Galen: De diebus decretoriis (On Critical Days)

Work

, (Περὶ κρισίμων ἡμέρων)
English:

Text information

Type: Translation (Arabic)
Translator: Ḥunayn ibn Isḥāq
Translated from: Syriac (Close)
Date: between 830 and 873

Source

Glen M. Cooper. Galen, Die diebus decretoriis, from Greek into Arabic. Medicine in the Medieval Mediterranean. London, New York (Routledge) 2016, 97-385

كتاب جالينوس في أيّام البحران

(١) قد يحتاج في أن يصحّ انقضاء الأمراض التي لا تنتقص قليلً قليلً لكن تسكن دفعة إلى أن يكون قبلها إمّا استفراغ بيّن وإمّا خراج ظاهر لأنّ الأمراض التي تسكن بغير أحد هذين الشيئين من عادتها أن تعاود فينبغي لك أن تتفقّد هذا كلّه بغاية الاستقصاء فإذا أنت رأيت المرض قد سكن من غير أن يكون قبل سكونه أحد هذين الشيئين فينبغي أن تأخذ المريض بالتحفّظ والتحرّز الشديد ولا تأذن له في أن يفعل شيئاً ممّا يؤذن فيه لمن قد صحّ له البرء لا من طعام ولا من شراب ولا من حمّام ولا من حركة ولا من غير ذلك فإنّ ذلك المرض الذي سكن إن كان يسيراً ثمّ دبّرت المريض بهذا التدبير فخليق أن يبرأ منه برءاً تامّاً حتّى لا يعاود بتّة وإن كان المرض صعباً فهو سيعاود وإن دبّرت المريض بهذا التدبير لكنّه لا يعاود بصعوبة وخطر شديد فإن أغفلته وأهملته كأنّه قد برئ برءاً صحيحاً عاود بأصعب ممّا كان في البدئ.

فيحتاج في أن يصحّ برء المريض إذا كان مرضه عظيماً قويّاً إلى أن تكون قبل انقضائه العلامات التي يسمّيها بقراط أعلام السلامة وهي إمّا عرق محمود في البدن

كلّه أو بول كثير أو براز أو قيء أو رعاف أو دم يجري من أفواه عروق تنفتح في المقعدة أو من الرحم أو من موضع آخر أو خراج يخرج في اللحم الرخو الذي تحت الأذن أو في بعض المفاصل أو في شيء من الأعضاء التي ليست بالشريفة.

فأمّا من لم يظهرفيه شيء من هذه العلامات ثمّ سكن مرضه فقد قال فيه بقراط قولً عامّاً في كتاب الفصول وهو أنّ كلّ مرض يسكن من غير أن تتبيّن قبل سكونه فيه علامات البرء فمن عادته أن يعاود وقال أيضاً أقاويل خاصّيّة في كتاب الفصول وفي كتاب تقدمة المعرفة وفي كتاب ابيذيميا لخّص فيها الأمراض التي تعاود أيّها إذا عاودت قتلت وأيّها إذا عاودت لم تقتل وأيّها يمكن أن نبرئه ونحسمه حتّى لا يعاود وسنوضح أقاويله في هذه الأشياء في غير هذا وأمّا في هذا الكتاب فأرى أنّه ينبغي أن أذكر الأمراض التي تسكن وقد تقدّمت سكونها علامات السلامة وهي التي يسمّى سكونها بحراناً وذلك أنّ معرفة هذه الأشياء لا بّد منها لمن أراد أن تعلّم من أمر أيّام البحران ما ينتفع به.

فقد يتقدّم قبل الاستفراغ والخراج في هذه الأمراض اضطراب شديد يعرض في بدن المريض وذلك أنّه كثيراً ما يتغيّر نفسه أو يتغيّر عقله أو يعرض له سدر أو يرى

خيالً شبيهاً باللمع أو يسيل من عينيه دموع أوتحمرّ عيناه أو يحّس بثقل في صدغيه أو توجّع في رقبته أو في رأسه أو يرى ظلمة قدّام عينيه أو يصيبه خفقان أو تختلج شفته السفلى وتنقبض إلى داخل أو يعرض له رعدة صعبة وفي كثير ممّن هذه حاله ينجذب ما دون الشراسيف إلى فوق ويعرض لهم كرب حتّى يثبون ويطلبون الماء البارد ويشكون من الالتهاب ما لم يكونوا يجدونه قبل ذلك وبعضهم يتقدّم دور حمّاه ويطول ويصعب ويعرض لهم سبات وغير ذلك من الأعراض الصعبة فيرى عند ذلك من حضر المريض ممّن يعنى به يخاف عليه خوفاً شديداً وتسمعهم يقولون إنّ حال ذلك المريض كحال رجل قد قدّم إلى حاكم يحكم عليه بحكومة في دمه وعلى هذا المعنى وضع اسم البحران وهو القضاء أو الحكم.

وقد أظنّ بقوم من الأطبّاء أنّهم لم يروا ما يعرض من هذا الاضطراب للمرضى وذلك لأنّهم لو كانوا رأوا ذلك لما كانوا يبحثون ويفتّشون عن المعنى الذي يدلّ عليه

اسم البحران ولا كانوا ينظرون هل يمكن أن يكون هذا الشيء أو لا.

ولا أدري في ماذا يخاصموننا أيريدون أنّه لا يكون لبعض الأمراض انقضاء دفعة باستفراغ أو بخراج أو هم مقّرون بأنّهم قد رأوا هذا لكنّهم يجهلون الأعراض التي قلنا قبيل إنّها تلزم في هذه الحال أو هم بهذه أيضاً خبرون لكنّهم يقولون إنّ هذا لا ينبغي أن يسمّى بحراناً فإن كان هذا قولهم فإنّما خصومتهم لنا في الاسم لا في المعنى وإن كانوا لا يقرّون بأنّهم يعلمون أنّه قد يعرض للمريض اضطراب دفعة من خفقان يصيبه واختلاط وتوثّب وأشياء شبيهة بهذه وأنّه بعد أن يعرض له هذه الأشياء بقليل يعرق أو يسيل منه دم أو يصيبه شيء غير هذا ثمّ يتبع ذلك برء صحيح فلا يخلون إمّا من المكابرة وإمّا من غاية الجهل وذلك أنّ هذه الأشياء ليست ممّا يعرض في الفرط لكنّها ممّا يكون في كلّ يوم.

وأنا أسمّي الاضطراب السريع الذي يعرض في الأمراض بحراناً وأقول إنّ عاقبته تكون في أكثر الأمر إلى السلامة ورّبما أدّى إلى التلف فإن سمّى أحد شيئاً غير هذا بحراناً ثمّ رام مناقضة قولي فإنّما ينقض ما توّهم لا ما أقول أنا وما كان ينبغي لأحد أن يخاصم في هذا لكن كان الأولى أن يتعرّف المعنى الذي يدلّ عليه هذا الاسم ثمّ

يتكلّم في المعنى الذي يدلّ عليه إلّا أنّ بأصحاب هذه الخصومة من المكابرة والجهل ما لا أحسب أنّ اسقليبيوس كان يقدر أن يشفيهم منه وأنا أعدّ لذلك هذا القول منّي إذ قصدتهم به فضلً عّما ينبغي وأنا مقبل على من صرف عنايته إلى ما يحتاج إليه من هذه الصناعة فأشرح له هذا المعنى الذي كلامنا فيه.

(٢) فأقول إنّ البحران قد يكون في أيّام المرض كلّها إلّا أنّه ليست البحرانات كلّها التي تكون في كّل واحد من هذه الأيّام بمتساوية في العدد ولا في الصّحة وذلك أنّ بعض أيّام المرض كثيراً ما يكون فيها البحران وبعضها لا يكون فيها بحران إلّا في الفرط مّرة وبعضها إذا كان فيها بحران كان صحيحاً وبعضها إذا كان فيها بحران لم يكن صحيحاً والأيّام تختلف أيضاً في أنّ بعضها يكون فيها بحران جّيد وبعضها يكون فيها بحران رديء وفي بعضها يكون البحران مع أعراض كثيرة فتكون هذه أشرّ وأصعب ومجاهدة أعظم وفي بعضها يبتدئ البحران منذ أوّله سليماً من الأعراض المخوفة وبين الأيّام أيضاً اختلاف كثير في أنّ بعضها يكون البحران فيها ناقصاً وفي بعضها يكون تامّاً وأيضاً فإنّ في بعضها يكون البحران وقد تقّدمت الأيّام الإنذاريّة فدلّت عليه وفي بعضها يكون بغتة بلا نذير لا عند الجاهل بأمر الطبّ ولا عند الماهر فيه.

وهذه هي أنواع البحران وأنواع أيّام البحران من ذلك أنّ اليوم الثاني عشر واليوم

السادس عشر من المرض أمّا أنا فلم أر أحداً قطّ أصابه فيه بحران وأمّا اليوم السابع فلست أقدر أن أحصي كم من مريض رأيته قد أصابه فيه بحران وأمّا اليوم السادس فقد يصيب بعض المرضى فيه بحران لكنّ ذلك مع أعراض صعبة وخطر شديد جدّاً وليس يصحّ البحران الذي يكون فيه ولا يتمّ ولا يكون بيّناً ويؤول إلى شرّ.

فإذ كنت أنا وقد تفقّدت الدهر كلّه هذا الأمر فوجدت بين أيّام المرض هذا الاختلاف ثمّ ليس أنا وحدي لكنّ أرخيجانس وأصحابه من قبلي مع كثرة معاناتهم لأمور الطبّ ومن قبل هؤلاء أيضاً إيرقليذس الذي من أهل طارس وأشياعه الذين إنّما جمعوا علمهم بالطبّ من التجارب ومن قبل أولئك أيضاً فلوطيمس وذيوقلس وأتباعهما وسائر القدماء ومن قبل هؤلاء كلّهم بقراط وأصحابه فقد يجب أن يقال إنّ بين أيّام المرض اختلافاً.

وليس الاختلاف بين الأيّام يسيراً إذ كنّا قد رأينا في هذا الدهر كلّه اليوم السابع يكون فيه البحران كثيراً ويكون مع ذلك تامّاً صحيحاً سليماً بيّناً منذراً به يؤول إلى خير ورأينا اليوم السادس يكون فيه البحران على خلاف ذلك وإذ كنت أنا لم أر أحداً قطّ أصابه بحران في اليوم الثاني عشر من مرضه وكان غيري ممّن رأى فيه بحراناً فذكر أنّه إنّما كان في الندرة ولم يتّم ولم يصحّ وكان فيه خطر ولم يكن بيّناً ومنذراً به وكانت عاقبته إلى شرّ فإنّ ذلك ممّا يوجب أن يكون بين أيّام المرض اختلاف كثير

والأمراض التي يكون فيها البحران في اليوم السابع كثيرة وبحرانها يكون تامّاً ويكون بيّناً سليماً لا خطر فيه صحيحاً وينذر به اليوم النذير الذي قبله ويؤول إلى خير وأمّا اليوم الثاني عشر فإنّ البحران لا يكاد أن يكون فيه حتّى أنّي أنا لم أر من دهري كلّه أحداً أصابه فيه بحران وقد ذكر قوم كانوا من قبلي أنّهم رأوا مرضى أصابهم البحران في اليوم الثاني عشر إلّا أنّ هذا وإن صحّ فإنّ البحران الذي عرض فيه بزعمهم إمّا لم يتّم وإمّا لم يصحّ وإمّا لم يكن سليماً وإمّا لم يكن بيّناً أو كانت عاقبته لا محالة إلى شرّ.

واحفظ عنّي أنّي متى قلت بحران لم يتمّ فإنّما أعني به أنّه قد بقّى من المرض بقيّة وأمّا متى قلت بحران لم يصحّ فإنّما أعني به أنّ المرض عاود ومتى قلت بحران غير سليم أو ذو خطر فإنّما أعني به أنّه كانت معه أعراض يخاف منها على المريض ومتى قلت إنّ البحران لم يكن بيّناً فإنّما أعني به أنّه لم يكن معه استفراغ بيّن أو خراج ظاهر ومتى قلت إنّ البحران لم ينذر به فإنّما أعني أنّه لم يدلّ عليه وينذر به يوم قبل ذلك اليوم الذي كان فيه وأمّا متى قلت بحران رديء أو يؤول إلى شرّ أو عاقبته رديئة فلست أحتاج أن أخبّرك أنّمعناي في ذلك أنّ المريض يصير منه إلى التلف.

وبخلاف هذا فاحفظ عنّي متى قلت بحران تامّ فأنّي أعني به الذي لا يبقّي من المرض بعده بقّية ومتى قلت بحران صحيح فإنّما أعني به الذي لا يعاود بعده المرض ومتى قلت بحران سليم أو لا خطر فيه فإنّما أعني به أنّه لا تكون فيه أعراض يخاف منها على المريض ومتى قلت بحران بيّن فإنّما أعني به أنّ معه استفراغاً بيّناً أو خراجاً

ظاهراً ومتى قلت بحراناً منذراً به فإنّما أعني به أنّه قد دلّ عليه يوم من الأيّام المنذرة ولست أشكّ أنّ أحداً لا يجهل أنّي متى قلت بحراناً حسناً أو جيّداً أو يؤول إلى خير أو عاقبته إلى خير فإنّ معناي في ذلك أنّه يؤدّي المريض إلى الصحّة.

وليس أحد يأبى أنّه إن كان الأمر على ما ذكرنا فإنّ بين أيّام الأمراض اختلافاً كثيراً جدّاً (٣) إلّا أنّي لا آمن أن يقول قائل إنّه ليس شيء ممّا قلت حقّاً لكنّ أيّام البحران صانعتني فدلّستها في الطبّ كما يدلّس صبى لا يعرف أبوه في رهط ذوي حسب وإلّا فما دعاني إلى الكذب على ما يظهر بالعيان إلّا الانخداع بالمال وما بيني وبين أيّام البحران قرابة ولا نسب ولا هي من أهل مدينتي ولا من أترابي فأحامي عنها بلا ثواب وأيّ شيء تنفع به الأيّام من أن نظنّ بها أنّها أيّام بحران أو أنتفع أنا إذا بيّنت أنّها كذلك لكن كما بيّنت سائر الأشياء التي بلوتها واختبرتها وامتحنتها بالتجربة بلا زيغ ولا تعدّ للحقّ إذ كان رأيي أنّه ليس من العدل أن أكتم الحقّ إذا سنح لي كذلك أبوح بما رأيت من الاختلاف في أيّام الأمراض على ما رأيته.

وإذا وجدت مع ذلك خيار الأطّباء وخيار الناس كافّة منهم ديوقليس وأصحابه وبقراط وأصحابه وغيرهم ممّن ذكرناه قبيل يقولون في أيّام البحران بمثل قولي يحكمون مثل حكمي ازددت يقيناً بأنّي قد أصبت.

وقد يقول المعاندون في هذا الموضع إنّا قد نجد هؤلاء القدماء الذين ذكرت لم يتّفقوا على أيّام البحران لكنّ بعضهم زاد في عددها وبعضهم نقّص منه وبعضهم ذكر أيّاماً فقال إنّها أيّام البحران وبعضهم ذكر غيرها ولم يجمعوا كلّهم على أيّام بأعيانها أنّها أيّام البحران لكنّ كلّ واحد منهم قال على حسب ما بدا له وللقائل.

فيما أحسب أن يقول لهم في جواب هذا إنّي ما أحسبكم تسلّمون أنّ كلّ ما لم

يّتفق عليه فهو باطل لكنّ جميع الناس متّفقون على أنّ ما كانت حاله من الأمور هذه الحال فهو يحتاج إلى بحث بعناية شديدة حتّى توجد حقيقته أو ما يكون أن يصحّ منه وأمّا أن يكون لا يصحّ شيء ممّا قد اختلف الناس فيه مثل هذا الاختلاف فليس يرضى بذلك أحد ولا الذين ألزموا أنفسهم الشكّ في جميع الأشياء وهم أصحاب فيرون فضلً عن هؤلاء الذين يحتالون في إبطال أيّام البحران وإنّما يقولون أصحاب فيرون إنّ الاختلاف في الشيء يدّل على أنّه لا يعرف متى لم يوجد السبيل إلى الوقوع على الحقيقة فيه لا أنّه متى اختلف الناس في شيء من الأشياء كان ذلك الشيء باطلً .

فلننظر الآن ألا يمكن أن يعلم الصادق في أيّام البحران من الكاذب أم لا فأقول إنّه قد يمكن ذلك إلّا أنّه عسير وإنّما صار عسيراً لأنّه يحتاج فيه إلى زمان طويل واستقصاء شديد وذلك أنّ ابتداء المرض كثيراً ما يخفى ولا يتبيّن ويحتاج مع هذا أيضاً إلى أن يعلم أيّ اليومين هو يوم البحران اليوم الذي ابتدأ فيه البحران أو اليوم الذي انقضى فيه المرض وذلك أنّ واحداً يقول إنّ يوم البحران هو الأوّل وآخر يقول إنّه

الثاني ولعلّ آخر يقول إنّ يوم البحران غيرهما وهو الذي يكون فيه أكثر زمان البحران.

وقد يحتاج مع هذا إلى أن يرى الشيء الواحد مراراً كثيرة حتّى يصحّ وليس يمكنه ذلك في بعض الأيّام وهي الأيّام التي إنّما يعرض فيها البحران في الندرة مرّة فمن قبل هذا إن اتّفق لأحد أن يرى يوماً من الأيّام التي إنّما يعرض فيها البحران في الندرة قد كان فيه بحران إذ كان هذا الأمر ليس بمحال أن يكون ثمّ لم ينتظر حتّى يبلو صحّة ذلك بطول التجارب وجزم بأنّ ذلك اليوم يوم بحران أدخل الريب في الخبر الصحيح عن أيّام البحران.

ولو كان كلّ يوم أصاب فيه مريضاً من المرضى في وقت من الأوقات بحران هو الذي نسمّيه يوم بحران لكانت معرفة أيّام البحران سهلة جدّاً وكانت أيّام المرض كلّها إلّا القليل أيّام بحران لكن لمّا كان لا يكتفى في أن يكون اليوم يوم بحران بأن يكون فيه بحران في الندرة بل قد يحتاج في ذلك إلى أن يرى البحران يكون فيه كثيراً وأن يلزم البحران الذي يكون فيه ما ذكرنا قبيل أعني أن يؤول إلى خير وأن يتمّ وأن يكون صحيحاً وأن يكون بيّناً وأن يكون سليماً وأن يدلّ عليه اليوم النذير قبله.

فإنّه يقع في أمر أيّام البحران عويص المسائل التي تعرض في جميع الأشياء التي تتزيّد أو تتنقّص قليلً قليلً وذلك أنّه متى كان بعض ما ذكرنا موجوداً وبعضه معدوماً أو كان بعض ما يوجد مساوياً لما لم يوجد أو كان بعضها يفضل على بعض فضلً يسيراً وقعنا في شكّ من أمر ذلك اليوم هل ينبغي أن نسمّيه يوم بحران أم لا وأمّا متى وجدنا في يوم من أيّام المرض جميع ما ذكرنا أو أكثره وأعظم ما فيه فلن يقدر أحد أن يأبى أنّ ذلك اليوم يوم بحران ومن أبى ذلك فهو في غاية الجنون وكذلك متى لم نجد في اليوم شيئاً ممّا ذكرناه البتّة أو وجدنا فيه اليسير ممّا ذكرنا وأضعف ما فيه فإنّا نعدّ ذلك اليوم من الأيّام التي ليست من أيّام البحران وإن كان الفضل بين ما يوجد في اليوم ممّا ذكرنا وبين ما لا يوجد فيه يسيراً وقعنا منه في شكّ هل ينبغي أن نعدّه من أيّام البحران أم لا.

ومن ذلك لأني منذ حداثتي أخذت نفسي بتفقّد أيّام البحران لأمتحن بتجربة نفسي أمرها واقف على حقّ ما اختلف فيه من كان قبلي في أمرها من باطله وما قدرت إلى هذه الغاية أن أقطع الرأي قطعاً بيّناً في بعضها على حسب ما حفظت ممّا

سلف وقد رأيت ابقراط أيضاً لتحرّيه الحقّ قد عرض له هذا حتّى مرّ به زمان طويل أمكنه فيه أحكام ذلك والذي دلّني على ذلك أن كان يجب أن يستدلّ به أنّه في المقالة الأولى من كتابه الذي يسمّى أبيذيميا عدّد فيه أيّاماً كثيرة من أيّام البحران وأسقط ذكر بعضها في كتاب تقدمة المعرفة وفي كتاب الفصول.

