أنحاء، ويحدث عنها إذا تركبت تضاد على أربعة أنحاء، فينبغى أن نأخذ الأضداد ليكون ذلك نافعاً للمثبت والنافى. — والأمر فى أنها تتركب على ستة أنحاء بين. وذلك أنه إما أن يتركب كل واحد من الضدين على الآخر، وعلى نحوين كقولنا: الإحسان إلى

الأصدقاء، والإساءة إلى الأعداء، أو بعكس ذلك: الإساءة إلى الأصدقاء، والإحسان إلى الأعداء. وإما أن يكون كلاهما فى الواحد؛ وهذا أيضا على نحوين: كقولنا: الإحسان إلى الأصدقاء والإساءة إلى الأصدقاء، أو الإحسان إلى الأعداء والإساءة إلى الأعداء. وإما أن يكون الواحد فى كليهما؛ وهذا أيضا على نحوين: كقولنا: الإحسان إلى الأصدقاء والإحسان إلى الأعداء، أو الإساءة إلى الأصدقاء والإساءة إلى الأعداء.

فالتركيبان الأولان لا يحدثان تضادا، وذلك أن قولنا الإحسان إلى الأصدقاء ليس هو ضد قولنا الإساءة إلى الأعداء؛ وذلك أن كليهما مأثور ومن شأن خلق واحد بعينه. ولا قولنا أيضاً الإحسان إلى الأعداء ضد قولنا الإساءة إلى الأصدقاء لأن هذين كليهما مما يهرب منه، ومن شأن خلق واحد، إذا كانا عن الشر. وليس يظن بشىء يهرب منه أنه يضاد شيئا يهرب منه، إلا أن يكون أحدهما يقال بالزيادة والآخر بالنقصان. وذلك أن الزيادة يظن بها أنها من الأشياء التى يهرب منها، وكذلك النقصان. والأربعة الباقية كلها فيحدث عنها تضاد. وذلك أن قولنا: الإحسان إلى الأصدقاء ضد قولنا: الإساءة إلى الأصدقاء. وذلك أن هذين إنما يكونان من خلق متضاد، إذ كان أحدهما مأثورا والآخر يهرب منه. وكذلك الحال فى المعانى الأخًر: فإن فى كل واحد من ازدواجاتها

يوجد الواحد مأثورا والآخر يهرب منه، والواحد من شأن خلق محمود، والآخر من شأن خلق مذموم. — فبين إذاً مما قلنا أنه قد يعرض أن تكون للواحد بعينه مضادات أكثر من واحد. وذلك أن ضد قولنا: الإحسان إلى الأصدقاء، قولنا: الإحسان إلى الأعداء، وقولنا: الإساءة إلى الأصدقاء. وكذلك إذا تأمل الإنسان على ذلك المثال كل واحد من الآخر ظهر له تضادات. فينبغى أن نأخذ من الضدين أيهما كان نافعا فى الوضع.

وأيضا إن كان يوجد للعرض ضد ما، فينبغى أن ننظر هل يوجد للشىء الذى قيل فيه إن له يوجد العرض، لأن هذا إن كان موجوداً فذلك غير موجود، وذلك أنه ليس يمكن أن يوجد كلا الضدين لشىء واحد بعينه.

وموضع آخر إن قال قائل إن شيئا يعرض لشىء فينبغى أن ينظر هل يوجد للعرض ضد ما. فإن كان ضد العرض يوجد للشىء الذى قال إنه عرض له، ليس يوجد ذلك العرض للشىء الذى قال من أول الأمر إنه عرض له، وذلك أنه ليس يمكن أن توجد المتضادات لشىء واحد بعينه معاً.

أو ينظر إن كان شىء يجرى هذا المجرى قد قيل على شىء من الأشياء: متى وجد وجب ضرورة أن توجد الأضداد بوجوده، مثال ذلك إن قال قائل إن الصور موجودة فينا، فإنه يلزم أن تكون تتحرك وتسكن وأن تكون أيضا محسوسة

ومعقولة. وذلك أنه قد يرى المعتقدون للصور أنها ساكنة وأنها معقولة. وإذا كانت فينا فلا يجوز أن تكون غير متحركة، لأنا إذا تحركنا فلا بد ضرورةً من أن يتحرك بحركتنا جميع ما هو موجود فينا. ومن البين أنها أيضا محسوسة متى كانت فينا، إذ كنا إنما نعرف صورة كل واحد بحاسة البصر.

وأيضا إن وضع عرض يوجد له ضد ما، فينبغى أن ننظر هل 〈القابل للعرض قابل لضد هذا العرض، لأن الشىء الواحد يقبل الأضداد. فلو قيل مثلا إن البغضة تتبع الغيظ، فإن البغضة ستكون فى الجزء الغضبى من النفس لأن فيها الغيظ، ولهذا ينبغى أن ننظر هل〉 ضده أيضا الذى هو المحبة فى الجزء الغضبى. وذلك أن المحبة إن لم تكن فيه، لكن كانت فى الجزء الشهوانى من النفس فليس يتبع البغضة الغيظ. وكذلك إن قال قائل إن الجزء الشهوانى يجهل، وذلك أنه إن كان قابلا للجهل فهو قابل أيضا للعلم. وليس يظن أن الجزء الشهوانى قابل للعلم، بل الذى يقبله الجزء الناطق. فقد ينبغى كما قلنا، للذى يريد أن يبطل، أن يستعمل هذا الموضع. فأما الذى يريد أن يثبت، فليس ينتفع به فى أن يتبين أن العرض يوجد. فأما أن نبين أنه يمكن أن يوجد، فينتفع به، وذلك أنا إذا بينا أنه ليس تقابل للضد، نكون قد بينا أن العرض ليس يوجد، ولا يمكن أن يوجد. وإن نحن بينا أن الضد موجود، أو أن القابل للضد موجود،

لم يكن بيناً بعد أن العرض أيضا موجود، لكنه إنما يكون قد تبين فقط أنه يمكن أن يوجد.

٨

〈مواضع أخرى〉

ولأن المتقابلات أربع، ينبغى للمثبت والمبطل أن ينظر: أما من التناقض فبالعكس من اللزوم، وينبغى أن يأخذه من استقرى النظائر: مثال ذلك أنه إن كان الإنسان حياً، فما ليس بحى ليس بإنسان. وكذلك يجرى الأمر فى الآخر. وذلك أن اللزوم فى هذا الموضع بالعكس، لأن الحى يلزم الإنسان، وما ليس بحى ليس يلزم ما ليس بإنسان،لكن الذى يلزم عكس ذلك، أعنى أن ما ليس بإنسان يلزم ما ليس بحى. ففى جميع ما يجرى هذا المجرى هكذا ينبغى أن نسأل: مثال ذلك أن الحسن إن كان لذيذا فما ليس بلذيذ ليس بالحسن؛ فإن لم يكن هذا، ولا ذاك يكون. وكذلك أيضا: إن كان ما ليس بلذيذ ليس بحسن، فالحسن لذيذ. فمن البين أن اللزوم فى التناقض إذا رجع على العكس رجع بالتكافؤ فى كليهما.

وينبغى للمثبت وللمبطل أن ينظر فى المتضادات: هل يتبع الضد للضد فى أشياء بأعيانها، أو بعكس ذلك. وينبغى أن نأخذ ذلك من استقراء النظائر بمقدار ما ينتفع به. فاللزوم إنما يكون فى أشياء بأعيانها، بمنزلة ما هو فى الشجاعة والجبن. وذلك أن تيك تلزمها الفضيلة، وهذا يلزمه الرذيلة؛ وتيك يلزمها أنها

من الأشياء المأثورة، وهذا أنه من الأشياء التى يهرب منها. فلزوم هذه أيضاً قد يوجد فى أشياء بأعيانها، فإن المأثور ضد الذى يهرب منه. وكذلك الأمر فى الآخر. واللزوم يكون بالعكس، مثال ذلك أن الصحة تلزم جودة البنية، والمرض لا يلزم رداءة البنية، لكن رداءة البنية تلزم المرض. فمن البين أن اللزوم فى هذه يوجد بالعكس.

فأما فى المتضادات فقل ما يعرض من العكس. إلا أن اللزوم لأكثرها يكون فى أشياء بعينها. فإن كان الضد لا يلزم الضد فى أشياء بأعيانها ولا بالعكس، فمن البين أنه ولا فيما وصفنا أيضا يلزم أحدهما للآخر. وإن كان ذلك فى المتضادات فواجب ضرورةً وفيما وصفنا أيضا أن يلزم أحدهما الآخر.

وينبغى أيضا أن ننظر فى الملكات والعدم على مثل ما نظرنا فى المتضادات، غير أنه ليس يوجد الأمر بالعكس فى العدم، ولكن يجب ضرورةً أن يكون اللزوم دائما فى أشياء بأعيانها، كما يلزم فى الحس للبصر، وعدم الحس للعمى. وذلك أن الحس أيضا يقابل عدم الحس كتقابل الملكة للعدم: ف إن ذاك ملكة وهذا عدم.

وينبغى أن نستعمل فى الأشياء الداخلة فى باب المضاف مثل ما استعملنا فى العدم. فإن اللزوم لهذا أيضا فى أشياء بأعيانها، مثال ذلك أنه إن كان ذو الثلاثة الأضعاف كثير الأضعاف، فذو الثلاثة الأجزاء كثير الأجزاء. فإن ذا الثلاثة الأضعاف إنما يقال عند ذى الثلاثة الأجزاء، والكثير

الأضعاف عند الكثير الأجزاء. وأيضا إن كان العلم ظناً لمعلوم مظنون، وإن كان البصر حسا فالمبصر محسوس. والمعاندة فيه أنه ليس واجباً ضرورةً فى الأشياء الداخلة فى باب المضاف أن يكون اللزوم كما قيل، وذلك أن المحسوس معلوم، والحس ليس يعلم. إلا أن هذه المعاندة ليس يظن بها أنها صادقة، لأن كثيرين يقولون إنه ليس يوجد علم بالمحسوسات. وأيضا فإن ما وصفنا نافع فى التضاد ليس بدون غيره، مثال ذلك أن المحسوس ليس بمعلوم، وذلك أن الحس ليس بعلم.

٩

〈مواضع أخرى〉

وأيضا فقد ينبغى فى التثبيت والإبطال البحث عن النظائر وعن التصاريف. ونسمى نظائر ما كان يجرى هذا المجرى: أعنى أن العادل نظير العدالة، والشجاع نظير الشجاعة. وكذلك الأمور الفاعلة والحافظة هى نظيرة لذلك الشىء الذى هى له فاعلة أو حافظة: مثال ذلك أن الأمور الصحية نظيرة للصحة، والأمور التى تخصب البدن نظيرة لخصب البدن؛ وكذلك الحال فى الأشياء الأخر. فما جرى هذا المجرى قد جرت العادة بأن يسمى نظائر. — فأما التصاريف فمثل قولنا: على جهة العدل، وعلى جهة الشجاعة، وعلى جهة الصحة، وعلى جهة الخصب — وكل ما يقال على هذا النحو. وقد يظن بما كان على جهة التصريف أنه من النظائر، كما نقول إن قولنا: على جهة العدل نظير العدالة، وقولنا: على جهة الشجاعة

نظير الشجاعة. وإنما يقال نظائر لجميع ما كان فى شرح واحد بعينه بمنزلة العدالة والعدل، وقولنا: على جهة العدل. فمن البين أنه إذا تبين فى واحد — أى واحد كان — من التى فى شرح واحد بعينه أنه خير أو محمود، فأن الباقية كلها يكون ذلك فيها مثبتا، مثال ذلك أن العدالة كانت من الأمور المحمودة، فإن العدل وقولنا على جهة العدل أيضا من الأمور المحمودة. وقد يقال فى قولنا على جهة العدل وعلى جهة الإحماد إنه فى تصريف واحد من المحمود، كما يقال إن قولنا على جهة العدل من العدالة.

وينبغى أن نبحث فى الضد، لا فيما وصفنا فقط، لكن وفى ضده — مثال ذلك أن الخير ليس بلذيذ من الاضطرار؛ وذلك أن ولا الشر أيضا مؤذ. وإن كان هذا هكذا، فذاك أيضا. وإن كان العدل علماً، فإن الجور جهل. وإن كان ما هو على جهة، العدل هو على جهة العلم والتخيل، فما كان على جهة الجور فهو على جهة الجهل وقلة الحنكة. وإن كانت هذه ليست كذا، فليست تيك أيضا كذا، كما ليس هو فيما وصفنا الآن أيضا. وذلك أنا قد نجد ما يكون على جهة الظلم هو بأن يكون على جهة الحنكة أجرى منه بأن يكون على جهة قلة الحنكة. وهذا الموضع قد وصف أولاً فى لوازم المتضادات. وذلك أنا لسنا نسأل الآن شيئا آخر، إلا أن يكون الضد يلزم الضد.

وأيضا فإن للمثبت والمبطل حظاً من النظر فى الكون والفساد والأمور الفاعلة والمفسدة؛ وذلك أن الأمور التى كونها من الخير فهى أيضا خير، وإن كانت هى خيراً فكونها أيضا خير؛ والأمور التى كونها شر، فهى أيضا شر. — فأما فى الفساد فالأمر بالعكس. وذلك أن فسادها إن كان من الخير فهى من الشر؛ وإن كان فسادها من الشر فهى من الخير. — والمعنى واحد بعينه فى الأمور الفاعلة والأمور المفسدة، فإن الأمور التى ما يفعلها من الخير فهى من الخير، والأمور التى ما يفسدها من الخير فهى من الشر.

١٠

〈مواضع أخرى〉

وأيضا ينبغى أن ننظر فى الأمور المتشابهة إن كانت حالها متشابهة — مثال ذلك أنه إن كان علم واحد بأشياء كثيرة فقد يكون ظن واحد بأشياء كثيرة؛ وإن كان ما له بصر يبصر، فإن ما له سمع يسمع. وكذلك الحال فى الأمور الأخر، الموجود منها والمظنون. وهذا الموضع نافع فى الأمرين كليهما، وذلك أنه إن كانت حاله هذه الحال فى شىء من الأمور المتشابهة فهى حاله فى الأشياء الأخر المتشابهة، وإن كان فى واحد منها ليس كذلك، فليس هو فى المتشابهة، الأخر كذلك.

وينبغى أن ننظر هل الأمر فى واحد وفى كثير على مثال واحد؛ وذلك أنه فى بعض المواضع يختلف. مثال ذلك أنه إن كان العلم هو التصور،

فإن العلم بأشياء كثيرة هو التصور لأشياء كثيرة؛ وليس هذا بحق، لأنه قد يمكن أن تعلم أشياء كثيرة، وليس يمكن أن تتصور أشياء كثيرة. فإن لم يمكن هذا، لم يكن ذاك، أعنى قولنا فى واحد أن العلم هو تصور ما.

وقد يكون النظر أيضا من الأمر الأكثر والأقل. ومواضع الأكثر والأقل أربعة: — أحدها: هل يلزم الأكثر للأكثر، مثال ذلك أنه إن كانت اللذة خيراً فما كان أكثر لذة فهو أكثر خيرا؛ وإن كان الجور شرا، فما كان أكثر جوراً فهو أكثر شرا. وهذا الموضع نافع فى الأمرين جميعا. وذلك أنه إن كان تزيد العرض يلزم الموضوع كما قيل، فينبغى أن نضع أنه قد عرض؛ وإن كان لم يلزمه فلم يعرض. وهذا ينبغى أن يحصل باستقراء النظائر. — والآخر: إذا قيل شىء واحد على شيئين. فإن كان ما الأخلق به أن يكون أحرى بأن يوجد، لا يوجد، فبالحرى ألا يوجد ما الأخلق به أن يكون دونه فى الوجود. وإن كان ما الأخلق به أن يكون دونا فى الوجود يوجد، فبالحرى أن يوجد ما الأخلق به أن يكون أحرى بأن يوجد. — وأيضا إن كان اثنان يقالان على واحد، فإنه إن كان ما يظن به أنه أحرى بأن يوجد لا يوجد، فإن الذى هو دونه فى ذلك أحرى بألا يوجد. وإن كان ما يظن به أنه أحرى بأن يكون وجوده أقل، يوجد، فالذى هو أحرى بأن يوجد، يوجد أيضا.

وأيضا إن كان شيئان يقالان على شيئين فإنه إن كان الذى يظن به أنه أحرى أن يوجد لأحدهما لا يوجد، فالأحرى بالباقى أن لا يوجد للباقى؛ أو إن كان الذى يظن به أنه أقل وجودا يوجد للآخر، فإن الباقى يوجد للباقى أيضا.

وأيضا الموضع الذى من وجود الشىء على جهة التشابه أو على جهة الظن يقال على ثلاثة أنحاء كما قيل فى الثلاثة المواضع التى وصفنا أخيراً أنها للأكبر. — وذلك أنه إن كان شىء من الأشياء يوجد فى شيئين على مثال واحد أو يظن به أنه يوجد، فإنه إن كان لا يوجد لأحدهما فليس يوجد للآخر، وإن كان يوجد لأحدهما فهو يوجد للآخر. — وإن كان شيئان يوجدان لشىء واحد بعينه على مثال واحد، فإنه إن كان أحدهما لا يوجد فليس يوجد الباقى، وإن كان أحدهما يوجد، فالباقى يوجد. — وكذلك الحال إن كان شيئان يوجدان لشيئين على مثال واحد: وذلك أنه إن كان أحد الاثنين لا يوجد لأحد الاثنين، فليس يوجد الباقى من الاثنين للباقى من الاثنين الآخرين. وإن كان أحد الاثنين يوجد لأحد الاثنين الآخرين، فالباقى يوجد للباقى.

١١

〈مواضع أخرى〉

فهذا مبلغ الأنحاء التى يمكن أن يحتج بها مما يقال على الأكثر والأقل، وما يقال على مثال واحد.

وأيضا من الزيادة إذا زيد شىء على شىء آخر غيره، فجعله خيرا أو أبيض من غير أن يكون قبل ذلك خيرا أو أبيض، فالمزيد يكون خيراً أو أبيض على

حسب ما جعل الجملة. وأيضا إذا زيد شىء على شىء موجود، فجعله أزيد فى الحال التى كان عليها، فهو أيضا يكون على تلك الحال. وكذلك يكون الأمر فى الباقى. وهذا الموضع ليس هو نافعا فى كل شىء، لكن فى التى يعرض أن تكون فيها زيادة للأكثر. وهذا الموضع أيضا ليس ينعكس على الإبطال، وذلك أنه إن لم يجعله المزيد خيراً لم يكن بينا بعد أنه ليس بخير، لأن الخير إذا زيد على شر لم يجعل الجملة خيراً من الاضطرار؛ ولا الأبيض يجعل الجملة بيضاء إذا زيد على أسود، ولا الحلو يجعل الجملة حلوة إذا زيد على المر.

وأيضا إذا قيل فى شىء من الأشياء للأكثر والأقل، فقد يقال أيضا على الإطلاق. وذلك أن ما ليس هو بخير أو أبيض ليس يقال فيه إنه خير أو أبيض بأكثر أو أقل، لأن الشر لا يقال فيه إنه خير أكثر من شىء أو أقل من شىء، لكن يقال فيه أنه شر أكثر أو شر أقل. وليس ينعكس هذا الموضع على الإبطال. وذلك أن كثيراً مما ليس يقال بالأكثر والأقل يوجد على الإطلاق. فإن الإنسان لا يقال إنه إنسان بالأكثر والأقل، وليس هو بهذه ليس بإنسان.

وكذلك ينبغى أن ننظر أيضا فيما يقال فيه إنه فى شىء من الأشياء وفى وقت من الأوقات وفى موضع من المواضع. وذلك أن الشىء الذى هو ممكن فى شىء من الأشياء، قد يكون ممكناً على الإطلاق. وكذلك الحال فيما

يوجد فى وقت من الأوقات وموضع من المواضع. فإن ما هو ممتنع على الإطلاق، فليس يمكن أن يوجد فى شىء من الأشياء ولا فى وقت من الأوقات ولا فى موضع من المواضع. وعناد هذا القول هو أنه قد يوجد أفاضل بالطبع فى شىء من الأشياء بمنزلة أسخياء أو أعفاء، وليس هم أفاضل بالطبع على الإطلاق. وذلك أنه ليس يوجد أحد أديبا بالطبع. وكذلك قد يمكن فى وقت من الأوقات ألا يفسد شىء من الأشياء الفاسدة، وليس يمكن ألا يفسد على الإطلاق. وكذلك أيضا قد ينتفع باستعمال صنف من التدبير فى موضع من المواضع الممرضة، أعنى فى المواضع الوبئة، وليس ينتفع به على الإطلاق.

وأيضا قد يمكن أن يكون شىء فى موضع من المواضع واحدا فقط، وعلى الإطلاق لا يمكن أن يكون واحدا فقط. وكذلك ذبح الأب حسن فى موضع من المواضع، بمنزلة ما هو فى طريبالس، وليس هو حسناً على الإطلاق. أو يكون هذا المعنى لا يدل على أنه فى موضع من المواضع،

لا بل يدل على أنه عند قوم، لأن هو، لا القوم، حيثما كانوا، فذلك عندهم حسن.

وأيضا فقد ينتفع بشرب الدواء فى وقت من الأوقات، أعنى فى وقت المرض، وليس ينتفع به على الإطلاق؛ أو يكون هذا المعنى لا يدل فى وقت من الأوقات، لكنه يكون نافعا لمن هو فى حالة علة. وذلك أنه إذ كان بهذه الحال فقط، ينتفع به من غير أن يقال أى وقت كان. — والذى يقال على الإطلاق هو الذى يقال إنه حسن أو ضد ذلك من غير أن يزيد عليه شيئا، مثال ذلك أنك لا تقول إن ذبح الأب حسن مطلقا، بل نقول أنه حسن عند قوم؛ فليس هو إذاً حسنا على الإطلاق. وقد تقول: إن عبادة الله حسنة، من غير أن تضيف إلى قولك شيئا آخر، وذلك أن عبادة الله على الإطلاق حسنة. — فيجب متى ظن بشىء من الأشياء أنه حسن أو قبيح أو شىء آخر مما أشبه ذلك من غير أن يحتاج إلى أن يزاد فيه شىء من الأشياء، فهو كذلك على الإطلاق.

][ تمت المقالة الثاتية من كتاب طوبيقا ][

][ وجدت فى آخر هذه المقالة ما هذه حكايته: فى هذه المقالة مواضع يسيرة ترجمناها على ما أوجبه ظاهر لفظها ولم يصح لنا معاها؛ ونحن نراجع النظر فيها، فما صحح لنا معناه منها نبهنا عليه إن شاء الله.

نقلت من نسخة الحسن بن سوار، التى صححها من نسخ نظر فيها على أبى بشر، فرجع بالخلاف بين النسخ إلى السريانى وأصلحه على ما أوجبته النسخ السريانية.

قوبل بالمقالة الأولى وهذه المقالة الثانية نسخة عتيقة ذكر ناسخهما أنه كتبهما فى سنة ثمان وتسعين ومائتين من الدستور الأصلى المصحح الذى نقل من اليونانى، وقابل بهما عليه؛ وأنه قوبل بهما أيضا اليونانى، وصححتا بحسب ذلك، فكان أيضا موافقا ][.

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الثالثة منه 〈تلاوة مواضع العرض〉

١

〈مواضع〉

قال:

ينبغى أن ننظر من هذه الأشياء أى الأمور آثر أو أفضل، 〈سواء〉 كانت الأمور اثنين أو أكثر من ذلك. ويجب أولا أن نعلم أنا لسنا نجعل البحث فى الأشياء الكثيرة التباعد التى لبعضها من بعض فرق عظيم، لأنه ليس أحد يشك فيقول أى الأمرين آثر: السعادة أم الغنى؟ لكن فى الأشياء المتقاربة التى يلحقنا فيها الشك دائما فى أيما منها ينبغى أن نضيف الأكبر، من قبل أنا لا نرى للواحد على الآخر شيئاً من الفصل. فمن البين فى أمثال هذه أنه إذا تبين فضل واحد أو أكثر أذعن الفكر بأن الذى يوجد فيه الفضل هو الآثر.

فأول ذلك أن ما هو أطول زمانا وأكثر ثباتا آثر مما هو دونه فى هذه الحال. وما يفضله عند الاختيار الرجل الأديب والصالح أو الشريعة الصحيحة، أو الذى يختاره فى واحد واحد من الأشياء ذوو الفضل بما هم كذلك أو العلماء من واحد من أجناس العلم أو ما يختاره الأكثر أو الكل

بمنزلة ما يختاره فى صناعة الطب والنجارة أكثر المتطببين والنجارين أو كلهم؛ أو ما يختاره بالجملة أكثر الناس، أو كلهم، وما تختاره جميع الأشياء — بمنزلة الحيوان —، فإن جميع الأشياء تشتاق الخير.

وينبغى أن يكون ما نحن مزمعون أن نصفه يسوق إلى شىء نافع — أى شىء كان. والأفضل والاآثر على الإطلاق هو ما كان بحسب العلم الأفضل؛ والذى هو كذلك عند واحد هو ما كان بحسب العلم الذى يخصه؛ وبعد ذلك الشىء الذى هو المشار إليه أفضل من الذى ليس هو فى جنسه مثل أن العدالة أفضل من العادل، وذلك أن تلك فى جنس الخير، وهذا لا، وتلك بالذات خير، وهذا لا. وذلك أنه ليس يقال فى شىء من الأشياء إن الجنس ذات له، متى لم يكن موجوداً فى الجنس — مثال ذلك أن الإنسان الأبيض ليس اللون ذاتا له، وكذلك فى الأشياء الأخر. والمأثور من أجل نفسه آثر من المأثور من أجل غيره — مثال ذلك أن الصحة آثر من الرياضة لأن تلك مأثورة من أجل نفسها، وهذه من أجل غيرها. — والمأثور بذاته آثر من الذى هو بالعرض، مثال ذلك أن كون الأصدقاء عدولاً آثر من كون الأعداء 〈كذلك〉، فإن ذاك مأثور بنفسه، وهذا بالعرض، وذلك أنا إنما نحب أن يكون أعداؤنا عدولا بالعرض لئلا ينالنا منهم ضرر. وهذا المعنى والذى قبله شىء واحد، وإنما

يختلفان بالجهة. وذلك أن كون الأصدقاء عدولاً إنما تحبه بنفسه وإن لم ترتج من ذلك شيئاً ولو كانوا بالهند، وإما محبتنا لأن يكون أعداؤنا عدولاً فإنما هو من أجل شىء آخر وهو لئلا ينالنا منهم ضرر.

وما كان سببا للخير بذاته آثر مما هو سبب بالعرض، كما أن الفضيلة آثر من البخت، لأن تلك سبب بذاتها، وهذا سبب بالعرض. وكذلك ما جرى هذا المجرى. وعلى هذا المثال الأمر فى الضد، وذلك أن الذى هو سبب للشر بذاته يتجنب أكثر مما هو سبب له بالعرض بمنزلة الرذيلة والبخت، فإن تلك بذاتها شر، والبخت بالعرض. وما كان على الإطلاق عند كل إنسان خيرا آثر مما هو خير عند واحد، بمنزلة ما أن الصحة آثر من البط، لأن تلك خير على الإطلاق، وهذا خير عند واحد وهو الذى يحتاج إلى البط. وما كان بالطبع آثر مما ليس هو بالطبع، بمنزلة ما أن العدالة آثر من العادل، لأن تلك بالطبع، وهذا مكتسب. وما كان موجوداً للشىء الأفضل والأكرم فهو آثر، مثل أن ما هو موجود لله آثر مما هو موجود للإنسان، وما هو موجود للنفس آثر مما هو للبدن. وما يخص الأفضل أفضل بالأشياء المشتركة فى كليهما ليس يختلفان. فأما بالأشياء التى تخصهما فقد يفضل أحدهما صاحبه. وما كان فى الأمور التى هى أفضل أو أقدم أو أكرم، فهو أفضل — مثل أن الصحة أفضل من الشدة والجمال، لأن

تلك فى الأشياء الرطبة واليابسة، وبالجملة فى الأشياء التى هى أول ما منه تركب الحى، وهذان فى الأشياء الأخيرة، وذلك أن الشدة فى العصب والعظام، والجمال يظن به أنه اعتدال ما للأعضاء. — والغاية آثر مما يسوق إلى الغاية. وإن كان ما يسوق إليهما اثنين، فأقر بهما إليها آثر. وبالجملة، ما يسوق إلى الغاية فى المعاش آثر من الذى يسوق إلى شىء آخر، مثال ذلك أن ما ينتفع به فى السعادة آثر مما ينتفع به فى الأدب. — وما هو ممكن آثر مما هو غير ممكن. — وأيضا متى كان شيئان فاعلين، فإن الذى غايته أفضل هو آثر. وأيضا من مقايسة الفاعل إلى الغاية إذا فضلت الغاية على الغاية بأكثر من فضلها على فاعلها، كان الفاعل آثر من الغاية — مثال ذلك أنه إن كانت السعادة تفضل الصحة بأكثر من فضل الصحة على المصح، فإن الفاعل للسعادة أفضل من الصحة. وذلك أنه بحسب ما تفضل السعادة الصحة يفضل فاعل السعادة على فاعل الصحة، والصحة تفضل المصح بقليل، ففاعل السعادة يفضل المصح بأكثر مما تفضل الصحة المصح. فمن البين أن فاعل السعادة آثر من الصحة، وذلك أنه يفضل على شىء واحد بعينه بشىء كثير.

وأيضا فإن الأجود بذاته والأكرم والأحمد هو آثر، بمنزلة أن الصحة آثر من الغنى، والعدالة من الشدة، لأن تلك من الأشياء الكريمة المحمودة بذاتها،

وهذه ليست بذاتها، لا بل من أجل غيرها. وذلك أنه ليس أحد يكرم الغنى لذاته، لكن لشىء آخر. فأما الصحة فتكرم بنفسها وأن لم يقدر أن ينالنا منها شىء آخر.

٢

〈مواضع أخرى〉

وأيضا متى كان شيئان متقاربين جدا، ولم يمكنا أن نبين أن أحدهما يفضل الآخر فى شىء أصلا، فينبغى أن ننظر فى توابعهما: وذلك أن الذى يتبعه خير أكثر هو آثر، وإن كانت توابعهما شراً فالذى يتبعه شر أقل هو آثر؛ وذلك أنهما إذا كانا جميعا مأثورين، فليس يمنع مانع من أن يكون يتبعهما شىء مكروه. — والبحث عن الإتباع يكون على وجهين: وذلك أن الشىء يتبع الشىء بالتقدم والتأخر. مثال ذلك ما يتبع المتعلم من الجهل والعلم؛ فإن الجهل بما يتعلمه متقدم، والتعلم به متأخر؛ والتابع بأخرة فى أكثر الأمر أفضل. فينبغى أن نأخذ من التوابع أنفعها.

وأيضا الخيرات الكثيرة آثر من التى هى أقل: إما على الإطلاق وإما إذا كانت أشياء توجد فى غيرها وكان الأقل فى الأكثر. والعناد فى ذلك هو أن يكون مجموع الاثنين آثر من الواحد. مثال ذلك قولنا: أن يصح، والصحة آثر من الصحة، لأن قولنا أن يصح إنما نؤثره من أجل الصحة. وليس يمنع مانع أن يكون ما ليس بخير آثر مما هو خير، بمنزلة أن السعادة وغيرها مما

ليس هو خيرا آثر من العدالة ومن الشجاعة. وهذه إذا كانت مع لذة، آثر من التى تكون بغير لذة. وإذا كانت بغير أذى فهى آثر من التى مع أذى.

وكل واحد من الأشياء فى الوقت الذى تكون قوته أعظم فيه يكون آثر، بمنزلة ما إن قلة الأذى فى الشيخوخة آثر منها فى الشباب، لأن قوتها فى الشيخوخة أعظم، وعلى مثال ذلك الأدب فى وقت الشيخوخة آثر. وذلك أن ليس أحد يختار الشباب رؤساء، من قبل أنه لا يرى أنهم أدباء. فأما الشجاعة فالحال فيها بالعكس؛ وذلك أن الضرورة إلى فعل الشجاعة فى الشباب أشد. وكذلك العفة، وذلك أن الشباب أشد تأذيا بالشهوات من الشيوخ.

والشىء الذى هو أنفع فى كل وقت أو فى أكثر الأوقات هو آثر، بمنزلة ما أن العدالة والعفة آثر من الشجاعة. وذلك أن تينك نافعتان دائما، وهذه فى بعض الأوقات. — والشىء إذا كان لنا بأجمعنا لم نحتج إلى نظيره أصلا — آثر من الذى إذا كان لنا احتجنا معه إلى الباقى، كالحال فى العدالة والشجاعة. وذلك أن الناس كلهم إذا كانوا عدولا لم ينتفع بالشجاعة؛ وإذا كانوا كلهما شجعانا انتفع بالعدالة.

وأيضا الموضع المأخوذ من الفساد والاطراح والكون والاتخاذ والتضاد ينبغى أن ينظر فيه، وذلك أن الأمور التى نتجنب فسادها أكثر

هى آثر؛ وكذلك الأمر فى الاطراح والتضاد. وذلك أن ما كان اطراحه أو ضده يتجنب أكثر فهو آثر. والأمر فى الكون والاتخاذ بعكس ذلك، فإن الأشياء التى اتخاذها وكونها آثر هى أيضا آثر.

وموضع آخر أن الشىء الذى هو أقرب إلى الخير هو أفضل وآثر، والذى هو أكثر شبهاً به هو أفضل وآثر، بمنزلة ما أن العدالة أفضل من العدل والأشبه منهما أيضا بالأفضل آثر، بمنزلة ما يقول قوم إن آآس أفضل من أدسوس، لأنه أشبه بأشلوس. وقد يعاند هذا القول بأن يقال إنه ليس بحق. وذلك أنه ليس يمنع مانع من ألا يكون آآس أشبه بأشلوس من جهة ما أشلوس أفضل، ويكون أودسس خيرا وليس شبيها بأشلوس.

وينبغى أن ننظر لعلة شبيه فيما هو أولى أن يضحك منه — بمنزلة ما أن القرد شبيه بالإنسان، والفرس غير شبيه به. فإن القرد ليس بأفضل من الفرس، وإن كان أشبه بالإنسان منه. وأيضا إذا كان أحد أمرين أشبه بالأفضل، والآخر أشبه بالأخس: فإن الأشبه بالأفضل أفضل. وقد يعاند هذا القول أيضا، وذلك أنه ليس يمنع مانع من أن يكون أحدهما يشبه الأفضل شبهاً يسيراً، والآخر يشبه الأخس شبها كثيرا — مثال ذلك أن يكون آآس يشبه أشلوس شبها يسيرا، وأذسوس يشبه نسطر شبها كثيرا.

وأن يكون أحدهما يشبه الأفضل فيما هو أخس، والاخر يشبه الأخس فيما هو أفضل: كشبه الفرس بالحمار والقرد بالإنسان.

وموضع آخر أن الشىء الذى هو أظهر آثر مما هو دونه فى هذه الحال؛ والشىء الذى هو أصعب أيضا آثر. وذلك أنا إذا اقتنينا ما لا يسهل تناوله كان سرورنا به أكثر. — وكذلك أيضا ما هو أكثر خصوصا، آثر مما هو أكثر عموما. — وما هو أيضا عادم لمشاركته الأشياء الرديئة هو آثر، وذلك أن ما لم يلحقه شىء من المكروه آثر مما يلحقه ذلك.

وأيضا إن كان على الإطلاق كذا أفضل من كذا، فإن المتقدم فى الفضل مما فى هذا، أفضل من المتقدم فى الفضل مما فى الآخر — مثال ذلك أنه إن كان الإنسان أفضل من الفرس، فإن المتقدم من الناس من الفضل أفضل من المتقدم فى الخليل فى الفضل. وإن كان المتقدم فى الفضل أفضل من المتقدم فى الفضل، فإنه على الإطلاق كذا أفضل من كذا — مثال ذلك أنه إن كان المتقدم من الناس فى الفضل أفضل من المتقدم فى الخليل، فإن الإنسان على الإطلاق أفضل من الفرس.

وأيضا ما يناله الأصدقاء آثر عندنا مما لا ينالونه؛ وما يجب أن نفعله بالصديق أكثر مما يفعله بأفناء الناس هو آثر عنده — مثال ذلك أن الإنصاف

والإحسان أفضل من الظن، وذلك أنا نحب أن نعدل على أصدقائنا، ونحسن إليهم أكثر مما نحب أن يكون ذلك منا إليهم بالظن. ونحب أن نفعل بأفناء الناس عكس ذلك.

والأشياء التى هى من الفضل أفضل من الأشياء الضرورية. وربما كانت آثر، لأن جودة العيش أفضل من العيش، وجودة العيش من الفضل والعيش نفسه ضرورى. وربما كانت الأشياء التى هى أفضل ليست آثر أيضا. وذلك أنه ليس إن كان الأفضل ضروريا فهو أيضا آثر، لأن التفلسف أفضل من اقتناء المال، إلا أنه ليس بآثر عند المحتاج إلى ما لا بد منه. والذى منه الفضل هو إذا كانت الأشياء الضرورية موجودة فأعد الإنسان معها أشياء أخر جيدة. ويكاد أن يكون الأمر الضرورى آثر؛ والذى من الفضل أفضل.

وما لم يكن اكتسابه من غيره، آثر مما يمكن أن يكتسب من غيره — كحال العدالة عند الشجاعة. وإن كان هذا الشىء مأثورا بغير هذا الشىء وهذا ليس هو مأثورا من غير هذا الشىء — مثال ذلك أن القوة ليست مأثورة بغير فهم، والفهم مأثور بغير قوة. وإن نحن كتمنا أحد

أمرين ليظن بنا أن الأمر الباقى موجود لنا، فذلك الذى يجب أن يظن بنا أنه لنا، آثر عندنا — مثال ذلك أنا نكتم الحرص، ليظن بنا أنا مطبوعون.

وأيضا الشىء الذى بفقده يقل إنكار من يستقله هو آثر، والشىء الذى بفقده لا يكثر إنكار من يستقله هو آثر.

٣

〈مواضع أخرى〉

وأيضا ما كان من أشياء تحت نوع واحد له الفضيلة التى تخص النوع، هو آثر مما ليست له تلك الفضيلة؛ وإذا كانت الفضيلة لكليهما فآثرهما الذى له أكثر.

وأيضا إن كان شىء يفعل خيرا بمن يحضره وآخر لا يفعل، فإن الذى يفعل آثر، كما أن المسخن أسخن مما لا يسخن. وإن كانا كلاهما يفعلان ذلك، فأكثرهما فعلا آثر أو الذى يجعل الشىء الأفضل والأخص خيرا — بمنزلة ما إن كان أحدهما يجعل النفس كذلك، والآخر يجعل البدن.

وأيضا ينبغى أن ننظر فيما كان من التصاريف والاستعمالات والأفعال والأعمال، وننظر فى هذه أيضا من تلك لأن بعضها يتبع بعضا — مثال ذلك

أنه إن كان ما يجرى على جهة العدل آثر مما يجرى على جهة الشجاعة فإن العدالة آثر من الشجاعة. وإن كانت العدالة آثر من الشجاعة، فإن ما يجرى على جهة العدل آثر مما يجرى على جهة الشجاعة، وكذلك الأمر فى الأشياء الأخر.

وأيضا إذا كان لشىء واحد بعينه يوجد شىء هو أجود منه وآخر دونه فى الجودة، فإن الأجود آثر؛ وإن كان أحد الاثنين أجود بكثير. — وأيضا ما كانت زيادته آثر من زيادة غيره فهو أيضا آثر — مثال ذلك أن المحبة آثر من المال، وذلك أن زيادة إفراط المحبة آثر من زيادة المال. والشىء الذى هو أحب إلى الإنسان أن يكون هو شبيها لنفسه آثر عنده مما يكون شبيه غيره، مثل ما أن الأصدقاء آثر من الأموال.

وأيضا ما يكون من الزيادة وهو أن ننظر إن كان إذا زيد على شىء واحد بعينه جعل الجملة آثر. وينبغى أن نتوقى أن نقدم الأشياء التى أحد المزيدين فيهما يستعمله الأمر العام، أو هو يعين له بضرب من الضروب، والآخر لا يستعمله ولا هو معين، بمنزلة المنشار والمنجل مع النجارة، وذلك أن المنشار إذا قرن بالنجارة كان آثر؛ فأما على الإطلاق فليس هو آثر. وأيضا إذا زيد على الأقل فجعل الجملة أعظم. — وكذلك من النقصان، فإن الذى إذا نقص من شىء واحد بعينه فجعل الباقى أقل، هو أعظم.

وينبغى أن ننظر إن كان الواحد مأثوراً من أجل نفسه، والآخر من أجل الظن، بمنزلة ما إن الصحة أفضل من الجمال. وحد الشىء الذى هو عند الظن هو ما إذا لم يكن أحد يعلمه لم يحرص إنسان على أن يكون له. — وإن كان أحدهما من أجل نفسه ومن أجل الظن مأثوراً، والآخر من أجل أحدهما فقط، فأيهما كان أكرم من أجل نفسه هو أفضل وآثر. والذى هو أكرم بذاته هو الذى يؤثره من أجل نفسه أكثر، من غير أن نكون مزمعين على أن نستفيد منه شيئا آخر.

وينبغى أيضا أن نميز على كم جهة يقال المأثور، ومن أجل أى الأشياء: بمنزلة النافع أو الجميل أو اللذيذ. وذلك أن الذى هو نافع عند جميع الأشياء أو عند أكثرها هو الآثر متى كان يجرى أمره على المشابهة. وإذا كانت أشياء بأعيانها موجودة لكليها، فينبغى أن ننظر لأيهما يوجد أكثر وألذ وأجمل وأنفع. وأيضا ما كان من أجل الأفضل هو آثر بمنزلة أن ما هو من أجل الفضيلة أفضل مما هو من أجل اللذة. — وكذلك الأمر فى الأشياء التى تتجنب، وذلك أن الذى يعوق عن الأمور المأثورة أكثر هو يتجنب أكثر، بمنزلة ما يتجنب المرض أكثر من القبح، إذ كان المرض مانعاً من اللذة ومن أن يكون الإنسان فاضلا.— وأيضا الموضع المأخوذ من التبين بأن

الموضع متجنب ومأثور على مثال واحد. وذلك أن ما يختاره الإنسان ويتجنبه على مثال واحد يؤثر أقل من المأثور فقط.

