المقالة الخامسة من كتاب جالينوس في عمل التشريح
١. قد يتبع ما تقدم من قولنا أن نفصل الكتف ونبرئها من الصدر حتى يتبين لنا جميع العضل الفاعل للتنفس ولنجعل ما يقع البحث عليه في كلامنا واحدا من عظمي الكتفين فإنهما جميعا متساويان في جميع الحالات فأقول إنه ينبغي لك أن تكشط وتسلخ الجلد الذي على مقدم الصدر عن ما تحته وتبحث أولا عن العضلة التي هي في هذا الموضع أقرب إلى ظاهر البدن من غيرها وهي التي تبتدئ من موضع قريب من الثدي وترتقي موربة إلى ناحية مفصل الكتف وهذه العضلة تتبرأ مما تحتها بالكشط والقشر وأعني بقولي الكشط والقشر إذا كانت الأجسام التي يتخلص أحدها من الآخر إنما اتصال أحدهما بالآخر بشيء شبيه بأدق مما يكون من غزل العنكبوت ولذلك إن أنت خلصتها والحيوان حي سلمت لك صفيحة كل واحد منها وخرجت مستوية ملساء من غير أن يتمزق منهما شيء لأن الأجسام التي يتصل بعضها ببعض اتصال اتحاد وخاصة إن كانت عضلا فتفريقها وتخليصها يحدث في كل واحد من الجسمين اللذين تفرق بين أحدهما والآخر جراخة وخرق وما كان على هذا من الاتحاد فلا بد في تخليصها وتفريقها من سكين لا محالة تخلص بها وأما الأجسام التي يتصل أحدهما والآخر بالآخر بنسيج شبيه بنسيج العنكبوت فالأصابع تفي بتخليصها وكشطها واحدا عن الآخر وأما أنت فإذا أحببت أن تشرح تشريحا أجود فاستعمل السكين أيضا في تخليص هذه وكشطها لتنظر إلى ما تفعله عيانا فإنك إذا خلصتها وكشطتها بأصابعك غابت عنك وخفي ما تحتاج أن تنظر إليه نظرا شافيا من أمر هذه الأجسام التي
تخلصها وتكشطها أحدهما عن الآخر والأفضل إذن أن تمد ما يتبرأ منها عن الأجسام الموضوعة تحتها إلى فوق وتسلخه وتكشطه بسكين وأصلح السكاكين لهذا السكين الشبيه شكلها بورقة الآس فعلى هذه الصفة ينبغي لك أن تخلص أيضا هذه العضلة التي تأتي من أضلاع الخلف إلى فوق وتبرئها مما تحتها من الأجسام بأن تمد أولا طرف ليفها بصنارة وتكشط وتسلخ رأسها الأول سلخا رقيقا فإن رأس هذه العضلة أشد تلززا وأشد كثافة وأشد اجتماعا مع الأجسام التي تحتها من سائر أجزائها التي بعده كلها فإذا كشطت هذا فمد هذه العضلة حينئذ وأنت من نفسك على ثقة إلى فوق وخلصها وبرئها من الأجسام التي تحتها بسكين وينيغي لك أن تفعل ذلك حتى تبلغ إلى مفصل الكتف ثم دع هناك هذه العضلة التي شرحتها إما مرسلة وإما معلقة وإما موضوعة على الأجرام التي في ذلك الموضع وتعال إلى عضلة أخرى أعظم من هذه بكثير ترتقي إلى هذا الموضع بعينه ومنبتها من القس كله والثدي موضوع فوقها وهذه العضلة بضرب من الضروب مضاعفة لأن ليفها مخالف على مثال الخاء في كتاب اليونانيين وهو هذا X وذلك أن ليفها الذي منشؤه من الموضع المنخفض من القس يرتفع إلى الموضع المرتفع من مفصل الكتف وأما الليف الذي منشؤه من أرفع موضع القس فتراه مائلا إلى المواضع المنخفضة من مفصل الكتف لأن الموضع اللحيم من الإبط هو في الموضع الذي يتقاطع الليف فيه على مثال الخاء في كتاب اليونانيين وهو هذا X وذلك الموضع الغائر من الإبط يتولد عن عضلتين الواحدة منهما هذه التي كلامنا فيها والأخرى الممدودة على الأضلاع التي ستذكرها عن قريب فقد يمكن أن يقال إن هذه العضلة التي منشؤها من القس كله هي عضلتان متصلتان اتصال اتحاد لا عضلة واحدة لمكان مخالفة ليفها التي وصفناها ولمكان اختلاف فعل الليف وذلك أن ليفها الذي يبتدئ من
الموضع المرتفع من القس شأنهه أن يدني العضد من الصدر من غير أن يمده إلى أسفل والليف الأخر يحركه تحريكا أشد ورابا إلى أسفل فافهم عني وأخطر ببالك أن هاهنا أربع حركات يتبع بعضها بعضا وهي الحركات التي قد رأيتموني مرارا كثيرة أبينها فأقول إن الأولى منها تزول العضد إلى الصدر وذلك عندما تجتمع هذه العضلة التي ذكرناها في هذا الكلام الحاضر وتتقلص بهذا الشكل وتصير في المثل كرة وافهم أن الحركة الثانية التي بعد هذه الحركة التي تأتي بعظم العضد إلى الصدر مع اللحم المحيط به الملتف عليه تمليه قليلا إلى أسفل ومن بعد هاتين الحركتين حركة أخرى ثالثة تكون من العضلة الأولى التي قلنا إنها تبتدئ من المواضع التي إلى جانب الثدي وهاهنا حركة أخرى رابعة يتحركها العضد إذا هو امتد على ضلوع الصدر بالطول وهذه الحركة أيضا مضاعفة فواحدة تكون بعد حركة تلك العضلة الأولى كأنها مائلة إلى الجانبين مركبة من دنو العضد إلى مقدم الصدر ومن انحداره وانحطاطه إلى الأضلاع فأما الحركة الأخرى فتمد العضد إلى الأضلاع بالحقيقة على خط مستقيم قائم منتصب لا ميل معه ممدود من فوق إلى أسفل وكل واحدة من الحركتين اللتين ذكرناهما تفعلها عضلة خاصية وذلك أن حركة واحدة وهي التي قلت إنها تميل إلى الجانبين تفعلها عضلة صغيرة وهي الموضوعة مما يلي ظاهر البدن تحت الجلد التي نحن استخرجنا وأنا ذاكرها بعد قليل فأما الحركة الأخرى فتفعلها العضلة التي هي أكبر جميع العضل الموضوع في هذا الموضع التي قلت فيها قريبا إن منها ومن العضلة التي عند القس يكون الموضع الغائر من الإبط وهتان العضلتان هما في أهل الرياضة ضخمتان
سميمتان سمنا بينا وأنا ذاكر العضلة التي ترتقي من أسفل بعد وأما ههنا فأنا مقبل على العضل الذي يجيء من مقدم الصدر إلى رأس العضد وهو العضل الذي قلت إن الأولى منه تبتدئ من المواضع التي تلي ضلوع الخلف بالقرب من الشراسيف ليس ببعيد عن الثدي وهذه العضلة هي سبب دنوه من الصدر وهو منخفض وبعد هذه عضلة أخرى صالحة المقدار ليفها موضوع وضعا مخالفا وهي بضرب من الضروب مضاعفة وبهذا السبب إن استحسن أحد أن لا يقول إنها عضلة واحدة بل عضلتان متصلة إحداهما بالأخرى كان جائزا ونسمي هذه العضلة فيما يجري من ذكرها بعد عضلة أعظم العضل الذي يجيء من مقدم الصدر وأخرى ثالثة تكون بينة ظاهرة عندما تشرح تلك العضلة التي ذكرناها قبل ومنشأ هذه أيضا من القس حيث يتصل به الضلع الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس وهذه العضلة هي السبب في دنو العضد من الصدر أرفع ما يكون وبعد هذه العضلة التي بالقرب من الضلع الأعلى من أضلاع عظم الكتف وهي التي تمد العضد مدا بينا إلى فوق فمتي أردت الآن أن تبرئ عظم الكتف من الصدر فإن هذا هو الامر الذي جعلناه غرضنا وقصدنا له منذ أول شيء فينبغي لك أن تشرح أولا العضلة التي ترتقي من ضلوع الخلف حتى تبلغ إلى مفصل الكتف ثم تشرح بعد هذه العضلة الكبيرة منشؤها من القس كله وهي التي قلنا إن الموضع اللحمي من الإبط هو جزء منها وبعد هاتين ينبغي أن تكون الثالثة مما تشرح هذه العضلة التي كان كلامي هاهنا فيها وهي المختفية تحت العضلة الثانية فإن العضلة الثانية منشؤها من القس كله وأما العضلة الثالثة فليس لها منشأ من مفصل الضلع الأول ولا من مفصل الضلع السابع لكن الأمر فيها على ما قلت قبل من أن منشأها من الموضع الذي فيما بين هاتين الموضعين من القس حيث مفصل الضلع الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس ولذلك صارت
العضلة الثانية هي عظيمة جدا ممدودة على طول الترقوة كله شكلها كأنه مثلث وذاك أن الترقوة هي أكثر الخطوط التي تحدها ارتفاعا ووضعه بالعرض ومنشؤها من القس يصير خطا منتصبا قائما من خطوط المثلث والخط الثالث هو الذي يقرن بين هذين فأما العضلة التي تحت هذه وهي المشرفة فهي أيضا كلها ذات ثلث زوايا لكنها ليس تشبه المثلث القائم الزاوية كمثل العضلة الثانية لكنها بالمثلث المنفرج الزاوية أشبه وهي أرق من العضلة الثانية بكثير وهذه الثلاث العضلات التي ذكرناها تنتهي إلى أوتار عراض تتصل وتلتحم بالعضد غير أن وتر العضلة الكبيرة اتصالها والتحامها منخفض ذليل منتصب قائم في طول العضد تحت رأسه وهو مضاعف الوتر كما أن جملة العضلة مضاعفة وذلك أن الوتر الذي يجيء من الجزء الأسفل من أجزاء العضلة يجعل اتصاله والتحامه بالعضد من الأجزاء الداخلة وهو أقرب من طبيعة العصب من الوتر الذي ينبت من أجزائها الأرفع غير أنه أقل عظما منه بحسب نقصان هذه العضلة عن تلك الأخرى وأما وتر العضلة التي رتبناها في كلامنا أولى فهو من جنس الأغشية رقيق يصعد إلى مفصل العضد حيث زيق حفرة المفصل الذي يضبطه رأس العضلة العظيمة التي في العضد من مقدمه وأما وتر العضلة الثالثة فيرتقي إلى أرفع المواضع من رأس العضد ويتصل بهذا الموضع خاصة بالرباط الغشائي المحتوي على المفصل فإذا أنت شرحت هذه العضلات الثلاث حتى تبلغ إلى مفصل الكتف فصلت عظم الكتف وبرأته من مواضع مقدم الصدر إلا أنه يبقى بعد موصولا بجانبي الصدر بعضلتين تصعدان من أسفل إحداهما وهي الرقيقة الموضوعة مما يلي ظاهر البدن تتولد من أغشية موصولة بالجلد الذي على الخاصرة منشؤها من فقار القطن
ولا تزال من هذا الموضع تكتسي أولا فأولا شظايا من جوهر اللحم يصل إليها حتى يتم ممها كون هذه العضلة فأما العضلة الأخرى التي ترتقي من الأجزاء السفلانية وهي العضلة العظيمة التي منشؤها أيضا من فقار الصلب وخاصة من الفقرات التي عند ضلوع الخلف فليس المشاكرة بينها وبين قاعدة عظم الكتف بيسيرة وذلك أن هذه العضلة تتبرأ منه بالكشط والقشر ولكن قبل أن تلتمس قشرها وكشطها تجدها متصلة بما في هذا الموضع من العضل لازمة لزوما محكما حتى يظن بها من يراها أن اتصالها بها اتصال اتحاد وأنت تجد أصحاب التشريح كثيرا يقولون في كتبهم إن هذه العضلة متحدة بهذه العضلة ونحن أيضا مرارا شتى نسمي هذا المعنى بهذا الاسم وإن كان يمكن أن تقشر وتقشط هذه العضلة وذلك أن هذه مشاركة أيضا داخلة في جنس الاتحاد ولأن الليف الذي فيما بينها دقيق تسلم حدود الأشياء التي تخلص وتبرأ أحدها من الأخر بالكشط والقشر ولا يبقى فيها أيضا أصل جراحة ولا يتم فعل هذه 〈العضلة〉 الحاضرة فيها أنها متصلة بهاذين كليهما اتصلال اتحاد أعني بالصدر وبقاعدة عظم الكتف وإن كان قد يمكن أن تتبرأ وتتخلص منها بالكشط والقشر ومنشؤه من عظم الصلب متصل بمنشأ العضلة الأخفض من العضلتين الخلفانيتين من عضل عظم الكتف وذلك أن الموضع الذي تنتهي فيه تلك ففيه رأس منشأ هذه العضلة وهذه العضلة موضوعة تحت الجزء الذي في ذلك الموضع من أجزاء الصلب فينبغي أن تشرح هاتين العضتين اللتين كلامنا هذا فيهما الصاعدتين من الأجزاء السفلانية إلى عظم العضد بأن تجعل مبدأك في تشريحها من أسفل وتتبعهما وتقفوهما حتي تبلغ إلى اتصالهما والتحامهما الذي تفعله واحدة منهما وهي الأعظم بالعضد بوتر عريض ثم ينبغي أن تمدها من أسفل برأسها كيما تعلم عيانا فعلها وذلك أنها تتصل وتلتحم أسفل من رأس العضد بقليل وتمده إلى أسفل إلى ناحية الأضلاع فهذه العضلة لما كانت من العضل الكبار جدا صار لها
وتر قوي عظيم معا يتصل ويلتحم بالقرب من اتصال العضلة العظيمة من العضل الذي من القس من المواضع الداخلة منه فأما العضلة الأخرى الصغيرة فلها وتر صغير راكب على الأوتار التي ذكرتها قبل أنها في موضع الإبط وتتصل وتلتحم بالعضد فإنك بتثبت منه به يسير وضع ذهنك في أول كونه حيث يكون في الخاصرة فإنك لا تأمن إذا قطعت الأغشية هناك أن تغلط كما غلط من كان قبلنا وتتوانى عن هذه العضلة كلها وتستخف بها من طريق أنها تكون رقيقة.
٢. فإذا شرحتا هاتان العضلتان إلى العضد على ما وصفت بقي عظم الكتف لازما بعد للأضلاع بعضلة واحدة عظيمة تتصل وتلتحم تحت الموضع المقعر منها ولازم أيضا للقس 〈...〉 بهذا العظم وهو أيضا لازم له بعضلة أخرى صغيرة تنحدر من الترقوة إلى الضلع الأول ويعرض لك أن لا تعرف هذه العضلة وتقطعها لأنها مخفية تحت الترقوة إلا أن يكون عملك على هذه الصفة اقطع أولا عضلة الكتف من عظم الترقوة وهي عظيمة متصلة متحدة بالعضلة العظيمة التي تجيء من القس في موضع العرق الكتفي حتى يظن من يراهما أنهما عضلة واحدة لكن من أول ما يدل على †ابداهما † أنهما عضلتان وضع الليف ومن بعد ليفهما وتراهما ومع الليف والأوتار أيضا كون عضلة الكتف من عظم الكتف وذاك أنه يحد جزءه المشرف خطان يكون منهما إذا التقيا زاوية شبيهة برأس المثلث ويمكنك أن تشبه تركيبهما باللام من الحروف اليونانيين وهو هذا Λ وبحرف آخر من حروفهم يثنون فيه كتابهم حتى يحرص بعضهم على غلبة بعض في تجييده وهو حرف يجري
بخلاف اللام له خطان مستويان وهو هذه V فأحد الخطين هو طول الترقوة كله والآخر الجانب الشاخص في وسط عظم الكتف وذاك أنه يمتد معه في جزئه الذليل رأس واحد من عضلة الكتف وأما رأس الضلعين حيث يلتقيان فهو رأس الكتف وقلته نفسها فإذا أنت شرحت من الترقوة جانبا واحدا من العضلة وصرت إلى الموضع الذي يقال له رأس الكتف وقلة الكتف فرد المقطع من هذا الموضع وشرح العضلة فأنت تمدها بصنارة واتبع اندماج أجزائها التي شرحت وأنت إن تهاومت بهذه وقطعت إلى عمق عظم الكتف أسأت وذاك أن تحتها في هذا الموضع عضلة أخرى لها حد خاص على حدة وتخلص من عضلة الكتف بالكشط والقشر فمد بالصنارة أبدا مدا شديدا دائما الجزء الذي شرحته من عضلة الكتف فإنك عند ذلك ترى العضلة الموضوعة تحتها رؤية ظاهرة ويستبين لك أن لهذه العضلة حدا خاصا وإذا وجدت هذه العضلة مرة واحدة هان عليك العمل حتى تخلص هذه العضلة العليا وتبرئها من العضلة اللازمة لعظم الكتف وتضامها عضلة أخرى عند الضلع الذليل المنخفض من أضلاع عظم الكتف أنت تبرئها وتخلصها منها بأهون سعي بعد أن تبرئها وتخلصها قبل ذلك من العضلة التي ذكرتها قبل وبعد هذه هاهنا عضلة أخرى مضامة لها على العضد إلى موضع اتصالها واتحامها الذي تفعله في الجزء المقدم أسفل من المفصل واتصالها والتحامها منتصب قائم ذاهب من فوق إلى أسفل على استقامة طول العضد ولا فرق في هذا الموضع بين أن أقول إن ذهابها منتصب قائم أو أن نقول إنها تذهب إلى أسفل على استقامة واتصال العضلة أيضا العظيمة من العضل الذي يأتي
من القس منتصبا قائما ممدودا على طول العضد من الأجزاء الداخلة غبر أن تلك العضلة تذهب بهذا العضو وتدنيه إلى داخل فأما عضلة الكتف فتمد العضد إلى فوق من غير أن تميله إلى واحد من الجانبين لا إلى الترقوة إلى داخل ولا إلى الأجزاء الذليلة المنخفضة من عظم الكتف إلى ناحية خارج لكنها تبسطه بسطا لا ميل معه مستويا بالحقيقة وصار لهذه العضلة مثل هذا الفعل لأن لها رأسين ملتحمين على رأس الكتف والدليل على ذلك أنك إن مددت أحدهما وحده ذهب العضد إما إلى ناحية الترقوة إلى داخل وإما إلى ناحية المواضع الخارجة من عظم الكتف من غير أن يمتد حينئذ إلى فوق منتصبا قائما بالحقيقة لكن مع ميل منه إلى جانب وهذا بعينه يعرض للعضد بالعضل الذي في عظم الكتف نفسه وهما عضلتان وإحدهما أشد ارتفاعا والأخرى أشد تسفلا وكلتاهما ممدودتان على طول عظم الكتف كله وتنظر أن لك 〈...〉 وإذا أنت ابتدأت أيضا أن تشرح هاتين العضلتين فابتدئ من أجزاء قاعدة عظم الكتف حيث طرفاهما م تعال من هذا الموضع وأنت تقطعهما حتى تبلغ إلى مفصل الكتف ولا تزال تفعل ذلك حتى ترى كل واحدة منهما قد انتهت إلى وتر قوي عريض وهذان الوتران يحركان العضد ويشيلانه على وراب الواحدة إلى ناحية داخل كأنها تريد به الترقوة والأخرى إلى ناحية خارج كأنها تريد به الأجزاء السفلانية من عظم الكتف فإن امتدتا كلتاهما مدتاه مدا وسطا فيما بين المدين الموربين أعني المستقيم الذي قلنا إن عضلة الكتف تفعله بالعضد فالعضلة المشرفة تتصل وتلتحم بجانب واحد من رأسين العضد الذي يفصل بينه وبين الجانب الآخر الرأس الكبير من عضلة العضد المقدم في الأجزاء الخارجة وأما العضلة التي هي أخفض من تلك فإنها
يتصل ويلتحم وترها بأصل تلك في رأس العضد مما يلي خارجا وإن أحببت أن تشرح اليد بأسرها فضع يدك في تشريح هذا العضل على المكان وما بعده بحسب مراتب العضل ونظامها ووضعها وأما إن أحببت أن تشرح العضد فينبغي لك أن تدع هذا العضل على حاله كما هو وتفصل وتبرئ الترقوة من القس وتشرح الرباطات التي من جنس الأغشية حول المفاصل ثم تمده إلى ناحية رأس الكتف وتشيله قليلا وتقطع الأغشية التي الترقوة وبين الأجزاء القريبة منها حتى تنظر نظرا بينا إلى العضلة التي تصل بين تتصل وتلتحم بالضلع الأول من أجزائها الداخلة السفلانية وهي عضلة مقدارها مقدار صغير ووضعها مورب ورأسها عند الجزء الذي يرتفع من الترقوة إلى ناحية عظم الكتف ومنتهاها هو الذي به يتصل جزؤها الذي يلي القس بالضلع الأول.
٣. فاقطع هذه أيضا من الترقوة واستبقها لازمة للضلع الأول فإنك بعد قليل إذا كشفت عن الصدر حتى يظهر لك إن أنت مددتها إلى ناحية رأسها جذبت معها الضلع الأول وقد يمكنك أن لا تفصل الترقوة وتبينها من القس على ما وصفت هاهنا لكن تبينها أيضا وتفصلها من رأس الكتف بأن تقطع الرباطات التي تصل بينها وبين الحاجز الشاخص في وسط عظم الكتف ولا تطلبن في القرد عظما آخر ثالثا بتة سوي هاذين اللذين ذكرتهما لك فإن ابقراط أيضا قد قال إنه ليس بموجود في حيوان آخر خلا الإنسان وحده ويلحقه في كلامه قوما يدل على ذلك وهو هذا قال إن طبيعة الإنسان مفارقة لطبائع الحيوانات الأخر في هذه الحصلة فإن أنت قطعت
في وقت من الأوقات الترقوة من هاهنا فردها أيضا إلى ناحية القس واقطع الأغشية التي هي مرطوبة بها مع الأعضاء القريبة منها فإنك ترى في ذلك الوقت أيضا عضلة الضلع الأول وهذا الضلع إذا أنت قطعته من الترقوة على ما وصفت لك فإما أن تقلعه وترفعه جملة وإما أن تقلبه وترده إلى ناحية القس وتدعه موضوعا مكانه وإن أنت فعلت ذلك فاقطع العروق والشريانات والعصب الذي في الإبط مع الأغشية كيما تنفصل اليد من هناك أيضا من الصدر فإنه لم يبق لها بعد ذلك شيء يصلها بالصدر خلا العضلة الكبيرة التي قلت لك قبيل إنها موضوعة تحت الموضع المقعر من عظم الكتف وهذه العضلة تبتدئ من الفرقة الأولى ثم تمر إلى أسفل في جملة الرقبة حتى تبلغ من عظم الكتف إلى الجزء الذي يلتقيان عنده ضلع هذا العظم الأشرف وقاعدته حتى يصير له هناك 〈شيء〉 شبيه بالزاوية وقد قلت قبل أيضا إنه تأتي هذا الموضع عضلة دقيقة تنبت من عظم مؤخر الرأس وتتصل وتلتحم بالعضل الذي عن جانبها بالقرب من تلك الزاوية التي قلنا إنها لعظم الكتف والعضلة التي من خلفها هي العضلة الأرفع من العضل الذي من خلف الكتف والعضلة التي من قدامها هي هذه العضلة التي كلامنا فيها وذاك أنها إذا بلغت إلى نحو رأس قاعدة عظم الكتف التحمت واتصل بهذا العظم والتزقت به كله حتى تبلغ إلى طرفه الأسفل بعد أن تنبسط تحت الموضع المقعر من عظم الكتف كله غير أن هذا الجزء تأخذه عضلة أخرى تفارقها وتباينها هذه العضلة التي كلامنا فيها بالكشط والقشر وهذه العضلة التي كلامنا فيها متصلة متحدة بقاعدة عظم الكتف وحدها وفعلها هو بعد اتصالها والتحامها بوسط الأضلاع من عظم الكتف كله حيث الأضلاع
أشد تحدبا أن تجذب جملة الصدر إلى فوق خلا أطرافه السفلانية التي سأبين أن الحجاب يحركها فكثيرا ما تتحرك أطراف الصدر السفلانية مع أطرافه الفوقانية عندما تتحرك هذه العضلة حركة شديدة قوية كما أن قد يجوز أن يتحرك الشيء بعد الشيء من الأطراف الفوقانية مع حركة الحجاب تحركا ضعيفا وأما فعل هذه العضلة كلها فإنما هو في أكثر الأمر يرى خاصة في الأضلاع التي تتصل وتلتحم بها 〈...〉 كالأصابع لأن منتاها ليس بمشقوق ولا مدمج كمنتهى جل العضل وهي تبلغ إلى ضلوع الخلف وتجذب ما فوق هذه الضلوع من الأضلاع بأجمعه إلى فوق وعن جنبتي هذه عضلة واحدة في مقدم الصدر وأخرى في مؤخره وشأنهما أن تمدا الأضلاع إلى فوق فتكون جملة هذه العضل المرتفع ثلاث عضلات فإني أنا أصفها بهذه الصفة وأسميها بهذا الاسم واحدة من خلف وأخرى من قدام وواحدة وسطا والعضلة الوسط هي التي ذكرتها هي أعظم من تينك الأخريين إذا ركبتا معا وإذا تحرك الصدر بهذا الزوج من العضل الوسط وحده بلغ من القيام بما يحتاج إليه من التنفس لبقاء الحيوة ما يكتفي به وستعرف هذا العضل من عمل التشريح في تشريح الأحياء فأما زوج العضل الذي في المقدم فإنه يبتدئ من الفقرة الثانية وينبت نباتا متصلا من جميع الفقر الباقي برباطات قوية ويتصل ويلتحم بالخمسة الأضلاع الأول من أضلاع الصدر وكذلك الزوج الثالث وهما عضلتان من جنس الأغشية فإنه قد يمكن أن نسميهما بهذا الاسم ونصفهما بهذه الصفة يبتدئ من شوك الثلاث الفقارات الأواخر من فقار الرقبة مع الفقرة الأولى من فقار الصدر وكل واحدة منهما رأسها رباط من جنس الأغشية مفروش على عضل عظم الصلب وفي أول مفارقتها للفقار يتصل
ويلتحم بالرباطات ليف وشظايا دقاق ويتولد عن ذلك هذه العضلة وهي عضلة تكون في القرود ضعيفة جدا دقيقة وفي الحيوانات الأخر وخاصة في الكلاب والخنازير هي أقوى وكذلك هي أيضا في الأدباب وفي جميع الحيوانات المداخلة الأسنان تكون هذه العضلة أقوى منها في القرود وتتصل وتلتحم بالضلع الثالث وتبلغ إلى الضلع الرابع والخامس والسادس والسابع وإن أخذت برأسها وجذبتها ومددتها إليه رأيت الأضلاع تنجذب إلى فوق وتبسط الصدر وكذلك إن أنت فعلت هذا بالعضلة الوسطى التي من قدام فإنك سترى الصدر ينبسط بقياس مقدار كبر العضلة التي تفعله بها فهذه الثلاثة الأزواج 〈من〉 العضل المرتفع هي الفاعلة لدخول الهواء بالتنفس والرابع معها زوج العضل الأول فإنك إذا مددتها بحسب وضعها الأول رأيت الضلعين الأولين ينجذبان إلى فوق ورأيت هذا الجزء من الصدر ينبسط وإذا انكشف الصدر على ما وصفت رأيت زوجين آخرين من العضل أحدهما ممدود على طول عظم الصلب هما عضلتان جملتهما من طبيعة اللحم راكبتان على أضلاع الصدر كلها بالقرب من عضل الصلب والزوج الممدود على القس هما عضلتان من جنس الأغشية خلا طرفهما الأعلى فإنه من اللحم مع أن هذا الطرف أيضا إنما له من اللحم شيء يسير وليس جزؤهما الذي من جنس الأغشية 〈كالأغشية〉 الأخر في قوته لكنه على مثال رباط أو مثال وتر عريض وقوته قوة صالحة ويحده من العضل القائمة المنتصبة من العضل الذي على
البطن سير شبيه بخط وهذا السير ذاهب عرضا إلى جانب الغضروف المشرف على رأس المعدة في طرف القس المعروف بالشبيه بالسيف وهذا الجزء الذي وصفناه مضام لغضروف ضلع الخلف الموضوع هاهنا وهو في كل واحد من 〈الجانبين〉 الجانب الأيمن والجانب الشمال واحد من كل واحدة من العضلتين وقد كنت ذكرت لك هذا الزوج فيما مضى وتقدمت إليك أن تتوقاه وتحفظ به عند تشريحك عضل الصدر الذي يخرج من القس لأنه موضوع تحتها ومعها ينكشف ولذلك لم يعرفه أصحاب التشريح وهذا الوتر على ما وصفت لازم مضام للعضلة المنتصبة التي على البطن وهو راكب على جميع أطراف الأضلاع التي تأتي القس فإن أنت مددته إما مع العضلة المنتصبة التي على البطن وإما وحده من عند سيره الأبيض رأيت مفاصل الأضلاع التي بينها وبين القس تنقبض كأنها تذهب إلى داخل وهذه العضلة ترتقي في جميع الحيونات حتى تبلغ الضلع الأول وتراها في ذلك الموضع من جنس اللحم ويصير لها بعض العرض عندما يتزيد على الوتر لحم رقيق وخاصة في الأجزاء التي من جانب حيث يصير الضلع الأول إلى الموضع الذي ما بين الكتفين ويتباعد من مفصله الذي عند القس وهاهنا عضلة أخرى فعلها كفعل هذه العضلة بعينه وهي العضلة الممدودة إلى جانب عضلة عظم الصلب وهذه العضلة لا تتصل وتتحد ولعضلة أخرى ولا يمكن أن يتفهم عليها أنها جزء من عضلة أخرى كما يظن بالعضلة التي تأتي القس أنها جزء من العضلة التي هي العضلة التي على مراق البطن لكنها تبتدئ مع الصدر وتنتهي معه ولها حد يخصها هو إلى استدارة أقرب منه إلى العرض وطرفها الأسفل يضام عضلة عظم الصلب ويذهب إلى خلف على وراب كيما إذا هي امتدت ضمت وقبضت عليها إلى داخل ويشبه أن تكون إنما تحتاج إليها الطبيعة عند الحاجة إلى قبض الصدر قبضا شديدا وفي ذلك الوقت تري العضل الذي على المراق يعمل أيضا ولكني سأذكر هذا العضل بعد وأما عضل الصدر فقد بقي علينا منه زوج واحد آخر من أزواج العضل مضاعف موضوع على الأجزاء الخارجة من الصدر عند الأضلاع الأواخر وشأنه أن يجذب ويمد الطرف الأسفل من
الصدر إلى ناحية أسفل ورأس هذا الزوج يتحد ويتصل هو أيضا بواحدة من العضل الذي على البطن فأنا ذاكره ذكرا بينا واضحا إذا أنا ذكرت تشريح ذلك العضل وأما الساعة فحسبنا أن نقول هذا القول إن العضلة تجذب وتمد الضلع الأخير من أضلاع الصدر إلى أسفل مع الضلع الذي بعده وذلك في أكثر الحيوانات 〈...〉 المداخلة الأسنان ومرة تجدها تبلغ إلى الضلع الثالث وقولي هاهنا ضلع أخير لم أرد به الضلع الأخير الذي هو بالحقيقة ضلع خلفاني قد يتباعد عن الأضلاع الأخر وصار مضاما للجزء اللحمي من الحجاب بل إنما أردت به الضلع الذي بعد هذا وهو الضلع الذي يغشيه من داخل غشاء رقيق موصول بالغشاء المستبطن للأضلاع المغشي لجميع الأضلاع من داخل وأنا ذاكر هذه العضلة عن قريب ذكرا أوضح وأبين.
٤. وأما هاهنا فقد حان لنا أن نذكر العضل الذي فيما بين الأضلاع الذي فات حينا أصحاب التشريح معرفته فلم يعرفوا طبيعته ولا فعله كما 〈ما〉 عرف طبع جميع العضل الذي تقدم ذكره وفعله أعني العضل الذي قلنا إنه يحرك الصدر لأنهم إنما بلغوا من معرفتهم الحال في العضل الذي بين الأضلاع مقدار ما علموا أن ليفها ليس هو ذاهبا في طول العضلة من عظم الصلب إلى ناحية القس لكنه ذاهب من ضلع إلى ضلع ولم يقل أحد منهم في كتابه إن وضع هذا الليف وضع مورب ولا إنه مضاعف من قبل [ان] تأريب الليف الداخل وإذا لم يعرفوا هذا فالأمر معلوم أنهم لم يعرفوا أيضا شيئا من فعل هذا العضل وحسبنا نحن في هذا الموضع أن نعرف طبيعة هذا العضل فقط فإذا صرت إلى موضع أذكر فيه تشريح الصدر والحيوان حي بعد ذكرت هناك فعله أيضا على أني قد بينت في كتاب التنفس جميع العضل المحرك
للصدر وأما هاهنا فحسبنا أن نذكر من أمره هذا المقدار أنه متى كشطت جميع هذا العضل الذي تقدم ذكره استبان موضع الليف في جميع العضل الذي بين الأضلاع أنه مورب وينبغي أن تتدئ بالنظر إلى هذا العضل وتتفقد أمره من عضل الصلب 〈...〉 وأما الأخفض فأبعد منه لأن ذهاب كل واحدة من الليف إنما يمر إلى قدام على تأريب لا على انتصاب وقيام ذاهبا من فوق إلى أسفل وإن أنت قطعت عظم الصلب أيضا رأيت هاهنا أيضا الليف الموضوع تحته موربا على ذلك المثال بعينه وليكن الحيوان الذي تريد أن تنظر هذا العضل فيه دقيقا † عميق فإن مثل هذا الحيوان خاصة يمكنك أن تنظر 〈فيه〉 إلى ليف العضل وأما في الحيوان الطرئ السن السمين فالرطوبة وكثرة اللحم تغطيان الليف وتسترانه وإن كان الحيوان قد جمع مع قضافته وكبر سنه أن بدنه بدن كبير رأيت فيه رؤية بينة رباطات رقيقة كطاقات الليف تنبت من العظام وتكتسي لحما وترى منظرها كمنظر السلال أو غيرها من الأشياء المضفورة التي يجمد اللبن فيها من له لطافة في هذا العمل وضع العيدان التي تعمل منها تلك السلال قياسها كقياس ذلك الليف الذي ينبت من العظام الذي سميناه رباطات من قبل أن كونه من العظام وتوهم أن اللبن بقياس الدم وان الجبن بقياس اللحم إذ كان اللحم إنما يكون من الدم كما يكون الجبن من اللبن فينبغي على ما وصفت أن تبتدئ من موضع عظم الصلب وتتبع الليف وتتفقد كل طاقة منه كيف هي موربة فإنك إذا فعلت ذلك عرض لك إذا أنت مررت نحو القس أن ترى في موضع
آخر وضع الليف قد تغير مع عطف الأضلاع إلى فوق وذاك أن كل واحد من الأضلاع ليس كما يأخذ الطريق منه أول أمره يذهب من عظم الصلب إلى القس على تأريب من الأجزاء المرتفعة من صدر الحيوان إلى الأجزاء المتسفلة لكنه إذا قارب القس صار مكان العظم غضروفا ثم تغير وضعه إلى خلاف ما كان عليه ومر أيضا ذاهبا على التأريب نحو القس واتصل به اتصالا مفصليا فالموضع الذي يتغير فيه الضلع ويصير بدل العظم منه غضروف يكون فيه شكل عطفة الضلع شبيها بالمدور لا شبيها بالزاوية فأما الليف فوضعه مخالف وذاك أنه يذهب على وراب من الضلع الأسفل إلى الضلع الفوق وهذا شيء يكون في الأضلاع كلها خلا الأضلاع التي لا ترتبط أطرافها مع القس وحده فإن ذهاب هذه الأضلاع منذ أول أمرها إلى آخره ذهاب تنفرد به عن سائر الأضلاع ليس فيه ولا عطفة واحدة كما للأضلاع التي ترتبط مع القس وهذه الأضلاع المنفردة الذهاب يقال لها أضلاع الخلف ومنتهاها ينقضي إلى غضروف صالح المقدار ومن هذه الأضلاع تنبت الحجاب وكل واحد من الغضاريف شبيه بالحاجب والواقية لمنبت الحجاب وآثار العناية العظيمة بينة في هذا الموضع أيضا كبيانها في كل موضع وفي كل واحد من الأعضاء الأخر وذاك أن منشأ الحجاب لم يجعل من المواضع الخارجة من كل واحد من هذه الأضلاع ولا من أطرافها لكن من أجزائها الداخلة قبل الأطراف وهذه الأضلاع وضع ليفها وضع مورب مائل من فوق إلى أسفل فأما الأضلاع التي ترتبط مع القس فإنها تغير ليفها بحسب ما يتغير ذهابها فالعضل الذي بين الأضلاع حال ليفه من خارج في وضعه الحال التي وصفتها وأما من داخل فالأمر على خلاف ذلك لأن الليف الداخل يقاطع الليف الخارج على مثال ما يتقاطعان خطا الخاء في حروف اليونانيين وهو هذا X وليكن التماسك للنظر
إلى وضع هذه أيضا بأن تنحي الأضلاع عن القس وتفصلها منه وإنك إذا فعلت ذلك تبين لك تجويف داخل الصدر كله وتبين لك مع التجويف شكل ليف العضل الذي بين الأضلاع وكيما تدرك ذلك وتقف على معرفته سريعا اثن الأضلاع إلى ناحية عظم الصلب فإنك ترى ضلوع الخلف أن الليف موضوع في جميع أجزائها على خلاف وضع الليف الذي من خارج صاعد من الضلع السفلاني إلى الضلع الفوقاني صعودا موربا وترى ليف سائر الأضلاع الأخر موضوعا وضعين فما هو ليفها في أجزائها إلى ان يبلغ إلى الغضاريف موضوع كوضع ليف ضلوع الخلف في أجزائها كلها وما هو منه في غضاريف الأضلاع إلى أن يبلغ إلى القس فهو على خلاف ذلك.
٥. وقد بقيت علينا من عضل الصدر عضله واحدة وهي أشرف عضله كله وأجله قدرا يقال لها باليونانية فراناس وفلاطون ظن أن هذه العضلة إنما هي حاجز بين جزءين من أجزاء النفس أعني الجزء الشهواني والجزء الغضبي وليس هي حاجزا فقط بل الأمر فيها على ما بينت في المقالتين اللتين ذكرت فيهما أسباب التنفس وعلله من أنه أنفع جميع هذا العضل الذي ذكرناه للحيوان في فعل التنفس وكون هذه العضلة وهي الحجاب هو على هذه الصفة وهذا النوع الذي ذكرته قبيل في العضل الذي بين الأضلاع أعني أن لها رباطات كثيرة دقاقا تنبت من العظام وتكتسي لحما بسيطا مفردا وأما وسط جميع الحجاب وهو مثل دائرة صغيرة في جوف دائرة كبيرة حول مركزه فإنه يصير وترا خالصا محضا ليس فيه شيء من اللحم الذي في سائر أجزاء هذه العضلة هذه أمور يمكن أن تراها في الحجاب بعد أن تبرئ الأضلاع من القس في الأجزاء العليا من الصدر وأما جملة طبيعته فليس يمكن أن تفهمها فهما بينا دون أن تشرح أولا الثماني العضلات التي
على البطن وان كان ذلك كذلك فخذ بنا في تشريح هذا العضل القول.