وقدبّينت في مواضع أخر وسأبّين الآن بما أقول بعد إنّ كتاب أبيذيميا وضعه بقراط قبل أن يضع سائر كتبه عند ما كان يبلو ويمتحن بالتجارب صحّة ما اعتقد من الأقاويل ولم يكن يرى بعد أن يقدّم على صريمة الرأي فيها بالكلّيّة ولهذا ظننت بمن يبطل أيّام البحران من قبل أنّ الأطبّاء لم يتّفقوا عليها أنّهم لم يتفقّدوا أمور الطّب تفقّداً فيه خير وذلك أنّهم لو تفقّدوا وفهموا أنّهم إنّما اختلفوا في أقلّها واتّفقوا في أكثرها ثمّ ذكروا تجاربهم وما بلوا لسهل عليهم فيما أحسب أن يعلموا أنّ طبيعة تلك الأيّام التي اتّفقوا عليها غير طبيعة الأيّام التي لم يتّفقوا عليها وما أعلم أحداً لم يقل إنّ اليوم السابع يوم بحران وكذلك الأمر عندي في الحادي عشر والرابع عشر وغيرهما ممّا هو شبيه بها ويرى أنّ جميع القدماء كأنّهم إنّما ينطقون بلسان واحد في هذا ولو

اتّفقوا في جميعها لعلّه قد كان يتوهّم متوهّم أنّهم جميعاً اتّفقوا في أمر أيّام البحران وأنّ واحداً منهم كان أوّل من صرم القول فيها من غير أن يسبروا حقيقة قوله ويمتحنوه بالتجارب فلمّا وجدناهم قد اختلفوا في كثير من الأيّام لم يمكن أن يتوهّم عليهم ذلك.

وأمّا أنا فإنّي أعجب من حرص القدماء على طلب الحقّ وذلك أنّي أجدهم لم يجمعوا كلهم على أيّام بأعيانها فيقولوا إنّها أيّام بحران لكنّهم اختلفوا في بعض الأيّام وأجدهم مع هذا لم يختلفوا جزافاً ولا بغير سبب لكنّهم اتّفقوا في الأيّام التي تحفظ علامات البحران كلّها التي ذكرناها قبيل واختلفوا في الأيّام التي يشكّ فيها من قبل أنّ بعض تلك العلامات توجد فيها وبعضها لا توجد فيها فدلّني ذلك دلالة بيّنة على تحرّيهم الحقّ وحرصهم على طلبه وأنّ لأيّام البحران طبيعة خاصّيّة ليست لغيرها من الأيّام.

وكلّ من امتحن هذه الأيّام بالتجربة وجد الأيّام التي يحكم عليها بأنّها أيّام بحران من قبل أنّها تحفظ جميع أعلام البحران قد اتّفق عليها جميع القدماء أنّها أيّام بحران ووجد الأيّام التي يشكّ فيها إذا امتحنها بالتجربة ولا يمكنه أن يصرم فيها الحكم على شيء من قبل المحنة هي الأيّام التي اختلف القدماء فيها ولست أرى أنّه يكون دليل أبين

من هذا على طبيعة الأيّام التي تسمّى أيّام البحران أن يوجد القدماء كلّهم قد اتّفقوا في جميع الأيّام التي يوجد فيها جميع علامات البحران وأن اختلفوا فيما يشكّ فيه منها من قبل وجود بعض علامات البحران فيها دون بعض وذلك أنّ الاختلاف في أشباه هذه الأمور يصحّح ما اتّفق عليه وأقرّ به جميع المختلفين في تلك.

فقد ينبغي للسوفسطائيّين أن يمقتوا عند هذا بمغالطتهم ويصرموا القول في الأيّام التي يوجد فيها جميع أعلام البحران وكلّ القدماء مقرّ بها أنّها أيّام البحران ويبحثوا عن سائر الأيّام فأمّا إبطال صحّة أكثر الأيّام بسبب الشكّ في أقلّها فحمق فاحش.

وإذ كنت إنّما قصدي للحقّ فإنّي أروم أن أحكم على كلّ واحد من الأيّام ممّا يوجد بالعيان من غير تعدٍّ للحقّ وأضع بدءاً الأيّام التي توجد فيها جميع أعلام البحران لتسبر بها ما سواها ثمّ أتبعها بما هو من الأيّام أقرب إليها ثمّ أرتّب فيها مرتبة ثالثة ورابعة وأبيّن قدر كلّ واحدة من تلك المراتب.

فإنّ معرفة هذا عظيمة المنفعة في الطبّ كيلا نخاف على من أصابه البحران في يوم يدلّ على سلامة البحران وصحّته ونأخذه بالحمية ولا نطلق لمن أصابه البحران

في يوم لا يدلّ على سلامة البحران وصحّته التعدّي للحمية والتوّقي.

(٤) وقد قلت إنّ المتقدّم لجميع أيّام البحران هذا اليوم السابع ولم أعن أنّه متقدّم في العدد ولا في توالي مراتب الأيّام لكنّي عنيت أنّه متقدّم في قوّته وشرفه وذلك أنّه قد جمع جميع العلامات التي تدلّ على البحران لأنّ الذي يصيبه البحران فيه من المرضى كثير ويكون ذلك البحران تامّاً ويكون معه استفراغ بيّن أو خراج ظاهر ولا يعرض فيه خطر شديد وينذر به قبل أن يكون في أكثر الحالات اليوم الرابع بتغيّر بيّن يحدث فيه إمّا في البول وإمّا فيما ينفث وإمّا في البراز وإمّا في الشهوة وإمّا في الفهم وإمّا في الحسّ أو في غير ذلك ممّا أشبهه وليس يمكن أن يكون البحران الذي يكون في اليوم السابع إلّا مشاكلً للتغيير الذي كان قبله في اليوم الرابع فإن كان التغيير الذي كان في اليوم الرابع إلى ما هو خير فإنّ البحران الذي يكون في اليوم السابع يكون بحراناً جيّداً وإن كان التغيير الذي حدث في اليوم الرابع إلى ما هو شرّ فإنّ البحران الذي يكون في اليوم السابع بحران رديء وأكثر البحران الذي يكون في اليوم السابع بحران جّيد وهذا له خاصّة دون سائر أيّام البحران وقد يموت فيه بعض المرضى ويتغيّر حال بعضهم فيه إلى ما هو شرّ ثمّ يموتون في أحد أيّام البحران التي بعده.

وأمّا اليوم السادس فوجدته على حسب نقصانه عن اليوم السابع في كثرة من يصيبه فيه البحران يفوق السابع في رداءة البحران الذي يكون فيه وكان طبعه ضدّ طبع السابع وذلك أنّ أكثر المرضى الذين يتغيّر حالهم في اليوم الرابع إلى ما هو شرّ

بهم يموتون في اليوم السادس وبخلاف ذلك إن حدث للمريض في اليوم السابع تغيّر في حاله إلى ما هو خير فإنّ بحرانه يتأخّر إلى اليوم السابع وإن اتّفق في الندرة أن يكون تغّير محمود في اليوم الرابع ثمّ يتقدّم البحران فيكون في اليوم السادس فإنّه يكون معه من الاضطراب والخطر ما لا يقادر ومن الخوف على المريض أن يموت 〈من ساعته〉 أمر عظيم وذلك أنّه إن عرض للمريض سبات كان شبيهاً بالسكات ونجده مستلقياً عديماً للحسّ كلّه وللصوت وإن عرض له استفراغ أصابه معه غشي وتغيّر لونه وبطل نبض عرقه ووقعت عليه رعدة وسقطت قوّته والمريض في اليوم السابع كّلما تزيّد استفراغه ازداد راحة.

وإذا كان البحران في اليوم السادس خرج من المريض بالقيء والبراز فضول رديئة حادّة منتنة في أكثر الحالات وإن أصابه عرق فلا يكاد يكون مستوياً شاملً للبدن كلّه حارّاً وإن كان العرق كذلك فإنّه ينقطع كثيراً ويكاد أن يحتبس وربّما حدث عند الأذنين خراجات رديئة أو يرقان أو خراج في موضع آخر غير الأذنين يحتاج إلى مجاهدة أخرى من الطبيعة حتّى ينحلّ.

وإن اتّفق أن يكون البحران في اليوم السادس ببول لم يكن ذلك البول محموداً لكنّه يكون نيّاً سمج اللون رقيقاً ولا يكون فيه فشر محمود وربّما وجد فيه شيء شبيه بالخزف وربّما كان فيه شيء شبيه بالرمل وكلّما يوجد في البول فإنّه لا محالة غير مستوٍ ولا نضيج وليس ينتفع من البول الذي يكون في اليوم السادس إلّا بكثرته

فقط وهذا أهون ما يعرض في اليوم السادس إذا كانت عاقبة المريض إلى السلامة.

وأمّا الكثير ممّن يصيبهم فيه البحران فبعضهم يصير إلى الغشي وبعضهم يختنق اختناقاً بدم يجري منهم دفعة أو باستفراغ غير هذا مجاوز للاعتدال أو بسكات أو بجنون وربّما صار المريض إلى الهلاك من قبل يرقان يعرض له أو من قبل خراج رديء يعرض له تحت الأذن أو من قبل مارسموس معي يعرض له وليس شيء من الآفات العظيمة إلّا قد يعرض للمريض في اليوم السادس.

وأنا أشبّه كثيراً اليوم السابع بالملك وأشبّه اليوم السادس بالمتغلّب وذلك أنّ اليوم السابع كالوالي الخيّر يشفق على من يحكم عليه بحكم وإن لزمه عقوبة حرص أن ينقص من شدّتها أو يهونها وإن وجب له حقّ قويّ أمره فيه وأمّا اليوم السادس فيشبه من يسلك بالمستولي عليه خلاف ذلك وكأنّه يسرّ بعطب المستولي عليه وتشقّ عليه سلامته ويحتال في أن يشتفي ممّن يظفر به ويبلغ منه ويحصره في حبسه ليطول عذابه.

وأنا موقف قولي في هذا الموضع من قبل أن أخبر بطبيعة سائر الأيّام وناظر في هذا الموضع في شيء من أمر الأسماء وأنزل أنّ سائلً سألني عن اليوم السابع هل هو من أيّام البحران أم لا فأن أجبته قائلً إنّه كذلك رجع فسألني عن اليوم السادس هل هو من أيّام البحران أم لا فما ترى يكون جوابي له عند ذلك إن قلت إنّه من أيّام البحران فلعلّ ظانّاً يظنّ بي أنّي أتوهّم أنّ طبيعته كطبيعة اليوم السابع فإن قلت إنّه ليس من أيّام البحران لأنّ طبيعته مضادّة لطبيعة اليوم السابع فلعلّ متوهّماً يتوهّم أنّه من جنس اليوم الثاني عشر والسادس عشر اللذين قلت فيهما قبل إنّي لم أر مريضاً قطّ أصابه فيهما بحران.

وأنا أجرّد القول في هذين اليومين كما أجرّده في اليوم السابع وأقول إنّ اليوم الثاني عشر والسادس عشر [والتاسع عشر] ليسا من أيّام البحران لأنّه لا يظهر فيهما شيء من علامات البحران وأقول في اليوم السابع إنّه يوم بحران لأنّ جميع علامات البحران توجد فيه فأمّا اليوم السادس فلست أقدر أن أجرّد القول فيه وذلك أنّه قد يعرض أن يكون فيه بحران ولكنّ البحران الذي يعرض فيه خبيث رديء فإن اضطرّني مضطرّ أن أجرّد القول فيه لم أصفه بكلام طويل كما فعلت قبيل لمّا وصفت طبيعته كلّها ولكنّي أجمل كلامي.

فأقول إنّ اليوم السادس يوم بحران رديء كما أنّ اليوم السابع يوم بحران جيّد ولا ينبغي لي أن أحصر نفسي في قضيّة مفردة ضيّقة على أمر ليس هو بمفرد وقد

نجد كثيراً من الأطبّاء مع هذا إنّما خصومتهم في الأسماء وهم لا يشعرون وذلك أنّ منهم من يزعم أنّ البحران إنّما هو تغّير يعرض في المرض دفعة ومنهم من لا يسمّي ذلك التغيير بحراناً إلّا أن يكون إلى خير ونجد آخرين يزعمون أنّ كلّ واحد من هذين هو فعل يحدث عن البحران.

وأمّا البحران نفسه فيزعمون أنّه الاضطراب الذي يغّير المريض تغييراً بيّناً في زمان يسير من طبيعة المرض لا من شيء من خارج ثمّ يختصمون فيما يدّل عليه هذا الاسم خصومة طويلة وهم لا يعلمون أنّهم قد حادوا عن طريق الطبّ ومالوا إلى ما يبحث عنه أصحاب المنطق والنحويّون وأصحاب البلاغة وذلك أنّ من شأن صاحب المنطق أن يبحث عن استقامة وضع الأسماء ومن شأن النحويّ والبليغ أن يبحث هل جرت العادة باستعمال الاسم أم لا ويفعل ذلك كثير من الأطباء ومبلغ فهمهم من المنطق والنحو والبلاغة كمبلغ فهم الحمار من الإيقاع فخطأ هؤلاء من وجهين أحدهما أنّهم تركوا البحث عن ما يجب على الأطبّاء بحث عنه والوجه الآخر أنّهم تعاطوا ما هو من صناعة غيرهم من غير أن يحكموه.

وأمّا أنا فقد بيّنت في كتاب غير هذا كيف ينبغي أن تستعمل الأسماء الطبّيّة على الصواب وأمّا في هذا الكتاب فإنّما همّتي أن أبيّن طبيعة الأيّام وأدع الهذيان الذي يستعمله السوفسطائيّون لغيري ممّن صرف عنايته عن أعمال الطبّ إلى الخطب على

الصبيان في الكتّاب وسأقول فيما بعد أيضاً أشياء في أمر الأسماء التي ذكرتها قبل لنقدر على فسخ أغاليطهم بتفصيل الأسماء المشتركة.

وأمّا في هذا الموضع فإنّي أقصد بدءاً قصد ما يحتاج إليه كما فعلت في جميع كتبي حتّى إذا استفاد المتعلّم ثمرة ذلك وأحرزها لنفسه يتعلّم بعد ذلك كيف تنقض أغاليط السوفسطائيّين وهذا النوع من التعليم مع سائر ما فيه من المنفعة قد ينتفع به أيضاً من طريق أنّه يعلم به بالفعل وأنّه قد يمكن أن يعلم المتعلّم للطبّ طبيعة الأيّام على الاستقصاء والحقيقة من غير أن يحتاج إلى أن يتعلّم هذا الهذيان الطويل الذي يهذيه السوفسطائيّون على أنّه قد صار لا يمكن أحداً أن يدع هذيانهم هذا فلا يذكره بتّة لكثرة ما قد اشتهر وذاع ولذلك أتيت بشيء منه فيما تقدّم من قولي وما فعلت ذلك بإرادتي لكنّي اضطررت إليه.

(٥) فأنزل أنّ ما تقدّم من قولي صدر لما يجيء بعد ثمّ إنّي أقصّ عليك كلّما يحتاج إليه في أعمال الطبّ من هذا العلم منذ الآن شيئاً بعد شيء على الولاء وقد تعلم منفعة ذلك من غير أن يؤتى على ذلك بدليل ولكنّه لا تتبيّن صحّته إلّا باختبار من نفس الأفعال وأنا أطلب إلى المتعلّم أن يمتحن أوّلً كما امتحنّا جميع ما في هذا الكتاب زماناً طويلً ويختبرها في المرضى ثمّ يتقدّم بالقضيّة على حقّها من باطلها.

وينبغي أن أجعل ابتداء قولي ما بدأت به من أوّل كتابي فأجمل ما قد قلته لتذكره وأشرح ما لم أقله بعد لتفهمه.

وقد قلت إنّ انقضاء الأمراض التي تكون بغتة لا بّد من نذير يكون قبله حتّى يصّح إمّا استفراغ بيّن وإمّا خراج ظاهر وقد قلت إنّ الأيّام التي يكون فيها هذا الانقضاء مختلفة في طبائعها وذلك أن ّاليوم السابع كثيراً ما تنقضي فيه الأمراض انقضاء تامّاً صحيحاً محموداً سليماً بيّناً منذراً به وأنّ اليوم السادس تنقضي فيه الأمراض كثيراً وليس كما تنقضي في اليوم السابع وذلك أنّ عدد الأمراض التي تنقضي في السادس أقلّ من عدد الأمراض التي تنقضي في السابع والجهة التي تنقضي عليها الأمراض في اليوم السادس غير الجهة التي تنقضي عليها في السابع وذلك أنّ انقضاء المرض في اليوم السادس ليس بجيّد ولا محمود ولكنّه في أكثر الحالات رديء وإن اتّفق أن يكون جيّداً فلا يكاد يتمّ فإن تمّ لم يصحّ وذلك أنّ المرض يعود وإن ظهر لك منه ما يوهمك أنّه قد انقضى بالحقيقة.

وقد قلت قبل إنّ الخطر وخفاء البحران من خواصّ اليوم السادس وأمّا المفاجأة بلا إنذار فليس من خواصّ اليوم السادس وقد ينذر به اليوم الرابع كما ينذر بالسابع.

فهذا ما قلت ثمّ إنّي أزيد ما لم أقل وهو أنّ اليوم الرابع عشر قريب في طبيعته من اليوم السابع والتاسع أيضاً والحادي عشر والعشرين قريبة من هذه واليوم السابع عشر واليوم الخامس [عشر] قريبان من هذه ومن بعدهما الرابع ومن بعد الرابع [الخامس و]الثالث والثامن عشر وأمّا طبيعة السادس فليس يشبهها شيء من الأيّام الأخر فإن اتّفق أن يعرض بحران في اليوم الثامن أو في اليوم العاشر فهو يشبه البحران الذي يكون في اليوم السادس ولا يكاد ينقضي في هذه الأيّام مرض فإن انقضى لم يصحّ انقضاؤه ولم يتمّ ولم يؤول إلى خير ومع ذلك فإنّ ذلك الانقضاء يكون خفيّاً غير بيّن ولا ينذر به فطبيعة هذه الأيّام إذاً غير طبيعة الأيّام التي ذكرناها قبل.

وكما أنّ المرض لا ينقضي دفعة في هذه الأيّام كذلك لا ينقضي أيضاً بغتة في الأيّام التي أذكرها بعد أعني في اليوم الثاني عشر والسادس عشر والتاسع عشر وأنا أرى أنّه ينبغي أن يوضع فيما بين هذه الطبقة التي ذكرتها الآن وهي طبقة الأيّام التي لا ينقضي فيها المرض دفعة أعني الثامن والعاشر والثاني عشر والسادس عشر والتاسع عشر وبين الطبقة التي ذكرتها قبل وهي طبقة الأيّام التي تنقضي فيها الأمراض دفعة أعني اليوم الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والتاسع والحادي عشر والرابع

عشر و[الخامس عشر] السابع عشر والثامن عشر والعشرين واليوم الثالث عشر 〈فمتوسّط بين الطبقتين〉 وذلك أنّه ليس بالساقط كالأيّام التي في الطبقة الثانية ولا تنقضي فيه الأمراض كما تنقضي في أيّام الطبقة الأولى.

فهذه هي اختلاف الأيّام إلى العشرين وسأذكر ما بعد العشرين من الأيّام بآخرة وقبل ذلك فإنّني أذكر شيئاً قد كنت تضمّنت ذكره قبيل وهو أنّ ما ينتفع به في أعمال الطبّ قد يحتاج في وجوده إلى زمان طويل فأمّا في تعلّمه فليس يحتاج إلّا إلى زمان يسير وكلّ ما سوى ذلك فهو إمّا هذيان السوفسطائيّين وإمّا مناقضة أقاويلهم وذلك أيضاً هذيان وكان الأجود الاستخفاف بهم ولكن يضطرّنا إليه الشفقة على الأحداث الذين يزيلهم السوفسطائيّون كثيراً عن الفكر الطبيعيّ.

وقد بيّنت ما أردت بياناً واضحاً وهو أنّي فسّرت الاختلاف بين أيّام المرض من غير أن أكون احتجت إلى الأسماء التي يشغبون بها وهي اسم البحران وما يشتقّ منه ولم آخذ علم ما بيّنت من قياس ولا من معنى غامض لكنّي إنّما جمعت علم هذه الأيّام من طول التجارب.