٤

〈تطبيق المواضع السالفة على الحدود البسيطة〉

فينبغى أن نجعل مقايسة بعضها إلى بعض كما وصفنا. — وهذه المواضع بعينها نافعة فى التبيين بأن شيئا من الأشياء — أى شىء كان — متجنب أو مأثور. وذلك أنه ينبغى أن ننتزع فصل أحدهما عن الآخر فقط، لأنه إن كان الأكرم آثر، فالكريم مأثور، وإن كان الأنفع آثر، فإن النافع مأثور. وكذلك الأمر فيما كان من الأشياء الأخر له هذه المقايسة. وفى بعض الأشياء نقول بحسب مقايسة الواحد إلى الآخر إن كل واحد منهما مأثور، أو أحدهما — مثال ذلك إذا قلنا إن أحدهما خير بالطبع، وآخر ليس بالطبع، لأنه من البين أن الخير بالطبع مأثور.

٥

〈تعميم المواضع السالفة〉

وينبغى أن نأخذ هذه المواضع ̵ما أمكن ̵أخذاً كلياً فى الأكثر والأعظم، وذلك أنها إذا أخذت على هذا الوجه كانت نافعة فى أشياء كثيرة. وقد يمكن أن نجعل بعض هذه المواضع التى وصفنا أكثر عموما متى غيرنا تسميتها قليلا — مثال ذلك أن ما كان بالطبع بحال ما، فهو بهذه الحال أكثر مما ليس هو بالطبع

بها. — وإن كان واحد يفعل وآخر لا يفعل، فإن الذى له ذلك الشىء الذى يخص هو بهذه الحال فى وقت ما إذا كان يفعل، أكثر من الذى لا يفعل. فإن كان كلاهما يفعل، فإن الذى يفعل أكثر هو بهذه الحال أكثر. — وأيضا إن كان شىء واحد بعينه هذا بهذه الحال أكثر منه، وهذا بهذه أقل منه، وإن كان هذا من الذى هو بهذه الحال أكثر بهذه الحال، وكان هذا بهذه الحال ليس بأكثر من الذى هو بهذه الحال، فمن البين أن الأول بهذه الحال أكثر.

وأيضا من الزيادة إن كان ما زيد على شىء واحد بعينه يجعل الجملة أكثر بهذه الحال، أو إن كان ما زيد على ما هو بهذه الحال أقل، يجعل الجملة بهذه الحال أكثر. وعلى هذا المثال أيضا من النقصان، وذلك أن الشىء الذى إذا نقص صار الباقى منه بهذه الحال أقل، هو بهذه الحال أكثر. والأشياء التى هى أقل مخالطة للأضداد هى بهذه الحال أكثر — مثال ذلك أن الشىء يكون أشد بياضاً إذا كان أقل مخالطةً للأسود.

وأيضا مما هو غير ما وصفنا أولا ما كان يقبل القول الذى يخص الموضوع أكثر، مثال ذلك أنه إن كان قول الأبيض هو أنه لون مفرق للبصر، والذى هو أشد بياضا هو اللون الذى يفرق البصر أكثر.

٦

〈تطبيق المواضع السالفة على العرض (المحمول) الخاص〉

وإن وضعت المسألة جزئية، لا كلية، فإن أولى المواضع التى وصفناها كلية، مثبتة أو مبطلة، نافعة كلها. وذلك أنا إذا أثبتنا إثباتا كليا أو أبطلنا، نكون بينا أيضا تبييناً جزئيا. وذلك أن الشىء إن كان يوجد للكل، فقد يوجد لواحد أيضا. وإن كان لا يوجد ولا لواحد، فليس يوجد لواحد. — إلا أن أشرف المواضع وأعمها التى من المتقابلات ومن النظائر ومن التصاريف. وذلك أن قولنا: إن كانت كل لذة خيرا، فكل أذى شر، قول شبيه فى الشهرة بقولنا: إن كانت لذة ما خيرا، فأذى ما شر. وأيضا إن كانت حاسة ما ليست قوة، فعدم حاسة ما ليس هو لا قوة. وإن كان مظنون ما معلوما، فظن ما علم. وأيضا إن كان شىء ما يجرى على جهة الجورخيرا، فجور ما خير. وأيضا إن كان شىء من الجور شراً، فشىء من العدل خير. وإن كان شىء مما يلتذ متجنبا، فلذة متجنبة. وعلى ذلك المثال، إن كان شىء مما يلتذ به نافعا، فلذة ما خير. وكذلك يجرى الأمر فى الأشياء المفسدة، وفى الكون والفساد؛ وذلك أنه إن كان شىء من الأشياء، وهو مفسد للذة أو العلم، خيرا، فلذة ما أو علم ما يكون من السرور. وكذلك إن كان فساد ما لعلم من الخير، وكونه من الشر، فعلم ما يكون من الشرور.

مثال ذلك أنه إن كان نسيان ما يفعله إنسان من الناس الشر خيرا أو تذكره شرا، فلا علم بما يفعله إنسان من الناس من الشر شر. وكذلك يجرى الأمر فى الباقية: وذلك أن الشهرة فى جميعها تجرى مجرى واحدا.

وأيضا الموضع الذى من الأكثر والأقل وما هو على مثال واحد. وذلك أنه إن كان شىء من الأشياء فى حال من الأحوال أكثر مما هو من جنس آخر، ولم يكن شىء من تلك بهذه الحال، فليس المذكور أيضا يكون بتلك الحال — مثال ذلك أنه إن كان علم ما خيراً أكثر من اللذة، ولم يكن علم من العلوم خيرا، فليس لذة ما أيضا تكون خيراً. وكذلك أيضا ما يوجد من الأقل وما يجرى على مثال واحد. وذلك أنه قد يمكن أن نثبت بها وأن نبطل. غير أن الأمرين جميعا ممكنان من الذى يجرى على مثال واحد. فأما من الأقل فليثبت، لا للابطال. وذلك أنه إن كانت قوة ما خيرا على مثال ما عليه علم ما، وكانت توجد قوة ما خيرا، فعلم ما يوجد كذلك. وإن لم يوجد ولا قوة واحدة خيرا، فليس يوجد ولا علم واحد خيرا. وإن وجدت قوة واحدة خيرا أقل من علم، وكانت توجد قوة ما خيرا، فقد يوجد علم ما إذاً خيرا. وإن لم توجد ولا قوة واحدة خيرا، فليس يجب ضرورةً أن يكون ولا علم واحد أيضا خيراً. فمن البين أن الإثبات فقط إنما يكون من الأقل.

فأما الإبطال فليس إنما يكون من جنس آخر فقط، بل قد يكون من واحد بعينه. وأيضا إذا أخذنا الشىء الذى هو أولى بتلك الحال — مثال ذلك أنه: إن أنزلنا أن علما ما خير، أو تبين أن الحلم ليس بخير، — لم يكن ولا علم واحد خيرا، لأنه ولا الذى هو أولى بأن يظن به ذلك — كذلك.

وأيضا يعتقد من الوضع على مثال واحد أنه إن كان يوجد لواحد، فقد يوجد للجميع، أولا يوجد — مثال ذلك أنه إن كانت نفس الإنسان غير مائتة، فسائر النفوس كذلك؛ وإن لم تكن نفس الإنسان غير مائتة، فليس سائر الأنفس غير مائتة. فإن أنزلنا أنه موجود لواحد، فينبغى أن نتبين أنه ليس موجوداً لواحد. وذلك أنه يلزم من قبل الوضع أنه ولا لواحد يوجد. وإن أنزلنا أنه لواحد لا يوجد، فينبغى أن يتبين أنه يوجد لواحد، وذلك أنه بهذا الوجه أيضا يلزم أنه يوجد للجميع. ومن البين أن الذى يضع يجعل المسألة كلية إذا وضعت جزئية، لأنه يسأل من يقر بالجزئى أن يقر بالكلى، لأنه يسأل أن يكون الشىء يوجد لواحد وللجميع على مثال واحد.

فإذا كانت المسئلة غير محصلة، فقد يمكن الإنسان أن يبطل على نحو واحد — مثال ذلك أنه إن قال قائل: إن اللذة خير أو ليست بخير، من غير أن يستثنى بشىء آخر. وذلك أنه إن قال إن لذة ما خير، فقد ينبغى أن يبين بيانا كليا أن ولا لذة واحدة خير، إن هو أراد أن يرفع الموضوع. وكذلك إن قال إن

لذة واحدة ليست بخير، فينبغى أن يبين بيانا كليا أن كل لذة خير. فأما بغير ذلك فليس يمكنه أن يرفع الموضوع. وذلك أنا إن بينا أن لذة ما خير لم نكن رفعنا بعد الموضوع. — فمن البين أنه إنما يكن أن نرفع الموضوع على جهة واحدة. فأما أن يصحح فعلى وجهىن: وذلك أنا إن بينا بيانا كليا أن كل لذة خير، أو أن لذة ما خير، صار الموضوع مبينا. وكذلك إن احتيج إلى المناظرة على أن لذة ما ليست بخير، فإنا إن بينا أن ولا لذة واحدة خير، أو أن لذة واحدة ليست خيرا، كنا قد أقررنا بالأمرين جميعا على الكلى والجزئى أن لذة ما ليست خيراً. — وإذا لخص الوضع على أنه على وجهىن أمكن الإبطال — مثال ذلك إن وضع أن خيرا يوجد للذة ما، وللذة ما ليس يوجد، وذلك أنه إن تبين أن كل لذة خير أو أنه ولا لذة واحدة خير، صار الموضوع مرتفعاً. — فإن وضع أن لذة واحدة فقط موجودة خيرا، أمكن أن ترفع الموضوع على ثلاثة أوجه. لأنا إذا بينا أن كل لذة خير، أو أنه ولا لذة واحدةً خير، أو أنه أكثر من لذة واحدة خير، نكون قد رفعنا الموضوع. وذلك أن الوضع إذا لخص تلخيصا أكثر — مثل أن نقول: الحلم وحده من الفضائل علم — فقد يمكن أن يرفع الموضوع على أربعة أوجه: وذلك أنه إذا تبين أن كل فضيلة علم، أو أنه ولا فضيلة واحدة علم، أو أن فضيلة واحدة أخرى بمنزلة العدل علم، أو أنه ولا الحلم نفسه علم، ارتفع الموضوع.

وقد ينتفع بالنظر فى الجزئيات التى يمكن أن يوجد فيها شىءن أولا يوجد، كما هو فى المسائل الكلية.

وأيضا ينبغى أن ننظر فى الأجناس بأن نقسمها بالأنواع إلى أن نبلغ إلى الأشخاص، كما قلنا آنفا. وذلك أنه إن تبين أنه موجود للجميع، أو أنه ولا لواحد، فينبغى إذا أتيت بأشياء كثيرة أن تسأله الإقرار بالشىء الكلى، أو تأتى بعناد فى شىء واحد أنه ليس كذلك.

وأيضا ينبغى أن ننظر فى الأشياء التى يمكن فيها تلخيص العرض إما بالنوع وإما بالعدد، إن كان ليس يوجد ولا واحد من هذه — مثال ذلك أن تقول: إن الزمان ليس يتحرك، ولا هو حركة، بعد أن تحصى أنواع الحركة كم هى؟ وذلك أنه إذا لم يكن واحد منها موجوداً للزمان، فمن البين أنه ليس يتحرك، ولا هو أيضا حركة. وكذلك نرى أن النفس ليست عددا، بأن نقسم العدد ونقول: إن كل عدد إما زوج، وإما فرد. فإن كانت النفس ليس بزوج ولا فرد، فمن البين أنها ليست عدداً.

فعلى هذا الطريق، وبأمثال هذه الأشياء ينبغى أن نحتج فى العرض.

][ تمت المقالة الثالثة من كتاب طوپيقا. قوبل به فكان موافقا ][

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الرابعة منه 〈المواضع المشتركة للجنس〉

١

〈مواضع〉

قال:

وبعد هذا ينبغى أن نبحث عن الأشياء النافعة فى الجنس والخاصة. وهذه الأشياء اسطقسات للأشياء النافعة فى الحدود. والبحث عن هذه بعينها فقلما يستعمله الجدليون. فإن وضع جنس شىء من الأشياء، فينبغى أولا أن ننظر فى جميع الأشياء المجانسة للشىء الموصوف: هل يوجد شىء منها لا يحمل عليه ذلك الجنس، كالحال فى العرض؟ — مثال ذلك: إن وضع الخير جنساً للذة، فينبغى أن ننظر إن كانت لذة ما ليست بخير. وذلك أن الأمر إن كان كذا، فمن البين أن الخير ليس بجنس للذةن لأن الجنس يحمل على جميع الأشياء التى تحت نوع واحد بعينه. — وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان لا يحمل من طريق ما هو، لكن يحمل بمنزلة العرض، كما يحمل الأبيض على الثلج، والمتحرك من ذاته على النفس، وذلك أنه ليس الأبيض ذاتاً للثلج، ولا المتحرك من ذاته ذاتا للنفس؛ وإنما يعرض للنفس أن تتحرك كما يعرض للحى مراراً أن يمشى وأن يكون شيئا ماشيا. وأيضا

فإن المتحرك يشبه أن يكون ليس يدل على ما الشىء، بل على الفاعل والمفعول؛ وكذلك الأبيض ليس يدل على ما هو الثلج، لكن يدل على أى شىء هو. فليس يحمل واحد منها إذن من طريق ما الشىء، والجنس يحمل من طريق ما الشىء.

وينبغى أن ننظر خاصةً فى تحديد العرض إن كان ينطبق على الجنس الموصوف — مثال ذلك الأشياء التى ذكرناها الآن أيضا. وذلك أنه قد يمكن أن يكون شىء يحرك نفسه وأن لا يحركها؛ وكذلك يمكن أن يكون شىء أبيض وألا يكون. فليس واحد منهما إذاً جنسا، لكن عرضا. لأنا قد كنا قلنا إن العرض هو الذى يمكن أن يوجد لشىء وألا يوجد.

وينبغى أن ننظر إن لم يكن الجنس والنوع فى قسمة واحدة بعينها، لكن يكون هذا جوهراً وهذا كيفاً، أو يكون هذا مضافا وهذا كيفا — مثال ذلك أن الثلج واللقلق جوهر، والأبيض ليس بجوهر، لكن كيف، فليس الأبيض إذاً جنسا للثلج ولا للقلق. وأيضا فإن العلم من الأشياء المضافة، والخير والجميل كيف ما، فليس إذاً الخير والجميل جنساً للعلم، لأن الأشياء التى هى أجناس للمضافات ينبغى أن تكون هى أيضا من المضافات، كالحال فى الضعف، لأن الكثير الأضعاف — إذ هو جنس للضعف — هو من المضافات أيضا. وبالجملة، أقول إنه ينبغى أن يكون الجنس

والنوع بحت قسمة واحدة أبدا. وذلك أنه إن كان النوع جوهرا، فينبغى أن يكون الجنس كذلك أيضا. وإن كان النوع كيفاً، فينبغى أن يكون الجنس مثله كيفاً — مثال ذلك: إن كان الأبيض كيفاً فاللون كيف. وكذلك يجرى الأمر فى سائر الأشياء الأخر.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان بالضرورة أو ممكناً أن يشارك الجنس الشىء الموضوع فى الجنس. وحد الاشتراك هو أن يكون الشىء يقبل حد مشاركة. فمن البين أن الأنواع تشارك الأجناس، والأجناس لا تشارك الأنواع. وذلك أن النوع يقبل حد الجنس، والجنس لا يقبل حد النوع. فينبغى أن ننظر إن كان الجنس الموصوف يشارك النوع أو يمكن أن يشاركه — مثال ذلك إن وصف إنسان من الناس شيئا بأنه جنس للموجود أو للواحد، فإنه قد يلزم أن يشارك الجنس النوع. وذلك أن الموجود والواحد يحملان على جميع الأشياء: فقولهما إذاً يحمل على جميع الأشياء.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان النوع الموصوف يصدق على شىء من الأشياء، والجنس لا «يصدق» — مثال ذلك: إن وضع الموجود أو المعلوم جنساً للمظنون، وذلك أن المظنون قد يحمل على ما ليس بموجود، لأن كثيراً مما ليس بموجود مظنون. فأما الموجود والمعلوم فليس يحملان على ما ليس بموجود. فليس إذاً الموجود ولا المعلوم جنساً للمظنون، لأن الأشياء التى يحمل عليها النوع فقد ينبغى أن يحمل عليها الجنس.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان يمكن ألا يشارك الموضوع فى الجنس لشىء من الأنواع. فإنه ليس يمكن أن يكون شىء يشارك الجنس، وهو غير مشارك لشىء من الأنواع، إن لم يكن نوع من الأنواع التى فى القسمة الأولى. فإن هذه فقط تشارك الجنس وحده. فإن وضعت الحركة جنساً للذة، فينبغى أن ننظر إن كانت اللذة ليست نقلة ولا استحالة ولا واحدة من سائر الحركات الأخر؛ فإنه من البين أنها متى لم تكن واحدة منها لم تشارك واحدة من أنواعها، فليس تشارك إذاً جنسها، لأنه من الاضطرار أن يكون المشارك للجنس مشاركاً لشىء من الأنواع. فليس إذاً اللذة نوعا للحركة، ولا شخصا من أشخاصها، ولا مما تحت نوع من أنواع الحركة. وذلك أن الأشخاص قد تشارك الجنس والنوع — مثال ذلك: «إنسان ما»، فإنه يشارك الإنسان ويشارك الحى.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان الموضوع فى الجنس يقال على أكثر مما يقال عليه الجنس — مثال ذلك أن المظنون يقال على أكثر مما يقال عليه الموجود، لأن الموجود وما ليس بموجود مظنون. فليس إذاً المظنون نوعاً للموجود، لأن الجنس يقال أبداً على أكثر مما يقال عليه النوع.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان النوع والجنس يقالان بالسواء — مثال ذلك إن وضع واحد من الأشياء اللازمة لكل شىء جنساً، وآخر نوعا بمنزلة

الموجود والواحد، فإن كل الموجود واحد، وكل الواحد موجود. فليس أحدهما إذاً جنسا للآخر، لأنهما يقالان بالتساوى.

وكذلك ينبغى أن ننظر إن وضع الأول والمبدأ أحدهما فى الآخر. وذلك أن المبدأ أول، والأول مبدأ: فهما إما أن يكونا شيئا أحداً، أو لا يكون أحدهما جنساً للآخر. والأصل فى أمثال هذه كلها أن الجنس يقال على أكثر مما يقال عليه النوع والفصل، وذلك أن الفصل يقال على أقل مما يقال عليه الجنس.

وينبغى أن ننظر إن كان الجنس الموصوف ليس هو جنسا لشىء من الأشياء التى لا تختلف بالنوع. وإن لم يظن به ذلك، فلينظر المثبت إن كان جنسا لشىء منها. وذلك أن جنس جميع الأشياء — التى لا تختلف بالنوع — واحد بعينه. فإن تبين أنه جنس لواحد منها، فمن البين أنه جنس لجميعها. وإن تبين أنه ليس هو جنساً لواحد منها، فمن البين أنه ولا لواحد منها — مثال ذلك إن وضع واضع خطوطاً لا تتجزأ وقال: إن ما لا ينقسم جنس لها. وذلك أن الجنس الموصوف ليس هو جنسا للخطوط المنقسمة، إذ كانت غير مخالفة فى النوع، لأن جميع الخطوط المنقسمة غير مختلفة فى النوع.

٢

〈مواضع أخرى〉

وينبغى أن ننظر إن كان يوجد للنوع الموصوف جنس ما آخر لا يحصر الجنس الموصوف ولا هو تحته — مثال ذلك إن وضع العلم جنسا للعدل، والفضيلة هى جنس للعدل، وليس واحد من الجنسين يحصر الآخر، فليس العلم إذاً جنسا للعدل. وذلك أنه يظن بالشىء أنه نوع واحد، إذا كان تحت جنسين أحدهما يحوى الآخر. وقد يتشكك مثل هذا الشك فى بعض الأشياء، لأن قوماً يظنون أن الفهم فضيلة وعلم. وليس أحد الجنسين محصورا فى الآخر إلا أن الناس كلهم ليس يسلمون أن الفهم علم. فإن سلم أحد أن هذا القول حق، إلا أن كون أحد جنس الشىء الواحد بعينه تحت الآخر أو كونهما جميعا تحت جنس واحد بعينه يظن به أنه من الأشياء الضرورية، كما يعرض فى الفضيلة والعلم، وذلك أن كليهما تحت جنس واحد، لأن كل واحد منهما ملكة وحال. فينبغى أن ننظر إن كان لا يوجد ولا واحد منهما للجنس الموصوف. وذلك أن الجنسين إن لم يكن أحدهما تحت الآخر، ولم يكونا جميعا تحت جنس واحد بعينه، فليس يمكن أن يكون الموصوف جنسا.

وينبغى أن ننظر فى جنس الموصوف، وكذلك ننظر دائما فى الجنس الأعلى إن كانت كلها تحمل على النوع، وإن كانت تحمل عليه من طريق ما هو. وذلك أن جميع الأجناس العالية ينبغى أن تحمل على النوع من طريق ما هو. فإن اختلفت بوجه من الوجوه، فمن البين أن الموصوف ليس بجنس.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان الجنس يشارك النوع: أما هو بنفسه، أو بعض الأجناس التى فوقه. وذلك أنه ليس يمكن أن يكون الجنس العالى يشارك واحداً من التى تحته. فينبغى إذاً للمناقض أن يستعمل هذا كما قلناه. فأما المثبت فمتى أقر له بأن الجنس الموصوف يوجد للنوع، إلا أنه يشك فيه أنه له بمنزلة جنس، اكتفى بأن يبين أن جنساً من الأجناس العالية يحمل على النوع من طريق ما هو. وذلك أنه إذا كان واحد يحمل عليه من طريق ما هو، فإن جميع التى فوقه والتى تحته إن كانت محمولةً حملاً صواباً فحمل عليه من طريق ما هو، فيجب أن يكون الجنس الموصوف أيضا يحمل عليه من طريق ما هو. والأمر أن واحداً إذا حمل من طريق ما هو كانت الباقية كلها — إن كان حملها حملا صوابا — يحمل من طريق ما هو، ينبغى أن يأخذه من الاستقراء. فإن كان الجنس الموصوف يشك فيه على الإطلاق أنه موجود له، فليس يكتفى بأن يتبين أن واحدا من الأجناس العالية يحمل على النوع من طريق ما هو — مثال ذلك أنه إن وضع أحد أن النقلة جنس للمشى لم يكتف بأن يتبين أن المشى حركة فى أن يتبين أنها نقلة، لأن ها هنا حركات أخر. لكن ينبغى أن يبين مع ذلك أن المشى ليس يشارك شيئا مما هو مع النقلة تحت قسمة واحدة بعينها. وذلك أنه واجب ضرورةً أن يكون المشارك للجنس مشاركا لبعض الأنواع التى

فى القسمة الأولى. فإن كان المشى لا يشارك الزيادة ولا النقصان ولا واحدة من سائر الحركات، فمن البين أنه يشارك النقلة. فالنقلة إذاً جنس للمشى.

وأيضا ينبغى أن ننظر فى الأشياء التى النوع الموضوع محمول فيها، كالجنس، إن كان الجنس الموضوع أيضا يحمل من طريق ما هو على تلك الأشياء بعينها التى يحمل عليها النوع أيضا. وعلى ذلك المثال إن كانت الأشياء التى فوق الجنس كلها كذلك. وذلك أن هذا إن كان يختلف فى جهة من الجهات، فمن البين أن الموصوف ليس بجنس. لأنه لو كان جنساً لكانت جميع الأجناس التى فوقه وهو نفسه يحمل، من طريق ما هو، على الأشياء التى يحمل عليها النوع من طريق ما هو. أما المناقض فقد ينتفع متى لم يكن الجنس يحمل من طريق ما هو على الأشياء التى يحمل عليها النوع من طريق ما هو. فأما المثبت فقد ينتفع بأن يكون يحمل من طريق ما هو. وذلك أنه قد يعرض أن يكون الجنس والنوع يحملان على شىء واحد بعينه من طريق ما هو. فقد يكون إذاً شىء واحد بعينه تحت جنسين. فواجب ضرورةً أن يكون هذان الجنسان أحدهما تحت الآخر. فإن تبين أن الشىء الذى أردنا أن نثبت أنه جنس ليس هو تحت النوع، فمن البين أن النوع يكون تحته. فبين إذن أن هذا جنس.

وينبغى أن ننظر فى حدود الأجناس إن كانت تنطبق على النوع الموصوف وعلى الأشياء المشاركة للنوع. وذلك أنه واجب ضرورةً أن.

تكون أقاويل الأجناس تحمل على النوع وعلى الأشياء المشاركة للنوع. فإن اختلفت فى جهة من الجهات فمن البين أن الموصوف ليس بجنس. وأيضا إن وصف الفصل على أنه جنس، مثال ذلك إن وصف غير المائت بأنه جنس للملك. وذلك أن غير المائت فصل للحى، لأن الحى منه ما هو مائت ومنه ما هو غير مائت. فمن البين أن الذى يفعل ذلك قد غلط. وذلك أن ليس يكون فصل شىء من الأشياء جنساً. والأمر فى أن هذا حق — بين، إذ كان ولا واحد من الفصول يدل على ما الشىء، لكن على أى شىء بمنزلة المشاء ذى الرجلين.

وينبغى أن ننظر إن كان وضع الفصل فى الجنس بمنزلة الفرد الذى هو عدد، فإن الفرد فصل للعدد، لا نوع. وليس يظن بالفصل أنه يشارك الجنس، وذلك أن كل ما يشارك الجنس فهو يصير إما نوعاً، وإما شخصاً؛ والفصل لا نوع، ولا شخص؛ فمن البين أن الفصل لا يشارك الجنس. فالفرد إذاً ليس هو نوعاً، لكن فصل، لأنه ليس يشارك الجنس.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان وضع الجنس فى النوع — مثال ذلك المماسة التى هى الاتصال، والاختلاط الذى هو المزاج، أو كما يحد فلاطن النقلة بأنها الحركة فى المكان. وذلك أنه ليس واجب ضرورةً أن تكون المماسة اتصالا، لكن بالعكس الاتصال مماسة، لأنه ليس كل مماس متصلا، لكن كل متصل مماس. وكذلك الأمر فى الأشياء الأخر؛ وذلك

أن ليس كل اختلاط مزاجا، لأن اختلاط الأشياء اليابسة ليس هو مزاجا. ولا كل تغيير فى المكان هو نقلة، لأن المشى ليس يظن به أنه نقلة، إذ كانت النقلة تكاد أن تكون إنما تقال فى الأشياء التى تغير الأماكن كرهاً، كما يعرض فى الأشياء غير المتنفسة. ومن البين أنه لما كان الجنس يقال على أكثر مما يقال عليه النوع، وجب أن يكون الأمر فى الأشياء التى وصفناها بالعكس.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان وضع الفصل فى النوع، بمنزلة غير المائت الذى هو الملك؛ وذلك أنه يلزم أن يكون النوع يقال: إما على التساوى، وإما على الأكثر. فإن الفصل أبداً يقال على النوع: إما على التساوى، وإما على الأكثر.

وينبغى أن ننظر أيضا إن كان وضع الجنس فى الفصل بمنزلة اللون الذى هو الجامع للبصر، أو العدد الذى هو الفرد. — وإن كان وضع الجنس على أنه فصل، وذلك أنه قد يمكن الإنسان أن يأتى بمثل هذا الوضع فى أشياء، مثال ذلك أن يضع أن الاختلاط فصل للمزاج، والتغير فى المكان فصل للنقلة — وينبغى أن نبحث عن أمثال هذه كلها بأشياء بعينها. وذلك أن هذه المواضع تشترك، لأن الجنس ينبغى أن يقال على أكثر مما يقال عليه الفصل، وألا يكون يشارك الفصل. وإذا وصفت هذا الوصف لم يمكن أن يعرض واحد مما ذكرنا، لأن الجنس يكون يقال على

أقل مما يقال عليه الفصل ويكون يشارك الفصل — وأيضا إن لم يكن فصل من فصول الجنس يحمل على النوع الموصوف، لم يكن ولا الجنس أيضا يحمل عليه — مثال ذلك أن النفس إن لم تكن يحمل عليها لا الزوج ولا الفرد، لم يكن أيضاً ولا العدد يحمل عليها.

وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان النوع متقدما بالطبع ويرفع الجنس بارتفاعه، فإن المظنون به ضد ذلك. وأيضا إن كان يمكن أن ينقص الجنس الموصوف أو الفصل، مثل أن تنقص النفس بالتحرك، أو ينقص الظن بالصدق والكذب. فليس يكون واحد مما وصف جنسا أو فصلا. وذلك أنه يظن بالجنس والفصل أنهما لازمان ما دام النوع موجودا.

٣

〈مواضع أخرى〉

وينبغى أن ننظر إن كان الموضوع فى الجنس يشرك شيئا هو ضد للجنس أو يمكن أن يشركه: فإن الواحد بعينه عند ذلك يصير مشاركا للضدين معا، من قبل أن الجنس ليس يحل فى وقت من الأوقات، ويشارك أيضا ضده، أو يمكن أن يشركه. وأيضا إن كان النوع يشرك شيئا لا يمكن فيه أصلا أن يوجد للتى تحت الجنس — مثل ذلك أن النفس إن كانت تشرك الحياة، ولم يمكن أن يكون عدد من الأعداد يحيا، فليس النفس نوعا للعدد.

وينبغى أن ننظر إن كان النوع مشاركاً للجنس فى الاسم بعد أن نستعمل الحروف التى وصفت فى الاتفاق فى الاسم؛ وذلك أن الجنس والنوع متواطئان. وأيضا لما كان كل جنس له أنواع كثيرة، وجب أن ننظر هل يمكن ألا يكون للجنس الموصوف نوع آخر. وذلك أنه إن لم يكن له، فمن البين أن الموصوف ليس بجنس أصلا.

وينبغى أن ننظر إن كان الشىء الذى ينقل للفظ قد وضعه على أنه جنس، بمنزلة ما يوصف الفقه بالاتفاق. وذلك أن كل جنس يحمل على الأنواع حملا حقيقيا، والاتفاق ليس يحمل على الفقه حملا حقيقيا، لكنه يحمل عليها على جهة النقل، لأن كل اتفاق إنما يكون فى النغم.

وأيضا ننظر إن كان النوع ضد الشىء. وهذا البحث يكون على أنحاء كثيرة. أما أولا: فهل الضد فى جنس واحد بعينه من غير أن يكون للجنس ضد؟ لأن الأضداد ينبغى أن تكون فى جنس واحد بعينه إن لم يكن للجنس ضد أصلا. وإن كان للجنس ضد، فلننظر إن كان الضد فى الجنس المضاد وذلك أنه يجب ضرورةً أن يكون الضد فى الجنس المضاد إن كان للجنس ضد. وكل واحد من هذه الأشياء ظاهر بالاستقراء. وأيضا ينظر إن كان بالجملة ضد النوع لا يوجد أصلاً فى جنس من الأجناس، لكنه هو نفسه

جنس، بمنزلة الخير. فإن هذا إن لم يكن موضوعا فى جنس، لم يكن ولا ضده فى جنس، لكنه يكون هو نفسه جنسا، كما يعرض فى الخير والشر. وذلك أنه ولا واحد منهما فى جنس، لكن كل واحد منهما جنس. — وننظر أيضاً إن كان الجنس والنوع ضدين لشىء، وكان بعضها بينها متوسط، وبعضها ليس بينها متوسط. وذلك أنه إن كان فيما بين الأجناس متوسط ما، ففيما بين الأنواع أيضا متوسط. وإن كان فيما بين الأنواع متوسط، ففيما بين الأجناس أيضا متوسط: كالحال فى الفضيلة والرذيلة والعدل والجور: فإن فيما بين كل اثنين من هذين شيئاً متوسطاً. وعناد هذا القول أن الصحة والمرض ليس بينهما متوسط — فنقول إنه إن كان فيما بين الاثنين من الأجناس والأنواع متوسط، إلا أن ذلك ليس على مثال واحد، لكن المتوسط بين ذينك على جهة السلب، والمتوسط بين ذين بمنزلة الموضوع. وذلك أن كون المتوسط بين الاثنين على مثال واحد — مشهور فى الفضيلة والرذيلة والعدل والجور، لأن المتوسط فيما بين هذين هو على جهة السلب.

وننظر أيضا إذا كان للجنس ضد ما، ليس فقط إن كان الضد فى جنس واحد بعينه، لكن والمتوسط أيضا. وذلك أن الشىء الذى فيه يكون الطرفان فيه تكون المتوسطات، كالحال فى الأبيض والأسود، لأن اللون

هو جنس هذين وجنس جميع الألوان المتوسطة بينهما. وعناد هذا القول أن النقصان والزيادة فى جنس واحد بعينه، إذ كان كلاهما فى الشر، والمتوسط بينهما — وهو المعتدل — ليس هو فى هذا الجنس بعينه، لكنه فى الخير.

وننظر أيضا إن كان الجنس ضد الشىء، ولم يكن النوع ضداً لشىء من الأشياء. وذلك أن الجنس إن كان ضد الشىء، فالنوع أيضا كذلك، كالحال فى الفضيلة والرذيلة والعدل والجور. ونظن أن هذا المعنى ظاهر على مثال واحد فى الأشياء الأخر لمن يتفقده. وعناد هذا يوجد فى الصحة والمرض: فإن الصحة ضد المرض على الإطلاق؛ ومرض ما — وهو نوع — ليس هو ضداً لشىء أصلاً، بمنزلة الحمى والرمد وكل واحد من الأخر.

وينبغى: أما لمن يروم الإبطال أن يبحث بهذا المقدار من الأنحاء، وذلك أنه إن لم يوجد ما وصفنا، فمن البين أنه ليس الموصوف بجنس؛ وأما لمن يريد التصحيح فبثلاث جهات: أما أولاً فإن كان الضد فى الجنس المذكور من غير أن يكون للجنس ضد، لأن الضد إن كان فى هذا فمن البين أن الذى قدم ووضع، أيضا فيه. وأيضا إن كان المتوسط فى الجنس المذكور، فإن الشىء الذى فيه المتوسطات فيه تكون الأطراف. وأيضا إن كان للجنس ضد ما، فينبغى أن ننظر إن كان الضد فى الضد: فإنه إن كان، فمن البين أن الذى قدم فى الذى قدم ووضع.

وننظر أيضا فى التصاريف والنظائر إن كانت تلزم على مثال واحد للمبطل والمصحح، وذلك أنهما معا يوجد ولا يوجد للواحد والجميع. مثال ذلك أن العدالة إن كانت علماً فالعادل عالم، وما يكون على جهة العدالة هو على جهة العلم؛ وإن لم يكن من هذه شىء، لم يكن من الباقية شىء أصلا.

٤

〈مواضع أخرى〉

وننظر أيضا فى الأشياء التى حالها بعضها عند بعض حال متشابهة — مثال ذلك أن حال اللذيذ عند اللذة مشابهة لحال النافع عند الخير. وذلك أن كل واحد من ذينك محدث لكل واحد من هذين. فإن اللذة إن كانت الذى هو الخير، فإن اللذيذ يكون هو النافع، إن كان من البين أنه يكون محدثا للخير، لأن اللذة خير. وكذلك يجرى الأمر فى الكون والفساد — مثال ذلك أنه إن كان «أن يبنى» الإنسان هو أن يفعل، فإن «قد بنى» هو أن قد فعل؛ وإن كان «أن يتعلم» الإنسان هو أن يتذكر، فإن «قد تعلم» هو أن قد تذكر؛ وإن كان «أن ينحل» الإنسان هو أن يفسد، فإن «قد انحل» هو أن قد فسد، فإن الانحلال هو فساد ما. — وكذلك يجرى الأمر فى المكونة والمفسدة والقوى والاستعمالات. وبالجملة، فينبغى للمبطل والمصحح أن يبحثا فى أى تشابه كان على مثال ما قلنا فى الكون

والفساد. وذلك أنه إن كان المفسد محللا، فالإفساد تحليل. وإن كان المكون محدثا، فالتكون إحداث، والتكون حدث. وكذلك يجرى الأمر فى القوى والاستعمالات. وذلك أن القوة إن كانت حالاً فإن الشىء إذا كان يقوى فهو بحال ما. وإن كان استعمال شىء من الأشياء فعلا، فالذى يستعمل يفعل، والذى قد استعمل قد فعل.

وإن كان المقابل للنوع عدماً، فالإبطال يكون على وجهىن: الأول منهما إن كان المقابل فى الجنس الموصوف؛ وذلك أنه بالجملة إما ألا يكون العدم فى جنس واحد بعينه أصلا، أو لا يكون فى الأخير — مثال ذلك أن البصر إن كان فى الجنس الأخير — أعنى فى الحس — فالعمى ليس هو حساً. والثأنى أن العدم إن كان يقابل الجنس والنوع، ولم يكن المقابل فى المقابل، فليس الموصوف فى الموصوف. — فالمبطل ينبغى له أن يستعملها على ما وصفنا؛ فإما المصحح فعلى جهة واحدة فقط. وذلك أن المقابل إن كان فى المقابل، فإن الذى قدم ووضع يكون فى الذى قدم ووضع — مثال ذلك أن العمى إن كان عدم حس ما، فإن البصر حس ما.

وينبغى أيضا أن ننظر فى السوالب بالعكس، كما فعلنا فى العرض، بمنزلة ما إن كان اللذيذ هو الخير، فالذى ليس بخير ليس بلذيذ، لأنه ليس يمكن، إن كان الخير جنساً للذيذ، أن يكون شىء ما لذيذ ليس بخير. وذلك أن الأشياء

التى لا يحمل عليها الجنس ليس يحمل عليها شىء من الأنواع. وكذلك ينبغى للمصحح أن ينظر: فإنه إن كان ما ليس بخير ليس بلذيذ، فاللذيذ خير؛ فيجب من ذلك أن يكون الخير جنسا للذيذ.

وإن كان النوع مضافا، فينبغى أن ننظر إن كان الجنس أيضا مضافا. وذلك أنه إن كان النوع أيضا من المضاف، فإن الجنس من المضاف، كالحال فى الضعف والكثير الأضعاف: فإن كل واحد منهما من المضاف. وإن كان الجنس من المضاف، فليس واجباً ضرورةً أن يكون النوع أيضا من المضاف؛ وذلك أن العلم من المضاف، والنحو ليس هو من المضاف له، ويكون ما قيل قبل ليس يظن به أنه حق، لأن الفضيلة هى الجميل وهى الخير. والفضيلة من المضاف، والخير والجميل ليسا من المضاف، كأنهما كيفيتان.

وأيضا ننظر إن لم يكن النوع يقال بالقياس إلى شىء واحد بعينه بذاته وبالجنس — مثال ذلك أنه إن كان الضعف يقال له ضعف للنصف، فينبغى أن يكون الكثير الأضعاف كثير أضعاف للنصف. فإن لم يكن كذلك، فليس الكثير الأضعاف جنساً للضعف.

وأيضا ننظر إن كان لا يقال بالقياس إلى واحد بعينه بالجنس وبجميع أجناس الجنس. وذلك أن الضعف إن كان كثير الأضعاف للنصف، فإن الفاضل يقال فاضلا للنصف. وبالجملة، يقال بالقياس إلى النصف جميع

الأجناس التى فوق. والعناد فى هذا هو أنه ليس يجب ضرورةً أن يقال بالقياس إلى واحد بعينه بذاته وبالجنس، لأن العلم إنما يقال علم بالمعلوم، والملكة والحال ليستا تقالان للمعلوم، لكن للنفس.

وأيضا ننظر إن كان الجنس والنوع يقالان على مثال واحد فى التصاريف — مثال ذلك قولنا بكذا أو لكذا أو بجهة من الجهات غير هاتين. وذلك أن الجنس يقال مثل النوع فى الضعف وفى الأجناس التى فوقه، لأنا نقول إنه ضعف لكذا، وكثير الأضعاف لكذا. وكذلك العلم يقال لكذا، وأجناسه مثله، أعنى الحال والملكة. والعناد فى هذا أن الأمر فى بعض المواضع ليس يجرى هذا المجرى. وذلك أن المخالف والمضاد يقالان لكذا، والغير جنس لهما. وليس يقال «غير لكذا»، بل: «غير كذا».

وأيضا ننظر إن كان ما يقال من المضاف على مثال واحد فى التصريف ليس ينعكس على مثال واحد، كالحال فى الضعف والكثير الأضعاف. وذلك أن كل واحد منها يقال لكذا؛ وكذلك يقالان فى الأنعكاس، لأن النصف والكثير الأجزاء إنما يقالان لكذا. وكذلك يجرى الأمر فى العلم وفى الظن: «فإن هذين يقالان لكذا. والمعلوم والمظنون ينعكسان على ذلك المثال. فإن كان فى بعض الأشياء ليس يقع الأنعكاس على مثال واحد، فمن البين أن أحدهما ليس هو جنسا للآخر.

وأيضا ننظر إن كان الجنس والنوع ليس يقالان بالمساواة فى التصريف. وذلك أنه قد يظن أن كل واحد منهما يقال على مثال واحد وبأنحاء متساوية، كالحال فى الهبة والعطية. وذلك أنه قد يقال «هبته» و«هبة له»، و«عطيته» و«عطية له» — والعطية جنس للهبة، وذلك أن الهبة عطية لا يكافأ عليها. وفى بعضها يلزم ألا تقال المساواة فى التصريف. وذلك أن الضعف ضعف لشىء؛ والزائد زائد على شىء وفى شىء؛ والأعظم أعظم من شىء ولشىء. فليس ما وصفنا أجناسا للضعف، لأنها ليست تقال مساويةً للنوع وفى التصريف، أو لا يكون بالجملة القول بأن الجنس والنوع يقالان بالمساواة فى التصريف حقا.

وينبغى أن ننظر إن كان المقابل جنسا للمقابل — مثال ذلك أن يكون كثير الأضعاف جنساً للضعف، وأن يكون الكثير الأجزاء جنساً للنصف. وذلك أنه واجب أن يكون المقابل جنساً للمقابل. فإن وضع واضع العلم: الشىء الذى هو الحس، فيحتاج أن يضع أيضا المعلوم: الشىء الذى هو المحسوس. وليس الأمر كذلك، لأن ليس كل معلوم فهو محسوس. وذلك أن بعض المعقولات معلومة. فليس المحسوس إذا جنسا للمعلوم. وإن لم يكن هذا هكذا، فليس الحس جنسا للعلم.

