al-Fārābī: Fī qawānīn ṣināʿat al-šuʿarāʾ (The Canons of Poetry)

Work

al-Fārābī, Fī qawānīn ṣināʿat al-šuʿarāʾ
English: The Canons of Poetry

Related to

Text information

Type: Commentary (Arabic)
Date: between 900 and 950

Source

ʿAbd al-Raḥmān Badawī. Arisṭūṭālīs: Fann al-šiʿr, maʿa l-tarǧama al-ʿarabīya al-qadīma wa-šurūḥ al-Fārābī wa-Ibn Sīnā wa-Ibn Rušd. Dirāsāt islāmīyah 8. Cairo (Maktabat al-nahḍah al-miṣrīyah) 1953, 149-158

Download

farabi_arist_poetica-comm_qawanin-ar1.xml [22.49 KB]

بسم اللّه الرحمن الرحيم

مقالة في قوانين صناعة الشعراء للمعلّم الثاني

قال:

قصدنا في هذا القول إثبات أقاويل وذكر معانٍ تفضي بمن عرفها إلى الوقوف على ما أثبته الحكيم في صناعة الشعر، من غير أن نقصد إلى استيفاء جميع ما يحتاج إليه في هذه الصناعة وترتيبها، إذ الحكيم لم يكمل القول في صناعة المغالطة فضلاً عن القول في صناعة الشعر، وذلك أنّه لم يجد لمن تقدّمه أصولاً ولا قوانين حتّى كان يأخذها ويرتّبها ويبني عليها ويعطيها حقّها على ما يذكره في آخر أقاويله في صناعة المغالطين. ولو رمنا إتمام

الصناعة التي لم يرم الحكيم إتمامها — مع فضله وبراعثه — لكان ذلك ممّا لا يليق بنا. فالأولى بنا أن نومئ إلى ما يحضرنا في هذا الوقت من القوانين والأمثلة والأقاويل التي ينتفع بها في هذه الصناعة.

فنقول: إنّ الألفاظ لا تخلو من أن تكون: إمّا دالّة، وإمّا غير دالّة. والألفاظ الدالّة: منها ما هي مفردة، ومنها ما هي مركّبة. والمركّبة: منها ما هي أقاويل، ومنها ما هي غير أقاويل. والأقاويل: منها ما هي جازمة، ومنها ما هي غير جازمة. والجازمة: منها ما هي صادقة، ومنها ما هي كاذبة. والكاذبة: منها ما يوقع في ذهن السامعين الشيء المعبّر عنه بدل القول، ومنها ما يوقع فيه المحاكي للشيء — وهذه هي الأقاويل الشعريّة.

ومن هذه المحاكية ما هو أتمّ محاكاة، ومنها ما هو أنقص محاكاة. والاستقصاء في الأتمّ منها والأنقص إنّما يليق بالشعراء وأهل المعرفة بأشعار لسان لسان ولغة لغة، ولذلك ما يخلى عن القول فيها لأولئك — ولا يظنّنّ ظانّ أنّ المغلّط والمحاكي قول واحد، وذلك أنّهما مختلفان بوجوه: منها أن غرض المغلّط غير غرض المحاكي، إذ المغلّط هو الذي يغلّط السامع إلى نقيض الشيء حتّى يوهمه أنّ الموجود غير موجود وأنّ غير الموجود موجود. فأمّا المحاكي للشيء فليس يوهم النقيض، لكنّ الشبيه. ويوجد نظير ذلك في الحسّ، وذلك أنّ الحال التي توجب إيهام الساكن أنّه متحرّك، مثل ما يعرض لراكب السفينة عند نظره إلى الأشخاص التي هي على الشطوط، أو لمن على الأرض في وقت الربيع عند نظره إلى القمر والكواكب من وراء الغيوم السريعة السير —

هي الحال المغلّطة للحسّ؛ فأمّا الحال التي تعرض للناظر في المرآئي والأجسام الصقيلة فهي الحال الموهمة شبيه الشيء.

وقد يمكن أن تقسّم الأقاويل بقسمة أخرى وهي أن نقول: القول لا يخلو من أن يكون: إمّا جازماً، وإمّا غير جازم. والجازم: منه ما يكون قياساً، ومنه ما يكون غير قياس. والقياس: منه ما هو بالقوّة، ومنه ما هو بالفعل. وما هو بالقوّة: إمّا أن يكون استقراء، وإمّا أن يكون تمثيلا ً. والتمثيل أكثر ما يستعمل إنّما يستعمل في صناعة الشعر. فقد تبيّن أنّ القول الشعريّ هو التمثيل.