فأمّا من ترك هذا الوجه وأخذ يبحث كيف ينبغي أن يحدّ البحران أو لأيّ علّة لا يكون البحران في الأيّام كلّها بالسواء فإنّه يفتح للسوفسطائيّين باباً للمناقضة والمعاندة ومن عادة السوفسطائيّين أن ينقضوا أشباه هذه الأقاويل ثمّ يظنّون أنّهم إذا فعلوا ذلك أنّهم قد أبطلوا الشيء بعينه ومثال ذلك أن يناقض مناقض العلل التي قالت الفلاسفة

في البصر ثمّ يظنّ إذافعل ذلك أنّه قد أبطل البصر أو إن يناقض أقاويل الفلاسفة التي في الحركة أو في الزمان أو في المكان أو في الكون والفساد ثمّ يظنّ إذا فعل ذلك أنّه مناقضته كلامهم في ذلك قد أبطل أعيان هذه الأشياء وعلى هذا النحو أيضاً تكون خطب السوفسطائيّين الذين يريدون أن يبطلوا بها أمر البحران وأيّام البحران وذلك أنّهم لا يقدرون أن يغيّروا شيئاً ممّا يظهر للحسّ لكنّهم يغيّرون الأسماء عن معانيها ويناقضون حدوداً حدّت بها وينقضون آراء قوم في طبيعة عدد هذه الأيّام.

فأمّا تعليمنا هذا فمن لم يدخل فيه شيئاً من هذه الأشياء ولذلك سدّ أفواه السوفسطائيّين وأفاد المتعلّم ما يحتاج إليه بإيجاز واختصار وعلى هذا المثال كان سيجري القول بإيجاز في الاختلاف ما بين الأيّام التي من بعد العشرين لو لا أنّ قولً اضطراريّاً لقيني فشغلني وعاقني وقد يعرف من عالج الطبّ من التجارب ولم يقبل شيئاً سوى ما يظهر للحسّ حقيقة ما في ذلك القول وليس يعرف ذلك المتعلّم للطبّ.

(٦) والقول الذي قلته إنّه لقيني فعاقني عن ذكر ما بعد العشرين من الأيّام هو البحث عن أوّل المرض أيّ وقت هو وذلك أنّ أكثر من يمرض قد يسهر ولا يشتهي الطعام ويحسّ بثقل في الرأس ويكسل وتصعب عليه الحركة ويعرض له شبيه بالإعياء وأشياء كثيرة شبيهة بهذه وتبتدئ به هذه في اليوم الأوّل هي يسيرة ثمّ تزداد قليلً قليلً وهو يذهب ويجئ ويتصرّف فيما كانت عادته التصرّف فيه ولا يزال كذلك حتّى تغلبه تلك

الأشياء التي تؤذيه فتصرعه وأوّل وقت مضجعه هو أوّل وقت غلبة تلك الأشياء التي تؤذيه حتّى تصرعه فإذ كان هذا هكذا فقد نظنّ أنّه يعسر أن يعلم أيّ الأوقات ينبغي أن يجعل أوّل المرض.

وذلك أنّ الوقت الذي هو بالحقيقة أوّل لا يحسّ به وأوّل وقت اضطجع فيه المريض فهو أوّل وقت ضجعته وليس هو أوّل وقت مرضه وذلك أنّه قد يمكن أن يكون المريض قد أثخنه المرض وهو بعد لم يضطجع إمّا لأنّه حمول كدود وإمّا لأنّه في شغل يحول بينه وبين ذلك أو في سفر لا يجد فيه موضع مستقرّ ولأسباب أخر غير هذه فأمّا من كان خوّاراً مسترخياً جباناً تهوله أدنى علّة فإنّه يضطجع سريعاً فليس يمكن أن يعلم اضطجاع أيّ هذين هو ابتداء المرض.

فإذا كان لا يمكن أن يعلم أوّل وقت المرض الذي هو بالحقيقة أوّل ولا يجب أيضاً أن نجعل الاضطجاع أوّل المرض فقد بان أنّه لا يجوز أن يكون زماناً أوّلً للمرض غير هذين لا قبل الاضطجاع ولا بعده وذلك أنّ جميع الأوقات التي قبل الاضطجاع لا يجوز أن تجعل أوّل المرض إذ كان ابتداء المرض الأوّل لا يوقف عليه وأمّا الأوقات التي من بعد الاضطجاع فأحرى ألّا يجوز أن يكون شيء منها أوّل المرض إذ كان وقت اضطجاع المريض ليس هو أوّل المرض.

أمّا الشكوك فهذه وأمّا الخروج منها فعلى جهات كثيرة وأوّل تلك الجهات وأعظمها

أن كثيراً من الأمراض تبتدئ بغتة إمّا بنافض وإمّا بوجع قويّ من غير أن يكون عرض قبله شيء من الأعراض التي تحسّ فأنا أدع الأمراض الأخر التي ابتداؤها غير معروف وأجعل محنة أيّام البحران وتجربتها في الأمراض التي ابتداؤها معروف.

فقد رأينا كثيراً من الناس يتناولون الطعام وأبدانهم هادئة خفيفة لا ينكرون منها شيئاً ثمّ أحسّوا بالمرض دفعة بعد تناولهم الطعام ورأينا قوماً صاروا إلى الرياضة أو إلى الحمّام وهم لا ينكرون شيئاً فعرض لهم المرض بغتة وقد ذكر بقراط مرضى كثيرة عرض لهم ذلك وذكر أيضاً مرضى كثيرة أخر أحسّوا بأذى من قبل أن يبتدئ بهم المرض وهم بعد يتصّرفون ويذهبون ويجيئون.

وأرى أنّا في قولنا من قبل أن يبتدئ بهم المرض قد أقررنا بالحقّ من غير أن نشعر وذلك أنّه ينبغي لنا أن نعدّ أوّل المرض ذلك الوقت الذي تبتدئ فيه الحمّى ابتداء ظاهراً حتّى يضطرّ المريض إلى الاضطجاع وليس الصداع والحمّى شيئاً واحداً ولا السهر أيضاً وذهاب الشهوة وثقل البدن أيضاً كلّه وحسّ الإعياء هو الحمّى لكنّ كلّ واحد من هذه الأعراض هو شيء غير الحمّى ويدلّ على الحمّى فعليكم أيّها السوفسطائيّ بهذه الأشياء.

فأمّا الحمّى إذا ابتدأت لا سيّما إذا كانت حادّة فلن يجهلها أحد منّا ولا من سائر الناس وإن كان غبيّاً وأنزل أنّ إنساناً يجهل الحمّى إذا ابتدأت فكم يرى المريض يمكنه أن يجهل حمّاه ما أحسبه يمكن ولو كان من أقلّ الناس حسّاً أن يجوز به ساعة

حتّى يشعر بها فأنزل أنّه ظنّ أنّ الحمّى ابتدأت به في الساعة العاشرة وليكن ابتداؤها بالحقيقة لا الساعة العاشرة بل التاسعة فأيّ شيء يضرّ هذا في معرفة أيّام البحران أمّا ترى ما أكثر ما يضرّ هذا في الطبّ أن يكون بعض المرضى لا يحسّ بحمّاه حتّى تمضي به ساعة.

فأمّا بقراط الذي تفقّد هذه الأشياء كلّها واستقصاها أكثر من جميع الأطبّاء فكما ذكر أنّ كثيراً من المرضى عرضت لهم الحمّى دفعة من غير أن يعرض لهم عارض قبلها وذكر آخرين عرض لهم قبل الحمّى أذى وهم بعد يتصرّفون في أعمالهم كذلك ذكر أنّه وجد البحران يكون في يومه إذا حسبت الحساب من أوّل يوم عرضت للمريض فيه الحمّى لا من أوّل يوم عرض له فيه الصداع أو غيره من الأذى وعلى حسب هذا الابتداء جرّب الأطّباء أيّام البحران.

فأمّا أنت فإن كنت تريد أن تفحص عن الابتداء الذي يوقف عليه بالفكر والوهم فعن قليل ستصير إلى قول من زعم أنّ الإنسان لا ينفكّ دهره كلّه من الألم لكنّ طبّ آل أسقليبيوس ليس هذا طريقه وذلك أنّك لا تجد أحداً من أصحاب أسقليبيوس يأمر أنّ تتعرّف حمّى أو تداوا من الحمّيات التي إنّما توجد بالفكر والقياس.

فأمّا الحمّيات المحسوسة البيّنة ولا سيّما إن كانت حادّة وهي التي يحتاج فيها إلى علم أيّام البحران فليس يجهلها أحد من الأطّباء ولا من العامّة فكيف تراك تحبّ

وفي من من المرضى تمتحن أيّام البحران أفي من اضطجع منهم بغتة أو في من تأذّى قبل أن يضطجع وهو يتصرّف في أعماله وقد امتحن بقراط أمرها في الفريقين جميعاً فوجد أنّ أيّام البحران فيهما غير مختلفة وجعل ابتداء المرض لا أوّل وقت أصاب فيه المريض الصداع لكنّ أوّل وقت أصابته فيه الحمّى وكذلك فعل كلّ واحد من سائر الذين صرفوا عنايتهم إلى نفس حقيقة الطبّ وتركوا الأقاويل الكاذبة التي قد احتيل فيها حتّى موّهت ليقنع بها.

وأنا أقول إنّ ابتداء المرض من أسهل ما يمكن المتطبّب أن يعرفه فإن أنكر منكر هذا الاسم ولم يقنع بما قلنا وظنّ بنا أنّا إنّما نهذي وليس بنا فقط ولكنّ بأبقراط وذيوقليس وسائر من ذكرناه قبيل من القدماء فليظفر هذا ظفر بني قدمس (٧) وليس غرضي كشف خطأ السوفسطائيّين إلّا بقدر ما يدعو إليه ما يعرض في الكلام لكنّ قصدي أن أنيل من علمي بهذا الفنّ الذي قصدت إليه من همّته طلب الحّق.

فلنضع مثالً لإيضاح تعليمنا هذا وشرحه المريض الذي ابتدأت حمّاه في الساعة العاشرة من النهار وندع السوفسطائيّين يطلبون أيّ وقت كان أوّل مرضه الذي يعرف بالفكر والقياس ونتفقّد في اليوم الثاني هل يكون فيه للحمّى ابتداء محسوس بيّن

وكذلك في اليوم الثالث لنعلم إن كانت الحمّى تنوب في كلّ يوم أو يوماً ويوماً لا ونتفقّد أيضاً في أيّ الأيّام نوبة الحّمى أصعب أفي الأزواج أم في الأفراد.

فلتكن الحمّى دائمة وهي مع ذلك تنوب غبّاً ولتكن نوبتها في اليوم الثالث في الساعة الحادية عشر من النهار وفي اليوم الخامس في الساعة الأولى من الليل وفي الليلة السابعة في الساعة الثالثة حتّى تكون الحمّى تتأخّر في كلّ نوبة ساعتين حتّى تكون في الليلة التاسعة في الساعة الخامسة وفي الليلة الحادية عشر في الساعة السابعة وليكن في هذا المريض جميع العلامات منذ أوّل مرضه إلى الليلة الحادية عشر على مثال واحد وليحسن البول في هذه الليلة أكثر ممّا كان ويظهر فيه غمامة بيضاء لا تكون ظهرت قبل فإذا رأى ذلك طبيب هو بالحقيقة طبيب فإنّه يرجو رجاء قويّاً أن يكون انقضاء المرض في اليوم الرابع عشر وقد يعرض كثيراً أن يتجاوز انقضاء المرض إلى ما بعد ذلك من الأيّام.

وسأبيّن في كتاب البحران كيف يكون ذلك لأنّ هذا ليس هو من علم أيّام البحران لكنّه من علم البحران وكلامنا في هذا الكتاب إنّما هو في أيّام البحران والشيء الذي أردت به هذا المثال أحسبني قد قربت منه.

فلتبتدئ الحمّى في الليلة الثالثة عشر في إحدى ساعات تلك الليلة مع نافض وإنّما قلت في إحدى ساعات تلك الليلة لأنّه قد يمكن أن تتقدّم الحمّى قبل الساعة التي كانت من عادتها أن تأخذ فيها وألّا تتقدّم وقد نرى الأمرين جميعاً يكونان إلّا أنّ الذي يكون أكثر أن تتقدّم الحمّى إذا أراد البحران أن يكون ولتكن في الليلة الثالثة عشر كلّها صعوبة شديدة من المرض حتّى يكون رجاؤك للبحران أقوى وليس يمكن إذا كانت الحال كذلك ألّا يعرض للمريض بحران في الحمّى التي تنوب في الليلة الثالثة عشر وليلً ندع شيئاً من غير تحديد فلتكن في هذه الليلة صعوبة من المرض ولتبتدئ الحمّى فيها في الساعة الثامنة بنافض صعب ولا يكون ظهر شيء من الأعراض التي تلزم البحران وليكن النبض مختلف النظام غير مستوٍ لكن تكون أكثر حركاته كأنّها مشرفة عظيمة قويّة أقول إنّ هذا المريض إذا انتهت الحمّى التي عرضت له بالنافض منتهاها ابتدأ يعرق عرقاً محموداً وبيّن أنّ ذلك يصيبه في اليوم الرابع عشر وذلك لأنّه إذا كانت الحمّى إنّما أخذته في الساعة الثامنة من الليلة الثالثة عشر فعرقه يكون في اليوم الرابع عشر.

وليكن المريض كلّما استفرغ استوى نفسه وحسن نبضه وخفّ بدنه واستراح وليمكث نهاره كلّه يعرق عرقاً كثيراً حارّاً في بدنه كلّه مستوياً ثمّ تسكن عنه الحّمى بالعشيّ سكوناً تامّاً أقول إنّ بحران هذا المريض بحران صحيح وإنّه ينبغي أن يغذّى قليلً قليلً وليس يخاف عليه عودة من المرض لأنّ اليوم الذي كان فيه بحرانه يوم يدلّ على بحران صحيح وقد اجتمعت فيه جميع العلامات التي تدلّ على البحران وذلك أنّه لمّا كان قد ظهر في اليوم الحادي عشر علامة في البول تدلّ على النضج فإنّه قد وجب أن يكون البحران الذي كان في اليوم الرابع عشر منذراً به ولمّا كانت في الليلة الثالثة عشر صعوبة من المرض قبل نوبة الحمّى وابتدأت الحمّى في تلك الليلة بنافض واضطرب النبض اضطراباً يدلّ على البحران ثمّ جاء عرق محمود فقد وجب أن يقال إنّ ذلك البحران كان بيّناً ولمّا لم تكن فيه أعراض يخاف منها على المريض وجب أن يقال إنّه سليم ولمّا لم تبق من الحمّى بقيّة وجب أن يقال إنّه تامّ ووجب أيضاً أن يقال إنّه جيّد لهذا السبب ولأنّه كان سليماً بعيداً من الخطر.

فانظر الآن أيّ شيء بقي أن ينظر فيه من العلامات التي تدلّ على أنّه بحران محمود فأقول إنّ الذي بقي أن أبيّن أنّه بحران صحيح محمود لا يخاف من المرض بعد عودة وينبغي أن ننظر من أين نعلم هذا فإنّ كلّ واحد من الخصال الأخر التي

ذكرنا إنّما علمناها إمّا من خلّة واحدة وإمّا من خلّتين وإمّا من أكثر من ذلك ولم نأخذ علم شيء منها من جميع الخصال فأمّا صحّة البحران فتحتاج إلى أن تؤخذ معرفتها من جميع هذه الخصال التي عددناها وبعض تلك الخصال طبيعة اليوم الذي يكون فيه البحران فإنّك إن قررت جميع ما ذكرنا على حاله ونقلت البحران إلى اليوم الخامس عشر لم يكن في صحّته على مثال هذا ولا قريباً منه.

وإنّما تحقّق صحّة البحران يوم البحران وهذه هي منفعة أيّام البحران فإن ظنّ ظانّ أنّ معرفة أيّام البحران وحدها تكفي فالذي يجهل أكثر ممّا يعلم وهو مع ذلك يفتح باباً لخصومة السوفسطائيّين فيقولون على المكان إنّ طبيعة اليوم الرابع عشر لو كانت تصحّح وتحقّق انقضاء المرض الذي يكون فيه لقد كان ينبغي أن يكون انقضاء المرض الذي يكون فيه صحيحاً وإن لم يكن معه عرق كثير محمود وهذا القول هذيان وما كان من رأيي أن أبيّن أنّه كذلك وكنت أحبّ ألّا يضرب يده أحد إلى تعلّم الطبّ حتّى يتأدّب أوّلً ويستفيد بالأدب من القوّة ما يمكنه أن يفهم أشباه هذه الأغاليط.

فإنّ هذا القول ينقض ويبطل كلّ علاج من الطبّ ويوجب ألّا يكون فصد العرق ينفع في وقت من الأوقات لأنّه إن كان ينفع فلم لا نأذن على المكان للمفتصد أن يدخل الحمّام وأن يغتذي بلا توقٍّ ولا حمية لكنّا نأمره بالاضطجاع على فراشه ونغذوه بغذاء

لطيف ويوجب أيضاً ألّا يكون الضماد ينفع لأنّه لو كان ينفع لكان ينبغي أن ينتفع به الممتلئ من الطعام ومن الشراب والذي يدخل الحمّام وكذلك يوجب ألّا تكون الحقنة تنفع ولا شيء من سائر ما يعالج به الأطبّاء لأنّ القول في جميعها واحد لكنّي لمّا رأيت هذه الصناعة العجيبة العظيمة القدر قد تولّاها الآن مكان آل أسقليفيوس الصوّافون والعشّارون رأيت أن أنتصر لها وأفضح الثالب لها.

فأقول إنّ الشيء إذا كان إنّما تفعله علّة واحدة أو تدلّ عليه علامة واحدة فمتى بيّن مبيّن أنّ تلك العلّة لا تقوي على فعله وتلك العلامة لا يكتفي بها في الدلالة عليه ويحتاج معها إلى معونة شيء آخر دائماً فقد فسخ قول من قال إنّ ذلك الشيء يكون من تلك العلّة وحدها أو تدلّ عليه تلك العلامة وحدها.

ومتى قلنا إنّ أشياء كثيرة تجتمع فتفعل شيئاً واحداً أو تدلّ على شيء فالذي يقصد إلى واحدة واحدة من تلك الأشياء فيحكم عليها على حدتها فإنّه يهذي وذلك أنّه ليس ينبغي أن نقصد إلى فسخ كلّ واحدة منها على حدتها ويبيّن أنّه لا يمكن أن تفصل أو أن تدلّ لكن ينبغي أن يقصد قصد جميعها معاً وإلّا كان قوله شبيهاً بقول من قال إنّه إن كان عشرة أنفس يطيقون أن يشيلوا حملً ما وكلّ واحد من العشرة لا

يطيق أن يشيله فكلّ واحد من العشرة لا ينفع في تمام فعل العشرة.

فأنزل أمر يوم البحران كيف شئت إن شئت فاجعله علّة صحّة انقضاء المرض وإن شئت فاجعله علامة تدلّ عليه فإنّك تجد قولهم ينتقض بالوجهين جميعاً على أهون الطرق فاجعله أوّلً علّة كما نقول إنّ الفصد والحقنة والضماد وكلّ واحد من سائر أنواع العلاج علّة للصحّة فكما أنّه ليس شيء من أنواع العلاج التي ذكرناها يقوى وحده من غير معونة سائر الأنواع الأخر في أن تبرئ المريض كذلك يوم البحران لا يقوى أن يكون وحده علّة لصحّة البحران ثمّ اجعل أنّ يوم البحران ليس هو علّة لصحّة البحران لكنّه علامة تدلّ عليه كالعلامات التي تظهر في البول والبراز والبصاق وفي سائر ما أشبه ذلك فليس شيء من هذه العلامات أيضاً يكتفى بها وحدها في الدلالة على السلامة أو على التلف فإذ كنّا إن جعلنا يوم البحران علّة لصحّة وإن جعلناه علامة تدّل عليها فليس نجعله وحده يفعل شيئاً أو يدلّ على شيء لكن مع أشياء كثيرة تجتمع معه فليس لقولهم موضع.

وليست المحنة الصحيحة لأيّام البحران أن نجدها تدلّ على صحّة البحران دون العلامات التي تدلّ على البحران لكنّ محنتها الصحيحة هي التي أقول وهي أنكّ إن أقررت جميع العلامات الأخر على حالها وغيّرت يوم البحران فقط نقص من صحّة البحران نقصاناً كثيراً وإن كانت العلامات الأخر التي تدلّ على البحران ليست بالتامّة ثمّ أضفت إليها يوم البحران صحّ البحران ولو لم يكن ليوم البحران إلّا هذا فقط إنّه

يجتمع معه كثيراً أكثر علامات البحران وأعظمها أو كلّها لقد كان يجب من أجل هذا فقط أن يقال إنّ طبيعة أيّام البحران غير طبيعة غيرها من الأيّام فإذ كان مع هذا قد تعين هي من أنفسها على صحّة البحران فكم بالحريّ قد يجب أن نقول إنّ طبيعة أيّام البحران غير طبيعة تلك الأيّام الأخر التي لا تعين على صحّة البحران ولا يجتمع معها كثير من علامات البحران.