والتى تقال على طريق الإضافة منها ما هى ضرورة فى تلك الأشياء التى بالقياس إليها يقال أو لديها، بمنزلة الحال أو الملكة والاعتدال. وذلك أنه ليس يمكن أن تكون هذه الأشياء التى ذكرنا فى شىء من الأشياء، إلا فيما يقال بالقياس إليها — ومنها ما ليس يجب ضرورةً أن يكون فى الأشياء التى بالقياس إليها يقال؛ إلا أن ذلك ممكن فيها — مثال ذلك إن كانت النفس معلومة، فإنه ليس يمنع مانع أن يكون للنفس علمها. إلا أن ذلك ليس بالضرورى، لأنه قد يمكن أن يكون هذا العلم بعينه فى شىء آخر — ومنها ما ليس يمكن على الإطلاق أن يكون فى تلك الأشياء التى بالقياس إليها يقال، مثل الضد فى الضد ولا المعلم فى المعلوم إن لم يتفق أن يكون المعلوم نفساً أو إنسانا. فلما كان هذا كذا، ينبغى أن ننظر إن وضع واضع الجنس الذى هو بهذه الصفة فيما ليس هو بهذه الصفة — مثال ذلك إن قال إن الذكر بقاء العلم. وذلك أن كل بقاء إنما هو فى الباقى ولدى الباقى. فبقاء العلم إذن إنما هو فى العلم. فالذكر إذن فى العلم، لأنه بقاء العلم. وذلك غير ممكن، لأن كل ذلك إنما يوجد فى النفس.

وهذا الموضع الموصوف عام للعرض أيضا، لأنه لا فرق بين قولنا إن البقاء جنس للذكر، وبين قولنا إنه عرض يعرض له. وذلك أنه إن كان الذكر كيفما كان بقى العلم، فقد يليق به هذا القول بعينه.

٥

〈مواضع أخرى〉

وأيضا إن وضع واضع الملكة فى الفعل أو الفعل فى الملكة — مثل أن يضع للحس حركة بالجسم. وذلك أن الحس ملكة، والحركة فعل. وكذلك إن قال إن الذكر ملكة ممسكة للظن، لأنه ليس شىء من الذكر ملكة، بل الأولى به أن يكون فعلا.

وقد يخطئ الذين يصفون الملكة فى القوة اللازمة لها، مثلما يضعون الدعة إمساك الغيظ، والشجاعة والعدالة إمساك الخوف والأرباح، وذلك أن الشجاع والوادع يقال لكل واحد منها البرئ من العوارض، والضابط هو الذى تناله العوارض ولا ينقاد لها. وخليق أن تكون مثل هذه القوة تلزم كل واحد منهما، حتى إنه إن ناله عارض لم ينقد له، بل ضبط نفسه عنه. إلا أن هذا المعنى ليس إنما هو بأن يوجد للشجاع والوادع، لكنه عدم قبول شىء من أمثال هذه العوارض أصلا.

وربما يضعون اللوازم — بوجه من الوجوه — بمنزلة الجنس كما يضعون الغم جنسا للغيظ، والظن جنسا للتصديق. فإن هذين الموصوفين يلزمان — بجهةن من الجهات — الأنواع الموصوفة. وليس واحد منهما

جنسا. وذلك أن الذى يغتاظ قد يغتم أولا بحدوث الغم فيه، إذ كان الغيظ ليس هو سبب الغم، لكن الغم سبب الغيظ. فليس الغيظ إذاً على الإطلاق غما. وعلى ذلك المثال أيضا ولا التصديق ظناً: لأنه قد يمكن أن يكون الظن الواحد بعينه أيضا لمن لا يصدق به. وما كان ذلك ليمكن لو كان التصديق نوعاً للظن. وذلك أنه ليس يمكن فى الواحد بعينه أن يبقى على حاله إذ تغير بالكلية عن النوع، كما أنه ليس يمكن أن يبقى الحيوان الواحد بعينه على حاله إذا كان مرة إنسانا ومرة لا. فإن قال قائل إنه من الاضطرار أن يصدق الظان، صار التصديق والظن يقالان بالسوية، فلا يكون على هذه الجهة جنساً، لأن الجنس يقال على أكثر مما يقال عليه النوع.

وينظر أيضا إن كان من شأن كليهما أن يكونا فى شىء واحد بعينه. وذلك أن الشىء الذى يوجد فيه النوع قد يوجد فيه الجنس أيضا — مثال ذلك أن الذى يوجد فيه الأبيض يوجد فيه اللون أيضا، والذى يوجد فيه النحو يوجد فيه العلم أيضا. فإن قال قائل إن الاستحياء خوف، وإن الغيظ غم، لم يلزم أن يكون النوع والجنس فى شىء واحد بعينه. وذلك أن الاستحياء فى الجزء الفكرى، والخوف فى «الجزء» الغضبى، والغم فى الشهوانى، وذلك أن اللذة إنما هى فى هذا الجزء، والغيظ فى الغضبى. فليس الأشياء التى وصفناها أجناساً لأنها ليست فى الشىء الذى فيه الأنواع. كذلك إن كانت المحبة

فى الشهوانى فليست مشيئة ما. وذلك أن كل مشيئة إنما هى فى الجزء الفكرى. وهذا الموضوع نافع فى العرض أيضا؛ وذلك أن العرض والشىء الذى يوجد له العرض يوجدان فى شىء واحد بعينه. فإن لم يوجد معه فى شىء واحد بعينه فمن البين أنه ليس يعرض له.

وينظر أيضا إن كان النوع يشارك الجنس الموصوف من جهة، لأنه ليس يظن أن النوع يشارك الجنس من جهة. وذلك أن الإنسان ليس هو من جهة حيوانا، ولا النحو من جهة علما. وكذلك يجرى الأمر فى الباقى. فننظر إن كان فى بعض الأشياء يشرك النوع الجنس — مثال ذلك أنه قد قيل إن الحى هو الذى هو المحسوس أو المرئى، لأن الحى مرئى ومحسوس من جهة، إذ كان مربيا ومحسوسا من جهة، الجسم لا من جهة النفس. فليس المرئى إذن ولا المحسوس جنسا للحى. — وربما وضعوا الكل فى الجزء وهم لا يشعرون — مثل أن يقولوا إن الحى جسم يتنفس، وذلك أنه ليس يحمل الجزء على الكل أصلا، فليس الجسم إذن جنساً للحى لأنه جزء.

وينظر أيضا إن كان قد وضع شيئا من المذمومات أو المهروب منها فى القوة أو فى القوى — مثل أن يجعل المغالط أو الساعى أو السارق الذى يقوى على أن يسرق شيئاً ما ليس له. وذلك أنه ليس أحد ممن وصفنا يوصف

بأنه كذلك من طريق ما هو قادر على أن يكون كذلك. وذلك أن الملك والإنسان الفاضل قد يقدران على أن يفعلا الشر وليسا شريرين، لأن جميع الشرار يوصفون بذلك بحسب الاختيار. وأيضا وكل قوة إنما هى من الأشياء المختارة. وقوى الأشياء الرديئة مختارة، ولذلك نقول إنها موجودة للملك وللفاضل إذ كان كل واحد منها قادراً على أن يفعل الردىء. فليست إذن القوة جنسا لشىء مذموم أصلا. وإن لم يكن هذا هكذا، فقد يلزم أن يكون شىء من المذمومات مختاراً؛ فتكون قوة من القوى مذمومة.

وينظر أيضا إن كان وضع شيئا من الأشياء الجليلة بنفسها أو من المختارة فى القوة أو فى القوى أو فى الفاعل. وذلك أن كل قوة وكل قوى أو فاعل فإنما هو مختار من أجل غيره، أو إن كان وضع شيئا من الأشياء التى فى جنسين أو أكثر من ذلك فى أحدهما، فإن بعض الأشياء ليس يمكن أن يوضع فى جنس واحد، بمنزلة الخداع والساعى، وذلك أنه لا المختار إذا كان لا يقدر، ولا القادر إذا كان غير مختار هو خداع أو ساع، بل إنما يكون كذلك من اجتمع له الأمران. فليس ينبغى إذن أن نجعل ولا واحد منهما فى جنس واحد، لكن فى الجنسين الموصوفين.

وأيضا ربما كان الأمر فى العكس، أعنى أنهم يضعون الجنس على أنه فصل، والفصل على أنه جنس، بمنزلة ما يضعون الحيرة بإفراط التعجب، والتصديق قوة الظن. وذلك أنه ليس الإفراط ولا الاستحكام جنسا، لكنهما فصلان، لأنه يظن بالحيرة أنها تعجب مفرط، والتصديق ظن مستحكم. والعجب والظن جنسان، والإفراط والاستحكام فصلان. وأيضا إن وصف واصف الإفراط والاستحكام بأنهما جنسان، صار ما لا نفس له يصدق ويتحير. وذلك أن استحكام كل واحد وإفراطه موجودان لذلك الشىء الذى هما له استحكام وإفراط. فإن كان التحير إفراط التعجب، فالتحير يوجد للتعجب. فالعجب إذاً يتحير. وكذلك التصديق يوجد للظن، إذ كان استحكام الظن؛ فالظن إذن يصدق.— وأيضا يلزم من يصفهما بهذا الوصف أن يقول إن الاستحكام مستحكم، والإفراط مفرط. وذلك أن التصديق مستحكم. فإن كان التصديق استحكاما، فالاستحكام إذن مستحكم. وكذلك أيضا التحير مفرط؛ فإن كان التحير إفراطا فالإفراط مفرط. وليس يظن بهما ذلك أنه كذلك، كما لا يظن بالعلم أنه عالم، ولا بالحركة أنها متحركة. — وربما أخطأوا أيضا بوضعهم الأنفعال فى المنفعل على أنه جنس، بمنزلة الذين يقولون إن عدم الموت حياة أزلية. وذلك أنه قد يشبه أن يكون عدم الموت أنفعالا أو عرضا للحياة.

والأمر فى أن ما قلناه حق يتبين من أن يسلم أحد أن شيئاً يصير غير مائت بعد أن كان مائتا. وذلك أنه ليس لأحد أن يقول إنه يقبل حياة أخرى غير الحياة التى كانت له، بل يقول إن أنفعالا أو عرضا حدث لها. فليس الحياة إذاً جنساً لعدم الموت.

وينظر أيضا إن كانوا يقولون إن الأنفعال جنس لذلك الشىء الذى هو له انفعال: بمنزلة ما يقولون إن الريح هواء متحرك. وذلك أن الأولى أن تكون الريح حركة الهواء. وذلك أن الهواء إذا تحرك وإذا سكن بقى واحدا بعينه. فليس الهواء ريحاً أصلا، لأنه لو كان ريحاً لكان يكون ريحا وهو ساكن أيضا، إذ كان يبقى هواءً بحاله، كما كان هو ريحا. وكذلك يجرى الأمر فى سائر ما أشبه ذلك. وإن كان ينبغى أن يسلم فى هذا الفصل أيضا أن الريح هواء متحرك، إلا لأنه ليس ينبغى أن يقبل ذلك فى جميع الأشياء التى يصدق عليها الجنس، لكن فى الأشياء التى يحمل عليها بالحقيقة الجنس الموصوف. وذلك أنه فى بعض الأشياء ليس يظن به أنه يصدق كالحال فى الثلج والطين، فإنهم يقولون فى الثلج إنه ماء جامد، وفى الطين إنه تراب معجون بشىء رطب، أو ليس الثلج ماءا ولا الطين ترابا. فليس واحد مما ذكرنا جنساً، لأنه ينبغى أن يكون الجنس يصدق أبداً على الأنواع. وكذلك ليس الشراب ماءاً عفناً، كما يقول أنبادوقليس إنه ماء متعفن فى العود. وذلك أنه ليس بماء على الإطلاق.

٦

〈مواضع أخرى〉

وينظر أيضا إن كان بالجملة الموصوف ليس هو جنسا لشىء من الأشياء. فمن البين أنه ولا الذى ذكرناه.

وينظر إن كانت الأشياء التى تشترك فى الجنس الموصوف لا تختلف أصلاً بالنوع، بمنزلة الأشياء البيض، فإنها ليست تختلف بالنوع؛ وكل جنس فإن أنواعه مختلفة، فليس الأبيض إذاً جنسا، ولا لواحد.

وينظر إن كان قال فى اللازم لجميع الأشياء إنه جنس أو فصل، فإن اللوازم لجميع الأشياء كثيرة، بمنزلة الموجود والواحد: فإنهما من اللازم لجميع الأشياء. فإن وصف الموجود بأنه جنس، فمن البين أنه جنس لجميع الأشياء لأنه كان يحمل عليها، إذ كان الجنس لا يحمل على شىء سوى الأنواع. فيصير الواحد أيضا نوعاً للموجود. فيلزم أن يكون النوع أيضا يحمل على جميع الأشياء التى يحمل عليها الجنس، لأن الموجود والواحد يحملان على جميع الأشياء حملا مطلقا. ومن الواجب أن يكون النوع يحمل على أقل مما يحمل عليه الجنس. فإن قال إن اللوازم لجميع الأشياء فصل، فمن البين أن الفصل يقال إما على مثل ما يقال عليه الجنس، أو على أكثر. وذلك أنه إن كان الجنس أيضا مما يلزم جميع الأشياء، فهو يقال على مثل ما يقال عليه.

وينظر أيضا إن كان الجنس الموصوف يقال فى الموضوع للنوع، بمنزلة الأبيض على الثلج: فمن البين أنه ليس بجنس، وذلك أن الجنس إنما يقال على النوع الموضوع فقط، لا فى الموضوع.

وينظر أيضا إن كان الجنس ليس بمواطئ للنوع؛ إذ كان الجنس يحمل على جميع الأنواع بالتواطؤ.

وينظر أيضا إذا كان للنوع والجنس ضد، ووضع الأفضل من المتضادة فى الجنس الأخس، فإنه يلزم أن يكون الباقى فى الباقى، لأن الأضداد فى الأجناس الأضداد توجد، فيصير الأفضل فى الأخس، والأخس فى الأفضل. وقد يظن أن جنس الأفضل أفضل.

وينظر إن كان شىء واحد بعينه حاله عندهما حال متشابهة. فوضعه فى الجنس الأخس لا فى الجنس الأفضل، بمنزلة ما تضع النفس: الشىء الذى له الحركة أو المتحرك. وذلك أنه قد يظن بها بعينها أنها واقفة ومتحركة على مثال واحد. فإن كان الوقوف أفضل، ففى هذا كان ينبغى أن نضع الجنس.

وأيضا من الأكثر والأقل: أما الباطل فينظر إن كان الجنس يقبل الزيادة، والنوع لا يقبلها، لا هو ولا الذى يقال عليه. وذلك أن الجنس إن كان يقبل الأكثر، فالنوع أيضا. والذى يقال عليه النوع يقبله — مثال ذلك أن الفضيلة إن كانت تقبل الأكثر، فالعدالة والعدل يقبلان الأكثر، لأنه قد يقال: عدل أكثر من عدل. فإن كان الجنس الموصوف يقبل الأكثر، والنوع لا يقبل: لا هو، والذى يقال عليه، لم يكن الموصوف جنساً.

وأيضا إن كان الذى نظن به أنه أكثر أو مما مماثل ليس بجنس، فمن البين أنه ولا الموصوف أيضا جنساً. وهذا الموضع نافع خاصة فى أمثال التى تظهر فيها أشياء كثيرة تحمل على النوع من طريق ما هو، ولم يحصل ولا يمكننا أن نقول أيما منها هو الجنس — مثال ذلك أن الغيظ يظن بالغم، والظن أنهما يحملان عليه من طريق ما هو. وذلك أن الذى يغتاظ يغتم ويظن أنه أخفق.

وبهذا البحث بعينه نبحث عن النوع أيضا من قياس إلى نوع آخر غيره. وذلك أنه إن كان الأكثر أو الذى يظن به أنه مماثل فى الجنس الموصوف ليس هو فى الجنس، فمن البين أنه ولا النوع الموصوف يكون فى الجنس أصلا.

فالمبطل ينبغى له أن يستعمله على ما ذكرنا. فأما المصحح فإن كان الجنس الموصوف والنوع يقبلان الأكثر، فليس ينتفع بهذا الموضع. وذلك أنه ليس يمنع مانع من أن يكون كلاهما يقبل الأكثر ولا يكون أحدهما جنساً للآخر: فإن الجنس والأبيض يقبلان الأكثر، وليس واحد منها جنسا للآخر.

وإضافة الأجناس والأنواع بعضها إلى بعض نافعة. مثال ذلك أن ننظر إن كان هذا وذاك جنسا على مثال واحد. فإن أحدهما إن كان جنسا، فالآخر أيضا جنس وكذلك ننظر إن كان الأقل جنسا فالأكثر جنسا — مثال ذلك إن كانت القوة جنسا لضبط النفس أكثر من الفضيلة، وكانت الفضيلة جنساً، فالقوة أيضا جنس. وهذه الأشياء بعينها ينبغى أن تقال فى النوع أيضا. وذلك أنه إن كان هذا وذاك نوعا للمقصود نحوه على مثال واحد فإن أحدهما إن كان نوعا له فالآخر نوع له. فإن كان الذى يظن به أنه أقل، نوعا له، فالذى يظن به أنه أكثر، نوع له أيضا.

وأيضا ينبغى أن ننظر فيما يحتاج إلى أن يصحح إن كان ما حمل عليه الجنس من طريق ما هو حمل عليه من غير أن يكون النوع الموصوف واحدا، لكن كثيرين مختلفين. وذلك أنه بين أنه يكون جنسا. وإن كان النوع الموصوف واحدا، فينبغى أن ننظر إن كان الجنس يحمل على كثيرين مختلفين وأن يعترف بأنه جنس.

ولأن قوما يظنون أن الفصل أيضا يحمل على الأنواع من طريق ما هو، واجب أن يفرق الجنس من الفصل بعد أن يستعمل الأصول التى وصفنا. أما أولا فإن الجنس يحمل على أكثر مما يحمل عليه الفصل. وبعد ذلك فإن الصفة بما هو، أولى بالجنس منها بالفصل. وذلك أن الذى يقول إن الإنسان حى — أولى بأن يكون دالاً على ما هو الإنسان من الذى يقول إنه مشاء، لأن الفصل يدل أبداً على كيفية الجنس، والجنس لا يدل على كيفية الفصل. وذلك أن من يقول مشاء فإنما يقول حيوان مكيف، والذى يقول حيوان فليس يقول: مشاء مكيف.

فبهذا الوجه ينبغى أن يفرق بين الجنس والفصل.— ولما كان يظن الموسيقوس بما هو موسيقوس عالما، فالموسيقى علم ما. وإن كان الماشى — إن كان بالمشى يتحرك — فالمشى حركة ما. فينبغى أن ننظر فى الجنس الذى فيه نريد أن نصحح شيئا بالحال التى وصفنا؛ مثال ذلك إن أراد أن يصحح أن العلم هو التصديق؛ وإن كان الذى يعلم شيئا قد يصدق به من حيث يعلمه، فمن البين أن العلم تصديق. وكذلك يجرى الأمر فيما أشبه ذلك.

وأيضا لما كان ما لزم شيئا دائما ولم ينعكس عليه يعسر تفرقتنا إياه من أن لا يكون جنسا إن كان هذا يلزم جميع هذا، بمنزلة ما يلزم الهدوء

والسكون الريح، والمنقسم للعدد من غير أن ينعكس ذلك، فإنه ليس كل منقسم عددا، ولا الهدوء سكون الريح — وجب أن يستعمل ذلك على أن اللازم دائما جنس إذا لم ينعكس الآخر، وقدم الآخر على أنه ليس يفهم على الجميع. والعناد فى هذا هو أن غير الموجود يلزم كل متكون، وذلك أن المتكون غير موجود، وليس ينعكس. وذلك أنه ليس كل غير موجود يتكون، إلا أن غير الموجود على حال ليس هو جنسا للمتكون. وذلك أن غير الموجود على الإطلاق ليس له أنواع. فينبغى أن يستعمل الجنس على حسب ما وصفنا.

][ تمت المقالة الرابعة من كتاب «طوپيقا» ][

][ قوبل به ][

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الخامسة منه 〈المواضع المشتركة للخاصة〉

١

〈فى الخاصة وأنواعها〉

ينبغى أن ننظر من هذه الأشياء: هل ما قيل خاصة، أم ليس بخاصة؟ والخاصة توصف إما بذاتها ودائما، أو بالقياس إلى آخر وفى بعض الأوقات: مثال ذلك إن قولنا حيوان آنس بالطبع خاصة للانسان بذاتها. فأما الخاصة بالقياس إلى آخر، مثل أن خاصة النفس بالقياس إلى البدن أن هذه آمرة، وذاك خادم. والخاصة دائما بمنزلة أن خاصية الله أنه حى لا يموت. والخاصة فى بعض الأوقات مثل أن خاصة الإنسان المشى فى الميدان.

والخاصة التى بالقياس إلى آخر إذا وضعت فهى إما مسئلتان، وإما أربع. وذلك أنه إن أعطى الواحد، ومنع الآخر، صار هذا بعينه وحده مسئلتين — مثال ذلك أن خاصة الإنسان بالقياس إلى الفرس أنه ذو رجلين. فلمحتج أن يحتج أن الإنسان ليس بذى رجلين، وأن الفرس ذو رجلين — وبالوجهين تنفسح الخاصة. فإن هو أعطى كل واحد منهما، ومنع كل واحد منهما، حدث أربع مسائل — مثال ذلك أن خاصة الإنسان بالقياس

إلى الفرس أن الإنسان ذو رجلين، والفرس ذو أربعة أرجل — وذلك أنه قد يتهيأ له أن يحتج أن الإنسان ليس بذى رجلين، لأنه ذو أربعة أرجل. وقد يتهيأ له أن يحتج بأن الفرس ذو رجلين وأنه ليس بذى أربع. وكيفما تبين ذلك، بطل المقصود له.

والخاصة بذاتها قد توصف بالقياس إلى كل شىء، وتفرق المخصوص من كل شىء — بمنزلة قولنا: حى ناطق مائت قابل للعلم، للانسان. فأما التى بالقياس إلى آخر فليس تفصل المخصوص من كل شىء، بل من شىء معلوم، بمنزلة خاصة الفضيلة بالقياس إلى العلم. فإن الفضيلة توجد فى كثير، والعلم فى الجزء الفكرى فقط من شأنه أن يكون وللذين لهم الجزءالفكرى. — والخاصة دائما هى التى تصدق فى كل زمان ولا تخلو فى وقت من الأوقات، كقولنا: خاصة الحى أنه مركب من نفس وبدن. فأما الخاصة التى فى بعض الأوقات فهى التى تصدق فى وقت من الأوقات ولا تلزم ضرورةً، كالمشى فى السوق خاصة لإنسان من الناس.

وقد يمكن أن توصف الخاصة التى بالقياس إلى شىء بأن يقال إنها فصل: إما فى الجميع دائما على مثال واحد، وإما على أكثر الأمور وفى الأكثر — مثال ذلك: أما فى الجميع ودائما فبمنزلة خاصة الإنسان بالقياس إلى الفرس

أنه ذو رجلين. وذلك أن الإنسان وكل إنسان ودائما ذو رجلين، وليس شىء من الأفراس ولا فى وقت من الأوقات ذا رجلين.

والخاصة التى على أكثر الأمر وفى الأكثر فمثل أن الجزء الفكرى خاصة بالقياس إلى الشهوانى والغضبى: أن ذلك يأمر، وهذان يأتمران. وذلك أنه ليس أبداً يأمر الجزء الفكرى، لكنه فى بعض الأوقات يأتمر؛ ولا الجزء الغضبى والجزء الشهوانى أبدا يأتمران، لكنهما فى بعض الأوقات يأمران، وذلك إذا كانت نفس الإنسان ركيكة.

والمنطقية من الخواص هى الخاصة التى بذاتها ودائما والتى بالقياس إلى آخر. وذلك أن الخاصة بالقياس إلى آخر هى مسائل كثيرة كما قلنا آنفا، لأن المسائل تكون عنها ضرورةً: إما اثنتين وإما أربعا. فالأقاويل إذاً أيضا تكون بحسبها كثيرة. فأما الخاصة بذاتها ودائما فله أن يحتج بها بحسب أشياء كثيرة أو يحفظها إلى أزمنة كثيرة. فالخاصة بذاتها تكون بالقياس إلى أشياء كثيرة، لأن هذه الخاصة ينبغى أن تكون له بالقياس إلى كل واحد من الموجودات، لأنها إن لم تفرق المخصوص من جميع الأشياء لم تكن خاصة صحيحة.

فأما التى هى خاصة دائما فتكون بالقياس إلى أزمنة كثيرة. وذلك أنها إن لم تكن فى الزمان الحاضر ولم تكن كانت ولا ستكون، لم تكن خاصة. — فأما الخاصة فى بعض الأوقات فهى التى يبحث عنها بالقياس إلى الزمان الحاضر؛

فليس الأقاويل إذاً بحسبها كثيرة. والمسئلة المنطقية هى التى تكون الأقاويل بحسبها كثيرة صحيحة.

فالخاصة التى وضعنا أنها بالقياس إلى آخر ينبغى أن يبحث عنها من المواضع التى فى العرض متى كان يعرض لهذا، ولا يعرض لهذا. فأما الخواص دائما وبذاتها فينبغى أن ننظر فيها من هذه الأشياء:

٢

〈مواضع〉

أما أولا فننظر إن كانت الخاصة وصفت جيداً أو لم توصف جيدا. والدليل على أنها وصفت جيدا أو لم توصف، أن تكون الخاصة قد وصفت لشىء بأشياء هى أعرف أو بأشياء ليست أعرف: أما الذى يبطل فإن وصفها بأشياء ليست أعرف، وأما المصحح فإن وصفها بأشياء أعرف. — وإذا كانت بأشياء ليست أعرف، فمنها أن ينظر إن كان الذى وصف به الخاصة أشد إغماضا من الشىء الذى وصفت خاصته. فإن بهذا الوجه لا تكون الخاصة موضوعة وضعا جيدا، لأنا إنما نستعمل الخاصة لنعلم، كما نستعمل الحد. فينبغى أن يكون تلخيصنا إياها بأشياء هى أعرف. فإنا بهذا الوجه أحرى أن نفهمها فهما كافيا — مثال ذلك أنه لما كان الذى يضع أن خاصة النار أنها أشبه الأشياء بالنفس قد استعمل ما هو أغمض من النار،

أعنى النفس. فإن معرفتنا بالنار: ما هى؟ أكثر من معرفتنا بالنفس — لم يكن وضع هذه الخاصة للنار وضعاً جيداً، أعنى أنها أشبه الأشياء بالنفس.

ومنها أن ننظر إن لم يكن وجود هذا الشىء لهذا وجوداً أعرف. وذلك أنه ليس ينبغى أن يكون أعرف من الأمر الذى يوصف به، لكن يكون وجودها له أيضا أعرف، لأنه إن لم يعلم أنه لهذا موجود، لم يعلم ولا أنه لهذا وحده موجود. فأى شىء من هذين إن عرض، كانت الخاصة غير بينة — مثال ذلك أنه لما كان الذى يضع أن خاصة النار أنها الشىء الذى فيه أولاً من شأن النفس أن يوجد، قد استعمل ما هو أغمض من النار، وهو إن كانت النفس توجد فى هذه وإن كانت توجد فيها أولا، لم يكن وضع هذه الخاصة للنار وضعاً جيداً، أعنى الشىء الذى فيه أولا من شأن النفس أن توجد. — وأما المصحح فينظر إن كانت الخاصة تكون بما هو أعرف. وإن كانت بما هو أعرف فى كل واحد من الصنفين فإن بهذا يكون وضع الخاصة وضعاً جيدا. وذلك أن المواضع المصححة لما يوضع وضعا جيدا: منها ما يكون بهذا النحو وحده، ومنها ما يرى على الإطلاق أن وضعه وضع جيد — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن خاصة الحى أن له حسا قد وصف الخاصة بما هو أعرف فى كل واحدة من الجهتين، صار قولنا أن له حسا خاصة للحى موصوفة على هذا الوجه وصفا جيدا.

وبعد ذلك فينبغى للمبطل أن ينظر إن كان شىء من الأسماء التى توصف فى الخاصة تقال على أنحاء كثيرة، أو إن كان القول بأسره يدل على معانى كثيرة؛ فإن الأمر إذا كان كذلك، لم تكن الخاصة وضعت وضعا جيدا — مثال ذلك أنه لما كان قولنا: «يحس» قد يدل على معنيين على أن الموصوف بذلك حساً، وعلى أنه لم يستعمل الحس، لم يكن قولنا فى الحى إن من شأنه أن يحس خاصة موضوعة وضعاً جيداً. ولذلك ليس ينبغى أن نستعمل: لا أسماء تقال على أنحاء كثيرة، ولا قولا يدل على الخاصة؛ لأن ما يقال على أنحاء كثيرة يجعل الموصوف غامضا، فيتحير فيه المحتج فلا يعلم أى المعانى يريد من التى يقال عليها ذلك الاسم والقول، والخاصة إنما يؤتى بها ليعرف الشىء. ومع هذا أيضا فواجب ضرورة أن نكشف أمر اللذين يصفون الخاصة بهذا الوصف المنكر إذا جعل جاعل القياس شيئاً يختلف فيه، أعنى على ما يقال فيه بأنحاء كثيرة. — فأما المصحح فينظر أن لا يكون شىء من الأسماء ولا القول بأسره يدل على معانى كثيرة. فإن الخاصة على هذا تكون موضوعة وضعا جيدا — مثال ذلك أنه لما كان قولنا: «جسم»، لا يدل على معانى كثيرة، ولا قولنا أسهل ما يتحرك إلى المكان الأعلى، ولا مجموع القول المركب من هذه الألفاظ، كان القول

فى النار أنها الجسم الذى هو أسفل ما يتحرك إلى المكان الأعلى، خاصة موضوعةً على هذا وضعاً جيدا.

وبعد هذا فلينظر المبطل إن كان الشىء الذى يوصف، خاصته تقال على أنحاء كثيرة ولم يلخص المعنى منها الذى له نضع الخاصة، فإن بهذا الوجه لاتكون الخاصة موصوفة على ما ينبغى. والأسباب التى لها وجب ذلك ليس تخفى معرفتها من الأشياء التى تقدم ذكرها، إذ كان من الواجب ضرورة أن تعرض تلك الأشياء بعينها — مثال ذلك أنه لما كان قولنا هذا «يعلم» يدل على شيئين: على أن له علما، وعلى أنه يستعمل العلم صار قولنا: «هذا يعلم» ليس هو خاصة «موضوعة» على ما ينبغى إذا لم يكن المعنى منهما الذى تقال له الخاصة ملخصا أيما هو. — فأما المصحح فيبطل ألا يكون الشىء الذى توصف خاصته يقال على أنحاء كثيرة، بل يكون واحدا بسيطا: فإن بهذا الوجه توضع الخاصة عليه وضعاً جيدا — مثال ذلك أنه لما كان الإنسان يقال قولا مطلقا وعلى نحو واحد، صار قولنا فيه: إنه حى آنس بالطبع، خاصةً موضوعة عليه على ما يجب.

وبعد ذلك فينظر المبطل إن كان الواحد بعينه قد كرر فى الخاصة، فإنهم كثيرا ما يفعلون ذلك فى الخواص وهم لا يشعرون، كما يفعلونه فى الحدود،

فليس الخاصة إذن التى يعرض فيها ذلك بموضوعة على ما ينبغى، إذ كان ما تكرر قد يغلط السامع، فواجب إذن ضرورة أن يكون القول غامضا وأن يظن بمن يقوله مع ذلك أنه يهمر همرا. وتكرير المعنى الواحد فى القول يكون على وجهين: أحدهما إذا كرر الاسم الواحد بعينه، بمنزلة ما يجعل الإنسان خاصة النار أنها جسم ألطف الأجسام — فإن قائل هذا القول قد كرراسم الجسم مرتين؛ والثانى متى استعمل الإنسان الأقاويل مكان الأسماء، بمنزلة مايجعل الإنسان خاصة الأرض أنها جوهر من الأجسام ينتقل بالطبع إلى المكان الأسفل، ثم يستعمل مكان «الأجسام» «جواهر بصفة كذا»؛ وذلك أن قولنا: «جسم» و«جوهر بصفة كذا» شىء أحد. فيكون قائل هذا القول قد كرر اسم الجوهر. فليس إذن واحدة من هاتين الخاصتين موضوعةً على ما يجب.

فأما المصحح فينظر ألا يكون يستعمل الاسم الواحد بعينه مكرراً، فإن بهذا الوجه تكون الخاصة موضوعةً على ما يجب — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن الإنسان قابل للعلم ليس يستعمل اسما واحداً مكررا، صار ذلك خاصةً للانسان موضوعة على مايجب. — وبعد ذلك فينظر المبطل إن كان قد وصف فى الخاصة اسماً يوجد لكل شىء. فإن ما لا يفصل من أشياء ليس ينتفع به. والشىء الذى يقال فى الخواص ليس ينتفع به. والشىء الذى يقال فى الخواص ينبغى أن يكون يفصل كالشىء الذى يقال فى الحدود.

فإن وضعت الخاصة هكذا لم يكن وضعها على ما يجب — مثال ذلك أنه لما كان الذى يضع خاصة العلم أنه ظن لا يزول التصديق به من القياس، إذ هو واحد بعينه قد استعمل فى الخاصة ما يوجد لكل شىء، وهو الواحد، لم يكن وضع خاصة العلم وضعا كما يجب. — فأما المصحح فينظر ألا يستعمل أمرا عاميا أصلا، لكن يستعمل ما كان مفصلا من شىء، فإن الخاصة بهذا حينئذ تكون موضوعة على ما يجب — مثال ذلك أن الذى يضع أن خاصة الحى أن له نفسا لم يستعمل شيئا مشتركا أصلا؛ فخاصة الحى موضوعة بهذا وضعا جيدا، أعنى أن له نفسا.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن كان قد وصف خواص كثيرة، فإنه إذا فعل هذا لم تكن الخاصة موضوعة، على ما يجب. فكما أنه فى الحدود لا ينبغى أن يزاد شىء سوى القول الذى يدل على الجوهر، كذلك أيضا وفى الخواص ليس ينبغى أن يوصف شىء أصلا سوى القول الذى يجعل ما قيل خاصة. فإن ما يجرى هذا المجرى ليس ينتفع به — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن خاصة النار هى أنها ألطف الأجسام وأخفها قد وصف أكثر من خاصة واحدة، وذلك أن كل واحد من هذين قد يصدق على النار وحدها. فليس وضع خاصة النار: أنها ألطف الأجسام وأخفها، وضعا جيدا. فأما المصحح فينظر ألا يصف خواص كثيرة لشى واحد بعينه، بل واحدة؛ فإن بهذا الوجه تكون الخاصة موضوعة وضعا

جيدا — مثال ذلك أن الذى يقول إن خاصة الرطب هو أن يواتى أن كل شكل قد وصف خاصة واحدة، لاخواص كثيرة، فخاصة الرطب قد وضعت بهذا الوجه وضعا جيدا.

٣

〈مواضع أخرى〉

وبعد ذلك فإن المبطل ينبغى له أن ينظر إن كان استعمل ذلك الشىء بعينه الذى له توصف الخاصة، أو شيئا مما هو له. فإن الامر إذا جرى هذا المجرى لم تكن الخاصة موضوعة وضعا جيدا، لأن الخاصة إنما تراد لمكان العلم، فهو نفسه إذن غير معروف على مثال ما كان. والشىء الذى هو مما يوجد له متأخر عنه فليس هو أعرف منه، فليس يزداد تعرفه من هذه الأشياء — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن خاصة الحى أنه الجوهر الذى نوعه الإنسان، فإنما استعمل شيئا من الحى؛ فليس هذه الخاصة موضوعةً وضعاً على ما ينبغى.

فأما المصحح فينظر أن لا يستعمل الشىء نفسه ولا شيئا مما له أصلا؛ فإن بهذا الوجه تكون الخاصة موضوعةً على ما يجب — مثال ذلك أن من قال إن خاصة الحى أنه مركب من نفس وبدن، لم يستعمل لا هو ولا شيئا مما له أصلا. فخاصة الحى بهذا موضوعة على مايجب. ولهذا النحو أيضا ينبغى أن ننظر فى سائر الأشياء الأخرى التى تجعل الشىء أعرف، أو لاتجعله كذلك.

أما المبطل فينظر إن كان استعمل شيئا إما مقابلا أو بالجملة شيئا معا فى الطبع أو شيئا متأخرا، فإن الخاصة لا تكون موضوعة على ما يجب. وذلك أن المقابل معا فى الطبع، والمعاً فى الطبع والمتأخر لا يجعلان الشىء أعرف — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن خاصة الخير هو المقابل لا محالة للشر فقد استعمل المقابل للخير، فلم يضع خاصة الخير على ما يجب. — فأما المصحح فينظر ألا يستعمل متقابلا أصلا، أو بالجملة، ما هو معا بالطبع ولا متأخر، فإن بهذا الوجه تكون الخاصة موضوعة على ما يجب — مثال ذلك أنه لما كان من وضع أن خاصة العلم أنه الظن الذى فى غاية الصدق لم يستعمل مقابلا أصلا ولا ما هو معا فى الطبع ولا متأخرا، صارت خاصة العلم بهذا الوجه موضوعةً على ما يجب.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن كان ما جعل ليس بلازم دائما خاصة، لكن ما يوجد للشىء فى بعض الأوقات ليس بخاصة: فإن الخاصة عند ذلك ليست موضوعة على ما يجب. وذلك أنه لا الشىء الذى ندركه موجودا فيه يصدق عليه الاسم من الاضطرار ولا لا الذى يصدق عليه اسمه الخاصة موجودة فيه الشىء الذى لا يدرك الاسم فيه موجودا لا يقال عليه الاسم من الاضطرار. ومع هذه الأشياء أيضا فليس إذا وصفت الخاصة يكون بينا

أنها موجودة إن كانت مما يتهيأ فيه أن يحل الشىء، فليس تكون الخاصة إذن بينة — مثال ذلك أنه لما كان وضع خاصة الحيوان أنه يتحرك فى الأوقات أو يقف إنما وصفه بخاصة ليست تكون فى بعض الأوقات، فليست خاصة موضوعة على ما يجب. فأما المصحح فينظر إن كان وصف الخاصة التى هى دائما من الاضطرار؛ فإن بهذا الوجه تكون الخاصة موضوعة على ما يجب — مثال ذلك أنه لما كان من وضع خاصة الفضيلة أنها تجعل صاحبها فاضلا قد وصف ما هو لازم للفضيلة دائما، فنعم ما وصفت بهذا خاصة الفضيلة.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن كان وصف الخاصة فى الزمان الحاضر من غير أن يشترط أنه وصف الخاصة فى الزمان الحاضر، فإن الخاصة إذا وصفت هكذا لم تكن موضوعة على ما يجب: أما أولا فلأن كل ما كان على خلاف العادة فيحتاج إلى شريطة. وقد جرت عادة الجميع فى أكثر الأمر أن يضعوا الخاصة اللازمة دائما. وثانيا فإن من لم يشترط فليس يعلم من أمره أنه أراد أن يضع الخاصة فى الزمان الحاضر. فليس ينبغى إذن أن يبحث بحثا يستحق العتب — مثال ذلك أنه لما كان من وضع خاصة إنسان ما أنه جالس مع إنسان ما فإنما وضع خاصةً فى الزمان الحاضر، لم يصف الخاصة على مايجب عند ما لم يشترط الزمان الحاضر فى قوله. — فأما المصحح فينظر إن كان إذا وصف الخاصة فى الزمان الحاضر اشترط أنه إنما وضع الخاصة

فى الزمان الحاضر، فإن بهذا الوجه تكون الخاصة موضوعة على ما يجب — مثال ذلك أنه لما كان من قال خاصة إنسان ما إنه يمشى فى موضع كذا، فاشترط ما وضعه، صارت الخاصة لذلك موضوعة على ما يجب.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن كان وصف الخاصة التى فى الظاهر أنها ليست توجد بجهة من الجهات إلا بالحس، فإنها ليست تكون موضوعة على ما يجب. وذلك أن كل محسوس إذا صار خارجا عن الحس صار غامضا ولا يتبين إن كان موجودا بعد، من قبل أنه إنما يعرف بالحاسة التى تخصه فقط. وإنما يصدق هذا فيما ليس يلزم من الاضطرار دائما — مثال ذلك أنه لما كان من وضع خاصة الشمس أنها الكوكب الذى يتحرك فوق الأرض وهو أضوأ الكواكب، فقد استعمل فى الخاصة الحركة فوق الأرض التى إنما تعرف بالحس، فلم يضع هذه الخاصة للشمس على مايجب، لأنه ليس يعلم إذا غابت الشمس إن كانت تتحرك فوق الأرض لقصور حسنا عنها فى ذلك الوقت.

فأما المصحح فينظر إن كان وصف الخاصة التى ليست ظاهرة للحس أو التى وإن كانت محسوسة يكون وجودها يبين من الاضطرار، فإن الخاصة على هذا الوجه تكون موضوعةً على ما يجب — مثال ذلك أنه لما كان من وضع خاصة البسيط أنه الملون أولا قد استعمل شيئا محسوسا، أعنى قوله: ملون؛ ووجوده ظاهر أبدا، صارت خاصة السطح بهذا موضوعة على ما يجب.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن كان الحد وصف على أنه خاصة، فإن الخاصة عند ذلك لا تكون موضوعة على مايجب، وذلك أن الخاصة ليست تدل على ماهية الشىء — مثال ذلك أنه لما كان من قال: خاصة الإنسان أنه حيوان مشاء ذو رجلين، إنما جعل ما يدل على الماهية خاصة للإنسان، لم يكن وضع الخاصة على ما يجب.

فأما المصحح فينظر إن كان ما يرجع بالتكافؤ فى الحلم خاصة من غيرأن يكون يدل على الماهية، فإن الخاصة بهذا الوجه تكون موضوعة على ما يجب — مثال ذلك أنه لما كان من وضع خاصة الإنسان أنه حيوان، ليس بالطبع قد وصف ما يرجع بالتكافؤ فى الحمل خاصة من غير أن يكون يدل على ماهية الشىء، فنعم ما وضعت هذه الخاصة للإنسان.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن لم يكن الواضع للخاصة وضعها فى: «ما الشىء» — وذلك أن الخواص تحتاج مثل الحدود أن يكون الجنس الأول موصوفا فيها، ثم بعد ذلك يصل ويفرق سائر الأشياء الباقية. فالخاصة إذن التى ليست موضوعة على هذا الوجه لم توضع وضعاً على ما يجب — مثال ذلك أنه لما كان من قال: خاصة الحيوان أن يكون له نفس، لم يجعل الحيوان فى «ما هو»، لم يضع هذه الخاصة للحيوان على ما يجب.

فأما المصحح فينظر إن كان قد وضع الشىء الذى وصف خاصته فى «ماهو» الشىء ووصل به سائر الأشياء الباقية، فإن بهذا

الوجه تكون الخاصة موضوعة على ما يجب — مثال ذلك أنه لما كان وضع خاصة الإنسان أنه حيوان قابل للعلم قد وصف الخاصة بأن وضع المخصوص فيما هو، صار بهذا الوجه وضع الخاصة للإنسان جيدا.