٦. وأحب أن أذكر كم بأمر لم أزل أفعله وإن كنت أعلم أنكم له ذاكرون ولكن على ما قلت لست آمن أن يكون كتابي هذا لا يبقى في أيدي أصدقائي وحدهم لكن يقع في أيدي خلق كثير من الناس بعضهم مستعد متعن للحسد والبغي على كل أمر جميل وبعضهم متهيئ معتزم على تلفظ الأشياء الجميلة وتعملها فبسبب هؤلاء ينبغي لي أن أذكر وأقول مرارا كثيرة ما يعلمه أصحابي ويعرفونه فأنا قائل وواصف ما أعلم أنه يجدي عليهم وينتفعون به وهو أني مرارا كثيرة شرحت جميع العضل الذي على البطن ساعة خنقت القرد ثم بعده الأمعاء والمعدة والكبد والطحال والكليتين والمثانة وإن كان القرد أنثى فالأحرام أيضا وأذكر أني مرارا شتى شرحت في اليوم الأول هذه الأعضاء كلها وحدها كيلا تعفن إذا طال مكثها ثم صرت في اليوم الثاني إلى تشريح الأعضاء الأخر وجعلت أشرح هذه أيضا على الترتيب والنظام الذي أجريت عليه الأمر فيما ذكرته في هذا الكتاب منذ أول ابتدائه وسأصف لك كيف ينبغي أن تشرح العضل الذي على البطن إذا أنت بدأت به أولا بعد قليل وأما الساعة فإني أجعل كلامي بما ييسفه † سنن التعليم مما يتبع ما تقدم ذكره فأقول إن الأضلاع التي برأتها من القس وأشرت عليك أن تثنيها وتقلبها إلى خلف كيما تنظر إلى ما في جوف الصدر نظرا شافيا ينبغي لك أن تردها إلى ناحية القس حتى ترجع إلى وضعه الأول كأنها لم تشرح ولم تخلع أصلا ثم تسلخ سائر الجلد عن المراق وتجعل أول ما تبتدئ بتشريحه من العضل الذي تحت هذا الجلد العضلة العظيمة التي من خارج ذلك العضل وهي تبتدئ من الصدر ثم تنبسط على
جميع عضل المراق فتجلله وأنت ترى رؤوس هذه العضلة رؤية بينة بعد أن تشرح ما ذكرته لك قبل وقلت إنه موضوع على الولاء بعد العضلة التي هي أعظم العضل المرتفع من عضل الصدر وهي التي قلت لك إن أطرافها تتصل وتلتحم بالأضلاع كأنها أصابع فالموضع الذي عنده ينتهي كل واحد من الاتصالات والالتحمات أنت ترى رؤوس هذه العضلة التي كلامنا فيها بالقرب منها وهما رأسان واحد عن اليمين والآخر عن اليسار وأول منبتها الذي هو إلى عند الضلع السادس أقرب هو موضوع تحت منتهى العضلة القدام من العضل المحرك للصدر ثم لا يزال ينبت أولا فأولا من الأضلاع الأخر بالقرب من الأجزاء التي عندها أولا يتغير عظم كل واحد من الأضلاع فيصير غضروفا على ما وصفت قبل 〈...〉 للأضلاع الأول من ضلوع الخلف شيء في قياس هذه العطفة وذاك أن الضلع الذي يعد من فوق ثامنا يصعد إلى الغضروف المشرف على رأس المعدة وهو الشبيه بالسيف وأما الأضلاع الأخر من ضلوع الخلف فإنها أقل في ذلك من هذا الضلع ويخالف بعضها بعضا في الزيادة والنقصان فيه وذاك أن الضلع الأخفض أبدا يكون أقصر من الضلع الذي أرفع منه فالزوج الأول من أزواج العضل الذي على المراق ينبت من هذه الأضلاع الخلف أيضا كلها وعضلتاه ذاهبتان بليف لهما مورب إلى ناحية مقدم البطن وتمتدان على جميع مواضع البطن وعلى المواضع الخالية من مواضع البطن كلها وتصيران إلى عظمي الخاصرتين وكل واحدة منهما تنزل إلى الجانب الذي يليها وتتصل وتلتحم بعظم العانة بوتر من جنس الأغشية قوي يتولد في كل واحدة منهما قبل هذا الموضع بمسافة كثيرة وربما يسكن هذا الوتر عن وثاقته في الحالب فيسترخي معه هذا الموضع كله حتى يقبل ما يهوي إليه من الأجسام الموضوعة أعلى منه أعني من الأمعاء أو من الغشاء المعروف بالثرب فيقال لذلك قيلة أو قرو وهذا الوتر الغشائي مثقوب فوق
الحالب بقليل كيما يخرج وينفذ فيه الغشاء المستبطن لمراق البطن وهو الصفاق وما يحويه الصفاق مما أذكره بعد فأما الأجزاء التي تمتد من هاتين العضلتين إلى مقدم البطن فإنها تنتهي إلى وتر دقيق خالص الرقة يركب على العضل المقدم من خارج وكذلك أيضا عضلتا الزوج الثاني من العضل الذي على المراق لهما ليف وضعه مورب بخلاف وضع ليف العضلتين الأوليين وترهما يصير من جنس الأغشية ثم يركب على العضلتين اللتين من قدام وكل واحدة تتدئ من عظم الخاصرة ومنبتها من جنس اللحم ثم تصعدان من هاهنا على وراب راكبتين على العضلتين الموضوعتين عرضا ثم تتصلان وتلتحمان بشيء من جوهر اللحم بطرف أربعة من ضلوع الخلف فأما وترهما الرقيق الذي قلنا إنهما تنتهيان إليه فهو في الوسط فيما بين العضلتين الذاهبتين في الطول وبين الوتر الذي ذكرناه قبل وإذا أنت رأيت وتري هاتين العضلتين خيل لك أنهما متصلان متحدان واحد بآخر وتخليصهما وتفريقهما أحدهما من الآخر صعب شديد وخاصة عندما نجعل مبدأ تشريح بدن الحيوان كله من هذا الموضع فأما إن نحن جعلنا التشريح على ما وصفنا من هذا النحو الذي تقدم ذكره ثم أخذنا في تشريح هذا العضل فالأمر يكون في تخليص هذين الوترين وتفريق أحدهما من الأخر سهلا هينا بأن تتبع كل واحدة من عضلتيهما وذلك أن الموضع الذي تنتهي عنده أولا أجزاؤهما اللحمية هناك يبتدئ وتر كل واحدة منهما مدمج مع اللحم غير منقطع عنه فإذا أنت رأيت هذا اللحم ممدودا بحدوده الخاصية به لم يعسر عليك وجود الوتر الغشائي النابت من كل واحدة منهما وهذا الوتر يتولد في الموضع الذي فيه الضلع المجنب من العضلتين المستقيمتين في الطول وإن هاتين العضلتين إنما تلتقيان وتماسان إحديهما الأخرى في الأجزاء المقدم بضلعيهما اللذين في المقدم وأما من الأجزاء التي عن جانبي المقدم فإنهما تقبلان تركب الأوتار الغشائية عليهما وجوهرهما لحم في طولهما كله من فوق إلى
أسفل وليس يرى لهما وتر ظاهر حتى أن اتصالهما والتحامهما بعظم العانة إنما هو بلحم وهما في هذه الأجزاء متحدان اتحادا خالصا وأول موضع يصيران فيه كذلك أسفل من السرة لأن ما أرفع منهما عن هذا الموضع فالأمر فيه على ما وصفت قبل من أنها أجزاء بعضها قريب من بعض مضام لها غير أنها ليس بمتحدة فهذه ضعه الزوج الثالث من الثماني العضلات التي على البطن فأما الزوج الرابع الذي بقي فإنه ينبت من الخط القائم من خطوط عظم الخاصرة ومن الزوائد التي عن جانبي فقار القطن وليس كل واحدة منهما ساعة تنبت من أول أمرها عضلة لكنها من جنس الأغشية قوي ينبت من تلك العظام التي ذكرتها ثم إنه إذا مر اكتسى ليفا ذاهبا بالعرض ثم صار إلى حال يصير بها في مثال العضلة وهذه العضلة تنبسط على الأجزاء الداخلة من طرف كل واحد من ضلوع الخلف وتتصل وتلتحم بها وكما أن كل واحدة منهما إذا اكتست ليفا صارت عضلة كذلك إذا هي القت عنها الليف وتجردت انتهت إلى وتر عريض وهذان الوتران يفوتان كثيرا من الأطباء كما تفوتهم أشياء كثيرة مما قدمت ذكره وذلك أن كل واحد منهما من جنس الأغشية ويلتحم على الصفاق فيصير منهما جميعا شيء مركب لا يراه الناظر إليه مركبا لكن يظن به انه غشاء واحد بسيط ولهذا ينبغي لك أن تلتمس الاحتفاظ بالتحامها في الموضع الذي عنده أولا ينشآن الوتران من اللحم ويركبان على الصفاق فإنه إن انقطع الوتر من اللحم لن يمكن بعد ذلك أن تخلص إلا أن يكون المخلص لهما محنكا مدربا عالما بطبيعتها ومما يدل على ذلك أن البطن إذا وقع فيه خرق وأرادوا المعالجون
خياطته علقوا الشيء المركب منهما ومدوه بالصنارة إلى فوق وخيطوه كأنهم إنما علقوا وخيطوا الصفاق أعني بقولي شيء مركب منهما جميعا أي من الصفاق الذي هو صفاق بالحقيقة ومن منتهى العضلة التي من جنس الأغشية والصفاق شبيه بنسج عريض من نسج العنكبوت منبسط رقيق جدا وليس على مثال كثير من الأوتار التي وإن كانت ترق وتتغير إلى مثال الأغشية لكن لمن أجاد التفرس فيها والنظر إليه في موضع ضيء نير رأى فيها ليفا دقاقا وأما الصفاق فليس هو كذلك لأنه على ما وصفت بسيط وكله مندمج متحد في نفسه قطعة واحدة وهو بالحقيقة واحد من الأجسام المتشابهة الأجزاء وأنت تراه كيف هو في طبيعته في الأجزاء السفلانية حيث يبقى وحده لمفارقة العضلتين الذاهبتين عرضا له وذاك أن هاتين تتصلان وتتحدان بالعضلتين المنتصبتين الذاهبتين في الطول في هذا الموضع وتفارقان الغشاء الذي يسمى بارطونيوس فقد أتينا من ذكر الثماني العضلات التي على البطن بما فيه كفاية يحتسب الضرب الأول من تشريحها الذي اقتصصته هاهنا.
٧. فلنصف الآن كيف ينبغي لمن جعل مبدأ عمله تشريح هذا العضل أن يحكمه ويعمله بأفضل الوجوه التي يعمل بها فأقول إنه ينبغي لك أن تسلخ جلدة البطن وتبتدئ في ذلك من وسطه حيث لا يتخوف أن يقطع أو يفسخ شيء من الأجسام الموضوعة تحتها فإن في هذا الموضع تجد الغشاء المضام للجلد مفارقا للعضل الموضوع تحته وكل إنسان إذا استدل بطبيعة هذه الأجسام [اجزاء و] وفى بسلخ الجلد الذي في هذا من غير أن يفسد شيئا مما تحته موضوع فإذا أنت مررت إلى ناحية الجنبين إلى قريب من ضلوع الخلف إن أنت لم تجعل ذهبك فيما تعمل وتتفطن فيه قطعت رأس العضلة الصغيرة التي قلت إنها ترتقي إلى الإبط وإنها فاتت أصحاب التشريح وذاك أن الغشاء المضام للجلد إذا اكتسى ليفا شبيها باللحم يصير إليه في ابتداء
أمره على أبعاد كبار ثم يصير بعد ذلك على أبعاد صغار مبدأ لهذه العضلة التي هي في هذا الموضع رقيقة عريضة معا ثم إنها في صعودها إلى الإبط يجتمع الليف الذي في عرضها إلى موضع يسير وتصير العضلة نفسها من جنس اللحم ضيقة وإن أنت كشفت مبدأها الأسفل العريض مع الجلد وجدت هناك على المكان لحما منتزعا مقطوعا راكبا على ما في الإبط من الأجسام ثم إنك إن كنت ممن يحب التعب فحصت وبحثت عن ذلك اللحم ماذا انتزع وانقطع فإذا أنت لم تجد هناك شيئا مقطوعا [و]أخللت السبيل 〈و〉بقيت متحيرا كما بقيت أنا في أول أمري وأما إن كنت من المتوانيين الكسالي كما كان من تقدمنا من أصحاب التشريح في كثير من التشريح لم يكرثك هذا اللحم ولم تطلب معرفته لكنك تقطعه أو تفسخه مما تحته من الأجسام التي هو راكب عليها وترمي به ناحية عنك على الأرض فحسبك ما قلته لك في أنه ينبغي لك أن تسلخ الجلد الذي هو في هذا الموضع بالضرب الذي وصفناه فإذا انكشف لك الموضع كله الذي على البطن فينبغي لك أن تشرح الثماني العضلات التي على البطن بهذا الضرب من العمل أقول أن البدن مقسوم ننصفين أحدهما الجانب الأيمن والآخر الجانب الأيسر على خط مستقيم ذاهب في الطول ممدود من فوق إلى أسفل في جملة البدن فإذا أنت تعمدت علامات هذا الخط الظاهرة وجعلتها غرضا تقصد نحوه وهي علامات أنا أصفها لك هاهنا وجدت واستخرجت بابا من أبواب علم التشريح تنتفع به في مواضع شتي فليكن غرضك الأول وعلامتك التي تقصد إليها منتهى الغضروف الشبيه بالسيف ثم خذ على سمت هذا العلامة إلى فوق وإلى أسفل وخذ في ذهابك إلى فوق في وسط القس واجعل أقصى الحد الذي تريده رأس القس وهو موضع غائر تحده الترقوتان والعضل المنحدر من الرأس حتى إذا كشط الجلد أبصر بصرا بينا وأما في ذهابك على هذا الخط إلى أسفل فمده على استقامة واجعل أقصى الحد الذي تقصد إليه ملتقى عظمي العانة وموضع وصلهما واجعل علامتك فيما بين هذين وسط السرة فإن هذا هو وسط أيضا للمسافة بين رأس الغضروف الشبيه بالسيف وبين عظم العانة فإذا أنت بدأت قبل كل شيء
بتشريح العضل الذي على البطن فبعد أن تكشط الجلد فابتدئ بالقطع من منتهى الغضروف الشبيه بالسيف ثم تمر من هاهنا إلى ناحية وسط السرة واجعل قطعك مما يلي ظاهر البدن حتى يظهر لك بعد القطع الأول خط أشد بياضا من الأجسام التي عن جنبيه فإذا ظهر لك هذا الخط فاجعله دليلا عظيما على أن التشريح وقع جيدا فإن العضل الذي يغلب عليه اللحم الذي سميته قبيل العضل المستقيم الذي بالطول إنما يفرق بينه بهذا الخط وهذا الخط حقيق له أن يكون أشد بياضا مما حوله إذ كان ليس تحته لحم أصلا وذاك أن الأوتار الغشائية التي تحوي العضل الذي بالطول وهي الأوتار التي قلت إنها تتولد من العضل المورب إنما يصل بين بعضها وبعض هذا الوتر فينبغي لك الآن أن تشق ذلك الخط شقا رفيقا كيلا تقطع سائر الأجسام الموضوعة تحته لكن تفصل الأوتار وتفرق بين بعضها وبين بعض فإنك إذا فعلت ذلك بهذا عملت كما يقول المثل نصف العمل كله على أن المثل يقول إن كل مبدأ فهو النصف من جميع العمل وقد يمكن أن تعمل مبادئ كثيرة بأهون سعي فأما هذا المبدأ الذي ذكرته هاهنا من تشريح العضل فهو بالحقيقة النصف من جميع وفيه أيضا أنه إن عمل عملا ردئيا كان في ذلك فساد العمل وتبعه الغلط في سائر التشريح ولكن إذا كان منه التشريح على ما وصفت فقد يمكنك من التشريح صنفان والأصلح والأجود ذلك أن تروض نفسك أولا في الأهون والأسهل منهما فإنه يهذا الطريق يرجي لك أن
تكون إذا أنت ضربت يدك بعد اليوم إلى النصف الأصعب لم تحطئ ولم تغلط والنصف الأسهل الأهون هو هذا ينبغي لك أن تعلق العضلة التي بالطول بصنارة أو تمدها بيدك اليسرى إلى جانب وتشرحها تشريحا رفيقا تخلص به من الأجسام التي تحته وعلى مثال ما استعنت في هذا التشريح والقطع الحاضر بيدك التي أعنت بها اليد الأخرى القاطعة كذلك الأجود لك أن تعمل العمل الذي هو أول عمل تعمله مع إنسان آخر فإنك إذا فعلت ذلك كان فعلك للقطع الذي يقع بالطول أجود إذا أنت بدأت من الغضروف الشبيه بالسيف ولتكن استعانتك باليد بأن تضع أربع أصابع على طول العضلة وإذا تمكنت الأصابع من العضلة واستقررت عليها فاذهب بها إلى الجانب ذهابا رفيقا فإنك إن فعلت هذا بالعضلتين كلتيهما حسنا كان الموضع الذي فيما بينهما أشد ظهورا وهو الموضع الذي أمرتك أن تجعل القطع الأول فيه وإذا انت قطعت مستقيما فحسبك يد واحدة تكون تذهب بالعضلة التي تشرحها إلى جانب وقد يمكن أيضا كما قلت أن تفعل ذلك بصنارة وينبغي أن تجعل هذا القطع الذي ذكرناه إلى موضع السرة حتى يكون ما يظهر لك من هذه العضلة جزءا صالح المقدار فإن الصفاق موضوع تحتها مع أوتار العضل الذي بالعرض ويمكن أن تكشط هاتين العضلتين الطويلتين عما تحتهما وبهذا السبب صرت أنا أكشطهما عما تحتهما بأصابعي وهذا شيء ليس ينبغي أن تفعله منذ أول الأمر مع القطع الأول ولكن إذا ما استأنف العمل وتخلصت هاتان العضلتان تخلصا بينا فاقصد واطلب تمام العمل سريعا بأن تضع أصابعك تحتهما وتكشط بقية العضلتين عما تحتهما وإذا أنت فعلت هذا فاقطع مبدأهما من فوق من حيث قلت إن هناك السير الأبيض والتمس
أن ترد العضلتين قليلا وتقلبهما كيما يتبين لك أثر حدوحهما تبينا ظاهرا فإن عليهما راكب من خارج واترا عاما للعضل المورب يمنعها من الظهور فإن أنت لم تحب أن تقطع رأسيهما وأحببت أن تحفظهما كهيئتهما سليمتين صحيحتين بكليتهما فالتمس أن تكشط الوتر الغشائي الموضوع عليهما الذي يظن به من يتوانى في التشريح أنه لفافة لهذا العضل خاصة بمنزلة ما لجل العضل من الأغشية الطبيعية الخاصية بها وينبغي لك أن تكشطه في أول الأمر على أنه بسيط مفرد كيما تتبين لك حدود العضل الذي بالطول ثم تقطعه بعد ذلك بنصفين فتجعل جزءه الخارج للعضلة الكبرى الأولى وتجعل الجزء الذي تحت هذه للعضلة الثانية ونسمي على ما قلت هاهنا هاتين العضلتين الموربتين الأولى والثانية ونسمي العضلة التي تحتها ممدوة بالطول الثالثة والعضلة التي تحت هذه تتحد بالصفاق ممدودة بالعرض رابعة وكذلك ينبغي أن نسمي أوزاج هذا العضل أما الزوج الأول فزوج العضلتين العظيمتين الموربتين اللتين تبتدئان من الضلع السادس من أضلاع الصدر وأما الثاني فزوج العضلتين الموربتين اللتين تجريان بخلاف هاتين في العرض وإذا أنت رضت نفسك فيما وصفت لك رياضة بليغة فالتمس من ساعتك في أول الأمر بعد القطع الذاهب في الطول أن تخلص من العضل الذاهب في الطول أما أولا فالوتر الذي يلي ظاهر البدن وهو وتر العضلة الكبرى وأما بعد ذلك فالوتر الثاني الذي تحته وهو النابت من العضلة الثانية وإذا أنت بينت وأظهرت أن كل واحد من الوترين لازم لكل واحدة من العضلتين فابتدئ بعد ذلك بتشريح الضعلتين الذاهبتين في الطول وإنك إذا فعلت هذا استبان لك العمل كله ظاهرا ولم يتشوش عليك شيء منه إذا خلصت العضل مع أوتاره والذي فعلته أولا عند ابتدائك من فوق من الصدر في الزوج الأول
من هذا العضل افعله الآن أيضا هو بعينه مقلوبا بأن تأخذ الوتر الغشائي فتعلقه إلى فوق بالرفق وتلتمس أن تكشط تلك العضلة الكبرى الأولى حتى تبلغ إلى منشئها وليس يمكنك في هذا العمل أن ترتقي حتى تدرك العضلة كلها لأن العضل الذي في الصدر راكب عليها وإذ كان هذا هاكذا فتشرح من ذلك العضل مقدار ما يفي إذا انكشف بأن لا يستر منشأ هذه العضلة وأما الثلاث العضلات الأخر الباقية فقد يمكنك أن تشرحها من غير أن نكشف شيئا مما هو موضوع فوق وكما أنت لما أردت تشريح العضلة الأولى بدأت من وترها وشرحتها حتى بلغت إلى منشئها من فوق وتبعت في ذلك اندماج الليف فكذلك تشرح العضلة الثانية بأن تجوز اولا من وترها إلى اندماج ليفها ثم تحفظ بعد ذلك اندماج الليف إلى منشأ العضلة الذي ذكرته قبيل والعضلة الثالثة أيضا التي هي من جنس اللحم شرحتها إلى موضع السرة ومن هناك ترى هاتين العضلتين اللتين بالطول تتحدان واحدة بالأخرى في الأجزاء السفلانية وترى الجزء الأسفل من العضلتين اللتين بالعرض يتركب معهما وهذا الزوج يتنحى عن الصفاق قليلا قليلا ويتعابد حتى يدعه وحده عريانا وفيما ذكرناه من أمر العضل الذي على البطن في هذا الموضع كفاية.
٨. فلنرجع الآن فنأخذ في ذكر الحجاب ونخبر بما تركنا شرحه من أمر طبيعته وإنما فعلنا هذا لأنه لم يمكن أن يظهر الحجاب دون أن ينفتح المراق ومما هو معلوم أنا 〈إن〉 لم نرد أن نبين في حيوان واحد أشياء كثيرة فقد يمكننا أن نقطع الأعضاء التي تستر عنا العضو الذي نريده قطع جزاف ونقصد في كل وقت إلى الشيء الذي يطلب منه وحده من ذلك أنه
إن أحب إنسان أن تتبين له كيف طبيعة الحجاب وحده أو وقعت مطالبة بسبب هيئته يحتاج فيها إلى عمل التشريح كان الأمر في ذلك بينا أنه ينبغي في مثل هذه الأوقات أن يقطع جميع ما على البطن مع الصفاق قطع جزاف وتخرج الأمعاء م تبين أولا منشأ الحجاب من ضلوع الخلف الذي قد ذكرته قبيل ثم بعد ذلك تبين اتصاله والتحامه بعظم الصلب وبعد ذلك تشرح وتفصل أجزاءه المختلفة في جوهرها وفي وضعها وفي فعلها وفي منفعتها وذاك أن وسط الحجاب هو الموضع الذي تتغير فيه هذه العضلة إلى طبيعة العصب ويمتيز منها وتر عريض وتحفها من كل جانب أجزاء لحمية وعن جنبيه يتجلله غشاء رقيق لازم له من فوق أيضا ومن أسفل وهذه الأغشية أنت تكشطها عنه إن أنت وضعت ذهنك وفطنتك في هذا القول الذي أقوله لك أقول إن الغشاء المرفع مضاعف يجلل الموضع الداخل من جميع الصدر واحد من الجانب الأيمن وواحد من الجانب الأيسر لأن التجويف الذي في داخل الصدر ليس هو تجويفا واحدا متصلا بنفسه لا يقطعه شيء لكنه ينقطع وينقسم بالأغشية التي ذكرتها قبل وهذه الأغشية موضوعة بعض بقرب بعض قائمة منتصبة في طول القس غير أنها تتفرق بعض من بعض وتتباعد في الموضع الذي فيه القلب موضوع لأن القلب في وسطهما يحتوي عليه غشاء خاص به أغلظ منها والأغشية تبلغ إلى الغضروف الشبيه بالسيف وتحتوي كما قلت على الغشاء الذي حول القلب وهذا الغشاء إن شئت أن تسميه جلالا أو لباسا للقلب فجائز لك ذلك وأما تلك الأغشية فهي في طبيعتها بسيطة غير مركبة شبيهة بنسيج العنكبوت تجلل وتقوم الموضوع الداخل من الصدر كله في كل واحد من جانبيه وما هو من هذه الأغشية مغش على الأضلاع يقال له
الغشاء المغشي للأضلاع وما هو منها صاعد في طول الصدر على استقامة حتى يبلغ إلى موضع المنحر وهو اللبة يقال لها الأغشية القاسمة والأغشية الحازجة وما يلتف منها على الرئة ويصير حولها فهو جلال للرئة وقاعدة هذه الأغشية مبسوطة على الأجزاء العليا من الحجاب كما أن على الأجزاء السفلية منه غشاء آخر شبيها بهذه مفروشا يسمى بالصواب رأس الصفاق أعني بالصفاق الغشاء الصلب الرقيق المستبطن لعضل البطن وهو غشاء واحد قطعة واحدة مندمجة موصولة بعضها ببعض يجلل الموضع الأسفل من الحجاب كله والموضع الذي قد وقع فيه في الحجاب ثقب بسبب منافع اضطرية تجد هذا الغشاء يلتف فيه حول الأعضاء التي تنفذ من تلك الثقب ويمتد معها وعلى هذا النحو بعينه تجد أيضا الأغشية التي من فوق مبسوطة داخل الصدر تمتد وتنفذ مع العروق والشريانات النافذة في الحجاب ملتفة عليه مجللة لها كما يدور وفي الحجاب ثقبان أحدهما أعظم من الآخر والأعظم هو في الموضع الذي يركب فيه الحجاب الفقار وهو طريق ينفذ فيه المريء والشريان العظيم وأما الثقب الآخر الأصغر فإنه يقبل العرق الأجوف الذي يؤدي ويوصل الدم إلى الأجزاء العليا من بدن الحيوان ويتدرقه † مع حرز ووثاقة كثيرة وذلك أنه محيط به ملازق له التزاقا شافيا عسر المفارقة جدا ويتدرق† معه الغشاء أيضا الذي في الجانب الأيمن من الصدر وليس يفوتك ولا يذهب عنك شيء من هذه الآلات لا العرق الأجوف ولا المريء ولا الشريان الأعظم وخاصة إذا قلعت وانتزعت الأعضاء التي أسفل الحجاب على ما وصفت وأما العرق الأجوف فهو أول شيء يلقى من يشرح لأنه موضوع في موضع مرتفع وليس يبقى في وجهه شيء يستره إذا كشفت العضل فإن أحببت أن تنظر أيضا إلى الثقب الآخر الذي في الحجاب نظرا شافيا فاعمد هذا العمل بضربين مرة بأن تفتح الصدر في طوله وتتبع المريء من فوق في انحداره إلى
ناحية الحجاب ومرة بأن تمد المعدة إلى فوق وتقبضها من وجهه فإنك إذا فعلت ذلك رأيت فم المعدة موضوعا على الحجاب وضعا من غير أن يكون لاصقا به كمثل العرق الأجوف لكنه مربوط معه برباط رخو وليس ثقب الحجاب في هذا الموضع مدورا لكنه أشبه بشكل مثلث قاعته مستقرة على الصلب ورأسه معلق إلى علو وذلك أن الأمر على ما قال ابقراط من أن الحجاب راكب للشريان الأعظم والمريء والشريان متوكئ مستقر على وسط عظم الصلب نفسه والمريء ممدود على جانبه الأيسر وينفذ معهما في هذا الثقب عرق واحد صغير وعصبتان وليس هذا الموضع للبحث عن هذا العرق وهاتين العصبتين باستقصاء ولا كان ذكرنا أيضا لما ذكرناه من أمر الشريان أو المريء لمكانهما بل إنما ذلك شيء وقع على الطريق لأنا احتجنا أن تقتص حالهما بسبب شرح الحال في ثقب الحجاب الذي فيه نفوذهما ونحن معتزمون على الإخبار بالحال فيهما في الموضع الموافق لذلك بكلام أتم من هذا والحجاب لم يتصل ولم يلتحم بفقار الصلب في هذا الموضع لمكان هذه الأعضاء التي تنفذ فيه ولمكان عضلتي المتنين على أنه كان إلى ذلك محتاجا إذ كان على ما وصفت عضلة مدورة وكان فعله فعلا لا يفتر في أكثر زمن الحيوة وأكثر من سائر العضل الذي في الصدر فكان بهذا السبب محتاجا إلى أن يلزم عظما محكم التمكن والوثاقة برباط قوي ولكن لما كان لا بد ضرورة من أن تنحدر تلك الآلات التي ذكرناها وتمر من فوق إلى أسفل وأن ترتقي عضلتا المتنين وتمتد〈ا〉 إلى الموضع الذي هو أرفع من الحجاب حسمت بهذا السبب هذه العضلة التي يقال لها الحجاب وسلبت الاتصال والاتحام بعظم الصلب
والأوجد والأصوب أن لا نقول إنها حسمت جميع الاتصال والالحام من الصلب وسلبته مطلقا لكن نقول إنها حسمت ذلك وسلبته في هذا الموضع وذاك أن لكثرة آثار الحكمة واللطف والاحتيال في الخلقة صار ليس من احيوان شيء في موضع منه نقصان عن التدبير الأحكم ولذلك وصل وألحم الحجاب بالفقار السفلانية برباطين قويين وذلك أن أجزاء الحجاب الراكبة للشريان الأعظم والمريء بمنزلة الساقين تجدها تمتد على سائر الفقار أما في بعض الحيوانات فأكثر وذلك في الحيوان الذي صدره كله قوي صحيح وأما في القرود فإنها معما تمتد أقل تجد اتصالها أيضا والتحامها بعظم الصلب برباطات أضعف من الرباطات التي في سائر الحيوانات والاختلاف بين هذه الحيوانات في هذه الأشياء أمر سنذكره بعد.
٩. وأما الآن فإذ كنت قد اعتزمت وقصدت في كلامي هذا على أن أصف الحال في أعضاء القرود قبل جميع الحيوانات فإني أشرح القرد فتنظر الحجاب ينحدر فيه الي الفرقة الواحدة ولعشرين وتنظر إلى عضلتي المتنين ترتقيان إلى الفرقة الثامنة عشرة إذا عددت من الرأس وتنظر إلى العضل الموضوع تحت المريء إذا صار التشريح على المراتب إليه ينحدر إلى الفقرة الحادية عشرة من الرأس وجل عظم الصلب تجد له من داخل عضلا خلا الفقار الوسطانية من فقار الصلب وإنك تجدها عريانة مجردة أصلا من العضل ومبلغ عدد هذه الفقارات ست فقارات فالعضل الذي يجيء من الرأس يثني جميع الجزء الأعلى من عظم الصلب وعضلتا المتنين تثنيان الجزء الأسفل منه فقط وأما الجزء الذي بين هاذين الجزءين فإنه يتحرك مع هاذين الجزءين اللذين عن جانبيه وإذ كنت قد كشطت أكثر الأجزاء التي أسفل من الحجاب فلا بأس بأن تكشط أيضا الغشاء المغشي بعضلتي المتنين وهذا الغشاء هو على ما سوف أصف بعد جزء من الصفاق الذي على القطن فإذا كشف هذا رأيت المتنين وهما عضلتان من كل جانب واحدة مضامة إحديهما الأخرى ممدودتان في طول عظم الصلب من المبدأ الذي ذكرته قبل في طول
القطن كله فإذا صارتا بالقرب من عظم العجز الذي يسميه كما قد علمت بعض الناس العظم الاكبر تباعدت الواحدة عن الأخرى واتصلتا والتحمتا بالمواضع التي في داخل الخاصرتين مع أنه ينبت معهما هناك لحم آخر كثير يتولد من عظمي الخاصرتين فاتبع اللحم الذي يجيء من فوق وهو الذي يقال له المتنان واللحم الذي يلتف معه من عظمي الخاصرتين فإنك تجد وترين لكل واحدة من عضلتي المتنين وتر من الأوتار التي قد جرت عادة أصحاب التشريح بأن يسموها أطراف عضل عصبانية وأحد هذين الوترين وهو الداخل منهما الذي الأولى بنا ان نظن به أنه رباط لا وتر يتصل ويلتحم بالموضع خاصة الذي يضام فيه عظم العانة بعظم الورك وأما الوتر الآخر فإنه يبلغ إلى الزائدة الصغرى من الزائدتين اللتين دون عنق رأس الفخذ والوتر الأول منشؤه من الجزء المرتفع الخلف من المتنين ومنبته يمر على الموضع الداخل والوتر الثاني منشؤه من الجزء الأسفل من المتنين المدود إلى جانب هذا من خارج وينبت أيضا من جزئهما الذي يلتف إلى هذا الجزء من عظم الخاصرة والرباط الأول طويل وأما الوتر الذي ينحدر إلى الزائدة الصغرى من زائدتي عظم الفخذ فقصير لكنه مع قصره ليس بضعيف ولكن دع هذا في هذا الوقت واستبقه إلى أن تصير إلى تشريح العضل المحرك لمفصل الورك وأما العصبة الأخرى فتثبت فيها حسنا فإنك تجدها أصلب وأشد بياضا من الوتر لأنها من جوهر الرباط ولذلك
ينبغي لنا أن نتوهم أنها رأس لا منتهى الأجزاء الداخلة من المتنين ويصير الأجزاء الخارجة منهما أيضا رأس آخر منبته من عظم الخاصرة وهو أصغر من الرأس الذي منبته من داخل بكثير ومنفعته كمنفعة ذلك بعينها وذاك أنه امتدا جزآ المتنين اللذان ذكرناهما إلى ناحية أسفل ثنيا جميع ما في القطن من أجزاء عظم الصلب مع شيء من فقار الصدر المحاذية له وكذلك أيضا العضل الموضوع تحت المريء الذي سأذكره بعد يثني الموضوع الأعلى من عظم الصلب مع أنه يحرك شيئا من الفقار التي بين الكتفين فأما عضلتا المتنين ففيهما رأس الوتر الذي يبلغ الزائدة الصغرى من زائدتي عظم الفخذ وأما الأجزاء التي عن جنبتي هذا الرأس فإنما هي منتهيات لا رؤوس العضلتين اللتين تثنيان عظم الصلب كلتيهما فتصير لكل واحدة من عضلتي المتنين ثلاثة أجزاء جزء واحد داخل مبدؤه الذي من فوق أرفع وجزء آخر وسط يبتدئ من منبت أشد تفسلا والجزء الثالث من هذين الجزء الخارج الذي له اتصال لحمي أشد تفسلا من منبت الجزء الوسط ورباط هذا الذي من أسفل يبتدئ من الموضع المرتفع من الخاصرة ولذلك صار الجزء أقل طولا من ذينك الجزءين الآخرين كما أنه أقل غلظا منهما.
١٠. ومن بعد هذا العضل كله الذي ذكرناه ابحث حسنا عن جملة طبيعتي عضلتي الصلب فإنهما تبتدئان من الفقرة الثانية ولكل عضلة منهما رأسان متباينتان ويملأ وسطهما العضل الذي أغفله أصحاب التشريح الذي قد ذكرته قبل ذكرا شافيا ولا تزالان دائما تتزيدان وتغلظان وان كانتا تبتدئان من روؤس دقاق ولكن يتحد بهما من كل واحدة من الفقارة شعبة وإذا هما جاوزتا الرقبة صارتا صالحتي المقدار والقوة ثم إنهما أولا تجتمعان وتنضم إحديهما إلى الأخرى عند منتهى الرقبة وتصيران هناك عضلة واحدة عن كل واحد من جانبي شوك عظم الصلب واحدة عن الجانب الأيمن وأخرى عن الجانب الأيسر فيصير جميع رؤوس هاتين العضلتين أربعة وليفهما مورب
فبعضه يجيء من الأجزاء القدام مما يلي أسفل وبعضه بخلاف ذلك ويبتدئ من الزوائد التي عن جانبي الفقار ويميل إلى خلف وإلى أسفل فتثبت فيهما وتفقد أمرهما إذا أنت شرحت كل واحدة منهما وصرت إلى القطن فإن في هذا الموضع يتولد من رباط هناك ينبت من الموضع الذي عند شوك الفقار عضل يجري على وراب من المواضع السفلية إلى ناحية فوق قليلا عند الأضلاع الأواخر من أضلاع الصدر وهذا العضل في الحيوانات الأخر صالح المقادير وأما في القرود فهو أصغر على مثال جميع في الصدر وهذا العضل يمد الأضلاع الأواخر ويتصل ويلتحم أما في الحيوانات الأخر فحتى يبلغ إلى نحو الضلع الثالث والرابع إذا ابتدئ بعدد الأضلاع من الموضع الأسفل وأما في القرود فإنه يبلغ إلى الضلع الثاني والثالث من الأضلاع التي يقال لها ضلوع الخلف ويلقى ربما ويماس الواحد بعد الواحد منها الضلع الرابع أيضا وأصحاب التشريح ضربوا عن ذكر هذا العضل أيضا وأحسبهم إنما فعلوا ذلك لأنهم قطعوا جزءا مع الثماني العضلات التي على البطن وتركوا جزءا منها مع عضل عظم الصلب.
المقالة السادسة من كتاب جالينوس في عمل التشريح
١. لما رأيت أن الأصلح والأجود أن أجري كلامي في هذا الكتاب على المجرى الذي كنت أجريت عليه كلامي في كتاب منافع الأعضاء وألزم فيه السبيل الذي لزمته هناك وكنت في ذلك الكتاب قد ذكرت بعد صفة الحال في اليدين والرجلين صفة الحال في آلات الغذاء وأعضائه فقد يلزمتي ان آخذ الآن في ذكر أعضاء الغذاء وآلاته فأقول إن في اليدين والرجلين لا شيء أشبه بالإنسان من القرد الذي ليس له وجه طويل ولا أنياب كبار فإن هاذين شيان يزيدان وينقصان واحد مع الآخر وكذلك المشي المستوي وسرعة الإحضار والإصبع الكبرى من أصابع اليد وعضلتا الصدغين واختلاف حال الشعر في صلابته ولينه وطوله وقصره وأنت تقدر متى رأيت شيئا معا وصفنا أي شيء كان أن تعرف به هيئة الأشياء الأخر لأن هذه كلها أبدا يتزيد بعضها مع بعض من ذلك أنك إن رأيت قردا يعدوا ويحضر مستويا فأنت تعلم من ساعتك أن هذا القرد شبيه بالإنسان ويمكن أن تتقدم فتقول في هذا القرد إن له جميع ما وصفت قبل أعني وجها مدورا وأنيابا صغارا وإصبعا عظمى من اليد ليست بصغيرة جدا كما تكون في القرود الأخر وبخلاف ذلك أصابع رجله أصغر من أصابع أرجل القرود الأخر وعضل صدغيه صغار حتى أن العضل الذي ينحدر من الفخذ إلى الساق لا ينحدر
كثيرا والعظم المسمى عصعصا منه صغير والشعر في هذا القرد قليل ليس بكثير الصلابة ولا بطويل فإن كان فيه شيء مما وصفت على خلاف ما ذكرت فالأشياء الأخر تكون فيه أيضا على خلاف ذلك فإن من القرود قرودا منظرها من أشبه شيء بالحيوان الذي يقال له كلبي الرأس حتى أن عظم عصعصها يكون طويلا ويكون له ابتداء ذنب وما كان كذلك فشعره يكون أكثر من شعر غيره من القرود ويكون شعره صلبا قائما ونظره نظرا مقداما جريئا والقرد الخالص نظره يكون نظرا مرعوبا خائفا وأما عضلة الصدغ فإنها تمتد كثيرا في القرود التي ليست بخلص وتنتهي في القرود الخلص على مثال ما تنتهي في ابدان الناس في الموضع الذي عند الدرز الإكليلي وكذلك تكون الأسنان في القرود الشبيهة بالحيوان الكلبي الرأس كبارا كلها وتكون الأنياب أبين وأظهر كما أن اللحي منها طويل والإصبع العظمى من اليد صغيرة جدا في القرود الشبيهة بالحيوان الكلبي الرأس والعضل الذي يجيء من الفخذ إلى الساق كثير الامتداد وبهذا السبب يكون مثنى الركبة منها جملة كأنه مشكول مقيد وكذلك لا تستطيع أن تبسط الساق منها انبساطا تاما وبسبب هذا لا تقدر أن تقوم حسنا وكل حيوان لا يقدر أن يقوم حسنا قياما مستويا 〈...〉 ولا يحضر إحضارا سريعا ولا يكون الإصبع العظمى التي في رجله كبيرة كما تكون في أبدان الناس ولا سائر الأصابع صغار بل كل أصابع تكون كبارا وأصغرها كلها الإصبع التي هي في أبدان الناس أعظم الأصابع كلها ويكون له ابتداء ذنب وما كان من القرود على هذه الصفة فجميع بدنه شبيه بيدن الحيوان الكلبي الرأس فكما أن الأصلح والأجود لك أن تشرح اليدين والرجلين في أبدان القرود التي هي أشبه شيء بالإنسان عندما تريد أن تروض نفسك بشيء تجعل مثلا ونظرا كذلك ينبغي لك متى لم تجد قردا على هذه الصفة أن تأخذ واحدا من القرود
التي لا تشبه الناس فإن أنت لم تجد قردا أصلا فينبغي لك ان تأخذ حيوانا كلبي الرأس والحيوان المسمى ساطوروس والحيوان المسمى لنخس وبالجملة ينبغي لك أن تأخذ من الحيوان ما كانت يداه ورجلاه مفصلة مشطبة بخمس أصابع وما كان من الحيوان كذلك فإن له تراقي وقسا ليس بحاد فهو لذلك يمشي على رجلين بمنزلة إنسان يعرج وبعد هذا الحيوان الدب والأسد وبالجملة الحيوان الذي يقال له المداخل الأسنان ولو لا أن أجناس الحيوان التي تمشي منكبة على الأرض صغار بمنزلة السنانير وابن عرس والفأر لقد كانت أعضاء هذه الحيوانات نافعة صالحة للارتياض والتدرب في عمل التشريح فإن جميع هذا الحيوانات لها أربع أصابع وليس لها إصبع عظمى وفي بعضها يكون فيه لأجل الإصبع العظمى 〈شيء〉 شبيه بالرسم الخفي وإذا كان ذلك فليس يكون بعيدا عن الإصبع السبابة كبعدة عن 〈السبابة في〉 أبدان الناس وإذا أنت تقدمت فرضت نفسك في القرود أمكنك أن تشرح هذه الحيوانات أيضا فإن لهذه الحيوانات أيضا ذلك الوتر ينبسط داخلا من اليد كما في يد القرد وكذلك العضل الذي يحرك الأصابع والعضل الذي يحرك الرصغ والزند الأعلى وسائر الأشياء الأخر كلها والأمر في أنه ليس لهذه الحيوانات العضل والأوتار المحركة لإصبع العظمى معلوم وبالجملة أنت تستدل بالفعل الذي ترى كل واحد من الحيوانات يفعله وبصورة أعضائه التي تظهر لك من خارج على هيئة أعضائه الباطنة داخلا وتتعرفها بهما وذاك أنه لا بد ضرورة للأعضاء التي تفعل على مثال واحد وصورة ظاهرها من خارج صورة واحدة بعينها من أن تكون هيئتها هيئة واحدة بعينها وكذلك أيضا في كل حيوانين يفعلان على مثال واحد وصورتهما الظاهرة على مثال واحد فهيئة أعضائهما الباطنة كلها على مثال واحد لأن الأمر يجري في خلقة بدن كل واحد من الحيوانات على أن يكون البدن ملائما موافقا لحركات نفس ذلك الحيوان وبهذا السبب صار جميع الحيوان ساعة يولد يستعمل
أعضاءه كأنه قد تعلم ذلك والنمل والبق والبراغيث وغير ذلك من الحيوانات الصغار الأبدان لصغر أبدان هذه لا أعلم بتة أني التمست ولا رمت تشريحها فأما جميع الحيوانات التي تمشي منكبة على الأرض بمنزلة ابن العرس والفأرة وجميع الحيوانات اتي تمشي مشيا ملتويا بمنزلة الحيات وأجناس كثيرة من الطيور والسمك وسائر حيوانات البحر فقد شرحتها مرارا كثيرة ليستقر عندي وأصدق يقينا أن التدبير في خلقه هذه كلها تدبير واحد وأن البدن قد خلق في جميع الحيوان ملائما موافقا لأخلاق النفس وبمثل هذه المعرفة يمكنك إذا أنت رأيت حيوانا لم تكن رأيته قبل ذلك أن تتقدم فتعلم كيف هيئة أعضائه الباطنة وهذا أمر قد بينته أنا وأوضحته مرارا شتى ولم أستفد ذلك من موضع أخر ولا غيري يستفيده في وقت من الأوقات إلا من معرفتي يقينا بأن كل واحد من الحيوان فخلقة بدنه ملائمة موافقة لأخلاق نفسه وقواها وإذا كان الأمر على هذا فليس يعجب أن تكون تتقدم فتعلم الهيئة الباطنة من كل واحد من الحيوانات من نظرك إلى حيئته الظاهرة إذا كان ذلك بينا ظاهرا وخاصة إن أنت رأيت ذلك الحيوان يفعله 〈...〉 يمشي مستويا وإذا أنت سمعت صوت الحيوان أمكنك أن تتعرف من صوته بعض ما يحتاج إلى معرفته من الحال في آلات الصوت منه ليس هو مقدار عظم الصوت فقط لكن وسائر أنواع الصوت هذا وسأذكر هذا الباب ذكرا أكثر وضوحا أذا أنت صرت إلى تشريح آلات الصوت وأما هاهنا فإني انما أكثرت الكلام في اليدين والرجلين لأني كنت ذكرت في المقالات الأول من هذا الكتاب هيئتهما فلما رجوت أن 〈من〉 يكون قد تقدم فراض نفسه في معرفة اليدين والرجلين يفهم كلامي إذا أنا تمثلت بهما جميعا جعلتهما مثالا لكلامي هذا في مشابهة الحيوانات واستواء حالاتها
وذلك أمر يمكنك أن تتفقده وتعرفه من فعل الحيوان ومن صورته جملة بدنه وصورة كل واحد من أعضائه وإن الإصبع حيث كانت وإن هيئتها هيئة واحدة بعينها من طريق ما هي إصبع وكذلك أيضا الإصبع من جهة أنها إصبع حالها الحال التي تشار إليها تكون هيئتها هيئة الإصبع التي حالها تلك الحال وعلى هذا المثال يجري الأمر في الزند الأسفل والزند الأعلى وفي كل واحد من سائر الأعضاء الأخر فإن الزند الأسفل من طريق ما هو زند أسفل والزند الأعلى من طريق ما هو زند أعلى فهيئته أبدا هيئة واحدة بعينها وأما من طريق أنه زند أسفل حاله حال ما يشار إليه بها أو زند أعلى حاله حال ما يشار إليه بها فهو في الحيوانات المتشابهة تكون هيئته أيضا متشابهة وأما في الحيوانات التي غير متشابهة فتكون في القياس نظيرا فمن كان قد ارتاض رياضة منطقية وكان قد اجتمع له مع هذا أن طبعه جيد فقد يسهل عليه أن يستخرج بأهون سعي في كل واحد من الأشياء فالشيء الذي هو فيها واحد بعينه وأما الشيء الذي ليس بواحد بعينه فأما من كان طبعه لا يصلح لهذا وكان مع ذلك لم يرتض فعسى هذا أيضا إذا حضر حيوانات كثيرة تشرح دعاه كثرة ما يباطش من ذلك إلى أن يفهم ولو فهما ضعيفا أن الشيء الذي واحد بعينه ليس هو شيء وقع بالعرض ولا بالجزاف بل هو شيء موجود لكل من الأنواع بحسب طبيعته وجوهره والشيء الذي ليس هو واحد بعينه إنما يكون من أعراض ما تتبع كل واحد على حدة 〈...〉 التي سميتها جواهر لا تتجزأ فحيث ما رأيت يدا أو رجلا أو وصولا من أوصالهما بمنزلة ساعد أو عضد أو ساق أو فخذ جمع مع انبساطه وانقباضه أنه يتحرك إلى الجانبين فاعلم أن لذلك العضو باضطرار جنسين من العضل فالعضل الذي يبسطه غير العضل الذي يثنيه ويقبضه والعضل الذي يذهب به إلى الجانبين غيرهما جميعا ثم تثبت وانظر هل في ذلك الوصل من أوصال اليدين والرجلين عظم واحد بمنزلة ما في العضد أم عظمان بمنزلة في الساعد الزند الأسفل والزند الأعلى وإذا أنت وجدت في العضو عظما واحدا فاطلب العضل الذاهب على استقامة والذاهب على وراب وأما إذا كانا عظمين بمنزلة الزند الأسفل والزند الأعلى فاعلم من ساعتك أن أحدهما يكون له ابتساط العضو وانقباضه والآخر يدير العضو إلى الجانبين واعلم أن العضل المحرك لهاذين
العظمين بعضه موضوع وضعا موربا وهو العضل الذي يحرك حركات موربة وبعضه يجري على استقامة وهو العضل الذي يحرك حركات مستقيمة وهذا أمر عام شامل لأوصال اليدين والرجلين كلها التي حركاتها حركات واحدة بعينها فأما مقادير العضل وأشكالها ووضعها فهي في الأوصال المتشابهة في النوع من أوصال اليدين والرجلين متشابهة أيضا وفي الأوصال التي هي غير متشابهة في النوع غير متشابهة وأنت تجد هذا الذي وصفته لك على ما وصفت في الأصابع أنه وإن كان الحيوان الذي شرح حيوانا صغيرا بمنزلة الفأر فلا بد ضرورة من أن تكون في كل واحدة من أصابعه أوتار تقبضها وتبسطها بمنزلة ما في أصابع الإنسان وإن رأيت أن الأصابع مع انبساطها وانقباضها تتحرك إلى الجانبين فلا بد ضرورة من أن تكون لذلك الحيوان آلات موافقة تصلح لهذه الحركات بقياس ما للإنسان فيكون ذهاب كل واحدة من الأصابع إلى ناحية الإصبع الصغرى بأوتار وعضل موضوع على الوصل الذي يقوم مقام الساعد من الجانب الوحشي وهو الخارج وذهابها إلى ناحية الإصابع العظمى بعضل وأوتار موضوعة عليه في الجانب الأنسي وهو الداخل وتجد أن الإصبع العظمى والإصبع الصغرى تتباعد في مثال هذه الحيوانات عن سائر الأصابع الأخر كلها تباعدا كثيرا بعضل وضعه على مثال وضعهما في الإنسان فإذا علمت هذا فقد سهل الأمر عليك في تشريح أمثال هذه الحيوانات كما أنت لو كنت قد شرحتهما مرارا كثيرة قبل ذلك وإذا كنت بوجه من الوجوه ذاكرا لما قلت لك في المقالة الأولى من أمر اليد فالأمر عليك في معرفة هذه الأشياء التي قلتها لك هاهنا سهل هين واستخراجها والوقوف عليها في أبدان الحيوان يمكنك بأهون سعي.