أمّا أنا فإنّي أرى هذا واجباً وأنا تاركت السوفسطائيّين المفسدين لجمال هذه الصناعة وذاكر للمثال الذي وضعته قبيل لإيضاح قولي أعني المريض الذي ذكرت أنّ حمّاه لازمة إلّا أنّها تنوب مع ذلك غبّاً وقد كنت وضعت أنّ علامة البحران تبيّنت في بوله في اليوم الحادي عشر ثمّ أتاه البحران في اليوم الرابع عشر فلنضع الآن أنّ البحران لم يأته في اليوم الرابع عشر لكنّه قد جاز ذلك اليوم إلى اليوم الخامس عشر ثمّ ابتدأت به الحمّى في تلك الليلة بنافض وأصابه البحران في اليوم السادس عشر لنعلم علماً بيّناً مبلغ قوّة يوم البحران في صحّة البحران.

أقول إنّه إذا كان الأمر كذلك لم يعرق المريض عرقاً محموداً ولم تفارقه الحمّى مفارقة صحيحة في ذلك اليوم فإن اتّفق في ذلك ما لا يكاد يتّفق وهو أن يعرق المريض عرقاً محموداً أو تقلع عنه الحمّى فإنّ البحران لا محالة لا يصحّ وإن زلّ المريض أدنى زلل عادت علّته.

(٨) ثمّ لنضع أنّ علامة البحران ظهرت في ذلك المريض في اليوم الرابع كما وضعنا قبيل أنّها ظهرت في اليوم الحادي عشر أقول إنّه ينبغي أن يتوقّع البحران في اليوم السابع وذلك أنّ النذير في الأسبوع الثاني هو اليوم الحادي عشر وفي الأسبوع الأوّل اليوم الرابع وكما يدلّ الحادي عشر على الرابع عشر كيف يكون حال المريض فيه كذلك اليوم الرابع يدلّ على السابع.

فلتكن نوبة الحمّى في الليلة السابعة في الساعة الثالثة كما وصفناه قبل وليكن النافض والنبض على ذلك المثال وليبتدئ العرق في آخر الليل وليلبث المريض نهاره كلّه وهو اليوم الثامن يعرق عرقاً محموداً ولتقلع عنه الحمّى نحو العشيّ ففي مثل هذا الموضع ينبغي أن تنعم النظر فإنّ الأمر الذي له وضعت هذا المثال ليس بيسير.

فقد تعلم أنّي بدءاً وضعت أنّ نوبة الحمّى أتت المريض مجيئاً يدلّ على بحران في الليلة الثالثة عشر ثمّ أقلعت عنه الحمّى في اليوم الرابع عشر فقلت إنّ البحران جاءه في اليوم الرابع عشر لا في اليوم الثالث عشر ووضعت الآن أنّ العرق وانقضاء العلّة أتياه في نهار الثامن وأنا أقول إنّ البحران مع هذا إنّما أتى هذا المريض في اليوم السابع وذلك أنّه ليس ينبغي أن تقتصر على النظر في ابتداء النوبة من الحمّى الدالّة على البحران فقط ولا في ابتداء العرق ولا في واحد واحد من سائر ما يكون به البحران فإنّ هذه الخلّة وحدها لا تستحقّ أن تقتصر عليها في تعرّف اليوم الذي ينبغي أن يوجب له البحران ولا في وقت إقلاع الحمّى فقط.

وليس ينبغي أيضاً أن يظنّ أنّه متى اجتمع خلّتان من هذه الثلاث من هذه الخلال أنّ الاثنتين لا محالة أقوى من الثلاثة لكنّه متى اجتمعت الخلال الثلاث فليس يشكّ في اليوم الذي اجتمعت فيه أعني إذا اجتمع في يوم واحد أن تجيء فيه نوبة الحمّى مجيئاً تدلّ على بحران وأن يبتدئ فيه البحران وأن يجيء بعده إقلاع المرض فإن تفرّقت هذه الخلال فينبغي لك أن تنظر أوّلً في الأيّام المنذرة فإنّه إذا أنذر اليوم الرابع أو اليوم الحادي عشر بالبحران ثمّ كانت خلّة من خلال البحران في اليوم السابع أو في اليوم الرابع عشر فينبغي أن يوجب البحران للسابع أو للرابع عشر فإن لم يكن من حال البحران في السابع أو في الرابع عشر شيء بتّة لا في أوّله ولا آخره فبيّن أنّه لا يمكنك أن تقول إنّ البحران للسابع أو للرابع عشر وليكن ليوم غيرهما وهو اليوم الذي كان فيه البحران كلّه.

فإن لم ينذر بالبحران يوم قبله ثمّ جاء البحران واتّصل بيومين ولاء فانظر في هذه الأعلام لتستدلّ بها لأيّ اليومين هو البحران والأعلام هي قياس الأدوار وطبائع الأيّام وعدد أوقات البحران وزمان البحران أمّا نظرك في قياس الأدوار فليكن على هذا المثال: إن كانت العلّة تصعب على المريض في الأفراد فالبحران للفرد وإن كانت تصعب في الأزواج فالبحران للزوج وذلك لأنّ البحران يكون أكثر ذلك في وقت استصعاب الحمّى.

وأما نظرك في طبائع الأيّام فليكن على هذا الطريق: إن شككت في البحران بين اليوم التاسع والعاشر فانظر إلى نفس البحران فإن رأيته جيّداً تامّاً سليماً فالتاسع أولى به وإن رأيته ناقصاً رديئاً ذا خطر فالعاشر أولى به.

وأمّا نظرك في عدد أوقات البحران فليكن على هذا الوجه: أوقات البحران هي ثلثة أوّلها ابتداء الدور الذي يدلّ مجيئه على بحران والثاني ابتداء الشيء الذي يكون به البحران استفراغاً كان أو غيره والثالث هو انقضاء البحران فاليوم الذي تجد فيه وقتين من أوقات البحران فذلك اليوم أولى بالبحران.

وأمّا نظرك في زمان البحران فليكن على هذا المذهب: انظر في أيّ اليومين زمان البحران أطول فالذي تجد زمان البحران فيه أطول فهو أولى بالبحران فإن دلّت هذه الأعلام الأربعة على يوم واحد فالبحران واجب لذلك اليوم فإن نقص واحد منها فالبحران على حال لذلك اليوم إلّا أنّه ينبغي أن تعلم أنّ اليوم الآخر فيه حصّة فإن ساوت الأعلام التي تجدها في أحد اليومين الأعلام التي تجدها في الآخر فالبحران مشترك بينهما.

وربّما جاوز البحران اليوم الثاني إلى اليوم الثالث وإذا كان ذلك فإنّ اليوم الأوسط من طريق طول زمان البحران فيه أولى بالبحران إلّا أنّه لا ينبغي أن يوجب له البحران كلّه لكن ينبغي أن ينظر أوّلً هل أنذر بالبحران يوم قبله أم لا فقد قلت إنّ هذه العلامة من أقوى العلامات ثمّ تنظر بعد إن كان لم ينذر بالبحران يوم قبله في الأعلام الباقية التي أتيت على ذكرها قبيل وهي قياس نوائب الحمّى وطبايع الأيّام

وعدد أوقات البحران وزمان البحران.

(٩) وقد يكتفى بهذا القول في هذا الفنّ فلنرجع الآن إلى ما كنّا فيه فإنّا قد عددنا أيّام البحران إلى العشرين ونحن ذاكرون الآن ما بعد العشرين من أيّام البحران إلّا أنّا نزيد أوّلً فيما تقدّم من قولنا شيئاً قد ينتفع بذكره فيما يأتي بعد وفي ألّا تبقى علينا مطالبة في شيء ممّا تقدّم وهذا الشيء هو أمر اليوم الأوّل والثاني من أيّام المرض فإنّا لم نذكرهما فيما تقدّم من قولنا على أنّ ذيقليس وأتباعه قد ظنّوا أنّهما من أيّام البحران فينبغي أن نلخّص أمرهما تلخيصاً شافياً.

فأقول إنّك إن قلت إنّ البحران إنّما هو الاضطراب السريع الذي يكون قبل انقضاء المرض في بدن المريض فإنّه لا يجب أن تعدّ اليوم الأوّل ولا اليوم الثاني من أيّام المرض أيّام بحران وذلك لأنّه لا يكون فيهما قبل انقضاء العلّة اضطراب ظاهر فإن سمّيت كلّ انقضاء يكون للمرض بحراناً وجب أن تعدّ اليوم الأوّل والثاني من أيّام البحران وذلك لأنّ كلّ حمّى تكون من سخونة الروح الذي في القلب وهي التي تقال لها إفيميروس أي حمّى يوم تنقضي إمّا في اليوم الأوّل وإمّا في الثاني فالمطالبة إذاً في الاسم لا في المعنى وهذا المعنى هو مكشوف ظاهر يعرفه جميع الناس أعني أنّ حمّى يوم تنقضي في اليوم الأوّل أو في اليوم الثاني.

ومن جنس هذا البحث أن يبحث متى ينبغي أن نسمّي الاضطراب الذي يكون في المرض بحراناً إذا آل إلى انقضاء المرض فقط أو قد يسمّى بحراناً وإن لم ينقض المرض لكن تغيّر تغيّراً بيّناً وكذلك البحث عن اسم الانقضاء على أيّ معنى يقع أعلى خروج المريض من مرضه إلى الصحّة فقط أو قد يقع على الموت.

فقد كثرت ا؛خصومة في هذا وسأضع فيه كلاماً لمن تهيّأ له من الفراغ ما يمكنه معه النظر في أشباه هذه الأشياء أيضاً وأمّا الآن فغرضي أن أخبّر في هذه المقالة الأولى بما ينتفع به من أمر أيّام البحران فقط وقد يمكن أن أبلغ ما أريد من ذلك بأن أبني كلامي على أصول أضعها وضعا بلا برهان منطقيّ.

فلنضع الآن أنّ الاضطراب الذي يكون قبل انقضاء المرض التامّ يقال له بحران قولً مرسلً ولا نسمّي شيئاً من سوى هذا بحراناً بقول مرسل لكن الذي يؤدّي إلى هلاك المريض فليسمّ بحراناً رديئاً بالاسمين معاً فأمّا الذي ينقضي المرض نقصاناً بيّناً ولا يأتي عليه عن آخره فليسمّ بحراناً ناقصاً فأمّا الذي يميل بالمريض إلى ما هو شرّ فليسمّ بحراناً ناقصاً رديئاً وهكذا ينبغي أن نفعل إذا آثرنا أن يكون كلامنا تامّاً بيّناً في كلّ واحد من هذه المعاني على حدته وقد يستعمل كثيراً الكلام الذي يسمّى الناقص فنسمّي هذه الأربعة الأصناف كلّها بحراناً من غير أن نزيد في قولنا رديئاً أو ناقصاً.

وقد بيّنت في كتاب غير هذا أنّ هذا الضرب من الكلام جارٍ في عادة جميع

أهل هذه اللغة وأنا قائل في ذلك الآن أيضاً بمقدار ما يكتفى به في هذا الموضع من ذلك أنّا متى قلنا قفيزاً أو ذراعاً أو شبراً أو شيئاً من سائر المقادير فلا ينبغي أن يكون واحد منها زائداً ولا ناقصاً عن حقّه لأنّ كلّ واحد من هذه الأسماء إنّما يدلّ على مقدار محدود معلوم وهذا وإن كان كذا فإنّا قد نسمّي كثيراً القفيز الزائد والناقص قفيزاً وكذلك الذراع والشبر وسائر المقادير إلّا أنّا إذا قصدنا إلى حقائق الكلام لم نسمّ ذلك قفيزاً بقول مطلق ولكن نسمّيه قفيزاً زائداً أو ناقصاً وكذلك الحال في الذراع فإنّا متى وفّينا الكلام حقّه لم نسمّ ما هو ناقص أو زائد على الذراع ذراعاً بقول مطلق لكنّ ذراعاً طويلً أو ذراعاً قصيراً وأمّا متى قلنا ذراعاً فقط فإنّما يدلّ على الذراع العدل الذي ليست فيه زيادة ولا نقصان.

ومن عادة الناس أيضاً أن يستعلموا ضرباً آخر من الكلام وهو أن يوجبوا لشيء خاصّ على جهة التفصيل اسم جنسه ومثال ذلك أنّا متى قلنا قال الشاعر فليس يفهم أحد من اليونانيّين أنّا نعني بالشاعر أحداً سوى أوميرس على كثرة الشعراء في اليونانيّين والذي قال أيضاً بعض الشعراء إنّه لا يكاد يوجد إنسان هو إنسان إلّا في الندرة هو شبيه بهذا وذلك أنّا لا نعدّ من كان فظّاً غليظاً ولا من كان عديم عقل ولا من كان غبيّاً في طبيعته إنساناً لكنّا نوجب هذا الاسم لمن كانت طبيعته مستقيمة.

وليس هذا موضع يحتاج إلى أن نلخّص فيه على أيّ المعنيين يسمّى كلّ اضطراب يكون في بدن المريض قبل انفصال المرض بحراناً أعلى جهة التفصيل أم على الجهة

الأولى ولهذا موضع غير هذا فأمّا ما ينتفع به من أمر أيّام البحران في الطبّ فقد يمكن بأن نبلغه كما قلت قبل على أن نضع الأسماء التي ذكرناها قبل وضعاً فنسمّي الذي يوجد فيه جميع أعلام البحران بحراناً بقول مطلق ونسمّي ما سوى ذلك بحراناً لا بقول مطلق لكن بزيادة شيء مع اسم البحران وإن لم يجب أن نسمّي الاضطراب الذي يكون قبل الانقضاء بحراناً وإن أحببت أن تسمّي نفس التغيير الذي يكون بعد الاضطراب فقط بحراناً فسمّ انقضاء المرض الجّيد التامّ بحراناً بقول مطلق وسمّ ما سوى ذلك بحراناً مع زيادة شيء آخر.

(١٠) فإذ قد فرغنا من هذا فلنأخذ فيما كنّا قصدنا إليه وهو أن نخبّر بأيّام البحران التي بعد العشرين وقد نجد أرخيجانس وأصحابه ذيوقلس وأتباعه يقولون إنّ اليوم الواحد والعشرين يوم بحران ونجد أرخيجانس يذكر أنّ البحران يكون في اليوم الواحد والعشرين أكثر ممّا يكون في يوم العشرين وما رأيت أنا الأمر كذلك ولا رآه بقراط أيضاً على هذا وسأبيّن ذلك فيما بعد وكذلك الحال في اليوم السابع والعشرين فإنّي أنا رأيت البحران يكون فيه أكثر ممّا يكون في اليوم الثامن والعشرين وأمّا القوم الذين ذكرتهم

قبيل فذكروا أنّ البحران يكون فيه أقلّ وأمّا اليوم الرابع والثلاثون أيضاً فصالح القوّة ويوم الأربعين أقوى منه وأمّا اليوم الرابع والعشرون واليوم الواحد والثلاثون فالبحران يكون فيهما أقلّ ممّا يكون في تلك وأقلّ من هذه أيضاً كثيراً اليوم السابع والثلاثون حتّى أنّه يكون على التخوم بين الأيّام التي يكون فيها البحران والأيّام التي لا يكون فيها بحران وهو إلى أن لا يكون فيه بحران أقرب.

فأمّا سائر الأيّام التي بين العشرين والأربعين فليس يكون فيها بحران وأنا أعدّدها لك على الولاء فاحفظها وهي الثاني والعشرون والثالث والعشرون والخامس والعشرون والسادس والعشرون والتاسع والعشرون والثلثون والثاني والثلثون والثالث والثلاثون والخامس والثلثون والسادس والثلثون والثامن والثلثون والتاسع والثلثون وجملتها اثنا عشر والاضطراب الشديد قد يكون في أيّام البحران التي إلى الرابع عشر والأيّام التي بعدها من أيّام البحران إلى العشرين قريبة منها وأمّا سائر أيّام البحران التي بعد هذه إلى اليوم الأربعين فقوّة العركة فيها تنتقص قليلً قليلً .

وأمّا أيّام البحران التي بعد الأربعين فهي كلّها ضعيفة العركة جدّاً وانقضاء المرض

يكون فيها بالنضج والخراجات أكثر ممّا يكون بالاستفراغ وقد يكون في هذه أيضاً بحران بالاستفراغ لكنّ ذلك يكون مرّة في الندرة وبلا عركة شديدة وفي أكثر الأمر يتّصل البحران أيّاماً كثيرة لا سيّما إذا كان البحران بخراج.

ورأيت بقراط يستخفّ بجميع الأيّام التي بعد الأربعين خلا يوم الستّين والثمانين والمائة والعشرين ثمّ يقول إنّ ما بعد هذا من الأمراض ما يكون بحرانه في سبعة أشهر ومنها في سبع سنين ومنها في أسبوعين من السنين ومنها في ثلثة أسابيع من السنين وقد نجد قوماً ذكروا اليوم الثاني والأربعين واليوم الخامس والأربعين واليوم الثامن والأربعين وأيّاماً أخر وسنذكرها كلّها فيما بعد.

(١١) وقد ظنّ كثير من الأطبّاء أنّه لا يمكن أحداً أن يتقدّم فيعلم اليوم الذي يأتي فيه البحران وليس ذلك بالحقيقة غير ممكن لمن عني بتعلّم ما قال بقراط في ذلك حتّى يحكمه أوّلً ثمّ لزم خدمة المرضى وعني بتفقّد حالاتهم فإن لزم المرضى من غير أن يتعلّم ما قال بقراط [الفاضل] أيضاً في هذا الفنّ لم ينتفع بشيء وكان تعبه باطلً .

وإن عنى بتعلّم ما قال بقراط الفاضل أيضاً حتّى يحكمه و〈لا〉 تكاسل عن لزوم المرضى وخدمتهم عرض له ذلك بعينه وهذا أفضل من الذي لزم المرضى من غير أن

يتعلّم علم [الفاضل] بقراط إلّا أنّه ينقص بعد عن الكمال نقصاناً كثيراً فينبغي لمن أراد أن يتقدّم فيعلم اليوم الذي يصيب المريض فيه بحران أن يتقدّم فيحكم قبل كلّ شيء ما قاله بقراط في كتاب تقدمة المعرفة ثمّ يحكم أيضاً من بعد ما قاله بقراط في كتب أخر من أمر حالات الهواء وما يعرض منها من الأمراض ثمّ يحكم بعد ذلك قوله في الأسنان والطبائع وأوقات السنة والبلدان وقد ذكر بعض ذلك في كتاب تقدمة المعرفة.

فإذا أحكم أمر هذه الأشياء كلّها ثمّ أحكم مع ذلك أيضاً بعد ذلك علم النبض لم يعسر عليه أن يتقدّم فيعلم اليوم الذي يصيب المريض فيه البحران من ذلك أنّه إن كان المرض حادّاً ولم يظهر فيه شيء من العلامات المخوفة إن رأيت في اليوم الرابع علامة بيّنة من علامات النضج فاعلم أنّ البحران يكون في اليوم السابع فقد قلت هذا بأوجز ما يكون من القول وهو من أوضح ما يوجد إلّا أنّ من لم يحسن بتعّرف علامات الهلاك وعلامات الخطر وعلامات السلامة فليس ينتفع من قولي بشيء وإن عرف هذه أيضاً كلّها ثمّ لم يعرف علامات النضج لم ينتفع أيضاً من كلامي بشيء.

ولذلك سألتك أن تتعلّم كتاب بقراط في تقدمة المعرفة وتستقصي علم ما فيه وإنّما قلت إنّك تحتاج أن تكون بعلامات السلامة والهلاك والخطر والنضج عارفاً لأنكّ إن رأيت في المريض مع علامات الخطر في اليوم الرابع علامة من علامات النضج ثمّ كانت الحمّى تنوب في الأزواج فينبغي أن يتوقّع البحران في اليوم السادس وإن تجاوز

السادس 〈فهو يتوقّع في اليوم الثامن وإن تنوب الحمّى في الأفراد〉 فهو يكون في السابع وإن رأيت في المريض علامات السلامة فالبحران يكون في اليوم السابع.