٤

〈مواضع أخرى〉

فالأمر فى أن الخاصة بالجملة تعم ما وضعت، أو تتبين مما وضعت بهذه الأشياء ينبغى أن ينظر. — فأما الأمر فى أن ماقيل خاصة أو ليس بخاصة، فمن هذه الأشياء ينبغى أن ننظر فيه. والمواضع التى على الإطلاق تصح الخاصة وتوجب أنها وضعت وضعا جيدا هى والمواضع التى تحدث الخاصة تصير واحدة بعينها: فستوصف فى تيك.

وينبغى أولا للمبطل أن ينظر فى كل واحد وصفت خاصته إن كان لا توجد ولا لواحد، أو إن كانت لا تصدق فى هذا، أو إن لم تكن خاصة كل واحد منها ما يوجد فى ذلك الذى وصفت خاصته: فإن الخاصة التى توضع هذا الوضع ليست بخاصة. مثال ذلك أنه لما كان ليس يصدق على المهندس أن يقال فيه إنه لا يغلطه القول، فإن المهندس قد ينخدع فى الرسوم الكاذبة، لم تكن خاصة العلم ألا يغلطه القول. — فأما المصحح

فينظر إن كان يصدق على كل فقد يصدق على هذا. فإن ما يوضع على أنه خاصة هو خاصة — مثال ذلك أنه لما كان قولنا: «حى قابل للعلم» يصدق على كل إنسان وبما هو إنسان، صار قولنا: «حى قابل للعلم» خاصةً للإنسان.

وهذا الموضع: أما للمبطل فلينظر: إن لم يكن ما يصدق عليه الاسم يصدق عليه القول أيضا؛ وإن لم يكن ما يصدق عليه القول يصدق عليه الاسم أيضا.

فأما المصحح فينظر إن كان ما يحمل عليه الاسم قد يحمل عليه القول أيضا، وإن كان ما يحمل عليه القول قد يحمل عليه الاسم أيضا.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن لم يكن ما يقال عليه الاسم يقال عليه القول أيضا، وإن لم يكن ما يقال عليه القول يقال عليه الاسم أيضا. فإنه ما وضع أنه خاصة بهذا الوجه لا يكون خاصةً — مثال ذلك أنه لما كان قولنا: «حيوان قابل للعلم» يصدق على الملك ولم يكن يحمل على الإنسان لم يكن قولنا: «حى قابل للعلم» خاصة للإنسان.

فأما المصحح فينظر إن كان ما يحمل عليه الاسم قد يحمل عليه أيضا القول، وإن كان ما يحمل عليه القول يحمل عليه أيضا الاسم. وذلك أنه

يصير خاصة ما وضع أنه ليس بخاصة — مثال ذلك أنه لما كان ما يقال عليه إن له نفسا يصدق عليه أنه حى، وما يقال عليه إنه حى يصدق عليه أن له نفسا، صار قولنا: «له نفس»، خاصةً للحى.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن كان وصف الشىء الموضوع خاصة للذى يقال فى الموضوع، وذلك أنه لا يكون خاصة ما وضع أنه خاصة — مثال ذلك أنه لما كان من جعل النار خاصةً ألطف أجزاءا، قد جعل الموضوع خاصة للمحمول، لم تكن النار خاصة ألطف الأجسام أجزاءا، ولذلك لا يكون الموضوع خاصة ما فى الموضوع، لأن شيئا واحدا بعينه يصير خاصة لأشياء كثيرة مختلفة بالنوع. وذلك أن الأشياء الكثيرة المختلفة بالنوع توجد لشىء واحد بعينه مقولة عليه وحده، يصير الموضوع خاصة لها كلها إن وضع الحاجة أحد على هذا الوجه.

وأما المصحح فينظر إن كان جعل خاصة الموضوع ما فى الموضوع. فإن ما وضع على أنه ليس بخاصة يصير خاصة إن حملت الخاصة كما وصفنا عليه وحده — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن خاصة الأرض أنها أثقل الأجسام قد جعل الخاصة بصورة الموضوع مقولة على الأمر وحده ومحمولة كالخاصة، صارت خاصة الأرض موضوعة على الصواب.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن كان وصف الخاصة على جهة المشاركة، فإن الموضوعة على أنها خاصة ليست تكون خاصة. وذلك أن الذى يوجد

على جهة المشاركة ينتفع به فى الآنية. وما جرى هذا المجرى فهو فصل ما محمول على نوع واحد — مثال ذلك أنه لما كان من قال: خاصة الإنسان أنه مشاء ذو رجلين، جعل الخاصة على جهة المشاركة، لم تكن خاصة الإنسان أنه مشاء ذو رجلين.

فأما المصحح فينظر ألا يكون جعل الخاصة على جهة المشاركة، وألا يكون يدل على الآنية إذا رجعت بالتكافؤ فى الحمل على الأمر. وذلك أن ما وضع ألا يكون خاصة يصير خاصة. ومثال ذلك أنه لما كان من وضع خاصة الحى أن من شأنه أن يحس، لم يضع الخاصة على جهة المشاركة، ولا دالة على الآنية إذا رجعت بالتكافؤ فى الحمل على الأمر، صار قولنا من شأنه أن يحس خاصة للحى.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن كان يمكن ألا تكون الخاصة معا، لكن تكون إما متأخرة أو متقدمة للاسم، فإن الموضوع ليكون خاصة لا يكون خاصة، لأنها بعينها: إما أولا فى وقت من الأوقات؛ وإما ليس دائما — مثال ذلك أنه لما كان يمكن أن يكون المشى فى السوق يوجد لإنسان ما متقدما ومتأخرا عن الإنسان، لم يكن قولنا يمشى فى السوق خاصة للإنسان: إما ولا فى وقت من الأوقات، وإما ليس دائما.

فأما المصحح فينظر إن كان يمكن أن يوجد معاً من الاضطرار دائما من غير أن يكون حداً أو فصلا، لأنه يصير ما وضع ألا يكون خاصة خاصة —

مثال ذلك أنه لما كان قولنا: «حى قابل للعلم»، وقولنا: «الإنسان» يوجدان معا من الإضطرار دائما من غير أن يكونا حدا أو فصلا صار قولنا: «حى، قابل للعلم» خاصة للإنسان.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر ألا يكون شىء واحد بعينه خاصة لأشياء واحدة بعينها بما هى واحدة بعينها، فإن الموضوع عند ذلك ليكون خاصة، لا يكون خاصة — مثال ذلك أنه لما كان قولنا: «ما يظهر لبعض الناس أنه خير» ليس خاصة للشىء المطلوب، لم يكن قولنا: «ما يظهر لبعض الناس أنه خير» خاصة للمأثور، وذلك أن المطلوب والمأثور شىء واحد.

فأما المصحح فينظر إن كان شىء واحد بعينه لشىء واحد بعينه بما هو واحد بعينه، خاصة. فإن بهذا الوجه يصير ما وضع على أنه ليس بخاصة خاصة — مثال ذلك أنه لما كان يقال إن خاصة الإنسان بما هو إنسان أن نفسه ذات ثلاثة أجزاء، صارت خاصة المرء بما هو مرء أن نقسمه ثلاثة أجزاء. وهذا الموضع نافع أيضا فى العرض، لأن أشياء بعينها بما هى واحدة بعينها توجد لأشياء هى واحدة بعينها.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر ألا تكون الخاصة واحدة بعينهاأبدا: واحدة بالنوع لأشياء واحدة بعينها بالنوع، لأن الموضوع ليكون خاصة لا يكون

خاصة الشىء الموصوف. مثال ذلك أنه لما كان الإنسان والفرس شيئاً واحداً بالنوع ولم تكن خاصة الفرس دائما أن يقف من تلقاء نفسه، لم تكن خاصة الإنسان دائما أن يتحرك من تلقاء نفسه، لأن الوقوف والحركة من تلقاء النفس شىء واحد بالنوع؛ وذلك أن كل واحد منهما عرض للحى.

وأما المصحح فينظر إن كانت الخاصية الواحدة بعينها فى النوع لأشياء واحدة بعينها فى النوع، فإن بهذا الوجه يكون خاصةً ما وضع ألا يكون خاصةً — مثال ذلك أنه لما كانت خاصة الإنسان أنه مشاء ذو رجلين، صارت خاصة الطائر أنه طائر ذو رجلين، لأن كل واحد منها بعينه فى النوع، أو يكون بعضها بمنزلة أنواع تحت جنس واحد هو الحى، وبعضها بمنزلة فصول جنس الحى. وهذا الموضع يكذب إذا كان أحد الشيئين الموصوفين يوجد فى نوع واحد فقط، والآخر فى أنواع كثيرة، بمنزلة ما أن المشاء ذو أربع.

ولما كان الواحد بعينه والغير يقالان على أنحاء كثيرة، صار المغالط يجعل الخاصة لشىء واحد فقط. وذلك أن الذى يوجد لشىء فقد يوجد للذى يعرض له، وللعرض إذا أخذ معه الذى له عرض — مثال ذلك أن الخاصة التى توجد للإنسان قد توجد للإنسان الأبيض بما هو إنسان أبيض؛ والذى يوجد للإنسان الأبيض قد يوجد للإنسان. وقد يمكن الإنسان أن يصحح أمثال هذه من الخواص بأن يجعل الموضوع نفسه شيئا، ويجعله على العرض

شيئا آخر — مثال ذلك إذا قال إن الإنسان شىء، وإن الإنسان الأبيض شىء آخر غيره، وأيضا إذا جعل الملكة شيئا آخر. وقد يتهيأ أن يزيف مزيف أمثال هذه من الخواص إذا جعل الملكة غير ما يقال بالملكة، وذلك أن الذى يوجد للملكة قد يوجد لما يقال بالملكة أيضا، والذى يوجد لما يقال بالملكة قد يوجد للملكة أيضا — مثال ذلك أنه لما كان العالم يقال بالعلم إن له حالا ما لم تكن خاصة العلم أن التصديق به لا يتغير، لأن العلم يصير لا يزول التصديق به من القول.

فأما المصحح فينبغى له أن يقول إنه ليس العرض والشىء الذى يعرض له واحداً بعينه إذا أخذ مع الذى يعرض له، لكن أحدهما عن الآخر من طريق أن آنيتهما مختلفة. وذلك أنه ليس أن يكون الإنسان إنسانا، وأن يكون إنسانا أبيض— شيئا واحدا بعينه.

وينبغى أيضا أن ننظر فى التصاريف، لأن العلم ليس هو ما لا يزول تصديقه من القول، لكن الإنسان الذى لا يزول عنه التصديق من القول؛ ولا العلم أيضا ما لا يزول تصديقه من القول، لكن الذى لا يزول تصديقه من القول. لأن المقاومة لا محالة إنما يجب أن تكون سبب من هو لا محالة معاند.

٥

〈مواضع أخرى〉

وبعد ذلك فإن المبطل إذا أراد أن يصف الشىء الموجود بالطبع فإنه يصفه باللفظ وصفاً يدل على أنه موجود دائما؛ وذلك أنه يظن أن الذى وضع أن يكون خاصة ينفسخ — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن خاصة الإنسان أنه ذو رجلين يريد أن يجعل الموجود بالطبع خاصة، إلا أنه يدل باللفظ على الموجود دائما، لم يكن ذو الرجلين خاصة للإنسان، وذلك أنه ليس كل إنسان له رجلان.

فأما المصحح فينظر إن كان يريد أن يجعل الموجود بالطبع خاصة فيدل عليه باللفظ أنه بهذه الحال أيضا، فإن بهذا الوجه ليس تنفسخ الخاصة — مثال ذلك أنه لما كان من جعل خاصة الإنسان أنه «حى قابل للعلم» يريد أن يدل باللفظ أيضا على أن الموجود بالطبع خاصة، لم يبطل بهذا الوجه أن خاصة الإنسان: «حى قابل للعلم».

وأيضا ما يقال على أنه أول لغيره أو على أنه هو أول، فقد يمكن أن يجعلها خاصة. وذلك أنك إن جعلت الخاصة لما هو بغيره فقد يصدق على الأول أيضا؛ وإن أنت جعلتها الأول كانت تحمل على ما هو بغيره — مثال

ذلك أنه إن جعل أحد خاصة السطح التلون، فقد يصدق التلون على الجسم أيضا؛ وإن جعله للجسم، حمل على الطسح أيضا. فيجب من ذلك ألا يكون ما يصدق عليه القول يصدق عليه الاسم أيضا.

وقد يعرض فى بعض الخواص على أكثر الأمر خطأ ما من قبل أنه لا يميز كيف توضع الخاصة ولماذا توضع. وذلك أن الجميع يرومون أن يجعلوا الخاصة: إماما يوجد بالطبع بمنزلة ذى الرجلين للإنسان، أو ما يوجد بمنزلة وجود الأربع الأصابع لإنسان ما، أو ما يوجد بالصورة بمنزلة قولنا: ألطف الأجسام أجزاءا — للنار؛ أو ما يؤخذ على الإطلاق بمنزلة قولنا: «يحيا» للحى، أو ما يؤخذ بآخر بمنزلة الفهم للنفس، أو ما يؤخذ على أنه أول بمنزلة الفهم الجيد للجزء الفكرى من النفس، أو ما يوجد على أنه اقتناء بمنزلة ما للعالم أنه لا يزول ما صدق به من القول. وذلك أنه ليس يصير لا يزول ما يصدق به من القول بشىء من الأشياء إلا بأن يقتنى شيئا، أو ما يوجد على أنه يقتنى بمنزلة ما يوجد للعلم ألا يزول تصديقه من القول أو يوجد بأن ينال بمنزلة الإحساس للحى (وذلك أنه قد يحس شىء آخر بمنزلة الإنسان، ولكن هذا إنما يحس بأنه ينال) بمنزلة قولنا: «يحيا» لحيوان ما. — فلما كان هذا هكذا، صار متى لم يضف إلى ذلك بالطبع أخطأ، لأنه يمكن أن يكون ما يوجد بالطبع لا يوجد فى ذلك الشىء الذى يوجد له بالطبع، بمنزلة ما يوجد للإنسان

أن له رجلين. وإذا لم يلخص أنه إنما وصف مايوجد لأنه لا يكون موجودا لذلك الشىء فى الزمان الحاضر بمنزلة الأربع الأصابع للإنسان. وأما إذا لم يبين أنه إنما يضعه على أنه أول أو على أنه بغيره لأنه ليس ما يصدق عليه القول فقد يصدق عليه الاسم أيضا، بمنزلة ما يجعل اللون خاصة للسطح أو للجسم. وإذا لم يتقدم فيقول إنه إنما جعل الخاصة بما يقتنى أو بما يقتنى لأنها ليست تكون خاصة؛ وذلك أن الخاصة إنما وصفت بما يقتنى، فهى توجد للذى يقتنى. فإن وضعت بما يقتنى فهى توجد للمقتنى بمنزلة ما يوضع خاصة العلم أو العالم أن تصديقه لا يزول 〈من〉 القول. وإذا لم يتقدم فيعلم أنه يوجد بأن ينال أو ينال لأن الخاصة توجد لأشياء أخر، وذلك أنه إن وصفها بأن لا تنال كانت توجد لماينالها. وإن وصفها بأن تنال، كانت توجد لما ينيله بمنزلة ما إن وضع أن خاصة الحى، أوحى ما، أنه يحيا. وإذا لم يميز ما بالنوع لأنه قد يوجد لواحد فقط مما يوجد تحت هذا الذى يضع خاصته لأنه ما كان بإفراط فإما يوجد لواحد فقط بمنزلة ما يقال فى النار إنها أخف الأشياء. وربما أخطأ الذى يضيف إلى النوع، وذلك أن يحتاج أن يكون نوعاً واحداً من الأشياء إذا أضاف إلى النوع. وفى بعض الأشياء لا يعرض هذا كما يعرض فى النار، لأن نوع النار ليس هو واحداً، وذلك أن الحمرة والضوء واللهيب مختلفة فى النوع، وكل واحد منها نار. ولذلك

لا ينبغى إذا أضاف إلى النوع أن يكون نوع الموصوف مختلفا، لأن الخاصة الموصوفة يكون لبعضها يوجد أكبر، ولبعضها أقل، كما يوجد فى النار قولنا: ألطف الأجسام. وذلك أن الضوء ألطف من الحمرة ومن اللهيب. وهذا [فـ]ـليس ينبغى أن يكون، إذا لم يكن الاسم يحمل أكثر على ما يصدق عليه القول أكثر؛ وإن لم يكن كذلك ما يصدق عليه القول أكثر، يحمل عليه الاسم أكثر. ومع هذا أيضا فيعوض أن تكون خاصة ما هو على الإطلاق وما هو أكثر، شيئاً واحداً بعينه فيما هو كذلك على الإطلاق: بمنزلة قولنا فى النار: ألطف الأجسام. — وذلك أن هذه الخاصة تصير واحدة بعينها للنار مطلقا وللضوء، وذلك أن الضوء ألطف. — فإذا وصف آخر الخاصة بهذا الوجه، فينبغى أن يحتج عليه. فأما أنت فلا ينبغى أن تسلم هذا العناد. ولكن إذاوضعت الخاصة، فينبغى على المكان أن يميزالحال التى وضعت عليها الخاصة.

وبعد ذلك فإن المبطل ينظر إن كان وضع الشىء خاصةً لنفسه؛ وذلك أن بهذا الوجه لا تكون خاصة ما وضع فتكون خاصة، فإن كل شىء هو لنفسه يدل على آنيته، والدال على الآنية ليس هو بخاصة لأحد — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن الجميل هو اللائق قد جعل الشىء خاصة لنفسه — إذ كان الجميل واللائق شيئا أحداً — لم يكن اللائق خاصة للجميل.

فأما المصحح فينظر ألا يكون جعل الشىء خاصة لنفسه وجعله يرجع عليه بالتكافؤ فى الحمل، فإن بهذا الوجه يصير خاصة ما وضع ألا يكون

خاصة — مثال ذلك أنه لما كان من وضع أن خاصة الحى أنه جوهر متنفس لم يجعله خاصة لنفسه وجعله راجعاً بالتكافؤ فى الحمل، صارت خاصة الحى أنه جوهر متنفس.

وبعد ذلك فينبغى أن ننظر فى المتشابهة الأجزاء. فإن المبطل ينظر إن كانت خاصة الجملة ألا تصدق على الجزء، أو إن كانت خاصة الجزء لا تقال على الجملة: فإن ما وضع أن يكون خاصة لا يكون خاصة. وفى بعض الأشياء يعرض أن يكون هذا: وذلك أن للانسان أن يجعل الخاصة فى الأشياء المتشابهة الأجزاء مرةً إذا نظر إلى الجملة، ومرةً إذا وقعت نفسه على ما يقال على الجزء، فيصير لا واحد منهما موصوفاً على الصواب — مثال ذلك: أما فى الجملة فمن قال إن خاصة البحر أن أكثر مائه مالح، فقد وصف خاصة شىء ما بتشابه الأجزاء ووضع ما لا يصدق على الجزء. وذلك أنه ليس أى جزء كان فأكثر مائه مالح. فليس خاصة البحر إذاً أن أكثر مائه مالح. فأما فى الجزء فمثاله أنه لما كان من وضع خاصة الهواء أنه مستنشق، فقد قال خاصة شىء ما متشابه الأجزاء ووصف خاصةً تصدق على الجزء ولا تقال على الجملة (وذلك أنه ليس جملة الهواء متنفساً) فليس خاصة الهواء إذاً أنه مستنشق.

فأما المصحح فينظر إن كانت تصدق على كل واحد من المتشابهة الأجزاء وهى خاصة لها، من قبل أنها فى الجملة، فإن بهذا الوجه

يقيد خاصة ما وضع ألا يكون خاصة — مثال ذلك أنه إن يصدق على كل أرض أنها تتحرك إلى أسفل بالطبع، وكان هذا خاصة لأرض ما بما هى أرض، فخاصة الأرض الميل إلى السفل بالطبع.

٦

〈مواضع أخرى〉

وبعد ذلك ينبغى أن ننظر من الأشياء المتقابلة: أما أولا فمن المتضادات — أما المبطل فينظر ألا يكون الضد خاصةً للضد، وذلك أن الضد لا يكون خاصة للضد — مثال ذلك أنه لما كان الجور ضد العدل، والأخس ضد الأفضل، ولم تكن خاصة العدل أنه الأفضل، لم تكن خاصة الجور أنه الأخس. فأما المصحح فينظر إن كان الضد خاصة للضد، وذلك أن الضد يكون خاصة للضد — مثال ذلك أنه لما كان الخير ضد الشر، والمهروب منه ضد المؤثر، وكانت خاصة الخير أنه مؤثر، فخاصة الشر أنه مهروب منه.

وأما ثانيا فمما هو من المضاف. أما المبطل فينظر إن كان المضاف ليس هو خاصة للمضاف، فإن المضاف لايكون خاصة المضاف. مثال ذلك أنه لما كان الضعف يقال بالقياس إلى النصف، والفاضل بالقياس إلى المفضول، ولم يكن الفاضل خاصة للضعف، فليس المفضول خاصة للنصف — فأما المصحح فينظر إن كان المضاف خاصة للمضاف، وذلك أن المضاف يصير خاصة للمضاف — مثال ذلك أنه لما كان الضعف يقال بالقياس إلى

النصف، والاثنان بالقياس إلى الواحد، وكانت خاصة الضعف أنه بمنزلة قياس الاثنين إلى الواحد، كانت خاصة النصف أنه بمنزلة قياس الواحد إلى الاثنين.

وأما ثالثا فإن المبطل ينظر إن كان ما يقال بالملكة ليس هو خاصة للملكة، فإنه عند ذلك لا يكون ما يقال بالعدم خاصة للعدم. وإن كان ما يقال بالعدم ليس هو خاصة للعدم، فإنه عند ذلك لا يكون ما يقال بالملكة خاصة للملكة — مثال ذلك أنه لما كان لا يقال إن عدم الحس خاصة الصمم لأنه أمر عام للحواس الأخر، لم يكن الحس خاصة للسمع. — فأما المصحح فينظر إن كان ما يقال بالملكة خاصة للملكة، فإن ما يقال بالعدم يكون خاصة للعدم؛ وإن كان ما يقال بالعدم خاصة للعدم فإن ما يقال بالملكة يكون خاصة للملكة — مثال ذلك أنه لما كان خاصة البصر أن يبصر من جهة ما لنا بصر، كانت خاصة العمى ألا يبصر من جهة ما ليس لنا بصر، إذ كان من شأننا أن يكون لنا.

وبعد ذلك فننظر فى الموجبات والسالبات: أما أولا فننظر من المحمولات أنفسها. وهذا الموضع نافع للمبطل فقط — مثال ذلك أنه إن كانت الموجبة أو الذى تقال بالإيجاب خاصة لشىء، فإنه لا تكون سالبته ولا الذى يقال بالسلب خاصة له. وإن كانت السالبة أو الذى تقال بالسلب خاصة له، لم تكن الموجبة ولا الذى تقال بالإيجاب خاصة له — مثال ذلك أنه لما كانت خاصة الحى أنه متنفس، لم تكن خاصة الحى أنه لا متنفس.

وثانيا ننظر من المحمولات أو غير المحمولات والتى عليها يحمل أو لا يحمل. أما المبطل فينظر: إن كانت الموجبة ليست خاصة للموجبة، فإن السالبة لا تكون خاصة للسالبة؛ وإن كانت السالبة ليست خاصة للسالبة، لم تكن الموجبة أيضا خاصة للموجبة. مثال ذلك أنه لما كان الحى ليس هو خاصة للإنسان، لم يكن قولنا: «لاحى» خاصة لقولنا: «الإنسان». وإن ظهر أن قولنا: «لاحى» ليس بخاصة لقولنا: «لا إنسان»، لم يكن «الحى» أيضا خاصة «للإنسان». فأما المصحح فينظر إن كانت الموجبة خاصة للموجبة، فإن السالبة تكون خاصة للسالبة. وإن كانت السالبة خاصة للسالبة، فإن الموجبة أيضا خاصة للموجبة — مثال ذلك أنه لما كان خاصة ما ليس بحى ألا يحيا، صارت خاصة الحى أن يحيا. وإن ظهر أن خاصة الحى أن يحيا، فقد يظهر أن خاصة ما ليس بحى ألا يحيا.

وثالثا أن ينظر من الموضوعات: أما المبطل فينظر إن كانت الخاصة الموصوفة خاصة للموجبة، فإنه لا تكون هى بعينها خاصة للسالبة أيضا. وإن كانت الخاصة الموصوفة خاصة للسالبة لم تكن خاصة للموجبة — مثال ذلك أنه لما كان خاصة الحيوان أنه متنفس، لم تكن خاصة ما ليس بحى أنه متنفس. فأما المصحح فينظر إن كانت الخاصة الموصوفة ليست بخاصة للموجبة، فهى للسالبة. وهذا الموضع كاذب. وذلك أن الموجبة ليست خاصة للسالبة، ولا السالبة للموجبة، لأن الموجبة لا توجد للسالبة أصلا. وأما السالبة فقد توجد للموجبة، إلا أنها لا توجد لها كالخاصة.

وبعد ذلك ننظر فى القسمة: أما المبطل فينظر إن كان ليس شىء من القسيمة ليس من قسيمتها، فإنه لا يكون الموضوع خاصة للشىء الذى وضع ليكون له خاصة — مثال ذلك أنه لما كان الحى المحسوس ليس بخاصة لشىء من الحيوانات الباقية، لم يكن الحيوان المعقول خاصة للملك. — وأما المصحح فينظر إن كان أى شىء ما مأخوذ من القسيمة الباقية خاصة لكل واحد من هذه القسمة، فإن الباقى يكون خاصة للباقى الذى له وضع أن يكون خاصة — مثال ذلك أنه لما كان خاصة الفهم أنه الذى من شأنه أن يكون بذاته فضيلة للجزء الفكرى، فكل واحدة من الفضائل الأجزاء إذا أخذت على هذه الجهة، صارت خاصة العفة أنها ما من شأنه أن يكون بذاته فضيلة الجزء الشهوانى.

٧

〈مواضع أخرى〉

وبعد ذلك ننظر فى التصاريف: أما المبطل فينظر إن كان التصريف ليس بخاصة للتصريف، فإن التصريف لا يكون للتصريف خاصةً — مثال ذلك أنه لما كان ليس خاصة ما يكون على طريق العدل أن يكون على طريق الجميل، فليس خاصة العدالة الجميل. فأما المصحح فينظر إن كان التصريف خاصة للتصريف، فإن التصريف يكون خاصة للتصريف — مثال ذلك

أنه لما كانت خاصة الإنسان أنه مشاء ذو رجلين، كانت خاصةً للإنسان أنه مشاء ذو رجلين.

وليس إنما ينبغى أن ننظر فيما وصف بالتصاريف نفسه فقط، بل وفى المتقابلات أيضا كما وصفنا فى المواضع التى تقدمت. أما المبطل فينظر إن كان تصريف المقابل ليس بخاصة لتصريف المقابل، فليس يكون تصريف المقابل خاصة لتصريف المقابل — مثال ذلك أنه لما لم يكن ما يقال على طريق العدل خاصة لما يقال على طريق الخير، لم يكن قولنا على طريق الجور خاصة لقولنا على طريق الشر. — فأما المصحح فينظر إن كان تصريف المقابل خاصة لتصريف المقابل، فإن تصريف المقابل يكون خاصة لتصريف المقابل — مثال ذلك أنه لما كان الأفضل خاصة الخير، صار الأخس خاصة الشر.

وبعد ذلك ننظر فى الأشياء التى حالها حال متشابهة. فأما المبطل فينظر إن الذى حاله حال متشابهة ليس بخاصة لما حاله متشابهة، فليس ما حاله متشابهة خاصة لما حاله متشابهة. مثال ذلك أنه لما كانت حال البناء عند إحداث البيت وحال الطبيب عند إحداث الصحة متشابهة، ولم تكن خاصة الطبيب إحداث الصحة، لم تكن خاصة البناء إحداث البيت. — فأما المصحح فينظر إن كان ما حاله متشابهة يكون خاصة لما حاله متشابهة، فإن ما حاله متشابهة يكون خاصة لما حاله متشابهة — مثال ذلك أنه لما كان حال الطبيب عند أن يكون محدثا للصحة شبيهة

بحال الرائض عند أن يكون محدثا لخصب البدن، وكانت خاصة الرائض أن يكون محدثا لخصب البدن، صارت خاصة للطبيب أن يكون محدثا للصحة.

وبعد هذا ننظر فى الأشياء التى تكون بحال واحدة. أما المبطل فينظر إن كان ما هو بحال واحدة ليس هو خاصة لما هو بحال واحدة. فإن ما هو بحال واحدة لا يكون خاصة لما هو بحال واحدة. وإن كان ماهو بحال واحدة خاصة لما هو بحال واحدة، فليس يكون هذا خاصة للذى وضع أن يكون له خاصة — مثال ذلك أنه لما كانت حال الفهم عند الجميل والقبيح حالاً واحدة من قبل أنه علم بكل واحد منهما، ولم تكن خاصة الفهم أن يكون علماً بالقبيح، لم تكن خاصة الفهم أن تكون علماً بالجميل. وإن كانت خاصة الفهم أن يكون علماً بالجميل، فليس خاصته أن يكون علماً بالقبيح. وذلك أنه ليس يمكن أن يكون شىء واحد بعينه خاصة لأشياء كثيرة. فأما المصحح فليس ينتفع بهذا الموضع فى شىء؛ لأن الواحد إذا كانت حاله عند كثيرين حالاً واحدة فليس ينقاس.

وبعد هذا فإن المبطل ينظر إن كان ما يقال بالوجود ليس بخاصة لما يقال بالوجود: فإن ما يقال بالفساد ليس بخاصة لما يقال بالفساد؛ ولا ما يقال بالتكون يكون خاصة لما يقال بالتكون — مثال ذلك أنه لما كان

ليس بخاصة الإنسان أن يوجد حى، لم يكن خاصة تكون الإنسان أيضا أن يتكون حى، ولا خاصة فساد الإنسان أن يفسد حى. وعلى هذا النحو بعينه ينبغى أن نعتبر بالتكون على الوجود وعلى الفساد، ومن الفساد على الوجود وعلى التكون كما وصفنا الآن فى الوجود بالقياس إلى التكون والفساد. وأما المصحح فينظر إن كان الموضوع فى الوجود خاصة للموضوع فى الوجود، فإن الصفة بالتكون تكون خاصة للموصوف بالتكون، والموصوف بالفساد خاصة للموصوف بالفساد — مثال ذلك أنه لما كانت خاصة الإنسان أن يوجد امرؤ، صار تكون الإنسان أن يتكون امرؤ، وخاصة فساد الإنسان أن يفسد امرؤ. وعلى هذا النحو بعينه ينبغى أن نعتبر بالتكون والفساد على الولاء، وبها على أنفسها، كما قيل فيما يلزم المبطل.

وبعد هذا فينظر فى صورة الموضوع: أما النافى فينظر إن كانت لا توجد الصورة، أو إن كانت لا توجد من الجهة التى يقال إنها خاصة للشىء الذى وضعت خاصته، فليس خاصة الموضوع لتكون خاصته — مثال ذلك أنه لما كان السكون لا يوجد للإنسان نفسه من جهة ما هو إنسان، لكن من جهة ما هو صورة، لم يكن السكون خاصة للانسان. فأما المصحح فينظر إن كانت توجد للصورة ويقال إنها توجد لها من جهة الشىء الذى

قصد إلى أن يكون له خاصته. فإن الذى قصد إلى أن تكون له خاصة تصير خاصة — مثال ذلك أنه لما كان يوجد للحى نفسه أمر مركب من نفس وبدن، وكان هذا المعنى نفسه هو له من جهة ما هو حى، صارت خاصة الحى أنه مركب من نفس وبدن.

٨

〈مواضع أخرى〉

وينظر بعد ذلك فى الأكثر والأقل. أما أولا: فالنافى ينظر إن كان ما يقال بالأكثر ليس بخاصة لما يقال بالأكبر، فليس ما يقال بالأقل خاصة لما يقال بالأقل، ولا ما يقال بأيسر يسيرا خاصة لما يقال بأيسر يسيرا، ولا ما يقال بأكثر كثيرا خاصة لما يقال بأكثر كثيرا، ولا ما يقال على الإطلاق لما يقال على الإطلاق — مثال ذلك أنه لما لم يكن قولنا: «أكثر تلونا» خاصة لـ «أكبر جسمية» لم يكن أيضا قولنا: «أقل تلونا» خاصة لما هو «أقل جسمية»، ولا «التلون» خاصة «الجسم» أصلاً. فأما المثبت فينظر إن كان ما يقال بالأكثر خاصة لما يقال بالأكثر، فإن ما يقال بالأقل يكون خاصة لما يقال بالأقل، وما يقال بأكثر كثيرا لما يقال بأكثر كثيرا، وما يقال بأيسر يسيرا لما يقال بأيسر يسيرا، وما يقال على الإطلاق لما يقال على الإطلاق — مثال ذلك أنه لما كان قولنا: «أكثر حساً» خاصة لما هو «أكثر حياة»، فإن قولنا: «أقل حساً»

خاصة لما هو «أقل حياة». وكذلك قولنا فيما هو أكثر كثيرا لما هو أكثر كثيرا، وفيما هو أيسر يسيرا لما هو أيسر يسيراً، وما هو على الإطلاق لما هو على الإطلاق.

وينبغى أن ننظر فى هذه أيضا مما يقال على الإطلاق. وأما النافى فينظر إن كان ما يقال على الإطلاق ليس بخاصة لما يقال على الإطلاق، فليس ما يقال بالأكثر خاصة لما يقال بالأكثر، ولا ما يقال بالأقل لما يقال بالأقل، ولا ما يقال بأكثر كثيرا لما يقال بأكثر كثيرا، ولا ما يقال بأيسر يسيراً لما يقال بأيسر يسيراً — مثال ذلك أنه لما لم تكن خاصة الإنسان أنه مجتهد، لم يكن قولنا أكثر اجتهاداً خاصةً لأكثر إنسانية. — فأما المثبت فينظر إن كان ما يقال على الإطلاق خاصة لما يقال على الإطلاق، فما يقال بالأكثر خاصة لما يقال بالأكثر، وما يقال بالأقل خاصة لما يقال بالأقل، وما يقال أكثر كثيرا لما يقال أكثر كثيرا، وما يقال أيسر يسيرا لما يقال أيسر يسيرا — مثال ذلك أنه لما كانت خاصة النار الحركة إلى فوق بالطبع، فخاصة ما هو أكثر نارية أنه أكثر حركة إلى فوق بالطبع. وعلى هذا النحو بعينه ينبغى ان ننظر فى جميع هذه الأشياء من سائر تلك الأخر.

وثانيا: فينظر النافى: فإن كان ما يقال بالأكثر ليس بخاصة لما يقال بالأكثر، فإن ما يقال بالأقل لا يكون خاصة لما يقال بالأقل — مثال ذلك أنه إن كان الإحساس خاصة للحيوان أكثر من أن التعلم خاصة للإنسان،

ولم يكن الإحساس خاصة للحى، فليس التعلم خاصة للإنسان. — فأما المثبت فينظر إن كان ما يقال بالأقل خاصة لما يقال بالأقل، فإن ما يقال بالأكثر خاصة لما يقال بالأكثر — مثال ذلك أنه لما كان قولنا «آنس بالطبع» خاصة للإنسان أقل من أن قولنا: «يحيا» خاصة للحى، وكان قولنا فى الإنسان إنه «آنس بالطبع» خاصة له، فقولنا فى الحى إنه «يحيا» خاصة له.

وثالثا: فينظر النافى إن كان الشىء الذى الخاصة أحرى بأن تكون له ليس الخاصة له؛ فالذى الخاصة له دون ذلك ليس بخاصة له. وإن كانت خاصة لذلك فليست خاصة لهذا. مثال ذلك أنه لما كان التلون خاصةً للسطح أحرى منه بأن يكون للجسم، وليس التلون خاصة للسطح، فليس هو خاصة للجسم؛ وإن كان خاصة للسطح فليس هو خاصة للجسم — وأما المثبت فلن ينتفع بهذا الموضع فى شىء. وذلك أنه ليس يمكن أن يكون شىء واحد خاصة لأشياء كثيرة.

ورابعاً: فإن النافى ينظر إن كان ما هو أحرى بأن يكون لشىء خاصة ليس بخاصة له، فما ليس هو حرياً بأن يكون لشىء خاصة ليس هو خاصة له — مثال ذلك أنه لما كان المحسوس أحرى بأن يكون خاصة للحى من المتجزئ، ولم يكن المحسوس خاصة للحى، ولم يكن المتجزئ خاصة له. — فأما المثبت فينظر إن كان ما ليس هو حرياً بأن يكون لشىء خاصة هو خاصة له، فما

هو حرى بأن يكون له خاصة هو له خاصة. مثال ذلك أنه لما كان قولنا: «يحس» ليس هو أحرى بأن يكون خاصة للحى من قولنا «يحيا»؛ وكان قولنا «يحس» خاصة للحيوان، يصير قولنا «يحيا» خاصة للحيوان.

وبعد ذلك فينظر من الأشياء الموجودة على مثال واحد. أما أولاً: فإن النافى ينظر إن كان ما هو خاصة على مثال واحد ليس هو بخاصة لذلك الذى هو له خاصة على مثال واحد، فليس ما هو خاصة على مثال واحد خاصة لهذا الذى هو له خاصة على مثال واحد — مثال ذلك أنه لما كان خاصة الجزء الشهوانى أن يشتهى على مثال ما الخاصة الجزء المفكر أن يفكر، ولم تكن خاصة الشهوانى أن يشتهى، لم تكن خاصة المفكر أن يفكر. — فأما المثبت فينظر إن كان ما هو خاصةعلى مثال واحد خاصة للشىء الذى هو له خاصة، فإن الذى هو لشىء خاصة على مثال واحد هو له خاصة على مثال واحد. مثال ذلك أنه لما كان خاصة الجزء الفكرى أنه أول من يأتى على مثال ما خاصة الجزء الشهوانى أنه أول عفيف، وكانت خاصة الفكرى أنه أول من يأتى، فخاصة الشهوانى أنه أول عفيف.

وثانيا: ينظر النافى إن كان ما هو خاصة لشىء على مثال ما آخر خاصة له، ليس هو خاصة له، فإن الذى هو على ذلك المثال خاصة له ليس هو خاصة على مثال واحد — مثال ذلك أنه لما كان خاصة الإنسان أن يبصر

وأن يسمع، ولم تكن خاصة الإنسان أن يبصر، فليس خاصته أن يسمع. — فأما المثبت فينظر إن كان ما هو خاصة لشىء على مثال ما آخر خاصة له وكان أحدهما خاصة له، فالآخر خاصة له — مثال ذلك أنه لما كان خاصة النفس على مثال واحد أن منها جزءاً شهوانياً على القصد الأول، ومنها جزءاً فكرياً على القصد الأول؛ وكان خاصة النفس أن منها جزءاً شهوانياً على القصد الأول، فخاصة النفس أن لها جزءاً فكرياً على القصد الأول.

وثالثا: أن المبطل ينظر إذا كان شىء واحد خاصة لشيئين على مثال واحد، ولم يكن خاصة لأحدهما، فليس هو للاخر خاصة. وإن كان لذلك خاصة، لم يكن للآخر خاصة — مثال ذلك أنه لما كان على مثال واحد الإحراق خاصة اللهيب والحمرة، ولم يكن الإحراق خاصة اللهيب، لم يكن الإحراق أيضا خاصة للحمرة. وإن كان الإحراق خاصة للهيب، فليس خاصة الحمرة الإحراق. فأما المثبت فليس ينتفع بهذا الموضع فى شىء.

والفرق بين المعنى الذى يكون من الأشياء التى بحال متشابهة وبين المعنى الذى يكون من الأشياء الموجودة على مثال واحد أن ذاك يوجد بالمقايسة من غير أن ينظر فى أنه موجود شيئاً من الأشياء، وهذا من أنه موجود شيئاً من الأشياء يحكم عليه بالمقايسة.

٩

〈المواضع أخرى〉

وبعد هذا ينظر النافى إن كان إذا وصف الخاصة بالقوة وصفها بالقوة خاصة بالقياس إلى لا موجود، إن كان لا يمكن فى القوة أن تكون موجودة للا موجود. وذلك أنه لا يكون الموضوع ليكون خاصة خاصة — مثال ذلك أنه لما كان من قال إن خاصة الهواء أنه مستنشق، فقد وصف الخاصة بالقوة، لأن هذه الخاصة — أعنى أنه يستنشق أو أنه مستنشق هذه حالها ووضعها أيضا بالقياس إلى لا موجود. وذلك أنه إذا لم يوجد الحى، وهو الذى من شأنه أن يتنفس، فقد يمكن أن يوجد الهواء. إلا أنه إذا لم يكن الحى موجودا، فليس يمكن أن يتنفس. فليس يكون إذن الهواء موجوداً بالحال التى هو بها مستنشق فى الوقت الذى لا يكون الحى فيه بحال يتنفس فيها. فليس خاصة الهواء إذن أن يكون مستنشقا. — فأما المثبت فينظر إن كان إذا وصف الخاصة بالقوة يصفها بالقياس إلى موجود أو إلى لا موجود، إذا كان يمكن فى القوة أن يوجود اللاموجود — فقد يكون خاصة ما يوضع ألا يكون خاصة — مثال ذلك أنه لما كان من وصف خاصة الموجود أنه الممكن فيه أن يفعل أو ينفعل، فقد وصف الخاصة بالقوة وصفها بالقياس

إلى موجود، لأن الشىء إذا كان موجوداً فقد يمكن أن ينفعل شيئاً ويفعل. فخاصة الموجود أنه يمكن فيه أن ينفعل شيئاً أو يفعل.

وبعد هذا فللنافى أن ينظر إن كان وضع الخاصة بالأغلب، فليس بخاصة ما وضع ليكون خاصةً، لأنه قد يعرض للذين يصفون الخاصة بهذه الصفة ألا يكون الاسم عندهم يصدق على ما يقع عليه القول. وذلك أن الأمر إذا فسد بقى القول بحاله، لأنه قد يؤخذ خاصة لشىء من الأشياء — مثال ذلك أنه إن وصف واصف خاصة النار بأنها أخف الأجسام، وذلك أن النار لو فسدت لقد كان يؤخذ من الأجسام ما يكون أخفها، فليس خاصة النار إذاً أنها أخف الأجسام. — فأما المثبت فينظر إن كأن لم يضع الخاصة بالأغلب، فنعم ما وضعت الخاصة فى هذا المعنى — مثال ذلك أنه لما كان من وضع خاصة الإنسان أنه حيوان آنس بالطبع، لم يضع الخاصة بالأغلب، فنعم ما وضع الخاصة فى هذا المعنى.