٢. فأما ما أريد أن أقوله لك في هذه المقالة من أمر آلات الغذاء التي بسببها جئت بما جئت به إلى هذه الغاية فعساك أن تظن به في أول ما سمعته أنه أمر منكر لا يصدق بمثله ولكنك إن عنيت واهتممت بالبحث منك والتعب والتسمت أن تمتحن ذلك وتجربه في حيوانات كثيرة متساوية النوع وعير
متساوية لم تجده منكرا ولا مما لا يصدق به بل أنا أعلم أنك تجده أمرا عجيبا لأنه أمر يدل على أن آثار الحكمة التي بها خلق الحيوان كله آثار تدل على أنها حكمة واحدة وأنها إنما تقصد أبدا في هيئة الأعضاء إلى الموافقة للانتفاع وذاك أنه لما كانت المنفعة التي بسببها احتاج الحيوان إلى الغذاء منفعة واحدة تعم الحيوان ثلاثة ضروب من آلات الغذاء وذاك أن بعض آلات الغذاء جعل في الخلقة 〈بقصد〉 أولى لتقبل الغذاء وتهضمه ولتنفذه أيضا وييدرقه† إلى جميع البدن ومن آلات الغذاء آلات أخر جعلت في الخلقة بقصد ثان وهي الآلات التي تقبل فضل الغذاء ومنها آلات أخر ثوالث جعلت بقصد ثالث وهي التي يستعان بها في إخراج الفضل فالعضو الذي هو في كل حيوان مورد الغذاء ومحله يسمى بطنا ومعدة والغذاء يتغير في المعدة تغيرا يسيرا أوليا يتهيأ به للكبد أن تغير ما يصل إليها من الغذاء تغييرا عظيما جدا وبعد وصول الغذاء إلى الكبد وتغيره فيها تقبله العروق وتؤديه بعد أن قد انهضم أولا إلى البدن كله ولكيما يصل الغذاء من الكبد إلى جميع البدن نقيا ليس فيه فضل جعلت في الخلقة آلات تصلح لذلك وخلقت بقصد ثان لا بقصد أولي كالآلات التي ذكرتها قبل هذه الآلات بعضها ينقي ما في الغذاء من الجزء اللطيف الخفيف وبعضها ينقي ما فيه من الجزء الأرضي الثقيل وبعضها ينقي ما فيه من الجزء المتوسط بين هاذين كليهما وهو المائي الرقيق والأطباء يسمون تلك الآلات المنقية التي ذكرناها أولا مجاري يردها المرار ومثانة يردها المرار والمرارة وأما الآلات التي تنقي من الغذاء الجزء الثقيل الأرضي فهي الطحال والجزء الأسفل من العروق مما يلي المقعر من الكبد وأما الآلات التي تنقي الفضلة الثالثة فهي مجاري البول والكليتان والمثانة وكيما يكون خروج هذه الفضول بارادة
الحيوان جعل في الخلقة على أقاصي هذه الآلات التي تحوي هذه الفضول عضل بقصد ثالث من آلات الغذاء فلا بد الآن ضرورة من أن يكون في خلقة كل حيوان هذه الثلاثة الأجناس 〈من〉 الآلات ليتم بها تدبير الغذاء وهذا أمر عام شامل واحد بعينه في جميع الحيوان والأمعاء والمعدة والعروق والكبد من الآلات التي خلقت للغذاء بقصد أولى والمجاري التي ينصب إليها المرار والمثانة الموضوعة على الكبد وهي المرارة ومع ذلك الطحال والكليتان من الآلات التي جعلت بقصد ثان لتمييز الفضول وتنقيتها فأما العضل الذي يعين على إخراج الفضول وحبسها في الوقت الذي لا ينبغي أن تخرج فيه فهي من الآلات التي جعلت بقصد ثالث.
٣. ولكن لما كان بعض الحيوان يغتذي بغذاء قوي وبعضه يغتذي بغذاء ضعيف لما نظر في ذلك في أصل الخلقة جعلت الآلات التي يردها الغذاء مختلفة في أنواع الحيوان اختلافا جزئيا ولهذا متى رأيت في وقت من الأوقات حيوانا قد جلب من الهند أو من بلاد ليبواي أو من بلاد الصقالبة لم تكن رأيته قبل ذلك ووجدته يعتلف علفا خشنا من عشب الصحراء أو دغل البساتين فاعلم أن هذا الحيوان ساعة قد خلق له آلة يردها غذاؤه عظيمة خشنة فإن كان الحيوان ليس له أسنان عليا فاعلم أنه لا بد ضرورة من أن يكون لهذا الحيوان آلات شتى يردها غذاؤه فيكون ساعة يزدرد الغذاء تورده الآلة الأولى يصعده منها ويمضغه ويزدرد فيورده الآلة الثانية ثم ينقله من هذه الآلة إلى آلة أخرى ومن هذه أيضا إلى أخرى فإذا أنت تقدمت
فتعلمت وعرفت آثار الحكمة في الجهة من أفعالها التي رأيتها عيانا فاعلم أن الحكمة في جميع الأشياء الأخر هي تلك الحكمة بعينها وعلى هذا النحو نقضي في صناعات الناس وحذقهم بها لأنا لا ننتظر أن ننظر إلى جميع ما عمله فيدياس أو بولو قليطوس من التماثيل والأصنام لكيما نعرف ما لم نره منها ثم رأيناه فمن كان إذا قد جرب الأمور واحتنك في معرفة ما عليه يجري الأمر في أفعال الخلقة إذا رأى أشياء خرص وحدس منها على الأشياء التي لم يرها من ذلك أنا بأجمعنا معشر من قد استكثر امتحان ما عليه مجرى أفعال الخلقة بالتجارب نعلم أن الآلات التي تطحن الغذاء قد جعلت حالاتها في مقاديرها وصورها على أصلح الوجوه الموافقة للغذاء الذي يريد كل واحد من الحيوان أن يتناوله من ذلك ما أقوله لك أنا أن كل حيوان نرى أن ليس له أسنان عليا فاعلم أن لهذا الحيوان آلات كثيرة يردها غذاؤه معدا سميتها أم بطونا أم غير ذلك وإنه لا محالة يجتر كما أن الحيوان الذي له صف أسنان عليا لا يجتر ولا له آلات كثيرة يردها غذاؤه لكن آلة واحدة مهيأة كهيئة آلة الحيوان الذي يأكل اللحم وقد عرض في أكثر الأمر للحيوانات ذوات القرون أن لا تكون لها أسنان وذلك لأن الفضل الأرضي فيها ينصرف ويفنى في رؤوسها في تولد القرون ولكن ليس لأن لها قرونا صارت لها آلات كثيرة يردها الغذاء أو صارت تجتر لكن لأن غذاءها عشب ودغل لذلك لم تحتج إلى أسنان عليا واحتاجت إلى هذا الذي ذكرناه من ذلك أن الجمل ليس له قرنان إلا أنه يجتر وله مع هذا آلات كثيرة
يردها غذاؤه بسبب أنه يغتذي بالعشب والدغل ولذلك صارت الطبقة المجللة لداخل فمه خشنة وكذلك الطبقة الداخلة من كل واحدة من الآلات التي يردها غذاؤه لو كان الكلام مطابقا لما قصدنا له في هذا الكتاب لكنت سأذكر لك أشياء كثيرة من آثار الحكمة في الخلقة تدل على مبلغها في جميع الحيوان ولكن حسبي أن أبين من ذلك بمقدار ما اضطرني إليه حاجة هذا الكلام إلى ذلك فأما آلات الغذاء ففي أي حيوان تشاء أن تتفقدها فيه فأنت تجدها مهيأة على ما وصفت من أمرها في المقالة الرابعة والخامسة من كتاب منافع الأعضاء مثال ذلك أنك ترى على المكان جميع العروق التي في المعدة والأمعاء والطحال تجتمع وترتقي إلى باب الكبد وترتقي معها العروق التي في الثرب فإن الثرب أيضا واحد من آلات الغذاء لأنه جعل للأعضاء التي خلقت بالقصد الأولي لاستمراء الغذاء وهضمه بمنزلة جلال طبيعي يسخنها ودع عنك في هذا الكلام الحاضر النظر في اختلاف الأمعاء والآلات التي يردها الغذاء فأما جميع ما أريد أن أقول لك فإنك تجد في جميع الحيوانات التي أمرتك أن تروض نفسك بها في علاج التشريح وأول جميع حيوان ينبغي لك أن تطلب ذلك فيه وأكثره القرود ومن القرود ما كان منها خاصة يشبه الناس على ما وصفت والثاني بعد القرود ينبغي لك أن تشرح الحيوانات ذوات التراقي واجعل هذه الحيوانات كلها جنسا واحدا وسمها حيوانات شبيهة بالقرود ثم شرح من بعد هذه الدباب وبعدها الحيوانات المداخلة الأسنان ثم الخنازيز ثم الحيوانات ذوات الأعراف والحوافر واجعل الجنس السادس بعد هذه كلها جنس الحيوانات التي تجتر فإني أحسب أن القدماء إنما أشاروا وأومأوا إلى
هذه الأجناس من الحيوان عند ما يأمرون به في كل وقت من الامتحان والتجارب لما وصفوا في كتبهم من أمر التشريح في هذه الحيوانات التي طبائعها ليست ببعيدة عن طبيعة الناس بعدا كثيرا وأما في آلات الغذاء فليس في هذه الحيوانات وحدها يوجد كل ما وصفنا في كتاب منافع الأعضاء لكن في حيوانات أخر كثيرة أكثر بعدا من هذه عن طبيعة الناس بمنزلة الحيوانات التي تدب والحيوانات التي تلتوي والحيوانات التي تسبح وقبل هذه الحيوانات الأفيلة والجمال والتماسيخ وحيوانات أخر كثيرة شبيهة بهذه فإن هذه كلها يوجد فيها جميع ما وصفناه في ذلك الكتاب من آلات الغذاء فأي حيوان منها حضرك وأردت أن تشرحه فابتدئ بتشريحه على ضربين مرة ابتدئ من العضل الذي على البطن وإن كان من الجنس الثالث من أجناس آلات الغذاء ومرة ابتدئ من تلك الأعضاء الأول أنفسها أما من الأعضاء الأول فلأن لها سابقة في الشرف والكرامة وأما الابتداء من العضل الخارج فينبغي أن يستعمل لأن هذا العضل أسبق وأقدم في المرتبة.
٤. وأما أنا فإني وصفت هاهنا الأشياء التي هي فيما يوجد له نفس الترتيب والهيئة فإنه أول وإذا أنت قطعت من الغضروف الشبية بالسيف حتى تبلغ إلى عظام العانة جميع العضل الذي على البطن لقيك جسم رقيق على مثال نسيج العنكبوت العريض يقال له الصفاق وهو غشاء جوهره رقيق وهو واحد من الأعضاء الشبكية المفردة الأول التي قد جرت العادة بتسميتها الأعضاء المتشابهة الأجزاء ويقال له باليونانية باريطوناون وتفسيره
الممدودة باستدارة وإنما سمي بهذا الاسم من قبل أنه ممتد حول الأحشاء كلها والأمعاء كلها وحول الأعضاء التي فيما بين الحجاب والرجل وكذلك هو أيضا ممدود حول الأعضاء التي فيما بين هذه كلها منها الأرحام والمثانة فافهم أن الحيوان الذي تريد أن تشرحه ملقى على قفاه وافهم أن الأعضاء المتسفلة المنخفضة من هذا الحيوان أما في العمق فما كان مما يلي عظم الصلب وأما في الطول فما كان مما يلي عظم العجز حتى يبلغ إلى الورك وإلى عظم العانة ثم افهم عني أن الأعضاء العليا هي ما كان على خلاف هذه أما في العمق فما هو منها مما يلي السرة والجلد اللازم لها وأما في الطول منها فما يلي دون الشراسيف وأما عن جانبيها فما هو بين ذلك الذي ذكرنا فحول هذه كلها تجد غشاء رقيقا جدا ممدودا لا يمكن أن تكشطه بسهولة دون أن ينفزر ويتفسخ وخاصة في موضع الحجاب والعضلتين اللازمتين له من عضل البطن من الجانبين واحدة عن اليمين والأخرى عن الشمال فإن في هذا الموضع لهاتين فيه وترا رقيقا يحدث عن تغييرهما إلى العضب في ذلك الموضع نجد الغشاء المعروف بلصفاق متصلا بهما اتصال اتحاد بضرب من الاتحاد يعسر تخليصه حتى أن خياطة البطن التي يظن المعالجون أنهم إنما يفعلونها في الصفاق 〈...〉 مع هذا الوتر الذي ذكرته وإن امكنك أن تخلص الصفاق من جميع ما يتصل به من الأجسام اتصال مماسة رأيته شبيها بكرة له في بعض أجزائها زوائد رقيقة وفي بعضها ثقب فقط وليكن ابتداؤك في تخليص الصفاق من تلك الأجسام بعد أن تستخرج أولا الموضع الذي فيه الصفاق وحده لا يتحد لواحدة من العضل الموضع عليه وهذا الموضع موضع واحد وهو أسفل من السرة بقليل حيث يفارق أولا العضل الموضوع بالعرض ويبقى وحده فكما أنك في هذه المواضع تقدر أن تخلص الفصاق وحده وتجرده من جميع
الأجسام التي حوله كذلك يشق ويسعر عليك تخليصه عندما ترتقي فيلقاك العضل الموضوع عرضا وأنت تعرف أيضا جوهره معرفة بينة إذا أنت رأيت في المواضع التي هو فيها وحده بالحقيقة وتعلم أيضا أن القوم الذين يخيطون الصفاق في خياطة البطن مع الأوتار ويظنون أن الذي يخيطونه إنما هو صفاق وحده قد أساؤوا وأخطأوا في التمييز وذلك أن الصفاق ترى في صعوده رؤية بينة أنه إذا قارب موضع السرة اتحد بوتر رقيق للعضلتين المعترضتين اللتين قلت إنه لا يتخلص منهما بسهولة دون أن ينفزر ويتفسخ منه شيء فإذا كان الحيوان عظيم الجثة أمكنك أن تصل إلى غرضك وتخلص الصفاق بلا فزر ولا فسخ حتى تبلغ إلى ضلوع الخلف وفي هذا الموضع إذا انقضى العضلتان المعترضتان اعقبت الصفاق عضلة أخرى وهي الحجاب فإن الحجاب أيضا هو عضلة حقيقة شكلها مدور ووسطها عصباني وكل ما منه حول الوسط فهو لحمي إلى منابته الأولى التي بينا ذكرها بكلام كثير في الموضع الذي أفرده لذكره خاصة وأما الشيء الذي يحتاج إليه في هذا الكلام بمشاركة الصفاق للحجاب فقد فرغنا من ذكره فإن عند منتهى العضلتين المعترضتين وانقضائهما ينبسط الصفاق تحت الأجزاء اللحمية من الحجاب فينبغي لك أن تكشط منه على ذلك الوجه بعينه كما كشطته من تلك العضلات الأخر غير أنك في تلك العضلات صعدت في طول الحيوان إلى ناحية الصدر وأما ساعة فينبغي لك أن تنزل إلى العمق حتى تبلغ إلى عظم الصلب فإن الحجاب إنما هو متحد به هناك وليس مشاركة الصفاق للأجزاء اللحمية من الحجاب بسعرة التخليص كمثل مشاركته للأجزاء العصبانية منه لكنها تتخلص منها إن كان المخلص لها يعمل عمله يجعل معه التعب حتى
يبلغ إلى العرق الأجوف حيث حدبة الكبد موضوعة تتصل وتتحد بالحجاب ولا فرق في هذا الموضع بين قولي حجاب وقولي حاجز وعن الجانب الأيسر من هذا الاتصال تجد للصفاق التحاما آخر أسفل من ذاك أعني التحامه مع ابتداء المعدة الذي يقال له فم المعدة عندما ينتهي وينقضي المريء في الحجاب نفسه وفي هذا الموضع تجد الصفاق يمتد أما أولا فعلى فم المعدة ومن بعد ذلك متصلا على تجويفها كله ويصير أغلظ مما كان ولهذا ليس بسعر عليك أن تكشطه عن المعدة وبقدر ما يزداد في هذا الموضع غلظا على ما كان كذلك يصير عند امتداده على الكبد أرق مما كان ويغطي أجزاءها كلها بمنزلة لباس خاص بها ولذلك صار بعض الناس يسمي الصفاق لباسا صفاقيا لأنه جلال للمعدة والكبد والطحال والكليتين والأمعاء والمثانة والرحم وذلك أنهم يرون أنه لا فرق بين أن يقال إنه جلال أو لباس ودع عنك الكبد في هذا الوقت واتبع الصفاق حيث يلتف على المعدة حتى تبلغ في الكشط إلى الموضع الذي هو منه أشد تحدبا فإنك إذا بلغت هذا الموضع رأيت هناك عرقا عظيما راكبا على طول المعدة كله ركوبا متعلقا في الموضع الذي منها أشد تحدبا وترى أيضا أن من هذا العرق تنبت وتتصل بالمعدة عروق دقاق كثيرة جدا مضام بعضها لبعض في صف واحد وعلى خط واحد وهو على ما وصفت أشد موضع في المعدة تحدبا فإذا امتد الصفاق عليها وبلغ إلى العروق التي تتصل وتلتحم بها على انتصاب انضم إلى العروق وتبعها وصعد حتى يبلغ إلى العرق العظيم الذي ينشعب منه فيصير الصفاق لتلك العروق جلالا 〈و〉واقية وعمادا وذلك أنه في هذا الموضع مضاعف لأنه إذا استدار على
المعدة كما يدور وجللها كلها عرض له إذا هو استدار بهذه عند ممره إلى مقدمها مما يلي أسفل صعد أيضا من هاهنا إلى الموضع الذي هو منها أشد تحدبا أن يلقى في هذا الموضع تلك العروق التي كان يلقاها عند انحداره من فوق بعينها فحواها وأدعمها على ذلك المثال بعينه وارتقى حتى يبلغ إلى ذلك العرق العظيم فتصير عروق المعدة على هذا القياس في الوسط فيما بين جزءي الصفاق وعلى هذا المثال يصير في وسط وعلى المثال يصير في وسط هاذين الجزءين العرق العظيم الطافي على المعدة الموضوع معه شريان ينقسم معه كما ينقسم هو.
٥. وكما أنه تغوص في جرم المعدة شعب صغار من هذه العروق الكبار كذلك يخرج من تلك العروق الكبار شعب أخر صغار تأخذ نحو السرة وتنحدر متعلقة طافية يحويها جزا الحفاق وهذه الجسم المركب من جزءي الصفاق اللذين هما بمنزلة طبقتين أو صفيحتين مطبقة إحديهما على الأخرى وفي وسطهما هذه العروق والشريانات التي ذكرناها تحتويان عليها لا يزال يمر في بعض الحيوانات حتى يجوز السرة إلى أسفل ليس بكثير وفي بعضها حتى يبلغ إلى عظم العانة وكثير من عظماء اليونانيين يسمي هذا الجسم ابيفلون وابيفلوس وهو الثرب والثرب في الناس وفي القرود أعظم منه في جميع الحيوانات الأخر ولذلك صارت قيلة الثرب وهو الفتق يعرض لكثير من الناس عرضا متواترا وإنما تسمى القيلة قيلة الثرب عندما يقع الثرب في المنفذ الذاهب إلى الأنثيين الذي سأذكره بعد قليل وهذه العلة علة لا تعرض لشيء من الحيوانات الأخر خلا القرود وإنما سمي هذا الجسم وهو الثرب باليونانية ابيفلوس وتفسيره الطافي والسابح لأنه كان يطفو ويسبح على
الأمعاء من غير أن يلتزق بشيء منها خلا أنه يضام في الجانب الأيمن المعاء المسمى قولون برباطات ليست بكثيرة فقد وصفنا لك كيف يكون الجزء الأعلى من الثرب فلنصف الآن الحال في سائر أجزاء الثرب فأقول إذا أنت نظرت حسنا إلى العروق المنحدرة من حدبة المعدة إلى أسفل التي يحتوي عليها الصفاق المطوي بطاقين فليس ينبغي لك أن تكف عن النظر إليه لكن تتبع ذلك العرق الذي على حدبتها من الجانبين فإنه يؤديك من الجانب الأيمن من بدن الحيوان إلى منبت المعاء الدقيق من المعدة ويؤديك من الجانب الآخر إلى الموضع المقعر من الطحال وهذا العضو أعني الطحال الموضوع في الجانب الأيسر من البدن والجزء المحدب منه يستقبل أطراف ضلوع الخلف وكلما يتصل بها في الجانب الأيسر والجزء المسطوح أو المقعر يستقبل الجانب الأيمن موضوعا بحذاء الكبد وما يليه من الأعضاء فالعرق الذي يمتد من حدبة المعدة إلى ناحية الجانب المقعر أو المسطوح من الطحال يتصل ويلتحم بالطحال على ذلك المثال الذي به يتصل ويلتحم بالمعدة طافيا معلقا ويدعمه ويشده الصفاق المطوي بطاقين وتتفرق منه شعب كالشعب التي تتفرق على المعدة كثيرة العدد صغار المقادير بعضها يذهب الي الطحال وبعضها إلى الثرب ومع هذا أيضا فإن هذا العرق لا يفنى في الطحال وكل شيء يفضل منه مع بقية الشريان الذي هو قرينه وأخوه يذهب إلى أسفل مارا بالخاصرة اليسرى ويصير مبدأ لتولد الثرب وكونه في هذا الموضع ويمر الثرب مع العرق والشريان إذا هو تولد حتى ينقسمان كلاهما ويفنيان بمنزلة ما ينقسم ويفنى الغصن الكبير من الشجرة عندما
تفرع إلى أغصان وقصبان صغار وورق وعلى هذا المثال فإن الجزء الذي من الثرب في الخاصرة اليسرى مع العروق والشريانات التي في ذلك الجانب وهي عروق وشريانات مواصلة للعروق والشريانات التي على حدبة المعدة ولهذا إذا أنت نظرت في هذا الكتاب واستدللت بتلك أيضا نظرت إلى كون الثرب وتولده نظرا شافيا وهذه الأجزاء التي في الخاصرتين موضوعة فيما بين جزئه الأعلى الذي قلت إنه يتولد من حدبه المعدة وبين جزئه الأسفل الذي لم أذكره بعد وهذان الجزآن منه كلاهما موصولان بالجزء الذي منه في الخاصرة وليس الفرق بين هاذين الجزءين واختلافهما في هذا وحده أعني في أن جزءا واحدا موضوع على المعدة وجزءا آخر تحت المعدة لكنهما يفترقان ويختلفان اختلافا آخر ليس بصغير في مقادير العروق والشريانات التي في كل واحد منهما وذاك أن جزء الثرب الذي تحت المعدة فيه عروق قليلة العدد صغار المقادير ومنشأ هذا الجزء من الجانب المسطوح من المعدة ومن هذا الجانب يأخذ هذا الجزء عروقا وذاك أنه ينحدر معه إلى أسفل بقية من العروق التي تنقسم وتنبث هاهنا في المعدة وجميع هذه الأجزاء متصلة لازمة بعضها لبعض ويصير منها جسم واحد هو الثرب شكله من أشبه شيء بشكل كيس أو جراب أو جوالق فمه عند منشئه من المعدة من فوق ومن أسفل وتجويفه كله هو ما يمتد من الأصلين اللذين ذكرناهما إلى أسفل وأنت تعلم أن هذا على ما وصفت لك علما يقينا إن أنت قطعت الثرب من موضع منشئه من غير أن تخرقه أو تثقبه في موضع آخر ثم ملأته جوهرا رطبا أو جواهر صلبا فإنك إذا فعلت ذلك به وجدته يمتلئ منه كله وهو باق في حاله في اتصال أجزائه واتحادها بمنزلة جراب وقد يمكنك أن تخرجه عن بدن الحيوان جملة بأهون سعي وذاك أنه من بعد أن يخلص ويفصل كله من منشئه الأول لن يبقى متشبثا إلا باتصالات يسيرة يلتحم بها مع الطحال
ومع المعاء المسمى قولون وقد يتصل ويلتحم بالندرة بأطراف الكبد غير أنه يلتحم في وقت دون وقت بطرف دون طرف ويلتحم أيضا بواحد من ضلوع الخلف وليس التحامه أبدا بواحد منها معلوما بل يقع له ذلك جزافا وهو أكثر الأمر منحل متبرئ من الأعضاء الأخر خلا هذه الثلاثة أعني المعدة والطحال والمعاء المسمى قولون فإنه لازم لهذه موصول بها دائما فأنت تعرف الحال في الثرب كيف هو في نفسه وكيف تولده وكونه إذا أنت شرحت على هذه الصفة التي وصفتها لك فإذا كشطت عن جميع الأعضاء الأخر فالتمس أن تكشط الصفاق واجعل ومبدأك أيضا في جميع الأعضاء المعدة إلى الموضع الذي يعرف بالبواب ومبدأ الأمعاء ومن طرفه الأسفل حيث قلت إنه هناك وحده خلو من وتر عضلتي البطن المعترضتين يمر إلى عظم العانة فإنك تراه من هذا الموضع يمتد على المثانة والأحرام وإن أنت صعدت إلى فوق بأجزائه السفلانية التي في العمق وجدته ينبسط على جميع الأعضاء التي فوق البطن وبعض هذه الأعضاء هما الكليتان وإلى هذه يبلغ وإن أنت انحدرت أيضا من فوق إلى أسفل فإن الأمر على ما وصفت قبل من أن الصفاق شيء واحد متصل مندمج قطعة واحدة وهو في الجزء المقدم من البطن ممتد على جميع آلات الغذاء ومن خلف مفروش على عظم الصلب تحتها وينبسط أيضا حولها وليس الصفاق بمستوي الغلظ والثخن في جميع ما هو ممدود عليه كما وصفت لكنه في موضع أغلظ وفي موضع أرق وذاك أنه على الكبد رقيق جدا كما وصفت قبل وكذلك على الطحال وهو على الكليتين أقل رقة وأما على المعدة والمثانة والأمعاء والأرحام فهو أشد غلظا وأثخن من من طبعه وبهذا السبب قد خدع قوم حتى ظنوا أنه جزء من هذه الأعضاء خاص لها وأحسب أن
كونه كذلك على هذه الأعضاء التي إذا امتلأت في بعض الأوقات † تضررت† وانتفخت صواب إذ كان الأجود أن يمتد مع هذه الأعضاء وذلك أمر لو أنه كان رقيقا لم يحتمله وأنت تعلم أن هذه كله مجللة مغطاة بالصفاق إذا أنت كشطته بالوجه الذي وصفته لك من التشريح وتعلم أيضا كيف تكون منه جداول العروق حول الأمعاء إذا أنت كشطت أولا ما حول البواب ومنشأ الأمعاء ثم تبعت المعاء الصائم وجميع المعاء الدقيق ثم وصلت ذلك المعاء الغليظ فإن الصفاق يحتوي على هذه أيضا كما يدور ولأن للمعاء لفات واستدارات كثيرة وجب ضرورة أن يكون جزء من اللفة والاستدارة الواحدة محدبا وجزء مقعرا فالجزاء المقعر من كل لفة واستدارة تتصل وتلتحم به العروق التي تأتي كل واحد من الأمعاء من الجدول وأما الجزء المحدب من الأمعاء فليس يتصل ويلتحم به عرق ولا له اتصال والتحام آخر لا مع عضو آخر ولا بعض من بعض وإذ كان الأمر على هذا فبالحق الواجب صارت جميع الأعضاء في هذه المواضع يكشط ويسلخ عنها الصفاق بأهون سعي وفي المواضع المقعرة من لفات الأمعاء واستدارتها لا بد ضرورة من أن تكون العروق إلى أن تنقطع أقرب منها إلى أن تكشط وبهذا السبب صارت الحيوانات التي دمها دم في طبعه رطب والموضع والوقت الذي يشرح فيه حار الهواء وإن الحيوان الذي يشرح لم يمت قبل الوقت الذي يشرح فيه بوقت كثير ومات من غير أن يذبح تجد الدم يسيل ويجري من عروقها التي تنقطع وأما إن الحيوان قد مات بعد وقت كثير أو كان قد ذبح أو كان دمه دما غليظا بمنزلة الكلب والأسد وكان الهواء في ذلك الموضع وفي ذلك الوقت باردا فليس يسيل من العروق دم.
٦. ولا بد لك ضرورة إذا أنت عملت التشريح على هذا الوجه الذي وصفته لك من أن تخرج الأمعاء كلها وتدع في جوف الحيوان جداول العروق
الدائرة حول الأمعاء وهذا الجدول يسمى باليونانية باسمين أحدهما مسنطيريون والآخر مساريون وإنما سمي بهاذين الاسمين من أشياء عرضت له فسمي مسنطيريون وتفسيره المتوسط للأمعاء من وضعه وسمي مساريون وتفسيره الوسط المتخلخل من نفس جوهره وهيئته التي هو عليها وذلك أنه موضوع في الوسط فيما بين الأمعاء ويحتوي على جميع العروق التي تجيء من الكبد إلى الأمعاء مع الشريانات والأعصاب القريبة منها كما يحتوي على كل واحد من الأمعاء والموضع منه الذي يحتوي على العروق وعلى الأمعاء هو غشاء بسيط [أي طاق واحد] والموضع الذي منه في الوسط فيما بين عرقين أو معائين وليس منفعته حينئذ منفعة جلال أو لباس لكن منفعة رباط فهو مطوي بطاقين وأنت تقدر أن تعرف ذلك وتبينه من أمر التشريح ساعة تقطع ما يعلو البطن الأسفل وذلك بأن تقصد إلى لفة واستدارة واحدة من لفات الأمعاء واستداراتها أيها كانت فتقطع منها بسكين حادة أشد موضع فيها تحدبا قطعا معتدلا يبين من خارج غشاء قلت إنه ينبغي أن يسمى أو جلالا أم طبقة ولا تعمل في جرم المعاء شيئا حتى يسلم المعاء من أن ينثقب أو ينخرق ثم التمس بعد ذلك أن تكشط هذا الغشاء من حاشيتي القطع حتى
تبلغ بالكشط إلى أشد موضع في الاستدارة واللغة تقعرا وضع ذهنك هناك فيما يظهر لك فإنك ترى الحاشيتين إذا كشطتا حتى يلتقي الكشط لم تنته واحدة منهما عند ملتقى الكشط بل تبقى الواحدة منهما راكبة للأخرى ويصير منهما جسم آخر مطوي أو متطبق وفيما بين الطاقين كل واحد من العروق التي تنحدر إلى تلك الاستدارة واللغة وقد قلت أيضا إن مع العرق هناك شريانا صغيرا قريب الموضع منه وعصبة صغيرة جدا فكما أن كل واحد من الأمعاء مجلل بالصفاق والصفاق يحتوي عليه كما يدور كذلك الشيء المركب من هذه الثلاثة الأعضاء أعني من الشريان والعرق والعصبة فهو محوي من الصفاق كأنه جسم واحد وفي كل واحدة من استدارات الأمعاء أزواج كثيرة من العروق والشريانات والأعصاب وفيما بين هذه مواضع كثيرة فيها الصفاق مطوي بطاقين والمساريون وهو الجدول هو الشيء الملتئم من جماعة ذلك وجوهره شبيه بجوهر الثرب فإن ذاك ايضا في الموضع التي فيها عروق وشريان كأنه جرم واحد مكتس كما يدور والمواضع التي فيما بين هذه ليس هناك شيء سوى الصفاق مطوي بطاقين وليس تتبين للناظر مشابهة الثرب للصفاق وإن استقصيت القول لم أقل مشابهة بل مساواة لكثرة الشحم الذي على الثرب كله في المواضع التي فيما بين العروق والشريانات وإن كان الحيوان سمينا كبيرا عرض له أن يتزيد الشحم حتى تعلو [ان] في بعض الأوقات على العروق والشريانات وفي مثل هذا الحيوان ترى شحما كثيرا في
الثرب وفي أجزاء أخر كثيرة من الصفاق سيما حيث ليس عروق وشريانات كثيرة وحيث الأحشاء متباعدة وذلك لما قد نراه من أن الشحم يفنى ويتبدد من الحرارة ويبقى ويسلم بالبرودة وبهذا السبب صار يكون دائما حول الأجرام العصبانية ويكثر في أبدان ذوي العطلة والبطاقة فقد وصفت لك الحال في طبيعة الصفاق وما يتولد منه فأما العروق والشريانات التي في الجدول التي قلت إنها تتصل وتلتحم بالمواضع المقعرة من استدارات الأمعاء ولفاتها بمنزلة أصول الشجرة بالأرض فإنها يجتمع ويلتئم بعض إلى بعض كما تجتمع وتلتئم أصول الشجرة بعضها إلى بعض حتى ينتهي كل واحد من الجنسين إلى رأس وأصل واحد وهو العروق فأنت تقف عليها بأهون سعي وتراها تنتهي إلى رأس وأصل واحد وهو العرق الذي يقال له باب الكبد وأما الشريانات فليس تقف عليها بمثل هذه السهولة لأن الدم فيها أقل منه في العروق وجرمها أثخن من جرم العروق ويلقاها ويماسها ابتداء جرم ليس فيه دم وهو الجرم الذي يحمل الجدول مع الأمعاء ويقال له معلاق الجدول وطبيعته من طبيعة الرباط وهذا الجرم يمتد ويصعد والشريانات بالقرب منه حتى ينتهي من الصلب إلى الجزء الذي فيما بين الكليتين والحجاب وإلى هذه الموضع ينتهي أصل الشريانات التي في الجدول وهذا الأصل مرة ينقسم على المكان بقسمين ومرة يوجد من أول أمره أصلين وسأصف ذلك بصفة أشد استقصاء من هذا في الموضع الذي أذكر فيه تشريح العروق والشريانات.
٧. وأما أنت فينبغي لك إذا قلعت الأمعاء كلها أن تتفرس وتتثبت في طبيعة المعدة والطحال والكليتين والمثانة والأحرام في أبدان الإناث ويمكنك أيضا أن تتفقد نفس طبيعة الأمعاء وجوهرها حتى تنظر كيف هي بأن تأخذ بيدك واحدا واحدا منها وأكثر ما يمكنك التثبت فيها وحدها بعد
إخراجك إياها من البدن فإنك حينئذ تقدر أن تستقبل بها الضوء على ما تريد وتقلبها تقليبا مختلفا وتستشفها وتنقلها من شكل إلى شكل حتى تتعرف جميع أجزائه تعرفا صحيحا وأحسب أن الأجود أن تكون ما دامت الأمعاء في مواضعها تتفقد أمر اللحم الرخو الذي في الجدول فإنك ترى روية بينة أن عروقا تصعد من الأمعاء وتاتي هذا اللحم ويمكنك أيضا أن ترى هذا اللحم بعد إخراجك الأمعاء وترى معه العروق والشريانات الخاصة به وأنا ذاكر أمر هذا اللحم وطبيعته في الموضع الذي أذكر فيه تشريح اللحم الرخو فجميع ما قلته لك في كتاب منافع الأعضاء أنت تجده هاهنا حقا يقينا أعني الحال في المعدة والأمعاء وفي سائر الآلات كلها التي أعده الخالق لما يحتاج إليه من تدبير الغذاء وذاك أنك تجد المعدة مركبة من غشائين وكذلك كل واحد من الأمعاء والذي يسمى غشائين هو الطبقتان اللتان منهما ركبا وليس هذا على حقيقة التسمية لأن اسم الغشاء إنما يدل على جنة ما ولباس وتجد للمثانة طبقة واحدة وكذلك للأحرام فإن الطبقة الثانية التي يزعمون قوم أنها موضوعة في الأحرام والطبقة التي يظنون أنها للأمعاء والمعدة إنما هي جزء من الصفاق يمتد على كل واحد من هذه الأعضاء على ما وصفت فتصير طبقة للعضو حقا وأما المعدة فإنما هي مركبة من جسمين رقيقين عريضين مطبق أحدهما على الآخر بمنزلة قشر على قشر والجزء الداخل منها ليفه ممدود بالطول والخارج ليفه مستدير والصفاق ليس له ليف لا مطاول ولا مستدير وكذلك سائر الأغشية الأخر لا ليف لها لأن كل غشاء فهو جسم بسيط مفرد بالحقيقة بمنزلة غزل عنكبوت لم ينسج بعد وأما الأمعاء فجل ما فيها من الليف مستدير وقل ما فيها من الليف الممدود على هذا بالطول.
٨. وهذه أمور موجودة في جميع الحيوانات ذوات الدم لا في الستة الأجناس التي ذكرناها فقط وكلها أيضا لها كبد وكل حيوان له كبد فله طحال لا محالة ومجار ينصب اليها المرار ولكن ليس في الجميع من بعد هذه المجاري مثانة تجتمع فيها المرة الصفراء وتسمى مرارة وهذا وإن كان على ما وصفت الآن الذي وضعوا الكتب في الحيوانات واقتصوا فيها حالاتها لم يصدقوا فيما حكوا عن جميع الحيوانات التي زعموا أنه لا مرارة لها ومثال ذلك ما حكاه منسيثاوس عن الفيل فإن الفيل له أيضا مرارة موضوعة على كبده مقدارها بقياس مقدار كبده في العظم وموضع المرارة من كل حيوان له مرارة موضع واحد أبدا أعني أنها تكون موضوعة على الطرف الأعظم من أطراف الكبد وليس عدد أطراف الكبد بمستو في كل حيوان لا في الجنس ولا في النوع وكذلك مقدار عظمها ليس بمتساو ولا مقدار عظم الكبد أيضا وذلك لأن الكبد في كل حيوان نهم رغيب ذي رعب وفزع تكون أعظم وأكثر تقسما وكل حيوان خلاف ذلك فكبده أصغر وأقل تقسما وما كان من الحيوان كبده أعظم من كبد الإنسان وأطراف كبده أكثر عددا من أطراف كبد الإنسان وأعظم مقادير منها والكبد أيضا في الناس ليس على حال واحدة في جميعهم لا في مقدار عظمها ولا في عدد أطرافها ومما يدلك على ذلك أن ايروفيلس لما استقصى صفتها في كتابه قال فيها هذا القول إن الكبد في الناس حسنة المقدار في العظم وأعظم من كبود الحيوان الأخر المساوية للإنسان في عظم البدن والموضع الذي يلقى منها الحجاب هو متحدب مستو والموضع الذي يلقى منها حدبة المعدة هو مقعر غير مستو وهذا الموضع منها شبيه بالفسخ وبه يلتحم في الجنين العرق الذي يصير إلى الكبد من السرة ليس الكبد بمتشابهة في جميع الحيوانات بل مختلفة في العرض والطول والثخن والسمك وفي عدد الأطراف وفي اختلاف المقدم حيث هي أغلظ
وأثخن وفي رقة حاشيتها كما يدور وذاك أنها في بعض الحيوانات لا أطراف لها لكنها كلها مدورة غير منقسمة وفي بعضه لها طرفان وفي بعض أكثر من طرفين وفي كثيرة من الحيوانات لها أربعة أطراف فهذا قول ايروفلوس وهو قول صواب وقد قال أيضا في هذا الكتاب بعينه وهو كتابه في تشريح في المقالة الثانية منه بعينها مع هذا القول قولا آخر حقا وهو أن الكبد تأخذ من الجانب الأيسر في أبدان الناس شيئا يسيرا وتأخذ في أبدان الحيوانات الأخر من هذا الجانب شيئا ليس بيسير وتمثل في قوله بالأرنب وتركنا نحن أن نفتش عن الحيوانات الأخر وأنا ذاكر هذه الحيوانات إذا مر من هذا الكتاب شيء صالح فأما في هذا الموضع فإني أفسر لك ما تنتفع به في كتاب منافع الأعضاء والذي تنتفع به كلامي هذا في ذلك الكتاب هو الشيء الذي منه تستفيد معرفة الأشياء التي تعم وتشمل جميع الحيوانات ذوات الدم التي تمشي وسوف يضطرني الأمر على طريقي وأن أذكر ما فيها من أمر الكبد فإن الكبد في جميع الحيوانات أكثرها موضوع في الجانب الأيمن وتأخذ من الجانب الأيسر أيضا شيئا يسيرا وليس ذلك في الحيوانات كلها سواء لكنه على ما قال ايروفيلس في كتابه في الأرنب أكثر وأنا أقول إن ذلك كذلك في جميع الحيوان الذي يمشي منكبا وفي الحيوان الذي الكبد منه عظيمة جدا وفي الحيوانات النهمة الرغيبة ذوات الرعب والفزع.
٩. وكذلك الأمر في طبيعة الأمعاء فإن الأمعاء أيضا من جهة ما هي أمعاء فطبيعتها طبيعة واحدة في جميع الحيوانات وإنما تختلف في مقاديرها وكثرتها وعدد استداراتها ولفاتها وهذا أمر يعرفه جميع أصحاب التشريح من ذلك أن للفيل أمعاء واسعة جدا شبيهة بأمعاء الفرس وللخنزير أمعاء كثيرة الاستدارات واللفات طوالا جدا واختلافها في أجزائها ليس بيسير وهذا الاختلاف بعينه موجود في أمعاء الأنسان وأمعاء القرود وذاك أن في جميع
هذه أول شيء يلقاك من الأمعاء مما يلي المعدة الشعبة التي تتصل بالأمعاء من البواب وهي ضيقة جدا ثم من بعد هذه الشعبة تجد طول المعاء الأول اثنتي عشرة إصبعا على ما قال ايروفيلوس وقوله حق ثم إن الأمعاء بعد ذلك تنعرج وتلتف لفات كثيرة فيها عروق وشريانات كثيرة جدا وهذا هو الذي يقال له المعاء الصائم لأنه يوجد أبدا فارغا خاليا من الغذاء ومن بعد هذا المعاء المخصوص في اسمه بالدقيق وجوهره جوهر المعاء الذي قبله بعينه وإنما الفرق بينه وبين ذاك أنه لا يوجد فارغا خاليا ولا فيه عروق وشريانات كثيرة كما في ذاك ثم من بعد هذا المعاء المسمى الأعور ثم المعاء المسمى قولون ثم من بعده في آخر الأمعاء وعند منتهاها ممدود إلى الدبر المعاء المسمى المستقيم وهو المبعر.
