Galen: Compendium Timaei Platonis (Commentary on Plato's Timaeus)
Work
,
(Kitāb Aflāṭūn al-musammā bi-Ṭīmāwus)
English:
Text information
Type: Translation (Arabic)
Translator: ʿĪsā ibn Yaḥyā
Translated from: Syriac
(Close)
Date:
between 860 and 910
Source
Paul Kraus, Richard Walzer. Galeni Compendium Timaei Platonis aliorumque dialogorum synopsis quae extant fragmenta. Plato Arabus 1. London (Warburg Institute) 1951, 3-34
بسم اللّه الرحمن الرحيم
١ — قال جالينوس: إنّ أفلاطن جعل غرضه في كتابة المسمّى «طيماوس» القول في كون العالم وما فيه من الحيوان. ولا فرق عنده بين قوله العالم وقوله السماء، ويعني بالسماء الجسم المستدير الذي يتحرّك على استدارة.
وفي أوّل هذا الكتاب حكاية كلام جرى بين سقراط وقريطياس في السياسة وفي القدماء من أهل أثينية وفي القوم الذين في جزيرة أطلنطيس فهم الذين يضمن قريطياس القول فيهم بعد فراغ طيماوس من كلامه. ثمّ إنّ أفلاطن بعد ذلك انتقل إلى أن جعل المتكلّم طيماوس لا على جهة المسئلة والجواب كما جرت العادة بذلك فيما في كتب فلاطن من كلام سقراط لكن جعل الكلام كلّه لطيماوس وحده. وليس اختصارنا للمعاني التي قالها طيماوس في هذا الكتاب مثل الذي فعلناه في سائر كتبه التي اختصرنا معانيها. وذلك أنّ كلامه في تلك الكتب واسع طويل، فأمّا في هذا الكتاب ففي غاية الإيجاز وبعيد من ضيق كلام أرسطاطاليس وإغماضه ومن طول كلام فلاطن في سائر كتبه. وإن توهّمت في القول بعض الضيق والإغماض فاعلم أنّ ذلك قليل جدّاً وأنّك إن جعلت ذهنك فيه تبيّن لك أنّ سبب ذلك ليس هو إغماض الكلام في نفسه بعينه كالذي يعرض للقارئ من قلّة الفهم لمّا كان من الكلام بعينه جنس ما مبهم غامض. والكلام الغامض في نفسه هو 〈الكلام الذي …، وأمّا الكلام الذي ليس غامضاً في نفسه فهو〉
الكلام الذي لا يقدر على فهمه إلّا من قد ارتاض في ذلك العلم. ويثبت لك أنّ هذا على ما وصفت من ابتداء الكلام الذي تكلّم به طيماوس. فإنّه قال: «ما الشيء الموجود أبداً وليس له كون وما الشيء الكائن دائماً وليس هو موجود في وقت من الأوقات». فإنّ هذا الكلام عند من ارتاض في سائر كتب فلاطن كلام بيّن واضح. إنّه يفرق بين الجوهر الذي يفهم بالعقل وليس بجسم وبين الجوهر الحسّيّ الذي من عادة فلاطن أن يسمّيه كوناً لا جوهراً. وقد يوجد سقراط في «كتاب السياسة» مراراً كثيرة يسمّي الأشياء المحسوسات ولم يؤهلها لهذا الاسم. فبالواجب سمّى في هذا الموضع كلّ ما كان محسوساً الشيء الكائن دائماً، وسمّى كلّ ما فهم بالعقل فقط الموجود أبداً. فإذا كان كلام فلاطن في هذا الكتاب على هذا المثال فليس يمكن اختصاره على النحو الذي اختصرت سائر كتبه. لأنّي متى فعلت ذلك كنت قد اختصرت كلاماً مختصراً. ولكنّي أجمل في كتابي هذا معاني ما قاله في كتاب طيماوس بعد أن أضيف إلى ما تقدّم من القول ما يتبعه:
٢ — فأقول: إنّ طيماوس لمّا كان قد وضع أنّ لجميع الأشياء جنسين أوّليّين أحدهما موجود أبداً والآخر كائن دائماً أتبع هذا القول بأن قال: «إنّ كلّ كائن فإنّما يكون من علّة ما اضطراراً»، من غير أن يأتي عليه بالبرهان إذ كان أحد الأمور البيّنة للعقل. وذلك أنّه إن كان شيء من الأشياء دائماً على حالة واحدة وهو غير كائن ولا فاسد فليست له علّة مكوّنة. وكلّ الأشياء التي قد كانت فقد كانت لها علّة فاعلة، وكلّ الأشياء التي هي في الكون فلها في الوقت الحاضر علّة فاعلة. فأمّا أنّ العالم شيء في الكون فأمر قد حكم به طيماوس حكماً مطلقاً لأنّ سقراط قد بيّنه في غير موضع من رياضيّاته. وأمّا كونه هل لم يزل أو كان له
ابتداء فإنّه يفصّل ذلك فيما بعد ويقول إنّ لكونه ابتداء. ويقول: إنّ الأمر في وجود خالق [الخلق] العالم على الحقيقة قد يعسر على طالبه وإن وجده على الحقيقة لم يمكنه أن يبدى أمره لجميع الناس.
ثمّ قصد للنظر في الغرض الذي بنى عليه خلقه فقال: إنّه بنى أمره على بقائه دائماً. وبيان ذلك عنده أنّه لا يمكن أن يكون على حال أفضل من حاله التي هو عليها ولم يكن ليكون كذلك لولا أنّه قدّر فيه البقاء دائماً. ثمّ قصد بعد ذلك للنظر في السبب الثالث وهو الداعي إلى خلقه وهو المسمّى التمام والشيء الذي من أجله، فأضافه إلى الشيئين اللذين ذكرهما وهما الخالق والتمثال الذي خلقه عليه فقال: إنّ السبب في خلق العالم جود اللّه تبارك وتعالى والجواد لا حسد معه ولا بخل على شيء من الأشياء في وقت من الأوقات. ولذلك عند ما أراد أن يرتّب الجوهر الجسمانيّ المتحرّك بغير نظام ولا ترتيب في غاية ما يمكن أن يرتّب خلق العالم. ولأنّه ليس يمكن أن يردّ شيء من الأشياء التي هي غير منتظمة إلى النظام بلا عقل وجب من ذلك أن يجعل الخالق في هذا الجوهر عقلاً. والعقل لا يمكن أن يكون لشيء من الأشياء من غير نفس ولذلك جعل العالم متنفّساً وخلقه دائماً ما يمكن.
٣ — ويتبع هذا القول أن يكون العالم واحداً فقط. ويتبع ذلك أيضاً إذ
كان قدّر فيه الخالق أن يكون جسماً أن يجعله لا محالة مرئيّاً محسوساً. والمرئيّ لا يكون بلا نار والمحسوس لا يكون بلا أرض، فلذلك خلق العالم من نار وأرض. وجعل بينهما جسمين آخرين وهما الماء والهواء لأنّ جميع المجسّمات لها متوسّطان كما أنّ جميع السطوح البسيطة لها متوسّط واحد، فقد بيّن ذلك أوقليدس. ولم يترك من ذلك الجوهر شيئاً وراء العالم لأنّه أراد أن يجعله دائماً ما يمكن غير قابل التأثير. وذلك أنّه لو كان يحيط بالجسم المحيط بجميع العالم من خارجه أجسام حارّة وباردة وغير ذلك من الأجسام التي قواها قويّة تماسّه على غير ما ينبغي لكانت تلك الأجسام تحلّه، فإذن حدث فيه من ذلك أمراض وهرم وانتقض. ولذلك جعل الخالق تبارك وتعالى أقاصي السماء جسماً مدوّراً أملس متشابه الأجزاء لا حاجة به إلى أن يكون له رجل أو يد. وذلك أنّه جعله متحرّكاً بذاته غير محتاج إلى غيره لأنّه لا شيء خارج عنه. وكذلك لم يحتج إلى عين ولا أذن ولا شفتين.