][ تمت المقالة الخامسة من كتاب طوپيقا ][

][ وقوبل به ][

المقالة السادسة منه 〈المواضع المشتركة للحد〉

١

〈تقسيم عام لمشاكل الحد〉

قال:

أما صناعة الحدود فأجزاؤها خمسة: وذلك أنه إما ألا يصدق القول أصلاً على ما يقال عليه الاسم، فإنه ينبغى أن يكون حد الإنسان يصدق على كل إنسان؛ وإما أن يكون للشىء جنس موجود فلم يضعه فى الجنس، أو لم يضعه فى الجنس الذى يخصه، فإنه يجب على من يحد أن يجعل الشىء فى جنسه ويضيف إليه الفصول؛ وذلك أنه أولى بالدلالة على جوهر المحدود من كل ما فى الحد. وإما ألا يكون القول خاصاً بالشىء (فإنه ينبغى أن يكون حد الشىء خاصا به، كما قلنا أيضا) وإما أن يكون إذا عمل جميع ما وصفنا لم يحد ولم يقل إليه المحدود ما هى والباقى الخارج مما وصفنا إن كان قد وجد ولم يصب فى التحديد.

فأما إن كان لا يصدق على ما يقال عليه الاسم، فينبغى أن ننظر فيه من المواضع التى قيلت فى العرض. وذلك أن النظر بأسره هناك

هو أن: هل الشىء حق أو غير حق؟ لأنا إذا قلنا إن العرض يوجد فإنما نقول إنه حق. وإذا قلنا إنه ليس يوجد قائماً نقول إنه ليس بحق. فأما إن كان لم يضعه فى الجنس الخاص به، أو إن كان القول الموفى غير خاص به، فإنما ينبغى أن نبحث عنه من المواضع التى قيلت فى الجنس وفى الخاصة. فأما إن كان لم يحد، أو إن كان لم يصب فى تحديده، فإن عمل أى شىء كان أسهل من الإصابة فى عمله. فمن البين أن الخطأ فى هذا المعنى أكثر، لأنه أصعب. فيجب أن يكون مرام هذا أسهل من مرام ذاك.

وأجزاء ما يجرى على غير صواب جزءان: الواحد استعمال العبارة الغامضة: وذلك أنه ينبغى للذى يحد شيئاً أن يستعمل — ما أمكن — العبارة التى فى غاية البيان، لأن الحد إنما يوفى ليعرف به الشىء. والثانى أن يكون قد تجاوز بالقول ما يجب. وذلك أن كل ما يزاد على الحد فإنما هو فضل. وأيضا فإن كل واحد من الجزئين الموصوفين ينقسم إلى أجزاء كثيرة.

٢

〈غموض الحد〉

فأحد مواضع ما يوصف وصفاً غامضاً أن يكون الشىء الموصوف من المتفقة أسماؤها. مثال ذلك أن الكون هو المصير إلى الجوهر، وأن الصحة اعتدال الأشياء الحارة والباردة. وذلك ان المصير والاعتدال من المتفقة أسماؤها. فليس يتبين أيما يريد أن يقول من المعنى التى يدل عليها ما يقال على أنحاء كثيرة.

وكذلك إن كان المحدود أيضاً يقال على جهات كثيرة فذكره قبل أن يفصل جهاته، لأنه لا يبين حد أيما منها وفى. وقد يمكن أن يعدل على أن القول لن يطابق جميع الأشياء التى وفى حدها. ويمكن أن يفعل مثل هذا خاصة إذا لم يشعر باتفاق الاسم. وقد يمكن أيضا إذا لخص ما يقال فى الحد على كم جهة يقال أن يعمل قياساً: وذلك أنه إن كان لم يقل على شىء من هذه الجهات قولاً كافياً، فمن البين أنه لم يحد على ما ينبغى.

وموضع آخر وهو إن كان قال الشىء على جهة الاستعارة — مثال ذلك إن كان سمى العلم الذى لا ينتقل، أو سمى الهيولى خاصة أو سمى العفة اتفاقا: وذلك أن كل ما يقال على جهة الاستعارة فإنه غامض غير بين. وقد يمكن أن يقول من قال الشىء على جهة الاستعارة على أنه قاله على الحقيقة، فإن الحد الموصوف لا يطابقه كالحال فى العفة؛ وذلك أن كل اتفاق إنما يكون فى النغم. وإيضا إن كان الاتفاق جنساً للعفة لكان شىء واحد بعينه يكون فى جنسين لا يحوى أحدهما الآخر، وذلك أنه لا الاتفاق يحوى الفضيلة، ولا الفضيلة تحوى الاتفاق.

وأيضاً إن كان يستعمل أسماءً غير موضوعة كما فعل أفلاطن عند تسميته «العين»: «المظللة بالحاجب»، ويسمى «الرتيلاء»: «متعفنة اللسعة»، وتسميته «المخ»: «المتولد فى العظام». وذلك أن كل ما لم تجر فيه العادة فهو غير بين.

وبعض الأسماء لا تقال باتفاق الاسم ولا بالعبارة — مثال ذلك القول بأن الناموس مقدار ومثال الأشياء العادلة بالطبع. وما جرى هذا المجرى شر من الاستعارة، وذلك أن الاستعارة قد تجعل المعنى معلوما بضرب من الضروب لمكان التشابه، إذ كان كل من يستعمل الاستعارة فإنما يستعملها لمكان تشابه ما؛ فأما ما جرى هذا المجرى فليس يجعل الشىء معلوماً. وذلك أنه ليس يوجد التشابه الذى به الناموس قدر ومثال، ولا جرت العادة بأن يقال. فلذلك متى قال إن الناموس بالحقيقة قدر ومثال، أن يكون قد كذب. وذلك أن المثال هو الذى كونه بتشبيه، وهذا شىء ليس هو موجوداً للناموس. ومتى قال إنه كذلك ليس على الحقيقة، فمن البين أنه قال ذلك قولا غامضا وأردأ من أى شىء كان مما يقال على جهة الاستعارة.

وأيضاً إن لم يكن حد الضد بيناً أصلاً من الذى قد وصف. وذلك أن التى توصف على ما يجب قد تدل — مع ما تدل عليه — على أضدادها، أو إن كان الموصوف فى نفسه لا يبين من أمره تحديد لأى شىء هو، لكن بمنزلة أحوال الصور العتيقة إن لم يرسم أحد عليها دلالتها لم يعلم ما كل واحد منها.

٣

〈إسهاب الحد〉

فمن أمثال هذه الأشياء ينبغى أن نبحث إن كان قال قولاً غامضاً.

وإن كان ذكر فى التحديد أكثر مما يجب فينبغى أن ننظر أولاً إن كان استعمل شيئاً يوجد لكلها أو بالجملة للموجودات أو الأشياء التى هى والمحدود تحت نوع خاص، فإنه واجب ضرورةً أن يكون هذا يقال على أكثر مما قال ذاك. وذلك أنه واجب أن يكون الجنس يفصل من الأشياء الأخر، والفصل يفصل من شىء من الأشياء التى تحت جنس واحد. فإن الموجود لجميعها على الإطلاق لا يفصل من شىء فيها، فأما الموجود لجميع التى هى تحت جنس واحد لا يفصل من التى تحت جنس واحد بعينه. فزيادة ما يجرى هذا المجرى إذن باطلة. أو إن كان الذى يزاد خاصا، وإذا رفع كان الباقى خاصاً ويدل على الجوهر — مثال ذلك إن زيد فى حد الإنسان: «قابل للعلم» كان ذلك باطلاً، لأن هذا إذا رفع منه كان القول الباقى خاصا له ويدل على جوهره. وبالجملة أقول: كل ما كان إذا رفع كان الباقى يدل على المحدود ما هو، فهو باطل. وكذلك يجرى أمر تحديد النفس إذا كان عددا يحرك ذاته، وذلك أن الذى يحرك ذاته هو نفس كما حده أفلاطن. إلا أنا نقول إن هذا الذى قيل خاصة وليس يدل على الجوهر إذا رفع

العدد. وبأى جهة من هاتين كان الأمر فقد يصعب إيضاحه. وقد ينبغى أن نستعمل فى جميع ما يجرى هذا المجرى بحسب ما يليق به. وأيضاً فإن حد البلغم أنه أول رطوبة تتولد من الغذاء غير منهضمة. وذلك أن قولنا: «أول»، واحد وليس بكثير. فزيادتنا إذن «منهضمة» باطل، لأن هذا إذا رفع كان القول الباقى خاصة، إلا أنا نقول: لا. وذلك أنه يمكن أن يكون هذا وشىء آخر غيره من الغذاء. فليس البلغم إذاً على الإطلاق أول رطوبة من الغذاء، لكن أول مما لم ينهضم، فيجب كذلك أن يزاد فى الحد: «غير منهضمة»، لأنه إذا قيل على جهة العموم لم يكن القول صدقاً، إذ كان ليس هو أول جميعها.

وأيضاً إن كان شىء مما فى القول لا يوجد لجميع الأشياء التى تحت نوع واحد، فإن تحديد مثل هذا قد حد من الذين يستعملون ما يوجد بكل الموجودات. وذلك أنه بتلك الجهة إن كان القول الثانى خاصاً، فإن القول كله يكون خاصاً، لأن الخاصة بالجملة إذا أضيف إليها شىء — أى شىء كان — صادقاً، فإن القول بأسره يكون خاصا. وإن كان شىء مما فى القول ليس يوجد لجميع الأشياء التى تحت نوع واحد، فليس يمكن أن يكون القول بأسره خاصاً، لأنه ليس يرجع بالتكافؤ فى الحمل — مثال ذلك قولنا: حى، مشاء، ذو رجلين، ذو أربع أذرع — فإن هذا القول

لا يرجع بالتكافؤ فى الحمل على الأمر، من قبل أنه ليس يوجد ذو أربعة أذرع لجميع الأشياء التى تحت نوع واحد.

وأيضاً إن كان ذكر شيئاً واحداً بعينه مرارا كثيرة — مثال ذلك إذا قال إن الشهوة التوقان إلى اللذيذ، فإن كل شهوة إنما هى للذيذ، فيصير لذلك الشىء الواحد بعينه للشهوة موجوداً للذيذ، فيكون التوقان إذن للذيذ، لأنه لا فرق بين قولنا: «شهوة» وبين قولنا: «توقان للذيذ»، فكل واحد منهما إذن يوجد للذيذ. ونقول إن هذا ليس بالمنكر لأن الإنسان ذو رجلين. فالذى هو واحد بعينه للانسان يصير ذا رجلين؛ وقولنا: حى مشاء ذو رجلين شىء واحد بعينه للانسان، فيصير الحى المشاء ذو الرجلين ذا رجلين. ولكنه ليس يلزم لهذا السبب أمر منكر، لأنا لم نحمل ذا الرجلين على حى مشاء ذى الرجلين، وذلك أن بهذا الوجه يكون ذو الرجلين قد حمل على شىء واحد بعينه مرتين، لكن ذا الرجلين يقال على الحى المشاء ذى الرجلين. فذو الرجلين إذن إنما حمل مرةً واحدةً فقط. وكذلك يجرى الأمر فى الشهوة، لأن قولنا للذيذ لم يحمل على التوقان، وإنما حمل على القول كله، فيصير الحمل فى هذا الموضع أيضاً مرةً واحدة.

وليس اللفظ باسم واحد بعينه مرتين من الأشياء المنكرة؛ لكن المنكر هو أن يحمل شىء واحد بعينه على شىء مل مراراً كثيرة، بمنزلة ما عمل كسانوقراطس بالفهم حيث قال إنه محدد للموجودات وعالم بها. وذلك أن المحدد عالم ما. فقد ذكرنا شيئاً واحداً بعينه مرتين بزيادتنا فى القول: «عالم». وكذلك الذين يقولون إن البرد هو عدم الحرارة بالطبع. وذلك أن كل عدم فإنما هولما يوجد بالطبع. فالزيادة فى هذا القول: «ما يوجد فى الطبع» باطل، لأنه قد كان يكتفى بأن يقول: عدم الحرارة، لأن العدم نفسه يدل على أنه لشىء بالطبع يقال.

وأيضا إن كان الشىء قيد كليا فزيد عليه جزئى، بمنزلة ما نقول إن الدعة انتفاض الأشياء الموافقة والواجبة، وذلك أن الواجب موافق ما، فهو إذن محصور فى الموافق، فذكر الواجب ها هنا فضل. وذلك أنه ذكر كلياً ثم أضاف إليه جزئيا. أو إن قال قائل إن الطب العلم بالأمور المصححة للحى، والإنسان، أو قال إن الناموس صورة الأشياء الجميلة بالطبع والعادلة — وذلك أن العدل جميل ما — فقد ذكر قائل هذا القول شيئاً واحداً مراراً كثيرة.

٤

〈مواضع أخرى〉

فهذه الأشياء وما يجرى مجراها ينبغى أن نبطل هل حد الشىء على ما يجب أو على غير ما يجب. — فأما النظر فى أنه هل حد وقيل فيه ما هو، أم لا — فمن هذه الأشياء وما أشبهها ينبغى أن يكون.

أما أولا فينبغى أن ننظر لعله لا يكون عمل التحديد من أشياء هى أقدم وأعرف. وذلك أنه لما كان الحد إنما يوفى لمكان المعرفة بالأمر المحدود، وكانت معرفتنا بالشىء لا تكون من أى شىء اتفق، لكن من أشياء هى أقدم وأعرف، كما هو فى البراهين، (لأن بهذا الوجه يجرى أمر كلى تعليم وتعلم)، كان من الظاهر أن ما لم يحد بما يجرى هذا المجرى لم يحد. وإن لم يكن الأمر كذلك صارت حدود كثيرة لشىء واحد بعينه. فإنه من البين أن الذى يكون من أشياء هى أقدم وأعرف قد حد أيضا بأفضل ما يكون، فيصير لذلك الحدان كلاهما لشى واحد بعنيه. وهذا شىء لا يظن. وذلك أن كل واحد من الأشياء إنما آنيته وذاته شىء واحد. فيجب من ذلك إن كان لشىء واحد بعينه حدود كثيرة أن تكون آنية المحدود التى يستدل عليها من كل واحد من الحدين واحدة بعينها؛ وهاتان فليستا شيئاً واحداً بعينه، لأن الحدين مختلفان. فبين إذن أن الذى لم يحد من أشياء هى أقدم وأعرف لم يحد. فأما أن الحد لم يقل

من أشياء هى أعرف فنفهمه على ضربين: إما إذا كانت من أشياء ليست أعرف على الإطلاق. وإما من أشياء ليست أعرف عندنا، فإنه قد يمكن أن يكون بالضربين كليهما. فبالجملة، المتقدم أعرف من المتأخر بمنزلة ما النقطة أقدم من الخط والخط أقدم من البسيط والبسيط من المصمت؛ وبمنزلة ما أن الوحدة أيضاً أعرف من العدد، فإنها أقدم من كل عدد ومبدأ له. وعلى ذلك المثال الحرف من حروف المعجم أقدم من المقطع. فأما نحن فقد يعرض لنا مراراً عكس ذلك. وذلك أن المصمت أحق بالوقوع تحت الحس من البسيط؛ والسطح أوقع تحت الحس من الخط؛ والخط أوقع من النقطة. ولذلك صار جمهور الناس يعرفون هذه الأشياء أكثر. وذلك أن هذه يقف عليها الفهم اليسير، وتيك تحتاج إلى فهم صحيح بارع. فبالجملة الأفضل أن يلتمس تعرف ما هو متأخر بما هو متقدم، فإن هذا المذهب أشبه بطريق العلم. والذين أيضا لا يمكنهم التعرف بأمثال هذه، فلعله يجب أن نجعل لهم القول من الأشياء المعروفة عندهم. ومما يجرى هذا المجرى من التحديدات تحديد النقطة وتحديد الخط وتحديد البسيط، فإن جميعها يدل على المتقدم فالأخير، لأنهم يقولون إن ذاك طرف الخط، وهذا طرف البسيط، وهذا طرف المصمت.

وليس ينبغى أن يذهب علينا أن الذين يجرون فى الحدود هذا المجرى لا يمكنهم أن يدلوا فى المحدود على الماهية (إن لم يتفق أن يكون الشىء

الواحد بعينه معروفاً عندنا ومعروفاً على الإطلاق) إذ كان يجب على الذى يحد على الصواب أن يحد بالجنس والفصول. وهذه هى من الأشياء التى هى أعرف وأقدم من النوع وأعرف منه أيضاً. وذلك أن النوع إذا عرف فواجب ضرورةً أن يعرف الجنس والفصل، لأن من عرف الإنسان فقد عرف الحى والمشاء؛ وإذا عرف الجنس أو الفصل فليس يجب ضرورةً أن يعرف النوع أيضاً. فالنوع إذن لا يعرف أكثر منهما. وأيضا قد يلزم بالحقيقة الذين يقولون إن التى تجرى هذا المجرى تحديدات: أعنى التى توجد من الأشياء المعروفة عند كل واحد — أن يقولوا إن تحديدات كثيرة تلزم شيئاً واحداً بعينه. وذلك أن الأشياء التى هى أعرف مختلفة عند الناس وليست واحدة بعينها عند جميعهم. فالحد لذلك عند كل واحد موصوف بخلاف ما هو عند الآخر إن كان ينبغى أن يعمل الحد من الأشياء التى هى أعرف عند كل واحد. وأيضا تكون أشياء مختلفة فى أوقات مختلفة عند قوم بأعيانهم أعرف. وذلك أن فى أول الأمر تكون المحسوسات كذلك. فإذا صاروا متحركين صار الأمر بالعكس، فيجب أن لا يكون حد واحد بعينه أبداً موصوفاً لواحد بعينه عند الذين يقولون إن الحد ينبغى أن يكون موصوفاً بالأشياء التى هى أعرف عند كل واحد. فمن البين أنه ليس يجب أن يكون التحديد بمثل هذه الأشياء، لكن من الأشياء التى هى أعرف على الإطلاق. فإن بهذا الوجه وحده يكون الحد واحداً بعينه أبدا. ولعل الشىء المعروف على الإطلاق ليس هو الذى لا يعرف عند أحد، لكن

المعروف عند الحسنى الحال فى الفهم بمنزلة الشىء الصحى على الإطلاق عند الحسنى الحال فى أجسامهم. فينبغى أن نستقصى البحث عن كل واحد من أمثال هذه وأن نستعملها إذا تكلمنا فيما ينفع. وقد يمكننا بإجماع أن نرفع التحديد متى لم نجعل القول من التى هى أعرف على الإطلاق ولا من التى التى هى أعرف عندنا.

وأحد مواضع ما لا يكون بالأشياء التى هى أعرف ما يدل على الأشياء المتقدمة بالمتأخرة كما قلنا آنفا. وموضع آخر وهو أن ينظر إن كان قول ما هو فى السكون وما هو محدود وصف لنا، يعنى محدود وما هو فى السكون. وذلك أن الثابت والمحدود أقدم وأعرف من غير المحدود ومما هو فى الحركة.

وأصناف ما يكون من أشياء ليست أقدم ثلاثة: أما أولاً فإن كان المقابل قد حد بمقابله، مثال ذلك إن كان الخير حد بالشر. وذلك أن المتقابلين معاً فى الطبع. وفى بعضها يظن بأن العلم بالمتقابلين واحد بعينه؛ ولذلك لا يكون أحدهما أعرف من صاحبه. وليس ينبغى أن يذهب علينا أن بعضها لعله ألا يمكن فيها أن يحد بجهة أخرى، مثال ذلك أن الضعف لا يمكن أن يحد إلا بالنصف. وجميع ما كان يقال بذاته بالإضافة إلى شىء. وذلك أن جميع ما يجرى هذا المجرى فإن ما هيته إنما هى بالقياس إلى شىء كيفما كان — فليس يمكن لذلك أن يعرف أحدهما دون صاحبه. وبهذا السبب وجب

ضرورةً أن نحصر أحدهما فى قول الآخر، فيجب أن نعلم جميع ما يجرى هذا المجرى وأن نستعملها فى هذه كما يظن بها أنها توافق.

وموضع آخر إن كان استعمل المحدود نفسه، وإنما يخفى ذلك إذا لم يستعمل اسم المحدود بعينه، مثلما يحد الشمس أنها كوكب يظهر نهاراً. وذلك أن من استعمل النهار فقد استعمل الشمس. وينبغى إذا أردنا كشف مثل هذا أن ننقل الاسم إلى قول — مثال ذلك: إن كان النهار هو حركة الشمس فوق الأرض، فمن البين أن من قال: حركة الشمس فوق الأرض، فقد قال: الشمس. فمن استعمل إذن الشمس فقد استعمل النهار.

وأيضا إذا كان حد القسيم بقسيمه، مثل ما تقول فى الفرد إنه أعظم من الزوج بواحد، وذلك أن الأشياء التى هى قسيمة بعضها لبعض من جنس واحد بعينه معاً فى الطبع؛ والزوج والفرد قسيمان لأنهما جميعاً فصلا العدد.

وكذلك أن حد ما فوق بما أسفل: مثل قولنا إن العدد الزوج هو ما انقسم بنصفين، أو أن الخير ملكة للفضيلة. وذلك أن قولنا بنصفين هما أحد من الاثنين اللذين هما زوج؛ والخير فضيلة ما. فهذه إذن تحت تلك. وأيضاً تحت ضرورة على الذى يستعمل ما أسفل أن يستعمله أيضا. وذلك أن الذى يستعمل «الفضيلة» قد يستعمل «الخير»، لأن الفضيلة خير ما.

وكذلك من استعمل «بنصفين» فقد استعمل الزوج، لأن قولنا إن الشىء انقسم بنصفين يدل على أنه قد انقسم باثنين، والاثنان زوج.

٥

〈مواضع أخرى〉

فبالجملة نقول إن كان موضعاً يصير القول من أشياء ليست أقدم ولا أعرف، وأجزاؤه ما وصفنا.

وموضع ثان: أن ينظر إن كان الأمر موجودا فى جنس ولم يوضع فى جنس. وهذا الخطأ يوجد فى جميع الأشياء التى فيها لا يتقدم فيوضع: ما الشىء. مثال ذلك تحديد الجسم أنه الذى له ثلاثة أبعاد، أو مثل تحديد الإنسان بأنه الذى يحسن أن يحسب. والجنس من شأنه أن يدل على: ما هو الشىء، ويوضع أول الأشياء التى تقال فى التحديد.

وأيضاً إن كان المحدود يقال فى أشياء كثيرة فلم يضعه فيها كلها — مثال ذلك إن قال إن الكتابة العلم بالخط. وذلك أنه يحتاج إلى أن يقال: وبالقراءة أيضاً، لأن بهذا الحد لم يحد، بذكره الخط، أكثر مما كان تحديده بذكر القراءة. فليس واحد منهما حدا، لكن من قال هذين كليهما فقد حد، لأن اشياء كثيرة لا يمكن أن تكون حدوداً لشىء واحد بعينه. وفى بعض الأشياء يكون ذلك حقاً كما قلنا، وفى بعضها لا — مثال ذلك فى الأشياء

التى لا يقال فيها بذاته بحسب الأمرين جميعا، بمنزلة ما يقال فى الطب أنه يحدث الصحة والمرض. وذلك أنه يحدث تيك بذاته، ويحدث هذا بالعرض، لأن الجملة: إحداث المرض غريب من الطبيب. فالذى يصف الحد بسبب كليهما ليس هو أولى بالتحديد من الذى يصفه بحسب أحدهما، لكن أخلق به أن يكون دونه، لأن من أراد من سائر العوام أمكنه أن يحدث مرضاً.

وينظر أيضاً إن كان فى صفة الشىء لا بحسب الأمر الأفضل، لكن بحسب الأدنى، إذا كانت الأشياء التى يقال المحدود بحسبها كثيرة، وذلك أن كل علم وكل قوة فإنما يظن بها أنها للشىء الأفضل.

وأيضاً ينبغى أن ينظر إن كان الموصوف لم يوضع فى الجنس الذى يخصه من الاسطقسات التى فى الجنس كما تقدم من قولنا.

وينظر أيضا إن كان فى صفة الشىء يتجاوز الأجناس — مثال ذلك إن قال العدل هو ملكة فعالة المساواة أو موزعة الحق بالسواء، فإن الذى حد هذا الحد يجاوز الفضيلة. لأنه لما أغفل جنس العدل لم يقل ما هيته، وذلك أن الجوهر لكل واحد إنما هو مع جنسه، وهذا هو وألا يوضع الشىء فى أقرب الأجناس منه سؤالاً. ومن وضع أقرب الأجناس فقد ذكر جميع الأجناس التى فوق، لأن جميع الأجناس التى فوق تحمل على التى تحت. فيجب إذاً: إما أن يوضع الشىء فى جنسه الأقرب، وإما أن

يضم جميع الفصول التى بها يحد الجنس الأقرب إلى الجنس الأعلى، فإن بهذا الوجه لا يكون أغفل شيئاً، بل إنما يكون ذكر الجنس الأسفل بقول مكان اسم؛ وإما من ذكر الجنس الأعلى فقط فلم يذكر الجنس الأسفل، وذلك أن من ذكر النبات لم يذكر شجرة.

٦

〈مواضع أخرى〉

وفى الفصول أيضاً ينبغى أن ينظر مثل ذلك، أعنى إن كان ذكر فصول الجنس فإنه إن كان لم يحد الأمر بفصوله أو إن كان بالكلية ذكر سبباً يجرى مجرى ما لا يمكن أن يكون فصلا لشىء من الأشياء، بمنزلة الحى أو الجوهر، فمن البين أنه لم يحد، لأن الأشياء المذكورة ليست فصلاً لشىء من الأشياء.

وينبغى أن ينظر أيضا إن كان شىء قسيما للفصل المذكور. وذلك أنه إن لم يكن كذلك فبين أن الفصل المذكور ليس هو للجنس، لأن كل جنس إنما ينقسم بالفصول التى يوازى فى القسمة بعضها بعضاً، بمنزلة ما ينقسم الحى بالمشاء والطائر وذى الرجلين، أو إن كان الفصل قسيماً، إلا أنه لا يصدق على الجنس، وذلك أنه بين أنه ولا الفصل الآخر للجنس وإن جميع الفصول التى يوازى بعضها بعضاً فى القسمة يصدق على الجنس الذى يخصها. وكذلك إن كان يصدق عليه، إلا أنه إذا أضيف إلى الجنس لم يحدث نوعاً، فإنه من البين أن هذا ليس بفصل للجنس محدث نوع، وذلك أن كل فصل مع جنسه يحدث نوعاً. وإذا كان هذا ليس

بفصل فليس الموصوف أيضاً فصلاً، لأنه قسيم لهذا. — وأيضا إن كان يقسم الجنس بالسلب تميز له 〈قول〉 الذين يحدون الخط، بأنه طول بلا عرض، فان هذا ليس يدل على شىء آخر غير أن ليس له عرض؛ فيلزم لذلك أن يكون الجنس يشارك النوع. وذلك أن كل طول إما أن يكون بلا عرض، وإما أن يكون ذا عرض. فإنه قد يصدق على كل شىء: إما الموجبة، وأما السالبة، فيصير لذلك جنس الخط الذى هو الطول إما بلا عرض، وإما ذا عرض. وقولنا: طول بلا عرض، قول للنوع؛ وكذلك قولنا: طول له عرض؛ وذلك أن قولنا: «بلا عرض»، و«له عرض» فصلان، وقول النوع إنما هو من الفصل والجنس. فالجنس إذاً يقبل قول النوع. وعلى ذلك المثال أيضاً يقبل قول الفصل، لأن أحد الفصلين المذكورين يحمل من الاضطرار على الجنس. وهذا الموضع نافع للذين يعتقدون وجود الصور. وذلك أنه إن لم يكن الطول بعينه موجوداً، فكيف يكون يحمل على الجنس أن له عرضاً أو لا عرض له! وذلك أنه ينبغى أن يصدق أحد هذين على كل طول، إن كان من شأنه أن يصدق على الجنس. وهذا شىء ليس بعرض، لأنه قد توجد أطوال بلا عرض، وأطوال لها عرض. فهذا الموضع إذاً إنما ينتفع به أولئك فقط الذين يقولون إن الجنس واحد فى العدد. وإنما يفعل هذا الذين يعتقدون وجود الصور وحدهم؛ وذلك أنهم يقولون إن الطول بعينه والحى بعينه جنس.

وخليق أن يكون يجب ضرورةً على الذى يحد أن يستعمل فى بعض الأمور السلب، كالحال فى العدم. وذلك أن الأعمى هو الذى ليس له بصر فى الوقت الذى من شأنه أن يكون له، لأنه لا فرق أصلاً بين أن يقسم الجنس بسلب أو بإيجاب يجب ضرورةً أن يوازيه فى القسم سلب، مثل أن يكون قد حد طول له عرض؛ وذلك أن الذى لا عرض له يوازى فى القسمة ما له عرض، وليس يوازيه شىء آخر غيره، فقد يقسم الجنس بالسلب أيضاً.

وينظر أيضاً إن كان وصف النوع على أنه فصل، بمنزلة الذين يحدون التعبير بأنه شتم، وذلك أن الاستخفاف شتم ما، فالاستخفاف إذن نوع لا فصل.

وينظر أيضاً إن كان ذكر الجنس على أنه فصل، مثل إن قال إن الفضيلة ملكة محمودة أو صالحة، لأن المحمود جنس للفضيلة، لا فصل؛ أو يكون المحمود ليس بجنس للفضيلة، بل فصلاً، إن كان حقا أنه لا يمكن أن يكون شىء واحد بعينه فى جنسين لا يحوى أحدهما الآخر، وذلك أنه لا المحمود يحوى الملكة، ولا الملكة تحوى المحمود، إذ كان ليس كل ملكة أمراً محموداً، ولا كل أمر محمود ملكةً؛ فليس كلاهما إذن جنسين. ولأن الملكة جنس للفضيلة فمن البين أن المحمود ليس بجنس، لكنه فصل.

وأيضا فإن الملكة تدل على ما هى الفضيلة، والمحمود لا يدل على ما هى، بل على أى شىء هى. وقد يظن بالفصل أنه يدل على أى شىء.

وينظر أيضاً إن كان الفصل المذكور لا يدل على أى شىء، لكن على شىء مشار إليه، لأنه قد يظن بكل فصل أنه يدل على أى شىء.

وينظر أيضاً إن كان الفصل يوجد للشىء المحدود بالعرض؛ وذلك أنه ليس يكون فصل من الفصول من الأشياء التى توجد بالعرض، كما أن ذلك لا يكون فى الجنس، لأنه لا يمكن أن يكون الفصل يوجد لشىء ولا يوجد.

وينظر أيضاً إن كان الفصل أو النوع أو شىء من الأشياء التى تحت النوع تحمل على الجنس، فليس هو محدوداً، لأن ليس يمكن أن يحمل شىء من هذه على الجنس، لأن الجنس يقال على أكبر مما تقال عليه هذه.

وينظر أيضاً إن كان الجنس يحمل على الفصل، لأن الجنس يظن به أنه ليس يحمل على الفصل، لكن على التى يحمل عليها الفصل — مثال ذلك أن الحى يحمل على الإنسان وعلى الثور وعلى سائر الحيوان المشاء، لا على الفصل المقول على النوع. وذلك أنه لو كان الحى يحمل على كل واحد من الفصول، لقد كانت حيوانات كثيرة تحمل على النوع، لأن الفصول على النوع تحمل.

وأيضا تصير الفصول كلها إما نوعاً وإما شخصا إن كانت حيوانات، لأن كل واحد من الحيوانات هو نوع أو شخص. وعلى ذلك المثال ينبغى أن ننظر إن كان النوع أو شىء مما تحت النوع يحمل على الفصل، فإن ذلك

غير ممكن، لأن الفصل يقال على أكثر مما يقال عليه النوع. ثم يلزم أن يكون الفصل نوعاً، إذ كان شىء من الأنواع يحمل عليه، وذلك أن الإنسان إن كان يحمل عليه فمن البين أن الإنسان فصل.

وينظر أيضاً ألا يكون الفصل أقدم من النوع، لأن الفصل ينبغى أن يكون بعد الجنس وقبل النوع.

وينظر أيضا إن كان الفصل المذكور لجنس آخر لا يحوى ولا يحوى، لأن الفصل الواحد بعينه ليس يظن به أنه يكون لجنسين لا يحوى أحدهما الآخر، وإلا لزم أن يكون نوع واحد بعينه فى جنسين لا يحوى أحدهما الآخر، وذلك أن كل واحد من الفصول يردف بالجنس الذى يخصه، كما أن المشاء ذا الرجلين يردف بالحى. فما يحمل عليه إذاً الفصل حمل عليه كل واحد من الجنسين. فمن البين أن النوع يصير فى جنسين لا يحوى أحدهما الآخر؛ أو نقول إنه ليس ممتنعاً أن يكون فصل واحد بعينه لجنسين لا يحوى أحدهما الآخر، ولكن ينبغى أن نضيف إلى ذلك أن ليس كلاهما يوجد تحت جنس واحد، لأن الحى المشاء والحى الطائر جنسان، وليس يحوى أحدهما الآخر. وذو الرجلين فصل لكليهما، فينبغى أن يضيف إلى ذلك أن يكون كلاهما تحت جنس واحد؛ فإن هذين كليهما تحت الحى.

وبين أيضا أنه ليس يجب ضرورةً أن يكون الفصل يردف بالجنس الذى يخصه كله، لأنه قد يمكن أن يكون فصل واحد بعينه لجنسين لا يحوى أحدهما الآخر، لكن الواجب ضرورةً هو أن يردف بأحدهما فقط وبجميع الأجناس التى فوقه، كما يردف ذو الرجلين بالحى المشاء أو الطائر.

وينظر أيضاً إن كان وصف فصل الجوهر بما يكون فى شىء لأنه ليس يظن أن جوهراً يخالف جوهراً بأنه بحيث ما. وكذلك يعذلون من يحد الحى بالمائى والبرى، إذ كانا يدلان على حيث ما. إلا أنا نقول إن عذلهم فى هذا المعنى ليس على الصواب، لأن قولنا: «برى» ليس يدل على شىء فى شىء، ولا على أين، لكن على أى شىء. لأنه، وإن كان فى الماء، فهو برى على مثال واحد، فليس يصير مائياً، إلا أنه على حال إن كان الفصل يدل فى وقت من الأوقات على أن شيئعا فى شىء. فبين أن من استعمله يكون مخطئاً.

وينظر أيضاً إن كان وصف الأنفعال فصلاً: وذلك أن كل أنفعال إذا يزيد أخرج الشىء من الجوهر. والفصل ليس كذلك، إذ كان الفصل يظن به أنه يحفظ الشىء الذى هو له فصل. وبالجملة، فغير ممكن أن يوجد كل واحد خلواً من الفصل الذى يخصه، وذلك أنه متى لم يوجد المشاء لم يوجد الإنسان. وبالجملة أقول إن كل الأشياء التى يستحيل بها الشىء الذى يوجد له، ولا شىء منها يكون فصلاً لذلك الشىء، لأن هذه كلها إذا

تزيدت باعدت من الجوهر. فيجب من ذلك أن يكون متى وصف شيئاً مثل هذا فصلا قد أخطأ. وذلك أنا بالجملة لسنا نستحيل بالفصول.

وينظر أيضاً إن كان وصف فصل شىء من المضافات غير مضاف إلى آخر، لأن الأشياء التى من المضاف فصولها أيضا من المضاف، كالحال فى العلم، فإنه يقال: نظرى وعملى وفعلى. فإن كل واحد من هذه قول على مضاف. وذلك أن النظرى نظرى لشىء، والعملى عملى لشىء، والفعلى فعلى لشىء.

وينظر أيضاً إن كان لما حد الشىء وصف كل واحد من المضافات بالقياس إلى الذى من شأنه أن يضاف إليه. فإن بعضها إنما يمكن أن يستعمل الذى يضاف إليه فقط، كما يستعمل البصر فى أن ينظر؛ وفى بعضها يستعمل آخر ما غيره، كما يستعمل الطرجهارة إذا أراد مريد أن يغرف ماء، ولكن على حال إن حد الإنسان الطرجهارة بأنها آلة يغرف بها الماء — أخطأ، لأنها ليس إلى هذا من شأنها أن يضاف. وحد الذى من شأن الشىء أن يضاف إليه هو الذى نحوه ينحو فى الاستعمال الفهم والعلم بكل واحد من الأشياء.

وينظر أيضاً إن كان لم يصف الشىء بما هو له أول، إن كان يقال بالقياس إلى أشياء كثيرة، مثل ما يقال إن الفهم فضيلة للانسان أو للنفس،

لا للجزء الفكرى، وذلك أن الفهم إنما هو للجزء الفكرى أولاً؛ فإن بسبب هذا يقال للنفس والإنسان إنهما يفهمان.

وينظر أيضا إن لم يكن المحدود قبل الشىء الذى له قبل الأنفعال أو الحال أو أى شىء آخر كان — فقد أخطأ. وذلك أن كل حال وكل أنفعال فإنما من شأنه أن يكون فى ذلك الشىء الذى هو له حال أو أنفعال، بمنزلة ما أن العلم فى النفس، إذ هو حال للنفس. وريما يخطئون فى أمثال هذه الأشياء مثل الذين يقولون إن النوم هو ضعف الحس، والشك هو مساواة الأفكار المتضادة، والوجع تفرق الأجزاء المتحدة بعنف؛ وذلك أن النوم ليس يوجد للحس، وقد كان يجب أن يوجد له إن كان ضعف الحس. وكذلك ليس يوجد الشك للأفكار، ولا الوجع للأجزاء المتحدة، لأن ما لا نفس له قد يتوجع، إذ كان الوجع يحضره. وكذلك يجرى الأمر فى حد الصحة إن كان اعتدال الحارة والباردة، لأنه واجد ضرورةً أن تصح الحارة والباردة، لأن اعتدال كل واحد إنما يوجد فى تلك الأشياء التى هو لها اعتدال، فالصحة إذن قد توجد لها. وقد يلزم أيضاً الذين يحدون بهذا الوجه أن يجعلوا المفعول فى الفاعل، أو بعكس ذلك، لأن تفرق الأجزاء ليس هو الوجع، لكنه محدث الوجع، ولا ضعف الحس هو النوم،

لكن أحدهما محدث الآخر. وذلك أنا إما بسبب الضعف ننام، وإما بسبب النوم نضعف. وعلى هذا المثال أيضاً يظن بأن مساواة الأفكار المتضادة محدثة للشك، لأنا إذا فكرنا فى الشيئين، فظهر لنا فى كل واحد منهما أن سببه يصاحبه فى جميع الأحوال شككنا ولم ندر أيهما نعمل.

وينبغى أن ننظر أيضاً فى جميع الأزمان ألا يكون يختلف فيهما — مثال ذلك إن كان حد ما لا يموت بأنه حيوان غير فاسد الآن. وذلك أن الحيوان الذى هو غير فاسد الآن هو حيوان غير مائت الآن، إلا أن نقول إنه فى هذا لا يلزم، لأن قولنا: «غير فاسد» الآن، مشكوك فيه، إذ كان يدل: إما على ما لم يفسد الآن، وإما على ما لا يمكن أن يفسد الآن، وإما على الآن الذى يجرى مجرى ما لا يفسد فى وقت من الأوقات. فإذا قلنا إن حيواناً غير فاسد الآن، فليس إنما نقول إنه الآن بحال ليس يفسد بها فى وقت من الأوقات. فإذا قلنا إن حيواناً غير فاسد الآن فليس إنما نقول إنه الآن بحال ليس يفسد بها فى وقت من الأوقات، لأن هذا، وقولنا: «غير مائت» — سواء؛ فليس يلزمه إذن أن يكون غير مائت الآن، ولكن على حال إن عرض فى موضع من المواضع أن يكون الموصوف بالقول موجوداً الآن أو قبل ذلك، والذى بالاسم غير موجود لم يكونا شيئاً واحداً. — فقد ينبغى أن نستعمل هذا الموضع كما ذكرنا.

٧

〈مواضع أخرى〉

وينبغى أن ننظر إن كان المحدود يوصف بشىء آخر أكثر منه بالقول الموصوف — مثال ذلك أنه إن كانت العدالة قوة مقسمة بالسواء، فإن الذى يؤثر أن يقسم بالسواء عادل أكثر من الذى يقدر على ذلك. فيجب من ذلك ألا تكون العدالة قوةً مقسمة بالسواء، وإلا صار الذى يقدر أن يقسم بالسواء عدلا أكثر.

وينظر أيضاً إن كان الأمر يقبل الأكثر، والذى وصف بالقول لا يقبل، أو بعكس ذلك: أعنى أن يكون الذى وصف بالقول يقبل، والأمر لا يقبل، لأنه يجب: إما أن لا يكون كلاهما يقبل، وإما ألا يكون واحد منهما يقبل، إذ كان الموصوف بالقول والأمر سبباً واحداً.

وينظر أيضاً إن كانا جميعاً يقبلان الأكثر، ولم يكونا جميعاً يقبلان الزيادة معاً — مثال ذلك أن ينظر إن كان العشق هو شهوة الجماع. وذلك أن من اشتد عشقه ليس تشتد شهوته للجماع، فليس يقبلان جميعاً الزيادة معاً، وقد كان يجب ذلك لو كانا معنى واحداً.

وأيضاً ينظر إذا قدم شيئان فوضعا: إن الشىء الذى يقال عليه الأمر أكثر يقال عليه الموصوف بالقول أقل — مثال ذلك أن ينظر إن كانت

النار ألطف الأجسام أجزاء، وذلك أن اللهيب يوصف بأنه نار أكثر من الضياء، واللهيب جسم أقل لطافة من الضياء. وقد كان يجب أن يكون كلاهما يوجد لشىء واحد بعينه أكثر لو كانا شيئاً واحداً.

وينظر أيضاً إن كان هذا الشىء يوجد لكلا الأمرين المقدمين على مثال واحد، والشىء الآخر لا يوجد لهما على مثال واحد، لكن يوجد لأحدهما أكثر.

وينظر أيضاً إن كان وصف الحد فى كل واحد منهما بحسب شيئين: مثال ذلك أن يكون وصف الحسن بأنه اللذيذ عند البصر أو اللذيذ عند السمع، ووصف الموجود بأنه القوى على أن ينفعل أو يفعل، فإنه يصير شىء واحد بعينه حسناً ولا حسناً معاً، وكذلك موجوداً ولا موجوداً. وذلك أن اللذيذ عند السمع يصير هو والحس شيئاً واحداً: فما هو غيرهما ليس هو لذيذاً عند السمع، وما ليس هو حسناً شىء واحد، لأن الأشياء التى هى شىء واحد بعينه ما يقابلها أيضاً شىء واحد بعينه، والحسن يقابله: لا حسن، واللذيذ فى السمع يقابله: لا لذيذ فى السمع. فمن البين أن قولنا: «لا لذيذ فى السمع»، وقولنا: «لا حسن» شىء واحد. فإن وجد شىء فى البصر حسناً وفى السمع لا، صار حسناً

ولا حسناً. وكذلك تبين أن قولنا: «موجود»، و«لا موجود» شىء واحد.