١٠. وكذلك الطحال موضوع في الجانب الأيسر والجانب المقعر المسطوح منه يقابل الجانب الأيمن ويأتيه من الكبد عرق ومن هذا العرق تنشعب شعب تأتي المعدة ومن بعد أن تتفرق منه شعب في جميع أجزاء الطحال يرتقي منه جزء إلى الموضع الذي هو أشد مواضع المعدة تحدبا وجزء آخر منه يصير إلى الجانب الأيسر من الثرب وهذه أيضا أشياء تعم وتشمل جميع الحيوانات ذوات الدم وليس الطحال بمتساو في جميع الحيوان في عظمه ولا في لونه وذلك لأنه في الأسد والكلب وفي جميع الحيوانات ذوات الشجاعة والجراة الحارة المزاج أسود شديد السواد وفي الخنزير والحيوانات التي لها فضل رطوبة وبرودة أشد بياضا وأنا واصف لك ما تختلف فيه الحيوانات من أمثال هذه الأشياء فيما يستأنف من هذا الكتاب ليجد بذلك من كان ذا عناية واهتمام بمعرفة أمور الخلقة سبيلا يصل به إلى معرفتها على التمام والكمال وأما هاهنا فأنا مقبل أيضا على ما بقي لي من الشيء الذي ضمنت قبل أن أذكره أعني بذلك تشريح الأعضاء التي يقال لها آلات الغذاء وأقول إذا أنت كشطت الصفاق على ما وصفت لك ورأيت مشاركته للآلات التي أسفل من الحجاب رؤية بينة ومشاركة تلك الآلات بعضا لبعض فشرح كل واحد منها على حدة
وأدخل فيه نحاس أو ميل حديد أو فضة أو ميل خشب ومن عادة أصحاب التشريح أن يسموا بهذا الاسم أعني ميل كل آلة صفتها صفة الميل إن كان برأسين وإن كان ميلا برأس واحد وصفيحة مسطوحة إن كان رأسه الآخر مقعرا شبيها بالمعزقة وكل هذه يمكن أن تتخذ من خشب كما قد جرت العادة باتخاذه من الفكسوس وهو 〈...〉 كيلا ينكسر في بعض الأوقات الميل وصارت هذه الأميل أصلح وأجود للعمل وأنا أستعملها على ما وصفت بأن أدخلها في أفواه العروق والشريانات أما في الكبد ففي العرق الذي عند بابها وهو الذي يسميه الأطباء باسم مشتق من اسم ساق الشجرة وفي العرق الذي يخرج من حدبتها ويذهب إلى فوق وإلى أسفل وأما في الكليتين فعلى هذا المثال أيضا أدخل الميل في الشعب التي تأتيها من العرق والشريان العظيمين الموضوعين على عظم الصلب وفي مجاري البول وأما في كل واحد من الأعضاء الأخر فعلى ما سوف أصف بعد.
١١. فإني هاهنا إنما أذكر أولا الكبد فأقول إن هذا العضو تنتهي عنده العروق التي تتفرع في الجدول ومنشؤها في أشد موضع تقعرا والموضع الذي تجتمع إليه هذه العروق كلها يقال له باب الكبد فأنت تجد في هذا الموضع فم عرق عظيما موجودا في جميع الحيوانات ذوات الدم فأدخل في هذا الفم واحدا من الأميال التي أعددتها لهذا العمل ولتكن أميال كثيرة بعضها دقاق وبعضها غلاظ ليمكنك أن تستعمل منها أوفقا وأشد ملاءمة للعرق الذي في كل واحد من أطراف الكبد ثم ادفع الميل دفعا رفيقا فاقطع الجوهر الذي فوق العروق بسكين حتى تبلغ إلى العرق الذي فيه الميل الذي أدخلته من باب الكبد إلى جوف الكبد فإنك ترى الميل رؤية بينة من تحت طبقة العرق لأن البصر ينفذ فيها لرقتها ومن عادة أصحاب التشريح أن يسموا جرم العروق والشريانات طبقات على ما وصفت قبل من أمر المعدة لكني قلت في المعدة
إن لها طبقتين مطبقة واحدة على الأخرى بمنزلة قشر على قشر وأما كل واحد من العروق التي في الكبد فإنما له طبقة واحدة رقيقة جدا ليس لها نظير في شيء من سائر العروق الأخر التي في جميع البدن فإذا أنت كشطت عن العرق من غير أن تقطعه فاكشط ما حوله من اللحم الموضوع في الكبد فيما بين عروقها المنشعبة منها فإنك تجد أنه يصير من باب الكبد إلى كل واحد من أطرافها عرق واحد عظيم وجملة العروق بحسب عدد الأطراف وتجد هذا العرق يتقسم إلى عروق كثيرة على مثال ما يتقسم ساق الشجرة إلى الأغصان الكبار ثم تتقسم تلك العروق إلى عروق أخر أصغر منها كما تتقسم الأغصان الكبار إلى أغصان صغار ثم تتقسم تلك أيضا إلى عروق أخر وتتقسم هذه إلى أخر حتى تنتهي في آخر تقسمها إلى عروق صغار شبيهة بالقضبان الصغار من الشجرة والموضع الذي فيما بين هذه العروق كلها مملوء بلحم الكبد وأصحاب ارسسطراطوس يسمون هذا اللحم برنخوما وهذا الجوهر الذي لك أن تسميه إن شئت لحما وإن شئت برنخوما هو بمنزلة ما يكون الحلفاء أو غيرها حشو فيما بين أشياء يخاف عليها أن تضطرب وتنكسر وأنت تقدر أن تكشط هذا اللحم بأصابعك حتى تدع العروق والشريانات المتقسمة في الطرف الذي أدخلت فيه الميل الذي اتخذته لهذا العمل معراة مجردة والشيء الذي تراه في واحد من الأطراف أنت تجده في الأطراف كلها وإن كان الحيوان الذي تشرحه حيوانا صالح عظم البدن أمكنك أن تخلص في الكبد العروق والشريانات والمجاري التي يجري فيها المرار إذا أنت كشطت عنها على ما وصفت لك أما إن كان الحيوان الذي تشرحه صغار البدن فإن اقتدارك على تخليص هذه الثلاثة الأجناس
حتى تبلغ بها إلى حاشية كل واحد من الأطراف يقل فالأجود إذن أن يكون تشريحك لأمثال هذه الأشياء في حيوان عظيم البدن وإن أنت أخرجت الكبد من البدن في مثل هذا الحيوان رأيت في باب الكبد رؤية بينة أن الشريان والمجرى الذي يجري فيه المرار يمتدان مع العرق كما تراهما قبل أن تخرج الكبد من البدن وأما في الحيوانات الصغار فإنك إذا أخرجت الكبد لم ترهما أصلا وإذا لم تخرجها أمكنك أن تنظر إلى اتصال الشريان والاتحام بالكبد نظرا شافيا لأن الشريان أشد بياضا من العرق.
١٢. ولكن ليس يمكنك أن تتبع أقسامه حتى ينتهي إلى آخرها وإن أنت تفقدت حسنا وتثبتت في موضع باب الكبد رأيت المجرى الذي يجري فيه المرار عند رأس الشعبة التي في أول الأمعاء أسفل من البواب قليلا وأنت ترى هذا البواب في بعض الحيوانات أن الجزء الذي هو فيه من المعدة غليظ وأن لجوهر المعدة حدا خاصا ينبت منها أولا المعاء الدقيق وبعض الناس يسمون هذا ما دام على هذه الصفة معاء دون ان يتعرج وتصير له استدارات ولفات وبهذا السبب بعض الناس يسمي هذا شعبة مطلقا وبعضهم يزيد في الاسم ويلحق معه شيئا آخر ويقول الشعبة الاثنتي عشرة إصبعا وربما كان المجرى القابل للمرار عند موضع اتصاله والتحامه بهذه الشعبة تنشعب منه شعبة صغيرة تذهب إلى موضع فوق البواب بقليل وترى أيضا جزءا منه صغيرا جدا يتصل ويلتحم مع العرق الذي يصعد إلى الكبد بالغشاء الملفوف على الكبد من خارجها من غير أن ينقسم معه في العمق فإذا أنت تفقدت هذه الأشياء كلها وتثبتت فيها باستقصاء فصر إلى حدبة الكبد وشرح الطرف منها الذي كشفت في الجانب المقعر منه عن العروق فإنك ترى
العروق تنقسم في حدبتها على ذلك المثال خلوا من الشريانات فخلاء هذا الجزء من الكبد من مجاري المرار أكثر من خلائه من الشريانات بكثير وهذه المجاري يقال لها مجاري المرار والمجاري القابلة للمرة وكذلك المثانة الموضوعة تحت الطرف الأعظم من أطراف الكبد قد يقال لها المثانة القابلة للمراة ويقال لها المرارة وترى العروق هاهنا رقيقة مجردة معراة من كل جلال غشائي مثل الجلال الذي لجميع العروق التي في الجداول التي إنما يظن بها بعض الناس أن لها طبقتين بسبب هذا الجلال وكل عرق فله ليف مشتبك فيه اشتباكا مختلفا وطبقته الخاصية واحدة أبدا إلا أن يتهيأ له موضع يمر فيه وهو متعلق ليس له شيء يسنده ويدعمه فيحتاج لذلك إلى أغشية تكون له جنة ودماعة فأما جرم الشريان فأنا ذاكره في المقالة التي بعد هذه عند ذكري لتشريح القلب.
١٣. وأما الساعة فهذا موضع ينبغي لنا أن نأخذ فيه في ذكر الكليتين ونقول أن الكلية اليمنى في جميع الحيوانات أرفع موضعا من الكلية اليسرى وكثيرا ما تماس الطرف الأعظم من أطراف الكبد ويتصل بالكليتين عروق وشريانات كبار من العرق والشريان اللذين على عظم الصلب وفي أبدان القرود يصير إلى كل واحدة من الكليتين من كل واحد من العرق والشريان عرق واحد وشريان واحد وأما قي بعض الحيوانات الأخر فيصير إلى كل واحدة منهما من كل واحد من هاذين اثنان على ما أصف لك بعد والأجزاء المقعرة من كل واحدة من الكليتين يستقبل بعضها بعضا والجانب المحدب مستقبل إلى ناحية جنب الحيوان فقد يمكنك أن تدخل الميل في كل واحدة من الكليتين في الحيوانات التي ليس بالكبار حتى تبلغ به إلى أشد موضع فيها عمقا غير أنك لا تقدر أن تدخله إلى التجويف الذي فيها وأما في الحيوانات الكبار فإنك إن أدخلت الميل في الكليتين بعد موت الحيوان على المكان رأيت رؤية بينة أنه يجوز ويذهب إلى التجويف الذي في الكلوة وترى أيضا كل واحد من العرق والشريان رؤية بينة ينقسم عند موضع
اتصاله بالكلوة إلى أجزاء كثيرة وترى أيضا التجويف الذي في الكلوة وإن كان الحيوان ليس بكبير ملبسا مقرما من داخل بجرم من جنس الأغشية وترى في جزء من هذا التجويف ليس ببعيد عن موضع اتصال العرق والشريان جرما آخر يتصل به مطاولا مجوفا وبعض الناس يسمي هذا الجرم 5 وعام وهذا اسم يعم كل جرم مجوف مطاول وبعضهم يسميه مجرى وبعضهم شريانا وبعضهم عرقا ولكن أنت اقبل مني أنا ومن فلاطون وتهاون أبدا بالأسماء واحرص وأجهد نفسك أولا في معرفة الأمور أنفسها ثم من بعد هذا إذا علمت غيرك فاحرص على أن يكون كلامك بينا واضحا كما تراني أنا وترى افلاطون معنيين بهذا بقدر مبلغ طاقتنا وفم هذا المجرى الذي يصير إلى تجويف الكلوة بين للحس ولو لم يكن الحيوان كبيرا وأنت تقدر أن تدخل فيه من الجانبين بعض الأجرام الدقاق التي اتخذتها إن شيءت أن تسميها أميالا وإن شئت أن تسميها غير ذلك فإن احتجت في بعض الأوقات إلى آلة أدق فاستعمل الميل الدقيق وأدخله 〈مرة〉 في تجويف الكلوة إلى ناحية المجرى إذا أنت فتحت التجويف ومرة أدخله من فم المجرى إلى الكلوة وهذا المجرى يقال له مجرى البول وهو طبقة واحدة ويلتف على هذه الطبقة كما يلتف على سائر الأعضاء الأخر المتعلقة جزء من الصفاق وقد يشاجر قوم أصحاب التشريح في أمر هذا المجرى مشاجرة باطلة فقال بعضهم إنه ينبغي أن يسمى شريانا وبعضهم عرقا وذاك أنه طبقة واحدة على مثال العرق ولكن ليس هذه الطبقة رقيقة كطبقة العرق وأنت إن شئت أن تكشط عنه الغشاء الملفوف عليه من خارجه وتشقه بالطول حتى تبلغ إلى المثانة رأيت أن
جوهره كمثل جوهر المثانة ولا يشك أن ذلك بعد أن تكشط عنه لفافته وترى أيضا وضع الثقب النافذ فيه يدخل إلى المثانة على وراب وله مع هذا في الموضع الداخل منه غطاء يحكي الآلات 〈...〉 وهذا الغطاء ليس هو غير جوهر المثانة لكنه جزء من جوهرها قد ركب وهندم على مثال شكل المجرى حتى صار لا ينفتح إلا بما يجري في هذا المجرى إلى المثانة فقط وساعة تكشف الصفاق عن مجرى البول ترى أيضا العروق والشريانات على ذلك المثال لا تزال متعلقة حتى تصير إلى ثقبي الصفاق على وراب وذاك أنها تبتدئ من الموضع الأسفل حيث الصفاق راكب على العرق والشريان العظيمين فإذا نبتت العروق والشريانات التي تأتي الأنثيين تركت اعتمادهما على القطن ومرت دائما متعلقة إلى فوق إلى نحو رأس الحالب ويمتد معها الصفاق ويحتوي عليها كلها كما يدور ولا يزال معها يشيغها حتى تبلغ إلى المواضع المشرفة من الصفاق الأعظم حيث هو مثقوب من الجانبين وذاك أن الشعبة التي تصحب العروق والشريانات منه طويلة والصفاق الأعظم الذي قلت إنه شبيه بكرة مثقوب في المواضع التي سميتها فالمجرى الذي يأتي الأنثيين هو شعبة من الصفاق الأعظم الذي على الأمعاء والغشاء الذي يغطي الشريانات والعروق التي تأتي الأنثيين منشؤه من الصفاق الأعظم الذي عند القطن الذي يحتوي كما وصفت على العروق والشريانات التي تغذو الأنثيين وينحدر معها نافذا في المجرى المنحدر من الصفاق إلى الأنثيين فقد علم إذا أنه يوجد هاهنا للصفاق شعبتان واحدة يلتئم منها
كون المجرى المنحدر منه إلى الأنثيين كما لو أنه لم يكن يمر وينفذ فيه شيء من العروق والشريانات 〈...〉 التي تغذو الأنثيين كما لو أنه لم يكن يمر في مجرى بتة وهذا قول قلته في هذا الموضع لاشتراك الكلام في الصفاق على أني أعلم أنه ليس مما كان ينبغي أن يجري هاهنا في هذا الكلام الحاضر.
١٤. وقد يبقى علينا أن نذكر الصنف الثالث من آلات الغذاء وهي العضل فأقول إن العضل الذي على البطن قوته قوة عظيمة لا في الغاية على خروج الفضول 〈فقط〉 لكن وفي الغاية على خروج النفخة والصوت فأما العضل الذي في الدبر فمنفعته أن يشد 〈... إلى〉 فوق إذا هي خرجت عند الغائط وأما العضلة التي في المثانة 〈...〉 تشرحه على المكان في مبدأ تشريحك للحيوان إن كنت معتزما على تخليصها جملة من حيوان واحد بعينة فأما العضل الذي حول الدبر فإنك إن لم تخرج أولا الأمعاء وتفرق بين عظمي العانة وتنحهما لم يمكنك ان تنظر إليه نظرا شافيا فهذا موضع ينبغي لي أن أصف لك وينبغي لك أن تسمع وتفهم كيف ينبغي أن تفعل ذلك فأقول إنه لما كان عظما العانة ملتحمين واحد بالآخر بغضروف في الجزء المقدم منهما قد ينبغي لك أن تلتمس الوقوف باستقصاء على خط وصلهما ولحامهما فإنك إن قطعتهما على ذلك الخط بسكين قوية عظيمة فصلتهما وفرقت بين أحدهما والآخر بأسهل سعي وإذا أنت فرقت بين هاذين سهل عليك أن تخلص من ساعتك الجلد الموضوع على قاعدتهما من غير أن تقطع المقعدة ثم خذ بيدك كل واحد من العظمين المعروفين بعظمي الخاصرتين واقلبهما إلى ناحية خارج حتى ينفصلان وينفكان هاذان أيضا من اتصالهما بالعظم العريض الذي يقال
له العظم الأكبر فإنك إذا فعلت ذلك انكشف لك ما في ذلك الموضع كله واستبان ما يحويه العظم العريض وعظم العانة وما حولهما وهذا العمل يعم ويشمل جميع ما في هذا الموضع من الآلات وذلك انك إذا أحببت أيضا أن تنظر إلى الشريانات أو العروق أو العصب الذي هناك أو الأرحام أو العضل الذي يأتي الزائدة العظمى من زائدتي عنق الفخذ فينبغي أولا أن تفرق بين عظمي العانة ثم تقلب بعد ذلك عظمي الخاصرتين إلى ناحية خارج بعد أن تفكهما من اتحادهما بالعظم العريض فلنأخذ الآن في ذكر ما قصدنا له فنقول إنك سترى لحما كثيرا موضوعا على كل واحد من عظمي العانة من الجانب الداخل مغطى برباط من جنس الأغشية منشؤه من العظمين كما يدور والشيء الذي يضام من هذا اللحم موضع العظم الأعظم له رباط منشؤه منه مضام للرباط الذي ذكرته قبل فهذا الرباط كله أعني الذي منشؤه من العظم الأعظم والذي منشؤه من عظم العانة يلتئم رباطا واحدا ويصير رأس عضلة ليست بعظيمة لكنها كلها من جنس الأغشية رقيقة عريضة وهذه العضلة تأتي الدبر من كل واحد من الجانبين وإن أنت خلصت هذه العضلة تخليصا محكما عرفت فعلها من وضعها وخاصة إن أنت كشفت على ما وصفت لك عن جميع العضلة والمقعدة ما حولهما ثم أخذت بيدك رأسها الذي ذكرته لك فإنك إذا فعلت ذلك رأيتها تنجذب إلى فوق وليس لهذه العضلة عضلة أخرى مخالفة لها في وضعها تجذبها إلى أسفل بحسب ما في أعضاء كثيرة لكن المقعدة إنما يعرض لها أن تندفع إلى خارج وربما خرجت مرارا
كثيرة خروجا لا يجيب معه الرجوع إلى فوق بسهولة ولو جذبتها وهاتان العضلتان اللتان ذكرناهما من العضل الذي على البطن ومن الحجاب إذا هما عصرا الأمعاء وضغطاها وبضغطها للأمعاء يغمزان على كل شيء تحتوي عليه الأمعاء ففي هذا الوقت الذي ينفض فيه الحيوان ثفله تتمدد الثماني العضلات التي على البطن مع الحجاب على سبيل الفعل العام الشامل لجميع العضل وتكون العضلة المحيطة للمقعدة كما يدور مسترخية وأما في سائر الوقت كله فهذه العضلة تشد فم المقعدة وتغلقه وأنت تراها بأهون سعي إذا أنت قطعت أولا جميع الجلد المحيط بهذه المواضع ثم قطعت بعد ذلك اتصال الأجرام التي من جنس الأغشية بالعصعص وهذه الأجرام هي التي تختلط بالجلد ويتولد من جميعها منتهى المقعدة وهو ما يخرج من العضلة المستديرة وهذه العضلة موضوعة تحتها من خلف رأس العصعص ومن قدام يضام الإحليل بعضلة أخرى ينبغي لك أن تبحث عنها بعد إذا صرت إلى تشريح آلات التناسل وأما في هذا الوقت فأنت ترى رؤية بينة العضلة التي على طرف المثانة حيث أول منشأ عنقها مكشوفة مجردة ظاهرة وهي شبيهة بالعضلة المستديرة التي حول الدبر في فعلها ومنفعتها لأنها هي أيضا تشد فم المثانة كما تشد العضلة التي قد تقدم ذكرها فم هذا المنفذ ولذلك سماها قوم شرجا على مثال تلك وقد بقيت الثماني العضلات التي تأخذ الموضع الذي أسفل الحجاب كله وهو ما دون الشراسيف وهن عضلات ليس في خلقتهن أن يكن من آلات الغذاء أولى وأحق من أن يكن من آلات التنفس ولا حاجة بنا إلى ذكرهن شيء في هذا الوقت إذ كنا قد ذكرناهن قبل في الموضع الذي ذكر فيه تشريح الأعضاء الخارجة في المقالة الخامسة من هذا الكتاب.
المقالة السابعة من كتاب جالينوس في عمل التشريح
١. أريد أن أعلم الناس في هذه المقالة كيف السبيل الذي ينبغي للمرء أن يسلكه في تشريح آلات التنفس ولأن هذه الآلات أيضا قد يعمها ويشملها الكلام الذي تكلمت به في آلات الغذاء في أول المقالة السالفة قبل هذه فليس ينبغي لي أن أردد ذلك الكلام هاهنا ولكن يجب ضرورة على كل واحد ممن يقرأ كتابي هذا أن يكون ذاكرا له عند قراءته ما أريد ذكره من أمر هذه الآلات فأقول إن الآلات الحقيقة من آلات التنفس هي الرئة والقلب والصدر وبعد هذه الثلاثة أقسام قصبة الرئة والشريانات المنقسمة في البدن كله من التجويف الأيسر من تجويفي القلب وكلها تنبض على مثال نبض القلب ولها أصل واحد تنبت فيه عامة وهو الشريان الأعظم الذي يسمونه قوم شريانا عظيما مطلقا وقوم أخر شريانا غليظا وقوم أخر اورطي وقد تسمى أيضا قصبة الرئة وأقسامها شريانات إلا أنها تسمى شريانات خشنة وهذه الشريانات الخشن منها واحد هو أعظمها كلها وهو قصبة الرئة الذاهبة في طول العنق ومنها شريانات أخر تتفرع من هذا كثيرة تتفرق في جميع الرئة وفي الطرف الأعلى من قصبة الرئة عضو شبيه بالرأس لهذه القصبة وهو الحنجرة وأهل عصرنا من أصحاب التشريح يسمون هذا العضو رأس القصبة وذلك لأنهم يسمون الشريان الخشن الأكبر شريانا خشنا وقصبة فهذه الأعضاء كلها خلقت للتنفس القصد الأول غير أن بعضها خلق لمنافع فيه لا بد منها ضرورة في بقاء الحيوان فقط وبعضها خلق لمنافع فيه للحيوان فيها موفق إلا أنها ليست باضطرارية وقد ذكرنا ذلك وفصلناه في كتاب منافع الأعضاء في المقالة السادسة والسابعة من ذلك الكتاب.
٢. وخلق مع هذه الأعضاء التي ذكرتها عضو آخر جوهره جوهر الصفاق بعينه ومنافعه لآلات التنفس كلها كمنافع الصفاق بأعيانها لآلات الغذاء وكما يسمى ذلك باريطوناون تفسيره الممتد على الاستدارة من قبل أنه يمتد حول آلات الغذاء كلها كذلك يسمى هذا الغشاء المستطبن للأضلاع مستبطنا من قبل أنه يغشي الأضلاع كلها من داخل ويستبطنها ويسمى أيضا غشاء وطبقة أما غشاء فمن قبل جوهر وأما طبقة فمن قبل منفعته وذاك أنه رقيق جدا بمنزلة نسج العنكبوت وجميع أجزائه يشبه بعضها بعضا وهو مستبطن للأضلاع كلها يغشيها من داخل وهو مع هذا شبيه بالجلال لجميع آلات التنفس بمنزلة طبقة عليها والصفاق غشاء بالحقيقة محض كما وصفت من أمره في المقالة السالفة قبل هذه والغشاء المستبطن للأضلاع أيضا حقيقي خالص وكذلك الغشاء الرقيق من غشائي الدماغ والأغشية التي حول العظام والأغشية الخاصية بالعضل وغلاف القلب وفي البدن أجزاء أخر من جنس الأغشية غير هذه في مواضع شتى بعضها منشؤه من العظام في جوهر الرباطات وبعضها منشؤه من العضل عند استحلاتها إلى طبيعة العصب في جوهر الأوتار وهذا الغشاء المستبطن للأضلاع يمتد على جميع ما في الصدر من الآلات كما أن الصفاق يمتد على جميع الأعضاء التي أسفل من الحجاب ومن الغشاء المستبطن للأضلاع تتولد الأغشية التي تقسم الصدر بنصفين وليس بين خلقة الغشاء المستبطن للأضلاع وبين خلقة الصفاق فرق سوى أن المستبطن للأضلاع غشآن وأن الصفاق غشاء واحد وأنت تعرف طبيعته بالحقيقة متى قطعت العظم الذي في مقدم الصدر في وسطه وهو المسمى قسا وأعد لنفسك لهذا العمل مقاطع تصلح له وهي التي تسمى
المقاطع الكاسرة للعظام أي السواطير وتكون مقاطع قوية حادة معا وإذا أنت بدأت بهذا العمل فجرد أولا ما حول القس كله من الأجسام فإنك أذا كشفت عنه أمكنك أن تستعمل الحدس الحقيقي فتقف على الخط الوسط من القس بعد أن تضع ذهنك وفطنتك في ذلك بأشد ما يكون من الاستقصاء فإذا أنت قسمت جميع عظم القس بنصفين حتى تبلغ إلى الغضروف الشبيه بالسيف وهو المشرف على رأس المعدة فانحدر إلى قعر الصدر إلى ناحية عظم الصلب وفرق بين الأغشية وأسهل ما يمكنك أن تفعل ذلك إذا أنت غمزت جزءي الصدر إلى خارج بأن تقلبهما قلبا رقيقا إلى خارج فإنك إذا فعلت ذلك أجابتك جميع الأجزاء الأخر بأهون سعي فأما الأجزاء التي عند موضع القلب فإنها لا تجبيب على ذلك المثال فإن غلاف القلب المسمى غشاء يحيط بالقلب وطبقة تجلل القلب لأنه يجوز أن يسمى بهاذين الاسمين أما غشاء فمن قبل جوهره وأما طبقة فمن منفعته هو لازم للقس متصل به براسه المحدد خاصة وببعض الأجزاء التي عن جنبيه وأنت تلقي هذا في الوقت الذي تقطع فيه القس وتلقاه بعد ذلك إذا أنت فرقت بين الأغشية التي تقسم الصدر كله بنصفين والأفضل والأجود ان تستبقي هذا على حاله ولا تخرقه مع أنك لو خرقته لم يفسد عليك ما تقصد له في هذا التشريح وذاك أن القلب يظهر لك مكشوفا وتجويفا الصدر مع هذا الفعل لا ينثقب بعضها إلى بعض وقد كشفنا نحن مرارا شتى عن القلب كله بإرادتنا والحيوان حي بعد من غير أن نثقب شيئا من تجويفات الصدر وسنذكر هذا التشريح بعد قليل وأما هاهنا فإنا نرجع إلى كلامنا في هذا التشريح الذي قصدنا له فنقول إنه ينبغي لك أن تحرص على أن لا تثقب ولا تخرق الغشاء المحيط بالقلب فإن انثقب وانخرق بقيت الأغشية التي تقسم الصدر سليمة لا آفة بها فإن هذا هو الذي يقصد له في هذا التشريح
الحاضر فإن كل واحد من الغشائين تراه متصلا في أجزائه كلها أعني الغشاء الذي في الجانب الأيمن من الصدر والغشاء الذي في الجانب الأيسر المغشي لجميع الموضع الذي من الحجاب من فوق وكلاهما ينبسطان حتى يمتدان على الرئة أيضا كما وصفت من أمر الصفاق أنه يمتد على جميع الأجزاء التي أسفل من الحجاب وكما أن الصفاق أيضا يستدير حول أشياء من العروق والشريانات وغيرها معلقة ليس لها مستقر ولا معتمد تستند إليه كذلك الغشاء المستبطن للأضلاع وهو أيضا مع هذا يمتد على الأعضاء الموضوعة على عظم الصلب على مثال ما يمتد ذاك أعني على الشريان الأعظم الموضوع في هذا المكان تحته وعلى العرق الموضوع إلى جانب هذا الشريان وهو العرق الذي يغذو الموضع الأسفل من الصدر وعلى المريء ثم إن الغشاء يرتقي من هذا الموضع حتى يصير إلى القس وهو على ما وصفت مضاعف.
٣. فأما غلاف القلب فإنه شيء آخر غير هاذين الغشائين موضوع في وسطهما كل واحد من الغشائين يحتوي منه على الجانب الذي يليه على مثال صاحبه وانت ترى ذلك على حقيقة في هذا التشريح الذي وصفته قبل هذا الذي يكون في حيوان قد مات لأن الغشائين القاسمين للصدر تراهما يلتقيان في أجزائهما العليا الصاعدة إلى الترقوة وأما في الموضع الذي فيه قاعدة القلب التي يسميها بعض الناس رأس القلب فإنهما يلتقيان غلاف القلب ويماسانه ويلتحمان حوله ولا يزالان معه يشيعانه حتى يبلغان إلى رأسه المحدد وذاك أن هذا الغلاف شلكه شكل صنوبرة كشكل القلب فقاعدته دائرة موضوعة بمنزلة إكليل حول قاعدة القلب والرأس المحدد من الصنوبرة أيضا موضوع عند الرأس المحدد من القلب ويلتحم بالمواضع السفلانية من القس التي في أقصائها الغضروف الشبيه بالسيف وليس غلاف
القلب على هذه الصفة ملازما بجرم القلب لكنه في جميع المواضع الأخر متبرئ منه فيما بينه وبين فرجة ليست بيسيرة جعلت مفردة مهيأة بحركة القلب وأما عند قاعدته التي هي على ما قلت دائرة فإنه لازم للشريانات التي تنبت من القلب وأنت تعرف هذه الشريانات معرفة أشد يقينا إذا أنت فتحت الصدر كله من كل موضع وإذا أنت انتزعت القلب من الصدر وشرحته وحده على حدة.
٤. وكيما يكون كلامي هذا واضحا أنا آخذ أولا في شرح معنى كل واحد من الأسماء التي لا بد لي ضرورة من استعمالها جاعل مبدأي في ذلك هذا أقول إنه كما أن الناس كلهم يجتمعون على أن يسموا الواحد من الأعضاء الباطنة الذي ينبض قلبا كذلك قد أجمعوا على أن يسموا كل عرق ينبض شريانا أو باسم يدل على هذا المعنى أي أنه عرق ينبض وإن كان كل عرق ينبض فهو شريان فإن سائر الشريانات التي في جميع البدن لا يصعب إدراكها حسا بأنها تنبض واتصال الشريانات كلها بالشريان الأعظم يدل على هذا بعينه فأما ما في الرئة من الشريانات فليس يمكن أن يدرك حسا إدراكا كثير الوضح أنها تنبض وإنما يمكن للرجل أن يعلم ذلك منها بالقياس من أنها متصلة بالتجويف الأيسر من تجويفي القلب على أن قوما يرون أنهم يعلمون ذلك منها لا علم ظن ولا علما من قياس مقنعا بل علما حقيقيا يقفون به على فعلها والقائل بهذا القول فريقا وليس مذهبهما في قولهما هذا مذهبا واحدا لأن الأصل الذي عليه مبنى قول كل فريق منهما غير الأصل الذي يبني عليه الفريق الآخر قوله وذاك أن أحدهما يقبل ما كان ينتحله ارسطراطس فيضع أصل اعتقاده أن الشريانات التي في الرئة خاوية خالية من الدم مع سائر الشريانات ويقول إن في كل واحد من انبساطات القلب ينجذب في هذا الشريانات التي في الرئة هواء من الرئة فيحدث بممر ذلك الهواء فيها نبض على مثال ما يكون ذلك في جميع الشريانات في البدن
كله لأنهم يرون أن النبض أيضا الذي يكون في تلك الشريانات ليس يحدث عن فعل جرمها نفسه كما يحدث في القلب عن فعل جرم القلب لكن عن امتلائها من الهواء الجاري إليها يعنون بذلك الهواء الذي إذا انقبض القلب أرسله إليها وأما الفريق الآخر فأهله يرون أن الشريانات التي في الرئة وسائر الشريانات الأخر تنبسط وتنقبض بالقوة التي بها ينبسط القلب وينقبض ويزعمون أن الفرق بين القلب والشريانات في ذلك أن هذه القوة في القلب طبيعية غريزية وأما الشريانات فإنها إنما تأتيها هذه القوة وتجري إليها من القلب بحسب قول أهل الفرقة الأولى أن تكون متى أردت أن تنظر إلى أجزاء الرئة وتتثبت فيها شرحت دفعة تشريحا ذاهبا في الطول إما في الأضلاع التي في الجانب الأيمن من الصدر كلها وإما في الأضلاع التي في الجانب الأيسر من جميع الصدر والحيوان باق يحيى بعد وجدت أنه ما دام يمكن الشريانات التي في الرئة أن تأخذ من أقسام قصبة الرئة هواء فمتى جذب القلب ذلك الهواء حدث في الشريانات نبض ما فإذا خلت من الهواء جملة لم يحدث بعد ذلك نبض ويجب بحسب قول أهل الفرقة الأخرى أن يكون يدوم النبض ما دام الحيوان حيا لا في الشريانات التي في الجانب المتحرك من الرئة فقط لكن وفي الشريانات أيضا التي في الجانب الذي كشف عنه وجود فقد وصفت لك ما يلزم ويجب بحسب رأي كل فرق من هؤلاء القوم ولأن قصد كلامي في هذا الكتاب إنما هو أن أصف ما يظهر للعيان بالتشريح لا أن أبحث عن حقائق الأدلاء وأحكم عليها أنا ملتمس إرشادك إلى الطريق في ذلك فأقول إنه ينبغي لك أن تقطع بالطول قطعا مستقيما من فوق إلى أسفل في الموضع من الصدر الذي تصير فيه عظام الأضلاع [من] غضروفية فإنه يمكنك أن تقطع في ضربة واحدة بسكين كبيرة جميع ما بعد الضلع الأول وينبغي لك أن تتوقاه وتحذره وحده وتخاف وتجبن عن انبثاق الدم الذي لا نأمنه أن يحدث متى انخرق شيء من العروق والشريانات التي تحته فإذا أنت فعلت ذلك فعلا محمودا فبادر
فاكشط بالعجلة غشاء الرئة عنها ثم اقلع بأصابعك اللحم الذي فيما بين العروق والشريانات واكشفها والتمس حينئذ أن تتعرف بالنظر واللمس هل ينبض شيء من العروق التي في الرئة والذي تجده منها ينبض سمه شريانا وأما قبل أن تحس حركته حسا بينا فليس من شيء يضطر إلى تسمية بهذا الاسم لا إن كان العرق الذي منبته ومنشؤه من التجويف الأيسر من تجويفي القلب ولا إن كان الذي منشؤه من التجويف الأيمن كما قد فعل ذلك قوم من أصحاب التشريح الذين لم يوافق بعضهم بعضا ولا في الأسماء فيما دونها إلا أن بعضهم قال جزما إن العرق الذي منشؤه من التجويف الأيسر من القلب هو شريان وبعضهم قال إن العرق الذي منشؤه من التجويف الأيمن هو شريان وأفضل منهما جميعا من لم يسم ولا واحدا من هاذين عرقا ولا شريانا مطلقا لكن توقف عن العجلة في القضية والجزم بما ألحقه في التسمية من الزيادة فسمى أحدهما شريانا عرقيا وسمى الآخر عرقا شريانيا ولكل واحد من هاذين العرقين عند أصحاب التشريح أربعة أسماء وأما نحن فإنا تبعنا وامتثلنا مذهب القوم الذين يسمون العرق الذي منشؤه من التجويف الأيسر من القلب شريانا عرقيا والقرق الذي منشؤه من التجويف الأيمن عرقا شريانيا لأن هؤلاء إذ أجادوا في وضعهم هذه الأسماء أكثر من الأجمع وذاك أنا فكرنا أنه لما كانت هذه العروق من طريق ما تنبض ليس نتعرفها تعرفا بينا فينبغي أن نسمي منها شريانا ما هو وعاء للروح ولكن لأن هذا الوعاء للروح إنما جرمه [طبقة واحدة] طبعة عرق نلحق مع اسمه زيادة ندل بها على ذلك فنقول شريان عرقي وكذلك نسمي الوعاء الآخر عرقا من طريق من المنفعة ولأن هذا أيضا جرمه شريان نلحق مع اسمه زيادة ندل بها على ذلك فنقول عرق شرياني ولقد كان الأجود لعمري على ما قلت أن يكون يفرق بين هاذين الجنسين من العروق بأنها تنبض أو لا تنبض ولكن لما كان هذا أمر قل ما يعرف بالحس معرفة بينة صار الأصلح ان نسمي كل واحد منهما باسم يدل على التجويف الذي هو مشاركة له من تجويفي القلب ونجعل ما نلحقه مع الاسم من الزيادة
شيئا يدل على جوهر جرم العرق المسمى وأما القوم الذين سموا هذه العروق باسماء لا لواحق معها فبعضهم نظر في جوهر جرمها فقط وبعضهم نظر في منفعتها فقط وبحسب ما يجب عن جوهر الجرم فهو أن الشريان هو العرق الذي منشؤه من التجويف الأيسر من القلب 〈...〉 والعرق هو الذي منشؤه من التجويف الأيمن.
٥. وهذا موضع ينبغي لنا أن نخبر فيه بجوهر جرم العروق والشريانات ما هو ونجعل مبدأ كلامنا هذا فنقول إن العروق التي في البدن كله خلق كل واحد منها من طبقة واصدة خاصية به وذاك أن الغشاء الذي ربما جلل العرق في بعض المواضع حيث يحتاج منه إلى ذلك إما ليرتبط به مع بعض الأعضاء وإما ليتمكن به ويثبت في موضعه وإما ليتغطى ويتستر بع فإنما يصحب العرق في ذلك الموضع وحده فأما الشريانات فلكل واحد منها طبقتان خاصيتان والطبقة الداخلة فكأنها في ثخنها خمسة أضعاف الطبقة الخارجة وهي أيضا مع هذا أصلب منها وإذا بعضها وجدتها تنحل إلى ليف مستدير يذهب عرضا وأما الطبقة الخارجة وهي الطبقة التي للعروق فليفها ليف يذهب على الاستقامة بالطول وفيها مع هذا شيء بعد شيء من الليف مورب تأريبا يسيرا وأما الليف المستدير الذاهب عرضا فليس فيها منه واحدة والطبقة الداخلة من طبقتي الشريانات وهي الطبقة الثخينة الغليظة الصلبة كالجلد في داخلها مما يلي سطحها الداخل شيء شبيه بنسيج العنكبوت يظهر ظهورا بينا في الشريانات الكبار وبعض الناس يعده طبقة ثالثة للشريان فأما طبقة رابعة خاصية فليس للشريان أصلا لكن قد يلتف على بعضها كما يلتف على بعض العروق غشاء رقيق يستدير حولها ويتطبق عليها ليغطيها أو ليسندها ويدعمها أو ليربطها مع الأعضاء القريبة منها وأكثر ما يكون ذلك للعروق والشريانات التي فيما دون الحجاب من الصفاق كما وصفت قبل وأما في ما فوق الحجاب
في داخل الصدر فمن الغشاء المستبطن للأضلاع فالعرق الذي منشؤه من التجويف الأيمن من القلب حاله حال الشريانات التي في جميع البدن وهو ينقسم في الرئة كلها والعرق الذي منشؤه من التجويف الأيسر من القلب حاله حال العروق التي في جميع البدن فالرئة ينقسم فيها ثلاثة أوعية أحدها منشؤه من التجويف الأيسر من القلب ويسمى شريانا عرقيا والآخر منشؤه من التجويف الأيمن من القلب ويسمى عرقا شريانيا والثالث هو قصبة الرئة وأقسامها التي تسمى شريانات خشنا وكلها مركب من غضاريف شكلها شكل السين في حروف اليونانيين وهو هذا C والجزء المستدير من هذه الغضاريف في القصبة الكبيرة نفسها في الرقبة التي هي عند أقسامها المتفرقة في الرئة إذا انبثت إليها بمنزلة ساق الشجرة عند أغصانها والأقسام المتفرفة من تلك القصبة بمنزلة الأغصان من الشجرة هو موضوع من قدام والجزء الباقي الذي يعجز عنده الغضروف عن أن يكون دائرة تامة هو موضوع من خلف والقصبة في الرئة ملازفة للمريء واقسامها في الرئة ملازقة لأقسام العرق الذي سمينا قريبا عرقا شريانيا 〈...〉 والمواضع التي فيما بين هذه الأوعية الثلاثة في الرئة مملوءة من الجوهر الخاص بالرئة وهو لحمها وقد يمكن أن تشرح الرئة بعد إخراجها من الصدر كما يمكن ذلك في القلب ولكن ليس يمكن أن تعرف مشاركة الرئة والقلب للأغشية إذا أخرجا عن الصدر والأمر في ذلك على ما وصفت قبل من أنه ينبغي إذا أنت فرقت بين 〈بعض〉 الأغشية القاسمة للصدر كله وبين بعض أن تقطع القس بالطول من حيوان قد مات ثم تنحى جزءيه إلى الجانبين.
٦. وكيما تتعرف الحال في الغشاء المحيط بالقلب على الحقيقة قد ينبغي لك أن تقطع القس كله على هذه الصفة سل طرف الغضروف الشبيه بالسيف وارفعه إلى خلفه إما بالأصابع وإما بالصنارة ومده مدا قويا ورده إلى خلفه ثم
اقطع جميع ما حوله من الأجسام التي تصل ما بينه وبين الأجسام التي تضامه وتتصل به وإذا أنت فعلت ذلك وبلغت إلى منتهى القس فافعل به مثل ذلك أيضا واقطع ما عن جنبيه قطعا عنيفا بلا توقف ولا إشفاق وأما العشاء الذي من داخل القس وهو الغشاء المحيط بالقلب فاقشره قشرا رفيقا وإذا أنت فعلت ذلك فارتفع حتى تبلغ إلى اللحم الذي يقال له توتة من طرفه الأسفل فإنك إذا مررت من هذا الطرف الأسفل إلى فوق لقيتك العروق فإن كان الحيوان قد مات قبل ذلك بوقت كثير لم يشخب عليك دم كثير ولو أنك قطعت بعض العروق التي في هذا الموضع وخاصة إن كان موت ذلك الحيوان لم يكن بضرب من الضروب إلا بالذبح وأما إن كان الحيوان قريب العهد بالموت أو كان حيوانا كثير الدم فإن الدم يشخب ويسيل عند أصل الغشاء المحيط بالقلب من العروق التي انقطعت ويمكنك أن تنشفه بإسفنجة ثم تأخذ في التثبت فيما قصدت إليه والأجود أن يكون العمل من غير 〈أن ينفجر الدم〉 وينبثق فإنك إذا كان كذلك أمكنك أن تنظر إلى اشياء أخر كثيرة نظرا شافيا وإلى أصل الغشاء المحيط بالقلب الذي ليس يبتدئ من نفس جرم القلب لكن من العروق التي منشؤها منه واحد هذه العروق هو الشريان الأعظم الموضوع في الجانب الأيسر والآخر العرق الموضوع في الجانب الأيمن وهو الذي مصعده من الكبد وعرقان آخران هما اللذان ذكرتهما قبيل وقلت إني أسمي أحدهما شريانا عرقيا والآخر عرقا شريانيا وأنت تنظر إلى هذه العروق نظرا شافيا قبل أن تكشف عن القلب غلافه [عنه] وبهذا الوجه من العمل تقف عيانا على طبيعة الزوائد التي يقال لها آذان القلب فإن هذه الزوائد تستبين طبيعتها وتظهر ظهورا بينا في القلب قد أخرج من بدن الحيوان وتظهر أيضا وتبين والقلب موضوع في موضعه.