وقد يمكن أن تقسّم القياسات، وبالجملة الأقاويل، بقسمة أخرى فيقال: إنّ الأقاويل إمّا أن تكون صادقة لا محالة بالكلّ، وإمّا أن تكون كاذبة لا محالة بالكلّ، وإمّا أن تكون صادقة بالأكثر كاذبة بالأقلّ، وإمّا عكس ذلك، وإمّا أن تكون متساوية الصدق والكذب. فالصادقة بالكلّ لا محالة هي البرهانيّة، والصادقة بالبعض على الأكثر فهي الجدليّة، والصادقة بالمساواة فهي الخطبيّة، والصادقة في البعض على الأقلّ فهي السوفسطائيّة، والكاذبة بالكلّ لا محالة فهي الشعريّة. — وقد تبيّن من هذه القسمة أنّ القول الشعريّ هو الذي ليس بالبرهانيّة ولا الجدليّة ولا الخطابيّة ولا المغالطيّة، وهو مع ذلك يرجع إلى نوع من أنواع السولوجسموس أو ما يتبع السولوجسموس — وأعني بقولي: «ما يتبعه»: الاستقراء والمثال والفراسة، وما أشبهها ممّا قوّته قوّة قياس.

وإذ قد وصفت ما تقدّم ذكره فخليق بنا أن نصف الأقاويل الشعريّة وأنّها كيف تتنوّع فنقول: إنّ الأقاويل الشعريّة: إمّا أن تتنوّع بأوزانها، وإمّا أن تتنوّع بمعانيها. فأمّا تنوّعها من جهة الأوزان فالقول المستقصي

فيه إنّما هو لصاحب الموسيقى والعروضيّ، في أيّ لغة كانت تلك الأقاويل، وفي أيّ طائفة كانت الموسيقى. وأمّا تنوّعها من جهة معانيها على جهة الاستقصاء فهو للعالم بالرموز والمعبّر بالأشعار والناظر في معانيها والمستنبط لها في أمّة أمّة وعند طائفة طائفة، مثلما في أهل زماننا من العلماء بأشعار العرب والفرس الذين صنّفوا الكتب في ذلك المعنى وقسّموا الأشعار إلى الأهاجي والمدائح والمفاخرات والألغاز والمضحكات والغزليّات والوصفيّات وسائر ما دوّنوه في الكتب التي لا يعسر وجودها، ممّا يستغني عن الإطناب في ذكرها.

فلنرجع إلى ابتداء آخر ونقول: إنّ جلّ الشعراء في الأمم الماضية والحاضرة الذين بلغنا أخبارهم خلطوا أوزان أشعارهم بأحوالها ولم يرتّبوا لكلّ نوع من أنواع المعاني الشعريّة وزناً معلوماً — إلّا اليونانيّون فقط: فإنّهم جعلوا لكلّ نوع من أنواع الشعر نوعاً من أنواع الوزن، مثل أنّ أوزان المدائح غير أوزان الأهاجي، وأوزان الأهاجي غير أوزان المضحكات، وكذلك سائرها. فأمّا غيرهم من الأمم والطوائف فقد يقولون المدائح بأوزان كثيرة ممّا يقولون بها الأهاجي إمّا بكلّها وإمّا بأكثرها؛ ولم يضبطوا هذا الباب على ما ضبطه اليونانيّون.

ونحن نعدّد أصناف أشعار اليونانيّين على ما عدّده الحكيم في أقاويله في صناعة الشعر ونومئ إلى كلّ نوع منها إيماء فنقول: إنّ أشعار اليونانيّين كانت مقصورة على هذه الأنواع التي أعدّها وهي: طراغوذيا، ديثرمبي، وقوموذيا، وإيامبو، ودراماطا، واينى، وديقرامى، وساطورى

وفيوموتا، وافيقى، وريطورى، وايفيجاناسوس، وأقوستقى.

أما طراغوذيا فهو نوع من الشعر له وزن معلوم يلتذّ به كلّ من سمعه من الناس أو تلاه، يذكر فيه الخير والأمور المحمودة المحروص عليها ويمدح بها مدبّرو المدن. وكان الموسيقاريّون يغنّون بها بين يدي الملوك؛ فإذا مات الملك زادوا في أجزائها نغمات أخرى وناحوا بها على أولئك الملوك.

وأمّا ديثرمبى فهو نوع من الشعر له وزن ضعف وزن طراغوذيا يذكر فيه الخير والأخلاق الكلّيّة المحمودة والفضائل الانسانيّة؛ ولا يقصد به مدح ملك معلوم ولا إنسان معلوم، لكن تذ كر فيه الخيرات الكلّيّة.