٤ — وجعل النفس التي فيه من الجوهر الذي لا ينقسم الباقي دائماً بحال واحدة ومن الذي ينقسم في الأجسام، فجعل فيه من طبيعة الجوهر الباقي دائماً
بحال واحدة ومن طبيعة الجوهر الآخر. ويعني بقوله «الشيء الذي لا ينقسم» 〈…، وبقوله «الشيء الذي ينقسم〉 في الأجسام» الحركة الغريزيّة التي في المادّة وهي التي يقول فيها بعد قليل إنّها أزليّة فيها. فإن كانت النفس ابتداء الحركة على رأيه وكانت المادّة متحرّكة من ذاتها فمن البيّن أنّها متنفّسة إلّا أنّ تلك النفس التي فيها مضطربة متحرّكة على غير نظام محدود. ولذلك لمّا أراد الخالق تبارك وتعالى أن يردّها إلى الترتيب والنظام جعل فيها النفس التي من طبيعة الشيء الباقي دائماً بحال واحدة.
ثمّ إنّ طيماوس من بعد هذا الكلام يصف كيف تنقسم نفس العالم في جميع أجزائه على نسب كنسب التأليف، ويدلّ بذلك على العدد. ثمّ قال بعد فراغه من ذلك: إنّ الخالق قسم جملة ذلك لقسمين بالطول وألقى كلّ واحد منهما على صاحبه حتّى صار شكلهما شكل الشين في كتاب اليونانيّين وهو هذا X وثناهما جميعاً حتّى صارا دائرتين متّصلة إحداهما بالأخرى. ومن البيّن أنّه يدلّ بهذا لقول على دائرة فلك البروج ودائرة الاستواء من غير أن تكون حركة دائرة الاستواء سوى حركة الفلك كلّه. ولمّا كانت هذه الحركة تحتوي في داخلها دائرة فلك البروج ترك الخالق الدائرة الخارجة غير منقسمة وقسم الدائرة الداخلة في ستّة مواضع وجعل منها سبعة أفلاك على نسب كنسب التأليف، وهي التي قالها لمّا قسم جوهر النفس. ومن البيّن أنّه يريد بقوله «سبعة أفلاك» أفلاك الكواكب المتحيّرة.
وقال: إن ثلثة أفلاك من هذه السبعة متساوية في سرعة حركتها، يعني فلك الشمس وفلك الزهرة وفلك عطارد. ولم يسمّ الزهرة بهذا الاسم لكنّه سمّاها كوكب الصبح. وسمّى الدائرة الخارجة الباقية على حال واحدة وسمّى الداخلة المختلفة. ثمّ بيّن كيف يكون الظنّ واليقين الصحيح من طبيعة المختلفة والعلم والعقل من طبيعة الباقية بحال واحدة.
٥ — ثمّ تكلّم بعد ذلك في طبيعة الزمان فقال: إنّه يقدّر بأدوار الكواكب المتحيّرة وجميع الفلك. وذلك أنّ الليل والنهار جميعاً يكونان من حركة الفلك، وأمّا الشهور فتكون من أدوار القمر إذا قطع فلكه ولحق الشمس، وأمّا السنون فتكون من قطع الشمس فلكها. ثمّ قال: إنّ لكلّ واحد من الكواكب المتحيّرة حركة خاصّيّة لم يقف عليها كثير من الناس، وإنّ جميع هذه الأدوار قصدها شيء واحد وهو استكمال السنة التامّة.
ثمّ إنّ طيماوس بعد هذا يقول: إنّ أجناس الحيوان أربعة أحدها السمائيّ والثاني الطيّار والثالث السابح الذي يأوي الماء والرابع المشّاء على وجه الأرض. وإنّ السمائيّ جعل أكثر ما في صورته النار وجعل 〈الفهم〉 في أقوى الأدوار. وإنّ كلّ واحد من هذه يتحرّك بذاته. وإنّ الأرض موضوعة في وسط العالم. وإنّ في الفلك كواكب أخر شبيهة بهذه تظهر في الفلك إيماء. ومن البيّن أنّه يشير
بهذا القول إلى الكواكب التي تظهر في بعض الأزمان ثمّ تغيب كالذي رأيناه نحن مراراً كثيرة وذكر إبرخس في كتبه وغيره من المنجّمين.
٦ — ثمّ قال: إنّ اللّه تعالى قال للملائكة قولاً عامّيّاً إنّهم إذا كانوا مكوّنين فليس هم غير فاسدين إلّا أنّهم لا يفسدون في وقت من الأوقات بمشيئته وعنايته بهم. ولأنّه قد كان ينبغي أن يكون في العالم حيوان يقبل الموت جعلهم سبباً لكون ما يكون منه. وذلك أنّه لو كان تولّى خلقهم لكانوا بمنزلة الملائكة. ثمّ قال: وإنّ الخالق تبارك وتعالى أعطى الملائكة ابتداء الخلقة التي لا تموت، ومن البيّن أنّه يعني بذلك النفس الناطقة. ولهذا السبب لمّا مزج المزاج الأوّل الذي خلط فيه نفس العالم أفرغ فيه البقايا التي بقيت من الأشياء المتقدّمة وخلطها جميعاً وجعلها من جهة من الجهات باقية على حالها. ولم يجعلها غير فاسدة على ذلك المثال لكن ثوانيَ وثوالثَ.
ثمّ قال: فلمّا أتمّ خلق العالم قسم الأنفس وجعل عددها كعدد الكواكب وصيّر كلّ واحدة منها في واحد من الكواكب وأراها طبيعة العالم وسنّ لها السنن وبيّنها لها فقال: إنّ الكون الأوّل لجميع الناس واحد لا ينقص 〈أحد〉 فيه عن صاحبه. ثمّ قال: ولكنّه ينبغي — إذا غرست الأنفس في كلّ واحد بحسب آل الزمان التي تليق بكلّ واحد — أن تنبت أفضل الحيوان عند الخالق
تبارك وتعالى. وإنّه لمّا كانت طبيعة الإنسان على ضربين 〈…〉 أفضلهما وهو الذي يدعى بآخرة الرجل.