وأمّا علامات الهلاك فلا تجتمع مع علامات النضج البتّة وينبغي أن تتفقّد هذه العلامات أيضاً ليس بدون تفقّدك لعلامات الخطر وعلامات السلامة فإنّه إن كان أوّل ظهورها في اليوم الرابع فإنّ المريض يموت في اليوم السابع وقد قلنا إنّ الموت قد يسمّى بحراناً رديئاً وينبغي أن تنظر في عدد علامات الهلاك ومقدار قواها فإنّها إن كانت كثيرة قويّة في اليوم الرابع فإنّ الموت أكثر ذلك يكون في السادس وصحّة ذلك تؤخذ من الأيّام التي تنوب فيها الحمّى وذلك لأنّها إن كانت تنوب في الأزواج فإنّ المريض يموت في السادس وإن كانت تنوب في الأفراد فإنّ المريض يموت في السابع وربّما كانت الحمّى تنوب في الأفراد فيموت المريض في السادس وذلك يكون إذا كان المرض قويّ الحدّة وكانت الأعراض التي ظهرت في اليوم الرابع كثيرة عظيمة ولذلك قد ينبغي أن تعرف عظم الأعراض في قوّتها على الحقيقة والاستقصاء وسأقول في كتاب البحران

كيف يفرق بين عظم الأعراض في قواها وبين عظمها في ظاهر أمرها وليس ينبغي أن نخلط شيئاً بما ليس منه ولا ندخل كلّ شيء في كلّ موضع لكن ينبغي أن نخبّر في هذا الكتاب بكلّ ما كان من أمر أيّام البحران خاصّة فقط.

وقد تفقّدنا أصحاب الأمراض الحادّة على الاستقصاء فوجدنا اليوم الرابع ينذر أبداً باليوم السابع بذاته فينبغي أن تعلم ما معنى قولي بذاته وهو أنّه متى لم يعرض عارض عظيم ممّا يكون في الندرة إّما من خارج وإّما من نفس المرض [قال حنين يريد بما يعرض من نفس المرض أن يكون المرض على حال قبل ما يكون مثلها في حال الصعوبة وأمّا من بدن المريض فأن يكون الضعف في حال مفرطة من المرض] وإّما من بدن المريض فإنّ اليوم الرابع لا محالة ينذر باليوم السابع فإن عرض عارض من خارج لم تقدّره ممّا سنذكره بعد أو تحّرك المرض إلى البحران حركة شديدة سريعة وكانت قوّة

المريض ضعيفة أو كان الأمر على خلاف ذلك فقد يمكن أن يموت المريض قبل اليوم السابع أو بعد السابع.

وقد ينبغي لك أن تتعرّف ذلك وتميّزه على هذا المثال إن عرض للمريض عارض رديء من خارج وكان المرض شديد الحدّة وكان المريض ضعيفاً فاعلم أنّ المريض الذي قد رأيت فيه علامة رديئة في اليوم الرابع لا يبقى إلى السابع لكنّه يموت في اليوم السادس ولا سيّما إن كانت حمّاه تنوب في الأزواج.

فإن لم يعرض له عارض من خارج البتّة ولم تكن حركة المرض حركة شديدة السرعة وكان المريض قويّاً فانظر فإن وجدت العلامة الرديئة التي ظهرت في اليوم الرابع كانت بيّنة فاعلم أنّ المريض يموت في اليوم السابع فإن كانت العلامات الرديئة التي ظهرت في الرابع خفيّة فالمريض يجوز اليوم السابع فإن كانت حمّاه تنوب في الأزواج فهو يموت في الثامن وإن كانت حّماه تنوب في الأفراد فهو يموت في التاسع وسأبّين في كتاب البحران أيّ العلامات هي التي نسمّيها خفيّة وأيّ العلامات هي التي نسمّيها بيّنة وسأذكر ذلك أيضاً في هذا الكتاب فيما بعد.

وقبل ذلك فإنّني راجع إلى ما بقي عليّ من تحديده من ذلك أنّه إن ظهرت في اليوم الرابع علامة صالحة ولم تخف على المريض بأساً فلا يمكن أن يكون بحرانه إلّا في اليوم السابع إلّا أن يعرض عارض من خارج وأنا ذاكر هذه العوارض فأقول إنّ منها ما يكون من نفس المريض ومنها ما يكون من أطبّائنا هؤلاء الذين قد جلّ عجبهم الذين

يظّنون أنّ أحدهم إذا دخل على المريض ثمّ لم يتشمّر ويشدّ وسطه ويضمّده أو يكمّده أو يكويه أو يفصده أو يحجمه أو يدلكه أو يفعل به شيئاً آخر سوى ذلك ممّا هو شبيه به فلم يصنع شيئاً وبعدد المرار التي يدخلون إلى المريض يكون خطاءهم عليه فإذا كان البحران قد تهيّأ أن يكون في اليوم السابع ثمّ أخطئ على المريض مثل هذا الخطأ قبل السابع لم يمكن أن يكون البحران في السابع.

وحركة الطبيعة تكون بأدوار محدودة بذاتها إلّا أنّه ربّما عاقها عائق من أن تلزم أدوارها من الآفات التي تدخل عليها من خارج وعلى هذا الوجه قال بقراط إنّ الطبيعة كافية في جميع ما يحتاج إلى تدبيره وقد تعان من خارج بالضماد والمروخ والكماد للكلّ والجزء وعلى هذا الطريق يسمّى المتطبّب خادم الطبيعة وإنّما يعني

بذلك الذي هو بالحقيقة متطبّب لا الصيدلانيّ الذي يجلس على الطريق فإنّ هذا بعيد من أن يسمّى بالواجب خادماً للطبيعة والذي يليق به ضدّ هذا الاسم أعني أنّه يجب أن يسمّى عدوّ الطبيعة وعدوّ المرضى.

ولهذا متى اضطرّنا مضطرّ أن نقضي على المريض إلى ماذا يؤول مرضه اشترطنا فيما يتقدّم به من القضيّة عليه وقلنا إنّ هذا المريض يكون بحرانه في يوم كذا وكذا إن تولّينا نحن تدبيره ولم يتولّ طبيب آخر شيئاً من تدبيره ثمّ لم يخطئ المريض على نفسه وانتهى إلى كلّ ما نأمره به ولم يعرض له من خارج كبير عارض.

وقد كنت وعدت بتلخيص هذه الأشياء التي تعرض من خارج وهذا وقت ذكرها فأقول إنّه إن عرض حريق في منزل المريض أو وقع عليه اللصوص أو فاض عليه نهر دفعة فاضطرّ المريض إلى الهرب فليست بي حاجة إلى ذكر ما يصيبه من الضرر عند ذلك وكذلك إن أحسّ بسقوط سقف أو حائط هو تحته فتداخله الرعب ورام الهرب أو جاء مطر فوكف عليه البيت أو وقع الماء على رأسه أو على شيء من سائر بدنه حتّى يضطرّه إلى النقلة ويسهر ويتداخله الرعب أو الغيظ فإنّ هذه الأشياء أيضاً قد تعلم أنّها ممّا تضرّ المريض مضرّة عظيمة وعلى هذا الطريق أيضاً إن اصطخب الجيران وارتفعت أصواتهم أو بلغ المريض خبر يغمّه أو عرض له شيء من أشباه هذه

فاضطرّ المريض إلى السهر فإنّه يبطل صحّة ما تقدّم المتطبّب فقضى به على المريض.

وأمّا السهر الذي يسهره المريض من أجل نفس مرضه فيما بين وقت قضيّة المتطبّب عليه وبين البحران فليس يفسخ ولا يفسد شيئاً ممّا تقدّم المتطبّب فقضى به عليه فأمّا السهر الذي يعرض من عارض من خارج لم يقدّره المتطبّب فليس على المتطبّب أن يعرفه فإذا كان ذلك كذلك فليس يمكنه أن يتفكّر فيما يعرض منه من الضرر ويزيد ذلك فيما يتقدّم فيقضي به عليه ممّا يدلّه عليه نفس المرض ولذلك أمر أبقراط في أوّل كتاب الفصول حين قال إنّه قد ينبغي لك ألّا تقتصر على أن تفعل أنت ما يجب دون أن يفعل المريض ما يجب ومن يحضره ولا يعوق عائق من خارج ومعناه في هذا القول أنّك إن أردت أن تمتحن وتسبر صحّة شيء ممّا أقول فينبغي أن تنظر في هذه الأربعة الأوجه.

فالوجه الأوّل أن تفعل أنت كلّما يجب عليك والوجه الثاني أن يكون المريض مطيعاً لك في كلّ ما تأمره به ولا يشره فيخطئ على نفسه والوجه الثالث ألّا يخطئ عليه أحد ممّن يحضره فيغيظه بخطأ يجيء منه أو يغمّه بخبر يلقيه إليه أو يضرّه بتقصير

يكون منه فيما يعدّه له لكنّه ينبغي أن يهيّأ له كلّ ما يحتاج إليه قبل وقت حاجته إليه ويجوّد له طبخه وما يعدّ له ويخدم بلا تقصير ولا تفريط والوجه الرابع من الوجوه التي أمره بالنظر فيها أّلا يعرض من خارج عارض قويّ وحصر هذا الجنس كلّه في اسم واحد وسمّاه ما يعرض من خارج وأنواعه كثيرة وهي المطر والرعد والبرق وضوضاء الجيران ونبح الكلاب ووقوع اللصوص وسقوط البيت والوكف والغرق والحريق والصدمة تصيبه وكلّ ما أشبه ذلك.

فهذه الأربعة الأجناس التي في كلّ واحد منها أنواع كثيرة تعوق الطبيعة عن حركاتها وتفسد نظام أدوارها وإلّا فمتى تبيّنت في اليوم الرابع علامة تدلّ على البحران ثمّ لم يخطئ الطبيب ولا المريض ولا خدمه ولا عرض عارض من خارج فالبحران لا محالة يأتي في اليوم السابع.

وقد تبيّن أنّه لا ينبغي أن يكون المتقدّم بالقضيّة على المريض بشيء يصحّ غير الذي تدبّره بالتدبير المستقيم لكن يجب أن يكون صاحب الأمرين جميعاً واحداً لأنّه إن لم يكن الأمر كذلك أفسد كلّ واحد من الأمرين الآخر وذلك أنّه متى كان في تدبير المريض خطأ منع من أن يكون البحران في وقته كما قد بيّنّا ومعناي في قولي تدبير

في هذا الموضع علاج المريض كلّه وليس يمكن أحداً أن يدبّر المريض تدبيراً مستقيماً إن لم يتقدّم فيعلم متى يكون منتهى المرض وبحرانه وسأبيّن ذلك في كتاب حيلة البرء.

فإذ كان هذان الأمران لا بدّ لكلّ واحد منهما من الآخر أبداً فواجب ألّا يكون الطبيب الذي يعالج بالصواب غير المتقدّم بالقضيّة عليه بالصواب لكنّ الطبيب الفاضل هو المتقدّم بالقضيّة عليه والمبرئ له وسنتكلّم في هذا كلاماً أوسع من هذا في غير هذا الكتاب وأمّا الآن فإنّي راجع إلى ما قصدت إليه منذ أوّل كلامي.

فأقول إنّه متى ظهرت في اليوم الرابع علامة صالحة بيّنة فإنّها تدلّ على أنّ البحران يكون في السابع إن لم يعرض قبل ذلك عارض من خطأ أو غيره فإن عرض عارض فينبغي أن تنظر في مقدار ذلك العارض فإن كان يسيراً ومعرفة ذلك تؤخذ من كتاب حيلة البرء فإنّ البحران على حال يكون في السابع إلّا أنّه يكون فيه نقصان من خلال البحران المحمودة.

وقد قلنا قبل إنّه يوجد في البحران الجيّد أن يكون تامّاً وأن يكون صحيحاً وأن يكون سليماً وكلّ ما أشبه ذلك فإن كان ذلك العارض عظيماً فإنّ البحران لا يكون في السابع فتدبّر مقدار ما عرض من الضرر من ذلك العارض وتعرفه بالحقيقة ليس يمكن أن يفسّر ذلك فضلً عن أن يعسر تفسيره إلّا أنّه قد يمكن أن يفاد المتعلّم من البصر ما

يعرف به أشباه هذه الأشياء على حقائقها وليس هذا وقت ذلك ولا موضعه لكنّه من علم البحران ومعرفته في كتاب البحران.

فلنرجع إلى ما يتلو ما كنّا فيه ولنذكر المثال الذي كنّا وضعنا فقد كنّا وضعنا أنّه إن ظهرت في اليوم الرابع علامة قويّة بيّنة تدلّ على البحران والمرض حادّ سليم وقلنا إنّه إن لم يعرض عارض بتّة من خطأ أو غيره فينبغي أن تعلم أنّ البحران يكون جّيداً في جميع خصاله ويكون في اليوم السابع فإن عرض عارض يسير فإنّ البحران على حال يكون في السابع إلّا أنّه لا يكون تامّاً وإن عرض عارض عظيم حتّى يجوز البحران اليوم السابع وينقله إلى يوم بعده فينبغي أن تنظر في مقدار ما دخل على المريض من الضرر من ذلك العارض كما قلت لأنّ من عرف هذا على حقيقته علم علماً يقيناً أنّ إلى التاسع ينتقل البحران أو إلى الحادي عشر والأمراض السليمة التي لا يشوبها شيء من الخطر إذا عرض فيها عارض فإنّما تطول فقط فأمّا الأمراض التي عاقبتها إلى السلامة والخلاص إلّا أنّ فيها شيئاً من الأعراض المخوفة والخطر متى عرض فيها عارض فإنّها تؤول إلى الهلاك.

والأمراض أيضاً السليمة التي لا يشوبها شيء من الأعراض المخوفة إذا عرضت فيها أعراض عظيمة كثيرة متوالية انتقل المرض عن طبيعته إلى طبيعة الأمراض المهلكة وما فيما أرى بعجب لأنّه إذ كان الصحيح إذا عرض له العارض العظيم قد يوقعه في المرض المهلك فكم بالحريّ يعرض ذلك للمريض.

فقد تبيّن ووضح أنّ أمر أيّام الإنذار وأيّام البحران الذين علّمناهما بقراط لا يمكن أن يمتحنه ويعرف موافقته للعيان إلّا من كان معه من الحذق بتدبير المرضى شبيه بما كان عند بقراط وليس يقدر أن يعرف مقدار قوّة العوارض إلّا من كان كذلك وهو وحده العارف بمقدار الضرر الذي يدخل على المريض من العوارض وينقل البحران من يومه إلى غيره من الأيّام.

وعلى حسب ما يتأخّر البحران في الأمراض السليمة بقدر ما يدخل على المريض من الضرر من الآفات التي تعرض بين يوم الإنذار ويوم البحران يتقدّم البحران في الأمراض القتّالة من ذلك أنّه إن ظهرت في اليوم الرابع من مرض قتّال علامة تدلّ على الموت فأنذرت بأنّ البحران الرديء يكون في السابع ثمّ حدثت آفة ليست باليسيرة فيما بين الرابع والسابع لم يتأخّر البحران إلى السابع لكنّه يعرض في أحد اليومين اللذين بين الرابع والسابع بحران رديء.

وقد يمكنك أن تعلم في أيّ اليومين يكون أفي الخامس أو في السادس من مقدار حدّة المرض ومن مقدار الضرر الذي دخل على المريض من الآفة الحادثة ومن أوقات نوائب الحمّى لأنّه إن كانت الحمّى تنوب في الأفراد والمرض حادّ جدّاً ثمّ حدثت في اليوم الرابع آفة ليست باليسيرة جدّاً فليس بعجب أن يموت المريض في اليوم الخامس وإن كانت الحمّى تنوب في الأزواج ولم يكن المرض حادّاً جدّاً ولم يكن الضرر الذي دخل على المريض من الآفة الحادثة عظيماً تأخّر البحران إلى اليوم السادس فجميع هذه الأشياء تفسد معرفة أيّام الإنذار وأيّام البحران على كثير من الأطبّاء لأنّ أقلّ الأطبّاء يحسن تدبير المريض تدبيراً مستقيماً وأقلّ المرضى يطيعون الطبيب وأقلّهم أيضاً يخدمهم أولياؤهم على ما ينبغي وأقّلهم أيضاً لا يعرض لهم عارض من خارج.

فقد ينبغي للطبيب أن يكون حاذقاً بعلاج المريض وبتقدمة المعرفة ويكون قادراً على تعرّف مقدار الضرر الذي يدخل على المريض والآفات الحادثة على الاستقصاء

والحقيقة كيما أن تقدّم فقضى بقضيّة أنّه يكون البحران في يوم من الأيّام ثمّ حدث حادث بين وقت قضيّته وبين البحران عرض للمريض منه ضرر أمكنه هو أيضاً أن ينقل قضيّته عن ذلك اليوم إلى اليوم الذي ينتقل إلىه البحران ألّا من كان رأيه ضعيفاً ونفسه خسيسة فلن يصبر على تعلّم هذا العلم فضلً عن أن يدبّر شيئاً ممّا ذكرنا ويتعّرفه في المرضى.

(١٢) فامّا من كان نشيطاً محبّاً للحقّ لا يكسل عن التعب في طلب الجميل ولا تهوله صعوبة المعانى ولا طول الزمان في معاناتها ولا التعب في الارتياض فيها فإنّه سيبلغ غاية ما ذكرنا حتّى يبلغ من نظره أن يقضي على الساعة التي يكون فيها البحران أو الموت بثقة واستقصاء فضلً عن اليوم الذي يكونان فيه فقد ينبغي لك إذا علمت في المثل اليوم الذي يموت فيه المريض أن تنظر في أيّ وقت من أوقات نوبة الحمّى يثقل المريض فإنّه إن كان حين تبتدئ نوبة الحمّى يبرد بدنه كلّه برداً شديداً ولا يسخن إلّا بعسر ويبقى لونه حائلً زماناً طويلً ويصغر نبضه أو يتغيّر إلى حال رديئة وتثقل حركته ويكسل أو يسبت أو يعرض له غير ذلك من أشباه هذه الأشياء فاعلم أنّ المريض في مثل ذلك الوقت من نوبة الحمّى يموت فإن كان ابتداء نوبة الحمّى ليس بالرديء ورأيت

المريض في منتهاها يختلط عقله أو يعرض له سبات أو غمّ أو لا يطيق احتمال حمّاه أو يلتهب التهاباً مفرطاً أو تظلم عيناه ويصدع ويعرض له وجع في فؤاده وأشباه هذه من الأعراض فاعلم أنّ في مثل ذلك الوقت من نوبة الحمّى يموت المريض.

فإن كان ابتداء نوبة الحمّى ومنتهاها حفيفين إلّا في وقت انحطاطها تذبل نفسه ويصيبه عرق غير مستوٍ بارد أو في الرأس وحده أو في الرقبة أو في الصدر ويصير نبضه صغيراً ضعيفاً أو يعرض له أشباه هذه من الأعراض فاعلم أنّ المريض إنّما يموت في مثل ذلك الوقت من نوبة الحمّى وبالجملة فاعلم أنّ المريض إنّما يموت في أشرّ وقت من أوقات نوبة الحمّى فإذا عرفت هذا ووقعت عليه وقعاً صحيحاً لم يعسر عليك أن تقضي في أيّ وقت يموت المريض.

مثال ذلك أنّك إن رأيت نوبة الحمّى في اليوم الثاني والرابع أصعب منها في اليوم الأوّل والثالث والخامس فاستدللت بذلك على أنّ المريض يموت في اليوم السادس ورأيت ابتداء نوبة الحمّى أصعب من سائر أوقاتها وكان ذلك في الساعة السادسة لميعسر عليك أن تقضي أنّ المريض يموت في الساعة السادسة ولست أقول ما لعّل ظانّاً يظنّه بي أنّه لا يمكن أن يغلط في وقت من الأوقات من سلك هذا المسلك لكّني

إنّما أقول إنّ من سلكه أصاب في أكثر قضاياه وقد بيّنت ذلك لا بكلام مقنع لكن بنفس الفعال.

وقد يجهل المتطبّب الفاضل الحسّاد له على خطّة صعبة وذلك أنّهم يطلبون منّا أن نقضي على عاقبة المرض دائماً وإن لم نجد علامة صحيحة نثق بها ويطلقون للذين ينظرون في الذبائح ويزجرون الطير إذا لم تصحّ لهم الدلالة في الذبيحة الأولى أو في الزجر الأوّل بأن تعاود الذبيحة والزجر ولا يرضون منّا إذا اعتذرنا إليهم بأنّ الدلالة لم تصحّ لنا ويلوموننا ويقرفونا بأنّا نروم علماً لا تبلغه طاقة البشر ويستقصون علينا بالفعل في قضايانا أكثر ممّا يستقصي على الأنبياء.

وما ينبغي لك أن تلتفت إلى هؤلاء لكن تقصد قصد الحقّ وتروض نفسك في تعرّف قوى العلامات بالاستقصاء والحقيقة فمتى أمكنك أن تقف على شيء وقوفاً صحيحاً فاقض عليه بما يتبيّن لك فإن كانت العلامة التي ظهرت لك ليست بواضحة فانتظر يوماً ثمّ تفقّد أمر المريض في يوم بعده فإن لم يمكنك في ذلك اليوم أيضاً أن

تقضي بشيء قد صحّ عندك ووقفت على حقيقته فالسكوت أجمل بك من أن تتقدّم على قضيّة تغلط فيها.