وأمّا قوموذيا فهو نوع من الشعر له وزن معلوم تذكر فيه الشرور وأهاجي الناس وأخلاقهم المذمومة وسيرهم الغير المرضيّة. وربّما زادوا في أجزائه نغمات وذكروا فيها الأخلاق المذمومة التي يشترك فيها الناس والبهائم والصور المشتركة القبيحة أيضاً.

وأمّا إّيامبو فهو نوع من الشعر له وزن معلوم تذكر فيه الأقاويل المشهورة: سواء كانت تلك من الخيرات، أو الشرور، بعد أن كانت مشهورة — مثل الأمثال المضروبة. وكان يستعمل هذا النوع من الشعر في الجدال والحروب وعند الغضب والضجر.

وأمّا دراماطا فهذا الصنف بعينه، إلّا أنّه تذكر فيه الأمثال والأقاويل المشهورة في أناس معلومين وفي أشخاص معلومة.

وأمّا اينى فهو نوع من الشعر تذكر فيه الأقاويل المفرّحة: إمّا لإفراط جودتها، وإمّا لأنّها عجيبة بديعة.

وأما ديقرامى فهو نوع من الشعر كان يستعمله أصحاب النواميس يذكرون فيه الأهوال التي تتلقّاها أنفس البشر إذا كانت غير مهذّبة ولا مقوّمة.

وأمّا أفيقى وريطورى فهو نوع توصف به المقدّمات السياسيّة والنواميسيّة ويذكر بهذا النوع سير الملوك وأخبارهم وأيّامهم ووقائعهم.

وأمّا ساطورى فهو نوع من الشعر له وزن أحدثه علماء الموسيقاريّين ليحدّثوا بإنشادهم حركات في البهائم، وبالجملة في جميع الحيوان، ممّا يتعجّب منها لخروجها عن الحركات الطبيعيّة.

وأمّا فيوموتا فهو نوع من الشعر يوصف به الشعر الجيّد والرديء، المستقيم والمعوّج، ويشبه كلّ نوع من أنواع الشعر بما يشبه من الأمور الحسنة الجيّدة والقبيحة الرذلة.

وأمّا ايفيجاناساوس فهو نوع من الشعر أحدثه علماء الطبيعيّين، وصفوا فيه العلوم الطبيعيّة؛ وهو أشدّ أنواع الشعر مباينة لصناعة الشعر.

وأمّا اقوستقى فهو نوع من الشعر يقصد به تلقين المتعلّمين لصناعة الموسيقار، وهو مقصور على ذلك، ولا ينتفع به في غير هذا الباب.

فهذه هي أصناف أشعار اليونانيّين ومعانيها على ما تناهى إلينا من العارفين بأشعارهم وعلى ما وجدناه في الأقاويل المنسوبة إلى الحكيم أرسطو في صناعة الشعر وإلى ثامسطيوس وغيرهما من القدماء والمفسّرين لكتبهم. وقد وجدنا في بعض أقاويلهم معاني ألحقوها بأواخر تعديدهم هذه الأصناف، ونحن نذكرها أيضاً على ما وجدناها فنقول:

إنّ الشعراء إمّا أن يكونوا ذوي جبلّة وطبيعة متهيّئة لحكاية الشعر وقوله ولهم تأتٍّ جيّد للتشبيه والتمثيل: إمّا لأكثر أنواع الشعر، وإمّا لنوع واحد من أنواعه، ولا يكونوا عارفين بصناعة الشعر على ما ينبغي، بل هم مقتصرون على جودة طباعهم وتأتّيهم لما هم ميسّرون نحوه، وهؤلاء غير مسلجسين بالحقيقة لما عدموا من كمال الرويّة والتثبّت في الصناعة. ومن سمّاه مسلجساً شعريّاً فذلك لما يصدر عنه من أفعال الشعراء.

وإمّا أن يكونوا عارفين بصناعة الشعراء حقّ المعرفة حتّى لا يندّ عنهم خاصّة من خواصّها ولا قانون من قوانينها في أيّ نوع شرعوا فيه، ويجوّدون التمثيلات والتشبيهات بالصناعة، وهؤلاء هم المستحقّون اسم الشعراء المسلجسين.

وإمّا أن يكونوا أصحاب تقليد لهاتين الطبقتين ولأفعالهما: يحفظون عنهما أفاعيلهما ويحتذون حذويهما في التمثيلات والتشبيهات من غير أن تكون لهم طباع شعريّة ولا وقوف على قوانين الصناعة — وهؤلاء أكثرهم زللاً وخطأ.