ثمّ قال: ولمّا كان الإنسان بعد ارتباط النفس منه بالبدن يحتاج إلى أشياء تدخل إلى بدنه وأشياء تخرج منه جعل الخالق تبارك وتعالى فيه حسّاً غريزيّاً وجعل فيه شهوة مخلوطة باللذّة والأذى وجعل فيه مع ذلك الخوف والغضب وما يتبع هذه الأشياء وما يضادّها. فمتى كان الإنسان مستولياً عليها كانت حيوته وتدبيره على العدل، ومتى كانت هذه الأشياء مستولية عليه قاهرة كانت حيوته وتدبيره على الجور. ومن كانت حيوته مرضيّة في جميع الزمان الذي يستقيم أن يبقى فيه رجعت نفسه أيضاً إلى الكواكب التي كان عنها وأثبت على ذلك بأن يجعل تدبير حيوته أفضل التدبير. ومن لم يكن [تدبير] حيوته كذلك وأخطأ في تدبيره استحال إلى طبيعة المرأة في الكون الثاني. وإن لم يبق أيضاً على هذه الطبيعة عوقب بشيء آخر أيضاً تشبّهاً بحاله في كونه واستحال إلى طبيعة بعض الحيوان البرّيّ، ولم يقف عن هذه الاستحالات أبداً دون أن يعود أوّلاً فيقلع من نفسه
بالحركة التي فيه الباقية على حال واحدة دائماً تلك الأشياء التي اجترّت بها وهي التي صارت فيه من النار والماء والهواء والأرض إذ كانت متشوّشة عديمة النطق ويغلبها ويقهرها بالنطق يرجع عند ذلك إلى حاله الأولى التي هي أفضل.
ثمّ قال: فمتى جاوز في جميع هذه الأشياء الصواب †وٮعٮد† النواميس التي سنّها عليها غرس بعض تلك الأشياء في بعض آل الزمان — والمنقول منها الأرض وبظنّي أنّه خطأ — وبعضها في غير ذلك من آل الزمان.
٧ — ثمّ قال: وأمر الخالق تبارك وتعالى الملائكة أن يعملوا للأنفس أبداناً تقبل الموت ويضيفوا إلى تلك الأبدان ما بقي من تلك الأنفس. وإنّ أولائك جعلوا أوّل خلقهم والأصل فيه أشياء أخذوها من النار والأرض والماء والهواء واصطفوها من أجزاء العالم. ثمّ إنّه بعد ذلك وصف الأشياء التي تعرض للنفس بسبب رباطها بالبدن ضرورة وما بالها في أوّل رباطها تكون بلا عقل ولِمَ صار العقل ثانيها بعد ذلك. ثمّ يجعل سبب الأمر الأوّل منها كثرة الرطوبة وسبب الأمر الثاني منها اليبس. ثمّ يقول: إنّ الخالق عزّ وجلّ أوّل ما خلق الإنسان قصد من أعضائه لخلق الرأس منه وجعل فيه من الدورين الإلاهيّين، وبالجملة فإنّه أدخل الإنسان إلّا
قليلاً منه في هذا العضو. وذلك أنّه يقول: إنّ جميع الأعضاء إنّما خلقت لخدمة الرأس، فأمّا الرجلان فللمشي وأمّا اليدان فللإمساك وأمّا العينان فللبصر. فيقول: إنّ ذلك يكون لجوهر نيّر مضيء يخرج من الحدقة ويتّصل بالهواء المحيط بنا ويخالطه بمشاكلته ويتغيّر مثل وتغيّره فنحسّ بالأشياء التي 〈من〉 خارج. وقد بيّنت هذا القول في المقالة السابعة من كتابي «في آراء بقراط وفلاطن» وأكثر من ذلك أيضاً، وأحتجّ ببراهين حقيقيّة في المقالة الثالثة عشرة من كتابي «في البرهان». إلّا أنّ أفلاطن في كتابه المسمّى «طيماوس» تكلّم أيضاً في الصور التي لا تظهر 〈إلّا في الأحلام وفي الصور التي تظهر〉 في المرايا. وبيّن المنفعة التي ننالها من البصر والمنفعة التي ننالها من السمع، وقال: إنّ هذين جعلا لكون الفلسفة.
٨ — فجميع ما ذكر خلقه إلى هذا الموضع يزعم أنّ سبب كونه العقل. وأمّا سائر الأشياء الأخر التي يذكرها فيما بعد فيزعم أنّ كونها ضروريّ. وذلك أنّ كون العالم ممتزج من الأمر الضروريّ ومن العقل وإنّ العقل يتسلّط على الأمر الضروريّ وذلك 〈أنّه يقنعه〉 بأن يجعل أكثر الأشياء التي تكون بالحال الأجواد والأصلح. ثمّ قال: فحدث هذا العالم عند قنوع الأمر الضروريّ. وقد يسمّى الأمر الضروريّ العلّة المضطربة ويدلّ هذا الاسم عنده على التشويش وعلى ما كان على غير نظام ولا دماثة.
ثمّ إنّه عاد إلى وصف ذلك وتكلّم في استحالة الأرض والنار والماء والهواء بعضها إلى بعض. وسمّى الشيء الذي يعمّها جميعاً الباقي عند استحالتها الوالدة والمرضعة للكون. وقال: إنّها موضوعة منذ أوّل الأمر †مٮعٮدة† كما شبّهها للأب، لأنّ العالم حدث وتولّد عن المادّة والصورة.
٩ — ثمّ إنّه بعد هذا يقول قولاً عامّيّاً في وجود جميع الصور وهو بنفس ألفاظه على هذا المثال: فإن كان العقل والفكر الحقيقيّ جنسين فيجب ضرورة أن توجد أنواع قائمة لذاتها لا نحسّ 〈بها بل〉 نتوهّمها فقط توهّماً، وإن كان الفصل بين الفكر الحقيقيّ والعقل كما توهّم بعض الناس أنّه لا يوجد شيء من جميع الأشياء التي في البدن نحسّ به فقد يجب أن نضع بثقة ويقين أنّه ينبغي أن يقال إنّ لهذين نوعين، لأنّ كونهما متباين وهما غير متشابهين. وذلك أنّ أحدهما فينا يكون بالعلم والآخر بالإقناع، وكون الأوّل دائماً بقياس حقيقيّ وأمّا الثاني
فبغير قياس. والأوّل أيضاً بالإقناع غير متحرّك، وأمّا الثاني فيتغيّر بالإقناع. والذي ينبغي أن يقال في هذا أنّ جميع الناس يشتركون فيه، وأمّا العقل فأكثره في الملائكة وإنّما في الناس منه مقدار يسير. فإذا كان هذا هكذا فينبغي أن يسلّم أنّ النوع الذي في الملائكة واحد وأنّه غير مكوّن لا يبطل ولا يقبل التأثير بعضه من بعض ولا يفعل في شيء آخر غيره، وأنّه غير مرئيّ ولا محسوس. وإذا كان هذا على ما وصفنا فقد يجب أن نبحث عن هذا الذي أدركه العقل. وأمّا الموافق له في الاسم فشبيه به ثانٍ بعده محسوس مكوّن †يوجد† دائماً يكون في موضع ويفسد فيه وإدراكه يكون بالظنّ والحسّ. وأمّا الجنس الثالث فلا يقبل الفساد ويفيد جميع الأشياء المكوّنة ثباتاً وتمكّناً ويمسّ بغير حسّ ويكذّب ما يصدق به الفكر الكاذب. وهو الذي إذا رأيناه كأنّه حلم ونقول فيه يجب أن يكون هذا الشيء الموجود — كلّما وجد — في موضع قد تمسّك به، لأنّ ما لم يكن في الأرض ولا في موضع من السماء فليس هو شيء من الأشياء. هذا آخر لفظ فلاطن.
١٠ — فلمّا بيّن فلاطن بهذا القول أنّ لكلّ واحد من الأشياء المكوّنة نوعاً معقولاً قسم بعد ذلك أنواع النار والماء والأرض والهواء فقال: إنّ نوع النار هو الشكل الناريّ، ونوع الأرض هو الشكل المكعّب، ونوع الماء هو الشكل الذي له عشرون قاعدة، ونوع الهواء هو الشكل الذي له ثماني قواعد. ثمّ قال: وههنا صورة أخرى جعلت للعالم بأجمعه، وأشار إلى الشكل الذي له اثنتا عشرة قاعدة.