٧. وإذا أنت عملت هذا العمل رأيت رؤية معما وصفت لك أن القلب
موضوع في وسط فيما بين تجويفي الصدر غير أن حركته تحس كأنه في الجانب الأيسر أكثر منه في الأيمن وذلك لعلتين إحديهما أن التجويف الذي فيه الروح هو موضوع في هذا الجانب من الحيوان والأخرى أن القلب إلى هذا الجانب خاصة أميل بوجه من الوجوه وذاك أنه ليس كما أن قاعدته موضوعة بالحقيقة في وسط فيما بين الجانب الأيمن والأيسر من الصدر كذلك رأسه المحدد لأنه ليس بذاهب على استقامة حقيقة من قاعدته إلى طرفه الأسفل لكنه مائل على ما وصفت إلى ناحية الجانب الأيسر فأنت ترى كل واحد من هذه الأشياء بهذا العمل الذي وصفته لك وتراها رؤية بينة أكثر بيانا إن أنت لم تقتصر على أن تقطع القس وحده دون أن تقطع معه الأجزاء الغضروفية مع الأضلاع كلها فأعد لنفسك لهذا العمل سكينا قوية عظيمة كيما تقطع الأضلاع كلها كما يجيء في ضربة واحدة بعد أن تقدر أن يكون قطعك إياها في الموضع خاصة الذي عنده ينتهي الجزء العظمي من كل واحد من الأضلاع ويبتدئ الجزء الغضروفي الذي ينبغي لك أن تتقدم فتفهمه في حيوان آخر وتعرف في أي الأجزاء هو من الأضلاع ثم تأخذ بعد ذلك في هذا العمل فإن التعبير عنه والتفسير له بالقول والصفة على استقصاء أمر شاق عسر جدا فأما الوجه الذي به يسهل عليك أن تمتحنه بالتجربة بأهون السعي بعد أن تهتدي فيه بالقياس والصفة فأنا مخبرك به أقول إن كل واحد من الأضلاع يمر إلى أسفل إلى قدام معا على وراب ورأسه عند عظم الصلب لأنه مربوط مع عظم الصلب بمفصلين يصلان بينه وبين كل واحدة من الفقار فإذا هو أقبل على هذه الصفة وصفيحته الظاهرة موربة محدبة حتى يجوز الموضع الذي يرى عيانا من الصدر أنه متحدب جدا أعطف من هذا الموضع عطفة ما ولم يذهب أيضا إلى أسفل كما كان يذهب في أول الأمر لكنه يصعد على تأريب إلى القس وفي هذا الموضع بعينه ينتقل الضلع ويتغير
عن طبيعته إلى طبيعة أخرى فيصير غضروفا مكان عظم ويمكن أن يقطع بأهون سعي بسكين قوي حاد معا على مثال السكاكين التي ذكرت ووصفت في كتب القدماء وهي التي تسمى الرأسية وللبياطرة أيضا [وهم أطباء الدواب] مثل هذه السكاكين فاتخذ وأعد لنفسك مثل هذه السكاكين لتستعملها في قطع الغضاريف على نحو ما تراني أنا اتخذها وأعدها لنفسي واقطع بها في هذا الموضع الصدر وفي موضع آخر اقطع بها كل واحد من الأعضاء على النحو الذي وصفته لك قبل في عظم العانة وأصفه لك بعد في عظام أخر في المقالة التي تتلو هذه المقالة فإذا أنت قطعت الصدر كله 〈في الجانبين〉 قطعا مستويا من فوق إلى أسفل أمكنك أن تنظر إلى جميع ما في القلب وخاصة إن أنت قطعت جميع الجزء من الصدر الذي يحده القطعان اللذان يقطعان في الجانبين وقد وصفت هذا النحو من العمل قبل حين أمرتك أن تبتدئ من الغضروف الشبيه بالسيف وينكشف ويظهر لك أيضا وضع كل ما في الصدر أكثر في حيوان قد مات بعد قطعك الجزء منه الذي عند القس من كل ناحية من الأجزاء الغضروفية من الأضلاع إن أنت قلبت أجزاء الأضلاع المضامة للفقار ورددتها إلى خلف قلبا وردا قويا وقد رأيتموني أنا أيضا أفعل ذلك على هذه الصفة فعلا عنيفا أستكرهها به حتى أنه يتفق مرارا شتى أن ينكسر بعض هذه العظام أو تنقطع رباطاتها التي هي مشدودة بها مع عظم الصلب فإن أنت فعلت هذا كمثل فعلى نظرت إلى جميع ما في الصدر من الأعضاء نظرا شافيا وخاصة إذا قطع الحجاب من الأضلاع وأكثر من ذلك أيضا إن أنت فصلت ضلعين واحدا من الآخر بأن تقطع ما بينهما من اللحم غير أن هذا الأمر يحتاج إليه لا محالة عند تشريحك أجزاء الصدر وأما ما تريده من النظر إلى أجزاء القلب وهي التي كلامنا هذا فيها فلا حاجة بك فيه إلى مثل هذا القطع فإنه يكتفي
في ذلك بأن تقطع القس وحده مع أجزاء الأضلاع المتصلة به التي هي غضروفية ووضعها خلاف وضع أجزائها العظيمة وذاك أن تلك تأتي من عظم الصلب على التأريب إلى قدام وإلى أسفل وهذه إنما تجيء على النحو الذي بينته قبل إلى فوق وإلى القس على وراب.
٨. فأنت تنظر نظرا شافيا إلى العرق الأجوف يمتد منتصبا حتى يبلغ إلى اللبة وتنظر إلى الزوائد الناتئة التي منشؤها من القلب وهي التي تسمى آذان القلب لها طبيعة خاصية وجوهر ليس بموجود أصلا في عضو آخر كما أن جوهر القلب ليس له في الأعضاء مثل وكثير من الأعضاء التي يقال لها المتشابهة الأجزاء يشبه بعضها بعضا إلا أنه ليس جوهرها بالحقيقة جوهرا واحدا لمكن في كل واحد منها خصوصية ما يمكن أن نرسمها بالصفة والقول ونمثلها تمثيلا خفيا فأما أن نبينها بالقول بيانا واضحا كبيان الحس فالأمر غير ممكن وذلك أن الأشياء التي إنما يتعرفها تعرفا بينا من عاينها ولمسها [وذلك أن الأشياء التي إنما] 〈...〉 بالقول والصفة على الحقيقة غير أنه قد يمكن أن يسدد الإنسان إلى النظر إليها والتثبت فيها باستقصاء ويرشده إلى ذلك بالصفة فنقول إن القلب مركب من ليف مختلف الوضع ملفوف على كل طاقة منه لحم مفرد بسيط وهذا أمر عام شامل لجميع العضل والمعدة والأمعاء والمثانة والأرحام إلا أن الليف في هذه كلها 〈لا〉 متساو في القوة أو متساو في الغلظ ولا اللحم في جميعها لحم واحد بعينه على الحقيقة لكن اللحم الذي في العضل أشد حمرة وأكثر لينا من اللحم الذي في المعدة والأرحام والمثانة والذي في جميع جوهر الأمعاء وأما القلب فليفه أشد صلابة وأكثر اختلافا وذاك أن العضل ليفه ليف بسيط مفرد والقلب ليس ليفه بمفرد ولا بسيط فكذلك الأمر في الطبقة الخاصية من الأرحام والطبقة الخاصية من المثانة فمن نظر في هذه الأعضاء نظر توان واستحقار ظن أنه لا فرق بين
طبيعة القلب وطبيعة العضل أصلا كما أنه يظن أن لا فرق بين طبيعة العصبة والرباط والوتر وقد وصفت الاختلاف بين أجسام الأعضاء الأول البسيطة المفردة في غير هذا الموضع وأنا واصف ذلك أيضا فيما بعد هذا الموضع من الكلام إن أنا احتجت إلى ذلك وأما أن جوهر جرم القلب مباين جدا لجوهر العضل فقد بينت ذلك بيانا شافيا والشاهد الدال على ذلك مع بياني فعله وذاك أن حركة القلب حركة ليست عن إرادة ولا سكون لها ولا فتور ما دام الحيوام يحيى فأما حركة العضل فتسكن مرارا شتى ثم تثور وهي تابعة للإرادة طوعا لها وجميع المبرزين في علم الطبيعة من الأطباء والفلاسفة مجمعون على أن الأفعال إنما هي تابعة لخصوصات الجوهر وبهذا السبب صارت جميع الأعضاء التي نوع جوهرها نوع واحد وجد فعله فعلا واحدا بعينة مثال ذلك أن كل قلب ففعله فعل واحد بعينه إذا قيس إلى جميع القلوب وكذلك كل صدر إذا قيس إلى كل صدر وجد فعله واحدا بعينه وكل رئة إذا قيست إلى كل رئة وجدت عليا هذا المثال والكليتان والمثانة ليس فعلهما فعلا واحدا من هذه الأعضاء التي ذكرناها ولا فعل البطن والكبد ولذلك صار العضل أيضا ليس فعله وفعل القلب واحدا لأن ليس جوهره وجوهر القلب جوهرا واحدا بعينه ومما يدل على ذلك أيضا انك إذا طبخت فؤادا وعضلة أي عضلة كانت وجعلت طبخهما معا وأحببت أن تذوقهما وجدت بينهما بونا بعيدا في الطعم وكذلك لو أنك ذقت طحالا أو كليتين أو رئة أو معدة أو كبدا أو لسانا أو عضوا آخر فإن هذه كلها كما أن الذي يلسمها بيده وينظر إليها بعينه يجدها مختلفة في الصلابة واللين والكثافة والتخلخل وأصناف الألوان كذلك يجدها مختلفة في الطعم فأما من قال إنه إنما صار ليس للقلب فعل العضل بعيبه من قبل أن ليس له عصبة محركة
بل إنما له كما يظن أهل هذه المقالة عصبة حساسة فقد أخطأ في قوله خطأ عظيما جدا وأول خطئه في ذلك قلة معرفة بالجوهر وذاك أن القلب أصلب من جميع العضل وبينه وبينه أيضا فرق ظاهر في اختلاف ليفه وفي لونه وبينه وبينه أيضا مع هذا كله فرق آخر في الطعم فإن اختفالهما في الطعم دليل عظيم على اختلاف جوهرهما ولكني أحسب أهل هذه المقالة لم يأكل أحد منهم قط فؤادا مطبوخا وذاك أنهم لو كانوا أكلوه لعلموا أيضا لا محالة كم مقدار الفرق بينه وبين اللحم إلا أن يكونوا أيضا لا يعلمون أن اللحم كله أجزاء من العضل فهذه هي أبواب خطئهم في أمر جوهر القلب على أنا نقدر أن تتعرف حقائقها من الحس وتلزم ايضا معها أبواب أخر من الخطأ في طبيعة العصب إن كانوا يظنون أن الدماغ معما هو عليه من أن أجزاءه كلها يشبه بعضها بعضا خلا أن بعضها أكثر لينا وبعضها أقل يرسل ما يرسل به إلى ما أسفله من الأعضاء من الحس في عصب غير العصب الذي فيه يرسل الحركة الإرادية وذلك أنه يجب أن يكون العصب كله موجودا فيه هاتان القوتان كلتاهما إلا أن الأصلح والأوفق للحس ما هو منه لين وللحركة ما هو من صلب ومما يدل على ما قلت أنك تجد عصبا كثيرا مخرجه من أصل واحد يتفرع منه وتجد بعض ذلك العصب يأتي العضل وبعضه يأتي أعضاء أخر مثال ذلك ما تجده في الزوج الثالث من أزواج العصب الخارجة من الدماغ وفي الزوج السادس الذي منه تصل إلى القلب عصبة صغيرة وإنك تجد هذا الزوج تتفرق منه شعب تأتي القلب والرئة والكبد والمعدة وجداول العروق التي تأتي الأمعاء والأمعاء أنفسها وتاتي منه أيضا شعب أخر إلى عضل الحنجرة كله وإلى عضل أخر سواها والقائلون بأن القلب عضلة لم يروا من هذه الأمور شيئا ولا عملوا أنه يجب بحسب ظنهم أن يكون القلب
لو تسلب العصب المحرك لكان ستعدم الحركة الإرادية بهذا السبب غير أنه لم يكن ليتحرك حركة النبض لأن هذا الفعل أيضا يحتاج إلى سبب ولا بد لهم ضرورة من أن يقولوا أحد قولين إما إن هذا الفعل يصير للقلب من قبل طبيعة العصب وجوهره وإما إنه فعل طبيعي عريزي لهذا العضو ونحن نجد ان حركة النبض ليست لجوهر العصب ولو كانت له لكان جميع الأعضاء التي يأتيها العصب تكون لها هذه الحركة أيضا وكان متى قطع العصب لم ينبض القلب ولسنا نجد ولا واحدا من الأمرين يكون فقد بقي إذا أن تكون القوة الفاعلة للنبض إنما تبتدئ من نفس جرم القلب وما كانت هذه القوة لتبتدئ من هذا الجرم لو أن القلب كانت طبيعته طبيعة العضل نفسها التي في البدن كله وأحرى أن ما تجده من أن القلب يمكث يتحرك بعد خروجه من الصدر وقتا طويلا دليل ليس بصغير على أنه لا حاجة به في فعله إلى عصب فأنا أحسب أن جميع هذه الأشياء قد غابت معرفتها عمن يظن بالقلب أنه عضلة فأن القوم لم يفهموا مبلغ فعله ولا جلالته فيعلمون أنه يجب ضرورة أن يكون ذلك إنما صار له قبل خصوصية طبيعته فمن ظن أن القلب عضلة فقد أخطأ أعظم الخطأ وأما من ظن بأن المريء في جوهر العضل بعينه بالحقيقة فخطؤه أقل من خطأ أولائك وذاك أن الطبقة الخارجة من طبقتي المريء التي ليفها ممدود بالعرض قريبة لعمري من جوهر العضل ولكن ليس هذه أيضا بعضلة صحيحة ولو كان ما للقلب من القوة التي بها يفعل النبض إنما هو من قبل العصب لكان ينبغي أن يكون هذا الفعل بعينه موجودا للمريء ونحن نجد المريء أنه عند ازدراد الطعام ينقبض وكذلك ايضا عند القيء ونجد هذا الأمر موجودا للمعدة أيضا والأمعاء لأن هذه أيضا تنقبض وتنضم على ما في جوفها وذلك ليس
للمريء حركة النبض فأولائك القوم قد أخطأوا خطأ عظيما إذا لم يعرفوا أصلا فعل القلب وقوته وأما أنا فإني قد بينت في كتاب آراء بقراط وافلاطون أن القلب مبدأ القوة الغضبية وسميته بالينبوع والعين للحرارة العزيرية.
٩. وأنا مقبل هاهنا على ما هو خاص جهذا الكتاب مبتدئ في ذلك بذكر أذني القلب فأقول إن القدماء سموا هاتين الزائدتين أذنين من مشاركتهما للعضوين اللذين يسميان بالحقيقة أذنين وذاك أنه كما أن تينك موضوعتان عن جانبي الرأس كذلك هاتان موضوعتان عن جانبي القلب ومن تفقدهما وجدهما أقرب إلى طبيعة العصب والجلد من جرم القلب نفسه والذي يمكننا في تمثيلهما بالصفة هو هذا المقدار لا نقدر أن نجوزه والأجود والأصلح عن ما قلت أن يكون الطالب لمعرفة أمثال هذه الأشياء لا يقتصر فيها على الصفة لكن يستند الأمر فيها إلى النظر بالعين واللمس باليد فإن معرفة ألوان الأشياء وقوامها في الثخن والرقة والصلابة واللين إنما تستدل بهاتين الحاستين فقط وهذان العصوان أعني أذني القلب يضرب لونهما إلى السواد ويشهبان شبها بينا زائدتين من جنس الجلود وإنما خلقتا لتكونا حوضين دون تجويفي القلب وبهذا السبب جعلت هاتان الأذنان مقعرتين جرمهما من جنس الجلود فجعلتا مقعرتين ليكون منهما حوضان وجعلتا من جنس الجلود لتتبعا حركة القلب بأهون سعي على ما وصفت في كتاب منافع الأعضاء وهما أذنان على فم كل واحد من العرقين اللذين يوردان القلب ما يرده من مادتي الدم والروح والتي هي منهما في الجانب الأيمن هي موضوعة في الموضع الذي يلقى فيه العرق الشرياني في التجويف الأيمن من تجويفي القلب والتي هي منهما في الجانب الأيسر هي موضوعة في الموضع الذي يلقى فيه الشريان العرقي في التجويف الأيسر من تجويفي القلب وإذا أنت فتحت هاتين الأذنين ظهر لك جرم القلب حتى تراه وترى ذينك الفمين اللذين ذكرتهما والأغشية الموضوعة على مواضع اتصال العروق
ثلاثة منها على فم التجويف الأيمن من تجويفي القلب [واحد] واثنان على فم التجويف الأيسر وشكل هذه الأغشية شبيه بشكل [السين] أزجة السهام ولذلك سماها قوم من أصحاب التشريح ذوات الثلاث الألسن وقد يمكنك أن تنظر إلى هذه نظرا شافيا في فؤاد قد أخرج من بدن الحيوان وكذلك يمكنك أن تنظر إلى الفمين الباقيين وهما فما العرقين اللذين يخرجان إلى البدن من القلب ما يخرج إليه من مادة الدم والروح وذاك أن فم العرق الشرياني يخرج الدم من التجويف الأيمن من القلب إلى الرئة وفم الشريان الأعظم يخرج من التجويف الأيسر روحا ودما إلى جميع البدن وأنت ترى لكل واحد من هاذين الفمين أيضا ثالاثة أغشية شكلها شكل السين في حروف هجاء اليونانيين وهو هذا C وهذه الأغشية مائلة من داخل القلب إلى خارج كما أن ميل تلك الأغشية ذوات الثلاثة الألسن [ومنشؤه] من خارج إلى داخل وقبل أن يخرج الفؤاد من بدن الحيوان تحر أن تنظر إلى جميع شعب العرق الأجوف التي أنا ذاكرها بعد عند ذكري لتشريح العروق والشريانات وإلى اللحمة العظيمة التي يقال لها ثوموس وتفسيره التوتة وإلى أصل غلاف القلب وتفرس أيضا وتفطن كيف يجيء من تقصيع الأذن اليمنى عرق إلى عظم الصلب يركب على الفقارة الخامسة من فقار الصدر وتفقد أمر هذا العرق أنه لا يزال يجيء إلى هذه المواضع في جميع الحيوانات التي قلت إنه ينبغي لك أولا أن تروض نفسك في تشريحها ولكن ليس إنما يجيء هذا العرق دائما في جميع الحيوان من تقصيع الأذن اليمنى من أذني القلب بل في بعض الحيوان يجيء من العرق الأجوف إذا جاوز أذن القلب وصعد إلى اللبة والقرود بعض الحيوانات التي موضعها كذلك.
١٠. وأما العروق التي تغذو القلب دائما في جميع الحيوانات فمنبتها من ذلك التقصيع وهذه العروق يقال لها العروق التي تكلل القلب والعروق التي تحيط بالقلب لأنها تحف القلب وتستدير حوله كله وهما عرقان وكذلك من الجانب الأيسر يأتيان جرم القلب شريان منشؤهما من الشريان
الأعظم بعد منشئه الأول خارجا من الغشاء بقليل وهذه الأشياء الأجود والأصلح فيها على ما قلت أن تبحث عنها بعد إخراجك الفؤاد من بدن الحيوان وخاصة في الحيوانات العظيمة وذاك لأنه في جميع الحيوانات على مثال واحد من غير أن يدخلها شيء من التغير بسبب عظمها كما زعم ارسطالس إلا أن منظرها في القلوب الكبار أبين وأوضح ونظير ذلك أن العظم الذي في القلب يظنون أنه إنما هو في الحيوانات الكبار لا في الجميع إن تفرس فيه الإنسان وتفقد به حسنا وجده في جميع الحيوانات [الكبار] غير أنه لا يجده في جميعها عظما خالصا ويجده في موضعه من سائر الحيوانات شيئا وليس ذلك الشيء لا محالة عظما بل هو في بعضها غضروف والقضية في هذا جملة على ما أصف لك في جميع الحيوانات 〈و〉الأغشية التي ذكرتها وقلت إنه يقال لها ذوات الثلاثة الألسن وأصول الأوعية الشريانية هي معلقة في جوهر هناك وهذا الجوهر صلب لا محالة غير أن صلابته في جميع الحيوانات ليست على مثال واحد وذاك أنه في الحيوانات الصغار هو غضروف قليل الغضروفية وفي الحيوانات الكبار غضروفيته أظهر وأبين وفي الحيوانات التي هي أكبر من هذه هو غضروف خالص وفي الحيوانات التي هي أكبر من هذه أيضا هو غضروف عظمي وكلما كان الحيوان من جنس حيوان أعظم جثة كان ذلك الغضروف أقرب إلى جوهر العظم بحسب مقدار عظم جثة ذلك الحيوان وهو في الحيوان العظيم جدا يصير جل جوهره عظيما وحينئذ ينبغي أن تسميه عظما غضروفيا لا غضروفا عظيما لأن أكثر جوهره في أمثال هذه الحيوانات من جنس العظام فليس غضروفا وأما في الحيوانات الصغار جدا فليس هو ايضا بغضروف محض لكنه جسم فيما بين العصبة والغضروف وليس يعجب ان يكون من لم يرض نفسه في التشريح لا يعرف هذا الجسم بتة ولا يقف عليه في الحيوانات الصغار إذ كان قد تفوتهم معرفته مرارا شتى في حيوانات أعظم منها وما حاجتي إلى ذكر الحيوانات الكبار وهاهنا أمر أخبرتك به طريف وهو أنه ذبح برومية منذ قريب فيل عظيم فاجتمع خلق كثير من الأطباء يريدون تشريحه ليعلموا إن كان لفؤاده رأسان محددان أم رأس واحد وهل
هو تجويفان أم ثلاثة تجويفات وكنت أنا أقضي تباني وتبعة مني واتكالي أن قلبه يوجد مهيئا بهيئة قلوب جميع الحيوانات التي تتنفس بالهواء فوجد ذلك لما شرح فؤاد الفيل على ما قلت ووقفت أنا على العظم الذي في قلبه ووجدته بأهون سعي حتى وضعت أصابعي عليه وأصابع أصحابي وأما من حضرنا من الأطباء الأخر فكانوا ممن لا دربة له وكانوا يتوقعون أن يجدوا في هذا الحيوان العظيم ما لا يوجد في غيره من الحيوان فلما فتشوا وكثروا التفتيش لم يجدوا هذا العظم وظنوا أن قلب الفيل أيضا ليس فيه عظم وكنت أنا أحب أن أريهم إياه إلا أن أصحابي لما كانوا فيه من السخرية بهم والضحك منهم عند ما وجدواهم عليه من عدم الحس بسبب جهلهم بموضع العظم سألوني وطلبوا إلى أن لا أوقفهم عليه ولا أريهم إياه فامتنعت بهذا السبب من ان أريهم إياه وأوقفهم عليه ولما جاءوا قصابو قيصر فأخذوا فؤاد ذلك الفيل وجهت رجلا من أصحابي ممن له دربة واحتناك في هذه الأبواب وأشباهها وأمرته أن يسأل أولائك القصابين أن يأذنوا له في إخراج العظم الذي في الفؤاد فأجابوه إلى ذلك والعظم عندي إلى يوم الناس هذا وليس هو بعظم صغير المقدار وكل من رآه يعجب وليس يصدق بأن مثل هذا العظم ذهب عن اولائك الأطباء الأخر فلم يقفوا عليه وفي هذا الدليل على أن أعضاء كبارا من أعضاء الحيوانات تذهب عمن لا دربة له فلا يقف عليها وليس يعجب أن يكون ارسطالس أخطأ في ظنه بأن للقلب في الحيوانات الكبار ثلاثة تجويفات وفي أشياء أخر كثيرة وإذ كان الأمر على هذا فليس ينبغي أن يتعجب منه أنه أخطأ في الوقوف على الأعضاء لأنه كان ليس بمحنك ولا مدرب في التشريح فبهذا السبب ليس ينبغي أن يلام وذاك أنه لما كان من قد يفرد طول عمره لهذا العمل مثل مارينوس قد أخطأ في أشياء كثيرة فما تراه يعرض لقوم إنما ضربوا أياديهم إلى التشريح بغته فصدقوا بما رأوه من أول دفعة وقبلوه قبولا ولم يروا أنهم يحتاجون إلى معاودته والنظر إليه مرة أخرى أما أنا فأقسم بالله مجتهدا أن أشياء كثيرة مما لم أكن رأيته الذي
في القلب 〈...〉 فإنه لم أكن سمعت من أحد ممن يؤدبني لا في أي موضع هذا العظم موضوع ولا إن كان موجودا في جميع الحيوانات والتمست معرفته والوقوف عليه بأن شرحت القلب وفصلته أجزاء صغارا وذاك أنه سبق إلى ظني أن هذا الضرب من البحث أحكم وآمن ما يكون فلما وقفت مرة واحدة على أن أصول الأغشية معلقة منه وكذلك منابت الشريانات سكنت نفسي وصدقت أولا أنه لا بد ضرورة من أن يكون هذا الأمر قد قصد له في الخلقة ونحي نحوه في جميع الحيوان ثم إني بعد ذلك عرفت هذا بالتجارب بأن اتبعت وقفوت المنابت الأول التي منها منشأ هذه الأعضاء التي ذكرتها ولكثرة ما باشرت من ذلك بالتجارب صرت أخرج هذا العظم في أسرع الأوقات بأسهل الوجوه من كل قلب يدفع إلى وصار كثير من أصحابي يقفون على موضع هذا العظم من القلب سريعا وأما من لم يحضر ذلك مني فليتقدم فيتعلم مني بالصفة أمر هذا العظم ثم يأخذ في مباطشة التشريح فيكشف عن التجويف الأيسر من تجويفي القلب ويفتح جميع منشأ الشريان الأعظم المسمى اورطي بالطول وإنه إن فعل ذلك ثم قفا وتبع أصل هذا الشريان وأصول الأغشية بعناية وتفطن وقف على ذلك العظم ووجده بأهون سعي لأن أصل هذا الشريان وأصل الشريان العرقي وأصل الأغشية التي هي على فوهات هذه الشريانات أيضا جميعها في عظم القلب والأمر على ما قلت من أنه قد يمكنك أن تنظر إلى هذه الأشياء كلها إذا أنت أخرجت القلب من بدن الحيوان وتنظر أيضا مع هذا إلى الحفر التي هي في كل واحد من تجويفي القلب بمنزلة الآبار وغورها غور كبير وإن أنت شرحت القلب من حيوان قريب العهد بالموت وفعلت ذلك بعناية وحرص أيقنت وصدقت بأن هذه الحفر نافذة بعضها إلى بعض بأفواه دقاق لا يدركها الحس ويمكنك أيضا عند ذلك أن تنظر إلى العروق التي تحف القلب وتكلله أنها تتقسم منه بضروب شتى من التقسم وتراها موضوعة بعضا إلى جانب بعض ومجراها على الموضع الذي يضام فيه تجويفا القلب واحد للآخر.
١١. فإذا أنت كشفت عن جميع القلب رأيت أن تجويفه الأيسر يرتقي حتى يبلغ إلى أقصى رأس القلب المحدد وأن تجويفه الأيمن يبلغ وينتهي أسفل من ذلك بكثير وكثيرا ما يكون لهذا التجويف حد خاص يحده وخاصة في الحيوان العظيمة الأبدان بمنزلة الأفراس والثيران والجمال وأكثر من ذلك في أبدان الفيلة وربما كان ذلك أيضا في أبدان الحيوانات الصغار الأبدان من ذلك أن رجلا ذبح في بعض الأوقات ديكا يتقرب به إلى الله فوجد لفؤاده رأسين محددين فجمل هو الأمر على أن هذا الأمر تهيأ له لينبهه على أمر ما من طريق التكهين ثم إنه أحب أن يتعرف هذا من أهل المعرفة بهذه الأشياء فاتفق أنه لقيني من غير تعمد فقال لي إني ضحيت ضحية الله فوجدت في حيوان واحد فؤادين ولم يكن على ما وقع في وهمه من أنهما فؤادان مضمومان بل إنما كان رأس التجويف الأيمن منحازا بحيز خاص يحده ويفرزه من رأس التجويف الآخر وقد ينبغي لك أن تعلم يقينا أنه إن كان الحيوان فيلا أو غيره مما هو أعظم بدنا منه أو كان قبيرا أو غيره مما هو أصغر خلقة فؤاده وهيئته على مثال واحد في الجميع والأجود أن لا نقول على مثال واحد لكن نقول إن الخلقة والهيئة في الجميع خلقة وهيئة نوعها نوع واحد بعينه وإذا أنا مررت في كتابي هذا حتى أصير إلى ما أريد ذكره فيما بعد فسأصف كيف الحال في فؤاد السمك وجميع الحيوان الذي مأواه الماء وأما هاهنا فإني أريد أن أبحث أولا عن هذا القول في الحيوان الذي ينسم الهواء فأقول إنك تجد القلب في جميع هذا الحيوان مهيئا بهيئة واحدة بعينها وكذلك تجد هيئة الرئة التي ذكرتها قبيل ووصفت الحال منها وأحسبني قد قصرت من ذكر هيئة القلب في شيء واحد أنا ذاكره في الموضع الذي أذكر فيه تشريح العصب في الرئة والقلب جميعا وأقول إن أذني القلب خارجتان من تجويفيه فإن وجدت أحدا قد قال إنهما أجزاء من القلب كما فعل ذلك ايروفيلس فوجب عليه من ذلك أن يكون قد كثر عدد فوهات القلب وسبق إليك بذلك السبب الظن بأنه غير موافق لارسسطراطس ولا لنا إذ كنا قد قلنا إن جميع فوهات القلب أربع فوائه منها لواحد واحد
من العروق والشريانات التي تورد أو تخرج شيئا وأنت قادر على أن تتعرف حقيقة الأمر في ذلك من كتابي الذي وصفت فيه ما وقع بين أصحاب التشريح من الاختلاف فتعرف الوجه الصحيح في تعرف ما احتلفوا فيه من أمر الأشياء التي يقع عليها العيان في نفس العيان والأشياء التي اختلفوا منها فيما رآه كل واحد منهم من الرأي فيما ذكر عليه العيان والأشياء التي اختلفوا منها في النحو الذي نحاه كل واحد منهم في تعليمهم إياها الناس وأنا أقول إن في التجويف الأيسر فوهة على رأس الشريان العرقي وهي الفوهة التي عليها أغشية مائلة من خارج إلى داخل وليس تبقى هذه الفوهة واحدة إذا هي بعدت عن رأس الشريان لكنها على المكان في التغوير الذي في الأذن تنقسم إلى أربعة أجزاء ويذهب كل واحد من هذه الأجزاء إلى واحد من أطراف الرئة وأهل التشريح كلهم مجمعون على أن أطراف الرئة ليس يختلف عددها كما يختلف عدد أطراف الكبد لكنها في جميع الحيوانات التي كلامنا فيها لها طرفان في الجانب الأيمن وطرفان في الجانب الأيسر فقد أجمعوا أيضا وإن لم يكونوا كلهم لكن 〈من〉 أحذقهم وأشدهم كان استقصاء في التشريح أن في الجانب الأيمن من الصدر طرفا آخر صغيراخامسا كأنه شعبة من أحد ذينك الطرفين وأنت تقف على هذا الطرف بأهون ما يكون من السعي إذا أنت وضعت ذهنك في العرق الأجوف وقفوت أثره لأن هذا الطرف موضوع تحت ذلك العرق في أول مطلعه إلى الصدر إذا جاوز الحجاب وربما رأيت في سطحه الظاهر تغويرا في الموضع الذي كان هذا العرق يطؤه ويتوكأ عليه منه فلا وقت ما كان الحيوان يحيى وذاك أنه بعد موت الحيوان ترى الرئة دائما ضامرة صغيرة وتكون الفرجة بينها وبين الصدر ليست بيسيرة على خلاف ما كانت عليه في وقت حياة الحيوان وسأصف لك ذلك فيما استأنف إذا أنا فرغت من الكلام في القلب واستقصيته وقد بقي علي من أمر القلب أن اصف كيف السبيل إلى كشفه والحيوان حي من غير أن تثقب
تجويفي الصدر.
١٢. وإذا أنت أخطرت ببالك وذكرت ما قلته لك قبل في سبب اتصال غلاف القلب لم يعسر عليك أن تقف عن نفسك على السبيل الذي ينبغي لك أن تسلكه في الكشف عن القلب وذلك أن الأمر معلوم في أنه لا سبيل إلى كشفه غير السبيل الذي به كشف والحيوان قد مات على ما وصفت فيما سلف وعسى أن يكون الأجود والأصلح رد الكلام وإعادته كله ثانية لما في ذلك من الاتضاح فأنا فاعل ذلك وقائل إنه ينبغي أن يكون الحيوان الذي يقع به التشريح حيوانا حيا فتى كيما يمكنك ان تقطع بالسكين من غير أن تحتاج إلى ساطور وتلقي الحيوان على قفاه فوق لوح مثل الألواح التي رأيتموني أعددت منها عدة كثيرة صغار وكبار ليوجد أبدا لوح موافق لمقدار الحيوان الذي يمدد عليه ولتكن في اللوح ثقب وتكون الثقب واسعة لينفذ فيها مع الحبال الدقاق ما هو أغلظ منها أيضا بأسهل ما يكون ويكون بالحضرة خادم قد تعلم إذا هو مدد الحيوان على اللوح شد في أربع قوائمه أربعة حبال وأخرج الحبال من تلك الثقب وربط أطرافها من أسفل واحدا بالآخر وإن كان للحيوان شعر كثير على صدره فينبغي أن يحلق فهذا ما يحتاج أن يتقدم فيه من إعداد الحيوان الذي تريد تشريحه وأما أنت فينبغي على ما وصفت لك أن تقطع بسكين عظيمة قطعا يذهب إلى جانب القس من فوق إلى أسفل على استقامة حتى تبلغ إلى الغضروف الشبيه بالسيف ثم ترد السكين من هذا الموضع كما أنت وخلص القس مما تحته من الأعضاء بقطع يذهب عرضا وافعل من ذلك ما شئت إن أحببت أن تقطعه مع الغضروف الشبيه بالسيف وإن أحببت أن تقطعه وحده ثم اصعد من هناك أيضا كما أنت قاطعا بتلك الضربة التي ضربت السكين بعينها على ذلك المثال إلى جانب القس حتى تبلغ إلى الموضع الذي كنت رأيت في بدن الحيوان الميت أن غلاف القلب لاصق به وهذه أشياء قد كنت أمرتك أن تفعلها في
الحيوان الذي قد مات وأما الحيوان الحي فالوجه في العمل في القطع وجه بعينه وفيه شيء زائد عليه وهذا الشيء الزائد لا حاجة لمن قد حضرني أنا أقطع إلى الإكثار عليه في صفته وأما من لم يحضرني ولم يرني أقطع فلا بد ضرورة من أن أقول له إن العروق والشريانات التي تنحدر من الصدر إلى مراق البطن وممرها إلى جانب الغضروف الشبيه بالسيف هي في كل واحد من الجانبين زوج وإذا قطعت هذه فلا بد ضرورة من هذا التشريح الذي ذكرناه من أن ينبثق الدم وخاصة من الشريانات وليس من شيء أفسد ولا أقطع لكل عمل يعمل في بدن الحيوان من انبثاق الدم فينبغي لك الآن إذا أنت تقدمت فعرفت هذا ففي أول ما ترى الدم قد انفجر وأخذ يزرق من الشريانات إذا أنت علمت أن القطع الذاهب من فوق إلى أسفل قد انتهى منتهاه فرد السكين بالعجلة إلى الوجه الذي يقطع فيه عرضا على ما وصفت لك واضبط باصبعي يسارك الإبهام والسبابة القس في الموضع الذي منه ترى الدم قد انفجر حتى تكون إحدى إصبعيك غطاء على رأس الشريان وتضبط بالإصبعين كلتيهما عظم القس كله ضبطا محكما واحرص على أن تفعل هاذين الأمرين كليهما في وقت واحد أحدهما أن تقطع بالسكين سريعا وتصل منتهى القطع 〈الذاهب من فوق إلى أسفل أولا بالقطع〉 الذاهب عرضا وبعد ذلك بالقطع الذاهب من أسفل إلى فوق والثاني أن تقلب القس بأصابعك إلى قدام فإنك إذا قلبته حسنا تبع ذلك شيآن أحدهما أن انفجار الدم من الفم الآخر الذي لا يضبطه المتولي للتشريح يسكن وينقطع من ساعته والثاني ان التزاق غلاف القلب بالقس الذي هو يدلك على منتهى القطع يظهر لك عيانا وذاك أنك إذا قلبت القس إلى قدام صار طرفه الأسفل مشرفا فينقص بسبب هذه النصبة ما يسيل
الدم ويتغير وضع العروق والشريانات وذلك أنها تنثني وتنعطف في الموضع الذي فوق القس ولا يكون ذهابها من فوق إلى أسفل على استقامة وتحت القس من داخل ممدودة من الشريانات والعروق الكبار زوجان وهما اللذان قلت إنهما لما كان ينحدران إلى المراق مارين إلى جانب الغضروف الشبيه بالسيف صار القطع ينالهما في هذا العمل وأما العمل في الذي أمرتك أن تقطع فيه الأضلاع على عطفاتها حيث تتغير أولا عن العظيمة إلى الغضروفية فليس يتخوف أصلا من انفجار الدم وذاك أن العروق والشريانات التي هي هناك صغار والقطع الذي يقطع من جانب واحد ينتفع به من أراد أن ينظر إلى شريانات الرئة والحيوان حي بعد وأما هذا القطع الذي نحن في ذكره ففيه منافع في أبواب أخر سأذكرها بعد وفيه أيضا أنه على ما وصفت يحفظ التجويف الذي في جانب الصدر سليما لا تقع 〈آفة〉 فيه 〈و〉من العمل باليد ثالث يكون في حيوان حي بعد والفرق بينه وبين العمل الذي قلناه أولا أن القطع يكون فيه في جانبي الصدر على مثال واحد وسأفهمك منفعة هذا القطع بعد قليل وأما منفعة القطع الأول فقد عرفتك منها ما يكتفى به فهذا موضع ينبغي لك أن تفهم أمر هذا القطع الذي نحن في ذكره وأجود ما تفعل هذا القطع إذا أنت كشفت عن القلب من غير أن تحدث في شيء من تجويفي الصدر ثقب وفي بعض الأوقات يعرض في هذا العمل الذي ذكرناه أن ينشق غلاف القلب ومرارا كثيرة يسلم ولا يقع فيه خرق أصلا ويعم العملين جميعا ويشملهما أن نشرح هذا الغلاف حتى يكشف عن القلب من غير أن تخرق الأغشية التي تقسم الصدر فإنه متى انخرق منها شيء فلا بد ضرورة من أن يقع الحيوان في بلية تعرض له منها أعراض أنا ذاكرها فيما استأنف من القول وهي الأعراض التي تعرض عند انخراق الصدر فأما القلب الذي تكشف عنه
فينبغي أن تستبقي معه الأفعال كلها سليمة من الآفات كما أنها تسلم وتبقي متى كان عملك على جيد وذاك أنك ترى الحيوان يتنفس على ما لم يزل ويصيح وإن أنت أطلقته من الرباط أحضر كما كان في قديم الأمر يحضر وإن أنت شددت القطع برباط رأيت الحيوان يدنو من الغذاء فيتناول الملف إن اتفق أن يكون جائعا ويشرب الماء إن كان عطشان وما ذلك يعجب وذاك أنه إذا كان غلام مارلوس الكاتب لأحاديث الحرارة قد برئ وهو حي إلى هذا الوقت على أن قلبه قد كان انكشف في وقت ما فالبهيمة أولى بأن لا تنالها من مثل هذه الحراجة آفة بحسب فضل بعدها عن قبول الآفات إذا أقيست بالإنسان.
١٣. وإذا قد أجريت ذكر هذا الغلام الذي قد برئ فلا بأس بأن أقتص جميع ما كان من أمره لأن اقتصاص ذلك أجود لما في حديثه من المنفعة وإن كان ذلك ليس مما هو خاص لهذا الكتاب فأقول إن هذا الغلام أصابته في المحاربة ضربة على قسه فتوانى عن نفسه وتوانوا عنه في أول أمره ثم إنه في آخر الأمر عني بشأنه عيانة ليست بجيدة فمن بعد أربعة أشهر ظهرت في العضو الذي قد وقعت به الضربة مدة فأراد الطبيب المتولي كان لعلاجه أن يخرج تلك المدة فبط الغلام وظن بأنه قد أصاب في مبادرته إلى إدمال الجرح فلم يلبث أن تورم ذلك الموضع وجمع مدة فبطه أيضا فلم يمكن حينئذ أن يندمل فجمع مولاه بهذا السبب أطباء كثيرا كنت أنا أحدهم وأمرهم أن يتناظروا ويبحثوا عن مداواته فاتفق القوم بأجمعهم على أن بعض عظام قسه قد فسد فلهذا ولما كان يظهر من حركة القلب في الجانب الأيسر لم يجرؤ أحد منهم أن يتقدم فيقطع العظم الفاسد وذاك أنهم كانوا يظنون أنه لا بد ضرورة من أن ينثقب الصدر إن هم قطعوا ذلك العظم فضمنت لهم أنا أني
أقطع ذلك العظم من غير أن أثقب الصدر ولم أضمن أني أبرئه برءا تاما وذلك أن الأمر كان غير معروف في العلة هل بلغت إلى شيء مما تحت القس ومقدار كم بلغت ولكن بعد أن انكشف الموضع لم نر هناك شيئا به آفة خلا القس الذي قد رأيناه منذ أول الأمر مؤوفا فكان ذلك مما زادني صحة غريمة وثقة بالتقدم على مداواته وذاك أني رأيت جانبي القس اللذين تحتهما العروق والشريانات لاصقة سليمين باقيين على حالهما لا آفة بهما ولما قطعت العظم الفاسد من الموضع الذي فيه خاصة يلتزق الرأس المحدد من غلاف القلب بالقس وظهر القلب حتى صار يرى مكشوفا لأن غلافه كان في هذا الموضع قد تعفن لم أثق في ذلك الوقت ببرء الغلام ولم أرج إليه خيرا غير أنه برئ برءا تاما في وقت يسير وما كان هذا ليكون لو أن أنسانا لم يتضرم في أمره وتقدم على قطع العظم الفاسد ولا كان أحد يتضرم في ذلك ويتقدم عليه إلا من كان مدربا محتبكا في عمل التشريح ومما يدلك على ذلك أن رجلا آخر في ذلك الوقت قطع موضعا كان قد تعفن من العضد بسبب خراج جرح فيه فلجهله بالأعضاء التي في ذلك الموضع قطع شريانا ذا قدر فاضترب عليه امره وتشوش بسبب انفجار الدم في ذلك الوقت وبكد ما قدر أن يشده برباط وذاك أن الشريان تهيأ أن كان غائرا فلم يزل حتى قطع الدم ودفع بذلك ما كان بحاذر على المريض بسبب انفجاره إلا أنه على حال قتله بوجه آخر وذاك أنه ربطه رباطا شديدا فعرض من ذلك أن الشريان أولا صار كالميت ثم صار جميع ما حوله كذلك وهذا قول إنما قلت منه هاهنا على الطريق قليلا من كثير لما فيه من البيان على منفعة هذا الكتاب الحاضر لمن كان معه عقله.