ونقول: إنّ ما يصنعه كلّ واحد من هؤلاء الطوائف الثلاث لا يخلو من أن يكون عن طبع، أو عن قهر، وأعني بذلك أنّ الذي جبل على المدح وقول الخير فربّما اضطرّه بعض الأحوال إلى قول بعض الأهاجي — وكذلك سائرها؛ والذي تعلّم الصناعة وعوّد نفسه نوعاً من أنواع الشعر واختاره من بين الأنواع ربّما ألجأه أمر يعرض له إلى تعاطي ما لم يستخره لنفسه فيكون ذلك عن قهر: إمّا من نفسه أو من خارج. وأحمدها ما كان عن طبع.

ثمّ إنّ أحوال الشعراء في تقوالهم الشعر تختلف في التكميل والتقصير. ويعرض ذلك إمّا من جهة الخاطر، وإمّا من جهة الأمر نفسه. أمّا الذي يكون من جهة الخاطر فإنّه ربّما لم يساعده الخاطر في الوقت دون الوقت، ويكون سبب ذلك بعض الكيفيّات النفسانيّة: إمّا لغلبه بعضها، أو لفتور بعض منها ممّا يحتاج اليها. والاستقصاء في هذا الباب ليس ممّا يليق بهذا القول، وذلك تبيّن في كتب الأخلاق وأوصاف الكيفيّات النفسانيّة وما توجبه كلّ واحد منها.

وأمّا الذي يكون من جهة الأمر نفسه فلأنّه ربّما كانت المشابهة بين الأمرين اللذين يشبه أحدهما بالآخر، وربّما كانت قريبة ظاهرة لأكثر الناس، فيكون القول في كماله ونقصانه بحسب مشابهة الأمور من قربها وبعدها. وإنّ المتخلف في الصناعة ربّما أتى بالجيّد الفائق الذي يعسر على العالم بالصناعة إتيان مثله، ويكون سبب ذلك البخت والاتّفاق، ولا يستحقّ اسم المسلجس.

وجودة التشبيه تختلف: فمن ذلك ما يكون من جهة الأمر نفسه بأن تكون المشابهة قريبة ملائمة، وربّما كان من جهة الحذق بالصنعة حتّى يجعل المتباينين في صورة المتلائمين بزيادات في الأقاويل ممّا لا يخفى على الشعراء: فمن ذلك أن يشبّهوا ا ب و ب ج لأجل أنّه يوجد بين أ و ب مشابهة قريبة ملائمة معروفة، ويوجد بين ب و ج مشابهة قريبة ملائمة معروفة، فيدرّجوا الكلام في ذلك حتّى يخطروا ببال السامعين والمنشدين مشابهة ما 〈بين〉 أ 〈ب〉، ب ج — وإن كانت في الأصل بعيدة.

وللإخطار بالبال في هذه الصناعة غناء عظيم، وذلك مثل ما يفعله بعض الشعراء في زماننا هذا من أنّهم إذا أرادوا أن يضعوا أن كلمة في قافية البيت ذكروا لازماً من لوازمها أو وصفاً من أوصافها في أوّل البيت، فيكون لذلك رونق عجيب. — ونقول أيضاً إنّ بين أهل هذه الصناعة وبين أهل صناعة التزويق مناسبة، وكأنهما مختلفان في مادّة الصناعة ومتّفقان في صورتها وفي أفعالها وأغراضها؛ أو نقول: إنّ بين الفاعلين والصورتين والغرضين تشابهاً، وذلك أنّ

موضع هذه الصناعة الأقاويل، وموضع تلك الصناعة الأصباغ، و〈إنّ〉 بين 〈كليهما〉 فرقاً، إلّا أنّ فعليهما جميعاً التشبيه وغرضيهما إيقاع المحاكيات في أوهام الناس وحواسّهم.

فهذه قوانين كلّيّة ينتفع بها في إحاطة العلم بصناعة الشعراء. ويمكن استقصاء القول في كثير منها، إلّا أنّ الاستقصاء في مثل هذه الصناعة يذهب بالإنسان في نوع واحد من الصناعة وفي جهة واحدة، ويشغله عن الأنواع والجهات الأخر. ولذلك ما لم يشرع في شيء من ذلك قولنا هذا.

][ تمّت المقالة في قوانين صناعة الشعر لأبي نصر محمّد بن محمّد بن طرخان ][