ثمّ بيّن بعد ذلك في ثلثة من الأسطقسّات أنّ بعضها يتغيّر من بعض، وأمّا الأرض فباقية بحالها ثابتة لا تتغيّر، وأنّ كلّ واحد من هذه التي ذكرت ينبغي أن يتوهّم بحال من الصغر لا يمكن أحداً من الناس أن يدركه مفرداً وحده. وذلك أنّ هذه الأشياء الجليلة التي ترى محسوسة تركيبها من كثيرة من تلك ومن أشياء آخر مخالطة لها ليست من جنسها. وذلك أنّ فرج العظام تمتلئ من تلك الصغار لأنّه لا يستقيم أن يبقى بينها موضع خالٍ. وإنّ هذا هو السبب في أنّ حركاتها واستحالة بعضها إلى بعض باقية دائمة وبعضها يفرّق بعضاً ويجمعه.
١١ — ثمّ قال بعد ذلك: وفي كلّ واحد من هذه الأجناس التي ذكرناها أجناس أخر كثيرة وما طبيعة كلّ واحد منها وكيف يكون اختلاف الأشياء الجزئيّة المركّبة من بعضها ببعض. فقال: إنّ أجناس النار ثلثة وهي اللهيب
والضوء والجمرة. 〈وأمّا الهواء …〉. وأمّا الماء فقال أوّلاً إنّ له جنسين أحدهما الرطب والآخر الذائب، ثمّ إنّه بعد ذلك أخبر بكون الذهب والحجر المعروف بألماس والنحاس والصدى وجعلها من الجنس الذائب. ثمّ انتقل بعد ذلك إلى الجنس الآخر من جنسي الماء وهو الرطب فقال: إنّ ما كان منه سيّالاً فقد خالطته أجزاء ناريّة، وما كان منه غير سيّال فقد عدمت تلك الأجزاء. وإنّ ما جمد من هذا الجنس فوق الأرض فهو البَرَد وما جمد عليها فهو الجليد، وما لم يستحكم جموده ممّا فوق الأرض فهو الثلج وممّا على الأرض فهو الدَمَق.
ثمّ قال بعد ذلك: إنّ أكثر أنواع الماء قد خالطتها أشياء أخر، وجميع جنسها من عصارات الشجر وتدعى الأخلاط، وبسبب اختلاطها لا تجد منها شيئاً يشبه صاحبه. وسائر أجناسها الباقية لا اسم لها خلا أربعة أنواع منها الناريّة و〈التي ينفذها〉 الضوء فإنّها مسمّاة: 〈أحدها〉 الخمر وهي المسخنة للنفس والبدن، والثاني أملس مفرّق للبصر — ومن أجل ذلك يتبيّن في رؤيته الضوء والنور والدهنيّة — وهو النوع الدهنيّ مثل الزفت والخِروَع والزيت وكلّ ما كان من هذا الجنس، وأمّا الثالث — وهو السيّال إلى العروق التي في الفم وحلاوته تظهر هناك — فسمّى العسل. وأمّا الرابع — وهو الذي يذيب اللحم بإحراقه وجنسه زَبَديّ منفصل من جميع الأخلاط — فسمّى لبناً. هذا الكلام قاله أفلاطن عند آخر وصفه للأنواع المائيّة.
١٢ — ثمّ وصف بعد ذلك أنواع الأرض فتكلّم أوّلاً في كون جملة الحجارة، ثمّ في كون الحجارة التي ينفذها الضوء، والخزف والصخر الأسود، ثمّ قال في كون البورق والملح. ثمّ قال: إنّ جمود الأرض الذي في الغاية لا يحلّه الماء والهواء لكن النار فقط، وأمّا جمود 〈الأرض الذي ليس في الغاية فيحلّه النار والماء جميعاً. وأمّا جمود الماء الذي في الغاية فيحلّه النار فقط، وأمّا جمود الماء〉 الذي ليس في الغاية فيحلّه النار والهواء جميعاً. وأمّا الهواء الجامد في الغاية فلا يحلّه شيء سوى ما لهذا الأسطقسّ أن يفعله، وأمّا الهواء الذي لم يجمد في الغاية فيذيبه النار فقط.
ثمّ قال في الأشياء المختلطة من الأرض والماء: إنّ ما كان منها فيه من الماء أقلّ ممّا فيه من الأرض فهو جنس الزجاج وجميع الحجارة التي تذوب. وما كان فيه من أجزاء الماء أكثر من أجزاء الأرض فهو الأجسام التي بمنزلة الشمع والأجسام المبخّرة. وجميع هذه يحلّها النار فقط، لأنّ تجاويف الأرض قد انضمّت وتلبّدت في الغاية من الماء 〈فلا يذيبها الماء〉 إنّما بقي أن يداخلها فقط النار. وذلك أنّ الماء لا يمكنه إذا ماسّها من خارج أن يداخل ما كانت هذه حاله من الأجسام لكن يسيل حوله على الاستدارة.
١٣ — ثمّ إنّه بعد هذا الكلام ضمن القول في الآلام العارضة في الأبدان والأسباب الفاعلة لذلك فقال: الأولى أن يجعل ما يبتدأ به من ذلك الحسّ.
ثمّ قال: إنّ الذي ينبغي أن نقدّمه قبل ذلك ممّا ينتفع به في هذا القول بآخرة، وهو أنّ ما كان من الأجسام يتفرّق وينفصل بعضها من بعض لحدّة حركة النار ولطفها وصغر أجزائها فالآلام العارضة فيها حارّة. وما كانت حالها على ضدّ هذه الحال كان الألم العارض فيها بارداً. وإنّ الأجسام االتى تدعى صلبة هي التي ينقبض لها اللحم منّا، والأجسام الليّنة هي التي لا ينقبض لها اللحمم منّا. وكذلك سائر الأشياء الباقية فإنّها تدعى صلبة أو ليّنة بحسب انقباضها وممانعتها. وإنّ الأشياء التي ثباتها وتمكّنها على شيء صغير تنقبض وتتضامّ لِمَا كان ثباته وتمكّنه على أشياء عظيمة. ولهذا صارت الأرض أشدّ مدافعة وممانعة، وذلك أنّ تمكّنها وثباتها فقط يكون على المربّعات. وإنّ الأشياء الثقيلة هي التي تتحرّك إلى وسط العالم والخفيفة هي التي تتحرّك إلى سطح العالم. وإنّما قال وسط العالم لا أسفله لأنّه يرى أنّ شكل العالم كريّ، وكذلك قوله سطح العالم لا علوّه. وإنّ الجسم الأملس يكون عند اختلاط الكثافة بالاستواء، وأمّا الخشن فمتى اختلطت الصلابة بغير الاستواء.
١٤ — وإنّ السبب في الأشياء اللذيذة والأشياء المؤذية يصحّ البحث عنه إن نحن تقدّمنا فبحثنا عن الآلام المحسوسة وغير المحسوسة. وإنّ السبب في كون هذه الأشياء طبيعة الجوهر القابل للتأثير متى كانت حركته سهلة أو عسرة.