وأيضاً إذا وصفت الأجناس والفصول وسائر الأشياء الأخر التى فى الحدود فينبغى أن نجعل الأقاويل مكان الأسماء وننظر إن كانت تختلف.

٨

〈مواضع أخرى〉

وإن كان المحدود مضافاً إلى شىء إما بنفسه وإما بالجنس فينبغى أن ننظر إن كان لم يقل فى الحد مضافاً إلى ذلك الشىء الذى يضاف إليه: إما بنفسه وإما بالجنس — مثال ذلك إن حد العلم بأنه ظن لا يختلف، وحد الإرادة بأنها توقان لا 〈حزن〉 معه. وذلك أن ذات كل مضاف إنما هى بالقياس إلى آخر، لأن ماهية كل واحد من المضاف واحدة بعينها، وإنما يقال كل واحد منها بالقياس إلى شىء بضرب من الضروب. وكان يجب أن يقول إن العلم ظن بالمعلوم، وإن الإرادة توقان إلى الخير. وكذلك إن حد الكتابة بأنها العلم بالكتاب، ذلك أنه كان يجب أن يصف فى الحد: إما الشىء الذى يضاف إليه جنسه، أو إن كان قد قيل بالإضافة إلى شىء ولم يوصف بالإضافة إلى الغاية، والغاية فى كل واحد من الأشياء هو الأفضل، أو هو الذى سائر الأشياء من أجله. فينبغى أن نقول: إما الأفضل وإما الأخير

— مثال ذلك أن نقول إن الشهوة ليست للشىء اللذيذ، لكن للذة، لأنا إنما نؤثر اللذيذ لمكان اللذة.

وينظر أيضاً إن كان ما وصف بالقياس إليه كوناً هو أو فعلاً، لأنه ليس شىء من أمثال هذين غايةً. وذلك أن قولنا: فعل أو تكون — أولى بأن يكون غاية من قولنا: يتكون أو يفعل. إلا أنا نقول إن ما يجرى هذا المجرى ليس هو حقاً فى كل شىء، وذلك أن أكثر الناس يحبون 〈أن〉 يلتذوا أكثر من أن يكونوا قد التذوا وفرغوا. فيجب أن يكونوا يجعلون قولنا: «يفعل» غاية أكثر من قولنا: «قد فعل».

وأيضاً ينظر إن كان فى بعض الأشياء لم يلخص كم الشى، وأى الأشياء هو، وأين هو، أو سائر الفصول الأخر — مثال ذلك قولنا: محب الكرامة هو الذى يشتهى كرامة كذا، ومقدار كذا منها. وذلك أن الناس كلهم يشتهون الكرامة. فليس يكتفى بأن يقول إن محب الكرامة هو الذى يشتهى الكرامة، لكن ينبغى أن يضيف إلى ذلك الفصول التى ذكرناها. وعلى هذا المثال قولنا: محب المال هو الذى يشتهى من المال مقدار كذا؛ والمنهمك فى اللذات هو الذى يشتهى من اللذات كذا، لأنه ليس من غلبت عليه أى لذة كانت يقال له: منهمك فى اللذات، لكن الذى يغلب عليه لذات ما. أو كما يحدون أيضا الليل بأنه مظل الأرض، أو الزلزلة بأنها حركة الأرض، أو الغمام بأنه

متكاثف الهواء، أو الريح بأنها حركة الهواء — فإنه ينبغى أن يزاد فى هذه الحدود بمقدار كذا، وحال كذا، ومكان كذا، وعن كذا. وكذلك من سائر الأشياء التى تجرى هذا المجرى. لأنه إذا أغفل فصلاً من هذه الفصول — أى فصل كان — لم يصف ماهية ذلك الشىء. وذلك أنه يجب أن يكون الاحتجاج دائماً بحد الشىء الناقص، لأنه ليس كيفما تحركت الأرض أو أى مقدار منها كان يتحرك، تكون زلزلة. وكذلك أيضاً الهواء ليس كيفما تحرك، أو أى مقدار منه كان تحرك، فهو رياح.

وأيضا فى التوقان إن لم يزد فيه على ظاهر الأمر وجميع الأسماء الأخر التى ينطبق عليها — مثال ذلك قولنا: أن الإرادة [و]التوقان إلى الخير، والشهوة التوقان إلى اللذيذ، إلا أنه ليس الخير على ظاهر الأمر، أو اللذيذ على ظاهر الأمر. وذلك أنه قد يخفى مراراً كثيرة على الذين يشتهون الشىء الذى هو خير أو لذيذ، فليس من الاضطرار أن يكون خيراً أو لذيذاً، لكنه كذلك على ظاهر الأمر فقط. فقد كان يجب أن نجعل صفته كذلك. فإن وصفت المذكور فينبغى للمعتقد للصور أن يسوقه إلى الأنواع؛ ولذلك ليس توجد صورة لشىء ظاهر أصلا. فأما النوع فقد يظن به أنه يقال بحسب نوع — مثال ذلك أن الشهوة نفسها للذيذ نفسه، والإرادة نفسها للخير نفسه. فأما الإرادة نفسها فليست تكون للخير على الظاهر، ولا للذيذ

على الظاهر، لأنه من المنكر أن يكون الخير نفسه أو اللذيذ نفسه على ظاهر الأمر.

٩

〈مواضع أخرى〉

وأيضاً إن كان التحديد للملكة فينبغى أن ينظر فيما له الملكة؛ وإن كان لما له الملكة فينبغى أن ينظر فى الملكة. وكذلك فى سائر الأشياء التى تجرى هذا المجرى. مثال ذلك أنه إن كان اللذيذ هو ما هو نافع، فالملتذ هو ما هو منتفع. وبالجملة أقول فيما يجرى هذا المجرى من التحديدات إن الذى يحد يلزمه بضرب من الضروب أن يحد أشياء أكثر من واحد. وذلك أن الذى يحد العلم قد يحد أيضاً — بضرب من الضروب — الجهل. وكذلك الذى يحد العالم قد يحد غير العالم، لأن الأول إذا صار بيناً، فإن الباقية — بضرب من الضروب — تكون بينة. فينبغى أن ننظر فى جميع ما أشبه هذه الأشياء إن كانت تختلف فى موضع من المواضع إذا أنت استعملت أصول الأشياء التى من المتضادات ومن النظائر.

وأيضا ينبغى أن ننظر فى الأشياء التى من المضاف إن كان النوع وصف بالقياس إلى الجنس، فشىء ما من ذاك يوصف بالقياس إلى شىء ما من هذا — مثال ذلك أنه إن كان الظن بالقياس إلى المظنون، فظن ما بالقياس إلى مظنون ما. وإن كان الكثير الأضعاف بالقياس إلى الكثير

الأجزاء، فشىء ما كثير الأضعاف بالقياس إلى شىء ما كثير الأجزاء. وذلك أنه إن لم يوصف بهذا الوجه، فمن البين أنه قد غلط فيه.

وينظر إن كان القول المقابل للشىء المقابل — مثال ذلك أن يكون قول النصف مقابل الضعف. وذلك أن الضعف إن كان هو الفاضل بمساو، فالنصف هو المفضول بمساو. وعلى هذا المثال يجرى الأمر فى المتضادة. وذلك أن القول المقابل للمقابل بائتلاف ما بين المتضادات، مثال ذلك أنه إن كان الفاعل للخير نافعاً، فالفاعل للشر ضاراً والمفسد للخير. وذلك أنه واجب ضرورةً أن يكون أحد هذين ضداً لما قيل منذ أول الأمر. فإنه إن لم يكن ولا واحد منهما ضداً لما قيل منذ أول الأمر، فمن البين أنه ولا واحد من هذين اللذين قيلا بأخرة قول الضد؛ فيجب من ذلك ألا يكون الذى وصف من أول الأمر وصف على الصحة. ولأن بعض المتضادات إنما يقال أحد الاثنين بعدم الآخر — مثال ذلك أن غير التساوى يظن به أنه عدم التساوى (إذ كانت الأنصاف يقال لها متساوية)، فبين أن الذى يقال بالعدم يجب ضرورةً أن يحد بالآخر. فأما الآخر فليس يجب أن يحد بالذى يقال بالعدم، إذ ليس يمكن أن يعرف كل واحد منهما بصاحبه. فينبغى أن ينظر فى المتضادات فى مثل هذا الخطأ، مثال ذلك أن حد الإنسان التساوى بأنه ضد غير التساوى، إذ كان إنما

يحد بما يقال بالعدم. وأيضاً فيجب ضرورةً على من يحد بهذا الطريق أن يستعمل المحدود نفسه. ويبين هذا إن هو استعمل القول مكان الاسم. وذلك أنه لما كان لا فرق بين قولنا: «غير التساوى»، وقولنا: «عدم التساوى»، صار قولنا: «تساوى» ضد قولنا: «عدم التساوى»، فقد استعمل الشىء إذن نفسه، اللهم إلا أن يقول قائل إنى لم أحد «غير التساوى» بأنه «ضد التساوى»، لكن بأنه غير اعتدال الأجسام أو غير اعتدال الكم. — وإن كان ولا واحد من الضدين يقال بالعدم، وكان القول قد وصف على مثال واحد، مثل أن ضد الشر الخير، إذ كان ضد الخير شراً، (وذلك أن قول ما يجرى هذا المجرى من المتضادات موصوف على مثال واحد)، فقد يلزم أيضاً أن يكون قد استعمل المحدود نفسه؛ وذلك أن الخير موجود فى قول الشر. فإن كان الخير هو ضد الشر، وقولنا: «شر» لا فرق بينه أصلاً وبين قولنا: «ضد الخير»، فيجب أن يكون الخير ضد ضد الخير. فبين أنه استعمل الشىء نفسه.

وينظر أيضاً إن كان لما وصف الذى يقال بالعدم لم يصف الذى له العدم، مثل الملكة أو ضدها، إن كان لهذين عدم. وإن لم يكن، أضاف إليه الشىء الذى من شأنه أن يكون فيه: إما على

الإطلاق، أو الشىء الذى فيه، أو لا من شأنه أن يكون فيه: مثال ذلك إن كان وصف الجهل بأنه عدم، فلم يقل إنه عدم العلم. وإن كان لم يضف إليه الشىء الذى فيه أولا من شأنه أن يكون، أو إن كان أضافه ولم يجعله الشىء الذى فيه، أولا من شأنه أن يكون — مثل أن يقول إن النفس ليست فى الجزء الفكرى، لكن فى الإنسان. وذلك أنه إن لم يفعل واحداً من هذه — ايها كان — فقد أخطأ. وكذلك إن هو وصف العمى فلم يقل إنه عدم البصر فى العين. وذلك أنه يجب على من وصف «ما الشىء» كما ينبغى — أن يصف «عدم ما هو» أيضا، وما المعدوم.

وينبغى أن ينظر إن كان لم يحد ما يقال على جهة العدم بالعدم — مثال ذلك أن فى الجهل أيضاً يظن أن هذا الخطأ يوجد للذين لا يصفون الجهل على جهة السلب. وذلك أن من ليس له علم لا يظن به أنه يجهل، بل إنما يظن به أنه غلط. ولذلك لسنا نقول لما لا نفس له وللصبيان إنهم يجهلون، فلذلك ليس يقال الجهل بعدم.

١٠

〈مواضع أخرى〉

وينظر أيضاً إن كانت تصاريف القول المتشابهة مطابقة لتصاريف الاسم المتشابهة، مثال ذلك أنه إن كان النافع هو المحدث للصحة، فالذى قد يقع هو الذى قد أحدث الصحة.

وينظر أيضا فى الصورة إن كان الحد الموصوف يطابقها: فإنه فى بعض الأشياء لا يلزم ذلك — مثل ما حدً فلا طن عندما وصل المائت وزاده فى تحديد الحيوانات. وذلك أن الصورة لا تكون مائتة بمنزلة ذات الإنسان. فلذلك ليس يطابق هذا القول للصورة. وبالجملة، فإن الأشياء التى يزاد فيها الفاعل أو المنفعل فواجب ضرورة أن يكون الحد فيها مختلفاً فى الصورة، وذلك أن الصورة يظن بها من يعتقدها أنها غير منفعلة ولا متحركة. ومع هذه الأشياء أيضا، فإن ما يجرى هذا المجرى من الأقاويل نافع.

وينظر أيضا إن كان وصف قولاً واحداً عاماً لجميع ما يقال باتفاق الاسم، وذلك أن المتواطئة هى التى القول بحسب الاسم لها

واحد، فلذلك لا يكون القول الموصوف حداً لشىء مما تحت الاسم، لأنه على مثال واحد يطابق كل متفق الاسم. وهذا شىء قد عرض لديونوسس عند تحديده الحياة بأنها حركة جنس متغذ لازمة بالغريزة — فإن هذا شىء ليس هو بأن يوجد للحيوانات أولى منه بأن يوجد للنبات. وذلك أن الحياة ليس يظن بها أنها تقال فى نوع واحد، لكن قد توجد للحيوانات حياة، وللنبات أخرى غيرها. وقد يمكن الإنسان أن يصف القول بإرادته على هذا الوجه على أن تكون كل حياة تقال على طريق التواطؤ أو فى نوع واحد. وليس يمنع مانع إذا تعقد اشتراك الاسم وأراد أن يصف حد أحد الأمرين من أن يصف وهو لا يشعر قولاً عاماً الأمرين كليهما، لا خاصاً. إلا أنه أى الأمرين فعل فخطؤه فى أحدهما ليس بدونه فى الآخر. — ولما كان بعض المتفقة أسماؤها قد يخفى حتى لا يشعر به، وجب عليك، إذا أنت سألت، أن تستعمل المتواطئة، (وذلك أن حد أحدهما لا يطابق الآخر، فيظن به لذلك أنه لم يحد على ما يجب، إذ كان ينبغى أن يكون الحد يطابق كل متفق الاسم). فأما إذا أنت أجبت، فينبغى أن تفسر. — ولأن قوما ممن تجيب يقولون إن المتواطئ متفق فى الاسم إذا لم يكن القول الموصوف يطابقه كله وأن المتفق

فى الاسم مواطئ إذا كان يطابق كليهما، فينبغى أن يتقدم ويعترف فى أمثال هذه، أو يتقدم فينتج أفى أيهما كان منهما هو متفق فى الاسم أو مواطئ، فإنهم حريون بأن يسلموا ذلك إذا لم يتفقدوا ما يلزم من ذلك. فإن قال قائل من قبل أن يقع الإقرار بذلك أن المواطئ متفق فى الاسم من قبل أنه ليس ينطبق على هذا القول الموصوف، فينبغى أن ينظر إن كان قول هذا الشىء ينطبق على الأشياء الباقية. وذلك أنه بين أنه يكون مواطئاً للباقية، وإلا صارت حدود الباقية كثيرة، لأن القولين اللذين بحسب الاسم ينطبق عليها القول الذى وصف أولاً والأخير.

وأيضا إن حد إنسان شيئاً من التى تقال على أنحاء شتى بالقول الذى لا ينطبق على جميعها فلم يقل إنه موافق فى الاسم ولم يقل إن الاسم ينطبق على جميعها لأن القول أيضاً لا ينطبق، فينبغى أن يقول له إنه ينبغى أن يستعمل التسمية التى تأدت إلينا ولا يحرك أمثال هذه الأشياء.

١١

〈مواضع أخرى〉

وبعض الأشياء ليس ينبغى لنا أن نقولها كما يقولها عوام الناس؛ فإن وصف حد شىء من المؤتلفة، فينبغى أن ينظر إذا أنت رفعت قول أحد المؤتلفين إن كان الباقى يوجد للباقى، لأنه إن لم يكن كذلك فمن البين أن ولا الكل أيضاً يوجد للكل — مثال ذلك أن أحداً إن حد الخط المستقيم المتناهى بأنه نهاية البسيط، لها نهايتان وسطها يسير نهايتيها. فإن كان قول الخط المتناهى هو أنه نهاية السطح لها نهايتان، فينبغى أن يكون قول المستقيم هو الباقى أعنى الذى وسطه يسير طرفيه. ولكن الخط غير المتناهى ليس له وسط ولا طرفان، إلا أنه مستقيم. فليسم الباقى إذاً قولاً للباقى.

وأيضاً ينظر إن كان المحدود إذا كان مركباً يكون القول قد وفى متساوى الأجزاء للحدود. ويقال إن القول متساوى الجزاء إذا كان مقدار الأسماء والكلم التى فى القول بمقدار الأشياء المركبة، فإنه واجب ضرورةً فى أمثال هذه الأشياء أن يكون فى الأسماء نفسها تغيير: إما كلها وإما بعضها، لأن الأسماء لم تقل أصلاً فى هذا الوقت أكثر منها قبل. ويجب على من يحد أن يصف القول مكان الأسماء، وخاصة مكان جميعها، وإلا مكان أكثرها.

وذلك أن على هذا الوجه يجرى الأمر فى البسائط أيضا أن الذى يغير الاسم قد حد الشىء — مثال ذلك أن يجعل بدل «الثوب»: «رداء». — وأيضاً فمن أعظم الخطأ إن هو جعل التبديل بأسماء لا تعرف — مثال ذلك أن يجعل مكان حجر أبيض: جندل بلجاء، إذا كان ما قيل بهذا الطريق لم يحد وهو أقل بيانا.

وينظر أيضا إن كان إنما يدل فقط على مثل ما يدل عليه تبديل الأسماء مثل الذى يقول إن العلم النظرى ظن نظرى. وذلك أن الظن والعلم ليسا شيئاً واحداً. ولو كان ذلك يكون، لوجب أن يكون الكل شيئاً واحداً بعينه. وذلك أن النظرى عام فى القولين جميعا، والشىء الباقى مختلف.

وينظر أيضا إن كان بدل أحد الاسمين فلم يبدل الفصل بالجنس كالحال فيما ذكرناه قبيل، وذلك أن قولنا نظرى أقرب إلى أن يعرف من العلم، لأن هذا جنس وذاك فصل. والجنس أعرف من كل شىء. فلذلك كان ينبغى أن يكون قد جعل التبديل للفصل، لا للجنس، لأنه أقرب إلى أن لا يعرف. إلا أنا نقول إن هذا الإنكار يسخر منه، إذ كان ليس يمنع مانع أن يكون الفصل قد قيل باسم أعرف. فأما ما الجنس، فلا. وإذا كانت الحال فيها على هذا، فمن البين أنه ينبغى أن يجعل التبديل فى الاسم

للجنس لا للفصل. وإن لم يجعل اسماً مكان اسم، بل جعل قولا مكان اسم، فمن البين أن الأولى أن نجعل للفصل جزءاً، لا للجنس، لأن الحد إنما يراد لمكان المعرفة: والفصل دون الجنس فى المعرفة.

١٢

〈مواضع أخرى〉

وإن كان وصف حد الفصل فينبغى أن ينظر إن كان الحد الموصوف عاماً لشىء آخر، مثال ذلك إذا قال إن العدد الفرد عدد له متوسط. وذلك أن قوله: «عدد»، عام فى القولين جميعاً، وإنما بدل قول الفرد. والخط والجسم أيضا لهما متوسط، وليسا فردين. فليس هذا إذاً تحديد الفرد. وإن كان قوله: «ماله متوسط» يقال على أنحاء شتى، فينبغى أن يلخص بأى نحو له متوسط، فيصير الأمر فى أنه لا يحد أما أنكاراً وإما قياساً.

وينظر أيضاً إن كان الشىء الذى وصف قوله من الموجودات، والشىء الذى تحت القول ليس من الموجودات. مثال ذلك: إن حد الأبيض بأنه لون مخالط للنار فإنه من المحال أن يخالط ما ليس بجسم جسماً. فليس هو إذن لوناً مخالطاً للنار، وهو أبيض.

وأيضاً الذين لا يقسمون الأشياء الداخلة فى باب المضاف الشىء الذى بحسبه يقال، لكنهم يذكرونه وقد حصروه فى أشياء كثيرة: إما بالكلية، وإما أن يكذبوا فى شىء — مثال ذلك إن قال قائل إن الطب العلم بموجود، فإن الطب إن لم يكن علماً بشىء من الموجودات فمن البين أن من قال هذا القول قد كذب بالكلية. وإن كان الطب علم بعض الموجودات، وبعض لا، فقد كذب فى شىء. وذلك أنه ينبغى فى كل ما هو موجود بذاته لا بالعرض أن يكون يقال بالقياس إلى الشىء الذى بالقياس إليه وصف، كالحال فى سائر الأشياء الأخر الداخلة فى باب المضاف، فإن كل معلوم إنما يقال بالقياس إلى العلم. وكذلك يجرى الأمر فى الباقى، لأن جميع ما هو داخل فى باب المضاف يرجع بالتكافؤ.

وأيضاً إن كان الواصف للشىء لا بالذات، لكن بالعرض، وصفه وصفاً صحيحاً، فإن كل واحد من المضافات ليس يقال بالقياس إلى واحد، بل بالقياس إلى كثيرين. وذلك أنه ليس يمنع مانع من أن يكون شىء واحد بعينه موجودا وأبيض وخبزاً. فيجب من ذلك أن يكون من وصفه بالقياس إلى أى واحد من هذه على الصحة وصفه، إن كان الواصف بالعرض على الصحة وصف — وأيضا فليس يمكن أن يكون مثل هذا القول خاصا للشىء الموصوف، وذلك أنه ليس الطب فقط، بل كثير من العلوم الباقية،

يقال بالقياس إلى موجود، فيصير كل واحد منها علما لموجود. فمن البين أن هذا لا يكون لعلم من العلوم تحديداً، لأن التحديد يجب أن يكون خاصاً، لا عاماً.

وربما لم يحدًوا الأمر، لكن الذى له الأمر، على ما ينبغى، أو الذى له الأمر كامل بمنزلة حد الخطيب وحد السارق، إذ كان الخطيب هو الذى يمكنه فى كل واحد أن يعلم الإقناع ولا ينقصه فى ذلك شىء، والسارق هو الذى يأخذ الشىء سراً. وذلك أنه بين أن كل واحد من هذين إذا كان بهذه الحال، فإن الواحد يكون خطيباً حاذقاً، والآخر سارقاً حاذقاً. وذلك أنه ليس من يأخذ الشىء سراً هو السارق، لكن الذى يريد أن يأخذه سراً.

وينظر أيضاً إن كان وصف ما هو ماثور لنفسه على أنه محدث أو فاعل أو بأى حال كان مؤثراً من أجل غيره، بمنزلة ما يصف العدل بأنه حافظ النواميس، أو الحكمة بأنها فاعلة للسعادة. وذلك أن الحافظ والفاعل إنما هما مأثوران من أجل غيرهما. إلا أنا نقول إنه ليس يمنع من أن يكون المأثور من أجل نفسه مأثوراً أيضا من أجل غيره. إلا أن من حد المأثور من أجل نفسه بهذا الوجه ليس خطؤه بالدون. وذلك أن الأفضل لكل واحد إنما هو فى جوهره خاصة. والمأثور من أجل نفسه أفضل من المأثور من أجل غيره. فعلى هذا كان يجب أن يدل الحد أكثر.

١٣

〈مواضع أخرى〉

فينظر أيضا إن كان عندما وصف حد شىء من الأشياء حدد هذه أو الشىء الذى ركب منها، أو حدد هذا بعد هذا. وذلك أنه إن كان حدد هذه فيلزم أن يوجد لكليهما ولا لواحد منهما — مثل ما لو أن إنساناً حد العدل بأنه عفة وشجاعة، فإنهما إذا كانا اثنين فإن كل واحد منهما إذا كان له صاحبه صارا كلاهما عادلاً ولا يكون واحد منهما عادلاً، لأن كليهما لهما عدل، وكل واحد منهما ليس له عدل. وإن كان الموصوف ليس هو بعد قبيحاً جداً من قبل أن مثل هذا قد يعرض فى أشياء أخر (إذ كان ليس يمنع مانع أن يكون لكليهما من غير أن يكون لكل واحد منهما)، إلا أن وجود الضدين لهما يظن به أنه قبيح جداً. وهذا يلزم إذا كان أحدهما له عفة وجبن، والآخر له شجاعة وقطم، لأن لكليهما يصير عدل وجور. وذلك إن العدل إن كان عفة وشجاعة، فالجور جبن وقطم — وبالجملة فكل 〈ما〉 يمكن أن يحتج به فى 〈أن〉 الأجزاء والكل ليست واحدا، فهو نافع فيما وصفناه الآن. وذلك أنه يشبه أن يكون الذى يحد بهذا الطريق يقول إن الأجزاء والكل شىء واحد. والأقاويل تكون خاصية فى الأشياء التى تركيب الأجزاء منها ظاهر، كالحال فى البيت وما أشبهه من سائر الأشياء، لأنه بين أن الأجزاء قد تكون موجودة، ولا يمنع مانع من أن يكون الكل غير موجود. فيجب

لذلك ألا يكون الكل والأجزاء شيئاً واحداً. — فإن لم يقل إن المحدود هو هذه، لكن الذى منهما، فينبغى الآن أن ينظر إن كان ليس من شأنه أن يحدث عن الأشياء الموصوفة. فإن بعض الأشياء قد يكون حال بعضها عند بعض حالاً يكون يحدث منهما شىء واحد، مثل الخط والعدد.

وينظر أيضا إن كان المحدود من شأنه أن يكون فى واحد أولاً. والأشياء التى قال إنه يكون منها، ليس من شأنها أن تكون فى واحد أولاً، لكن كل واحد منهما يكون فى كل واحد منهما. وذلك أنه من البين أن الذى من هذين ليس هو ذاك. فإن الأشياء التى فيها توجد الأجزاء فيها ضرورةً يجب أن يوجد الكل أيضاً. فيجب ألا يكن الكل فى واحد أولاً، لكن فى كثيرين. — وإن كانت الأجزاء والكل فى شىء واحد أولاً فينبغى أن ينظر إن لم تكن فى شىء واحد بعينه، لكن يكون الكل فى شىء، والأجزاء فى شىء غيره.

وينظر أيضاً إن كانت الأجزاء تفسد بفساد الكل. فإن الذى ينبغى أن يلزم عكس ذلك، أعنى أن تكون الأجزاء إذا فسدت فسد الكل؛ وإذا فسد الكل فليس واجباً ضرورةً أن تفسد الأجزاء. — أو إن كان الكل خيراً أو رديئاً، والأجزاء ولا واحد من هذين، أو إن كان الأمر بالعكس حتى تكون الأجزاء جيدة أو رديئة والكل ولا واحد من هذين. وذلك أنه ليس يمكن أن يكون شىء جيد أو ردىء من أشياء ليست واحداً من هذين.

ولا يمكن أن يكون من أشياء رديئة أو جيدة ما ليس هو واحداً من هذين. — أو إن كان أحد الاثنين أولى بأن يكون جيداً منم الآخر بأن يكون رديئاً، والذى من هذين ليس هو بأن يكون جيداً أولى منه بأن يكون رديئاً — مثال ذلك أن القحة إن كانت من الشجاعة والظن الكاذب، فإن الشجاعة أولى بأن تكون شيئا جيداً من الظن الكاذب بأن يكون شيئاً رديئاً. فقد كان يجب أن يكون الذى منهما يلزم الأول حتى يكون إما على الإطلاق جيداً أو بأن يكون جيداً أولى منه بأن يكون رديئا. إلا أنا نقول إن هذا ليس هو من الاضطرار إن لم يكن كل واحد من هذين جيداً أو رديئاً بذاته. وذلك أن كثيراً من الأشياء الفاعلة كل واحد من الاثنين ليس بجيد، فإذا اختلطت صارت شيئاً جيدا، أو بعكس ذلك: أعنى أن كل واحد منهما شىء جيد، وإذا اختلطت صارت شيئاً رديئاً أو صارت ولا واحد من هذين. وما قلناه فى هذا الموضع يبين خاصةً فى الأمور الفاعلة للصحة والفاعلة للمرض. فإن بعض الأدوية يبلغ من حالها إلى أن يكون كل واحد من اثنين منها على حدته جيداً، فإذا خلطا وتبودلا كانا شيئا رديئاً.

وينظر أيضا إن كان من شىء أجود وشىء أردأ، ولم يكن الكل أردأ من الأجود، وأجود من الأردأ. إلا أنا نقول: ولا هذا أيضاً من الاضطرار إن لم تكن الأشياء التى منها ركب جيدةً بذاتها، لأن الأشياء التى ليست جيدة

بذاتها ليس يمنع مانع ألا يكون الكل منها جيدأ، كالحال فيما قلناه قبيل.

وينظر أيضاً إن كان الكل موطناً لأحد الاثنين، فإن ذلك ليس يجب، كما لا يجب فى المقاطع: فإن المقطع ليس موطناً لشىء من الحروف التى منها ركب.

وينظر أيضاً إن كان لم يذكر حال التركيب، إذ ليس يكتفى فى التعريف بأن يقال من هذه، لأن جوهر كل واحد من الأشياء المركبة ليس إنما هو منها على جهة كذا، كالحال فى البيت، لأن حدوثه ليس عن الأشياء التى هو منها كيفما ركبت.

وينظر أيضاً إن كان قد وصف هذا مع هذا، فينبغى أن يقول أولاً إن قوله هذا مع هذا هو قوله: إما هذا وهذا، أو: هذا من هذه. لأن من قال: عسل مع ماء، فقد قال: إما عسلاً مع ماء، أو المركب مع العسل والماء. فإن اعترف بأن قوله: هذا مع هذا، موافق لأحد القولين: أيهما كان — فيليق به أن يقول إن الأشياء التى قيلت أولاً فى كل واحد من هذين متفقة. وأيضاً إذا فصلت قولك واحداً مع آخر على كم جهة يقال، فينبغى أن ينظر إن كان ليس هذا مع هذا أصلاً، مثل أن يقال واحد مع آخر: إما على أنه قابل واحد بعينه (كالعدالة والشجاعة فى النفس)، أو فى مكان

واحد، أو فى زمان واحد، ولم يكن ما قيل فى هذه حقاً أصلاً، فمن البين أن التحديد الموصوف ليس هو ولا لواحد إذ ليس هذا مع هذا أصلاً. وإن كان وجود كل واحد من اللذين فصل منهما على كم جهة، يقال واحد مع آخر فى زمان واحد بعينه حقاً، فينبغى أن ينظر إن كان يمكن ألا يقال كل واحد منهما بالقياس إلى شىء واحد بعينه — مثال ذلك إن هو حد الشجاعة بأنها جرأة مع فكر صحيح. وذلك أنه قد يمكن أن تكون له جرأة على أن يحتفظ، وفكر صحيح فى الأمور الفاعلة للصحة. إلا أن الذى له هذا مع هذا فى زمان واحد ليس هو بعد شجاعا. — وأيضا أن كانا جميعاً يقالان بالقياس إلى شىء واحد بعينه بمنزلة ما يقال بالقياس إلى الأشياء الطبية، فإنه ليس يمنع مانع من أن تكون له جرأة ما وصحة فكر بالقياس إلى الأشياء الطبية، إلا أنه على حاله لا هذا شجاعاً، الذى له هذا مع هذا. وذلك أن كل واحد منهما ليس ينبغى أن يقال بالقياس إلى الآخر، ولا أى واحد استقبلك منهما إلى واحد بعينه، لكن بالقياس إلى الغاية التى للشجاعة، أعنى إلى مجاهدة الحروب، أو إن كانت غاية هى أكبر من هذه. — وبعض ما يوصف بهذه الصفة لا يقع تحت هذه القسمة التى ذكرت، مثل أن يكون الغيظ غماً مع توهم استخفاف. وذلك أنه إنما يريد أن يبين أن الغم إنما يكون بسبب هذا الوهم.

فأما كون الشىء بهذا السبب فليس هو مساوياً لوجوده مع هذا فى صنف المذكورة.

١٤

〈مواضع أخرى〉

وأيضاً إن كان قال إن الكل هو تركيب هذه (مثل أن الحيوان تركيب النفس والبدن)، فينبغى أولاً أن ينظر إن كان لم يقل إى تركيب، بمنزلة ما لو حد لحماً أو عظماً فقال إنه تركيب النار والهواء والأرض والماء؛ إذ كان ليس يكتفى بذكر التركيب حتى يلخص مع ذلك أى تركيب هو، لأن اللحم ليس يتكون عندما تتركب هذه كيفما كان، بل إنما يتكون اللحم عندما تتركب بجهة من الجهات، ويتكون العظم عندما تتركب بجهة ما أخرى محدودة. ويشبه أن يكون لا واحد مما ذكرنا أصلاً هو والتركيب سواء. وذلك أن التركيب ضد التحليل. فأما هذان اللذان وصفنا فليس لواحد منها ضد أصلاً.

وأيضاً مما يقنع به على مثال واحد أن كل مركب فهو تركيب، أو ولا واحد من المركبات تركيب. وكل واحد من الحيوانات هو مركب، وليس هو تركيباً، ولا واحد من سائر الأشياء المركبة هو تركيب.

وينظر أيضا إن كان من شأن المتضادين أن يوجد الشىء بواحد على مثال واحد، وكان قد حد بواحد منهما، فمن البين أنه لم يحد إلا ولزم أن يكون لشىء واحد بعينه حدود أكثر من واحد: وذلك أن تحديده بهذا ليس هو أولى به من تحديده بذاك، لأن كليهما من شأنهما أن يكونا فيه على مثال

واحد. وما يجرى هذا المجرى حد النفس إن كان جوهراً قابلاً للعلم فإنه أيضاً قابل للجهل على مثال قبوله للعلم. ومتى لم يتهيأ للإنسان أن يحتج على الحد كله من قبل أن ليس كله معروفا، فيجب أن يحتج على شىء من أجزائه إذا كان معروفاً ولم يكن يبين أنه موصوف على ما ينبغى. وذلك أن جزء الحد إذا ارتفع، ارتفع الحد بأسره.

فأما ما كان من الحدود غامضاً فينبغى أن يبحث عنها بأن نصلحها أو نشكلها تشكيلا يدلك منها على شىء ويكسبك حجة. وذلك أنه واجب ضرورةً على المجيبب: إما أن يقبل ما يأخذه عن السائل؛ وإما أن يبين المعنى الذى يستدل عليه من القول ما هو.

وأيضاً فكما أن من عادة الناس فى المحافل التى تجتمع فيها لوضع الشرائع أن يأتوا بشريعة: فإن كانت الشريعة التى أتى بها أفضل من المتقدمة، رفضوا المتقدمة — كذلك ينبغى أن يفعل فى الحدود أيضا، أعنى أن يؤتى بحد آخر؛ فإن بين أنه أجود من الأول وأدل على المحدود، فبين أن الأول يصير مرفوضاً، لأنه ليس يكون للشىء الواحد حدود كثيرة.

وفى جميع الحدود، ليس إصابتك فى تحديد الشىء الذى قصد لتحديده من نفسك أو قبولك للحد إذا قيل ما ينبغى بأصل حقير.

فإنه واجب عليك ضرورة أن تجعل هذه الأشياء نصب عينك وتنظر إليها كالمثال، فتتفقد باستقصاء نقصان ما كان يجب أن يكون فى الحد وما زيد فيه فضلاً، حتى يمكنك أن تستخرج الحجج استخراجاً سهلا.

فليكن هذا مبلغ ما نقوله فى الحدود.

][ تمت المقالة السادسة من كتاب «طوبيقا» ][

][ قوبل به ][

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة السابعة منه 〈مواضع الأشياء الواحدة — بقية مواضع التعريف〉

١

〈مواضع الأشياء الواحدة〉

ينبغى أن ننظر من التصاريف ومن النظائر ومن المتقابلات: هل الشىء واحد بعينه، أو مختلف بأحق الأصناف التى قيلت فى الشىء بعينه (إذ كان قد قيل إن أحق ما وصف بأنه واحد بعينه — الواحد بالعدد). وذلك أن العدالة إن كانت والشجاعة شيئا واحدا، فالعادل والشجاع شىء واحد بعينه، وما يجرى على جهة العدل وما يجرى على جهة الشجاعة شىء واحد. وكذلك يجرى الأمر فى المتقابلات: لأن هذه الأشياء إذا كانت واحدة بعينها فمتقابلاتها شىء واحد — بأى تقابل كان مما يوصف بالتقابل. وذلك أنه لا فرق أصلا بين أن نأخذ مقابل هذا أو مقابل ذا〈ك〉، لأنهما شىء واحد.

وننظر أيضا من الأسباب الفاعلة والمفسدة، ومن الكون والفساد، وبالجملة من الأشياء التى الواحد منها عند صاحبه على مثال واحد: وذلك

أن الأشياء التى هى شىء واحد على الإطلاق، فكونها وفسادها وأسبابها الفاعلة لها والمفسدة شىء واحد.

وينبغى أن ننظر إذا كان أحد شيئين يقال إنه أحق بأن يكون شيئا من الأشياء — أى شىء كان —، إن كان الشىء الآخر منهما يقال إنه أحق بأن يكون ذلك الشىء، كما يبين كسانوقراطيس أن العمر الناسك والعمر الفاضل شىء واحد، لأن العمر الناسك والعمر الفاضل آثر من كل عمر، وذلك أن الآثر والأعظم واحد. وعلى هذا المثال يجرى الأمر فى سائر ما أشبه هذا. — وينبغى أن يكون كل واحد من الموصوفين بأنه آثر وأعظم واحدا بالعدد، وإلا لم يكن الأمر بيناً فى أنهما شىء واحد. وذلك أنه ليس من الاضطرار إن كان أهل فالوفونيسس وأهل لاقادامونيا أشجع من اليونانيين أن يكون أهل فالوفونيسس وأهل لاقادامونيا شيئا واحدا، لأن فالوفونيسس ولاقادامونيا ليسا هما واحدا بالعدد، لكن يجب ضرورةً أن يكون أحدهما يحوى الآخر، كما يحوى أهل فالوفونيسس لأهل لاقادامونيا، وإلا لزم أن يكون بعضهم أفضل من بعض، إذا لم يكن أحد الفريقين يحوى الآخر. وذلك أنه ليس من الواجب ضرورةً أن يكون أهل فالوفونيسس أفضل من أهل لاقادامونيا إن كان ليس يحوى فريق منهم الآخر، لأنهم أفضل من الباقين كلهم. وعلى ذلك المثال يجب ضرورةً

أن يكون أهل لاقادامونيا أفضل من أهل فالوفونيسس، لأن هؤلاء أفضل من الباقين كلهم، فيصير إذن بعضهم أفضل من بعض. فمن البين أنه ينبغى أن يكون ما يوصف بأنه أفضل وأعظم واحدا بالعدد إن عزم على أن يبين فى شىء أنه واحد بعينه. فلذلك لم يبين قسانقراطيس ما أراد أن يبينه، لأن العمر الناسك والعمر الفاضل ليسا هما واحدا بالعدد. فليس من الاضطرار أن يكونا واحدا بعينه، لأن كليهما يؤثر حداً، ولكن أحدهما يحوى الآخر.

وينبغى أن ينظر أيضا إن كان الشىء الذى هو، وأحدهما واحد بعينه، شىء واحد، فمن البين أن ولا واحد منهما مع الآخر شىء واحد.

وأيضا أن ينظر من الأعراض التى تلزم هذه، والأشياء التى إياها تلزم هذه. وذلك أن جميع الأشياء التى تلزم واحدا منهما، فقد ينبغى أن يكون يلزم الآخر منهما. فإن اختلف شىء من هذه، فمن البين أنها ليست شيئا واحدا.

وينظر إن كان ليس كلاهما فى جنس واحد من المقولات، لكن هذا دال على جوهر، وهذا على كيف، وهذا على كم، أو مضاف. — وينظر أيضا إن كان جنس كل واحد منهما ليس واحدا بعينه، لكن هذا خير وهذا شر، وهذا فضيلة وهذا علم؛ أو إن كان الجنس واحدا بعينه ولم تكن فصول واحدة بأعيانها تحمل على كل واحد منهما، لكن يكون هذا يحمل عليه العلم النظرى، وهذا يحمل عليه العلم العملى. وكذلك يجرى الأمر فى الأخر.

وأيضا ينظر من الأمر الأكثر إن كان هذا الشىء يقبل الأكثر وذاك لا يقبل، أو إن كان كلاهما يقبل، إلا أنهما لا يقبلان ذلك معا، بمنزلة ما أن من تعشق أكثر ليس يشتهى الجماع أكثر، فليس إذن العشق وشهوة الجماع شيئا واحدا.

وينظر أيضا من الزيادة، إن كان كل واحد من الاثنين إذا زيد على شىء واحد بعينه لا يجعل الجملة شيئا واحدا؛ أو يكون شىء واحد بعينه إذا نقص من كل واحد منهما جعل الباقى مختلفا، بمنزلة ما لو قال قائل إن ضعف النصف وأضعاف النصف شىء واحد. وذلك لو كان، لوجب أن يكون النصف إذا نقص من كل منهما دل الباقيان على شىء واحد؛ وليس يدلال على شىء واحد، لأن الضعف والأضعاف ليس يدلان على شىء واحد.

وليس إنما ينبغى لنا أن نتفقد فقط إن كان يلزم شىء محال بوضعنا ما نضع، لكن نتفقد إن كان يمكن أن يكون الشىء يوجد من ذلك الوضع، مثل ما يلزم الذين يعتقدون أن الخلاء والمملوء هواءاً شىء واحد، لأنه من البين أن الهواء لو ارتفع لكان الخلاء سيكون موجودا ليس بدون ما كان، لكن أكثر، والمملوء هواءاً لا يكون موجودا. فيجب إذن وضع شىء — كذبا كان أو صدقا (فإنه لا فرق بين ذلك) — : أن يكون أحدهما يرتفع والآخر لا؛ فليس هما إذن شيئا واحدا.

وبالجملة أقول إنه ينبغى أن ينظر من الأشياء المحمولة على كل واحد منهما، كيفما كان الحمل، والأشياء التى تحمل هذه عليها إن كانت تختلف فى موضع من المواضع: وذلك أن كل مل حمل على أحدهما فينبغى أن يحمل على الآخر، والأشياء التى أحدهما يحمل عليها فينبغى أن يحمل عليها الآخر.

وأيضا إن كان الواحد بعينه يقال على أنحاء شتى، فينبغى أن ننظر إن كانا بنحو ما آخر شيئا واحدا بعينه. وذلك أن الأشياء التى هى بالنوع أو بالجنس واحدة بعينها ليس يمكن أن تكون واحدة بعينها بالعدد. فينظر الآن: هل هى واحدة بعينها على هذا الوجه، أو ليس هى على هذا الوجه؟

و ينظر أيضا إن كان يمكن أن يكون أحدهما خلوا من الآخر. فإن ذلك إن كان يمكن، فليس هما شيئا واحدا.