فقد استعملت أنا هذا التحّرز منذ تعاطيت هذا العلم إلى هذه الغاية فما أعلم أنّي من دهري أخطأت في قضيّة وأنا أتعاطى القضايا على المرضى منذ دهر طويل وكثيراً ما أقضي منذ أوّل الحمّى على أمرها كلّه.

فأقول إنّ هذه الحمّى التي قد ابتدأت حمّى غبّ أو ربع أو نائبة في كلّ يوم أو أنّها ليست بواحدة من هذه الحمّيات لكنّها حمّى دائمة حادّة لا تجوز اليوم الرابع ولكن ليس يمكن في ابتداء كلّ حمّى أن تعرّف عاقبتها إلّا أن يدلّ ابتداؤها دلالة صحيحة أيّ نوع هي من أنواع الحمّيات وتعرّف أيضاً هذا من علم البحران.

(١٣) فينبغي أن نعود إلى ما قصدنا إليه ونقول إنّك متى رأيت مريضاً في اليوم الأوّل حمّاه حادّة وليس فيها شيء من علامات الخطر ورأيت في بوله علامة نضج فليس يجوز مرضه اليوم الرابع حتّى ينقضي وأيضاً إن رأيت جميع ما يظهر فيه من العلامات تدلّ منذ أوّل يوم على التلف فليس يجوز اليوم الرابع حتّى يموت فإن كانت حّماه حادّة ولم يظهر فيه شيء من علامات الموت ولا شيء من علامات النضج فليس يمكن أن يسكن مرضه في اليوم الرابع ولا قبله.

وينبغي أن تتفقّد وتنظر حينئذٍ هل كما لم يظهر شيء من علامات النضج كذلك لم يظهر شيء من علامات طول المرض أو مع أنّه لم تظهر علامات النضج ظهرت علامات طول المرض وكذلك أنّه إن كان كما لم تظهر علامات النضج كذلك لم تظهر علامات طول المرض فإنّ مرضه يبلغ منتهاه نحو الأسبوع فإن ظهرت علامة تدلّ على طول المرض فالمرض لا محالة يتجاوز اليوم السابع.

وليس تقدر منذ أوّل المرض أن تعلم كم يوماً يتطاول المرض ولكنّك إنّما تميّز ذلك فيما بعد من الأيّام إلّا أنّك على حال تربح من تقدمة معرفتك بما ذكرت من حسن تدبير المريض أن تعلم أنّه ينبغي لك أن تغذوه على أنّ منتهى مرضه متأخّر فقد قال بقراطإنّ المرض إذا كان حادّاً جدّاً فإنّ الغاية القصوى من الأوجاع يكون وقتها فيه قريباً وينبغي لك أن تستعمل فيه التدبير الذي هو في الغاية من اللطافة ومتى لم يكن كذلك لكن قد يمكن أن تستعمل فيه التدبير الذي هو أغلظ فينبغي أن تنحطّ عن غاية اللطافة على حسب لين المرض عن الغاية القصوى من الأوجاع وهو بيّن أنّ معناه في قوله الغاية القصوى من الأوجاع منتهى المرض ويدلّك على ذلك قوله إنّ المرض إذا كان حادّاً جدّاً فإنّ الأوجاع التي في الغاية القصوى تكون فيه قريباً يعني بالأوجاع

نوائب الحمّى والأعراض التي تعرض فيها وليس ذلك شيء سوى بلوغ المرض منتهاه.

وهذا المرض الذي يدلّك منذ أوّله أنّه يجوز الأسبوع الأوّل قد يدلّك في اليوم الثاني والثالث منه دلالة أصحّ من الأولى إلى كم يوم ينقضي ثمّ إنّك في اليوم الرابع تقدر أن تحدس حدساً قريباً من اليقين على منتهى المرض وبحرانه متى يكونان وذلك أنّك إن رأيت العلامات التي تدلّ على أنّ المريض لم ينضج مرضه والعلامات التي تدلّ على أنّ المرض يطول ولم ينتقص شيئاً فاعلم أنّ المرض سيجاوز اليوم الحادي عشر أيضاً.

فإن رأيت تلك العلامات قد تنقّصت نقصاناً بيّناً ولم تتبيّن في الأربعة الأيّام الأول من المرض علامة نضج فتوقّع البحران بعد السابع إلى الحادي عشر وإن رأيت المرض في اليوم السابع لم ينضج بعد لكنّه ليس فيه علامة قويّة تدلّ على طول المرض خاصّة فتوقّع البحران اليوم الرابع عشر والوقوف على حقيقة ذلك يكون في اليوم الحادي عشر وذلك أنّه كما ينذر الرابع بالسابع كذلك ينذر الحادي عشر بالرابع عشر.

فإن رأيت في اليوم الحادي عشر علامة بيّنة صحيحة من علامات النضج فاعلم أنّ البحران يكون في اليوم الرابع عشر فإن رأيت فيه علامة خفيّة تدلّ على النضج فانظر وتفقّد سائر الأشياء فإن وجدت حركة المرض حركة سريعة ولم يعق عائق فخليق أن يكون البحران في اليوم الرابع عشر فإن لم يكن الأمر كذلك فهو كائن في اليوم السابع عشر فإن لم ينذر اليوم الحادي عشر بشيء بتّة فليس يمكن أن يكون البحران في اليوم الرابع عشر.

وانظر أيضاً عند ذلك في حركة المرض كلّه وفي سائر الأعراض والعلامات لتعلم متى ينبغي أن يتوقّع البحران أفي اليوم السابع عشر أو في الثامن عشر أو بعد ذلك فإنّه ربّما أتى البحران في هذه الأيّام وأكثر ذلك يأتي في اليوم العشرين وربّما أتى في اليوم الحادي والعشرين وينذر بهما جميعاً اليوم السابع عشر ولا سيّما بيوم العشرين ويوم الثامن عشر ينذر بيوم الحادي والعشرين ومتى رأيت المرض منذ أوّل يوم قد ابتدأ بحركة ليست بسريعة لكنّ الحمّى ضعيفة كأنّها مدفونة في قعر البدن وسائر العلامات التي تدلّ على طول المرض فليس يمكنك في أوّل هذا المرض أن تعلم متى يكون منتهاه لكنّك تعلم أنّه لا يأتي البحران في اليوم الرابع عشر ولا قبله وليس يمكنك بعد أن تعلم

كم يتطاول المرض لكنّه ينبغي لك أن تنظر أوّلً هل المرض سليم أو غير سليم فإنّه إن كان المرض غير سليم وكانت قوّة المريض ضعيفة فإنّ المريض يموت قبل أن يطول مرضه فإن كان المرض سليماً فبحرانه لا محالة بعيد.

وذلك أنّه لا يمكن أن يأتي البحران بسرعة إذا تبيّنت علامات طول المرض ولا تطمع نفسك في أن تعلم بالحقيقة في اليوم الرابع فضلً عن الأوّل والثاني والثالث كم يكون مقدار طول المرض لكنّك إنّما تقدر أن تعلم ذلك في أدوار أيّام البحران التي من بعد الرابع وحدسك في الأيّام التي من الرابع إلى السابع يكون ضعيفاً محتملً لوجوه شتّى ثمّ في الأيّام التي من السابع إلى الحادي عشر يكون حدسك أصحّ وأقرب من أن لا يحتمل وجوهاً كثيرة وذلك أنكّ إن رأيت العلامات التي تدلّ على أنّ المرض لم ينضج والتي تدلّ على أنّ المرض يطول تقوى إلى اليوم السابع فليس يمكن أن يكون البحران قبل اليوم العشرين فإن رأيتها تضعف وتنقص أو تبقى على حال واحدة فقد يمكن أن يأتي البحران قبل العشرين فإن علمت علماً بيّناً أنّ البحران لا يمكن أن يأتي قبل يوم العشرين وإنّما تعلم ذلك كما قلت إذا كانت العلامات التي تدلّ على طول المرض قويّة فانظر في الأيّام التي من بعد الحادي عشر إلى العشرين فإن رأيت في هذه الأيّام أيضاً العلامات التي تدلّ على طول المرض وأنّه لم ينضج ولم يتزيّد فاعلم أنّ البحران يتجاوز يوم العشرين فإن بقيت تلك العلامات على حال واحدة فقد يمكنك

أن تقضي عند ذلك أيضاً أنّ البحران يكون بعد اليوم العشرين وليس يمكنك أن تعلم بعد في أيّ يوم يكون.

لكّنك إنّما تستدلّ على ذلك إذا نظرت فيما يحدث في الأيّام التي بعد الحادي عشر إلى العشرين وذلك أنّك إن رأيت العلامات التي تدلّ على أنّ المرض لم ينضج تنتقص دائماً فتوقّع البحران في اليوم الرابع والعشرين فإن لم تر في تلك العلامات تنقّصاً بيّناً فاعلم أنّ البحران يتأخّر إلى الأسبوع الرابع فأمّا الأمراض التي تبقى إلى اليوم الرابع عشر غير نضيجة وتتحرّك حركة أبطأ فإنّه لا يأتي بحرانها قبل يوم الأربعين وقد قلنا قبل إنّ البحران من بعد الأربعين تضعف قوّته ويكون انقضاء الأمراض بالنضج قليلً قليلً أكثر ممّا يكون بتغيّر دفعة وكذلك قال كلّ من عنى بعلاج الطّب وهذا رأي أرحيجانس وقد يكون فيها في الندرة بتغيّر بغتة كما قد نجد في المرضى الذين ذكرهم بقراط والطريق في تقدمة معرفتها هي هذه التي وصفنا.

وبالجملة فينبغي أن تعرف قوى العلامات كما أمر بقراط إذا أردت أن تتقدّم فتعلم عاقبة المرض علماً صحيحاً بيّناً وكثير من الأطبّاء ممّن يقدم على هذا العلم إنّما ينظر في عدد العلامات لا في قواها وسنذكر هذا في كتاب البحران. وقد ينبغي لي الآن أن آخذ في ذكر الاختلاف الذي اختلف فيه الأطبّاء في أمر أيّام البحران وأحكم فيه من بين الصادق وبين الكاذب بالتجربة والقياس فقد بيّنّا في مواضع أخر أنّ جميع ما يطلب في الطبّ ويبحث عنه بهذين الوجهين يمتحن ويسبر.

كتاب جالينوس في أيّام البحران

المقالة الثانية

(١) قد قلت في المقالة التي قبل هذه كلّ ما ينتفع به في علاج الطبّ من أمر أيّام البحران وقد بيّنت أيضاً السبب الذي من أجله لم يتّفق الأطبّاء على جميع أيّام البحران ولم أقل بعد من المخطئ منهم ومن المصيب فيما اختلفوا فيه فينبغي في هذه المقالة أن أذكر أوّلً هذا ثمّ آتي بالعلّة التي من أجلها لا يكون البحران في كلّ عدد من الأيّام ولا الأيّام التي يكون فيها البحران متساوية في القوّة.

ولمّا كان جميع ما في الطبّ إنّما يوجد ويمتحن بعضه بالتجربة وبعضه بالقياس وبعضه بهما جميعاً فإنّي أروم أن أكشف خطأ من أخطأ وأبيّن صواب من أصاب في أمر أيّام البحران بالتجربة والقياس معاً وإن ذكرت لك المرضى الذين تفقّدتهم لأصحّح عندك أنّ التجربة تشهد على صحّة الأيّام التي ذكرتها فلعلّك تظنّ بي أنّي أتخرّص الكذب وأحكي ما لم أر فلهذا رأيت أنّ الأجود أن أذكر المرضى الذين ذكرهم بقراط إذ كان الناس متّفقين على أنّ بقراط أصدق الناس كلّهم بهجة ومن أقواهم على الامتحان.

وأنا مذكر أوّلً بالشرائط الذي يحدّدها بها الأمر الملتبس في التجربة الذي قد ذكرته قبل (٢) وإحدى ما ذكرنا من الشرائط أنّه لا ينبغي أن تمتحن أيّام البحران في جميع

المرضى لكن تختار من المرضى لامتحانها فيه من لم يخطئ المتطبّب عليه ولا المريض على نفسه ولا خدمه ولا عرض له عارض من خارج أضرّ به.

والشريطة الثانية أن تأخذ أوّل المرض لا من قياس لكن من نفس الحسّ وهو أوّل وقت يحسّ فيه المريض بالمرض ويتبيّن له ذلك بياناً واضحاً حتّى تدعوه نفسه إلى مشاورة الطبيب والشريطة الثالثة أن تقدّر أن تعلم إذا اتّصل البحران أيّاماً كثيرة متوالية أيّ تلك الأيّام أولى به فإنّك إن لم تلخّص ذلك وتقف على حقيقته ثمّ رمت امتحان أيّام البحران بالتجربة كثر خطاؤك فهكذا ينبغي أن تمتحن أيّام البحران بالتجربة.

وأمّا محنتها بالقياس فإنّي أصف لك الآن كيف يكون فأقول إنّه ينبغي أن يكون الممتحن لها ممّن قد نظر في علم الطبيعة ويكون عالماً مستيقناً بأنّ الطبيعة كافية في كلّ أوقاتها تعني بتدبير الحيوان عناية ليس وراءها غاية وأنّه ليس شيء من الأشياء تكون حركته على نظام وترتيب إلّا والطبيعة مثله أو أكثر منه في ذلك.

وبعض هذه الأشياء قد يمكنك أن تعرفه من كتاب منافع الأعضاء فقد بيّنّا في ذلك الكتاب أنّ للطبيعة في خلقة البدن حكمة ليس وراءها غاية وبعضها من نشئ الحيوان وكماله وتولّده فقد يرى في كلّ جنس من أجناس الحيوان حدّ خاصّ للحمل لا

يجاوزه شيء ممّا في ذلك الجنس لأنّ حركات الطبيعة لازمة لطريق واحد ونظام واحد وكذلك يكون نشوء كلّ واحد من الحيوان من بعد الحمل به وكذلك كماله وانحطاطه يكونان في أوقات محدودة.

ومن قرأ أيضاً كتابنا في القوى الطبيعيّة وفي غيره من الكتب التي بيّنّا فيها أمر كلّ واحد من الأفعال الطبيعيّة فلا شكّ أنّه قد علم مبلغ العناية وحسن النظام التي تكون عليه حركات الطبيعة ومن عرف هذه الأشياء وأعجبته حكمة الطبيعة وحسن نظام حركاتها ثمّ تذكّر نقصان الطبيعة التي تدبّر أبدان الحيوان في العناية وحسن نظام الحركات عن الأجرام السماويّة فأظنّه سينسب هذا الجوهر الذي عندنا إلى أنّه ليس له نظام ويقول إنّ كلّ ما هو حسن جميل ممّا قبلنا وكلّ ما هو لازم لنظام واحد وطريق

واحد ويتبيّن فيه أثر الحكمة فإنّما يكون ذلك من العلوّ فأمّا هذا الجوهر الذي عندنا فيأتي من قبله اختلاف النظام والاختلاط.

وأوّل من رأى هذا الرأي ممّن يعرف من اليونانيّين بقراط ثمّ من بعده جميع أفاضل الفلاسفة ولولا أنّي أكره التطويل لذكرت البراهين التي أتوا بها على صحّة هذه الأقاويل.

وقد يكتفي في هذا الكلام بما قلنا وقد ينبغي للطبيب الذي يحبّ أن يستحقّ أن ينسب إلى علم بقراط وحذقه قبل أن يروم امتحان أيّام البحران بالتجربة أن يكون بها عالماً أعني أنّ أمر الطبيعة لازم لنظام واحد وطريق واحد وأنّها إذا قويت وغلبت على العنصر كانت حركاتها على نسب محدودة ذي أدوار لازمة لنظام واحد فأمّا ما يعرض على غير ما ينبغي فيفسد نظام حركاتها فإنّما يكون ذلك إذا لم تقو على العنصر حتّى تغلب عليه لكن يعوقها ويمنعها من أن تتحرّك على طريق حركتها.

فإنّ من عرف هذه الأشياء ثمّ علم بالتجربة أنّ البحران الذي يكون في اليوم السابع بحران صحيح تامّ سليم بغير من الخطر منذر به وأنّه كثيراً ما يكون البحران في هذا اليوم وأنّ اليوم الرابع عشر شبيه باليوم السابع ثمّ علم أنّ اليوم الرابع ينذر بالسابع وأنّ الحادي عشر ينذر بالرابع عشر خطر بباله على المكان أن يبحث عن اليوم السابع وذلك أنّه إذا وجد الأسبوع الأوّل إذا قسم بقسمين متساويين وقعت قسمته في اليوم

الرابع واليوم الرابع يدلّ على ما يؤول إليه آخر الأسبوع ووجد الأسبوع الثاني على هذا المثال أيضاً فهم من هذا أنّ كلّ واحد من الأسابيع دور تامّ ولأنّ الوسط بعده من الطرفين سواء ولذلك مشاركته لهما على مثال واحد فإنّ الأمراض التي لم تنقض في اليوم الأوّل تنقضي في اليوم الرابع والأمراض التي لم تنقض في اليوم السابع تنقضي في الحادي عشر فإن كان المرض أعظم من أن ينقضي في اليوم الرابع فإنّ تهيئته للانقضاء يكون في الرابع ثمّ يتمّ انقضاؤه في السابع وعلى هذا المثال فإنّ الأمراض التي لم تنقض في السابع فإنّ الطبيعة تروم في الحادي عشر أن ترفعها فإمّاجعلت بحرانها فيه وإمّا هيئتها فيه لتنقضي في اليوم الرابع عشر وقد يمكنك أن تقف عند علمك بهذا ولا تتجاوزه وتدع البحث عن هذا.

كيف يكون للفلاسفة هل الأعداد أنفسها تفعل شيئاً أم إنّما تتبع حركات لازمة لنظام وهي في أنفسها لا تفعل شيئاً لكنّها تتبع جواهر تفعل في أوقات ما وإذا أنت قد تدبّرت ما قد اتّفق عليه الفريقان ووافقتهم عليه وهو أنّ الطباع السماوية ترى لازمة في حركاتها لمقادير مستولية وترى أيضاً طبائع ما على الأرض من الحيوان في حال استتمامها على الصحّة لازمة لمقادير متساوية من العدد في الحمل والنشوء والكمال وبلوغ الغاية والانحطاط والموت على حسب ما يلائم كلّ واحد من الحيوان صحّ عندك أنّ أيّام البحران أيضاً لازمة لعدد محدود وأنّه يفسد نظام ذلك العدد وتخرجه هنّ عن طريقه الأسباب التي هي خارجة من الطبيعة.

فإن أنت كما قلت قبل صرت إلى التجربة وجدت الأسابيع من أقوى الأعداد في البحران ووجدت بعدها أيضاً أنصاف الأسابيع وهي الأرابيع ونصف الأسبوع هو أربعة أيّام ودعتك إلى البحث عن الأيّام التي تقع بين أيّام البحران كالثالث والخامس والسادس والتاسع لأيّة علّة صار البحران يكون فيها ودعتك أيضاً إلى أن تفتّش وتبحث بحثاً أكثر من هذا عن اليوم السابع عشر والثامن عشر والعشرين والواحد والعشرين وجميع الأيّام التي هي نظيرة لهذه ممّا بعدها فإنّه إن كان آخر يوم من الأسبوع الثالث يوم العشرين كما رأى بقراط فينبغي أن يكون اليوم السابع عشر ينذر بيوم العشرين ويخرج اليوم الثامن عشر واليوم الواحد والعشرون من عدد أيّام البحران الأوّل فإن كانت الأسابيع كلّها ينبغي أن تحسب تامّة فإنّ اليوم الثامن عشر يصير منذراً باليوم الواحد والعشرين ويخرج اليوم السابع عشر واليوم العشرون من عدد أيّام البحران.

(٣) فقد ينبغي أوّلً أن نخبّر كيف يوجد هذا بالتجربة ثمّ نصير إلى القياس ولتكن تذكرتها بما يوجد بالتجربة ممّا ذكره الفاضل بقراط ولنبتدئ ممّا ذكره في المقالة الأولى من كتاب أبيذيميا.

فقد قال فيما عرض من الأمراض في تغيّر الهواء الثاني كلاماً أنا واصفه بلفظه وهو أن قال إنّ الحمّيات المحرقة كانت أقّل ما عرض في ذلك الوقت وكانت مؤونتها على من عرضت له أقلّ من سائر الأمراض وذلك أنّه لم يسل من الدم ممّن أصابته هذه الحمّى إلّا يسيراً ولقليل ممّن عرضت له ولم تختلط عقولهم وكانوا في سائر حالاتهم سهلً أمرهم وأتى أكثرهم البحران في وقت محدودة

في اليوم السابع عشر مع أيّام الترك.