وذلك أنّ ما كان في طبعه سهل الحركة إذا عرض فيه الألم وإن كان يسيراً فإنّه يصل بسرعة إلى جميع أجزائه واحداً بعد واحد إلى أن يصل إلى العضو الذي يفهم به ذلك فيدلّه على تلك القوّة الفاعلة. وأمّا ما كان بخلاف ذلك فلأنّه ثابت متمكّن فليس يتألّم وحده في دور متساوٍ ولا يحرّك شيئاً من الأشياء القريبة منه، فإذا لم يوصل كلّ واحد من تلك الأجزاء إلى صاحبه الألم الأوّل الذي حدث فيه — لأنّ جميع بدن الحيوان يكون غير متحرّك — كان ذلك الألم غير محسوس. وأسهل الأعضاء وأسرعها حركة السمع والبصر خاصّة لأنّ فيهما من النار والهواء قوّة عظيمة، وأعسر الأعضاء وأبطأها حركة الشعر والعظام وسائر الأشياء الباقية الأرضيّة.
ثمّ [قال] إنّ أفلاطن بعد هذا قال في اللذّة والأذى هذا القول: أمّا أمر اللذّة والأذى فعلى هذا ينبغي أن يتوهّم، وهو أنّ كلّ أثر خارج عن المجرى الطبيعيّ يجفو ويبدو جملة في دفعة فهو مؤلم، والرجوع جملة في دفعة إلى الحال الطبيعيّة لذيذ. وأمّا ما يبطؤ ويبدو قليلاً قليلاً فغير محسوس، وما كان على ضدّ ذلك فأثره على الضدّ. وأمّا الشيء الذي يكون بسهولة فكلّه لا يحسّ ولا يكون معه ألم ولا لذّة.
١٥ — ثمّ قال: أمّا [جميع] الآلام العامّيّة العارضة في جميع البدن والأسباب
الفاعلة لها فقد بيّنّاها. وأمّا الآلام الخاصّيّة العارضة في اللسان من الطعوم فنقول: إنّ الأجزاء الأرضيّة التي في الأشياء التي تذاق إذا واقعت أجزاء اللحم الذي في اللسان ذابت وجمعت عروقه. والتي تخشّنه منها خشونة أشدّ تسمّى عصفة، والتي تخشّنه أقلّ تسّمى قابضة. وأمّا الأشياء التي تجلو هذه وتغسل ما حول اللسان — إن كان ذلك الفعل أكثر من المقدار 〈حتّى〉 تبلغ من قوّتها أن تذيب شيئاً من أجزاء اللسان — تدعى مرّة مثل البورق، وإن كان ذلك الفعل أقلّ من فعل هذه سمّيت مالحة. وأمّا الأشياء التي تسخن وتقطع وتلذع فتسمّى حرّيفة، وأمّا الأشياء التي تلطّفها العفونة حتّى تنفذ في العروق الرقاق فتدعى الحامضة. ثمّ قال: وأمّا الأشياء التي تضادّ جميع ما ذكرناه فتسمّى الحلوة، وذلك أنّها تملّس ما خشن من أجزاء اللسان وتشدّ وتجمع ما استرخى منها، ولذلك صار هذا النوع من الطعوم لذيذاً.
ثمّ إنّ فلاطن بعد فراغه من القول في الطعوم يتكلّم في حاسّة الشمّ. وزعم أنّ جوهرها فيما بين الهواء والأرض وأنّ الدخان والضباب يدخلان في هذا الجنس، وأنّ بعضها يقال فيها لذيذة وبعضها مؤذية. وأمّا أنواعها الجزئيّة فلا اسم لها.
ثمّ قال: إنّ العضو الثالث الحاسّ فينا هو العضو الحاسّ بالأصوات. وحدّ الصوت فقال: إنّه قرع مكوّن بالأذن للهواء الذي في الدماغ، ويشبه أن يكون هذا القرع يتأدّى إلى النفس. وإنّ الحركة التي تكون من هذا القرع البادئة من
الرأس وتنتهي نحو عضو الكبد هي السمع. وإنّما قال ذلك لأنّه يرى أنّ جميع أجزاء النفس الناطقة إذا كانت فيها معرفة بالمحسوسات التي تماسّها من خارج 〈…〉. وإنّ الصوت الحادّ يسمّى الخفيف والصوت الثقيل يدعى البطىء، والصوت الأملس هو المستوي والخشن ضدّه، والصوت العظيم هو الكثير والصوت الصغير ضدّه.
١٦ — ثمّ قال: العضو الرابع الحاسّ فينا هو البصر، وإنّ المحسوسات التي تخصّ هذه الحاسّة هي الألوان. وإنّ جوهر الألوان هو اللهيب الذي يخرج من كلّ واحد من الأجسام. وإنّ لذلك اللهيب أجزاء معتدلة في حسّها. وإنّ الأجسام التي ينفذ فيها الضوء يبرز منها أجزاء مساوية للأشياء التي تبرز من البصر، وأمّا الأجسام البيض فيبرز منها ما أجزاؤه أصغر من أجزاء البصر، وأمّا السود فيبرز منها ما أجزاؤه أعظم من أجزاء البصر. ثمّ قال: ولذلك صارت الأجسام البيض تفرّق البصر والسود تجمعه. ثمّ قال: وأمّا الحركة التي هي أحدّ الحركات
الكائنة عن جنس آخر من أجناس النار التي تفرّق البصر تفريقاً يحدث من ذلك فيه شعاعات فنسمّي اللون والجسم البرّاق المضيء. وأمّا جنس النار الذي بين هذين الجنسين الذي يأتي رطوبة العين فيخالطها من غير †تأخر† فيدعى الأحمر. فهذا ما قاله في الألوان البسيطة. وأمّا المركبّة من هذه فقال فيها: إنّه متى مازج اللون الأحمر البرّاق اللون الأبيض كان منه اللون الأحمر المشرق. ومتى مازج اللون الأحمر اللون الأسود 〈والأبيض〉 كان منهما اللون الأرجوانيّ. فأمّا اللون الذي يسمّى المظلم فيكون من اختلاط هذه الألوان واحتراقها وممازجتها اللون الأسود وغلبته عليها. وأمّا اللون الأشقر فيكون من امتزاج الأحمر المشرق والأغبر. وأمّا اللون الأغبر فيكون بامتزاج اللون الأبيض والأسود. وأمّا اللون الأصفر فيكون من اختلاط اللون الأبيض باللون الأحمر المشرق. وإذا خالط اللون الأبيض البرّاق الأسود المشبّع كان منهما اللون الأسمانجونيّ. وإذا امتزج اللون الأسمانجونيّ والأبيض كان منهما اللون الأزرق. وإذا اختلط اللون الأشقر باللون الأسود حدث عنهما اللون الأخضر.
١٧ — ثمّ قال: وجميع ذلك كان قبل حدوث العالم إلّا أنّها كانت غير معتدلة لا نظام لها ولا ترتيب. فلمّا زخرف ذلك ونظم واستوى العالم اعتدلت جميع الأشياء وانتظمت.
ثمّ قال: وخلق اللّه تعالى النفس الناطقة لا تموت وكساها بدناً ميّتاً وضمّ إلى ذلك نوعاً آخر من أنواع النفس قابلاً للتأثير فيه آلام اضطراريّة صعبة. أمّا أوّلها فاللذّة وهي خدعة ومصيدة توقع في الشرّ، ثمّ من بعدها الأذى والأحزان وهما
المانعان من الخيرات، ثمّ القحة والجزع وهما صاحبا الخطأ في المشورة، ثمّ الغضب وهو ألم يعسر تسكينه، ثمّ الرجاء والطمع وهما اللذان يميلان النفس ويوقعانها في الشرّ بسهولة. وإنّ [كان] الخالق تبارك وتعالى لمّا مزج جميع هذه بالحسّ العديم للنطق والشهوة المنقحمة ركّب فيها ضرورة الجنس القابل للموت.