٢

〈فى استخدام مواضع الأشياء الواحدة فى التعريف〉

فالمواضع التى فى الواحد بعينه بهذا المقدار تقال.

فبين مما قلنا أن المواضع الباقية التى فى الواحد بعينه قد تنفع فى الحد كما قلنا: فإنه إن لم يكن ما يدل عليه الاسم والقول شيئا واحدا، فبين أن القول الموصوف ليس هو تحديدا. — فأما المواضع المثبتة فليس منها شىء ينفع فى الحد: إذ كان ليس يكتفى فى تثبيت القول أنه تحديد بتبين ما يدل

عليه الاسم والقول أنه شىء واحد، لكنه ينبغى أن يكون الحد أيضا جميع الأشياء الأخر التى اشترطناها.

٣

〈تلاوة مواضع الحد〉

فينبغى أن نلتمس دائما فسخ الحد على هذا الوجه وبهذه الأشياء. — وإن أردنا أن نصححه فأولاً ينبغى لنا أن نعلم أنه ولا واحد من الجدليين أو الأقل منهم استخرج الحد بقياس، لكن جميعهم يأخذه كالمابدأ كما يفعل المهندسون وأصحاب العدد وسائر التعاليم التى تجرى هذا المجرى.

و بعد ذلك أيضا ينبغى أن نعلم أن توفيتنا الحد على الاستقصاء: ما هو؟ و كيف ينبغى أن يحد؟ — إنما هو من صناعة غير هذه. فأما فى هذا الموضع فإنما ينبغى أن نصف مقدار الحاجة فيما قصدنا فقط، وهو أنه يمكن أن يكون للحد والماهية قياس. وذلك أنه إن كان التحديد هو القول الدال على ماهية الأمر، وكانت الأشياء التى تحمل فى الحد ينبغى أن ىحمل وحدها على الأمر من طريق ما هو، وكانت الأجناس والفصول هى التى تحمل من طريق ما هو — فظاهر أن إنسانا إن أخذ هذه فقط التى تحمل على الأمر من طريق ما هو فإن القول — الذى تكون هذه فيه — حد لا محالة، إذ كان ليس يمكن أن يكون حد الأمر غير هذا، لأنه ليس شىء آخر 〈غير〉 هذا يحمل على الأمر من طريق ما هو.

فالأمر ظاهر فى أنه يمكن أن يكون للحد قياس. وقد لخصنا فى مواضع أخر تلخيصا شافيا من ما ذا ينبغى أن يصحح ذلك. فأما هذه الصناعة التى نحن بسبيلها فأمثال هذه المواضع تنفع فيها. وذلك أنه ينبغى لك أن تنظر من المتضادات ومن المتقبلات الأخر من بعد تفقد أقاويلها كلها والأمور الجزئية منها. وذلك أنه إن كان المقابل يوجد للمقابل، فالموصوف يوجد للموصوف ضرورة. ولأن المتضادات كثيرة، ينبغى أن تأخذ من المتضادات كل ما كان التحديد المضاد فيه على أظهر ما يكون.

وينبغى أن نبحث عن جميع الأقاويل كما قلنا، ونجعل ذلك على التفصيل هكذا: أما أولاً فإن الجنس الموفى قد وفى على الصواب. وذلك أن الضد إن كان فى الضد، ولم يكن الموضوع فى واحد بعينه، 〈فمن البين أنه سيكون فى الجنس المضاد، لأن المتضادين هما بالضرورة إما فى جنس واحد بعينه〉 أو فى جنسين متضادين. والفصول المتضادة بحق ترى أن تحمل على المتضادات: بمنزلة الأبيض والأسود، فإن هذا جامع للبصر وذاك مفڗق للبصر. فيجب، إن كانت الفصول المتضادة تحمل على الضد، أن تكون الفصول الموصوفة أيضا [أن] تحمل على الموضوع. فلأن الجنس والفصول قد وفيت على الصواب، فمن البين أن القول الموفى يكون تحديدا. إلا أنا نقول أنه ليس من الاضطرار أن يكون الفصلان المتضادان يحملان

على الضدين ما لم يكن الضدان فى جنس واحد بعينه. والشيئان اللذان جنساهما متضادان فليس مانع [أن] يمنع من أن يكون يقال على كليهما فصل واحد بعينه، مثل ما يقال على العدل والجور: وذلك أن ذاك فضيلة للنفس، وهذا رذيلة للنفس. فللنفس فصل يقال فى كليهما، لأن البدن أيضا له فضيلة ورذيلة. إلا أن هذا حق، لأن المتضادين إما أن يكون فصلاهما متضادين أو يكونا شيئا واحدا. فإنه إن كان الفصل المضاد يحمل على الضد وعلى هذا لا يحمل، فمن البين أن الفصل المذكور يكون يحمل على هذا. وبالجملة أقول: إنه لما كان التحديد من جنس وفصول، فإنه تحديد الموضوع يكون بينا. وذلك أنه لما كان الضد فى جنس واحد بعينه أو فى ضده، كانت الفصول مثل ذلك: إما متضادة تحمل على متضادة، أو واحدة بعينها. فمن البين أن الموضوع: إما أن يكون يحمل عليه جنس واحد بعينه وهو جنس ضد، وتكون الفصول متضادة: إما كلها، وإما أن يكون بعضها كذلك والباقية واحدة بعينها أو بعكس ذلك، أعنى أن تكون واحدة بعينها والأجناس متضادة؛ — أو تكون الأجناس

والفصول جميعاً متضادة، وذلك أنه ليس يمكن أن تكون جميعا واحدة بعينها، وإلا صار تحديد المتضادات واحداً بعينه.

وننظر أيضا من التصاريف والنظائر لأنه واجب ضرورةً أن تتبع الأجناس للأجناس والحدود للحدود. — مثال ذلك أن النسيان إن كان تلف العلم، فأن ينسى الإنسان هو أن يتلف العلم؛ وأن قد نسى الإنسان هو أن قد أتلف العلم. فواحد من هذه التى وصفت أى شىء منها إذا اعترف به فواجب ضرورةً أن يعترف بالباقية. وعلى ذلك المثال إن كان الفساد هو انحلال الجوهر، فأن يفسد هو أن ينحل الجوهر؛ وأن ما يكون على جهة الفساد هو ما يكون على جهة انحلال الجوهر، إن كان المفسد هو المحلل للجوهر، والفساد انحلال الجوهر. وكذلك يجرى الأمر فى الباقى. فيجب أن يكون إذا أخذ واحداً منها — أى واحد كان — أن يعترف بالباقية كلها.

وينبغى أن ينظر، أيضا من الأشياء التى حال بعضها عند بعض حال متشابهة. وذلك أن المصحح إن كان فاعلا للصحة فالذى يخصب البدن هو الفاعل للخصب، والنافع هو الفاعل للخير. فإن كل واحد مما وصفنا، حاله عند غايته التى تخصه حال متشابهة. فإن كان تحديد واحد منها أنه فاعل لغايته، فإن التحديد لكل واحد من الباقية يكون واحد بعينه.

وينبغى أن تنظر أيضا من الأكثر ومن الذى يكون على مثال واحد على كم جهة يمكنك أن تصححه إذا أنت قست اثنين إلى اثنين — مثال ذلك إن كان هذا القول تحديدا لهذا الشىء أكثر من أن هذا القول تحديد لهذا الشىء، وظن بالأقل أنه تحديد، فالأكثر أيضا تحديد. وإن كان هذا الأمر تحديدا لهذا الشىء على مثال ما هذا القول تحديد لهذا القول، فإن كان أحدهما تحديدا للاخر، فإن الباقى يكون تحديدا للباقى. وإذن فليس تحديد واحد إلى اثنين، أو تحديدان إلى واحد. فليس ينتفع أصلا بالنظر من جهة الأكثر، وذلك أنه ليس يمكن أن يكون حد واحد لاثنين، ولا اثنان لواحد بعينه.

٤

〈المواضع الأشرف〉

وأشرف المواضع هى التى وصفناها الآن والمأخوذة من التصاريف ومن النظائر. ولذلك ينبغى أن يكون تمسكنا بها أكثر وأن تكون لنا معدة ميسرة، فإنها من انفع الأشياء لنا فى أمور كثيرة. فأما الباقية فيستعمل منها أعمها. فإن هذه أبلغ فعلاً من الباقية — مثال ذلك أن ينظر فى الأمور الجزئية ويتفقد فى الأنواع إن كان القول مطابقا، إذا كان النوع يعطى اسمه وحده. وهذا الموضع ينتفع به فى مقابلة الذين يعتقدون وجود الصور كما قلنا آنفا.

وتنظر أيضا ان كان قال الاسم على جهة نقله إلى اسم آخر، وإن كان حمله على نفسه كأنه حمل عليه شيئا آخر، وإن كان يوجد موضع آخر من المواضع عاما بالغ الفعل.

٥

〈سهولة أو صعوبة فسخ أو تصحيح المسائل〉

وظاهر مما سنقوله بعد هذا أن من أصعب الأشياء أن نصحح أو نفسخ حدا. وذلك أن بينة واحدة من الذين يسألون عن أمثال هذه المقدمات ليس بالسهل: مثل أن الأشياء التى فى القول الموفى منها هو جنس، ومنها هو فصل؛ وأن الجنس والفصول فقط تحمل من طريق ما هو. ومن دون هذه الأشياء لا يمكن أن يكون للحد قياس. وذلك أنه إن كانت أشياء أخر غير هذه تحمل مع الأمر من طريق ما هو، فمن الغامض: هل القول الموصوف هو التحديد، أم غيره؟ إن كان الحد هو القول الدال على ماهية الشىء. وذلك بين من هذه الأشياء. وذلك أن تنتج شىء واحد أسهل من تنتج أشياء كثيرة. فالذى يريد أن يفسخ ويبطل قد يكفيه أن يقاوم فى شىء واحد — أى شىء كان (وذلك أنه إذا رددنا شيئا واحدا — أى شىء كان — نكون قد أبطلنا الحد)، فأما الذى يريد أن يصحح ويثبٮ فيجب عليه ضرورةً أن يرشد إلى أن جميع ما فى الحد يوجد له

أيضا. — وأيضا فإن الذى يريد أن يثبت ينبغى له أن يأتى بقياس كلى؛ وذلك أنه يجب أن يحمل الحد على كل ما يحمل عليه الاسم. ومع هذه الأشياء أيضا عكس ذلك، وهو أن يكون الاسم يحمل على ما يحمل عليه الحد، إذ كان من شأن الحد الموفى أن يكون خاصيا للشىء المحدود. فأما من يريد أن يفسخ ويبطل فليس يجب ضرورةً أن يبين بيانا كليا، لأنه قد يكتفى بأن يبين أن القول ليس يصدق فى شىء مما تحت الاسم. وأيضا قد يحتاج أن يكون الفسخ والإبطال كليا. إلا أنه ليس يجب ضرورةً فى الفسخ ما وجب فى الإثبات مع الكلى. وذلك أنه قد يكتفى من يريد أن يفسخ أن يبين بيانا كليا أن القول ولا على واحد مما يحمل عليه الاسم — يحمل. فأما عكس ذلك فليس يجب عليه فى السير. على أن ما لا يحمل عليه القول لا يحمل عليه أيضا الاسم. — وأيضا إن كان ما تحت الحد يوجد لكل الشىء وليس يوجد له وحده، ارتفع الحد.

وعلى هذا أمثال الحال فى الجنس وفى الخاصة، فإن فى كليهما الفسخ والإبطال أسهل من التصحيح والإثبات: أما فى الخاصة فإن ذلك ظاهر مما قلنا. فإن الخاصة فى أكثر الأمر إنما توفى بتأليف حتى إنها تفسخ برفع شىء واحد، ويلزم من يريد إثباتها تنتيج كل ما فيها. وجميع الأشياء الباقية التى يجوز أن تقال فى الحد، إلا اليسير، قد يجوز أن تقال فى الخاصة أيضا، لأنه يجب على المصحح أن يبين أنها توجد لكل ما تحت الاسم.

فأما المبطل فيكفيه أن يبين أنها لا توجد لواحد؛ وأنها إن كانت توجد لكله فإنها ليست توجد له وحده؛ فإنها الوجه تبطل كما قلنا فى الحد. فأما الجنس، فإن المصحح له يجب عليه ضرورةً أن يبين أنه موجود لكل الشىء على جهة واحدة. فأما المبطل فعلى جهتين: وذلك أنه إن تبين أنه ولا لواحد يوجد أو لواحد لا يوجد رجع الأمر إلى الأول. وأيضا فإن من يصححه ليس يكتفى بأن يبين أنه يوجد، لكنه ينبغى له أن يبين أنه موجود كالجنس. فأما من أراد أن يفسخه ويبطله فقد يكفيه أن يبين أنه لا يوجد لواحد ولا يوجد للكل. — ويشبه أن يكون كما أن الإفساد، فى الأمور الأخر، أسهل من الفعل، كذلك وفى هذه الأشياء الإبطال أسهل من التثبيت.

فأما العرض فإن الكلى منه إبطاله أسهل من تصحيحه. وذلك أن من يريد تصحيحه يحتاج أن يبين أنه للكل، فأما من يريد إبطاله فيكفيه أن يبين أنه لا يوجد لواحد. فأما الجزئى فالأمر فيه بالعكس: وهو أن تصحيحه أسهل من إبطاله، لأن من أراد تصحيحه اكتفى بأن يبين أنه يوجد لواحد. ومن أراد إبطاله احتاج أن يبين أنه لا يوجد ولا لواحد.

وظاهر أن إبطال الحد أسهل من جميعها. وذلك أن الأشياء التى توفى فيه كثيرة، إذ كانت تقال فيه أشياء كثيرة. والقياس يكون أسهل

وأسرع من الأشياء الكثيرة. وذلك أن الخطأ أخلق به أن يكون فى الأشياء الكثيرة أكثر منه فى القليلة. وأيضا فإن الحد قد يمكننا أن نحتج فيما يبطل به من الأشياء الأخر. وذلك أن القول إن لم يكن خاصيا أو لم يكن الموصوف جنسا، ولم يكن شىء مما فى القول موجودا، ارتفع الحد. فأما الأشياء الأخر فليس يمكننا أن نحتج فى ردها من الحدود ولا من الأشياء الأخر كلها: وذلك أن الأشياء التى يحتج بها فى رد العرض هى وحدها عامية لجميع ما ذكرنا.

لأن كل واحد مما ذكرنا ينبغى أن يوجد. وإن لم يكن الجنس يوجد كالخاصة فلم يرتفع بعد. وكذلك الخاصة أيضا ليس يجب ضرورة أن توجد كالجنس، ولا العرض مثل الجنس أو الخاصة: بل إنما ينبغى أن يوجد، لا غير. فليس يمكن إذن أن يحتج فى رد أشياء من أشياء أخر غيرها إلا فى الحد. فمن البين إذن أن إبطال الحد أسهل منها كلها؛ وتصحيحه من أصعب الأشياء، لأن تلك كلها ينبغى أن تنتج بقياس (أعنى: كل ما وصفنا يوجد، وأن الموفى جنس، وأن القول خاص)، ومما هو خارج عن هذه أيضا أن القول يدل على ماهية الشىء: فينبغى أن يكون قد فعل هذا على الصواب.

ومن تلك الأشياء الأخر الخاصة أحرى بأن تكون تجرى هذا المجرى: وذلك أن إبطالها أسهل ما يكون، من قبل أنها فى أكثر الأمر من أشياء

كثيرة. وتصحيحها من أصعب الأمور، لأنه ينبغى أن يجمع فيها أشياء كثيرة، ومع هذا أنها توجد لشىء واحد، وأنها ترجع بالتكافؤ فى الحمل على الأمر الذى هى له خاصة.

وتصحيح العرض أسهلها كلها، لأن فى تلك الأخر ليس إنما يقتصر على أن يبين فى الشىء أنه موجود فقط، لكن يحتاج أن يبين أنه موجود مجال كذا. فأما العرض فيكتفى بأن يبين أنه موجود فقط. ومن أصعب الأشياء إبطال العرض، لأن ما يوفى فيه أقل ما يكون، لأنه ليس يحتاج أن يدل فى العرض، مع ما يدل، على أى جهة يوجد. فقد وجب أن يكون الإبطال فى تلك الأخر على وجهين: إما أن يبين أنها ليست موجودة، أو أنها موجودة ليست على هذه الجهة. فأما العرض فليس يمكن أن يبطله إلا بأن يبين أنه لا يوجد.

فقد عددنا المواضع التى يمكننا أن نحتج بها فى رد كل واحد من المسائل تعديداً كافيا.

][ تمت المقالة السابعة من كتاب «طوپيقا» نقل أبى عثمان سعيد ابن يعقوب الدمشقى. وهى آخر ما وجدت من نقله لهذا الكتاب. ][

][ قوبل به النسخة المنقولة من الدستور الأصلى المصححة عليه ][

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الثامنة من كتاب «طوپيقا» بنقل إبراهيم بن عبد الله الكاتب، من السريانى بنقل إسحق 〈العمل بالجدل〉

١

〈قواعد السؤال〉

وقد ينبغى لنا بعد ذلك أن نتكلم فى الترتيب، وكيف يجب أن يكون السؤال. — فيجب أولا: إذا كنت معتزما على السؤال أن تستنبط الموضع الجدلى الذى منه ينبغى أن تأتى بالحجة؛ وثانيا: أن تعد السؤال وترتب كل شىء بحسب الموضع الجدلى؛ وثالثا: — وهو الباقى — أن تخاطب بذلك غيرك.

والفيلسوف والجدلى مشتركان فى الفحص إلى أن يتهيأ استنباط الموضع الجدلى. فأما الترتيب والمسألة فهما يخصان الجدلى من قبل أن جميع ما يجرى هذا المجرى إنما يستعمل فى حال المحاورة.

وأما الفيلسوف ومن يتفرد بالفحص لنقسه فليس يبالى، إذا كانت المقدمات التى عنها يحدث القياس صادقة معروفة، ألا يقبلها المجيب إن كانت فى غاية القرب من المطلوب الأول وكان قد تقدم فلحظ ما يتبعها ويلزم

عنها. وعساه قد يجتهد بمبلغ الطاقة أن تكون القضايا الواجب قبولها أشد قربا وأعرف، إذ كانت القياسات العلمية إنما تحدث وتأتلف من أمثال هذه المقدمات.

وقد وصفنا آنفا المواضع الجدلية ومن أين ينبغى أن تؤخذ. وينبغى الآن أن نتكلم فى الترتيب والسؤال بأن نقسم المقدمات التى يجب أخذها، وهى المقدمات الخارجة عن المقدمات الضرورية؛ وأعنى بقولى: ضرورية، المقدمات التى عنها يحدث القياس. قأما المقدمات الخارجة عنها فهى أربع: وذاك أنها إما أن توجد بسبب الاستقراء لكى تسلم المقدمة الكلية، أو فى الأستكثار من الكلام الاتساع فيه، أو فى إخفاء النتيجة، أو فى أن يكون الكلام أوضح وأظهر. وما سوى ذلك من المقدمات فليس ينبغى أن يستعمل شىء منه، ولكن بتلك المقدمات التى وصفناها ينبغى أن نروم السؤال والاستكثار من القول.

وها هنا مقدمات تستعمل فى إخفاء النتيجة وينتفع بها فى المجاهدة. ولما كانت هذه الصناعة بأسرها إنما تصلح لأن يستعملها الإنسان مع غيره وجب ضرورةً أن يستعمل فيها أمثال هذه الأشياء.

فأما المقدمات الضرورية التى عنها يحدث القياس فليس ينبغى أن تأتى بها فى أول وهلة، بل ينبغى أن ترتقى ما استطعت إلى ما هو أعلى

منها — مثال ذلك أنك إن أردت أن تبين أن العلم. بالأضداد واحد، فليس ينبغى أن تذكر الأضداد أولاً، بل تجعل مكان الأضداد المتقابلات. فإن الأمر إذا جرى على ذلك نتج أن العلم بالأضداد واحد، إذ كانت الأضداد هى أيضا متقابلات. فإن لم تضع الكلية فقد ينبغى أن تؤخذ من الاستقراء، بأن تتعاطى إحضار جميع المقدمات التى فى غاية الظهور، من قبل أن الأمر الذى يلزم ويتبع يكون أشد غموضا بالارتقاء إلى ما هو أعلى وأبعد وبالاستقراء، وأن تتكلف مع ذلك إحضار المقدمات النافعة متى لم يمكنك استعمال المقدمات على الجهة الأخرى.

وما كان خارجا عما ذكرناه فإنما ينبغى أن يقتضب من أجل ما وصفناه، وأن يكون استعمالنا إياه على هذا النحو. — أما فى حال استعمالك الاستقراء فإنك تتدرج من الأشياء الجزئية إلى القضية الكلية، ومن الأشياء المعروفة إلى التى هى غير معروفة. والأشياء التى هى أعرف هى المدركة بالحس: إما على الإطلاق، وإما عند الجمهور.

فأما إذا قصدت لإخفاء النتيجة فقد ينبغى أن تتقدم فتحصل بالقياس المقدمات التى بها يتهيأ أن يعمل قياس على المطلوب الأول، وأن يكون بحسب ما يمكن فى غاية الكبر؛ وذلك يكون ليس بأن تحصل المقدمات

الضرورية فقط، بل تحصل بالقياس أيضا غيرها مما يصح استعماله معها. وقد ينبغى أيضا ألا يصرح بالنتائج، بل يأتى بها على طريق الإجمال جملةً فى آخر الأمر، فإن بهذا الوجه يتهيأ لك أن تتباعد فى الغاية من المطلوب الأول. وفى الجملة من القول، فعلى هذا الوجه ينبغى أن يكون سؤال من يقصد فى سؤاله إلى الإغماض، حتى يكون إذا استوفى السؤال إلى آخره وذكرت النتيجة كانت المطالبة بـ«ـلم» تعدً واقعة. وهذا إنما يكون خاصةً بالوجه الذى تقدم ذكره. وذلك أنك إذا ذكرت النتيجة الأخيرة وحدها فقط لم يصح كيف لزمت، إذ كان المجيب لم يتقدم فيعلم الأشياء التى عنها لزمت، لأنه لم يتقدم فيحصل القياسات التى هى أقدم. وقد يكون القياس على النتيجة أقل تحصيلا متى لم نأت بالمقدمات التى عنها يحدث، وأتينا بالمقدمات التى ينتج عنها القياس.

وقد ينتفع أيضا فى ذلك بألا تستعمل القضايا الواجب قبولها التى عنها تحدث المقاييس على الاتساق والاتصال، بل يبدل ترتيبها لتجب عنها نتائج مختلفة. وذلك أنه متى وضعت القضايا المتناسبة على ترتيب، كان الأمر الذى يلزم عنها أشد ظهوراً.

وقد ينبغى أن نلتمس الحد أيضا فى الأشياء التى يمكن فيها أخذ المقدمة الكلية، ولكن لا نجعل التماسنا ذلك فيها بأعيانها، بل فى نظائرها، فإن

الشبهة تدخل عليهم متى أخذ أحد الحد من النظائر، ولا يشعرون بأنهم قد سلموا المقدمات الكلية — مثال ذلك أنك إن احتجت إلى أن تأخذ أن الغضبان هو الذى يتشوق إلى الانتقام، فقد ينبغى أن تأخذ أن الغضب هو الشوق إلى الانتقام لما يقع فى الوهم من الامتهان. فإنا متى فعلنا هذا، حصل لنا لا محالة ما أردناه. فأما الذين يلتمسون ذلك فى الأمور بأعيانها فقد يعرض أحيانا بأن يأىى المجيب قبول ما يأتون به لأنه يجد فيه موضعا للمناقضة، إذ كان له أن يقول: ليس كل من يغضب يتشوق إلى الانتقام لا محالة. وذلك أنا إذا نغضب على أصدقائنا إلا أنا لا نتشوق إلى الانتقام منهم. وعسى أن تكون هذه المعارضة غير صحيحة، إذ كان قد يجرى أن ينتقم من بعض الناس بأن يغموا يجعلوا نادمين على ما فعلوا: إلا أن فى تلك المناقضة إقناعا ما، يبقى عنها ما يتوهم من أن دفع ما احتج به فى هذا المعنى كان بغير واجب. وأما فى تحديد الغضب، فليس يسهل وجود المناقضة على ذلك المثال.

وأيضا فقد ينبغى أن يؤتى بالحجة من حيث لا يوقف على أنها من أجل الشىء المطلوب بعينه، لكن على أنها تكلفت من أجل غيره. وذلك أنهم يتهيبون الأشياء التى يصلح استعمالها فى الأمر الموضوع.

وفى الجملة من القول، فقد ينبغى أن تجتهد ما أمكنك فى أن يكون ما تأتى به غير بين حتى لا تدرى هل قصدت بأخذك إياه نحو الشىء الذى

تريده أو نحو الأمر المقابل له: وذلك أنه إذا كان الأمر المنتفع به فى القول غير واضح ولا بين، كانوا أشد انقياداً لوضع الأمر الذى يرونه.

وقد ينبغى أن يكون سؤالك أيضا من الأشياء المتشابهة؛ وذلك أن فيها إقناعا ويخفى معها الأمر الكلى خفاءا شديدا ولا يشعر به — مثال ذلك أن العلم بالأضداد وغير العلم بها هى شىء واحد بعينه؛ وكذلك أيضا الحس بالأضداد واحد بعينه؛ وبعكس ذلك من قبل أن الحس بالأضداد واحد بعينه، فالعلم بها أيضا كذلك. وهذا المأخذ يشبه طريق الاستقراء، غير أنه ليس هو بعينه، لأن هناك إنما يؤخذ الأمر الكلى من الجزئيات. فأما فى المتشابهة فليس الأمر المأخوذ فيه هو الكلى الذى تحته جميع المتشابه.

وقد ينبغى لك أن تعارض نفسك أحيانا، وذلك أن المجيبين قد يجرون عندهم مجرى من لا يستفاد به، لا سيما متى ظهر لهم من أمرهم أنهم قد تحروا الأنصاف فى القول.

ومن الأشياء المنتفع بها أيضا أن تقول فى احتجاجاتك إن العادة قد جرت بهذا وأمثاله، وإنه من الأشياء المقبولة، وذاك أنهم قد يتثاقلون عن دفع ما قد جرت به العادة، ولا سيما متى لم تحضرهم معارضة له. ومع ذلك، فإنهم لما كانوا قد يستعملون أمثال هذه الأشياء، صاروا يتوقون دفعها.

وأيضا، فلا ينبغى أن يظهر منك حرص على شىء ما بعينه، وإن كان الانتفاع به كثيرا، فتشتد مقاومتهم لما يرونك حريصا عليه ومعاندتهم إياه.

وقد ينبغى أيضا أن تأتى بالشىء الذى يقال على طريق المثل، لأنهم أشد قبولا ووضعا لما يؤتى به من أجل غيره، منهم لما ينتفع به من أجل ذاته.

وأيضا فلا ينبغى أن تأتى بالشىء الذى تريد أخذه بعينه، بل تأتى بما ذلك الشىء تابع له ضرورةً: فإنك إذا فعلت ذلك كانوا أشد موافقة لك، من قبل أن ذكرك الشىء الذى ما تحاول أخذه تابع له ليس يجرى فى الظهور مجراه. وإذا أخذ هذا، فقد أخذ أيضا ذاك.

وقد ينبغى أن يؤخذ السؤال عن الشىء الذى يريد أخذه خاصةً، إذ كان من عادتهم أن تشتد مقاومتهم ومعاندتهم للأشياء التى يتقدم السؤال عنها، من قبل أن أكثر من يسأل إنما يقدم ذكر الأشياء التى هو شديد العناية بها.

وقد ينبغى فى محاورة بعض الناس أن يجعل أمثال هذه الأشياء من أول ما يتكلف إحضاره، وذلك أن المعتاصين من الناس يوافقون خاصة على الأشياء المتقدمة (متى لم يكن الأمر اللازم عنها، مع ذكرها، فى غاية الظهور والبيان)، غير أنهم فى آخر الأمر يعتاصون. وكذلك يجرى أمر القوم الذين يظنون أنهم يسرعون فى الجواب، إن كنا فى حال الجواب. وذلك أنهم إذا وضعوا أكثر الأشياء يقع السؤال عنها اعتاصوا فيما يؤتى به أخيرا، من قبل

أنه لا يلزم عندهم من الأشياء الموضوعة. وإما يضعون ما يضعون اعتمادا على اقتدارهم وظنا بأنه لا يتهيأ 〈أن〉 تثبت حجة عليهم.

وأيضا، فليعتمد الإسهاب فى القول وإن يحشى بالأشياء التى لا ينتفع بها أصلا فى القول المقصود، كما يفعل الذين يرسمون رسوما كاذبة. فإنه إذا كثرت هذه الأشياء، كان الكذب أخفى وأغمض. ولذلك صار الذين يسألون يغالطون أحيانا بإدخالهم فى أضعاف القول الأشياء التى لو أتى بها مفردةً مجردة لم تقبل ولم توضع.

فهذه الأشياء وما جانسها يجب أن تستعمل فى إخفاء ما يحاول إخفاؤه. فأما فى تنميق القول وتحسينه، فقد ينبغى أن نستعمل الاستقراء وقسمة الأشياء المتجانسة. وقد تقدم العلم بالاستقراء: ما هو؟ وأى الأشياء هو؟ فأما التقسيم فهو على ما أصف: قد يقال إن علما أفضل من علم: إما لأنه أصح وإما لأن معلوماته أفضل. وإن العلوم منها نظرية، ومنها فعلية، ومنها عملية. فإن هذه الأشياء وما يجرى مجراها إنما تحسن القول وتنمقه فقط، وليس فيها شىء يحتاج إليه ضرورة فى إظهار النتيجة. وأما فى باب إيضاح القول وتلخيصه فقد يجب أن يؤتى بمثالات والغاز،

وأن تكون المثالات خاصية، وما نستفيد به علما بمنزلة ما هو منها سائر فى شعر أوميروس دون شعر خوريلس: وذلك أن ما يوفى به على هذه الجهة يكون أشد وضوحا.

٢

〈قواعد السؤال، تتمة〉

وقد ينبغى أن نستعمل فى الجدل: أما على الجدليين فنستعمل القياس أكثر من استعمالنا إياه مع العوام من الناس. ويجرى الأمر فى الاستقراء بالعكس: بأن نستعمله فى أكثر الأحوال مع العوام. وقد تقدم القول فى هذه الأشياء فيما سلف. — وقد يمكنك عند استعمالك الاستقراء أن تأتى بالقضية الكلية وفى بعضها لا يسهل ذاك، من قبل أنه لم يوضع لجميع المتشابهات اسم عام يضمها. إلا أنه متى دعت الحاجة إلى تناول الكلى قالوا: «وكذلك يجرى الأمر فى جميع ما هذه سبيله». ومن الأمور التى فى غاية الصعوبة تمييز هذا الأمر — أعنى أى هذه الأشياء الموصوفة التى أتى بها هو

بهذه الحال، وأيها ليس كذلك. ولذلك صار بعضهم يغالط بعضا فى الأقاويل، حتى إن منهم من يجعل [ما ليس] متشابها ما ليس كذلك، ومنهم من يتشكك فى الأشياء المتشابهة ويرى أنها ليست متشابهة. وقد يجب لذلك أن يروم اختراع اسم لجميع ما هذه حالة، لكيلا يعرض للمجيب الشك فى أن الأمر الذى أوجب أنه على طريق التشابه ليس كذلك. ويلحق السائل أيضا العتب من قبل إيجابه إياه على طريق التشابه، إذ كان كثير من الأشياء التى ليست أحوالها واحدةً قد يظن بها أن أحوالها واحدة.

ومتى ما وقع التسليم لكثير من الأشياء بطريق الاستقراء، إلا أنه لم يسلم أن ذلك كلى، فمن العدل أن يطالب بالمناقضة. ومتى لم يقل إن الأمر كذلك فى بعض الأشياء، فليس يجب أن يطالب فى أى الأشياء كذلك. وذاك أنه إنما يجب أن نطالب بالمناقضة على هذه الجهة متى كان قد انقاد أولاً للاستقراء. والأولى ألا يطالب بأن يجعل مناقضته للحجة التى كان أتى بها بعينها، اللهم إلا أن يكون ما هذه حاله هو واحدا فقط، كما أن الاثنين من بين سائر الأعداد الزوجية هى فقط عدد أول. وذلك أنه ينبغى للمعاند أن يجعل معاندته فى عدد آخر، أو يقول إن هذا وحده هذه حاله. فأما الذين يعاندون الأمر الكلى ولا يجعلون عنادهم فى الحجة بعينها، بل فيما هو مشارك لها فى الاسم — كقول القائل: إنه قد يكون للإنسان لون

ليس هو له، أو يد أو رجل (وذاك أنه قد يكون للمصور لون ليس هو له، وللطباخ رجل ليست له) — فقد ينبغى أن يكون سؤالك إياهم عن أمثال هذه الأشياء بعد استعمالك القسمة: وذاك أنه إذا وقعت الخدعة بسبب الاشتراك فى الاسم ولم يشعر به، ظن أن المقدمة قد عوندت. — فإن كان دفعه السؤال ليس هو من جهة الاشتراك فى الاسم، بل بمعاندة الأمر بعينه، فقد ينبغى لك إذا أنت أبطلت ذلك الأمر الذى فيه العناد بعينه أن تأتى بالأمر الباقى وتجعله كلياً ليتقرر على الواجب كالحال فى الغلط والنسيان. وذاك أنهم لا يوافقون ولا يسلمون أن المفارق للعلم ناس، من قبل أن الأمر إذا انتقل بعينه فقد انسلخ من المعرفة، ولا يقال فيه أنه نسيها. فقد ينبغى إذا أنت أبطلت الأمر الذى فيه العناد أن تأتى بالأمر الباقى — مثال ذلك أن الأمر ما دام ثابتاً باقياً بحاله، إلا أنه قد فارق المعرفة، يقال فيه إنه ناس. وكذلك ينبغى أن تحتج على من يعاند أن المقابل للخير الأعظم هو الشر الأعظم. وذاك أنهم يحتجون أن الصحة لما كانت فى الجودة أقل كثيراً من جودة الهيئة، كان المضاد لها هو الشر الذى فى غاية العظم، إذ كان المرض أردأ كثيرا من رداءة الهيئة. ولذلك قد ينبغى أن نفعل فى ذلك كما فعلنا فى غيره، وهو أن نرفع الأمر الذى وقعت فيه المعاندة. فإنا برفعنا إياه نكون قد وضعنا ما يلزم وضعه لا محالة. مثال

ذلك أن الخير الأعظم مقابله الشر الأعظم، إن لم يحز معا أحد هذين لذلك الشىء الآخر، بمنزلة جودة الهيئة للصحة. — وليس إنما ينبغى أن يفعل ذلك عند معاندة الخصم فقط، بل قد ينبغى أن يفعله فى حال جحوده وإن لم يعاند، من قبل أنه قد تقدم فروى فى بعض هذه الأشياء. وذلك أنه إذا ارتفع الأمر الذى فيه المعاندة اضطر إلى أن يضع ما يريده، إذ كان لم يتقدم فيتأمل الأمر الباقى لم صار ليست هذه حاله. فأما متى لم يضع المراد، فإنه إذا طولب بالمعاندة لم يأت فى ذلك بشىء. والمقدمات التى هذه حالها هى الكاذبة فى بعض الأشياء، الصادقة فى بعضها الآخر. وذلك أنه قد يتهيأ لك فى أمثال هذه المقدمات، إذا رفعت منها ما يجب رفعه، وجدت السبيل إلى أن تجعل ما يحصل بعد ذلك صادقا. — وإن كنت إذا أتيت بالحجة فى أشياء كثيرة لم تأت لها بنقض، فقد وجب عليك أن تعترف بالمواد: وذلك أن المقدمة الجدلية هى التى متى كانت حالها فى أكثر الأمر حالا واحدة، لم يوجد لها مقابل يعاندها.

وإذا أمكن أن ينتج شىء واحد بعينه أشياء ممكنةً وغير ممكنة، فإنك إذا سلكت فى تبيينه طريق البرهان لم يكن فرق فيما تنتجه عن ذلك؛ وإذا كان القول جاريا على طريق الجدل، فإنك إذا أنتجت شيئا على طريق الخلف فلا وجه للتشكك. وإذا جعلته على طريق الخلف، فإنه إن لم يكن الكذب

فيه فى غاية الظهور كان لهم أن يقولوا إن ذلك ليس محالا، فلا يحصل للسائل الأمر الذى يقصده.

وقد ينبغى أن نأتى من الحجج بجميع ما كانت حاله فى كثير من الأشياء حالا واحدة. والمناقضة فيه إما أن تكون معدومةً ألبتة، أو تكون غير ظاهرة، لأنه إذا لم يمكنهم أن يتأملوا الأشياء التى ليست بهذه الحال وضعوا المطلوب على أنه صادق.

وليس ينبغى أن تجعل النتيجة سؤالا. فإنك إن لم تفعل ذلك ثم عاندك الخصم وقاومك، لم يتهيأ أن يحدث قياس. على أنهم أحيانا قد يدفعون النتيجة وإن لم تأت بها على طريق السؤال، بل أتيت بها على أنها قد لزمت عن غيرها، وإذا فعلوا ذلك ظن من لم يتأمل ما يلزم عن الأشياء الموضوعة أنه ليس يلحقهم توبيخ. ولذلك وجب — وإن لم تقل إنها تلزم على طريق النتيجة، بل جعلتها سؤالا فجحدت — ألا يحدث قياس أصلا.

وليس يرون أن كل ما كان كليا فهى مقدمة جدلية — مثال ذلك قولنا: ما هو الإنسان؟ أو على كم نحو يقال الخير؟ فإن المقدمة الجدلية هى التى للمجيب أن يجيب عنها بنعم أو لا. فأما الأشياء التى تقدم ذكرها فليس الأمر فيها كذلك. ولذلك صارت أمثال هذه المسائل غير جدلية.

اللهم إلا أن يكون السائل يأتى بها إما عند تحديده، أو تقسيمه — مثال ذلك أترى الخير كذا يقال، أم كذا؟ وذلك أن الجواب عن أمثال هذه المسائل يسهل، إذ لا بد فى الجواب عنها إما بـ«ـنعم» أو بـ«ـلا». ولذلك قد يجب أن يكون ما تأتى به من أمثال هذه المقدمات على هذه السبيل. ومع ذلك فلعله من الإنصاف أن يطالب المجيب بأن يخبر بكم نحو يقال الخير، متى كنت أنت إذا قسمت وأتيت بالحجة لم تساعد ولم يسلم لك.

والذى يسأل عن شىء واحد سؤالاً دائما فهو غير مصيب، من قبل أن المجيب أن أجاب السائل عما يسأل عنه فقد علم أنه إما أن يكون قد سأل مسائل كثيرة، أو كرر السؤال عن شىء واحد بعينه مراراً كثيرة. ولذلك إما أن يكون يهذر فى القول أو ليس يتأتى له قياس. وذلك أن كل قياس إنما يتألف من مقدمات يسيرة. فإن لم يجبه عما يسأل عنه، فذلك إما لأنه لا يتهيأ له توبيخ، وإما لأنه يروغ.

٣

〈صعوبة الحجج الجدلية〉

وقد يتهيأ فى أصول بأعيانها أن يؤتى بحجج صعبة وأن يناقض. والأشياء التى هذه حالها هى الأشياء المتقدمة فى الطبيعة والأشياء المتأخرة؛ وذلك

أن المتقدمة محتاجة إلى التحديد، فأما المتأخرة فإنها تنتج من أشياء كثيرة لمن أراد أن يثبت من الأقاويل على ترتيب واتصال. فإن الأمر إن لم يكن كذلك ظهر أن الحجج مرائية؛ وذلك أنه لا يتهيأ لمن لم يبتدئ من المبادئ الذاتية وينتهى منها على طريق التتنيج إلى الأواخر أن يبرهن على شىء من الأشياء. فأما التحديد فإن المجيب لا يطلقه ولا يأذن فيه. ولا إن فعل السائل ذلك نصتوا له وقبلوه. وإذا لم يظهر من الأمر الموضوع ما هو، لم يسهل أن يؤتى بالحجج فيه. وأكثر ما يعرض ذلك فى الأوائل خاصة؛ وذلك أن الأشياء الأواخر إنما تبين بها. وأما تلك، فغير ممكن أن تبين لغيرها، بل الضرورة تدعو إلى أن يعلم كل واحد منها بالتحديد.

ومما يصعب اختباره أيضا الأشياء القريبة من المبدأ. وذلك أنه لا يتهيأ أن نجد فى تبيينها أقاويل كثيرة، لقلة الأشياء التى بينها وبين المبدأ التى بها ضرورةً يتبين ما بعدها.

ومما يصعب اختباره من الحدود ما استعمل فيه ما هذه حاله من الأسماء: إما ما كان منها أولاً لا يظهر من أمره هل هو مما يقال على الإطلاق أو على جهات كثيرة وكان لا يعلم مع ذلك هل هو مما يقال على التحقيق، أو مما أتى به المحدد على طريق الاستعارة. وذاك أنها لما كانت غير بينة لم يكن فيها احتجاج؛ ولما كان لا يعلم من أمرها هل صارت بهذه الحال لأنها تقال على طريق الاستعارة، لم يكن فيها توبيخ.

وبالجملة، فإن كل مسئلة يستصعب اختبارها فقد ينبغى أن ينظر من أمرها فى إحدى هذه الجهات؛ إما أن تكون تحتاج إلى تحديد، أو تكون فيما يقال على أنحاء كثيرة، أو مما يقال على طريق الاستعارة، أو تكون غير بعيدة من المبادئ. ولما كان ذلك غير ظاهر لنا فقد ينبغى أولاً أن ننظر من قبل أى نحو من هذه الأنحاء التى ذكرت اعترض هذا الشك. فإنه إذا ظهر لنا ذلك، كان ذلك معلوما أن الحاجة تكون إما إلى التحديد، وإما إلى التقسيم، وإما إلى أن يؤتى بالمقدمة التى فى الوسط — وذلك أن بهذه الأشياء تتبين الأواخر.

وفى كثير من الأوضاع إذا لم تكن توفية الحدود خارجة على الصواب، فإن المحاورة والاحتجاج يكونان غير سهلين ولا ميسرين، بمنزلة قول القائل: أترى للضدضد واحد، أم أضداد كثيرة؟ فإنه إذا جرى تحديد المتضادات على الصواب سهل علينا أن ننتج: هل يمكن أن يكون لشىء واحد بعينه أضداد كثيرة، أم لا؟ وكذلك يجرى الأمر فى غير هذا من الأمور التى تحتاج إلى التحديد.