ثمّ إنّ بقراط في آخر ذكره للمرضى الذين مرضوا في تغيّر الهواء الثالث ذكر مرضى أصابهم البحران في اليوم السابع عشر بعناية أشدّ من تلك فقال فأمّا أمور البحران التي يستدلّ منها إن كانت الأشياء متشابهة أم غير متشابهة فمثل ما أصف لك وهو أنّ أخوين ابتدأ مرضهما في وقت واحد وكانا ملقيّين بقرب الملعب وهما أخوا أبيجانس وأتى أكبرهما البحران في اليوم السادس وأصغرهما في اليوم السابع وعادت الحمّى عليهما في وقت واحد بعد أن كانت تركتهما خمسة أيّام ثمّ بعد معاودتها أتاهما البحران لتتمّه سبعة عشر يوماً إذا اجتمعت الأيّام كلّها منذ ابتداء تلك العلّة ولعلّك تقول إنّ هذا لا يستحقّ بعد أن يقبل ولا يجب أن يقطع أنّ اليوم السابع عشر يوم بحران من قبل أنّ مريضين أصابهما فيه بحران.

فتدبّر ما قال بقراط بعد هذا وهو هذا الكلام وأكثر هؤلاء المرضى أتاهم البحران في اليوم السادس وتركتهم الحمّى ستّة أيّام ثمّ أتاهم البحران في اليوم الخامس من عودة الحمّى فقد وجب من هذا القول أن نقبل ما ذكره إذ كان قد وصف في ذكر من مرض في تغيّر الهواء الثاني أنّ البحران أصاب أكثرهم في اليوم السابع عشر.

وذكر في صفته من مرض في تغيّر الهواء الثالث مع الأخوين مرضى كثرا ذكر أنّه أصابهم البحران أوّلً في السادس ثمّ تركتهم الحمّى ستّة أيّام ثمّ أتاهم البحران في اليوم الخامس أعني اليوم السابع عشر منذ أوّل المرض وقال أيضاً بعد الذين أتاهم

البحران في اليوم السابع تركتهم الحمّى سبعة أيّام ثمّ عاودتهم ثمّ أصابهم البحران في اليوم الثالث من المعاودة أعني لتتمّه سبعة عشر يوماً إذا حسبت الأيّام جملة [ثمّ قال أيضاً بعد الذين أصابهم البحران في اليوم الثالث من المعاودة أعني لتتمّه سبعة عشر يوماً إذا حسبت الأيّام جملة] ثمّ قال أيضاً بعد الذين أصابهم البحران في الخامس تركتهم الحمّى سبعة أيّام ثمّ عاودتهم ولبثت عليهم ثلثة أيّام ثمّ تركتهم يوماً وعاودتهم يوماً ثمّ أصابهم البحران وبيّن أنّ هؤلاء أيضاً أتاهم البحران لتتمّه سبعة عشر يوماً إذا حسبت الأيّام كلّها جملة.

وقال أيضاً في آخرين إنّ البحران أصابهم في السادس ثمّ تركتهم الحمّى ستّة أيّام ثمّ عاودتهم ولبثت ثلثة أيّام ثمّ تركت يوماً وعاودت يوماً وهو يوم السابع عشر الذي فيه أصابهم البحران وذكر أيضاً آخرين أصابهم البحران في اليوم السادس وتركتهم الحمّى سبعة أيّام ثمّ عاودتهم ثمّ أتاهم البحران في اليوم الرابع من عودة الحمّى وذلك لتتمّه سبعة عشر يوماً إذا حسبت الأيّام كلّها جملة.

ولم يكتف بهذا الكلام كلّه على أنّه قد تبيّن بياناً عظيماً قوّة اليوم السابع عشر على البحران لكنّه أتبع ذلك بأن قال إنّي لا أعلم أحداً ممّن تخلّص من المرض على هذا الوجه عاوده مرضه فقد تبيّن إذا أنّ البحران يكون كثيراً في اليوم السابع عشر وليس هذا فقط لكنّ البحران الذي يكون فيه مع ذلك صحيحاً فليس هو إذاً من أيّام البحران التي تقع بين الأيّام التي هي على الحساب الصحيح أيّام بحران لكنّه من أيّام

البحران القويّة التي هي داخلة في الحساب الصحيح فإن كان من هذه الأيّام فيجب أن يكون بينه وبين الرابع عشر نسبة ما.

فإن نحن حسبنا الأسبوع الثالث موصولً بالثاني حتّى يكون أوّله اليوم الرابع عشر ونصفه في اليوم السابع عشر كان الدور صحيحاً قائماً وإن نحن حسبناه مفرداً منه حتّى يكون اليوم الرابع عشر آخر يوم من الأسبوع الثاني ويكون ابتداء الأسبوع الثالث من اليوم الخامس عشر لم يكن اليوم السابع عشر يوم النصف من الأسبوع الثالث لكنّ يوم الثامن عشر وإن كان هذا حقّاً فإنّ آخر يوم من الأسبوع الثالث يصير اليوم الواحد والعشرين وكذلك إن جعلنا اليوم السابع عشر يوم النصف من الأسبوع الثالث صار آخر يوم من هذا الأسبوع يوم العشرين.

فلذلك رأى بقراط أن تمتحن يوم العشرين بالتجربة كما امتحن يوم السابع عشر لأنّه إن وجد يوم العشرين يوم بحران شهد شهادة قويّة على اليوم السابع عشر وإن خرج من عدد أيّام البحران أو نقص عن يوم الواحد والعشرين أوقع في شدّ عظيم وذلك أنّه لا يفهم أنّ اليوم السابع عشر أقوى من يوم الثامن عشر ويكون يوم العشرين أضعف من يوم الواحد والعشرين.

ولذلك بعد الذي ذكر في اليوم السابع عشر في المقالة الأولى من كتاب أبيذيميا قال في اليوم العشرين هذا القول فأمّا الذين سالت فضلة إلى آذانهم أصابهم البحران

في يوم العشرين ثمّ انحدرت في جميعهم ولم تقح ومالت نحو المثانة وهذا القول كافٍ وقد قال بعده أيضاً قولً آخر وهو هذا فأمّا الذين أصابهم البحران في اليوم السابع فإنّ الحمّى تركتهم تسعة أيّام ثمّ عاودتهم ثمّ أصابهم البحران في اليوم الرابع منذ وقت العودة وبيّن أنّ جملة هذه الأيّام كلّها عشرون يوماً ثمّ قال بعد فأمّا الذين أصابهم البحران في اليوم السابع فتركتهم الحمّى ستّة أيّام ثمّ عاودتهم ثمّ كان بحرانهم في السابع فجملة هذه الأيّام كلّها عشرون يوماً ثمّ بعد ما مرّ من الكلام قليلً قال ومنهم قوم أصابهم البحران في اليوم الحادي عشر وعاودتهم الحمّى في الرابع عشر وأصابهم بحران تامّ في اليوم العشرين ثمّ أتبع ذلك بأن قال الذين أصابهم نافض في اليوم العشرين أتاهم البحران في اليوم الأربعين.

(٤) وما أحسبك إلّا وقد ظهر لك في هذا حذق الرجل وبصره بهذا العلم وذلك أنّه قد علم أنّك إن عددت اليوم السابع عشر من أيّام البحران القويّة التي يزيد بعضها على بعض إمّا أربعة أربعة وإمّا سبعة سبعة وأنّك تضطرّ أن تعدّ منها يوم العشرين ويوم الأربعين وإن أنت أيضاً عددت يوم الأربعين من أيّام البحران القويّة فلا بدّ لك من أن تعدّ معه يوم السابع عشر ويوم العشرين.

ولم يختلف الأطبّاء في أيّام البحران التي تنتهي إلى اليوم الرابع عشر واختلفوا في جميع الأيّام التي بعده لأنّهم لم يقصدوا قصد التجربة لكنّهم أجروا الأمر على القياس فظنّوا أنّه ينبغي أن يحسبوا الأسابيع تامّة فلهذا عدّوا يوم الواحد والعشرين

من أيّام البحران القويّة ثمّ اضطرّوا من أجل هذا أن يعدّوا منها أيضاً اليوم الثامن عشر واليوم الثاني والأربعين أمّا اليوم الثامن عشر فكالنذير بيوم الواحد والعشرين وأمّا الثاني والأربعين فكآخر يوم من الأسبوع السادس.

وعلى هذه الجهة تكون محنة أيّام البحران أسهل وذلك أنّه إن تبيّن أنّ طبقة الأيّام المناسبة ليوم السابع عشر أقوى صحّ كلّ واحد من تلك الأيّام من جهتين من تجربته بنفسه ومن شهادات الأيّام الأخر المناسبة له عليه وإن وجدت طبقة الأيّام المناسبة لليوم الثامن عشر يكون فيها البحران كثيراً ويكون البحران الذي يحدث فيها تامّاً صحيحاً فطبقة الأيّام المناسبة ليوم السابع عشر أضعف.

فلمّا فهم هذا بقراط قاس جميع الأيّام التي من إحدى الطبقتين بجميع الأيّام التي من الطبقة الأخرى أعني اليوم السابع عشر وهو أوّل يوم وقع فيه الخلاف باليوم الثامن عشر واليوم العشرين باليوم الواحد والعشرين واليوم الرابع والعشرين باليوم الخامس والعشرين واليوم السابع والعشرين باليوم الثامن والعشرين واليوم الواحد والثلثين باليوم الثاني والثلثين واليوم الرابع والثلثين باليوم الخامس والثلثين واليوم الأربعين باليوم الثاني والأربعين.

وقد خبّر في كتاب أبيذيميا لأيّ الطبقتين تشهد التجربة في الكلام الذي وصفناه قبيل وفي غيره وقد قال عند ذكره من مرض في تغيير الهواء الثالث هذا القول وأكثر هؤلاء أصابهم البحران في اليوم الحادي عشر ومنهم من أصابهم البحران في يوم العشرين ثمّ ذكر مرضى بأسمائهم من بعد ذكره المرضى الذين مرضوا في التغيير الأوّل

والثاني والثالث من الهواء فقال في الثالث منهم واسمه أروفن إنّ البحران أصابه في اليوم السابع عشر وقال في الرابع وهي امرأة فيلينس إنّها ماتت في اليوم العشرين ثمّ ذكر بعد هذا امرأة إفقراطيس وقال في آخر قصّتها هذا القول فلمّا كان في يوم الأربعين تقّيأت مراراً قليلً وأصابها بحران تامّ وأقلعت الحمّى عنها في يوم الثمانين ثمّ من بعد هذه ذكر قلاأنقطيذس وهو المريض السادس وقال في آخر قصّته هذا القول في يوم الثمانين أصابه نافض وأعقبته حمّى حادّة وعرق عرقاً كثيراً وتبيّن في بوله رسوب أحمر أملس وأصابه بحران تامّ ثمّ ذكر بعد ذلك قلازمانيس وهو المريض العاشر وقال فيه إنّ البحران أصابه في اليوم الأربعين.

ويوم الأربعين هو من طبقة يوم السابع عشر وكذلك يوم الثمانين ولو كان حساب أيّام البحران على أسابيع تامّة لقد كان ينبغي ألّا يكون يوم الأربعين يوم بحران ولكنّ يوم الثاني والأربعين وكذلك كان ينبغي أن يوجد يوم الرابع والثمانين يوم بحران لا يوم الثمانين فقد تبيّن إذا أنّ طبقة الأيّام المناسبة ليوم السابع عشر أقوى من الطبقة الأخرى لا من قبل ما ذكر أنّه رأى كثيراً من المرضى أصابهم البحران فيها فقط لكن من قبل أنّه لم يذكر أيضاً الثامن عشر ولا يوم الواحد والعشرين ولا اليوم الخامس والعشرين ولا اليوم الثامن والعشرين ولا اليوم الثاني والثلثين ولا اليوم الخامس والثلثين ولا اليوم الثاني والأربعين ولا اليوم الثالث والستّين ولا اليوم الرابع والثمانين وذلك أنّه لمّا كان في

هذا العدد الكثير من المرضى الذين ذكر بعضهم بقراط واحداً واحداً باسمه وبعضهم أجمل ذكره في كلّ واحد من تغايير الهواء التي ذكرها لم يوجد البتّة في واحد من الأيّام التي ذكرنا قد كان بحران دلّ على فضل قوّة بيّنة لطبقة الأيّام الأخر.

فإذا كنّا نجد في أيّام تلك الطبقة البحران قد كان كثيراً وكان مع ذلك تامّاً سليماً جيّداً ونجد أيّام الطبقة الأخرى لم يذكرها في المقالة الأولى كلّها من كتاب أبيذيميا أنّه حدث في واحد منها بحران قطّ فضلً عن أن يكون تامّاً جيّداً فليس فضل قوّة تلك الطبقة على هذه باليسير وقد ينبغي أن ننظر في المقالة الأولى من كتاب أبيذيميا حيث قال هذا أقال في المقالة الثالثة خلافه أم قوله في الثالثة موافق لقوله في الأولى.

وقد نجد عند ذكره من مرض في تغيّر الهواء الثاني يجمل القول فيهم جملة ويقول إنّ جميع من سلم منهم كان بحرانه في اليوم الثمانين وأمّا الذين ذكرهم واحداً واحداً باسمه فمنهم من قال إنّ البحران أصابه في يوم الأربعين وبعض هؤلاء لم يكن بحرانه بضعيف ولا غير منذر به مثل المريض الثالث ممّن ذكره في أوّل المقالة الثانية وهو الملقى كان في مبقلة ذألقس فإنّه قال إنّه اختلف في اليوم الأربعين اختلافاً بلغميّاً أبيض كثيراً وعرق عرقاً كثيراً في بدنه كلّه وأصابه بحران تامّ.

وقال في بعضهم إنّ مرضه تطاول به زماناً طويلً ثمّ أصابهم على هذا المثال

البحران في يوم من أيّام البحران الذي يكون بتضاعيف يوم العشرين كالتاسع من المرضى الذين ذكرهم في تغيّر الهواء الثاني وهو إيروبيثس الذي ذكر أنّه أصابه بحران تامّ في يوم مائة وعشرين.

وذكر أيضاً قوماً أصابهم البحران في اليوم الرابع والعشرين وفي اليوم السابع والعشرين وفي اليوم الرابع والثلثين وكان البحران جيّداً تامّاً صحيحاً أمّا في اليوم الرابع والعشرين فالمريض العاشر من المرضى الذين ذكرهم في تغيّر الهواء الثاني وقال فيه هذا القول وفي اليوم الرابع والعشرين جاءه بول كثير أبيض فيه رسوب كثير وعرق عرقاً حارّاً في بدنه كلّه وأقلعت عنه الحمّى وأمّا في اليوم السابع والعشرين فالجارية البكر التي مرضت بأبذيرا التي ذكر أيضاً أنّها عرقت عرقاً كثيراً ثمّ أقلعت عنها الحّمى إقلاعاً تامّاً وهي المريض السابع بعد ذكره تغيّر الهواء الثاني وأمّا في اليوم الرابع والثلثين فالمريض الثامن ممّن ذكره في ذلك التغيير واسمه أنكسين الذي قال إنّه أيضاً عرق عرقاً كثيراً شاملً لبدنه كلّه وأقلعت عنه الحمّى إقلاعاً تامّاً وصحّ بحرانه.

ولم نجده ذكر مريضاً واحداً أصابه البحران في واحد من الأيّام التي من الطبقة الأخرى لا من المرضى الذين ذكرهم في هذه المقالة ولا من المرضى الذين ذكرهم في غيرها من كتبه لكنّه ذكر أنّ امرأة ذألقس ماتت في اليوم الواحد والعشرين ولم يذكر أنّ أحداً نجا في أحد الأيّام المناسبة لليوم الثامن عشر.

فقد يقال للموت أيضاً كما ذكرت قبل بحران على معنى ثانٍ لكنّه لم يذكر أنّ أحداً مات كما قلت في واحد من تلك الأيّام فضلً عن أن ينجو سوى امرأة ذألقس.

فأمّا في أيّام الطبقة الأخرى فنجا مرضى كثيرة ومات مرضى قليل عددهم من ذلك أنّ المرأة التي قد ولدت بقوزقس اثنتين في بطن ماتت في اليوم السابع عشر وإنّ الفتى الذي مرض بماليبوا وهو آخر من ذكره من المرضى مات في اليوم الرابع والعشرين وإنّ المريض الثالث من أوّل من ذكر واسمه أرمقراطس مات في اليوم السابع والعشرين وإنّ أبلونيس الذي مرض بأبذيرا وهو الثالث عشر ممّن ذكره في تغيّر الهواء مات في يوم الواحد والثلثين.

فكما رأى مرضى كثيرة ماتوا في السابع وفي اليوم العشرين من المرضى الذين ذكرهم في هذه المقالة من قبل أنّ الأيّام التي قوّتها قويّة مع أنّ الأكثر ينجون فيها قد يموت فيها الواحد بعد الواحد كذلك رأى كلّ واحد من الأيّام التي ذكرها قد نجا فيها الكثير وهلك فيها الواحد فالواحد من ذلك أنّ المريض الثاني من ذلك التغيير مات في اليوم الثمانين وأنّ المريض الأوّل مات في اليوم المائة والعشرين وأنّ المريض الذي ذكره قبل ذكره التغيير مات في اليوم الرابع عشر وأنّ الثلاثة المرضى الذين ذكرهم قبله ماتوا في اليوم السابع.

وليست بي حاجة إلى التطويل وأنا أقول بالجملة إنّا لم نجده ذكر في المقالة الأولى من كتاب أبيذيميا ولا في المقالة الثالثة أحداً بتّة مات أو نجا في واحد من الأيّام المناسبة لليوم الثامن عشر لكنّهم كلّهم أصابهم البحران في الأيّام التي اتّفق عليها جميع الأطبّاء إنّها أيّام بحران وهي ما بين الواحد والسابع عشر وأمّا من جاوز السابع عشر فذكر أنّ أحداً منهم فقط مات في اليوم الواحد والعشرين فقد يكتفى بهذا في أن يتبيّن به أنّ بقراط لم يوجب لليوم السابع عشر أنّه يوم بحران ويسلب اليوم الواحد والعشرين القوّة على البحران بقياس مموّه لكنّه بعد أن وجد هذا بالتجربة بحث عن علّته بالقياس.

ولمّا كانت المقالة الثانية أيضاً والرابعة والسادسة من كتاب أبيذيميا قد نسبها قوم إلى بقراط وقوم ينسبونها لثاسلس ابنه فأنا ذاكر قليلً من كثير ممّا ذكره فقد نجده في المقالة الثانية ذكر أنّ البحران كان في اليوم العشرين وفي يوم الأربعين ولا نجده ذكر أنّ أحداً أصابه بحران في يوم الواحد والعشرين ولا في شيء من الأيّام المناسبة له.

ونجده في المقالة الرابعة يذكر أمراضاً قويّة الحدّة أقلّها انتهى إلى العشرين ولم يجاوز شيء من تلك الأمراض العشرين إلّا واحداً فإنّه انتهى إلى الرابع والعشرين فقد بان أنّه أيضاً في هذه المقالة قد أوجب البحران ليوم العشرين وليوم الرابع والعشرين ولم يوجبه لواحد من الأيّام التي من الطبقة الأخرى ونجده أيضاً في المقالة السادسة من هذا الكتاب على أنّ من ذكره من المرضى فيها قليل عددهم ولم يذكر كثيراً من تغاير الهواء لم يذكر أنّه رأى أحداً أصابه البحران في واحد من الأيّام التي من الطبقة

الأخرى وإن كان ينبغي أن تذكر المقالة الخامسة من كتاب أبيذيميا لمن كان من الناس فإنّه ذكر في هذه المقالة خمسين مريضاً لم يصب أحداً منهم البحران لا في اليوم الثامن عشر ولا في اليوم الواحد والعشرين ولا في غيرهما من الأيّام التي من طبقتهما.

فالتجربة تصحّح البحران لليوم السابع عشر وليوم العشرين ولجميع الأيّام التي هي من طبقتهما وقوم من الأطبّاء يدعون ما يظهر للعيان ويلزمون حساب الأسابيع على التمام لأنّهم يجدون هذا أسهل عليهم ولعلّهم أن يكونوا مع هذا أيضاً رأوا مريضاً ومريضين قد اتّفق لهم البحران في يوم الحادي والعشرين فصحّحوا بذلك ما ظنّوا.