ثمّ قال: وجعل اللّه العنق بين الرأس والصدر كيلا تتدنّس النفس الإلاهيّة إلّا من ضرورة شديدة. وجعل في القلب أفضل جزئي النفس الميّتين وجعل أخسّهما في الكبد وجعل بينهما حاجزاً وهو الحجاب وجعل النوع الذي في القلب من أنواع النفس مطيعاً للنفس الناطقة. ثمّ قال: ولأنّ هذا النوع محبّ للغلبة يجاذب النفس الشهوانيّة على شهواتها ويضبطها متى خالفت أمر النفس الناطقة. وإنّما لمّا كان هذا النوع من أنواع النفس يحمي عند الغضب ويسخن ولم يكن يؤمن مع ذلك أن تفرط حرارته فتجاوز به المقدار أحدقت به الرئة من خارج من جميع النواحي لتبرده. ولأنّ الرئة في طبيعتها ليّنة تمسك القلب في أوقات الغضب إمساكاً رقيقاً فتسكّنه بلينها، وبما فيها أيضاً من التجويفات التي تقبل الهواء والرطوبة تروّح الحرارة التي فيه.
وإنّ الخالق تبارك وتعالى لمّا جعل النفس الشهوانيّة في الكبد صيّر فيها
الزجر في الأحلام لكيلا يكون لها شركة في الحقّ. وذلك لأنّ هذه النفس لا سبيل لها إلى الفهم، فلو كان لها إلى ذلك سبيل لما اكترثت ولا عنيت به. وإنّ الطحال خلق لتنقية الفضول التي في الكبد، وخلقت الأمعاء وجعلت لها العطافات كيلا ينفذ الغذاء بسرعة فيضطرّ ذلك إلى سرعة الحاجة إلى تناول غذاء آخر.
١٨ — ثمّ قال: وخلق اللّه تبارك وتعالى الدماغ من مثلّثات ملس لا عوج فيها. ومن البيّن أنّه يعني بالمثلّثات في هذا الموضع التي قال فيها فيما تقدّم إنّ أشكال الأسطقسّات — أعني النار والأرض والماء والهواء — خلقت منها. وإنّ الدماغ الذي يسكنه النوع الإلاهيّ من أنواع النفس يسمّى أيضاً مخّاً.
ثمّ إنّه قال بعد ذلك في خلق العظام هذا القول: إنّ اللّه تبارك وتعالى أخذ من الأرض أجزاء نقيّة مسحوقة فنخلها وخلط بها مخّاً وعجنها ثمّ أدخل ذلك العجين في النار ثمّ أخرجه من النار وأدخله في الماء ثمّ أعاده ثانية إلى النار ثمّ ردّه إلى الماء. فلمّا فعل ذلك به مراراً كثيرة جعله غير ذائب من 〈كلّ〉 واحد منهما. ثمّ قال: ولذلك صارت طبيعة العظام جافّة ولا تنثني. ولئلّا تجفّ العظام جفوفاً مفرطاً جعل حولها اللحم وربط بعضها ببعض بأعصاب تتحرّك. وما كان من العظام يكثر تنفّسه مثل جمجمة الرأس جعل حوله من اللحم مقداراً يسيراً وما كان ليس بكثير التنفّس جعل حوله لحماً كثيراً مثل الذراعين والفخذين وإنّه جعل اللحم في بعض المواضع مفرداً بسبب الحسّ مثل اللسان.
ثمّ قال: وخلق اللّه الفم لأمرين أحدهما اضطراريّ والآخر لما هو أفضل من ذلك. أمّا الاضطراريّ فهو الشيء الذي يحتاج إليه ضرورة في الحيوة وهو الأطعمة والأشربة واستنشاق الهواء. وأمّا الأمر الأفضل فهو النطق.
ثمّ قال بعد ذلك في الجلد: إنّه بمنزلة القشرة على اللحم جذبت عليه بسبب التنفّس. فأمّا شؤون الرأس فقال فيها: إنّها جعلت من أجل قوّة الأدوار والغذاء، متى كثرت انفعالات هذه بعضها من بعض كانت تلك الشؤون أكثر ومتى كانت الانفعالات أقلّ كانت تلك الشؤون أقلّ. فأمّا حدوث الشعر فقال فيه هذا القول: إنّ النار الإلاهيّة ثقبت الجلد المحيط بالبدن، فلمّا ثقب وبرزت من هذا الثقب النداوة التي في داخله ما كان من هذه النداوة حارّاً رطباً خالصاً رشح، وما كان منها مختلطاً مع تلك الأشياء التي حدث عنها الجلد فإنّه إذا خرج عن الجلد عند ما يبرز من داخل يمتدّ طويلاً وتكون رقّته بقدر الثقب الذي خرج منه. ولأنّ حركته بطيئة يدافعه الهواء المحيط به من خارج فيحتبس داخل الجلد ويتصاعد بالدفع من الجهتين كلتيهما فيتمكّن لذلك أصله. وإنّ الرأس جعل كثير الشعر ليكون ذلك له بمنزلة الوقاية من الأشياء التي تماسّه من خارج، ويعني بتلك الأشياء
البرد والحرّ. وإنّ الأظفار حدثت من اختلاط العظم والعصب 〈والجلد〉 واللحم في أطراف الأصابع. وإنّ الخالق جعل الأظفار للإنسان للحاجة الاضطراريّة إلى كونها في الحيوان.
ثمّ قال: وخلق اللّه عزّ وجلّ النبات لغذاء الإنسان وجعل فيه نوعاً واحداً من أنواع النفس وهو الشهوانيّ.
١٩ — وإنّ الأشياء التي تبتلع تنفذ من المعدة إلى جميع البدن إذا لطفت بالحرارة فنفذت معها ومع الهواء 〈النار〉 أيضاً. وذلك أنّ النار والهواء يتحرّكان حركتين على دور إلى الجهتين جميعاً فإذا خرجا من الفم إلى خارج فدافعا الهواء المحيط بنا على دور نفذ ذلك الهواء في البدن لتخلخله إلى داخل. فإذا سخن في البدن خرج ثانية إلى خارج البدن من تلك الطريق بعينها إلى المجانس له. وكذلك أيضاً فإنّ الهواء إذا تدافع على دور دخل إلى عمق البدن من الفم فإذا سخن أيضاً هناك خرج ثانية إلى الهواء الذي من طبعه وتكون طريقه التي يخرج منها ويدخل الفم. وهذا هو التنفّس ودخوله إلى عمق البدن هو الاستنشاق. ثمّ قال: فإذا تحرّكت في البدن النار والهواء نحو الجلد ينفذ معهما حينئذٍ ما قد لطف من الغذاء إلى جميع البدن في العروق. وإذا صار ذلك من العروق في كلّ واحد من الأعضاء غذاه بمشاكلته. وذلك أنّ هذا أمر يعمّ الحيوان وجميع العالم، فإنّه كما أنّ كلّ واحد ممّا في العالم يتحرّك إلى الموضع الذي حركته إليه بالطبع كذلك الأمر في أبدان الحيوان.