١٤. فلنرجع الآن إلى الكلام الذي كنا فيه منذ أول الأمر وهو الذي كنت أقول فيه إن ضروب عمل اليد والحيوان حي ثلاثة يعمها كلها شيء واحد ويخص كل واحد منها شيء وذاك أنه إما أن يكتفى بقطع واحد يمر على معطف الأضلاع يقطع بسبب ما يراد من النظر إلى شريانات الرئة وإما أن يضاف إليه قطع آخر يقع على الجانب الآخر من الصدر وأنا ذاكر منفعته بعد قليل والعمل الثالث مع هاذين العمل الذي يكشف فيه القلب من غير أن يثقب الصدر وليس يعجب أن يقع في الصدر قطع ولا يقع فيه خرق ولا ثقب وذاك أن الخرق والثقب إنما يعنون به في الصدر أن يكون القطع نافذا يبلغ إلى تجويفي الصدر اللذين فيهما الرئة موضوعة وأما كل قطع آخر يقع بالصدر فهي تسمى جراحة في الصدر ولا يقال إنه خرق ولا ثقب في الصدر وأنا واصف لك ما المنفعة في أن يكشف عن القلب هذا الكشف فأقول إن أول المنافع في ذلك أن ننظر نظرا بينا إلى نبض القلب على أي وجه كان وننظر هل القلب إذا انبسط قرع الصدر ودنا من مواضع القس أم إنما يفعل ذلك في الوقت الذي ينقبض فيه والمنفعة الثانية أن تكشف في ذلك الحيوان بعينه عن شريان عظيم كما قد رأيتموني في الكشف عن الشريان الذي في الجالب ثم تنظر ونتثبت حسنا إن كان في وقت ما ينبسط القلب ينبض الشريان وفي وقت ما ينقبض القلب ينبسط الشريان أم ينبسطان وبنقبضان كلاهما في وقت واحد بعينه والمنفعة الثالثة أن نأخذ القلب ونمسكه بيدين أو بكلابتين كما من عادتي أن أفعل لما هو عليه من سرعة الانفلات والطفر من الأصابع ثم ننظر أي عارض يعرض للحيوان ومع هذه المنافع أيضا منفعة أخرى في الرد على من زعم أنه إن ربط منبت الشريان العظيم أو على ما يقول قوم أخر منبت الشريان الذي يأتي الرئة
〈العرقي〉 عرض للحيوان من الأعراض كذا وكذا من غير أن يتفقوا كلهم فيما يذكرونه من الأعراض على أعراض واحدة بأعيانها وذلك لأنهم إنما يكذبون ففي كشف القلب على هذه الصفة من المنفعة في هذا أن يتبين به لهؤلاء أن ليس يمكن أن يشد أصل هذا الشريان برباط خلوا من أن يثقب الصدر ولا إن شده أيضا إنسان برباط يقدر أن يستوثق من أصل الشريان استيثاقا يسد به فمه وقد جربت أن القائل لهذا القول إنما هو أبدا من لا يقدر على كشف القلب دون أن يثقب الصدر وإن ضيق عليهم إنسان وأخذهم بشدة ثقبوا الصدر من ساعتهم وقالوا إن هذا الأمر عسر شاق ليس علمه سهلا ولا هينا فيؤخرون بهذا السبب العمل ويدافعون به إلى وقت آخر على أنهم إن أصابوا في العمل إذا عملوه مرة أخرى وكشفوا عن القلب من غير أن يثقبوا الصدر وشدوا بوعمهم أصل الشريان برباط وتبينوا بيانا واضحا ما ضمنوا بيانه ولذلك نحن تضمن ونفعل خلاف ضمانهم وفعلهم وذاك أنا نكشف عن القلب بأهون سعي من غير أن نثقب أو نخرق شيئا من الأغشية الفاسمة لتجويف الصدر ثم نأمرهم بأن يشدوا الشريانات التي منشؤها من القلب برباط فهم لا يزالون يجتهدون ويقتلون أنفسهم وياخذون أمرهم بالشدة والقسر من غير أن يؤثروا أثرا ينتفع به حتى يقطعون شيئا من الأغشية ويحدثون في الصدر ثقبا ويقولون في ذلك الوقت إنه لا ينبغي لهم أن يعملوا هذا العمل بتة ولكنا نحن نكشف عن القلب في حيوان آخر وندفعه إليهم ونأمرهم أن يفعلوا ذاك ويعاودوا العمل مرة أخرى ولا نزال نفعل بهم هذا حتى يفتضحون ويجزون فيما قد كانوا به يفتخرون لأنه ليس يمكن ان يشد أصل هذه الشريانات برباط وأما أصل القلب فيمكن أن يشد برباط لكن الحيوان يموت على المكان ومما يدل على ذلك ما عرض للرجل الذي قال إن الشريان العرقي إذا شد برباط عندما يكشف عن القلب من غير أن يثقب الصدر بقيت الرئة تنبسط دائما فإن هذا الرجل رد عليه ووبخه إنسان من أصحابنا يحضره خلق كثير شهدوا له على ذلك وعلى
أن إنسانا كثيرا يبلغ بهم التكابر والجراءة إلى أن يكابروا فيما ليس علم لهم به أهل المعرفة والعلم به وخاصة إذا أخذوا في الكلام في الشريان العرقي الذي ينقسم داخلا من أذن القلب وهم يزعمون أنهم قد شدوه برباط كأنه عند منبته ومنشئه واحد وعرض لذلك الحيوان هاتان الآفتان الواحدة أن جميع الشريانات التي في البدن كله صارت غير متحركة بسبب ما عدمته من مجيء الروح الذي كان يملأها والثانية أن الرئة بقيت على حال واحدة من الانبساط بسبب أن القلب لم يجتذب منهما شيئا وقوم أخر يزعمون أنهم يربطون قصبة الرئة برباط ويبينوا أن الرئة تستفرغ من غير أن يزيدوا في دعواهم بالقول كانت الدعوى أم في كتاب فإن منهم قد أدعوا في كتبهم أنهم قد رأوا الرئة تنقبض هل ترى ذلك خلوا من أن يثقب الصدر أم الصدر مثقوب على أن الأمرين جميعا شنعان وذلك لأن الصدر إذا انثقب فسدت أمور التنفس كلها وقبل أن ينثقب ليس يمكن أن ترى الرئة اللهم إلا أن يشاء الإنسان أن يقطع الأضلاع ويستبقي الغشاء المستبطن للأضلاع سليما من الآفات والقوم الذين يهذون هذا الهذيان لا يقولون هذا أيضا وسأذكر هذه الأشياء فيما بعد عند ما آخذ في تشريح الصدر خاصة ولنرجع الآن إلى ما كنا فيه ونذكر ما يرى في القلب إذا هو كشف.
١٥. وقد كان الضرب الثالث من العمل الضرب الذي يكون فيه قطع الصدر على معطف الأضلاع والأمر في أن الحيوان الذي يعمل به هذا العمل يموت سريعا موت اختناق إذ كان تنفسه يبطل معلوم والأشياء التي تظهر في القلب هي هذه وأنا راجع أولا إلى صفة العمل نفسه كيما لا يبقى علي من هذا
الباب ولا بقية يسيرة غير معروفة ولا غير ظاهرة فأقول إذا أنت تعرفت بالحقيقة في حيوان ميت مواضع المعاطف التي يعطفها كل واحد من الأضلاع وحفظتها في ذكرك فمد يدك إلى حيوان حي ومدده على قفاه على الشكل والنصبة التي علمتكاها قبل بقليل ويكون عملك على هذه الصفة احلق الشعر أولا عن المواضع التي تريد أن تقطعها من الصدر ثم اقطع قطعين ذاهبين في طول بدن الحيوان واقطع بهما معاطف الأضلاع على ما وصفت لك ومن بعد هاذين القطعين اقطع قطعا ثالثا ذاهبا في العرض على الغضروف الشبيه بالسيف والأمر في أنك تصادف وتلقى هناك عروقا وشريانات معلوم لكن استخف هاهنا بانفجار الدم منها ولا تلتفت إليه إذ كان ليس شأنك هاهنا استبقاء الحيوان حيا ولكن على حال اقلب القس كله على ما وصفت لك قبل إلى فوق واقطع في أسفله قطعا آخر رابعا بعد الثلاثة التي ذكرناها تفصل به القس من غلاف القلب وإن أنت ثقبت هذا الغلاف وقطعته كله بأي ضرب كان ذلك من غير أن تشرح القلب لم تبال في هذا الموضع وذلك لأن قصدك في هذا التشريح إنما هو لتنظر إلى تجويفي القلب ينبضان جميعا على مثال واحد وتعلم أن الأمر ليس كما قال قوم من أن التجويف الأيسر وحده ينبض وتربح مع هذا معرفة أمر آخر لم تقصد له وهو أنك ترى رؤية بينة أكثر مما رأيت قبل هل الشريانات التي في بدن جميع الحيوان تنبسط وتنقبض معا في وقت واحد بعينه على وزن واحد غير أن هذه أمور تراها من ساعتك رؤية بينة إذا أنت كشفت عن القلب حتى إذا مضى بذلك الوقت رأيت حركات تجويفي القلب كليهما يسيرة وصار فيما بين تلك الحركات سكونات طويلة ومما يرى أيضا رؤية بينة أن انبساط التجويف الأيمن من القلب يكون من نفس طبيعته وأكثر مما ترى ذلك رؤية بينة كلما قرب التجويفان من عدم الحركة وذاك أن اول ما تسكن حركته من كل واحد من التجويفين
الأجزاء التي تلي منه الرأس المحدد من القلب والثاني بعدها الأجزاء المجاورة لها ولا يزال الأمر يجري ويسعي على هذا دائما حتى تبقى قادعتاهما تتحركان وحدهما وإذا سكنتا هاتان ايضا بقيت تظهر في أذني القلب حركة يسيرة تقع فيما بين سكونات طويلة وينبغي أن يبحث عن السبب في هذا الذي يظهر على ما وصفنا فإنه ليس من الحق أن يكون لواحق موصولة بالقلب لاصقة به يظهر أنها تتحرك وقتا طويلا أكثر مما يتحرك جرم القلب لكنا إنما لم نقصد في هذا الكتاب البحث عن الأسباب لكنا إنما نريد أن نبحث عما يظهر في التشريح.
١٦. فجميع ما هو اضطراري لا بد منه وما هو نافع يجدي فيما ينظر في القلب إذا شرح والحيوان حي قد قيل أكثره وقد كان ينبغي أن نتخطى من هذا إلى ما يظهر في الصدر والرئة ولكن لأن قوما ممن يضمن أنه يتبين بيانا ظاهرا أن الشريان خال من الدم يكثرون كلامهم ويكابرون بلا حياء فيكذب كل واحد منهم في شيء غير شيء الذي يكذب فيه صاحبه من الأشياء الظاهرة في التشريح فقد احتجنا لذلك إلى الترتيب† والاحتباس في هذا الموضع بعد الذي 〈...〉 تقدم فأقول إن رجلا كان يضمن دائما أن يبين أن الشريان العظيم خال من الدم من غير أن يكون من ذلك أصلا في وقت من الأوقات فأتوه قوم من أحداثنا ممن يميل قليلا إلى حب الكرامة بحيوان وسألوه ان يبين لهم دعواه فزعم أنه لا يتبين ذلك مجانا وأحضروا أؤلئك الأحداث فيما بينهم ألف درهم ووضعوها له في الوسط على أنه إن بين ذلك أخذها فلما فعلوا ذلك جعل الرجل يتحول من ناحية إلى ناحية ويتردد ترددا كثيرا حتى لما ضغطه الأمر وألح عليه جميع من حضره حمل نفسه على أخذ سكين وقطع في الجانب الأيسر من الصدر في الموضع الذي ظن أنه أقرب المواضع التي إذا ثقبها من الصدر ظهر له ذلك الشريان العظيم ظهورا بينا فإذا هو قد حصل من مبلغ دربته في التشريح وعلمه به أن جعل القطع
〈...〉 فيما بين الأضلاع إلا أنه في أول ما قطع بتر العرق والشريان فضحكوا منهما أولائك الفتيان الذين وضعوا الألف درهم ثم أخذ الفتيان في ذلك العمل فعملوا عيانا ما كان أولائك القوم يتحدثون به حديثا وأظهروا للجماعة الحاضرة وذلك بان قطعوا الموضع الذي فيما بين الأضلاع على ما قد كانوا رأوني أفعل من غير أن يثقبوا شيئا من العروق والشريانات وشدوا الشريان برباطين أحدهما ربطوه به دون منشئه من القلب ساعة يطلع والآخر في الموضع الذي يريد العرق أن يستند ويتوكأ فيه على عظم الصلب كيما يتبين ما هو من الشريان فيما بين الرباطين بعد موت الحيوان فارغا كما ضمن أولائك السفهاء ذوو الإقدام والجراءة فلما لم يوجد فارغا قالوا إن هذا قد وقع في شريان دم في الوقت الذي كان يشد بالرباط كأن العمل الذي عمله أولائك الفتيان عمل 〈...〉 حديثا به غيرهم أو كأنهم قد جربوا هم أولا هذا العمل في وقت ما أو كأنهم يقدرون هم أن يشدوا الرباط أسرع من غيرهم هذا على أنهم لم يكونوا يعلمون أن إلى جانب الأجزاء السفلانية من عظام الأضلاع شريانا وعرقا ممدودان ونظير هؤلاء الرجل الذي استخرج فأسا ذا أربع زوايا فإن هذا لم يتخذ هذا الفأس قط ولا جربه وكان مع هذا لا يستحي من أن يضمن أنه يتبين به أن الشريان فارغ خال من الدم وكانت صفة حلمه هذه الصفة كان يأمر أن يتخذ في حديدة مربعة تنتهي إلى رأس واحد فأس له أربعة أفواه ويدخل في رأسه مغيض بمنزلة دستج † القدوم والفأس ثم يؤخذ حيوان فيمدد على وجهه ويضرب بتلك الفأس صلب ذلك الحيوان ضربة قوية كيما تنقطع من عظم الصلب في ضربة واحدة قطعة مربعة منفردة بنفسها ويزعم أن في هذه القطعة يوجد الجزء الذي فيها من
الشريان العظيم فارغا خاليا من الدم وهذا كلام تركه لمن شأنه إثبات أمثال الجزايرة وظرفهم ونوادرهم المضحكة ليضحك منه أولى وأما نحن فلنذكر عملا آخر كان رجل من المشائخ ذو حكم ووقار قد أنت عليه سبعون سنة يزعم أنه يتبين به أن الشريان خال من الدم ونقول إن هذا الرجل كان يأمر بأن يكون الحيوان أحد الحيوانات التي تسلخ بمنزلة الكبش أو الثور أو العنز وأن يشرح منه عضو فيه شريان عظيم قريب من الجلد تحته سواء وأن يسلخ ما حول الشريان حتى لا يبقى متعلقا شيء ثم يستبقى شق الجلد وبنتظر به ستة أيام أو سبعة ويفتح فم الجراحة ويشد الشريان برباطين بعيد أحدهما عن الآخر ما أمكن ثم يقطع الموضع الوسط فيما بين الرباطين فإن ذلك الجزء من الشريان يوجد فارغا خاليا من الدم فهذا الرجل كان قد عاش سبعين سنة ولم يلتمس قط أن يمتحن هذا العمل بالتجربة وأما أنا فساعة سمعت بذلك امتحنته على المكان ولما امتحنته أعددت عنزا وكبشا على الصفة وأحضرتهما ذلك الشيخ وسألته أن يبينه ويتيقظ وينظر عيانا ولو مرة واحدة أن الشيء الذي رآه في المنام خيالا ليس يصح عند المحنة وأما رجل آخر قبل هذا بقليل كان يحكي عن العمل الذي وصفته في كتابي الذي ترجمته في إن كان الدم بالطبع محصورا في الشريانات أنه خلاف الحق فدعا ذلك من حضرني وأنا أفعل هذا العمل إلى التعجب من جراءته وإقدامه فسألوا هل فعل هذا قط أم إنما سمعه من غيره يحكيه فقبل منه وصدقه فرد عليهم بأنه قد فعل ذلك مرارا شتي فأتوه من عندهم بحيوان وألحوه إلى ضيق
الطريق في تبين ذلك فلما أبى أن يفعل ذلك لأنه لم يكن يعرفه أظهروا لمن حضرهم أن العيان يدل على خلاف ما يدعي ويقول فأسكنوه بذلك وصدوه عن التكابر في سائر ما بقي من عمره وهذه صفة القمل ينبغي أن تكشف عن واحد من الشريانات العظيمة التي بالقرب من الجلد بمنزلة الشريان الذي في الجالب فإن الأغلب فيما جرت به عادتي من عمل هذا التشريح أن أفعله في هذا الشريان ثم تشد أجزاءه المشرفة برباط وتضبط أنت بأصابع يدك اليسار الشريان في موضع بعيد عن موضع الرباط ما أمكن وقبل أن تنشعب منه شعبة عظيمة تقطعه في طوله قطعا ذاهبا على استقامة كيما يمكنك أن تدخل فيه جسما أجوف فيما بين الرباط وبين الأصابع وتقدم فأعد إما قصبة دقيقة من قصب الأقلام وإما أنبوب نحاس على ذلك مثال قد عمل هذا بالتعمد وحسبك أن يكون طوله مقدار إصبع والأمر معلوم في أن الدم لا ينفرج من هذا الشريان المشقوق إذ كان جزؤه الأعلى الذي منه يجري الدم موثقا برباط وجزؤه الأسفل قد انقطع نبضته بسبب الرباط والأصابع تضبطه وتشده وإذ كان الأمر على هذا فقد يمكنك أن تضع ذلك الجسم الأجوف الذي أدخلته في الشريان تحت الجزء الذي قطع من طبقة الشريان بتوده† ومهل كثير ثم تشد الشريان بخيط مع القصبة شدا وثيقا وتكون عنايتك بأن لا يجوز القصبة من القطع الذي في الشريان شيئا ويكون مقدار غلظ القصبة ما يمكن فيه أن يتشهك في طبقة الشريان ولا يمكن موضع فيه وضعا رخوا مضطربا وذاك أن إرادتنا إنما هي أن تبقى القصبة في موضعها فلا ترتفع فوق موضع الشق ولا تنحط أسفل منه فإذا أنت فعلت هذا فحل الرباط
فإن شئت أن تتحرز وتتوثق البتر† فانقل أصابعك التي كنت تشد بها الشريان وتضبطه إلى الجزء الذي هو من الشريان على القصبة وإن كانت القصبة على ما وصفت متشهكة وكان رباطه وثيقا لم تجتج إلى أن تمسكها وذاك أنها تثبت وتبقى في موضعها فبهذا العمل تصير إلى أن ترى أن الجزء الذي هو من الشريان فوق القصبة باق بنبضه إلى هذه الغاية على ما لم يزل عليه قبل ذلك وأن الجزء الأسفل يعدم النبض من ساعته فالأمر الذي يرى عيانا حقا هو الذي وصفته لك وأما ارسسطراطوس فيذكر خلاف هذا وذاك أنه قال إن الجزء الذي هو من الشريان أسفل من القصبة يرى ينبض ففي الناس قوم يبلغ من إقدام وجراءتهم على ما وصفت أنهم يقضون بالعجلة ويثبتون على أمور لم يعاينوها قط فإن أحببت في هذا العمل الذي وصفته لك أن لا ينفجر الدم أصلا عند قطع الشريان فقد يمكنك أن لا تقتصر على شده بالرباط من فوق فقط بل تشده أيضا من أسفل على ذلك المثال وتحل هذا في آخر الأمر إذا أنت أدخلت القصبة وأما أنا فلست أشده برباط لما أريده من استبقاء جرم الشريان سليما من الآفات والآلام وقد وصف قوم أعمالا أخر ضمنوا أنهم يبيتون بها أن الشريان فارغ خال من الدم كأنهم يقدرون أن يفهموا أمرا أحكم وأطلف مما فهم ارسسطراطس أو يعملون شيئا أجود مما عمله هو أنا أقول إنه لو كان يوجد البتة ضرب من التشريح يفي بالبيان على أن الشريان لا محالة فارغ خال من الدم لكان ارسسطراطس لا محالة سيجده ويستخرجه قبلهم على مثال ما وجد واستخرج من الضرب الذي ذكره في كتابه في الجدى القريب العهد بالرضاع على أنك إن جربت ذلك الضرب من العمل أيضا وجدته مثلا نطيرا أنه غير حق وإذا أردت أن تجرب هذا الضرب من عمل فلا تقتصر على تجربته في الجدى فقط لكن جربه أيضا في كل حيوان آخر أي حيوان كان بعد أن يكون في بطنه بعض الجواهر الرطبة وكلما كان ذلك الجوهر أرق وألطف كان نفوذه ووصوله إلى الشريان أسرع وأسهل بحسب رقته ولطافته وقد زعم ارسسطراطس أن في أول الأمر مع
انكشاف جداول العروق التي حول الأمعاء ترى عيانا الشريانات هوائية ثم تراها بآخره تمتلئ لبنا والبحث عما قال من أن في أول الأمر ترى الشريانات هوائية أمر ينبغي أن يضرب عنه وإن كان خلق كثير يماحل في ذلك محلا باطلا إلى الجانبين فأما قوله إن الشريانات تمتلئ لبنا فإن هذا هو عمود الكلام فهو كذب صراح وقد يمكنك أن تمتحن ذلك بالتجربة في الجدى وفي جميع الحيوانات ويمكنك أن تفعل ذلك في حيوان بطنه معلوء لبنا وفي حيوان بطنه مملوء جوهرا آخر رطبا أي جوهر كان في جميع الجواهر الرطبة وذاك أن اللبن ليس إنما ينفذ سريعا من طريق ما هو لبن لكنه بسبب وطوبته يسهل وقوعه في أفواه الشريانات التي تأتي البطن وبسبب اتباعه لما يستفرغ ويخلو على ما يزعم ارسسطراطس ينجذب سريعا فيجب إذا أن تكون الرطوبة كما كانت ألطف وأرق من اللبن يكون نفوذها ووصولها أسهل وأسرع من نفوذه ووصوله ولكن الأمر على ما وصفت من أني لم أرها قط تنفذ في شيء من الحيوان ولا يرها ايضا غيري متي شاء أن يمتحن ذلك بالتجارب.
المقالة الثامنة من كتاب جالينوس في عمل التشريح
١. أريد أن أعلمكم في هذه المقالة أيضا أعمال التشريح التي رأيتموني مرارا كثيرة بينتها لكم في آلات التنفس ولأن قصدي في هذا الكتاب كما قلت قبل ليس هو أن أنحو نحو مقدار قوتكم أنتم وحدها معشر من إنما هذا الكتاب تذكرة لكم بل أريد أن أنحو فيه نحو مقدار قوة كل واحد يريد من نفسه أمر التشريح فقد يضطرني الأمر إلى أن أجعل مذهبي فيه مذهبا يكون به أوضح وأشرح مما يمكن عند من لم يعاين التشريح قط وقد وصفت في المقالة السالفة قبل هذه جل ما ينبغي أن يرى في القلب وفي الرئة ما دام الحيوان حيا ومن بعد موته وذكرت جميع ما في آلات التنفس من الأغشية فيتبع ما تقدم من القول ويتصل به أن نوضح بالكلام أولا هيئة جميع الصدر وخلقته ثم نصف بعد ذلك ما يظهر فيه بالتشريح ما دام الحيوان حيا وكما أن من يريد أن يصف قرية 〈و〉يأتي على جميع ما فيها إنما يبتدئ أولا بالإخبار عن الحدود التي تحويها ثم يصل ذلك بذكر شيء شيء من أجزائها كذلك أفعل أنا في أمر الصدر وذلك أني أخبر أولا بالحدود التي تحوي الصدر فأقول قولا مقتصرا وجيزا إن معنى قولنا صدر إنما هو جميع ما يحتوي عليه [من] الأضلاع والأضلاع في جميع الحيوانات التي ذكرتها قبل اثنا عشر عددا ولا يكاد يوجد ضلع ثالث عشر إلا في الندرة وأكثر من هذا أيضا لا يكاد أن يكون إلا في الندرة الأضلاع كلها أحد عشر ضلعا فهاذان أمران قل ما يوجد كل واحد منهما حتى أنه لا يوجد في ألف حيوان واحد على هذه الصفة إلا بكد وأما الأمر الدائم في جميع هذه
الحيوانات التي كلامنا في كتابنا هذا فيها فهو أن الأضلاع اثنا عشر والحد الأعلى من حدود الصدر في الحيوانات ذوات التراقي هما الترقوتان كما أن حده الأسفل في جميع الحيوانات هو الحجاب وللأضلاع كلها مركزان أو مسندان أحدهما من قدام وهو القس والآخر من خلف وهو الفقار وأمر الفقار ظاهر أن عددها كمثل عدد الأضلاع فأما القس فإنه يرى عظما واحدا لشدة هندام تركيب أجزائه وتلفيقها بعضا إلى بعض حتى إذا حكت وكشفت عنها الأغشية ظهر أمره ظهورا بينا أن عظامه كثيرة ومبلغ عدد هذه العظام كمبلغ عدد الأضلاع التي ترتبط بها وذاك أن الطرف القدام من كل واحد من الأضلاع يرتبط مع الطرف الأسفل من كل واحد من العظام التي القس منها مؤلف بمفصل موثق ويدخل طرف الضلع بعد أن يدق فيما بين تركيب العظمين من عظام القس حتى أن في بعض الحيوان يكون كل واحد من الأضلاع مربوطا مع طرف العظم الأعلى ومع رأس العظم الأسفل من العظمين اللذين هو فيما بينهما من عظام القس رباطا سواء فلا يكون مع أحدهما أكثر ومع الآخر أقل فالسبعة الأضلاع الأول من أضلاع الصدر مركبة هذا التركيب المفصلي فأما الضلع الثامن فإنه يتركب في أصل الغضروف الشبيه بالسيف والأربعة الأخر تنتهي في جانبي الصدر وعجز هذه الأربعة عن المصير إلى القدام بحسب صغرها عن الأضلاع الأخر وأصغرها كلها الضلع الأخير وكل واحد من الأضلاع الباقية بحسب مرتبته في وضعه فبقدر نقصانه في الطول عن الضلع الذي هو أرفع منه كذلك يزيد طوله على طول الذي هو أسفل منه وكلها مركبة من خلف مع فقار الظهر بمفصلين سلسين أحدهما أرفع وهو المفصل الملتئم بين ضلع وبين نفس جرم الفقرة
والمفصل الآخر يلتئم بين الضلع وبين الزائدة الشاخصة من جانب الفقرة ذاهبة إلى أسفل ثم إن هذه الأضلاع من هذا الموضع تذهب مقبلة إلى قدام ومنحدرة إلى أسفل على انعراج حتى تقطع مسافة كثيرة وتقف عن هذا الذهاب إذا هي صارت خاصة في الأجزاء التي قدام وفي الموضع الذي تقف فيه عن الذهاب تستحيل عن أن تكون عظاما وتصير باقيتها في الحيوانات التي هي أصغر بالطبع غضروفا خالصا وأما في الحيوانات التي هي بالطبع أعظم فلو قلت إنها تصير غضروفا عظميا لما أخطأت وهذا الغضروف ليس بذهب كذهاب الأضلاع إذا كانت منذ أول الأمر تذهب كلها إلى أسفل على انعراج بل ترجع إلى خلاف تلك الناحية التي كانت الأضلاع تجيء إليها فتذهب إلى فوق إلى القس وفي بعض الحيوانات تمر هذه الغضاريف إلى فوق وقد عطفت عطفة على استدارة وفي بعضها تذهب وقد عطفت على مثال زاوية من مثلث وأما الأضلاع التي لا تبلغ إلى القس فيقال لها ضلوع الخلف وهي في جميع اجزائها على غاية الغضروفية وأكثرها ما هو منها كذلك طرفها فإن هذا ليس هو خاصة غضروفيا بل هو غضروف خالص وأول مبدأ نبات الحجاب ومنشئه من الأجزاء الداخلة من هذا الغضروف وأما الجزء الأرفع من أجزاء الحجاب وهو الجزء الذي من قدام فهو يلتحم تحت الغضروف الشبيه بالسيف كما أن جزءه الخلف وهو الأسفل يلتحم على عظم الصلب ومن وسط هذا الجزء بالحقيقة حيث الحجاب راكب على الموضع القدام من الفقار يمتد الحجاب إلى ناحية أسفل برباطين قويين ويلتحم بفقار القطن وهذا الرباط في الحيوان العظيم الصوت وفي الحيوان الذي له بالطبع عضل عصبي يكون قويا جدا ويمعن في الذهاب إلى موضع بعيد وفي الحيوان الصغير الصوت الذي عضل صدره صغير بمنزلة القرد ينتهي عند الفقارة الاثنين والعشرين إذا عد الفقار من فوق ويكون ليس بغليظ ولا قوي وأما المنتهى الأعلى من القس فهو أبدا يلزم الأضلاع الأول بمفصل موثق كما هو لازم للأضلاع الأخر وله مع هذا في الحيوانات ذوات التراقي إنه يرتبط مع الترقوتين بمفصل سلس
وهذا المفصل ليس له شيء من المنفعة في حركة الصدر لكن حركة الصدر في الأطراف التي قدام الأضلاع ضعيفة وذلك لأن الأضلاع مضامة هاهنا للقس بمفاصل موثقة وأما من خلف فحركات الصدر بينة حيث يضام كل واحد منها واحدا من الفقار بمفصلين سلسين وليس كل العضل المضام للصدر كيف كانت مضامته له فانما جعل لموضع حركة الصدر لكن الأمر في ذلك على ما قلت في المقالة الخامسة وهو أن بعض هذا العضل يرتقي من قدام الصدر ومن مواضع ضلوع الخلف ويحرك مفصل الكتف وبعضه ينحدر إلى مراق البطن لمنافع فيه خاصة ويجذب مع هذا الصدر إلى أسفل جذبا يسيرا كما أن العضل الملقى على أطراف الأضلاع من خارج إلى جانب القس من قدام وإلى جانب الفقار من خلف يشد المفاصل ويقبض الصدر بعض القبض.
٢. الفاعل لحركة الصدر كلها من أسفل وأمره في ذلك ظاهر هو الحجاب فإنه بتمدده واسترخائه اللذين يكونان فيه بالتعاقب مرة هذا ومرة ذاك يوسع ويضيق الطرف الأسفل من الصدر وباجتذابه القس إلى أسفل بالغضروف الشبيه بالسيف وضلوع الخلف إلى فوق قليلا وإلى قدام والتنفس الذي وقع الظن عليه أنه فعل طبيعي لا فعل نفساني وهو الذي يرى فيه الموضع الأسفل من الصدر والشراسيف تتحرك حركة بينة والمواضع العوالى تكون فيه في وقت ما لا ترى لخها حركة 〈...〉 ضعيفة هو من فعل الحجاب وحده لأن الحجاب عضلة في جوهره وفي منفعته أيضا فأما معلمونا فما أصابوا في ظنهم بأن الحجاب وحده يحرك الصدر في التنفس بأن يبسطه عند تمدده ويدعه
أن تقع أجزاؤه بعض على بعض وينقبض عند استرخائه وضربوا عن ذكر الحال التي بها ينفخ الإنسان هواء كثيرا دفعة وبها يصيح فلم يروموا صفتها أصلا وظنوا أن أفعال الصدر التي نراها تكون فيمن يعدو وفيمن يرتاض بضرب آخر أي ضرب كان رياضة مسرعة إنما تكون من فعل الحجاب ولم يذكروا العضل الذي فيما بين الأضلاع كانه إنما جعل باطلا وعبثا ولا ذكروا أيضا الست العضلات المنحدرة من الرقبة التي أعظمها كلها المضامة للمواضع المقعرة من عظم الكتف وبعد هذه في العظم العضلات التي من قدام الكتف وأصغرها كلها العضلات التي منشؤها من فقار الظهر ولم يذكروا أيضا لا العضل الذي يجتذب الأضلاع الأول إلى فوق ولا العضل الذي يجتذب الأضلاع الأواخر إلى أسفل وقد وصفت قبل في المقالة الخامسة كيف أفضل السبيل في كشفها ووصفت أيضا الحال في العضل الخلفاني من عضل عظم الكتف الذي هو مشارك للصدر من طريق أنه لازم للظهر وليس يحركه ولا حركة واحدة كما لا يحركه عضل عظم الصلب المضام لفقار الصدر من داخل من الجانبين ولا الجزء الأسفل من العضل الموضوع تحت المريء ولا الجزء الأعلى من المتنين لأن هذه إنما تحني عظم الصلب وليس فيها منفعة لواحد من جزءي التنفس كما في العضل الذي يبسط الصدر أو يقبضه وهو الذي قد ذكرته في كتاب أسباب التنفس وأما هاهنا فلم أقصد لأبين ما قد بينته هناك بيانا حسنا بل إنما أريد أن أخبر هاهنا بواحدة وهي كيف يعالج الرجل على ما ينبغي حتى أبين به أنه يظهر في الصدر [و]الأعراض التي قلت في ذلك الكتاب إنها تظهر وقد ذكرت أيضا في كتاب حركة الصدر والرئة أشياء ليست بيسيرة مما يظهر بالتشريح ينبغي أن أقول هاهنا في عملها بعض القول
وذكرت في كتاب أسباب التنفس أن الثلاث المقالات التي وصفت فيها حركات الصدر والرئة إنما وضعتها وأنا بعد لم أستخرج ولا أجد شيئا يعتد به لي خاصة وأني دفعت تلك المقالات إلى صديق لي فوقعت إلى غيري من خلق كثير بلا إرادتي كما وقعت كتب أخر كثيرة وذاك أني مذ كنت شابا لم أزل أرى أنه من العدل والإنصاف أن يكون من يستخرج ويجد شيئا جدبدا يضعه وحده في كتابه ولذلك لم أكن أحب أن أثبت في كتابي ما قاله من كان قبلي كأنه قول لي فأما أن يثبت الرجل لنفسه شيئا يرتاض به فاحسب أن ذلك معما لا مذمة له فيه منافع حدا وكذلك أن يدفع شيئا إلى صديق له يسأله إياه من ذلك أن معلمينا وهم كانوا رؤساء تلامذة قواينطوس ونوميسيانوس قد بينوا لنا وعلمونا أن الرئة يحركها الصدر بالوجه الذي وصفه ارسسطراطس فأثبت أنا في المقالتين الأوليين من كتاب حركة الصدر والرئة البراهين على ذلك والأشياء التي تظهر في التشريح التي منها أخذت أصول البراهين عليه وأخبرت في المقالة الثالثة كيف حركة الصدر ووضعت هذه المقالة أيضا على رأي المعلمين الذين تأدبت عندهم فأما الأشياء التي استخرجت أنا زيادة على ما تعلمت فإني وضعتها في كتاب آخر جعلت ترجمته كتاب أسباب التنفس وشرحت فيه الحال في طبيعة كل واحدة من العضلات التي فيما بين الأضلاع من طريق ما هي طاقان وحصلت عدد جميع العضل الذي يحرك جميع الصدر ومبادئ الأعصاب التي تتصل بذلك العضل.
٣. فلنصف الآن كيف السبيل الذي به يتبين الرجل جميع ما قيل في ذلك الكتاب ونجعل مبدأنا في ذلك من العضل الذي فيما بين الأضلاع فأقول إنك ترى ليف هذا العضل الذي مما يلي ظاهر البدن يمر ذاهبا على انعراج
قليل إلى قدام من الضلع الأعلى إلى الضلع الذي أسلفه فإذا أنت شرحت هذا الليف قليلا قليلا في حيوان ميت فإن الأفضل أن تروض نفسك أولا في حيوان قد مات صرت إلى الليف الباطن 〈...〉 مخالف لوضع الليف الظاهر فتكون مناسبة الليفين واحدا إلى الآخر كمناسبة خطي الخاء في حروف اليونانيين وهو هذا X ترى ذلك باقيا على هذه الصفة إلى الأجزاء الغضروفية من كل واحد من الأضلاع ثم إنه يتغير في هذه الأجزاء فأنت ترى هاهنا الليف الظاهر موضوعا بالوضع الذي كان الليف الباطن موضوعا به وترى الليف الباطن موضوعا بمثل الوضع الذي كان الليف الظاهر موضوعا به وأما في العضل الذي عند ضلوع الخلف فإن وضع الليف يبقى فيها وضعا واحدا يعينه إلى آخرها لأن هذه الضلوع ليس لها عطفة وأبين ما ترى هذا الليف في هذا العضل في بدن حيوان كبير السن مهلوس البدن فإذا أنت رضت نفسك في حيوان ميت حتى تفرق بين الليف الظاهر والليف الباطن فابتدئ حينئذ بأن تفعل ذلك في حيوان حي وحينئذ تقول إنا قد صدقناك فيما أخبرناك فيه من الأعراض التي تظهر تابعة لقطع الليف وقد ذكرت هذه الأعراض فيما مضى في كتاب أسباب التنفس وأنا ذاكرها أيضا ذكرا ليس بدون ذلك هاهنا وكيما يكون يكون كلامي واضحا مشوحا لا بأس بأن أبتدئ به ابتداء آخر على هذا المثال فأقول إني أحب لك أن تروض نفسك أولا في حيوان قد مات لتتعرف بالحقيقة وضع كل واحد من الأشياء التي أريد أن أذركها لك فيمكنك كشفك بالعجلة في حيوان حي من غير أن يسيل الدم بمقدار ما يمكن في ذلك فأنت تجد في العضل الذي فيما بين الأضلاع الشريان والعرق والعصبة موضوع كل واحد منها بالقرب من عظام الأضلاع في الموضع الأسفل من كل واحد منها وتجد العصبة خاصة أشد قربا
منها فبهذا السبب إذا أنت قطعت في حيوان ميت الليف الظاهر وكنت قد تقدمت فرضت نفسك فابتدئ من الضلع الأسفل واقطع اتصال الليف بذلك الضلع وشق قليلا قليلا حتى تبلغ إلى الضلع المشرف ولا تجبن عن قطع شريان أو عرق أو عصبة حتى تصل إلى قرب الضلع الموضع فوقه وينبغي لك هاهنا أن تتثبت حسنا في الأجسام الموضوعة تحت الليف الذي تقطعه فإنك ترى الثلاثة الأجسام يماس بعضها بعضا أعني الشريان والعرق والعصبة وإن أنت تبعت الليف بالحقيقة وجدت العصبة موضوعة في الوسط فيما بين الليف الظاهر والليف الباطن وتخيل لك أن الليف الظاهر أكثر من الليف الباطن لأنه حقا أكثر منه ولأن الليف الباطن يزداد في الموضع الذي العصبة فيه موضوعة دقة ولطافة وكيما إذا ضربت يدك إلى حيوان حي قطعت الليف الظاهر خلوا من الليف الباطن والليف الباطن مع الليف الظاهر معا خلوا من الغشاء المستبطن للأضلاع الأجود والأصلح لك أن تروض نفسك في بدن خنزير فإن هذا الحيوان من قبل أنه يصيح بصوت عظيم جدا هو أصلح الحيوانات للتشريح الذي ينال فيه شيئا من الصوت ضرر وهذا أمر حق لمعلمينا ألا يكونوا عرفوه إذ كانوا لم يمتحنوا ولم يجربوا التشريح الذي ذكرناه قط وإن أنت جربت أن تقطع على ما وصفت لك علمت من نفس الشيء أن الامر في أنك إن قطعت هاذين الجسمين من الليف كليهما ذهب صوت الحيوان وذهب معه الشيء الذي نسميه نحن نفخة حقا يقينا والأفضل في مثل هذا العمل أن يكون 〈الخنزير〉 خنزيرا عظيما ليكون الغشاء المستبطن للأضلاع منه قويا فإن هذا الغشاء يحتاج أن تتوقاه حتى لا ينقطع لأنه إن انقطع عرض من ذلك أن يكون إذا انبسط الصدر انجذب من الهواء المحيط من خارج إلى الموضع الذي فيما بين الصدر والرئة شيء كثير يدخل في موضع القطع وإذا انقبض استفرغ أيضا ذلك الهواء وخرج
من موضع القطع ولا خفاء بأنه لا بد ضرورة من أن يذهب من الاستنشاق وهو دخول الهواء بالتنفس من الفم بسبب القطع بمقدار ما يدخل من الهواء المحيط من خارج إلى الصدر من موضع القطع فيخلف مكان الهواء الذي كان يدخل من الفم ولا بد للحيوان عند ذلك ضرورة من أن يكون إخراجه للنفخة [وهي خروج الهواء بالتنفس] يقل بحسب ما يقل استنشاقه وبحسب ما تقل النفخة فلا بد ضرورة من أن يقل الصوت وإن هذا أمر قد بيناه في كتاب الصوت وذكر أسباب الأشياء العارضة للحيوان من قبل التشريح في 〈هذا〉 الكتاب فضل لا يحتاج إليه إذ كانت هذه الأسباب قد لخصمتها في الكتب الملائمة لها والذي نقصد له هاهنا ليس هو أن نأتي بشيء من البراهين على الأفعال بل إنما نريد أن نلخص ونوضح بالصفة والقول [و]الأعمال التي ذكرناها في تلك الكتب وقلنا إنها تظهر في التشريح وهي اعمال قد حضرني قوم كثير وأنا أعملها مرارا شتى وعدة كثيرة من أصحابي يقدرون أن يعلموها فليكن إذا غايتنا فيما يستأنف من القول تلخيص ما قصدنا له بعد أن نصف أولا ما عرفه أيضا أصحاب التشريح ومن ذلك أنه متى انخرق الغشاء المستبطن للأضلاع خرقا فاحشا في موضع من المواضع التي فيما بين الأضلاع أي موضع كان صار الحيوان من ساعته إلى حال لا يبقى له من تنفسه إلا النصف ومن صوته النصف فإن كنت خرقت هذا الغشاء في الجانب الآخر من الصدر على ذلك المثال صار الحيوان من ساعته عديم التنفس عديم الصوت فإن أنت إذا استفرغ الهواء الذي دخل من خارج وصار فيما بين الرئة والصدر بانقباض الصدر من موضع الخرق عمدت إلى الخرقين فسددتهما عاد الحيوان من ساعته يتنفس وصاح وأسهل الوجوده في سد الخرقين أن تجمع حاشيتي كل واحد منهما وتجعل يدك التي بها جمعت الحاشيتين غطاء على موضع الخرق الذي سددته وهذه الأشياء التي
تظهر في هذا التشريح الأمر فيها على ما وصفت من أن جميع من عني بأمر التشريح قد عرفها وأما الأمر في أن متى قطع من جميع العضل الذي فيما بين الأضلاع جنسا ليفه كلاهما كان في ذلك ذهاب الصوت وذهاب النفخة معا فهو شيء أنا كنت المستميط والواجد له وكذلك الأمر في أن متى قطع العصب وحده بالقرب من النخاع فالليف يبقى سليما لا آفة به إلا أن فعله يفسد وهذا العمل أحسن من ذاك لأنه أبلغ في استقصاء البيان على العارض الذي يعرض للحيوان وذلك لأن قطع الليف الذي على هذا السبيل وهو القطع الذي يحتاج أن يكون ذاهبا في جميع طول الأضلاع من حد الصلب إلى حد القس إن وقع عند كل الأضلاع التي هي أسفل من العضل المشرف من عضل الصدر وهو العضل الذي قلت إنه يأتي هذه الأضلاع من العنق فهو يجمع مع السهولة أنه لا يوهن ولا يفسد فعل شيء من العضل الذي يحرك الصدر أصلا خلا العضل الذي يقطع وإن وقع في المواضع التي فيما بين الأضلاع العليا اضطر صاحبه إلى أن يقطع تلك الأضلاع أيضا ويقلع عظم الكتف معا.