ويشبه أن يكون قد توجد فى التعاليم أيضا أشياء لا يسهل أن ترسم لنقصان التحديد، بمنزلة الخط الذى يقسم السطح على موازاة الضلع 〈فى متوازى الأضلاع〉، فإنه يقسم الخط الخط والمكان على مثال واحد: وإذا ذكر التحديد ظهر على المكان الأمر الموصوف. وذلك أن الأماكن والخطوط

يرتفع كل واحد منهما بارتفاع صاحبه على التكافؤ. وهذا التحديد بعينه هو لهذا المعنى بعينه. وفى الجملة من القول، فإنه إذا وضعت للاسطقسات الأول الحدود (مثل آن يوضع ما هو الخط وما هى الدائرة)، كان التبيين فى غاية السهولة. إلا أنه ليس يتهيأ أن يأتى فى تبيين كل واحد منهما بأشياء كثيرة من قبل 〈أن〉 الوسائط ليست كثيرة. وإن لم يوضع للمبادئ حدود، صعب الأمر فى التبيين. ولعل ذلك أن يكون غير ممكن. وهذه نفسها حال مافى الأقاويل الجدلية.

وليس ينبغى أن يذهب عليك متى دار الأمر الموضوع مما يتعذر اختباره أنه قد شابه شىء من الأشياء التى قلت آنفا. فأما متى كان صرف القول نحو القضية والمقدمة أولى وأبلغ من صرفه إلى الأمر الموضوع، فقد يجد الإنسان السبيل إلى التشكك: هل ينبغى أن توضع أمثال هذه الأشياء، أم لا؟ وذلك أنه إن لم يضع، لكن أوجب أن يتكلم فى هذه الأشياء، فقد رام من ذلك ما هو أعظم مما وضع فى بدء الأمر. وإن هو وضع وضعا، فسيترك أمره إلى أن يصدق بما يصدق به من أشياء هى أقل صدقا. فأما إن كان ينبغى ألا يجعل المسئلة مستصعبة جدا، فقد يجب أن يوضع وضعا. وأما إن كان الأولى أن يأتى بالقياس من أشياء هى أعرف، فليس ينبغى أن يوضع، لكنا نقول إن من كان يقصد للتعلم فليس ينبغى أن يضع، اللهم إلا أن يكون ما يضعه أشد ظهورا. وأما من كان قصده للتخرج

والارتياض فقد ينبغى أن يضع ما يظهر من أمره أنه مـ〈ـصد〉ـق فقط. فقد بان إذاً أنه ليس ينبغى ان يكون حال من يسلم أو يعلم الإيجاب للوضع حالا واحدة.

٤

〈دور السائل ودور المجيب〉

أما كيف ينبغى أن يكون السؤال والترتيب، فعسى أن يكون ما قيل فى ذلك كافياً. فأما القول فى الجواب، فقد ينبغى أن يلخص ما فعل الحاذق بالجواب، كما يلخص فعل الحاذق بالسؤال المجيد فيه. فأما ما يفعله المجيد للسؤال فهو أن يهيئ الكلام تهيئة يقود بها المجيب إلى القول بالأشياء التى ليست محمودة أصلا من الأشياء التى هى ضرورية للأمر الموضوع؛ وأما ما يفعله الذى يجيد الجواب، فأن يكون ما يظهر أنه يلزم من المحال والشناعة لم يأت من جهته فى نفسه، وإنما من قبل الوضع. وذاك أن الخطأ فى أن يوضع أولاً ما لا ينبغى أن يوضع هو غير الخطأ فى أن يضع واضع شيئاً ما ولا يحفظه كما ينبغى.

٥

〈نظرية جديدة فى الارتياض الجدلى — دور المجيب〉

ولما كان ذاك عند الذين يريغون القول نحو التخرج والارتياض غير مميز ولا محصل، (وذلك أن أغراض الذين يعلمون ويتعلمون والذين يقصدون للمحاورة والذين يصرفون النظر والفكر بعضهم مع بعض على طريق الفحص — لما كانت ليست واحدة بأعيانها، لأن الذى يتعلم قد ينبغى أن يضع الأشياء التى يظهر من أمرها أنها مقبولة، إذ ليس أحد من الناس يقصد لتعليم الكذب. وأما من كان شأنه المحاورة فإن السائل من جماعتهم قد ينبغى أن يظهر من أمره أنه يفعل شيئا؛ والمجيب قد ينبغى أن يظهر من أمره أنه لم ينفعل شيئا. وأما فى المفاوضات الجدلية التى ليست على طريق المجاهدة وإنما يقصد بها اختبار المعانى والفحص عنها، ولم يلخص بعد، فيعلم ما ينبغى للمجيب أن يقصد نحوه، وما يجب أن يسلمه من الأمور أو يمنعه ليكون حافظا للاصل الموضوع)، وكان ليس عندنا فى ذلك شىء استفدناه من غيرنا، وجب أن نتكلف القول فيه.

فنقول إنه قد يضطر المجيب إلى أن يقبل من الأوضاع: إما ما هو مشهور أو غير مشهور، وما كان محمودا — بمنزلة قولنا لهذا المشار إليه أوله

فى ذاته أو لغيره. فإنه على أى الجهات كان مشهوراً فلا فرق فى ذلك: لأن المذهب فى جودة الجواب، وأن يعطى ما سئل عنه أو يمنعه، هو مذهب واحد بعينه. — وإذا كان الوضع غير مشهور، فقد يجب ضرورةً أن تكون النتيجة غير مشهورة، لأن السائل إنما ينتج دائما ما هو مقابل للوضع. ومتى كان الأمر الموضوع لا مشهورا أو لا غير مشهور، فإن حال النتيجة أيضا يكون كذلك. — ولما كان الذى يجيد القياس إنما يبين الأمر المطلوب من مقدمات هى أعرف وأشهر، فمن البين أنه إذا لم يكن الموضوع مشهورا على الإطلاق فليس ينبغى للمجيب أن يعطى لا ما هو مشهور على الإطلاق، ولا ما هو مشهور وإن كان دون النتيجة فى ذلك. فإنه إذا كان الوضع غير مشهور، فإن النتيجة تكون مشهورة، ولذلك قد ينبغى أن تكون الأشياء التى تقتضب بأمرها مشهورة، وتكون أكثر شهرة من الموضوع إن كان القصد أن ينتج من أشياء هى أعرف مما دونها فى العرفان. فيجب إذن، متى كان شىء من الأشياء التى وقعت عليها المصادرة ليست هذه حالها، ألا يضعه المجيب. وإن كان الوضع مشهورا على الإطلاق، فظاهر أن النتيجة تكون غير مشهورة: فينبغى أن نعطى جميع الأشياء المشهورة

ونعطى مما ليس مشهورا ما كان دون النتيجة فى ذلك؛ وقد يظهر من أمر الفاعل لذلك أنه قد وفى الجدل حقه.

وكذلك أيضا إن لم يكن الوضع مشهورا ولا غير مشهور، فإنه يجب أيضا على هذا الوجه أن نعطى جميع الأشياء المشهورة ونعطى مما ليس مشهورا جميع الأشياء التى هى فى الشهرة أكثر من النتيجة. فإنه يلزم على هذا الوجه أن تكون الأقاويل أشهر. — فأما إن كان الموضوع مشهورا على الإطلاق أو غير مشهور، فقد ينبغى أن نجعل الجواب بحسب الأشياء المشهورة على الإطلاق. وأما إن لم يكن الموضوع مشهورا على الإطلاق أو غير مشهور، بل إنما هو كذلك عند المجيب، فقد ينبغى أن يكون ما يوضع أولا يوضع بحسب ما يراه ويعتقده فى الأمر المشهور. — وإن كان المجيب إنما يعتقد فى ذلك رأى غيره، فمن البين أنه ينبغى أن يكون وضعه لجميع ما يضعه أو نفيه لما ينفيه بحسب ما يعتقده من ذلك الرأى. ولذلك صار الذين يعتقدون الاراء البديعة، بمنزلة رأى ايرقليطس فى أن الشر والخير هما شىء واحد بعينه، لا يسلمون أن الأضداد لا تجتمع فى شىء بعينه، ليس على أنهم لا يرون ذلك، ولكن لأن ايرقليطس كان يراه، كانوا يقولون به. وقد يفعل أيضا مثل ذلك القوم الذين يقبلون الأوضاع من غيرهم. وذلك أنهم يرومون أن يقولوا مثل ما يقول الواضع.

٦

〈دور المجيب يتوقف على طريقة السؤال〉

فقد ظهر ما الأشياء التى ينبغى للمجيب أن يقصد قصدها: 〈سواء〉 كان الموضوع مشهوراً على الإطلاق، أو كان مشهوراً عند بعض الناس.

ولما كان كل ما يسأل عنه ضرورة إما أن يكون مشهوراً، أو غير مشهور، أولا واحد منهما، أو مما ينتفع به فى القول، أو مما لا ينتفع به — فإنه إن كان مشهورا وليس مما ينتقع به فى القول فقد ينبغى لك أن تعطيه وتعترف أنه مشهور. وإن كان غير مشهور ولا مما ينتفع به فى القول فقد ينبغى أن تعطيه بعد أن تنبه على أنه غير مشهور لتحترص بذلك مما يسبق إلى الظن السارح. وإن كان مما ينتفع به فى القول وكان ذلك مشهورا، فقد ينبغى أن نقول إنه مشهور، إلا أنه فى غاية القرب من الأمر المطلوب فى البدء، وأنه إذا وضع ارتفع الأمر الموضوع. وإن كان مما ينتفع به فى القول وكانت القضية فى غاية البعد من الشهرة، فقد ينبغى أن يترك أنه متى وضع لزمت عنه النتيجة؛ إلا أن الحجة التى أتى بها فى غاية الخساسة. وإن لم تكن غير مشهورة ولا هى أيضا مشهورة، وكانت مع ذلك مما لا ينتفع به فى القول ألبتة، فقد ينبغى أن تعطيها من غير أن نلخص شيئا. وإن كانت مما ينتفع به فى القول، فقد ينبغى أن ينبه على أن الوضع يرتفع إذا وضع

المطلوب الأول. — وبهذا الوحه يكون المجيب فى الحال من لا يتوهم عليه أنه قد لزمه شىء هو كان سكته، متى كان وضعه لواحد واحد من الأشياء التى يضعها بعد تقديمه النظر فيه والتأمل له، ويكون السائل قد استتب له القياس، اذ كان جميع الأشياء الموضوعة له أكبر فى الشهرة من النتيجة. وأما الذين يرومون أن يؤلقوا القياس من أشياء هى أقل فى الشهرة من النتيجة، فمعلوم من أمرهم أنهم غير مصيبين فى تأليف القياس.

ومن كانت حاله فيما يسأل عنه هذه الحال، فليس ينبغى له أن يوضع.

٧

〈طريقة السؤال〉

وكذلك فقد ينبغى له أن يعاند ويقاوم بالأشياء التى ليست واضحة، وهى مع ذلك تقال على أنحاء كثيرة. ولما كان مطلقا للمجيب أن يقول فيما لا يعلمه أنه لا يعلمه، وفيما يقال على وجوه شتى ألا يعترف به ضرورةً أو يجحده، فمن البين أنه إن كان أولا الشىء الذى قيل واضح فقد ينبغى له ألا يتثاقل عن أن يقول: إنى لا أفهم: وذاك أن تكلف مناقضة ما يرد عليه أحيانا من المسائل الغامضة بسبب غموضها من الأمور المستصعبة. وإن كان واضحا، إلا أنه مما يقال على أنحاء شتى، فإنه إن كان فى جميع الأحوال صادقاً أو كاذباً فقد ينبغى إما أن يقر به على الإطلاق، أو يجحده؛ فإن كان كاذبا فى حال،

وصادقا فى أخرى، فقد ينبغى أن ينبه على أنه مما يقال على أنحاء كثيرة، وأن كان هذا النحو منها كاذبا وهذا صادقا: وذلك أنه إن قسمه بأخرة لم يعلم أنه قد كان منذ أول الأمر يعلم أن الشىء يميل إلى الجهتين. وإن كان لم يتقدم له العلم إلى الجهتين، فقد يجب عليه أن يعرف المضطر له إلى ذلك أنه لم يعط ما أعطاه، وهو يقصد هذا الوجه بعينه، وإنما أعطاه وهو يريد الوجه الآخر. وذلك أنه إذا كانت المعانى التى تحت الاسم الواحد بعينه أو القول كثيرةً، كان التشكك سهلا. — وإن كان ما يسأل عنه واضحا وكان أيضا مما يقال على الإطلاق، فقد ينبغى أن يكون الجواب عنه إما «نعم» أو «لا».

٨

〈من الجواب إلى الاستقراء〉

ولما كان كل مقدمة قياسية فإما أن تكون واحدة من المقدمات التى يكون عنها القياس، أو تكون من المقدمات التى تستعمل فى تبيين واحدة منها (كان بينا أنها إذا أخذت من أجل مقدمة ما أخرى لأن السؤال وقع عن أشياء متشابهة فى غاية الكثرة: وذاك أن الكلى إنما يتصيدونه على أكثر الأمر إما بالاستقراء وإما بطريق التشبيه)، فقد ينبغى أن نضع جميع الجزئيات إن كانت صادقة مشهورة. ونتكلف رد الأمر الكلى: فإن ملقى القول بالرد من غير مناقضة إما موجودة وإما مظنونة هو ضرب

من التعسف. فإنه إن كان المعنى ظاهرا فى أشياء كثيرة ولم يسلم الكلى، ظهر من أمره أنه يمحك. وأيضا فإن لم يجد مساغا إلى أن يخالف ويأتى بالحجة على طريق المناقضة فى أن ذلك ليس بحق، توهم عليه أنه أشد مما حكة وعلى أن ما يفعله من ذلك أيضا غير كاف: وذاك أنا قد نجد أقاويل كثيرة تضاد الآراء العامية يصعب حلها، بمنزلة قول زينن إنه لا يمكن أن يتحرك ولا أن يقطع أيضا مسافة مقدارها اسطاديون. إلا أنه ليس يجب لذلك ألا نضع الأشياء المقابلة له. — فإن كان [لا] لم يتهيأ له أن يخالف ويأتى بحجة هى ضد حجة الخصم، ولا أن يعانده 〈و〉لا ينقاد للوضع، فقد بان من أمره أنه محك. والمحك فى الأقاويل هو جواب مفسد للقياس من خارج عن الأنحاء التى قيلت آنفا.

٩

〈الارتياض، والموضوعات غير المشهورة〉

وقد ينبغى أن تقبل من الأوضاع والتحديدات ما قد تقدمت من أولك إياه وارتياضك فيه. ومن البين أن الأشياء التى يبطل بها أصحاب السؤال الأمر الموضوع هى التى ينبغى أن تعاند.

وقد يجب أن يتحفظ من قبول أصل موضوع غير مشهور على ضربين: أما أحدهما فما يلزم عنه القول بأشياء شنعة، بمنزلة قول القائل إن كل شىء يتحرك؛ والآخر اختيار الأشياء التى من شأن العادة الرذلة أن تختارها وهى مضادة للاعتقادات — بمنزلة قولنا إن اللذة خير، وأن يجور الإنسان أفضل من أن يجار عليه. وذلك أنه ليس إنما يشنأ القائل بهذه الأشياء من أجل أن القول قاده إليها، لكن من قبل أنه يراها ويعتقدها.

١٠

〈حل الحجج الفاسدة〉

وما كان من الأقاويل منتجا للكذب، فقد ينبغى أن ننقضه بإبطال ما عنه ينتج الكذب. وذلك أنه ليس بإبطالك أى شىء اتفق تكون قد نقضت ما يجب نقضه، ولا إن كان مما تبطله كذبا، لأنه قد يمكن أن يكون فى القول أشياء كثيرة كاذبة — مثال ذلك أن يقول قائل إن الجالس يكتب، وسقراط جالس، فإنه يلزم من هذا أن: سقراط يكتب. وإذا رفع أن: سقراط جالس، لم ينتفع بذلك فى نقض القول؛ وإن كانت القضية كاذبة، إلا أنه ليس من أجل ذلك جاء الكذب فى القول: فإنه إن اتفق لإنسان ما أن يكون جالساً إلا أنه لا يكتب، لم يكن هذا الحد بعينه ملائما فى هذا

الوضع. فليس يجب إذن أن نقصد لإبطال هذا، لكن لإبطال القول بأن الجالس يكتب، لأنه ليس كل جالس يكتب. وذلك أن الناقض لا محالة إنما هو المبطل للشىء الذى عنه لزم الكذب. والعالم بالنقض هو الذى معه خبرة بالشىء الذى من أجله كذب القول، كالأشياء التى ترسم على خلاف ما ينبغى. وذلك أنه ليس يكتفى فيها أن يناقض، ولا أن يكون الشىء الذى يبطل أيضا كاذبا، بل قد ينبغى أن يبين مع ذلك ما سبب كذبه، إن كان بهذا النحو يتبين هل أتى بالمعاندة بعد التأمل وتقدمة النظر، أم لا.

وقد يتهيأ أن يمنع من التنتيج من وجوه أربعة: إما بأن يبطل ذلك الشىء الذى عنه يحدث الكذب. — وإما بأن يقصد لمقاومة السائل. — فإنك، وإن لم تأت فى كثير من الأوقت فى النقض بطائل، إلا أن السائل لا يمكنه الإمعان فى القول والاتساع فيه. — والثالث أن يوجه المقاومة نحو الأمر الذى كان السؤال عنه. وذلك أنه قد يعرض ألا يحصل له ما يريده من الأشياء المسئول عنها، لأن السؤال عنها جرى على غير صواب. ومتى زيد أدنى زيادة، حدثت النتيجة. فإن كان السائل غير ممكن له الإمعان إلى ما بين يديه، فالمناقضة يجب أن تكون موجهةً نحوه. وإن كان الإمعان ممكنا له، فالمعاندة تكون نحو الأشياء المسئول عنها. — والنحو الرابع من المناقضة — وهو أخس الأنحاء وأدونها — هو الذى

يكون نحو الزما. وذلك أن بعض الناس الذين يعاندون بأمثال هذه الأشياء التى تجرى المحاورة فيها قد يحتاجون فى ذلك إلى زمان أطول من زمان المفاوضة الحاضرة.

فالمعاندات تكون كما قلنا على أربعة أنحاء. والحل إنما يكون بالنحو الأول فقط. وأما الأنحاء الباقية فإنما هى موانع وعوائق عن النتائج.

١١

〈تبكيت الحجة وتبكيت الخصم〉

فأما تبكيت القول فى نفسه، وتبكيته إذا كان على طريق السؤال، فليس هو واحداً بعينه. وذلك أن كثيراً ما يكون سبب فساد القول من قبل السائل لتركه التسليم والانقياد للأشياء التى عنها الإصابة فيه تلقاء الوضع. وذلك أن العمل المشترك لا يكمل أفضل كما له من قبل أحد الاثنين فقط. ولذلك قد تدعو الحاجة فى بعض الأوقات إلى أن يجعل الحجة موجهة نحو القائل دون الوضع متى كان المجيب مستعدا لما يأتى به السائل من المتضادات التى تقدر أن تقوده إليها قسراً. وإذا انتهيا إلى هذه الحال من المشاكسة فإنهما يجعلان الجدل أحيانا مجاهدة لا مجادلة. — ولما كان ما يجرى هذا

المجرى من الأقاويل إنما ينتفع به فى الارتياض والتدرب دون التعليم، كان من البين أنه ليس إنما ينبغى أن تنتج الأشياء الصادقة فقط، بل قد ينبغى أن تنتج الأشياء الكاذبة أيضا. وذاك أن السائل قد يضع أحياناً أشياء هى حق فيضطر الذى يكون القول معه إلى فسخه. ولذلك قد ينبغى أن يتقدم فيضع الأشياء الكاذبة. وربما وضع شىء كاذب، وكان الوجه يفسخ بكذب مثله، لأنه لا شىء يمنع أن تكون الأشياء الكاذبة تسبق إلى ظن بعض الناس أكثر من الصادقة حتى يكون القول متى الف من تلك الأشياء التى يظنها كان أشد إقناعا وأدنى بالقبول. وقد ينبغى لمن أحب أن يكون مصيبا فى الانتقال أن يجعل انتقاله على طريق الجدل، لا على طريق المرائى، بمنزلة المنتقل على طريق الهندسة، كان ما ينتج كاذبا أوصادقا. فأما أى القياسات هى القياسات الجدلية، فقد قصصنا ذلك فيما سلف.

ولما كان الوضيع من الشركاء هو الذى يقصد للعوق عن العمل المشترك، كان معلوما أن الأمر فى الأقاويل يجرى هذا المجرى. وذلك أن الأمر الموضوع فيها هو الشىء المشترك، إلا فيما كان يجرى من المجادلة على طريق المجاهدة؛ فإنه غير ممكن أن يقبل كل واحد من الفريقين شيئاً واحداً يعينه، لأنه غير ممكن أن تكون الغلبة لأكثر من واحد. ولا فرق أصلا فى أن بفعل ذلك فى حال

الجواب أو فى حال السؤال. وذاك أن الذى يسأل على طريق المراء طريقته فى الجدل طريقة خسيسة، وكذلك حاله إذا تعاطى الجواب، فإنه لا يعطى الشىء الذى يظهر، ولا يأتى ليعلم ما الشىء الذى يريد السائل أن يعلمه.

فقد علم إذن من الأشياء التى قيلت أنه ليس يجب أن يكون التبكيت للقول فى نفسه على الانفراد، وللسائل على مثال واحد. وذاك أنه لا شىء يمنع أن يكون القول خسيسا وأن يكون السائل يخاطب المجيب بأفضل ما يتهيأ له مخاطبته به. فأما فى محاورة الذين يعتاصون فخليق ألا يمكن الإنسان فى اول وهلة أن يؤلف القياسات بحسب ما يريده ويختار، وإنما يؤلفها بحسب ما يمكن ويتهيأ.

ولما كان بعض الناس قد يستعمل المتضادات فى حال، والأشياء التى فى بدء الأمر فى أخرى، استعمالا غير محصل ولا مميز، (ولما كانوا إذا انفردوا بالقول مع أنفسهم أحيانا قالوا أشياء متضادة، وإذا أنكروا أولاً أوجبوا أخيراً، ولذلك صاروا إذا سئلوا استجابوا وانقادوا للأشياء المتضادة والتى فى بدء الأمر)، وجب صرورةً أن تكون هذه الأوقاويل رذلة خسيسة. والسبب فى ذلك هو المجيب، لأنه لم يعط هذه الأشياء وأعطى

ما يجرى من الأمور هذا المجرى. — فقد استبان إذن أنه ليس ينبغى أن يكون التبكيت للسائل وللأقاويل على مثال واحد.

والتبكيت بالقول بعينه على الانفراد يكون على خمسة أوجه:

(فالأول) منها إذا كان لا تلزم من الأشياء المسئول عنها نتيجة: لا نحو الأمر الموضوع ولا نحو شىء من الأشياء أصلا، كانت الأشياء التى عنها تحدث النتيجة كاذلةً أو غير محمودة: إما جميعها أو جمهورها. ولا إن زيدت أشياء أو نقصت، ولا إن حذف بعض هذه الأشياء أو أضيف بعضها تحدث نتيجة؛

(والثانى) ألا يكون القياس، المؤلف من أمثال هذه الأشياء ومن هذه حاله بحسب ما قلنا فيما سلف، موجها نحو الأمر الموضوع؛

(والثالث) متى كان حدوث القياس بأشياء ما تزاد أو تنقص، إلا أنها تكون أخس من الأشياء التى يسأل عنها ودون النتيجة فى الإحماد. — وذاك أنهم أحيانا يستعملون فى القياس أشياء تزيد على ما يحتاج إليه فيه لئلا يحدث عن وجودها قياس. — وأيضا فإذا كان القياس من أشياء هى أقل إحمادا وصدقا من النتيجة، أو كان من أشياء صادقة إلا أنه يحتاج فى تبيينها من العمل إلى أكثر ما يحتاج إليه فى الأمر المطلوب.

وليس ينبغى أن يلتمس فى جميع المسائل أن تكون حال المقاييس التى يؤتى بها فى تبيينها حالا واحدة فى الإحماد والإقناع. وذاك أنا قد نجد فى الطبع فى أول وهلة أن من الأشياء المطلوبة ما هو سهل جدا، ومنها ما هو صعب جداً. ولذلك صار متى أمكن أن يكون ما ينتجه من الأشياء التى هى أحمد، كان قوله أفضل وأصوب.

فقد وضح إذاً وبان التبكيت للقول فى نفسه. والتبكيت له من حيث هو سؤال ليس واحدا بعينه، إذ كان لا شىء يمنع أن يكون القول فى نفسه وعلى انفراده مذموما؛ وإذا جعل سؤالا كان محموداً أو يكون محموداً، فاذا جعل سؤالا كان مذموما، لا سيما متى كان تنتجه من أشياء كثيرة محمودة صادقة تنتجا سهلا. وقد يكون القول المنتج فى حال أخسن كثيراً من القول غير المنتج متى كان المنتج قد ينتج من أشياء أخس وكان المطلوب ليست هذه حاله، وكان غير المنتج محتاجا إلى أن يزاد عليه من الأشياء ما كان محمودا صادقا، وإن كان القول غير موجود فى الأشياء المزيدة. وما كان من المقاييس ينتج الصدق من مقدمات كاذبة، فمن العدل أن يبكت. وذاك أن الكذب إنما ينتج لا محالة من الأشياء الكاذبة. فأما الصدق فربما ينتج من الأشياء الكاذبة، وهذا يتبين من كتاب «أنالوطيقا». فأما إن كان القول برهانا على شىء من الأشياء وكان لا يناسب النتيجة فى حال من الأحوال، فذلك

القول ليس قياسا على تلك النتيجة. وإن كان يخيل أنه بهذه الحال فإنما ذلك تضليل، لا برهان. — فأما الفلسفى فهو قياس مبرهن. فأما الاحتجاجى فهو قياس جدلى. وأما المغالط فهو قياس مراىى. وأما المشكك فهو قياس جدلى بالنقيض.

فإن برهن شىء كم شيئين هما جميعا مظنون، إلا أنه ليست حالهما فى ذلك حالا واحدة، فلا شىء يمنع أن يكون الأمر المبرهن عليه مظنونا أكثر من كل واحد من ذينك الشيئين. وإن كان أحدهما مظنونا، وكان الآخر لا يجرى نجراه فى ذلك المعنى، أو كان أحدهما مظنونا والآخر غير مظنون، فإن الأمر أيضا فى النتيجة يكون فى أنه موجود أو غير موجود بتلك الحال. وإن كان أحدهما أكبر من الاخر فى ذلك، فإن النتيجة تتبع الأمر الأكثر.

وقد نجد فى القياسات أيضا هذا الضرب من الغلط: وهو أن يبين بأشياء أكثر ما يتهيأ تبيينه بأشياء أقل، وهى مع ذلك موجودة فى القول: بمنزلة قولنا إنه قد يكون ظن أفضل من ظن، فإنه متى سأل سائل فقال إن كل واحد من الأمور هو أفضل فى الوجود من غيره، لأنه مظنون على الحقيقة، فيجب إذن أن يكون أفضل مما ليس كذلك من الأشياء، إذ كان إنما يقال أفضل بالإضافة إلى ما هو أفضل منه، وقد يوجد ظن ما صادقا،

وهو الذى يكون أصح من غيره من الظنون. وقد كنا أعطينا أنه قد يكون ظن ما صادقا، وأنه قد يوجد فى كل واحد من الأمور ما هو أفضل، فيجب أن يكون الظن الصادق هو أصح وأشد تحقيقا. فأما من أين أتى الفساد، فإنه أتى من قبل أنه جعل الشىء الذى منه صدر القول سبباً لأن تخفى العلة ولا يشعر بها.

١٢

〈وضوح الحجة. — فساد الحجة〉

والقول الصادق إنما هو فى نحو واحد، وهو الذى فى غاية العموم، متى كان قد تنتج تنتجا لا يحتاج معه إلى زيادة فى السؤال. — وأيضا فأن يكون قد قيل على أفضل ما يتهيأ بأن يوجد فى تبيينه الأشياء التى يحصل عنها ضرورةً، وأن يكون أيضا منتجا من النتائج. — وأن يكون مع ذلك عادما للشىء الذى هو محمود فى الغاية.

فأما القول الكاذب فقد يكون على أربعة أضرب: فأحد الضروب أن يظهر من أمره أنه منتج وليس كذلك — ويدعى قياسا مرائيا. — والضرب الثانى متى كان منتجا إلا أنه لا ينتج الأمر الموضوع بدءا، بمنزلة ما يعرض للذين يبينون الشىء بطريق الخلف. — أو يكون منتجا للأمر الموضوع بدءا إلا أنه بغير الطريق الصناعى، وأعنى بذلك متى كانت الطريق

غير طبية فتوهم أنها طبية أو هندسية أو جدلية — كان الأمر التابع صادقا أو كاذبا. — والضرب الثالث متى كان منتجا من أشياء كاذبة، فإن النتيجة عند ذلك تكون فى وقت كاذبة، وفى وقت صادقة، لأن الكذب ينتج دائما من الأشياء الكاذبة؛ وأما الصدق فقد يمكن أن ينتج من أشياء ليست صادقة كما قلنا فيما سلف.

فأما القول الكاذب فإن الخطأ فيه لاحق بالقائل له دون القول فى نفسه، إلا أنه ليس لاحقاً بالقائل له دائما، وإنما هو لاحق فى حال غلطة وسهوه: فقد نجد ما يتقبل بذاته أكثر من تقبلنا كثيرا من الأقاويل الصادقة متى كان إنما يبطل من الأشياء التى يظن بها أنها محمودة فى الغاية بحسب الإمكان شيئا من الأشياء الصادقة. وذلك أن القول إذا كان بهذه الحال فإن البرهان إنما هو لأشياء أخر صادقة، لأنه ينبغى أن تكون بعض الأشياء الموضوعة غير موجود ألبتة ليكون القول إنما هو برهان على هذا البعض. فإن القول إن كان ينتج نتيجة صادقة من أشياء كاذبة فى غاية الخساسة، كانت النتيجة أخس كثيرا من أشياء كثيرة تنتج نتيجة كاذبة. وهذه أيضا بعينها حال القول الذى ينتج نتيجة كاذبة. — فمعلوم إذن أن الفحص الأول عن القول: هل هو بذاته منتج؟ والفحص الثانى: هل هو صادق أم هو كاذب؟ والفحص الثالث: من أى الأشياء يأتلف؟ — وذاك أنه إن كان من أشياء

كاذبة، إلا أنها محمودة، فهو منطقى. وإن كان من الأشياء التى هى الموجودة، إلا أنها غير محمودة، فهو خسيس. وإن كان من أشياء كاذبة، وكانت مع ذلك غير محمودة أصلا، فمعلوم أنه خسيس إما على الإطلاق وإما من نفس الأمر.

١٣

〈المصادرة على المطلوب الأول، والمصادرة على المتضادات〉

فأما كيف يصادر عما يسئل عنه فى بدء الأمر وعن الأشياء المتضادة، فقد قيل ذلك على التحقيق فى «أنالوطيقا». وأما على طريق الظن فقد ينبغى الآن أن نتكلم فيه: —

قد يظهر من أمرهم أنهم يصادرون فى بدء الأمر على خمس جهات:

(أولها) — وهو أوضحها — متى صادر عن ذلك الذى ينبغى أن يتبين. وهذا فليس يسهل أن توقع المغالطة به فى نفسه، وإنما يمكن أن توقع المغالطة به فى المتواطئه أسماؤها خاصة، وفى جميع الأشياء التى الاسم لها والقول يدلان على شىء واحد بعينه؛

(والجهة الثانية) متى كان ينبغى أن يبين الشىء جزئياً فصادر على الكلى — مثال ذلك متى أراد أن يبين أن علم المتضادات واحد، فأوجب إيجابا

كلياً أن علم المتقابلات واحد. وذاك انه يتوهم أن الشىء الذى كان ينبغى أن يبين مفردا بنفسه قد صودر عنه على أشياء كثيرة غيره؛

(والجهة الثالثة) متى كان ينبغى أن يبين الشىء فى بدء الأمر كليا فصودر على الجزئى — مثال ذلك أن يكون المقصود تبين جميع المتضادات وأحرى أن يتبين بعضها. فإنه قد يتوهم أيضا فى هذا أن الشىء الذى كان ينبغى أن يبين مع أشياء أخر كثيرة قد صودر عنه مفردا. وأيضا فمتى كان الإنسان يصادر عن الشىء فى حال قسمته إياه — مثال ذلك متى كان ينبغى أن يبين أن الطب هو علم المصح والممرض، فأوجب تبيين كل واحد منهما على حدته. — أو متى قصد إلى أشياء يلزم بعضها بعضا فصادر عن أحدها — مثال ذلك أن الضلع غير مشارك للقطر، وكان يجب أن يبين أن القطر غير مشارك للضلع.

وأنحاء المصادرة فيما يسأل عنه من المتضادات كأنحاء ما يصادر عنه من الأشياء التى يسأل عنها فى بدء الأمر: فأول هذه الأنحاء أن يصادر عن المتقابلات بمنزلة الموجبة والسالبة. والثانى أن يصادر عن المتضادات التى على طريق التقابل، مثل أن الخير والشر هما شىء واحد بعينه. والثالث متى كان قد أوجب الشىء كليا فأتى به فى الجزء على طريق التناقض، مثال

ذلك متى كان قد أوجب أن علم المتضادات واحد، ثم أوجب للمصح والممرض ما يخالف ذلك، أو متى كان قد أوجب الشىء جزئيا، ثم رام أن يأتى بالنقيض فى الأمر الكلى. — وأيضا فمتى صادر عن ضد ما يلزم ضرورةً عن الأشياء الموضوعة. وأيضا فمتى كان لم يصادر عن المتقابلات ثم صادر على هذين الشيئين أعنى اللذين عنهما يحدث التناقض على طريق التقابل.

والفرق بين أن يصادر على الأشياء المتضادة، وبين أن يصادر على الأشياء التى يسأل عنها فى بدء الأمر أن الخطأ فى هذه إنما يظهر فى النتيجة (وذاك أنا إذا صرفنا تأملنا نحو النتيجة نقول إنه قد صودر على الشىء المسؤول عنه فى أول الأمر)، والخطأ فى المتضادات إنما هو فى المقدمات من قبل أن بين هذه الأشياء تناسباً.

١٤

〈الارتياض فى الجدل〉

فأما ما يحتاج إليه فى التخرج والارتياض والمعاناة للأقاويل التى تجرى هذا المجرى فقد ينبغى أولاً أن نتعود عكس الأقاويل، لأنا نكون بذلك أشد استعداداً واتساعاً فى مناقضة الأمر المقول، ويتهيأ لنا أن نأتى فى الأشياء اليسيرة بأقاويل كثيرة. وذلك أن النقض إنما هو تبديل النتيجة مع المقدمات الباقية. وإذا فعلنا ذلك نقضنا واحداً من الأشياء المعطاة، لأنه

يجب ضرورةً إن كانت النتيجة غير موجودة أن ترتفع واحدة من المقدمات، إن كان متى وضع جميعها وجب من الاضطرار أن تحدث النتيجة.

وينبغى فى كل موضع أن نبحث عن الأمر المطلوب: هل هو بهذه الحال، أم لا؟ وأن تكون إذا وقفت على ذلك التمست له النقض فى أول وهلة؛ فإنك بهذا الوجه تكون مرتاضاً متخرجاً فى أن تسأل وتجيب. وان لم يكن ذلك مع غيرك، فمع نفسك.

فأما الاحتجاجات فقد ينبغى أن يختار منها فى الأمر الموضوع ما كان مقابلا بعضه لبعض، فإن ذلك يسهل لك السبيل — إلى أن تلزم الشىء قسرا — غاية التسهيل، ويعين أكبر معونة على التبكيت والنقض متى تسهل للإنسان السبيل إلى أن يعلم أن هذا الشىء هو بهذه الحال أو ليس هو كذلك.

وهذه الصناعة ليست بصغيرة. وذلك أنها تعلم الإنسان التحفظ من التناقض عند المحاورة، وأن يكون مقتدراً فى العلم والفهم الفلسفى على أن يتأمل الأشياء التى تلزم عن كل واحد من الأصلين الموضوعين، بل على أن يكون قد تأمله وفرغ منه. والذى يبقى فى الأمر أن يصيب فى اختيار أحدهما. ويحتاج فى ذلك إلى أن يكون جيد الطبع. وجودة الطبع بالحقيقة فليست شيئاً غير أن يكون قادرا على حسن الاختيار لما يختار والهرب من الكذب. وإنما يقدر على فعل ذلك على سداد من طبع طبعاً فاضلا.

وذاك أن الذين يحبون ما بدا منهم محبة فاضلة هم الذين يتهيأ لهم اختيار الأمر الأفضل.

وقد ينبغى أن تكون عندنا أقاويل عتيدة مهيأة للمسائل الجدلية التى كثيرا ما تعرض، لاسيما الأوضاع المتقدمة. فإن المسؤول عن أمثال هذه الأشياء قد يستصعب الجواب عليه أحيانا عنها وينكر ما يدل عليه منها.

وأيضا فقد ينبغى أن نعد حدود الأشياء المحمودة والتى هى مبادئ لتكون مهيأة لنا، فإن القياسات بها تكون.

وقد ينبغى أن نتكلف حفظ الأشياء التى كثيرا ما تعرض المجادلة فيها. وكما أنه قد يتقدم تعلم كتاب «الاسطقسات» والارتياض فيه التصرف فى علم الهندسة والعلم بها؛ وفى علم الأعداد أن يكون الإنسان أولاً عالما بتضعيف الأعداد الأول، متمهرا فيها (إذا كان ذلك من أكبر الأعوان فى أن يحكم تضعيف سائر العدد)، كذلك يتبغى أن يكون الأمر جاريا عليه فى الأقاويل والمقدمات حتى يكون الإنسان حافظا لها على طرف

لسانه. وكما أنه قد يعنى فى كتب التذاكير أن يثبت فيها المواضع فقط، فيكون ذلك مذكرا بما يحتاج إلى ذكره فى أول وهلة، — كذلك يثمر لنا حفظ هذه الأشياء، فإنه قد يجعلنا حذاقا بالطريق، القياسى من قبل أن هذه الأشياء إنما تنحو نحو الأشياء المحدودة والمحصلة. وقد ينبغى أن يستعمل فى التحديد والمقدمات أيضا الموضع العامى خاصةً، فإن ذلك عون على القول أو الذكر. وذاك أن وجود الأمر المحيط يتبعها والمبدأ العام لها بحال اعتدال مما يصعب ويتعذر.

وأيضا فقد ينبغى أن تتعود تفريع القول الواحد أقاويل كثيرة ليتهيأ لك بحسب الإمكان أن تخفى الشىء حتى لا يعرف. وهذا فإنما يتهيأ متى تباعد الإنسان بمقدار طاقته عن الإلمام بالأشياء التى يجرى القول فيها. وقد يكون من الأقاويل ما هو فى غاية الصعوبة، وهى الأقاويل التى يمكن أن يعرض ذلك فى كلياتها خاصة — مثال ذلك أن علم الأشياء التى فى غاية الكثرة ليس واحدا، لأنك تجد ذلك فى الأشياء المضافة وفى المتضادة وفى الأشياء المتوالية على نظام.

وقد ينبغى أن نجعل تذاكير الأقاويل كليا، وإن كان القول فى الأمر الجزئى، لأنك بهذا الوجه تكون قادراً على أن تجعل الكثير واحدا. وكذلك

ينبغى أن يجرى الأمر فى القياسات باضمار من القياسات البلاغية. وأما أنت، فقد ينبغى لك أن تجتهد — بحسب طاقتك — أن تهرب من أن تأتى من القياسات بما هو كلى، وأن تنقر دائما عن الأقاويل لتعلم هل هى مقولة على طريق العموم، أم لا. وذاك أن جميع الأشياء الجزئية قد يتهيأ أن تبين بيانا كليا. وقد يوجد فى الأشياء الجزئية برهان كلى، من قبل أنه ليس يمكن أن ينتج شىء على طريق القياس خلواً من الأشياء الكلية.

وقد ينبغى أن يستعمل فى الجدل: أما مع ذوى السلامة من الناس، فالأقاويل الأستقرائية؛ وأما مع المرتاضين، فالأقاويل القياسية. وقد ينبغى أن تلتمس أخذ المقدمات من أصحاب القياس، وأخذ الأمثال من أصحاب الاستقراء، إذ كان كل واحد منهما مرتاضا فيما يناسب مذهبه.

وفى الجملة، إنا بالارتياض فى الجدل يتهيأ لنا أن نأتى فى الشىء إما بقياس، أو بنقض، أو بمقاومة؛ وأن نعلم أن السؤال مستقيم أو غير مستقيم: إما الذى يصدر عنا، وإما الذى يصدر عن غيرنا؛ والسبب فى كل واحد منهما، لأن القوة فى الجدل إنما تصير لنا من هذه الأشياء، والارتياض إنما يراد

لاقتناء هذه القوة ولينتفع به خاصةً فى الاستكثار من الحجج وفى المقاومات. وذاك أن الجدلى على الإطلاق هو الذى يأتى بالحجج ويقاوم. وتكلف الحجج ليس هو غير أن يجعل الشىء الواحد كثيرا فى الغاية (وذاك أنه ينبغى للذى يكون القول متوجها نحوه أن يجعل الجزىى كليا)، وللمقاوم أن يجعل الواحد كثيرا، إلا أنه يفعل ذلك إما على طريق القسمة أو على طريق النقض، فيسلم بعض ما يقع السؤال عنه، ويمنع بعضاً.

وليس ينبغى أن يجادل فى كل شىء، ولا يجادل أيضا من اتفق من الناس. وذاك أن الضرورة تدعو فى مناظرة قوم من الناس إلى أن تكون الأقاويل خسيسة. فأما فى مجادلة من يحاول أن يظهر من أمره أنه قد فلح، فمن العدل أن يروم استعمال القياس لا محالة. إلا أن ذلك غير لائق. ولذلك قلنا إنه لا ينبغى لنا أن نسارع إلى مقاومة كل من اتفق، لأنه يلزم من ذلك ضرورةً قول ردئ. وذاك أن المرتاضين فى الجدل لا يقدرون على الامتناع من نزل الكلام على المجاهدة.

وقد ينبغى أن يكون عتيدا لنا من الأقاويل ما يصح استعماله فى الجواب عن أمثال هذه الأشياء، 〈لا اليقينية〉 بل الجدلية، وفى أشياء كثيرة غيرها، وأعنى بذلك الأقاويل التى يتعذر وجودها. بسرعة.

][ تمت المقالة الثامنة من كتاب «طوبيقا» بنقل إبراهيم بن عبد الله. وهى آخر الكتاب. قوبل به وصح ][