ثمّ قال: فمتى كان ما يستفرغ من الأعضاء أكثر ممّا جرى إليها تنقّص بدن
الحيوان، ومتى كان ما يجري إليها أكثر نما البدن وتزيّد. وذلك أنّ المثلّثات ما دامت حدثاء قويّة بمنزلة المسامير المثبتة للسفينة فقوّة البدن وجَلَده يكونان قويّين، ومن أجل ذلك تغلب القوّة كلّ ما ورد البدن يسمن عند ذلك الحيوان. فإذا ضعفت القوّة على طول الزمان غلبت وفرّقت وعند ذلك ينتقّص بدن الحيوان ويتشيّخ، وهو الوقت الذي تنحلّ فيه رباطات المثلّثات التي في الدماغ ولا تقوى على الثبات لأنّها تتفرّق عند التعب فترخي رباطات النفس. وإنّ الموت يكون حينئذٍ لا أذى معه بتّة. فتبيّن من ذلك أنّ الموت الذي يكون بغير هذه الحال وهو الكائن بسبب الأمراض مؤذٍ.
٢٠ — ثمّ تكلّم بعد ذلك في الأمراض فقال: إنّ أجناسها الأول ثلثة: أحدها الكائن من زيادة الأجسام الأول ونقصانها وزوالها، ومن البيّن أنّي أعني بقولي الأجسام 〈الأول〉 الأرض والنار والماء والهواء وهي التي سمّاها سائر الفلاسفة التابعين أسطقسّات. وأمّا الجنس الثاني من أجناس الأمراض فيكون عن الأشياء المركّبة من الأسطقسّات. وذلك أنّ أمراض المخّ والعظام 〈واللحم〉 والعصب والدم التي تركيبها من الأسطقسّات بعضها يكون على النحو الذي قلنا إنّ الأمراض الأول تكون عنه وبعضها يكون بخلاف ذلك وهي أعظم أمراضها وأصعبها. وذلك أنّ العصب بالطبع يتولّد ويغتذي من السلوك التي في الدم، وأمّا اللحم فمن الدم إذا فارقته تلك السلوك وجمد. وأمّا الشيء اللزج الدسم الذي يخرج من
العصب واللحم فيلصق اللحم بالعظم ويغذو أيضاً العظم المحيط بالمخّ وينميه. وأمّا الشيء النقيّ الذي يرشح من العظام لكثافتها فيغذو المخّ. ومتى دامت هذه الأشياء على ما وصفنا فإنّ الصحّة تكون باقية للحيوان، ومتى كان الحيوان بخلاف ذلك حدث المرض. وذلك أنّ اللحم إذا ذاب وسال ما يذوب منه إلى العروق صار حينئذٍ في العروق دم كثير مختلف الألوان ومعه ريح ويكون بعض ذلك الدم مرّاً وبعضه حامضاً وبعضه مالحاً ويكون منه مرار وصديد وأنواع من البلغم. فأمّا ما يذوب من اللحم الذي قد عتق وعسر ذوبانه فإنّه يسودّ لاحتراقه. ولأنّه يتأكّل لكلّ ضرب ويصير مرّاً يكون لقاؤه لكلّ واحد من أعضاء البدن عسراً ما لم يتغيّر. وربّما صار فيه مكان المرارة حموضة متى لطفت تلك المرارة بأكثر ممّا ينبغي، وربّما اختلطت أيضاً تلك المرارة بالدم فقبلت لوناً أحمر. فإذا خالط ذلك اللون 〈اللون〉 الأسود حدث عنه اللون الأخضر. فأمّا ما تذيبه الحرارة الناريّة من اللحم الطريّ فيصير خلطاً مرّاً أحمر مشرقاً. ثمّ قال: فالاسم العامّيّ لجميع هذه الأصناف هو المرار فإنّما اختلفت أسماؤها بحسب الألوان التي يقبل كلّ واحد منها. فهذا كلّ ما قاله فلاطن في أخلاط المرّة.
٢١ — ثمّ إنّه كتب بعد ذلك هذا القول بألفاظه: وأمّا الصديد فما كان منه من مائيّة الدم فهو أقلّ غائلة. والصديد هو الرطوبة الرقيقة المائيّة التي في
الأخلاط، والقدماء من الأطبّاء يستعملون اسم المائيّة على الرطوبات التي هي بالطبع باقية على حالها واسم الصديد على الرطوبات الخارجة عن الطبيعة بسبب عفونة أو احتراق. وأمّا الجنس الذي يعمّ هذين جميعاً فلأنّه لا اسم له خاصّ يسمّيه أكثر الأطبّاء مائيّة. وأمّا فلاطن فسمّاه في هذا الموضع صديداً فقال: إنّ مائيّة الدم أقلّ غائلة.وأمّا مائيّة المرّة السوداء والحامضة فقويّة صعبة وخاصّة متى خالطتها عند سخونتها المرارة. ثمّ قال: ويسمّى كلّ ما كان بهذه الحال بلغماً حامضاً. وأمّا البلغم الذي يخالط بعض أجزائه بكلّيّة هواء فتحدث منه نفّاخات صغار يكون لونها أبيض ويتولّد من ذوبان اللحم الطريّ الرطب. وإنّ العرق والدموع وسائر ما أشبه هذين يكون من مائيّة البلغم.
ثمّ قال: وجميع هذه الأشياء تتولّد عنها أمراض. وأمّا الأمراض التي هي أصعب من هذه فتتولّد متى لم تتنفّس العظام لكثافتها وسخنت فعرض من ذلك نخر في العضو العليل وخاصّة متى اعتلّ المخّ. وجميع هذه الأشياء كما قلت فيما تقدّم إنّما ذكرت في هذا الكتاب جملها، وأمّا على الاستقصاء وبالكلام الواسع فسأبحث عنها في المقالات التي أؤلّفها «في آراء بقراط وفلاطن» ومع ذلك فيما أضعه من «الشرح لما في كتاب طيماوس من علم الطبّ». فمن أراد أن يستقصي البحث عن معرفة هذه الأشياء فليقرأ هذه الكتب. وأمّا في هذا الموضع فإنّي إنّما أذكر كما قلت فيما تقدّم جمل معاني ما بقي من هذا الكتاب.
٢٢ — فأقول: إنّ فلاطن قسم أيضاً الجنس الثالث من أجناس الأمراض ثلثة أقسام فقال: إنّ أحدها يتولّد عن الريح والآخر عن البلغم والثالث عن
المرّة. وإنّ الأمراض التي تتولّد عن الريح تكون على ضربين أحدهما [ما] يحدث عند 〈ما〉 عرض سدد في الرئة بسبب الموادّ التي تنصبّ إليها والآخر يحدث متى تولّدت في بعض الأعضاء رياح هوائيّة. فإنّ الرئة متى لم تكن المنافذ التي للهواء فيها نقيّة لم يصل الهواء إلى بعض الأعضاء أصلاً فعفنت، ووصل منه إلى بعض الأعضاء أكثر ممّا ينبغي فمدّها وآلمها. ثمّ قال: والعلل التي تكون في الأعضاء من اجتماع ريح كثيرة فيها تكون مؤلمة لأنّ هذه الريح تمدّد ذلك العضو، ومن هذه الأمراض الجذبة والتشنّج وحدوثهما يكون متى اجتمعت في العصب ريح على خلاف المجرى الطبيعيّ. ويعني بالعصب في هذا الموضع أطراف العضل التي بقراط يسمّيها الوترات.