٤. وإذ كان الأمر على هذا فالعمل الذي يوهن ويفسد فعل العضل الذي فيما بين الأضلاع بقطع العصب أفضل وأجود وليكن هذا القطع في الموضع الذي هو أول مبدأ حد عضل الصلب ولا خفاء عليك بأن ذلك عن جانب الفقار وقد يمكنك أيضا أن تقطع هذا العضل لكن يعسر عليك أن تدخل تلك العصبة التي تكشف عنها صنارة تنفذها من اللحم وينبغي أيضا أن تكون الصنارة على مثال الصنارات التي نستعملها في علاج العلة التي يقال لها باليونانية قرسوس وهي عروق تتسع وتعرض أعني أن تكون جملة الصنارة قليلة الطول ويكون آخرها معقفا ويكون منتهى طرفها المعقف من الحدة وخلافها في حد لا يعسر معه إنفاذها وإدخالها تحت العصبة التي قد كشفت ولا ينثقب به الغشاء المستبطن للأضلاع وذلك أن الصنارة التي يكون رأسها كثير الحدة يعرض لها في بعض الأوقات أن تثقب والصنارة التي رأسها في غاية الكلال [أعني خلاف الحدة] لا تنفذ في الأجسام الموضوعة
تحت العصبة ألا بكد فينبغي إذا ألا تكون كثيرة الحدة ولا كثيرة الكلال لكن يكون طرفها من الدقة إذا أدخل تحت العصبة لم يعقه ليف العضل الموضوع تحت العصبة عن النفوذ لكن ينفذ في جميعه بسهولة فإذا أنت مددت جميع العصبة بصنارة حالها هذه الحال فمن ساعتك أخرجه كما أنت على الصنارة إلى مسافة كثيرة بمنزلة ما لو أنك كنت أذخلت تحتها ميلا ذا رأسين أو غير ذلك مما أشبهه كيما تنشال العصبة وتمتد عليه وتصير مرتفعة ثم خذ العصبة وامسكها بأصابعك واجذبها من أصلها ورأسها وهو النخاع إلى ناحية طول الضلع بحيث الموضع الذي كانت عليها في أول الأمر وربما عرض في هذا المد والاجتذاب إذا هو كان قويا أن تتهتك العصبة من النخاع وهذا شيء لا يضر فيما تريده من إفساد فعل العضلة التي فيما بين الضلعين لكن فيه مضرة من باب آخر سأخبرك به بعد قليل فليس ينبغي لك إذا أن تمد العصبة مدا كثيرا تبلغ بها إلى أن تتهتك من أصلها ومن بعد مدك إياها أدخل تحتها إبرة معقفة فيها خيط كتان وأنفذ الإبرة من تحت العصبة وإذا فعلت ذلك فخذ الخيط بيدك واربط به العصبة بالقرب من النخاع ما أمكن ذلك وذاك أن قصدك إنما هو أن ترخي وتعطل جميع العضلة التي تأتيها تلك العصبة وهذا شيء إنما يكون على المكان إذا كانت العصبة كلها قد سبق إليها الاسترخاء والتعطل والعصبة يعرض لها هذا بأسهل الوجوه متى جعلت ربطك إياها بالقرب من أصلها وقد يمكنك أن تعمل هذا العمل من غير إبرة بصنارة مثقوبة كما من عادتي أنا أن أفعل في العصب المجاور لعرقي السبات فهذه أشياء يمكنك أن تفعلها إذا أنت أردت ان تبحث فيما بينك وبين نفسك عما يعرض للحيوان عند ما يربط العصب وأما متى أردت أن يقف غيرك على ذلك وتبينه له فأجود أن تتقدم
في إعداد ذلك في جميع العصب بأن تدخل تحته خيوطا من غير أن تربطه فإنك إذا فعلت ذلك كان الحيوان يصيح عندما يضرب ثم إنه بعد ذلك إذا انقطع صوته دفعة عندما يربط العصب بالخيوط دعي جميع من يحضر ذلك ويراه إلى التعجب منه وذاك أنه يسبق إلى الظن أن هذا أمر عجيب يكون عندما رطب في الظهر أعصاب صغار ذهب الصوت وبطل وليكن أعوانك في هذا البيان عدة كثيرة كيما يربطوا العصب كله سريعا وإن لم يكن من رأيك أن تحل الرباط فاستوثق منه كيف شئت وأما إن كنت تريد أن تعود فتحل الرباط وتظهر لمن يحضرك وتري ما يفعل أن الحيوان قد عاد إليه صوته فصاح فإن ذلك مما يكثر به تعجبهم فاجعل الرباط بسوطة ولا تشده 〈شدا〉 شديدا فإنك تنتفع بالسوطة في أنك إذا أردت حل الرباط حللته سريعا لأن الرباط الذي يسمونه اليونانيون الأعمى وهو المعقود بعقدة يعسر حله جدا وتنتفع باعتدال شدك بخيط الرباط أنك ساعة تحله يصيح الحيوان لأن العصب إذا ربط رباطا قويا يضغطه ضغطا شديدا إن كان الخيط غليظا صلبا يشدخ العصب وإن كان لينا دقيقا دخل الخيط فيه حتى يجزه ويقطعه ومتى أصاب العصب هذا لم يقدر أن يفعل فعله مرة أخرى عند حل الرباط منه وهذا شيء أنا كما علمتم بتوقيي وحذري منه قد جعلت مرارا كثيرة الرباط بخيوط قوية من خيوط الشد أو من خيوط صوف مغزول وبعض العصب متى ناله أدنى شدخ لم يفعل فعله في ذلك الوقت الذي يحل عنه الرباط ثم إنه بعد قليل يعود إلى طبيعته والذي كنت قلته لك قبل من أنك متى هتكت العصبة عند مدك لها كان في ذلك ضرر في هذا التشريح هو هذا الذي قلته لك هاهنا وذاك أن الحيوان لا ينتقل ولا يتغير دفعة عن أن قد كان له صوت إلى أن صار لا صوت له ولا إذا حل عنه أيضا الرباط صاح من ساعته وأما في أن يصح عندك العارض الذي يعرض للحيوان فبأي شيء انزلت المضرة بالعصبة فلا عليك ولا غناء بك في هذا العمل الذي
ذكرناه عن معرفة هذه الأشياء التي أصفها لك أولها أنك تجد العصبة المدودة إلى جانب الأضلاع الأرفع أشد قربا منها والعصبة المدودة إلى جانب الأضلاع الأخفض بعيدة عنها قليلا إلى ناحية أسفل فيكون بهذا السبب إدخالك الصنارة تحت العصبة عند الأضلاع الأخفض أسهل ثم يحتاج أن تعلم بعد هذا أن مقدار الضرر ليس بمتساو على الحقيقة في جميع المواضع التي فيما بين الأضلاع لكن الضرر في المواضع التي فيما بين ضلوع الخلف قليل ومقدار قلته كمقدار قلة العضل الذي في تلك المواضع عن العضل الذي هو أرفع موضعا منه وكذلك أيضا العضلة التي في الموضع الأول من المواضع التي بين الأضلاع متى فسد فعلها كان الضرر يسيرا والعضلة التي في الموضع الثاني من المواضع التي فيما بين الأضلاع يحدث عنها ضرر أعظم من الضرر الحادث عن تلك ولا يزال الضرر يتزيد على هذا المثال عند فساد فعل كل واحدة من العضل الباقي فيكون في كل واحدة أعظم منه في التي قبله أعني فساد فعل العضلة التي في الموضع الثالث من المواضع التي بين الأضلاع والتي في الموضع الرابع والتي في الموضع الخامس والتي في الموضع السادس والتي في الموضع السابع وذاك أن الأربعة المواضع التي فيما بين الأضلاع بعد هذه إنما هي لضلوع الخلف ويبلغ من قلة مقدار الضرر الحادث عنها أن الأخير منها لا يحدث عنه ضرر يدركه الحس وكثيرا ما يكون الضرر الحادث عن الأول منها في غاية الخفاء والصعف ولهذا من عادتي في مثل هذه البيانات أن أدع مرارا كثيرة هذه المواضع ولا أقربها كيما أتمم عملي سريعا والعصبة التي في آخر موضع من المواضع التي فيما بين الأضلاع عصبته يسهل أخذها وضبطها باليد جدا وأما العصبة التي في أول موضع من المواضع التي فيما بين الأضلاع فعصبة يعسر ضبطها جدا بسبب أن في وجهها أجساما كثيرة تواريها وبسبب أنها عصبة صغيرة جدا كما أن جميع ذلك الموضع صغير جدا والموضع الأخير أيضا من أسفل هو صغير جدا غير أن عصبته ليست بصغيرة وذاك أن مقادير العصب في المواضع التي فيما بين ضلوع الخلف خارجة عن مساواة المواضع إلى الزيادة وذلك أن العصب هناك ليس إنما يتفرق وينبث في تلك المواضع التي أسفل من الأضلاع 〈...〉 فإنها
إنما تنقسم في عضلة ذلك الموضع فقط وهي عضلة صغيرة جدا فقد بقي من المواضع التي فيما بين الأضلاع تسعة مواضع تحتاج إلى هذا التشريح الذي ذكرناه وأنتم تقدرون أن تفعلوا في البيانات كمثل ما رأيتموني فعلت حيث أحضرني قوم صدرا لأشرحه فكنت أنا ساعة أحضرونيه أصف ما سوف يتبين وتقدمت إلى قوم أخر وأمرتهم أن يضبطوا العصب ما دمت أنا أتكلم فجعلت البيان بذلك †الدوا طبب † عند من حضره وأما أنت فمتى التمست أن تبين التشريح وحدك لنفر يسير ممن يحب التعب ويحرص على التعلم فالأمر في ذلك بين لك وإن أنا لم اصفه أنه ينبغي أولا أن تختار بيتا ملئ ضوءا ثم تختار بعد ذلك سكينا أحد ما يمكن فإني قد قلت قبل إن السكين إذا كانت على هذه الصفة فهي أصلح وأوفق للقطع المستقصى وينبغي لك أن تستعمل منها الموضع المحدب خاصة وتكون صعتها ليست على مثال واحد من الجانبين فيكون لها جانبان يقطعان وكلاهما محدبان لكن يكون أحد الجانبين منها عميقا مقعرا ويكون الجانب الآخر المقابل لهذا محدبا وبهذا الجانب خاصة آمرك أن تقطع بعد أن تكون قد تقدمت أولا فرضت نفسك بالوجه الذي وصفته لك ثم رضتها بعد ذلك في خلافه على ما سأصف لك بعد أن أذكرك أولا بالوجه الذي وصفته قبل وهو الذي أمرتك فيه أن لا تجعل قطع العضلة التي فيما بين الأضلاع في وسطها ولا بالقرب من الضلع الأرفع لكن في الأجزاء العالية من الضلع الأسفل فإنك إذا خلصت هاهنا من العضلة ما هو لاصق بها من الليف أمكنك أن تكشطه قليلا قليلا حتى تبلغ إلى الضلع الأرفع إلى أن تلقى العرق الموضوع مما يلي ظاهر البدن ثم تلقى بعده الشريان والعصبة وكل ذلك ممدود إلى جانب الضلع إلا أن العصبة أقربها منه فإذا أنت رضت نفسك هذه الرياضة بأن تنظر إلى وضع هذه أولا في بدن حيوان ميت نظر استقصاء عاود التقدم في الرياضة أيضا في بدن
حيوان ميت أن تكون في ضربة واحدة تكشف عن العضلة إلى جانب الموضع الأسفل من الضلع الأعلى فتعطع ما هو موضوع عليها من الليف وتستبقيها هي سليمة لا آفة بها وأوفق الآلات وأصلحها لهذا العمل الآلة التي يسميها أصحاب التشريح آسية إذا كانت محدبة وإنا كما علمتم إنما نستعمل هذه الآلة فأقطع بها الليف إلى جانب الحرف الأسفل من كل واحد من الأضلاع وأكشف عن العصبة بعض الأوقات إذا لم يتهيأ لي المقدار المعتدل في أول مرة أقطع بلغت حاجتي في المرة الثانية وأما أنت فإن كشفت في مبدأ أمرك في ثلاث ضربات أو في أربع فليس ينبغي لك أن تأيس من بلوغ الأمر لكن أقبل على بقراط واسمع قوله حيث يقول إنه ينبغي لك يا هذا أن تلتمس اعتياد كل ما ينبغي لك أن تعمله ثم خذ نفسك بالإدمان بعناية وحرص كيما ترتاض يدك فإنك سوف تدرك بآخره ما تريد وتصل إلى غرضك في وقت ما فتكشف عن العصبة في ضربة واحدة ومع رياضتك نفسك في هذه الأشياء لا تتوان أيضا عن تجويد إدخال الصنارة تحت العصبة والتمس أن تفعل ذلك من غير أن تثقب ولا تهتك ما أمكنك شريانا أو عرقا وألامر على ما وصفت قبل من أنه متى نال العصب آفة تعطل بذلك صوت الحيوان وعرض له مع ذلك عارضان آخران قبل ذهاب صوته وهاذان العارضان هما العارضان اللذان بينت في كتاب الصوت أن ذهاب الصوت تابع لهما وأحد هاذين وهو الأول منهما هو سبب ذينك الآخرين أعني بالأول انقطاع حركة العضل الذي بين الأضلاع والعارض الثاني بعد هذا تعطل مجيء الهواء بالعجلة إلى خارج الذي أسمي أنا النفخة والنفخة مما لا يمكن أن يكون الصوت خلوا منها كما قد بينت ذلك فبهذا السبب صار يتبع هاذين العارضين عارض آخر رابع يحتاج في إيضاحه وشرح أمره إلى كلام فيه خاصة وأنت تقدر أن تعرف هذا معرفة ظاهرة في التشريح متى تبعت بسبق كلامي هذا وفهمته.
٥. أقول إن العصب الذي عند الشريانات التي يقال لها شريانات
السبات والشريانات المسبتة التي قد كانوا يعرفونها معلمونا أيضا متى أصابتها إحدى هذه الآفات التي ذكرناها قبل صار الحيوان بسببها عديم الصوت إلا أنه ليس تكون حاله في عدم الصوت بسبب هذا العصب كحاله فيه بسبب العصب الذي فيما بين الأضلاع وذلك أن العصب الذي عند الشريانات المسبتة متى نزلت بها آفة بقي للحيوان من صوته شيء شبيه بالصوت الأبخ كأنه غطيط من يغط وينخر في نومه وهذا الصوت يذهب ويبطل متى استرخى وتعطل العضل الذي فيما بين الأضلاع وهذا العضل يسترخي ويتعطل بالعجلة إما بأن يقطع ما فيه من الليف على ما وصفت وأما بأن تقطع الأضلاع وإما بأن ينال عصبة كل واحد منه ضرر وآفة في أصلها وإما بأن يقطع النخاع ويبتر كله في مبدأ الظهر وفي هذا العمل خاصة يبطل ذلك الصوت الأبخ ومع هذا القطع يسترخي جميع الأعضاء السفلانية وتتعطل حركتها أعني بلأعضاء السفلانية العضل الذي فيما بين الأضلاع والعضل الذي على البطن وقد ذكرنا أمر هذا العضل الذي على البطن في المقالة الخامسة من كتابنا هذا حيث أوضحنا ولخصنا فيها السبيل الذي به يصل الرجل إلى تفصيلها وتلخيصها بعضا من بعض بأفضل الوجوه وهي ثماني عضلات ويسترخي أيضا ويتعطل مع هذا العضل العضل الذي في الدبر وفي الفرج وفي المثانة وفي الرجلين وأما الحجاب فإنه وإن كان موضعه أسفل من موضع العضل الذي فيما بين الأضلاع لا يسترخي ولا يتعطل لأن مبدأ عصبه أرفع موضعا من موضع جملة الصدر وكذلك ايضا الست العضلات العليا التي تأتي من الرقبة وتبسط الصدر وخاصة الجزء الأعلى لا ينالها شيء من الضرر لأن عصب هذه العضلات أيضا إنما هو من النخاع الذي في الرقبة وقد رأيتموني أيضا على رأس الملأ بينت هذا الأمر الذي أصفه حين دفع إلى صدر أشرحه واضطرني الأمر إلى أن مكثت أياما كثيرة متوالية أصف وأبين ما فيه معا وذاك أن النخاع لما قطع وبتر كله في مبدأ الصدر
وهو الموضع الذي فيما بين هاتين الفقرتين أعني الفقرة السابعة والفقرة الثامنة وقع ذلك الحيوان مستلقيا على جنبه وكان لا يتحرك إلا الأجزاء السفلانية من صدره فقط بتحريك الحجاب لها لأن الحجاب كان صحيحا سليما وكل حيوان فهو في وقت ما يحتاج إلى تنفس صغير إنما يستعمل في تحريك صدره الحجاب وحده حتى إذا فاجأه أمر يخرجه إلى حاجة إلى نفس عظيم إما لأنه يتعب تعبا شديدا بأي وجه كان ذلك وإما لحمى تأخذه وإما لأن بدنه يتحلل بسبب حرارة قوية في الهواء أو بسبب علة أخرى اضطره ذلك إلى أن يزيد على فعل الحجاب ويضم إليه فعل العضل الذي بين الأضلاع وإن أخرجه الأمر إلى الحاجة إلى أكثر من ذلك استعمل عضله الأعلى مثال ذلك ما رأيتموه من ذلك الحيوان أنه حين قطع نخاعه في مبدأ ظهره سقط من ساعته وبقي ملقى على جنبه وذهب صوته ولم يكن يتحرك من جميع أجزاء صدره إلا الأجزاء السفلانية وحدها التي تتحرك بحركة الحجاب إذا هو تحرك ورأيتم أيضا أن حركة الصدر تظهر ظهورا بينا عند ما يكشف جميع ما حوله من الجلد وذلك أن جميع العضل الذي فيما بين الأضلاع كان يرى في ذلك الوقت عديم الحركة أصلا وكانت الأجزاء السفلانية من الصدر تنبسط وتتأدى منها إلى فوق حركة ضعيفة فعمدت إلى ذلك الحيوان الذي كان على هذه الحال كما قد علمتم وقطعت منه مبدأ العصب الذي يأتي الحجاب فلما قطعت هذا العصب سكن الموضع الأسفل من الصدر وأمسك عن الحركة واضطر الأمر العضل المرتفع من عضل الصدر إلى أن يكون هو يقوم بفعل ما يحتاج إليه فكان يري الموضع الأعلى من الصدر ينبسط بهذا العضل انبساطا بينا ثم إني أخذت حيوانا آخر فقطعت منه ما في الرقبة من أصول العصب الذي يأتي الحجاب وأريت من حضر وبينت له على المكان أن الموضع الأسفل من الصدر قد انقطعت حركته وإن الذي يفعل هذا العضل الذي بين الأضلاع فلما قطعت أيضا النخاع لا تحرك من صدره
إلا الأجزاء السفلانية منه فقط ثم إني أخذت حيوانا آخر قد عدا عدوا شديدا حتى احتاج إلى نفس عظيم فقطعت منه كما قد علمتم النخاع عند مبدأ الظهر فرمى نفسه على المكان على جنبه وجمل يحرك جزءي صدره كليهما أعني الجزء الأعلى والجزء الأسفل وذلك أنه لما احتاج إلى تنفس عظيم لم يكتف بالحجاب وحده فالحيوان إذا هو تنفس بالعضل الأعلى من عضل صدره تبينت الحركة في كتفيه أجملهما ظاهرة إلى موضع رأسي الكتفين وأما إذا هو تنفس بالحجاب وحده ففي وقت إدخال الهواء بالتنفس يرتفع منه مراق بطنه وينقبض منه في وقت إخراج الهواء بالتنفس المراق ويبقى عضل الكتفين لا يتحرك فأما إذا استعمل الحيوان في حركة صدره العضل الذي فيما بين أضلاعه وحده فالكتفان يكونان غير متحركين وأما مراق البطن فيتحرك بخلاف ما كان يتحرك والفعل للحجاب فينقبض عند إدخال الهواء بالتنفس وينبسط ويعلو عند إخراج الهواء بالتنفس فإن أردت أن ترخي وتعطل الكتفين فافعل ذلك على ضربين مرة بأن تعطع ذلك عرضا ومرة بأن تنزل بعصب ذلك العضل آفة فإن هذا أمر ينبغي لك أن تعرفه في جميع العضل عامة أنك إن اضررت بعصبة العضلة وإن قطعت جميع ليفها عرضا صارت جملة العضلة بذلك عديمة الحركة على المكان وإذ كان الأمر على هذا فلا بد لك من أن تكون عالما بمبدأ العصب المتقسم في العضل وبموضع ليف العضل فإن بعض ليف العضل يجري منحدرا من فوق إلى أسفل بمنزلة ليف عضل وسط الصدر من قدام وبعضه يجري مائلا إلى جانب بمنزلة ليف العضل الذي من خلف وبعضه يجري ذاهبا في طول العضلة كله بمنزلة ليف جميع العضالات الأخر في المثل وبعضه يجري على خلاف ذلك بمنزلة ليف العضل الذي فيما بين الأضلاع فأنت على ما وصفت لك متى أرخيت وعطلت العضل المرتفع فقط فالحيوان إن لم يحتج في ذلك الوقت إلى تنفس عظيم اكتفى بالحجاب وحده وإن احتاج إلى ذلك ضم إليه وزاد معه فعل العضل الذي بين الأضلاع وقد وصفت جل الآلام والعلل التي يحتاج الحيوان معها إلى أن
يكون إدخاله لهواء التنفس عظيما وقد ينضم إليها ويزيد فيها مرة بعد أخرى شيء ليس بألم وعلة لكنه جميعه من الحيوان إذا هو أراد أن يصيح صياحا عظيما فكما أن المنادين متى أرادوا أن يرفعوا أصواتهم استنشقوا وأدخلوا من هواء التنفس شيئا كثيرا [و]كيما يكون ذلك عدة ومادة عزيزة للصوت كذلك نجد بعض الحيوانات التي نشرحها يفعل كثيرا فهذه أمور لا بد لكم من أن تكون حاضرة لذكركم ضرورة وكذلك جميع ما يتبعها وفي الأشياء التابعة لها افرادى أرى أن الأجود اقتصاصها لكم وخاصة ما كان منها أجزاء من الأعمال التي ذكرتها قبل.
٦. فأقول إن في تشريح العضل الذي بين الأضلاع ينبغي لك أن تبتدئ بكشفه على ما وصفت إلى جانب الحرف الأسفل من كل واحد من عظام الأضلاع فإذا ظهرت لك العضلة فتفرس وانظر معها إلى العروق والشريانات فإنها موضوعة مما يلي ظاهر البدن أقرب من العصب إلا أنها أخفض وأسفل موضعا من العصب بشيء يسير فإذا أدخلت تحت العصبة الصنارة الصغيرة من الموضع الأعلى إلى جانب حرف الضلع فاحرص ما أمكنك أن تأخذ العصبة خلوا من العرق والشريان القريبين منهما وخاصة خلوا من الشريان فإنه إذا انبثق منه دم قويا عمى موضع العصبة وأخفاها فإن أنت ثقبته في وقت ما فتناول المبضع والسكين من ساعتك واقطعه قطعا يبتره عرضا وهذا النوع من منع الدم يعم جميع الشريانات والعروق التي ينبثق منها دم لأن من شأن العروق والشريانات أن ينجذب وينقبض كل واحد منهما إذا انفصلا إلى الجزء الذي يليه وإن اتفق أن يكون ذلك الجزء مغطى بلحم كثير صار ذلك اللحم ضماما وغطاء على ذلك الثقب وأما إن كان ذلك الجزء عاريا من اللحم فالانتفاع بالقطع يكون يسيرا لكن العروق والشريانات في كل واحد من المواضع التي بين الأضلاع ليست بعارية من اللحم ولذلك متى قطعت على النحو الذي وصفت انقطع ووقف انبعاث هذا الدم
فهذا مما كان ناقصا متخلفا عن هذا الكلام وكان يحتاج إلى زيادته وإلحاقه فيه إذ كان مشاكلا لما تقدم خاصا به وكذلك أيضا الأمر في قطع النخاع فأنا أقطع النخاع كما قد علمتم أما في الحيوان العظيمة الأبدان فبأن أقطع أولا الفقار وأما في الحيوانات الصغار بمنزلة الخنزير المولود منذ يوم أو يومين أو منذ أيام يسيرة إن كان ولا بد فبآلة هيأتها أنا شبيهة بالآلة التي يقال لها سكين سلائية التي هي شبيهة بالسلاة وينبغي أن تتخذ من حديد جيد غاية الجودة بمنزلة الحديد الذي يسميه اليونانيون نوريقون [وهو...] كيما لا تكل الآلة وتذهب حدتها سريعا ولا تنكسر ولا ينثني ولتكن هذه الآلة أغلظ من السكين السلائية كيما إذا أنت غمزتها على موضع اتصال الفقار تم لك عملك بسهولة وقلة عناء وأنا كما قد علمتم مرة أدخل هذه السكين الطويلة من بعد أن أقطع الجلد بسكين وأقطع ما بعد الجلد من الأجسام حتى أصل إلى وصل ما بين الفقار وأسمي هذه السكين السلائية بهذا الاسم أعني سكين طويلة وهي سكين لها ضلعان حادان في آخرها ينتهيان إلى رأس واحد ومرة أدخل هذه السكين بعد أن أتقدم فأقطع زوائد الفقار من خلف أو جميع حدبة الفقار من خلف مع زوائدها ومرارا كثيرة ايضا أكشط من عضل الصلب كل شيء منه فيما بين شوك الفقار وبين منتهى زوائده التي عن الجانبين كيما تظهر وتتبين بينا صحيحا مواضع وصل الفقار وأنا آمرك أن تجعل همتك وتفقدك خاصة في الزوائد التي يحدث عنها شوك الفقار فتنظر كيف هي ذاهبة إلى فوق قليلا كيما تجعل من ساعتك أول ضربة تضرب فيها السكين ضربة من فوق إلى أسفل موربة قليلا ليست بالذاهبة في العرض على الحقيقة ثم اقطع النخاع أسره عرضا ولا تدع شيئا منه غير مقطوع إلا أن تحب في وقت ما أن ترخي وتعطل نصفه بالتعمد †مثل كذلك† فإن هذا أيضا أمر نافع جدا في معرفة جملة طبيعته وجوهره وأنا واصف طبيعة النخاع
وجوهره في المقالة الرابعة عشرة من مقالات هذا الكتاب وأما هاهنا فحسبك في استخراج ما تريد استخراجه أن تعلم هذا الذي أصفه لك وهو أن النخاع إن قطع في وسطه من فوق إلى أسفل قطعا مستقيما لم يرخ ذلك ولم يعطل العصب الذي فيما بين الأضلاع ولا في واحد من الجانبين أعني لا العصب في الجانب الأيمن ولا الذي في الجانب الأيسر وكذلك لا يعطل العصب الذي يأتي القطن ولا الذي يأتي الرجلين وأما إن قطع عرضا نصفه فقط إما النصف الأيمن وأما النصف الأيسر فجميع ما يحاذي من العصب الجانب الذي قطع يسترخي ويتعطل فإن أحببت أن تجعل الحيوان ذا نصف صوت فاقطع هذا القطع وأما إن أحببت أن تجعله عديم الصوت فاقطع من ساعتك النخاع كله عرضا.
٧. وقد كنت قلت إن الأضلاع أيضا إذا قطعت أضر ذلك بالحيوان في نفخته وفي ضوته كما يضره فيها قطع العصب وقطع العضل فأنا واصف لك هاهنا كيف ينبغي لك أن تقطع الأضلاع فأقول إني آمرك أن تتفقد وضع الأضلاع وتجعل فطنتك وذهنك فيه عند صياح الحيوان فإن في هذا الوقت لشدة انقباض العضل الذي فيما بين الأضلاع تظهر حدبات الأضلاع ولا سيما إن كان الحيوان قصيفا وأنا آمرك أن يكون عملك لمثل هذا التشريح في حيوان قضيف وإذا أنت عرفت بالحقيقة وضع الضلع الذي قد اعتزمت على قطعة فاقطع في الوقت الذي فيه يصيح الحيوان جميع ما يقع تحت يدك على جرم الضلع من اللحم مع الجلد الذي عليه واستعمل في ذلك الآلة التي يقال لها باليونانية ابيقوفون فإني أنا لا أرى بأسا تسمية الآلة التي هي مسند الاجسام التي يقوم القطع عليها بهذا الاسم أعني ابيقوفون كما يسميها أصحاب التشريح فأصحاب علاج ما يعالج بالحديد وغيره من عمل اليد فإن لم ينقطع في الضربة الأولى كما يحتاج إلى قطعه فهو على حال ينقطع في الضربة الثانية أو الثالثة على أن الأحزم لك أن تقطع في مبدأ أمرك قطعا
متوقيا حاذرا فإنه كثيرا ما يعرض لمن لا دربة له في هذه الأمور أن إذا أمر أحدهم بالقطع طول الضلع كله تفلت وتزلق السكين عن حدبة الضلع وتصير إلى أسفل إلى الموضع الذي فيما بين الضلعين فتبلغ إلى بعض ما في هذا الموضع من الأجسام وقد قلنا إن من أسفل إلى جانب حرف كل واحد من الأضلاع عصبة وعرقا وشريانا ممدود كل واحد منها مع الضلع فإذا أنت رضت نفسك رياضة كثيرة جدا ما أمكن من ذلك في أن تقدر 〈أن〉 تقطع في أول ضربة قطعا يذهب في طول الضلع حتى يبلغ إلى الغشاء الذي حول العظام صرت إلى تمام عملك في اسرع الأوقات وعلى أجود ما يكون فإن لكل واحد من الأضلاع لفافة من غشاء شبيه بجميع الأغشية الملفوفة على سائر العظام فإذا أنت قطعت هذا الغشاء في طول الضلع فاجرده وحله عن العظم واستعمل في ذلك الآلة التي يقال لها آسية وهي آلة جانباها محدبان حتى إذا انكشف عظم الضلع وصار عاريا فأدخل تحته الآلة التي يقال لها حافظة غشاء الدماغ أو الرأس العريض من ميل عريض الرأس وصيره فيما بين الجرمين أعني فيما بين الغشاء الملفوف على العظم الذي كشفته وعريته و[فيما] بين عظم الضلع واحذر غاية الحذر أن تثقب أو تقطع الغشاء المستبطن للأضلاع وإذا أنت فعلت هذا فاكسر العظم وافعل ذلك كما جرت العادة بأن تضع من مكاسر العظام مكسرين واحدا بحذاء الآخر فإن كان الحيوان قريب العهد بالولاد فحسبك فيه قطع واحد يقع عرضا على غضروف الضلع غإنك إذا كنت قد تقدمت فجردت معتمدا الغشاء الملفوف على العظم سهل عليك جدا أن تأخذ بأصابك جزءي الضلع الذي قطعته وتثنيهما قليلا قليلا فترد كل واحد منهما إلى ناحية الطرف الذي هو متصل به أما إلى خلف فإلى الطرف المتصل بالفقار وأما إلى قدام فإلى الطرف المتصل بالقس فعلى هذه الصفة فليكن كسرك للعظام التي أسفل من الكتفين فأما ما هو منها داخل في الكتفين فهي تحتاج أن تعلع أولا وكما أن قطع العضل الذي
فيما بين الأضلاع العليا أمر عسر شاق جدا على ما وصفت قبل كذلك قطع الأضلاع التي في هذا الموضع نظير له في العسر والمشقة وبهذا السبب صار العمل الذي يكون بإضرار العصب أجود وأصلح وحسبك في اعتقادك بأن النفخة والصوت تنزل بها آفة بسبب ما يحدثه من استرخاء العضل الذي فيما بين الأضلاع أن تقصد للإضرار بالعضل الذي أسفل من الكتفين وحده بأن تقطع في بعض الأوقات على ما وصفت لك ليف هذا العضل وتقطع في أوقات أخر شيئا من العظام فإنك إذا فعلت ذلك رأيت عيانا أن مقدار ما يهلك ويذهب من جميع النفخة الطبيعية ومن جميع الصوت كمقدار ما يكون العضل الذي استرخى وتعطل من جملة العضل الذي فيما بين الأضلاع وهذا أمر يعرض للنفخة والصوت في جميع أعمال التشريح التي يسترخي ويتعطل بها هذا العضل على مثال واحد وهذه الأعمال كما قلت أربعة أحدها العمل الذي تكسر فيه الأضلاع والثاني العمل الذي يقطع فيه النخاع والثالث العمل الذي يقطع فيه العصب والرابع العمل الذي يقطع فيه ليف العضل ومتى كان استرخاء هذا العضل وتعطله في شق واحد إما في الشق الأيمن وإما في الشق الأيسر ذهب نصف النفخة ونصف الصوت ومتى كان الاسترخاء والتعطل إنما يقع في نصف العضل الذي في واحد الشقين كان ما يفسد من كل واحد من الفعلين الربع وذلك لأن ضرر الصوت وفساده إنما يكون أبدا بحسب مقدار عدد العضل الذي يسترخي ويتعطل ومما لا خفاء به عليك أنه ينبغي مع هذه الأشياء أن تضم إليها وتزيد عليها النظر في مقادير العضل وذلك أنك إن أضررت في كل واحد من الجانبين مرة بالعضل الكبار وحده ومرة بالعضل الصغار وحده لم يكن ما تحدثه من الإضرار بالنفخة والصوت مقدارا واحدا متشاويا في المرتين ولو كان عدة العضل الذي تضر به في المرتين كلتيهما عددا واحدا سواء وذاك أنه إن كان العضل كبارا كان ما يحدث عنه من الآفة عظيما وإن كان العضل صغارا كان ما يحدث عنه من الآفة يسيرا وقد قلت أيضا إن ذهاب [كل واحد من] الصوت والنفخة كله
جملة بسبب قطع النخاع أولى وأوجب فأما متى قطعت ليف العضل الذي فيما بين الأضلاع أو كسرت عظام الأضلاع فإن يبقى من العضل الذي يقبض الصدر أفرادى أعني العضل الموضوع على أطراف الأضلاع وجميع العضل الذي على البطن ولكن لما كان ما يفعله هذا العضل من قبض الصدر إنما هو شيء يسير صار ما يكون عنه من النفخة مقدارا قليلا دبح† وكذلك الأمر في الصوت بقياس النفخة ولذلك صار الحيوان يصوت إذا كانت منه النفخة في هذه الأعمال التي ذكرناها بصوت يسير خفي شبيه بصوت من يزقي وصوت من يسر إلى صاحبه سرا وفي أكثر الأمر يعرض من قطع العصب ضرر متساو للضرر العرض عن قطع النخاع أو أقل من ذلك بشيء يسير وذلك أن العضل الذي ذكرناه إنما هو يأتيه ما يصل من شعب العصب من العصب الذي فيما بين الأضلاع وذاك أنه وإن كان ما بعد الأضلاع من أجزاء الزوج الأول والزوج الثالث من هذا العضل إنما يأتيه العصب من مواضع أخر فإن ما يلي الصدر من أجزائها لا بد له ضرورة من أن يتعطل ويذهب فعله ولهذا صار ما يلي الصدر من أجزاء هاذين الزوجين إذا هو تحرك مع ما هو من أجزائها الأسفل لم يحدث عنه لا نفخة ظاهرة للحس ولا صوت ظاهر للحس وقد قلنا في مقالاتنا في الصوت إن في أمثال هذه الأمور إنما يهلك ويذهب الصوت ذهابا عرضيا وأما النفخة فتذهب وتهلك هلاكا أوليا ولكن لما كانت النفخة إنما هي إخراج هواء التنفس بشدة وفي دفعة واحدة لزمنا بالضرورة أن نذكر أمثال هذه الأعمال في كلامنا في آلات التنفس وسأذكر أيضا في كلامي في تشريح آلات الصوت.
٨. وقد بقي علينا أن نصف كيف السبب الذي به يصل الرجل إلى أن يجعل الصدر كله عديم الحركة بأن يربط العصب وحده المحرك لعضل الصدر وهذا أمر قد حضرتموني ورأيتموني مرارا شتى بينته ليس لكم وحدكم خاصة لكن للخلق كثير عامة فأقول إنك تقدر أن تجعل العضل الذي فيما بين
الأضلاع لا يتحرك بأن تقصد للعصب الذي يأتيه من النخاع بالوجه الذي وصفته لك وأما الحجاب فإنك تحسمه وتمنعه الحركة بأن تنزل بأصول العصب الذي يأتيه آفة على ذلك المثال وقد رأيتموني أبين جميع هذه الأشياء وما أشبهها مرارا شتى في الخنازير أكثر من غيرها وأتعمدها بذلك في الخاصة والعامة وذلك لأن القرد لا يفضل على الخنزير في أمثال هذه الأصناف من التشريح ومنظر لتشريح القرد مع هذا منظر سمج وخشن وتلخيص أمر الموضع الذي ينبغي أن تعطع منه الجلد وحده تستخرج بذلك عصب الحجاب بالكلام والصفة الواضحة مما لا يمكن ولا يستطاع غير أنا نفعل في هذا كما فعلنا في سائر الأشياء الأخر فنلتمس ونروم أن نخبر بذلك إخبارا واضحا فإن الاقتصاص الذي يجري هذا المجرى يكون نافعا في التذكير بما قد تقدم النظر إليه عيانا وفي الإرشاد إلى سبيل العمل لمن لم ينظر إلى شيء من هذا عيانا فأقول إنك إذا وجدت الحيوان فمددته على قفاه فوق لوح على ما وصفت لك قبل واستوثقت منه بالشد برباطات تأخذ الأربع القوائم وتأخذ أيضا رأسه كله مع رقبته وجدت العصب موضوعا تحت الجلد في الموضع خاصة الذي فيه مبدأ القائمتين اللتين مقدم الحيوان وينبغي لك أولا أن تكشط جميع ما في ذلك الموضع من الجلد حتى تنظر إلى عرقين عظيمين أحدهما يرتقي مصعدا على الرقبة وكأنه إلى التأريب أميل والآخر إلى رأس القائمة المقدم وكان ذهابه إلى العرض أميل فإنك إذا كشطت بأصابعك العضل الذي فيما بين هاذين العرقين رأيت العصب يمر على جانبي الرقبة إلى أسفل على تأريب فياتي الصدر وتراه لاصقا بالعضل الموضوع في داخل الرقبة حتى إذا هو دنا من الضلع الأول وكاد أن يماسه رأيت العصبتين تضام الواحدة منهما الأخرى فإذا أنت رأيت هذا الموضع مرة واحدة رؤية استقصاء فالتمس أن تشرح تشريحا مطلقا في موضع هذا العصب من غير أن تكشط الجلد فإنك إذا رضت نفسك وتدربت في ذلك أمكنك في بعض الأوقات أن تكشف عن عصب الحجاب بقطع يقطعه في ضربة واحدة وهذا العصب يوجد في الخنازيز على أكثر الأمر في كل واحد من
الجانبين ثلاث عصبات وأما في القرود فيوجد على أكثر الأمر في كل واحد من الجانبين عصبتان وربما وجد في القرود أيضا في الندرة عصبة ثالثة كما قد يوجد في الخنازير عصبة رابعة وأصل هذا العصب كله هو النخاع الذي في الرقبة والزوج الأول منه ينبت من الموضع الذي فيما بين الفقارة الرابعة والخامسة والزوج التاني من الموضع الذي فيما بين الفقارة الخامسة والسادسة والزوج الثالث من الموضع الذي من بعد الفقارة السادسة وهو صغير جدا كما أنه متى وجد زوج رابع زائد فهو يكون صغيرا جدا ويكون شعبة من الزوج الذي بعد الفقارة السابعة ومتى قطع هذا العصب كله صار الحجاب عديم الحركة وعلى هذا النحو متى أضررت بعصب العضل المنحدر من الرقبة إلى الصدر وأفسدته وهي ست عضلات عددا أفسدت بذلك فعل هذا العضل وإفساده يكون على ما وصفت بضربين إما بأن تقطع العصب وإما بأن تشده برباط ولما كان متى كشط الجلد وحده لم يقع البصرعلى هذا العضل وكان عصبه أبعد من أن يقع عليه البصر من العضل قد ينبغي لك أولا أن تشرح العضل الصاعد من مقدم الصدر إلى مفصل الكتف فمن كان لا دربة له ولا احتيال في عمل التشريح فهو يرى أن هذا أمر شاق عسر وعسى أن يظن بعض الناس أنه من المحال أن يصبر الحيوان على هذا التشريح الذي لا بد من عمله ويحتمله كله أعني التشريح الذي به يجعل الصدر لا يتحرك بسبب ما يحدث بالعصب من الآفة فأما من قد حضرني ورآني مرارا كثيرة أفعل ذلك فالحس يدعوه إلى التصقيق بأن عمل التشريح الذي وصفناه أمر ممكن مستطاع وذلك لأنه أمر إنما يورد على من لا دربة له ولا حنكة الجبن والفزع منه والظن بأنه شاق عسر بما يسبق منه إلى التخيل خاصة لا بما له من القوة وإذ كان الأمر فيه على هذا فإيك أن تجبن عنه ولا تفزع منه بل تقدم عليه واستنجد نفسك له حتى تجربه وافعل ذلك بأن تكشط عن مقدم الصدر الجلد كله فإن ذلك يكون من غير أن
ينبعث دم ثم اكشط بعد ذلك العضل الذي يأتي مفصل الكتف فإن هذا أيضا يكون بلا انبعاث دم ثم ثلاث بعد هاذين بأن تفصل عظم الكتف كله من العضل المضام له من أسفل في الموضع المقعر منه وكذلك فافعل بعظم الكتف الآخر واكشط مع ذلك العضل الذي يرتقي من أسفل إلى ناحية مفصل الكتف أعني العضلة التي تجاوز المفصل والعضلة الصغيرة التي استخرجناها ووجدناها نحن فإنك إذا فعلت هذا رأيت هناك زوجي العضل المشرف من عضل الصدر وترى أيضا أعصاب الزوج الأعظم رؤية بينة راكبة على العضل فأما أعصاب الزوج الأصغر وهو الذي وضعه من قدام فرؤيتك له أعسر وأشق حتى إذا أنت تقدمت فتدربت في حيوان ميت لم يعسر عليك أيضا رؤية هذه والوقوف عليها وقد يمكن أن تقف على مبدأ العضل المحرك للصدر أعني العصب الموصول برأس الزوجين كليهما من غير أن تقلع عظم الكتف كله وتكشف معه العضل الذي ذكرناه وسأذكر هذا العصب عند ذكري لتشريح العصب ذكرا يقدر لما هو عليه من الوضوح الرجل المحب للتعب أن يكون إذا هو ارتاض فيما بينه وبين نفسه عمل هذا التشريح الذي وصفته هاهنا في وقت ما عملا تاما محكما ولأن من العضل المحرك للصدر زوجا آخر ثالثا وهما عضلتان رقيقتان طويلتان وهذا الزوج يبتدئ من الرباط الدقيق الذي من جنس الأغشية من خلف عظم الكتف وليس يقع عليه أيضا البصر ساعة يكشف الجلد دون أن يشرح العضل الخاص بعظم الكتف قد ينبغي لك أن تعلم من أمر هاتين العضلتين أنك إذا أنت شرحت في كل واحد من عظمي الكتفين عضلاته كشفت عن هذا الزوج العضل الذي من جنس الأغشية وليس يمكنك فيهما الأمر بسهولة وقلة سعي كما أمكنك في العضل المقدم ذكره أن تعدمهما وتمنعهما الحركة بإضرارك بالعصب وذلك لأن العصب الذي يحركهما خفي دقيق جدا لكن إذا أنت قطعت
رأسيهما اللذين هما رباطان من جنس الأغشية سهل عليك الأمر في إرخاء العضلتين وتعطيلهما عن الحركة وهذا أمر ينبغي لك أن تعرف في جميع العضل عامة أنه متى قطع رأس العضلة لم تفعل فعلها فمتى كانت العضلة ذات رأس واحد مفرد فالأمر فيه سهل جدا أن يكون إذا قطع هذا الرأس تعطلت العضلة عن حركتها فأما متى كانت للعضلة رؤوس كثيرة فيحتاج أن تعطع تلك الرؤوس كلها وفي بعض العضل ليس الأمر في وقوف على كثرة الرؤوس بسهل ولا هين إذا كانت تبتدئ من عظام كثيرة بمنزلة الزوجين اللذين ذكرناهما قبل من عضل الصدر ولا سيما الزوج الذي من قدام وإذ كان الأمر على هذا فقطعهما في الموضع الذي اجتمعت فيه أولا تلك الؤوس وضام بعضها بعضا أحزم وأصوب فإن هذا أمر قد جرت عادتي بأن أفعله أيضا في العضل الذي من قدام عندما أريد أن أرخيه وأعطله من فعله لا بأن أضر بالعصب لكن بأن أقطع نفس العضل ولهذا صار يحتاج في هذا العمل إلى أن يكون القطع غائرا لأن العضل إذا اجتمعت والتفت رؤوسها له ثخن ذو قدر وأما العضل الذي من خلف فقطعه من السهولة بما يمكن معه أن يقطع بالظفر وفيما د أتينا به من أمر العضل الخاص بالصدر كفاية ومبلغ.
٩. وأما قطع النخاع فسوف أذكره فيما بعد إذا صرت إلى موضع الكلام في النخاع وأنا أذكر منه هاهنا أيضا مقدار ما يحتاج إليه لهذا الكلام الذي نحن فيه فأقول إنك إن قطعت النخاع وبترته كله في الموضع الذي فيما بين الفقارة الثالثة والرابعة صار الحيوان من ساعته عديم التنفس ويتعطل الحركة ليس من صدره فقط لكن ومن جميع ما أسفل موضع القطع من سائر بدنه ولا خفاء عليك بأن القطع إن وقع أيضا بعد الفقارة الثانية
وبعد الفقارة الأولى أو في موضع رأس النخاع ومبدئه كان في ذلك فساد جملة بدن الحيوان وأما إن أنت قطعت النخاع بعد الفقارة السادسة وكان القطع يبتره كله عرضا فإن هذا يحتاج إلى إلحاقه في هذا القول واشتراطه دائما فعدم جميع العضل المحرك لسائر الصدر الحركة من ساعته وقد بقي الحيوان يتنفس بالحجاب وحده وأما كل قطع في النخاع أسفل من هذه الفقارة فهو لا يمنع الصدر من الحركة بأجزائه منه أكثر من الحجاب من ذلك أن الزوجين 〈من〉 العضل المشرف من عضل الصدر لكل واحد منهما من العصب أصلان ومنشأ أحد هاذين الزوجين من العصب وهو أعظمهما وانشعابه في أكثر الأمر يكون من بعد الفقارة السادسة ولذلك صار قطع النخاع إذا وقع بعد الفقارة السابعة لم يضر بالزوجين [العضل] وبقي لهما فعلهما سليما على حاله وإن قطع أيضا النخاع بعد الفقارة الثامنة أو بعد التاسعة كان ذلك أبلغ وأكثر في سلامة فعل هاذين الزوجين [العضل] لأن هذا العضل يصير إليه مع العصب الذي ذكرناه عصب من أصل آخر ويشركه في الفعل العضل الذي من جنس الأغشية من خلف وترى الحيوان عند ذلك يتنفس بجزءي صدره كليهما أعني بالجزء الأعلى وبالجزء الأسفل إلا أن تكون حاجته إلى التنسف يسيرة فإنه إذا كان ذلك اكتفى في تنفسه بالحجاب وحده وكلما حللت قطعك النخاع إلى أسفل كان ما تجده من عضل الصدر يفعل فعله أكثر وذلك بمقدار انحطاطك فأما الزوج السادس من أزواج العضل المنحدر من النخاع فليس تجده يصلح لفعل التنفس وذلك لأن ليس من أجزائه شيء يأتي شيئا من عضل الصدر وبهذا السبب متى قطعت سائر أصول العصب كلها وسلم هذا وحده عدم الحيوان التنفس من ساعته ولم يعن عليه ذلك الزوج شيئا ولم ينفعه وليس الأمر كذلك في الزوج 〈من〉 العصب الذي
يأتي الحجاب وذلك أنه وإن نالت الآفة سائر العصب الباقي كله فإن الحيوان يتنفس بالحجاب وحده وتظهر حركة الصدر التي في هذه الأجزاء ظهورا بينا.