وأمّا البلغم فيقول: إنّ الأمراض التي تتولّد عن الأبيض منه تحدث على نحوين أحدهما متى احتقن 〈الهواء〉 في داخل الأعضاء، فإنّ ألمه حينئذٍ يكون كما قلنا في الذي قبله وذلك أنّ البلغم الذي هذه حاله هو أيضاً هوائيّ. والآخر يكون متى برز إلى ظاهر البدن حدث عنه حينئذٍ البرص والبهق وسائر العلل الشبيهة بهذه. ثمّ قال: ومتى خالط البلغم المرّة السوداء وانصبّ إلى الرأس حدث عنه المرض الذي يدعى الإلاهيّ. ومن جنس هذا المرض الأعراض التي تعرض في النوم. ومن البيّن أنّه يريد بالأعراض التي تعرض في النوم المرض الذي يسمّيه الحدث من الأطبّاء الكابوس. فهذا ما قاله في البلغم الأبيض. وأمّا [في] البلغم الآخر فقال فيه ما يحاذي هذا القول. وأمّا البلغم المالح 〈و〉الحامض فهو ينبوع جميع الأمراض الحادثة عن الذوبان. ولأنّ المواضع التي ينصبّ إليها مختلفة صارت أسماء تلك الأمراض مختلفة.
وقد بقي من أجناس الأمراض التي قسمناها قبيل الجنس الثالث وهو الذي يتولّد عن غلبة المرار، وطيماوس يقول فيه هذا القول: إنّ جميع العلل الحارّة تتولّد عن المرار. فمتى برز إلى ظاهر البدن أحدث البثر ومتى احتقن في داخل البدن ولّد جميع العلل الحارّة. ومتى انصبّ إلى العروق حدث عنه النافض وذلك لأنّه يضطرّ بسبب السلوك التي في الدم أن يجمد ولذلك يحدث عنه أوّلاً البرد والنافض ثمّ إنّه بعد ذلك يغلب فيسخن البدن إسخاناً شديداً. ثمّ قال: وإذا غلب البدن المرار ودفعه إلى البطن حدث الذوب والقروح التي تكون في الأمعاء. وإنّ البدن الذي يحدث فيه المرض خاصّة لغلبة النار عليه تحدث فيه الحمّيات الدائمة المحرقة، والذي يمرض لغلبة الهواء تحدث فيه الحمّيات النائبة في كلّ يوم، والذي يمرض لغلبة الماء تحدث فيه الحمّيات التي تعرف بالغبّ، وذلك أنّ الماء أبطأ حركة من الهواء والنار. وأمّا الذي تمرضه غلبة الأرض وهو الرابع فلأنّ حركته أبطأ من جميعها إذ كان نقاؤه إنّما يكون في أربعة أضعاف تلك فتحدث به حمّيات الربع ويعسر خلاصة منها.
٢٣ — فهذا آخر ما قاله في الأمراض العارضة للبدن. وأمّا الأمراض العارضة في النفس بسبب حال البدن فتكلّم فيها بآخرة وقال: إنّ مرض النفس هو جهلها وإنّ جهل النفس جنسان أحدهما الوسواس والآخر قلّة الأدب وإنّ اللذّة والحزن المجاوزين للمقدار أعظم أمراض النفس. وإنّ ذلك قد يعرض كثيراً بسبب حال البدن إذا كانت رديئة، كالذي يعرض لمن كثر في بدنه المنيّ السيّال
بمنزلة شجرة قد كثرت ثمرتها جدّاً. ثمّ قال: وقد تحدث أمراض في النفس من البلغم الحامض والمالح ومن المرار متى انصبّ إلى الثلثة المواضع التي للنفس فيكون بعض ذلك سبباً لخبث النفس ورداءتها وبعضه سبباً للقحة والجبن وبعضه سبباً للنسيان وإبطاء التعلّم.
ثمّ أوصى بالعناية بصحّتهما جميعاً — أعني النفس والبدن — وخاصّة متى كانا أحدهما غير موافق للآخر. وذلك أنّه قد يعرض كثيراً متى كان أحدهما أقوى من صاحبه أن يجلب على الحيوان أمراضاً. وإنّ أحد تلك الأشياء المصلحة لذينك ردّ حركات كلّ واحد منهما بالطبع إليه على الاعتدال. وإنّ حركات النفس تكون بالفكر والتعليم، وأمّا حركات البدن فثلات وأفضلها الحركة التي يتحرّكها بنفسه في الرياضة وأردأها ما كان بالأدوية. ولذلك لا ينبغي أن تستعمل الأدوية أصلاً إلّا عند الضرورة الشديدة. والمتوسّطة بين هاتين الحركتين الحركة التي بالحمل أو بركوب الدوابّ أو بركوب السفن.
ثمّ قال: ولا ينبغي أصلاً أن يحرّك المرض بالدواء حركة قويّة قبل وقته. فإنّ حال الأمراض مشاكلة لحال الحيوان، وذلك أنّ بعض الحيوان من شأنه أن تطول مدّته وبعضه قصير المدّة ولذلك لا يمكن أن ينحلّ دون بلوغ المنتهى. فمن حرّكها في غير وقتها فإنّه مع ما لا ينفع شيئاً قد يجعلها أمراضاً عظيمة كثيرة. والأصلح إذن لها أن تلزم التدبير إلى أن تبلغ منتهاها.
والشيء المدبّر لذلك وهو الإلاهيّ ممّا فينا ينبغي أن يراض خاصّة بحركاته التي تخصّه فإنّه حينئذٍ يكون أصحّ وأقوى كما أنّك إن استعملت في النفس التي تحبّ الغلبة وفي النفس الشهوانيّة الرياضة التي تخصّهما وأهملت النفس الناطقة قويت النفسان البهيميّتان وأضعفت النفس الناطقة التي جعلها الخالق تعالى في الإنسان سبباً لسعادته، والسعيد من الناس من كانت هذه النفس فيه أقوى أنواع النفس وأرتبها.
٢٤ — ثمّ قال: فهذا تمام غرضنا. وأمّا خلق سائر الحيوان الباقي فللإنسان أن يعمّه بإيجاز واختصار. ثمّ ابتدأ يوصف ذلك فقال: إنّ الخالق تبارك وتعالى خلق أوّلاً الرجال فمن أخطأ في سيرته وتجاوز العدل واستعمل الجور جعل في الكون الثاني امرأة. وفي ذلك الوقت خلق اللّه
تعالى في الناس شهوة الجماع فجعل في النساء الأرحام وجعل في الرجال المنيّ. وتكلّم في هذا الموضع في العلّة التي تسمّى اختناق الرحم وهي العلّة التي يبطل معها النفس. وقد قلنا فيها مع سائر الأشياء الباقية في المقالات التي ذكرناها قبل.
ثمّ قال: وجعل اللّه الجنس الطائر من القوم الذين عنايتهم مصروفة إلى النظر في الآثار العلويّة، وخلق الجنس المشّاء السبعيّ من القوم الذين 〈… وخلق الجنس الزاحف من القوم الذين لم〉 يستفيدوا أصلاً من جميع التعاليم، وخلق الجنس السابح من الحيوان من القوم الذين هم في غاية الجهل وقلّة المعرفة والأدب
فهذه جملة كتابه المسمّى طيماوس. وأمّا سائر رياضيّاته فإنّي أروم أخذ جملها ومواقعها في المقالات التي بعد هذه.
تمّ كتاب فلاطن المسمّى طيماوس والحمد للّه وحده.