١٠. ولأن أصحاب التشريح قد بصروا وبحثوا عن نفوذ هواء التنفس إلى الموضع الذي فيما بين الصدر والرئة قد ينبغي لنا أن نذكر في هذا الموضع التشريح الذي يصلح لهذا فأقول إن التشريح الذي يكون بقطع ضلع من أضلاع تشريح قديم ودلالته دلالة ضعيفة وتبلغ من ضعفها أن قوما يقولون إنهم يرون الرئة لازمة للصدر مضامة له وقوم أخر يزعمون أنهم يرونها ليست بلازقة ولا مضامة للصدر بل مباينة له منتحية عنه وهذا أمر إنما وقع بسبب ثخن الغشاء الذي تحت الأضلاع التي تقطع ولكن نحن أوضحنا هذا حتى وقع عليه العيان وقوعا أبين وذلك بأني لم أكتف بقطع الضلع وحده دون أن قلعت معه أحد الغشائين وهو الذي كان حول العظم قبل أن أقطع الضلع وإذا قلع هذا الغشاء بقي الغشاء المستبطن للأضلاع وحده فردا فيمكن البصر النفوذ فيه والنظر إلى ما وراءه نظرا بينا فيدعو ذلك جميع من يراه إلى الإقرار بأنه ينظر إلى الرئة نظرا بينا لازمة للصدر مضامة له والنظر إلى ذلك يكون أبين إذا نظر إليه من الحجاب بعد أن يكشف عن الحجاب ويكشف عنه رأس الغشاء المستبطن لمراق البطن وهو الصفاق وينبغي لك أن تفعل ذلك على هذه الصفة إذا أنت مددت الحيوان على قفاه فاقطع ما على البطن من العضل من طرف ضلوع الخلف واستبق الصفاق وقد قلت فيما سلف من كتابي هذا إن أوتار الزوج الرابع من اوزاج العضل الذي في هذا الموضع متصلة متحدة بالصفاق فلمكان هذا ينبغي لك إذا أنت بلغت إلى هذه الأوتار أن تمسك عن القطع لتستبقيها سليمة عن القطع ثم اكشط بعد ذلك الصفاق عن حجاب حيث لا تمتد معه الأوتار وهذا أمر عمله يكون سهلا
هينا إذا عمل باليد من غير سكين وهو عمل يتم والحيوان حي أكثر مما يكون والحيوان قد مات لأن الأجرام التي لا يمكن أن يخلص ويبرأ واحد من الأخر بالكشط والحيوان حي إذا بردت بعد موت الحيوان صارت أعسر انكشاطا وتخلصا فإذا أنت كشطت الصفاق عن الموضع العصباني من الحجاب فاجذب المعدة إلى أسفل ونح ما عن جنبتيه إلى الجانبين إلى ناحية الأجزاء اللحمية من الحجاب ثم اعمد بعد ذلك إلى موضع الغضروف السيفي فمده إلى فوق ومد المواضع التي تلي ضلوع الخلف إلى الجانبين وإن احتجت فاقطع العضل الذي على البطن في الخاصرتين كلتيهما عرضا فإنك إذا فعلت ما وصفت لك رأيت الرئة من الموضع العصباني من الحجاب بأهون سعي وذلك مما يدعو جميع من يراه إلى الإقرار بظهور الأمر في أن الرئة لاصقة بالصدر في هذا الموضع لا تفارق في وقت من الأوقات بل هي لازمة مضامة له وإنما في وقت كل واحد من جزءي التنفس أعني في وقت ما يدخل الحيوان الهواء بالتنفس وفي وقت ما يخرجه وما يظهر من هذه الأمور عيانا فحقق لرأي ارسسطراطس الذي يظن أنه ليس يجري من الرئة شيء من الهواء ولكن يفسخ ذلك عليه ما أنا قائله بعد وهو أنك إذا كشفت عن الحجاب على ما وصفت لك إن أنت قتلت الحيوان رأيت الرئة تتباعد عن الحجاب وتفارقه من ساعتها والحيوان يموت بضروب شتى فأنت بأي ضرب منها قتلته ترى الرئة متباعدة عن الحجاب تباعدا كثيرا جدا ومن ذلك أنا نحن تعمدنا قتل الحيوان مرة بأن خنقناه بالماء ومرة بأن خنقناه بالوهق ومرة بأن قطعنا مبدأ النخاع عند الفقارة الأولى ومرة بأن قطعنا منه عرقا أو شريانا عظيما فكنا نرى الرئة في ذلك كله تتباعد عن الحجاب بعد موت الحيوان قليلا قليلا وهذا بعينه يرى إذا قطع ضلع إيضا ومن كان قد رأى الرئة والحيوان
حي قريبة من الصدر فرؤيته إياه بعد موت الحيوان متباعدة عنه 〈بعدا〉 كثيرا أبين وأشفى وذلك منها يدل دلالة بينة أن الهواء الذي فيها محتبس يستفرغ ويخرج منها إلى الموضع الذي فيما بين الصدر والرئة 〈...〉 خال عند أقاصي أطراف الرئة وخاصة عندما يتنفس الحيوان تنفسا أعظم لأن في تنفس الصدر في بعض الحيوان لا يرى بينهما موضع خال أصلا وفي بعضه موضع خال يسير ومما 〈لا〉 يذهب عنك أنه ينبغي لك إذا أنت أردت أن تمتحن ذلك بقطع ضلع من الأضلاع أن تتقدم قبل القطع 〈...〉 فتضطر الحيوان إلى العدو كيما يقطع الضلع والحيوان بعد يلهث فإن مقدار الموضع الخالي فيما بين الصدر والرئة يزيد أبدا مع زيادة عظم التنفس ويمكنك أيضا أن ترى فيما بين الصدر والرئة موضعا خاليا أعظم بعد أن يكون الحيوان قد عدا عدوا شديدا بأن ترخي وتعطل الحجاب عن فعله بقطعك للعصب الذي يأتيه فإنك إذا فعلت به ذلك اضطر الحيوان إلى التنفس بالعضل الذي فيما بين أضلاعه فترى الصدر رؤية بينة أنه يتحرك في مسافة أعظم وهاهنا علم آخر يظن به أنه يتبين أن شيئا من الهواء ينفذ من الرئة إلى الصدر وصفته أن تتخذ كيسا في خلقة مثانة ويكون فم الكيس معتدلا للفتح ثم تقطع ما على الضلع من الجلد قطعا مدورا وهو حتى أن تكون استدارة حاشية القطع بمقدار فم الكيس سواء وتقطع أولا الضلع على ما وصفت لك قبل ثم تخيط بعد ذلك الكيس مع حاشية القطع وأدخل فم الكيس كما يدور في جوف القطع حتى يكون الجلد من خارج ثم اطل الموضع بدواء من الأدوية التي تلزم لسد به ما حدث في الجلد من الثقب
التي ثقبتها الإبرة ومر فيها الخيط بمنزلة الدواء الذي يقال له باليونانية باروغرون وهو بعض المراهم الرطبة أو غيره من الأدوية الرطبة المتخذ من الشمع واحرص أن لا تكون فيما بين الخيط والجلد مسافة ما فإن وقع من ذلك شيء يفوت الحس فاحزم الأمور لك أن تسده بشمع مذاب كيما لا يدخل من الهواء المحيط بالبدن من خارج شيء إلى داخل ولا يخرج من الهواء الداخل شيء إلى خارج ثم اثقب ذلك الكيس في أسفله وأدخل في جوفه من ذلك الثقب سكينا مقبض مدور كيما إذا أنت ربطت الكيس من خارج بخيط لزم الكيس مقبض السكين لزوم لا يصل معه من الهواء الخارج شيء إلى داخل ولا يخرج مما في جوف الكيس من الهواء شيء إلى خارج وهذا هو الذي أمرناك بسبب أن تستعمل الشمع المذاب ثم اقطع الغشاء المستبطن للأضلاع بالسكين وانظر كيف يخرج من الهواء شيء إلى الكيس في وقت إخراج الهواء بالتنفس وينفذ في ذلك القطع وهذا الهواء الذي صار في الكيس أنت تراه في وقت إدخال الهواء بالتنفس عند انقباض الصدر وينجذب ويدخل من ذلك القطع إلى جوف الصدر ثم إذا عاد الحيوان فأخرج الهواء بالتنفس صار الهواء أيضا إلى الكيس ورجع بعد ذلك عن الكيس إلى الصدر وترى الهواء يكثر في كل واحد من إخراج الهواء بالتنفس وفي آخر الأمر يمتلئ منه الكيس وقد يمكن أن يفسخ إنسان هذا الذي وصفنا أنه يرى عيانا من وجهين أحدهما أن يقول أن الهواء ينفذ من موضع الخيط والذي ينفذ من خارج إلى داخل في وقت إدخال الهواء بالتنفس مقدار كثير والذي يخرج منه من داخل إلى خارج في وقت إخراج الهواء بالتنفس مقدار يسير والآخر أن يقول إن الغشاء المجلل للرئة قد انقطع مع الغشاء المستبطن للأضلاع وهذا لعمري شيء قد يعرض في وقت بعد وقت على ما قال هذا
حقا لأنه من الأمور العسرة الشاقة أن تكون الرئة لازمة للصدر أبدا ويكون الغشاء المستبطن للأضلاع ينثقب وحده والغشاء المجلل للرئة يسلم من الانثقاب وأنت تتبين هل يسلم هذا أم لا بأن تكشف عن الرئة بعد موت الحيوان وأما الأمر في أن الهواء ينفذ فيما بين الخيط والجلد فهو مما فيه بحث ونظر لا يخلو من المري واللجاجة ويحتاج في فسخ ذلك إلى كلام طويل واستعمالنا نحن بأمثال هذه الأبواب فضل إذ كان أمر يتبين من أشياء أخر تظهر عيانا وإذ كان الأمر في هذا الضرب من عمل التشريح على هذا فليس ينبغي لنا إذا أم تستعمله في هذا الباب الذي قصدنا له أصلا إذ كان الضرب الذي ذكرناه أولا يتبين بيانا واضحا أن الهواء قد ينفذ منه شيء من الرئة إلى الصدر فإنك في كل حيوان يموت بأي ضرب كان موته إن أنت قطعت ضلعا من الأضلاع على ما وصفت لك وإن أنت كشفت عن الحجاب رأيت الرئة مباينة للصدر مفارقة له وهذا الأمر ليس يمكن أن يكون دون أن يكون الهواء ينفذ من الرئة إلى تجويف الصدر.
المقالة التاسعة من كتاب جالينوس في عمل التشريح
١. أريد أن أخبر في هذه المقالة كيف السبيل الذي يصل به الرجل أن ينظر إلى الأشياء التي تظهر عيانا بالتشريح في الدماغ وفي النخاع على أفضل الحالات بعد موت الحيوان وما دام حيا والتشريح الذي يكون في بدن الحيوان قد مات يتعلم الرجل ويعرف به وضع كل واحد من الأعضاء وعددها وجواهرها ومقاديرها وأشكالها وتركيبها فأما التشريح الذي يكون في بدن حيوان حي فمرة يفيد صاحبه معرفة فعل العضو الذي يشرح بلا واسطة فيما بين ذلك ومرة يفيد معرفة الأصول التي يحتاج إليها في العلم بفعل العضو واذ كان الأمر في ذلك 〈كذلك〉 فمعلوم أنه ينبغي أن يكون تشريح الحيوان 〈...〉 الحي وتشريح الحيوان الميت يمكن أن يعالج بضربين أحدهما 〈و〉العضو الذي شرح في موضعه من جملة البدن والآخر 〈و〉العضو الذي قد أخرج عن موضعه من البدن وأفرد وحده وإذ كان الأمر في هذا التشريح على هذا فأنا واصف لك أولا من تشريح الدماغ التشريح الذي يكون والدماغ قد أخرج عن عظم قحف الرأس واستبقي معه الغشاء الغليظ الملفوف عليه وهذا الغشاء إن أنت أحببت أن تسميه غليظا كما سميته أنا هاهنا وأن تسميه صلبا أو جلديا [أي من جنس الجلد] فلا فرق في ذلك بين هذه الأسماء وكذلك الأمر في الغشاء الآخر الذي تحت هذا فإنك ان سميته رقيقا أو لينا غشائيا [أي من جنس الأغشية] لم يكن في ذلك ما ينفع في علم التشريح 〈...〉 إنما هو بمعرفتكم بطبائع الأعضاء لا بمعرفة تسميتها وقد يباع في المدن الكبار على
أكثر ألأمر أدمغة البقر مهيأة معدة قد كشفت عنها في وسط قحف الرأس [الثور] فإن رأيت في وقت ما أنه قد بقي حول الدماغ من جانبيه عظام أكثر مما ينبغي فتقدم إلى القصاب الذي يبيعه ومره بقلع تلك العظام وإن لم يكن القصاب حاضرا فافعله أنت بأن تستعمل مقاطع قوية أو فأسا من فؤوس النجارين التي قد رأيتموها عندي معدة مهيأة لهذا العمل وقبل كل شيء اتخذ هذه الفؤوس من حديد صلب فإن ما يتخذ منها من حديد آئن لا يعمل إلا عملا يسيرا في ضربات كثيرة ونحن لا نحب أن نضرب قحف الرأس مرارا كثيرة ضربات قوية وذلك لأن الدماغ آئن ناعم يهتز من مثل هذه الضربات اهتزازا قويا ينحل به اتحاده حتى يتمزق وينهتك والذي يريد أن ينظر إليه يحتاج أن يعده ويهيئه على السلامة من العوارض الشبيهة بهذه كيما ينكشف له جميع ما فيه من منابت الأعصاب وجميع العروق والشريانات التي فيه ويسلم له أيضا الحاجز الذي فيما بين بطنيه المقدمين وأجراء الموضع الذي يقال له البركة والحوض والقمع وغير ذلك مما أشبهه فإذا أنت هيأت هذا العضو وأعددته على ما ينبغي رأيت الغشاء الصلب الذي يقال له أم الدماغ حيث تراه ذاهبا في طول الدماغ في وسطه أغلظ منه في غير ذلك الموضع كثيرا وتراه ينحدر وينزل في الدماغ في الموضع الذي هو أقرب المواضع من الدرز الوسط من دروز القحف وكذلك تراه أيضا تحت الدرز الشبيه باللام في كتا اليونانيين ينطوي وينحدر معا في الدماغ حتى يبلغ إلى موضع ما ويرى أيضا عرقان يرتقيان مصعدين في هذا الغشاء واحد من كل جانب على ضلعي الدرز الشبيه باللام في كتاب اليونانيين والموضع الذي يجتمعان فيه العرقان واحد إلى الآخر تراه في أكثر الأمر أشرف من المواضع التي حوله وليس أجزاء الدماغ عن جانبي هذا
الموضع بمتساوية أعني الجزء المقدم والجزء المؤخر لكن الجزء الذي قدام أعظم بكثير جدا وهذا الموضع الذي هو أشرف موضع الدماغ يأتيه أيضا الطي الآخر من الغشاء الغليظ حتى يرى الغشاء في هذا الموضع قد صار من الغلظ إلى أربعة أضعاف غلظ أجزائه الأخر كلها أعني الأجزاء التي تطيف بالدماغ كما يدور وهناك أيضا عرق ثالث يمتد في الطول ويمر إلى قدام وليس لأحد أن يسمي هذا إلا عرقا إذ كان على ما هو عليه من الخلقة وكان وعاء يوجد فيه دم محتبسا فما دام الحيوان حيا فأنت إذا كشفت عن الدماغ على قدر ما جرت به العادة من ثقب القحف وقطعه رأيت في رأس من يقع به الشجات التي تكسر عظم الرأس هذه المواضع المجوفة التي ذكرناها فيها دم حتى إذا مات الحيوان وجدت في تلك التجويفات 〈عبيط الدم وتلك التجويفات〉 ليس لها طبقة عرق يرتقي وينفذ من عظم الرأس مع غشاء الدماغ لكن في أقل ما يلقى قحف الرأس ترى في ذلك الموضع بعينه الغشاء الغليظ ينطوي داخل الطي منه فيصير في مثل أوعية الدم [وهي العروق] ويصير في جوفه دم ويحفظ ما فيه من الدم على الحال التي كان عليها في وقت قبوله أياه وكيما تنظر إلى هذه الأمور نظرا شافيا أعد لنفسك جرما دقيقا طويلا منزلة ميل من الأميال التي يقال لها باليونانية ديفورينا وانجده إما من خشب العرعر وإما من شيء آخر من الأشياء التي هي من الكثافة مثله وأدخل هذا الميل [الخشب] ودسه في الموضع الغائر من غشاء الدماغ والتمس أن تدفعه إلى قدام إلى حيث بلغ ثم اقطع جرم الغشاء في طول الميل حتى تبلغ إلى نفس الخشب فإن لم تقدر على هذا الميل [الخشب] فأدخل في الغشاء واحدا من الأميال من الطرف الذي † يكحل† به وادفعه إلى قدام واقطع من جانيه قطعا يمر إلى جنبه وميل الميل في وقت قطعك إلى الجانب الآخر كيما لا تنكسر السكين إذا هي
بلغت إلى الميل وتقع على التجويف وفي انكشاف طيات الغشاء عند انقلاع العظم المحيط بها عنها قد يعرض مرارا شتى أن ينخرق من الغشاء شيء وينمزق وإذا كان ذلك فاجعل هذا مبدأك في إدخال بعض الآلات التي ذكرناها في التجويف الذي فيه الدم فإن تهيأ أن يكون الغشاء لا ينقطع منه شيء فاقطع أنت بسكين حادة ضلع كل واحدة من طيتي الغشاء في أجزائه السفلانية في أول موضع يلقى فيه الضلع عظم القحف ثم ضع الميل في القطع والتمس أن تضطره يذهب إلى فوق حتى يبلغ إلى الموضع المشرف من قحف الرأس حيث يلتقيان العرقان كلاهما وهذا هو الموضع الذي يسميه ايروفيلف معصرة وهذا الموضع الذي يسميه هذا الرجل بهذا الاسم فهو موضع إلى عمق الغشاء أميل وفيما يلي الظاهر أيضا هناك مغيض يلتقيان عنده عرقان آخران صغيران موضوعان على المعصرة وهذا المغيض صار في الغشاء الغليظ على مثال المغيض الذي سماه ايروفيلف معصرة وليس ينفذ في هذا المغيض ظرف الميل لضيقه وبسبب ضيقه صارت الأدمغة الصغار إما أن يكون ما يوجد منه فيها شيئا يسيرا وإما أن لا يوجد منه شيء أصلا وإن كان الأمر في ضيقه على ما وصفت فالتمس أن تدخل فيه شيئا من الأميال الدقاق وتقطع معه الشعبة التي ذكرناها من شعب غشاء الدماغ وقلنا إنها مما يلي ظاهره منشؤها من الموضع الذي يضام فيه الدرز الشبيه باللام في كتاب اليونانيين 〈العظمين〉 الشبيهين بالقشور وإذ كان هذا على ما وصفت فاقطع أولا هاذين العرقين اللذين مما يلي الظاهر حتى تبلغ إلى المعصرة والمغيض الذي مما يلي الظاهر ثم من بعد ذلك تقطع العرقين الغائرين وهما عرقان عظيما حتى تبلغ إلى المعصرة والمغيض الغائر فإذا أنت قطعتهما فنقهما أولا إن كان فيهما من عبيط الدم شيء ثم تفرس وتثبت في السطح الداخل من الغشاء وانظر كيف نوع جوهره أشبه شيء بنوع جوهر العروق وإن كان غير شبيه بالعروق في الرقة وليس هذا إذا يجعب أن يكون استغني في هذا الموضع عن أن يفرش فيه داخلا من تجويف الغشاء الغليظ طبقة العرق الذي يصعد الدم إذ كان الجرمان كلاهما شبيها جوهر كل واحد منهما بجوهر الآخر.
٢. ثم انظر بعد ذلك إلى العروق التي تخرج من المعصرتين كلتيهما التي بعضها في غاية الدقة حتى لا يدخل فيه إلا شعرة فقط وبعضها أغلظ وترى العروق التي تخرج من المعصرة التي تلي الظاهر تتفرق وتنبث فيما هو بالقرب من تلك المعصرة من أجزاء الدماغ وهي الأجزاء التي تلي الظاهر وأما العروق التي تخرج من المعصرة الغائرة وهي الأعظم فتراها تتفرق وتنبث في جميع الجزء المؤخر من الدماغ وهو الجزء الذي يسمونه قوم دماغ مؤخر الرأس وفي الجزء المقدم منه وقبل أن تغوص هذه العروق في جرم الدماغ نفسه أنت تراها رؤية بينة تخرج من العروق التي في غشاء الدماغ إن لم يتفق لك أن تكون قد هتكتها ومزقتها والجزء المؤخر من الدماغ يسمونه اليونانيون باسماء شتى عليك أن تسميه بأيها شئت والعروق التي تنشعب من العروق التي تصعد إلى المعصرة وتجيء إلى هذا الجزء وتمر على الدرز الشبيه باللام في كتاب اليونانيين والعروق أيضا التي تخرج من نفس المعصرة طبقتها كلها طبقة العروق بالحقيقة وهي في أمثالها على مثال طبقة العروق التي في جميع بدن الحيوان فأما نفس الدماغ وهو الذي يسمونه قوم الدماغ المقدم فياتيه الدم في نفس الغشاء الغليظ وهذا الغشاء موضوع في وسط الدماغ على الحقيقة يقطع الدماغ بنصفين سواء وينشعب من هذا أيضا عروق صحيحة كثيرة جدا في طوله كله تذهب إلى جزءي الدماغ كليهما أعني الجزء الأيمن والجزء الأيسر وهي كلها صغار خلا عرقين أحدهما العرق الذي منشؤه من المعصرة وذهابه إلى المقدم وممره في العمق في طول الرأس كله وسأصف لك عن قريب كيف السبيل إلى أن يوجد هذا العرق والآخر أعظم من ذلك بكثير وليس هو بقريب من موضع المعصرة ولا بيبعد منه لكنه من أقرب الأشياء موضعا من الموضع الوسط من جملة الدماغ أعني بقولي جملة الدماغ الشيء المركب من جزءي الدماغ المقدم
والمؤخر وهذا العرق يغوص إلى ناحية أسفل إلى العمق وينقسم إلى أقسام كثيرة وليس ينقسم ساعة يطلع من الغشاء لكن بعد أن يمر قليلا قليلا وهذه الأشياء كلها تراها عيانا قبل أن تشرح شيئا من الدماغ إذا أنت كشفت الغشاء الغليظ وحده وكشفك إياه يكون في ثلاث أمكنة لأنه يقطع جملة الدماغ بانطوائه ثلاث قطع ثم مد مواضع القطع بأصابعك إلى فوق ويكون مدك للجزء الأيسر من الغشاء الغليظ على حدة وللجزء الأيمن على حدة وهاذان الجزآن هما اللذان بهما يجلل هذا الغشاء وما في مقدم الرأس من الدماغ ومد أيضا الجزء الباقي من الغشاء الغليظ على حدة وهو الجزء الذي به كان الغشاء يجلل ما في مؤخر الرأس من الدماغ فإنك إذا فعلت ذلك رأيت جميع شعل العروق تتقسم في أجزاء جملة الدماغ الثلاثة بعضها مما يلي الظاهر حتى تقسمها [و]يرى عيانا وبعضها يغوص إلى العمق ورأيت أيضا جملة الغشاء الرقيق الذي يربط تلك العروق إلى بطن الدماغ من خارج وتنحدر مع العروق إلى بطن الدماغ وهذا الغشاء الرقيق يسمى بهذا الاسم على سبيل ما جرت به العادة القديمة وما أدري كيف بقي اسم كل واحد من غشائي الدماغ اليوناني وهو مننكس لا يسمى به إلا هاذان الغشآن وحدهما دون سائر الأغشية وقد كانت القدماء تسمي بهذا الاسم هاذين الغشائين وجميع الأغشية الأخر وكتبهم تدل على ذلك فإنها كثيرة وخاصة كتب ديوقليس التي ذكرها مارينوس في كتاب في التشريح فالغشاء الرقيق أنت تراه محيطا بالدماغ من خارج ومضاما له من داخل على ذلك المثال فأما الغشاء الغليظ فتراه بعيدا عن الدماغ جدا وأنت تقدر أن تتعرف مقدار بعده عنه إن أنت ثفبته في
أحد هذه الثلاثة الأجزاء التي بها قسم الدماغ ثقبا صغيرا وأدخلت في االثقب رأس أنبوب [رأيت] على مثال الأنانبيب التي رأيتموها عندي مهيأة على عمل البوق ومثالها مثال منفاخ الصاغة أعني بقولي منفاخ الآلة التي بها ينفخ الصائغ ويلكد النار فإن أنت أدخلت في الموضع الذي ثقبته رأس البوق وشددت حوله الغشاء واستوثقت منه ونفخت فيه رأيت الموضع الذي تحته يمتلئ هواء كثيرا وذلك أن الغشاء الغليظ مفروش تحت قحف الرأس والدماغ إذا انبسط وانقبض يذهب ويجيء من موضع خال فيما بينه وبين الغشاء وهو أمر يأتي ذكره لك بعد قليل عند ذكري تشريح الحيوان الحي فأما هاهنا فأنا مقبل على ما كنت فيه لازما لسنن كلامي.
٣. فأقول إنك إذا رأيت ما حول الدماغ فقد حان لك أن تأخذ في تشريح الدماغ نفسه وتجعل مبدأك في تشريحه من الجزء من الغشاء الذي يقسم الجزء المقدم من الدماغ نصفين وإذا أنت قطعت أو ثقبت ما عن جنبتي هذا الجزء من الغشاء من منابت العروق وبدأت في ذلك من طرفه المقدم فمده إلى فوق بأصابعك حتى تصير إلى العرق الذي ينبت منه وهو الذي قلنا إنه يصير إلى العمق إلى أسفل ومده هناك أيضا إلى فوق وادفعه إلى إنسان آخر يمسكه لك ثم خلص أنت جزءي الدماغ بالطول واحدا من الآخر وفرق بينهما بالرفق بأصابعك حتى تصير إلى العرق الذي هناك بالطول وهو الذي قلت فيه إنه عرق ذو قدر غير أنه أقل من العرق الذي ينحدر إلى أسفل فإذا وقعت عينك على هذا العرق الذي وصفته لك ورأيته ممدودا بالطول عرفت منفعته مع نظرك إليه وإذا كنت تراه
يتشعب من جانبيه كليهما شعب دقاق تتفرق وتنبث في الدماغ واقلع العرق وارفعه عما تحته من الأجرام بأن تقطعه كله أو بأن تمده إلى فوق حتى تبلغ منه إلى موضع المعصرة التي منشؤه منها وتضعه على ذلك الموضع ثم تفرس وتثبت في ذلك الموضع إذا انكشف لك بعناية واهتمام فإنك تراه كأنه صلب وترى في هذا الموضع حفرة طبيعية ينصب إليها ما لا يستحكم نضجه من غذاء الأجرام التي فوقها والتي حولها والذي استحكم نضجه من الغذاء يسمى خاصة فضلا ونحن أيضا ما من مانع يمنعنا من أن نسميه بهذا الاسم ثم زد في الكشف قليلا فإنك تجد هناك 〈شيئا〉 شبيها بالمجاري الدقاق يبلغ إلى البطن الأوسط من البطون التي في الدماغ وإنما قلت لك إنه ينبغي أن تكشط في هذا الموضع كشطا يسيرا بسبب رأس الحاجز الذي يفرق بين بطني مقدم الدماغ فإنه يصعد إلى هذا الموضع وحينئذ ينبغي لك أن تنظر إلى هذا بأن تقطع عن جانبي الموضع الوسط قطعين مستقيمين حتى تبلغ إلى البطنين وأنت تعرفها بما تراه هاهنا من أن جزءه الصلب بينه وبين أجزاء الدماغ التي قطعتها بون بعيد وخلاف ظاهر جدا وترى في هذا الموضع النسيجة التي تسمى الشبيهة بالمشيمة وأصحاب ايروفيلس يسمون هذه النسيجة ضفيرة شبيهة بالمشيمة وإنما سميت كذلك من المشيمة التي تحيط بالجنين في بطن أمه فإن المشيمة إنما هي عروق وشريانات مضفورة تربطها وتجمعها أغشية رقاق وكذلك هذه النسيجة منتسجة في الدماغ من عروق وشريانات مربوطة بغشاء الدماغ الرقيق وجوهر هذا الغشاء جوهر تلك الأغشية الأخر الرقاق أعني غشاء المشيمة والغشاء المستبطن للأضلاع والغشاء المستبطن لعضل البطن وهو الصفاق وغير ذلك من الأغشية الشبيهة بهذه وأما إذا أنت أيضا مددت هذه النسيجة بيدك مدا رفيقا حتى لا تقطعها فانظر وتفطن أن
العروق التي فيها تنحدر إليها من مواضع عالية وتتقسم فيها والشريانات ترتقي إليها من مواضع متسفلة وتتقسم فيها على مثال العروق واحرص أن تخلص هذه النسيجة صحيحة كيما إذا أنت اتبعت الأثر بعد قليل بعد أن تكشف الأجزاء كلها ترى رؤية بينة أن العروق التي في بطون الدماغ تتقسم كلها وتأتي الدماغ من العرق الذي ذكرناه قبل وقلنا إنه ينحدر من فوق إلى أسفل وإن الشريانات كلها تنقسم وتأتيه من شريانين يصعدان من الأجزاء السفلانية وسنتظر إلى هذه الشريانات بعد أن تمر في العمل وأما من بعد القطع الأول الذي يقطع به كل واحد من بطني الدماغ فافعل علامتك التي تستدل بها على أنك قد وصلت إلى البطنين نظرك إلى النسيجة المشيمية وصلابة جرم البطنين ثم التمس من ساعتك أن تنظر إلى الجرم الذي يفرق بين البطن الأيمن والأيسر فإنك ترى جوهره جوهر جملة الدماغ بعينه فهو لذلك يتمزق سريعا إن أنت مددته مدا له فضل قوة وهذا الجرم له من الرقة ما إن جعل المشرح له تشريحه في موضع كثير الضوء صافي النور كما قد ينيغي أن يكون كذلك رئي الضوء ينفذ فيه بمنزلة ما ينفذ في هذه الحجارة 〈...〉 قطعا رقاقا وتوضع جامات في الكوى وإذا كان الأمر في هذا على ما وصفت فليس ينبغي أن تمده مدا قويا فإنه يتمزق إن فعل به ذلك وليس يمكن أن تنظر إليه نظرا شافيا دون أن تمد إلى فوق وأطرافه العليا مضامة للأجرام التي قطعتها بل ليس ينبغي أن نقول إنها مضامة لكن متحدة متصلة بها فينبغي لك أن تمسك تلك الأجرام التي قطعتها وتردها قليلا إلى خلفها إلى البطن الآخر وتلقيها على رأس الحاجز الذي فيما بين البطنين فإنك إذا فعلت ذلك كان نظرك إلى البطن الذي كشفته أبين وكان الحاجز الذي فيما بين البطنين يمتد إلى فوق باعتدال وذلك أمر الحاجة إليه
أشد منها إلى غيره وذلك أن هذا الحاجز قبل أن يمتد أصلا إلى فوق فهو رخو متكمش ولا يمكن أن ينفذ فيه الضوء ولا يتبين اتصاله واتحاده تبينا ظاهرا فإذا هو انجذب إلى فوق مقدار ما يتمدد كله ويكون ذلك لم يتمزق رأيته رؤية بينة جدا وبعد هذا إن أنت قلعته جملة مع ما يتحد ويتصل به من الأجزاء حتى تبلغ إلى القطع كان نظرك إلى البطون أبين وترى الشريان الذي يمر على استقامة إلى أسفل ينقسم حول جرم هناك شبيه بحبة صنوبرة وهذه العروق التي تنقسم حالها مثل حال العروق الأخر في أنه يجمعها ويربطها غشاء رقيق ليس يخالف غشاء الدماغ الرقيق في جوهره ولا في اندماجه وبسبب هذا الغشاء صار هذا الجرم الشبيه بحبة صنوبر مستورا لا يمكن أن تنظر إليه دون أن تخرق الغشاء في بعض أجزائه لأن هذا إنما موضع شبيه بالدعامة فيما بين العروق المنقسمة من ذلك العرق العظيم الذي بنحدر إلى أسفل على استقامة وهذه العروق تنحدر راكبة على هذا الجرم الذي ذكرناه ثم تغوص من ساعتها وتخفى ويواريها جرم هناك عريض هو جزء من الدماغ مثل سائر أجزائه فأنا واصف لك كيف السبيل الذي ينبغي أن تسلكه في كشفه عن قريب بعد أن ألحق في كلامي هذا أن الجرم الشبيه بحبة صنوبرة قد يسميه أصحاب التشريح بهذا الاسم يسمونه أيضا صنوبرة وهو موضوع كما قلت فيما بين تقسم العروق وليس يمكن أن تنظر إليه دون أن تشق الغشاء في بعض أجزائه والتمس الآن أن تشقه قليلا من غير أن تمد معه الصنوبرة مدا صحيحا فإنك إذا فعلت ذلك قلعتها من الأجرام التي تحتها وفي ذلك على التشريح مضرة عظيمة سأذكرها لك بعد قليل وإنما ينبغي أن تكشف عن هذه الصنوبرة كما تكشف عن القلب غلافه فشق الغشاء الملفوف عليها في جزء منه عند قاعدتها شقا مستقيما يذهب إلى
رأسه المحدد ثم نح الغشاء مع العروق إلى جانبي الصنوبرة وميل الصنوبرة نفسها إلى ناحية الشق كيما إذا هي صارت إلى خلاف الجانب الذي يصير إليه الغشاء الذي يخلص منها انكشفت سريعا فإذا أنت فعلت هذه الأشياء على ما قلت ووصفت لك أمكنك أن تتفكر وتفهم قبل كشفك للموضع الوسط الذي فيما بين الصنوبرة وبين البطنين أنه تأتي النسيجة الشبيهة بالمشيمة عروق تتشعب من العرق الذي يتقسم حول الصنوبرة وبعد أن يكشف الجرم الذي فيما بينهما تعلم علما يقينا ويستقر عندك أن مجيئها من هناك.
٤. فأما السبيل الذي يحتاج أن تسلكه في كشف هذا فأقبل على بفهمك †اعلمكاه† أقول إن الجزء من الدماغ الذي يغطيه هذا الجرم ليس بجزء يسير لكه بطن آخر ثالث غير البطنين اللذين ذكرناهما قبل اللذين حجز وفرق بينهما الحاجز الذي فيما بينهما فاكشف الآن عن هذا البطن في المواضع التي فيها عروق تخرج في طرق شبيهة بالبرابخ والمجاري فتقع إلى البطنين المقدمين فإن في هذه البرابخ والمجارى تجد الموضع الوسط ينفذ إلى البطنين المقدمين وينبغي أن تدخل في البربخين رأس الميل أو الجزء العريض من الآلة التي يقال لها باليونانية سفاثيون إدخالا يسيرا وتشيل به الجرم الموضوع على العروق إلى فوق فإنك إذا فعلت ذلك التقيا الميلان من البربخين كليهما وترى هذا الجرم الموضوع على العروق الذي فيه تمر وهي مغطاة به شبيها بعقد أزج أو قبة مدور البناء ولذلك تجد من عرف هذا
الجرم من أصحاب التشريح سماه الشبيه بالقبة فأما من لم يكن يعرفه فمنهم من يقول إن هذا الشبيه بالقبة ليس بموجود في الدماغ أصلا ومنهم من فهم أمره فهم سوء فظن أن هذا الاسم إنما يراد به الجرم الموضوع على الحاجز الذي فيما بين البطنين المقدمين وليس يسمى الجرم شبيها بالقبة وأما هذا فهو بالحقيقة شبيه بقبة كما يسمى وإن أنت قطعته رأيت في هذا البطن هاهنا من الصلابة مثل الذي رأيته في البطنين المقدمين أعني في قاعدته التي يتوكأ [ويتوكأ] عليها العروق التي تنفذ من هذا التجويف وفي الجرم الشبيه بالقبة نفسه وفي الجزء المقور منه وذاك أن من خارجه الموضع المحدب منه ولا خفاء بأن هذا الموضع المحدب إنما تراه بعد أن تكشط وتقلع ما فوقه من الأجزاء التي كانت ترفعه وتشيله إلى فوق حتى يبلغ إلى طي الغشاء ومن داخل هذا الموضع المقبب الجزء المقور شبيه بسقف القبة وإن أنت فهمت وخطرت ببالك كيف كان في وقت ما كان الحيوان حيا جميع اجزاء الغشاء المجوف لازمة للقحف وكان الدماغ إنما تلزمه الأجزاء المطوية من هذا الغشاء فقط لم يمكن أن الرأس الأعلى من الجرم الشبيه بالقبة وهو قبضته يبقى دائما ممتدا إلى فوق ويحدث من تمدده إلى فوق تجويف وبطن عظيم يكون تحته وكذلك أيضا البطنان المقدمان وهما أعظم من هذا قد يلزمها ضرورة أن يكون الرأس الأعلى من الحاجز بينهما كله ممتدا إلى فوق مع ما يضامه من الأجرام إذ كان لا يمكن أن يكون هذا الحاجز دعامة وعمدا لما فوقه من الأجرام بمنزلة حائط لما هو عليه من غاية اللين والرقة أمر لو كان ليس له إلا أحدهما لكان لا يحتمل قليلا ولا كثيرا مما فوقه من أجزاء الدماغ لكن منفعة هذا الحاجز بحسب اسمه وذاك أنه إنما يحجز ويفرق بين البطنين اللذين من قدام وليس بداعم ولا حامل لما فوقهما وبالجملة ليس
هاهنا عمد ولا دعامة [و]لا في هاذين البطنين ولا في البطن الذي بعدهما وإنما يحدث الفضاء الذي في جوف هذه الثلاثة البطون من قبل ما فوقه من الأجرام معلق من فوق وهذا الفضاء لا بد ضرورة من أن يبطل ويذهب في وقت التشريح عندما تقع الأجرام الموضوعة فوقه على قاعدة البطن بمنزلة ما لو وقع شيء على الأرض وذلك أمر يعرض كما وصفت في البطنين المقدمين أيضا وكذلك متى أردنا أن ننظر إليهما مددنا الحاجز الذي فيما بينهما إلى فوق كما قلنا قبل وتحت قاعدة هذا البطن أيضا بربخ ومجرى عظيم تنصب إليه الفضول من البطنين المقدمين نافذة في البربخين والمجريين اللذين ذكرناهما 〈و〉من الأجرام الموضوعة فوقه على ما وصفت قبل وهذه الفضول تجري وتنصب إلى هذا البريخ نافذة في الطريق الذي تنفذ فيه [الى] العروق التي تأتي هذا البطن من الصنوبرة والقوم الذين لم يعرفوا هذا البطن أصلا حق لهم أن تفوتهم أيضا معرفة المجرى النافذ منه إلى البطن المؤخر وهو الذي الصنوبرة مستقرة عليه وإن تعمدها أحد حتى يختلعها من قاعتها بعد أن يكشفها من العروق الموضوعة حولها رأى هناك مجرى مرتفعا على مثال مجرى الدخان 〈و〉هذا على أنه ليس في نفس الدماغ دخان يحتاج إلى منفذ ومخرج يتحلل منه إلى فوق ومع هذا فإن المجرى ليس يبلغ فمه إلى الهواء الخارج بل فوقه من الدماغ شيء كثير ثم الغشاء الغليظ مطوي ثم قحف الرأس وإذا كان الأمر فيه على هذا فإنما عمل باطلا وليس 〈في〉 الخلقة شيء عمل باطلا والمشرحون تشريح سوء يخطئون مثل هذه الأنواع من الخطاء في نفس التشريح وفي صفته على مجرى كلام أصحاب الطبائع ولا بد ضرورة من أن يكون كما أن منافع الأمور التي ترى بالتشريح عيانا تستحق أن يتعجب منها كذلك التفكر في منفعة ما أغفل منها يدعو إلى غاية الارتياب والتحير وأما أنت فإذا كشفت جميع هذه الأجزاء التي كلامنا فيها كشفا جيدا
رأيت البطن الثالث موضوعا في الوسط فيما بين البطنين المقدمين والبطب الرابع الذي من خلف فأما المجرى الذي الصنوبرة راكبة عليه فتراه يأتي البطن الأوسط فتكون ترى في هذا البطن منفذين ليسا بالصغيرين أحدهما ينفذ إلى خلف إلى الجزء المؤخر من الدماغ فأدخل في هذا ميلا فإنك تجده ينفذ إلى البطن الخلف وأما المنفذ الآخر فتراه في قعر البطن الأوسط ذاهبا إلى أسفل فإذا أنت كشفت عن الصنوبرة ما حولها من الأجرام واستبقيتها موضوعة على المجرى فمن شأنها أن تسقط ولا تقوم ولا تثبت مستوية كما كانت وهي ملتحقة بالأغشية مع العروق وتقع على أكثر الأمر مائلة إلى خلف.
٥. ووقوعها يكون على أجرام هناك إلى الأستدارة مائلة كأنها منحازة في حيز لها خاص وهي أجزاء من جملة الدماغ وجوهرها جوهر الدماغ بعينه وبعض الناس يسميها من شكلها أفخاذا وبعضهم يسميها البيض من مقاربتها في الشبه للأنثيين فإن الأنثيين أيضا قد تسميان بيضتين وأراد الناس الكناية عن الاسم الفاحش بذلك والمجرى الذي قلت إنه فيما بين البطن الوسط والبطن الخلف يمر فيما بين هاذين الفخذين مغطى بطبقة له خاصة جوهرها كجوهر غشاء الدماغ الذي يربط جميع ما في الدماغ من العروق والشريانات ولذلك قد ينبغي أن تيقظ نفسك وتضع ذهنك عند التماسك كشف هذه الطبقة مما عليها بعد أن تعلم أنك إن توانيت في أمرها تفسخت وفوق هذه الطبقة جزء من الدماغ تخطيطه وانحيازة شبيه بشكل دود〈ة〉 من الدود الذي يتولد من الخشب وبهذا السبب سموا أصحاب التشريح هذا الجرم الذي يغطي المجرى كله شعبة شبيهة بالدودة وأنت ترى لهذه الشعبة طرفين
أحدهما من قدام موضوع بعد الصنوبرة على ما وصفت وطرف آخر من خلف ليس يقع عليه البصر بعد لأن على هذا الطرف جميع الجزء الأعلى من جوهر الدماغ الذي في مؤخر الرأس وهذا الجزء إذا أنت أخذت طرفه الموضوع بالقرب من مبدأ النخاع فقدمه إلى قدام كأنك تدخرجه حتى تنظر هناك إلى جرم آخر على ما وصفت لك شبيه بالدودة فإذا أنت وجدت هذا ووقفت عليه فارفع واقلع جل ما فوقه من الأجرام أولا فأولا حتى لا يبقى إلا الأجزاء التي على المجرى وهي التي لها طرفان من الجانبين شبيهان في شكلهما بالدود الذي ذكرته وترى أيضا في ذلك الوقت الأجرام الدقاق التي تربط الشعبة الشبيهة بالدودة من قدام مع أجزاء الدماغ المضامة للفخذين من الجانبين وبعض أصحاب التشريح يسمي هذه الرباطات أوتارا فإذا بلغ التشريح هذا الحد فخذ أحد طرفي الشعبة الشبيهة بالدودة مرة هذا ومرة ذاك وحرك جملة ذلك الجرم مرة إلى قدام ومرة إلى خلف أعني بجملة الجرم الشعبة التي قلت قبل إنها موضوعة على المجرى وإن لها من كل واحد من الجانبين طرفا شبيها بالدودة وإذا حركتها فتفطن إليه وانظر كيف إذا هو ذهب إلى قدام عرض من ذلك أن ينكشف البطن الذي من خلف وهو البطن الرابع وإذا هو ذهب إلى الناحية المخالفة لهذه تغطى واستتر به جل البطن ولم يبق منه شيء يقع عليه البصر إلا الجزء وحده الذي شبهه ايروفيلس بالموضع المبرى من القلم الذي يكتب به ولعمري إنه حقا لتشبيهه به وذلك أن في وسطه تغويرا شبيها بالقطع ومن جنبتيه لا يزال كل واحد من جانبيه يرتفع إلى فوق حتى يصير من الارتفاع إلى مقدار ارتفاع جانبي الطرف المبرى من القصبة عن الخط الذاهب في وسطه وأكثر ما تبرى الأقلام التي يكتب بها هذه البراية بإسكندرية حيث كان ايروفيلس يأوي في الوقت الذي كان يعالج فيه التشريح وعسى أن يكون إنما دعاه إلى تسمية هذا الجزء بهذا الاسم ما رآه من مشابهته ومشاكلته لمثال براية تلك الأقلام.