(٥) وقد بيّنت في المقالة الأولى من هذا الكتاب أنّ البحران إذا اتّصل أيّاماً متوالية احتيج فيه إلى تحديد شديد حتّى تعلم أيّ تلك الأيّام أولى به وإنّه إذا تطاولت الأمراض هدأت وسكنت شدّة الاضطراب والحركة في بحرانها وقلّ سرعة تغّيرها وكثيراً ما يتّصل البحران بيومين وثلثة فيمكن حينئذٍ أن يوجب البحران من شاء لأيّ يوم من تلك الثلثة الأيّام.

وكثير من الأطبّاء لا يحسبون كم يوماً للمريض منذ أوّل مرضه إذا جاوز الأربعة عشر لا سيّما إذا كانت الحمّى فارقته أيّاماً ثمّ عاودته وبعضهم وإن حسبوا الأيّام فإنّهم لاتّصال البحران أيّاماً متوالية يوجبونه لأيّ يوم شاؤوا بلا تبيين ولا توّقف.

ولهذه العلّة نجد أبقراط يقول في ذكره بعض المرضى إنّ البحران أصابه في اليوم السابع أو في اليوم الحادي عشر أو في اليوم الرابع عشر وقد ذكر بعضهم أنّ البحران أصابه نحو العشرين أو نحو الأربعين أو نحو يوم غيرهما كما ذكر في التغيير

الأوّل والثاني من تغاير الهواء في المقالة الأولى من كتاب أبيذيميا فقد قال في المقالة الأولى هذا القول ومن كان من هؤلاء المرضى خفيف المرض كان بحرانه نحو العشرين وأكثرهم كان بحرانه نحو الأربعين وكثيراً منهم أصابه البحران نحو الثمانين.

وقال أيضاً في تغيير الهواء الثاني إنّ قليلً من المرضى ممّن كان أخفّهم مرضاً أصابه البحران نحو الثمانين ثمّ قال في تغيير الهواء الثالث هذا القول ابتدأ يجري منهم دم قليل نحو العشرين وكان انقضاء الخراجات التي خرجت بهم بدم يجري منهم وأنطيفن بن قرطوبلس سكن مرضه وأتاه بحران تامّ نحو الأربعين.

ولم أذكر هذه الأقاويل في ابتداء كلامي لمّا أتيت بحجج من المقالة الأولى من كتاب أبيذيميا لأنّي رأيت أنّ من الأجود أن أعدّد أوّلً جميع الأيّام التي رأى فيها فقط البحران يكون بالحقيقة وليس فيها شكّ ولهذه العلّة لم يقل البتّة في شيء من كتبه إنّ أحداً أصابه البحران نحو السابع أو نحو الخامس أو نحو التاسع لكنّه أطلق القول فقال في السابع وفي التاسع وفي الخامس وذلك أنّ هذه الأيّام يكون البحران فيها دفعة وكلّ ما تجاوز المرض هذه الأيّام وتطاول وهدأ وخفّ الاضطراب الذي يكون فيه قبل التغيير بغتة ويكون الاستفراغ قليلً قليلً ويتّصل يومين أو ثلثة وكما أنّ أكثر الأمراض التي تتطاول لا يكون انقضاؤها باستفراغ لكن بخراج أو بنضج يكون قليلً قليلً كذلك متى عرض فيها استفراغ ظاهر أو خراج لم يتمّ في يوم واحد ولهذا فيما أحسب قال قوم من الأطبّاء إنّ الأمراض التي تطول وتزمن لا يكون فيها بحران وذلك

أنّهم لا يسمّون كلّ انقضاء يكون للمرض بحراناً لكنّهم إنّما يسمّون بهذا الاسم الانقضاء الذي يكون دفعة أو الاضطراب الذي يكون قبله.

وقد نجد كثيراً من الأطبّاء لا يقصدون باسم البحران قصد معنى واحد دائماً لكنّهم ربّما سمّوا انقضاء المرض على أيّ الجهات كان بحراناً ويمكنك أن تعرف هذا من كتب بقراط وغيره من القدماء من ذلك أن ذيوقلس عدّ اليوم الأوّل من المرض يوم بحران فدلّ دلالة بيّنة أنّه لا يعني بالبحران في هذا الموضع شيئاً سوى انقضاء المرض.

وقد يمكنك أن تعرف ذلك من نفس كلامه وهو هذا الحمّى التي لا تنضج في البدن المادّة التي بها قوامها ولم تستفرغ بنوع من الاستفراغ ولا تنهضم فيغتذيها البدن ولا يخرج دفعة بتّة لكنّها تستحيل في أدوار من الزمان محدودة فأخفّها يكون فيه البحران في يوم وليلة وذلك أنّ علّتها تنقضي في أقلّ الأوقات من قبل أنّ المادّة في بعضها تنحلّ ممّا يعرض لها من الحرارة فتفنى وتتولّد في بعضها منها مدّة وربّما تولّد منها دم أو لبن أو لحم وبالجملة فإن أكثر ما تتحّرك في البدن ويستحيل بنوع من الأنواع فهذا أوّل أوقاته.

وأمّا بقراط فلا مرّة ولا مرّتين لكنّ مراراً كثيرة ذكر في المقالة الأولى خاصّة من كتاب أبيذيميا وفي الثالثة سمّى انقضاء المرض بحراناً ولم يتقدّمه استفراغ بيّن ولا خراج ظاهر ولكن لا ينبغي أن يتوهّم من أجل هذا أنّ بحران الأمراض المزمنة لا يكون باستفراغ ظاهر ولأنّ البحران فيها لا بدّ من أن يتّصل أيّاماً متوالية فقد ذكر بقراط

في المقالة الثالثة من كتاب أبيذيميا مريضاً أصابه البحران في يوم الثمانين وعرض له قبله نافض وأعقبته حمّى حادّة وعرق عرقاً كثيراً وقد وصفت كلامه قبيل عندما اقتصصت قصّة قلاانقطيذس الذي ذكره في المقالة الثالثة من كتاب أبيذيميا وهو المريض السادس وقد تجد مرضى أخر كثيراً ممّن ذكرناهم في هذه المقالة وممّن لم نذكرهم أصابهم في أمراض مزمنة بحران بيّن باستفراغ في يوم واحد.

فينبغي لك أن تتدبّر أمر هذه الأمراض خاصّة فإنّما تدلّ دلالة صحيحة على مراتب قوّة أيّام البحران وذلك أنّه إذا كان قلاانقطيذس هذا أصابه في يوم الثمانين نافض وحمّ حمّى حادّة وعرق وتمّ له البحران فبيّن أنّ قوّة يوم العشرين قويّة لأنّ الثمانين إنّما تكون بتضاعيف يوم العشرين وكذلك الأربعون والستّون والمائة والعشرون.

وقد تجد مرضى أخر سوى هذا أصابهم البحران بعد الأربعة عشر باستفراغ ممّن ذكر في كتاب أبيذيميا وقد ذكرنا بعضهم في كلامنا هذا لكشف خطأ من ظنّ أنّه لا يكون البحران دفعة بعد اليوم الرابع عشر ولتبيين مراتب قوّة أيّام البحران.

والحقّ هو ما قلناه من أنّ الاضطراب والمجاهدة التي تكون مع انقضاء المرض تنقص قليلً قليلً كلّما تطاول المرض.

وأمّا قول من قال إنّه لا يكون بتّة في الأمراض المزمنة تغيّر سريع في يوم واحد فليس بصواب وذلك أنّه متى عرض في أوّل الدور نافض صعب لم يكن يعرض قبل ذلك ثمّ أردفته حمّى حادّة صعبة ثمّ أتى بعدها عرق كثير تقلع به الحمّى إقلاعاً صحيحاً إن قال قائل إنّ هذا ليس هو بحراناً فبيّن أنّ هذا إنّما هو منه مراء ولجاجة وأمّا أنا فليس من عادتي أن أقاوم أصحاب المراء واللجاجة بكلام طويل.

وينبغي أن تعلم ما قد تفقّدناه ورأيناه في مرضى كثيرة ونجده أيضاً في المرضى الذين ذكرهم بقراط وهو أّن الانقضاء دفعة إّنما يكون في الأمراض المزمنة لا متى بقيت متّصلة ولم تنقطع لكن متى رأيتها كأنّها قد انقضت ثمّ عاودت من الرأس وكثيراً ما يعرض أن تكون العودة في يوم البحران ثمّ تجري على عدد أيّام البحران ثمّ تنقضي في يوم بحران آخر فيكون كلّ واحد من تلك الأمراض الجزئيّة في نفسه حادّاً فإذا جمعت ووصلت بعضه ببعض كان المؤلّف منها مرضاً طويلً مزمناً.

ورّبما كان أيضاً ترك تلك الأمراض في عدد من أعداد أيّام البحران مثال ذلك أن يصيب مريضاً في اليوم الحادي عشر بحران غير تامّ ثمّ يعاوده المرض في اليوم الرابع عشر ثمّ يصيبه بحران ناقص في اليوم العشرين ثمّ يعاوده المرض في اليوم السابع والعشرين ويكون ذلك المرض حادّاً ثمّ يصيبه البحران في يوم الأربعين.

وكلّ من أراد أن يعرف هذا فله أن يعرفه إذا تفقّد المرضى بعناية وتدبّر أمر المرضى الذين ذكرهم بقراط وقد بيّنّا بياناً واضحاً من تجارب بقراط أنّ اليوم السابع

عشر أقوى من اليوم الثامن عشر ويوم العشرين أقوى من اليوم الواحد والعشرين.

فإن ذكرت لك ما جرّبت أنا أيضاً كان كلامي أطول ولم يكن بأولى أن يقبل وذلك أنّ من آثر أن يتفقّد ما يعرض للمرضى وقبل ما قال بقراط فلا حاجة به إلى ما جّربت أنا ومن ظنّ أنّ حيل السوفسطائيّين أصحّ ممّا يظهر عياناً ولم يلتفت إلى شيء ممّا قال بقراط فهو يهزأ بشيء إن اقتصصناه عليه ممّا جرّبناه فضلً عن أن لا ينتفع به فأمّا المحبّ للحقّ إذا ترك هزء السوفسطائيّين وأقبل على التجربة ثمّ رأى ثماني مائة مريض أو ألف مريض فأنا أعلم علماً يقيناً أنّه لن يقضي على أيّام البحران بشيء سوى ما قضى به بقراط.

(٦) والحاجت إلى أيّام البحران ضربان وكذلك طبيعتها ضربان ولهذا جعل بقراط تعليمه فيها على ضربين وذلك أنّه في كتاب الفصول وفي كتاب تقدمة المعرفة ذكر أيّام البحران التي يزيد بعضها على بعض أربعة أربعة أو سبعة سبعة وأمّا في المقالة الأولى من كتاب أبيذيميا فلم يقتصر على ذكر تلك الأيّام لكنّه ذكر معها الأيّام التي تقع فيما بينها وسنخبّر بعلّة وقوعها فيما بينها بعد وأمّا الآن فإنّي مبيّن أنّ طبيعتها والحاجة إليها مخالفتان لطبع تلك الأيّام والحاجة إليها.

أمّا طبعها فمن قبل أنّه متى كان الأمر على ما ينبغي فالبحران يكون في الأدوار التي تعدّ على أربعة أربعة في أكثر الأمر ومتى حدثت آفة انتقل البحران من هذه الأيّام

إلى الأيّام التي تقع بينها وأمّا الحاجة إليها فمن قبل أنّ الدور الذي يحسب على أربعة أربعة كافٍ في تقدمة المعرفة بالبحران الذي يكون.

وأمّا في الأيّام التي تقع فيما بين هذه فلنعرف صحّة البحران إذا وقع فيها أو غير صحّته وذلك أنّا بعد أن نعرف جميع الأشياء يصحّ عندنا البحران إذا كان في التاسع أكثر ممّا يصحّ في الذي يكون في الثامن بل لا يصحّ عندنا البحران الذي يكون في الثامن.

ويحتاج إلى علم صحّة البحران وغير صحّته ليقدّر غذاء المريض على ما ينبغي فإن كان قد صحّ بحرانه زدنا في غذائه حتّى يقوى وإن كان لم يصحّ حميناه وأمّا التقدّم بالعلم متى يكون البحران فممّا لا بدّ منه في حسن تقدير الغذاء لمن لم يأته البحران بعد وسنتكلّم في هذا فيما بعد وهذا الكلام كلّه من كتاب حيلة البرء وما قصدنا الآن أن نخبّر ما منفعة أيّام البحران إلّا بقدر ما يدعو إليه ما يعرض في الكلام لكن قصدي إلى أن أخبّر بقوّة أيّام البحران كّلها.

وقد نكتفي في هذا الموضع أن نذكّر بكلام بقراط ثمّ نأخذ فيما يتلو ما تقدّم من كلامنا فيه وقد قال بقراط في كتاب تقدمة المعرفة هذا القول بحران الحمّيات يكون في أيّام بأعيانها فمن قبلها ينجو بعض الناس ويموت بعضهم وذلك أنّ كلّ حمّى سليمة تظهر فيها علامات صحيحة فإنّ بحرانها يكون في الرابع أو قبله وكلّ حمّى خبيثة تظهر فيها علامات رديئة فهي تقتل في الرابع أو قبله وهذا أوّل أدوارها والثاني ينتهي إلى اليوم السابع والثالث في الحادي عشر والرابع في الرابع عشر والخامس في السابع عشر والسادس في العشرين وهذه الزيادات تكون في أربعة أربعة في الأمراض الحادّة إلى العشرين وليس يمكن أن يحسب شيء من هذه الأدوار على حساب أيّام تامّة لا كسر فيها كما أنّه لا يمكن أن تحسب السنة والشهور على أيّام تامّة لا كسر فيها ثمّ من بعد ذلك على النظام وهذه الزيادات الدور الأوّل اليوم الرابع والثلثين والثاني ينتهي في الأربعين والثالث في الستّين فهذا قول بقراط في كتابه في تقدمة المعرفة.

وأمّا في كتاب الفصول فبعد أن قال إنّ الأمراض الحادّة يأتي فيها البحران في أربعة عشر يوماً أتبع ذلك بأن قال هذا القول السابع ينذر به الرابع والأسبوع الآخر يبتدئ من اليوم الثامن وينذر به الحادي عشر لأنّ هذا اليوم هو رابع الأسبوع الآخر وأيضاً فإنّ اليوم السابع عشر يوم إنذار وذلك أنّه الرابع من اليوم الرابع عشر وهو السابع من الحادي عشر وإنّما أراد أنّه السابع من الحادي عشر أن تخبر بقوّته لا بأنّه يوم إنذار.

وفي الكتابين جميعاً يوجب أنّ جميع أدوار أيّام البحران إنّما يكون إمّا بأسابيع وإمّا بأنصاف أسابيع وقد قلت إنّي أعني متى قلت نصف أسبوع أربعة أيّام وأمّا في المقالة الأولى من كتاب أبيذيميا فعدّد أيّام البحران كلّها على الولاء وهذا قوله فيها أوّل دور من أدوار أيّام البحران الذي يكون في الأزواج اليوم الرابع ثمّ السادس والثامن والعاشر والرابع عشر والثامن عشر والعشرين والرابع والعشرين والثامن والعشرين والرابع والثلثين والأربعين والستّين والثمانين والمائة والعشرين.

وأمّا الدور الأوّل من أدوار أيّام البحران الذي يكون في الأفراد فاليوم الثالث ثمّ الخامس والسابع والتاسع والحادي عشر والسابع عشر والواحد والعشرين والسابع والعشرين والواحد والثلثين وبيّن أنّ بقراط جمع في هذا القول أيّام البحران كلّها وهذا سنّة من أراد أن يعمل تذكرة وقد بيّنّا مراراً كثيرة أنّ أبقراط كتب كتاب أبيذيميا من قبل كتاب تقدمة المعرفة ومن قبل كتاب الفصول وأنّه إنّما جعله تذكرة فلذلك ذكر في كتاب أبيذيميا جميع أيّام البحران.

وذكر في كتاب تقدمة المعرفة وكتاب الفصول الأيّام التي قوّتها عظيمة في البحران ويكون البحران فيها بحركة من الطبيعة من غير داعٍ ولا مزعج وأفرد ذكرها فلم يخلط بها غيرها وسنبيّن بعد هذا الذي قلنا إنّها تكون بحركة الطبيعة من تلقاء نفسها وهذه الأيّام أيضاً عظيمة المنفعة في تقدمة المعرفة بمنتهى المرض قبل أن يكون وبالبحران متى يكون فقد بيّنّا الآن بياناً واضحاً لأيّة علّة لم يذكر بقراط أيّام البحران

في جميع كتبه ذكراً واحداً.

وما تخفى أيضاً العلّة التي دعت الأطبّاء بعد بقراط إلى الاختلاف في أمر أيّام البحران وذلك أنّ بعضهم لم يفهم أنّ أيّام البحران صنفان ومنهم من لم يتفقّد أمرها ولكنّه حمل أمرها كلّه على القياس وبعضهم رام امتحانها بالتجربة ولكنّه أخطأ من أحد وجهين إمّا أن يكون لم يلخّص ويحدّد شيئاً من أمرها من قبل التجربة وإمّا أن يكون عجّل في القضيّة عليها.

(٧) وأمّا نحن فقد قلنا ما ينبغي أن نلخّص ونحدّد قبل التجربة وإنّه لاينبغي أن نعجل في الصريمة على أيّام البحران بشيء قبل أن يتفقّد أمرها في المرضى دهراً طويلً على الاستقصاء وذلك أنّ مع سائر ما يعسر من قبله امتحان أيّام البحران فإنّ أنواع اختلاف الهواء في السنين كثيرة جدّاً.

فقد رأيت مرّة في صيفة واحدة أكثر من أربع مائة مريض مرضوا مرضاً حادّاً وكلّهم أصابهم البحران في السابع أو في التاسع ورأيت صيفة أخرى كان البحران فيها لجميع من مرض في الرابع عشر أو في العشرين وأكثرهم أتاه البحران بعد عودة من المرض ورأيت في صيفة أخرى مرضى كثيراً جرى منهم دم في اليوم الخامس وأتاهم البحران في اليوم السابع أو في التاسع ورأيت مرّة خريفاً أصاب جميع من مرض فيه البحران في اليوم الحادي عشر إلّا أنّ البحران في هذا الخريف كان بحراناً صالحاً وأمّا

في خريف آخر فصاب جميع من مرض فيه بحران رديء في اليوم السادس وفي هذا يكثر تعجبي ممّن يرى أنّه لا فرق بين أيّام المرض البتّة لكنّها كلّها متساوية.

ونحن نجد جميع الأمراض التي تعرض من تغيّر الهواء في الصيف أو في الخريف أكثر ما يكون بحرانها نوعاً واحداً وذلك بيّن فيما ذكره بقراط ومن لم يغلب عليه التواني كلّ الغلبة فإنّه يرى في بعض الأوقات البحران يكون في واحد من أيّامه أكثر وفي وقت غيره يكون في غير ذلك اليوم من أيّام البحران أكثر ولم نر البحران في وقت من الأوقات أكثر لا في اليوم الثامن ولا في الثاني عشر ولا في السادس عشر ولا في شيء من الأيّام الأخر الشبيهة بهذه.

فقد تبيّن أنّ السوفسطائيّين قد أخطؤوا في الأمرين اللذين بهما قوام الصناعة جميعاً وهما التجربة والقياس وذلك أنّهم حيث يحتاج إلى التجربة لا ينتظرون حتّى يجربوا لكنّ كلّ واحد منهم يهذي على حسب ما يخطر بباله ولا يقدرون على وجود علل ما يظهر بالعيان ولذلك واحد يقول إنّه ليس يوم بحران ولا بحران البتّة وآخر يقول إنّه بحران لكن ليس أيّام بحران كأنّ البحران وأيّام البحران إنّما ينبغي أن تؤخذ بالقياس لا بالتجربة أو كأنّ القوم الذين قالوا إنّهم عرفوا البحران وأيّام البحران من التجربة أقلّ عنهم.

ولعلّنا نحن معشر من أتى بعد إيروفيلس وكسانوفون وأسقليفياذس إنّما يدعونا إلى القول بما نقول الحسد لهؤلاء القوم والخلاف عليهم فما ترى دعا بقراط من قبلهم وقد امتحن هذه الأيّام بالتجربة واستقصى معرفتها كما قد يدلّ كتاب أبيذيميا إلى أن

يقول ما قال أتراه تقدّم فعلم أنّه سيجيء من بعده مثل هؤلاء السوفسطائيّين فأحبّ الخلاف عليهم وما كان في أيّام بقراط أحد سلك مسلك هؤلاء ولا كان غاية كلّ واحد من الأطبّاء وحرصه إلّا أن يستنبط شيئاً ينتفع به في الطبّ ولم يكونوا يقصدون لإفساد ما قد استخرج وعرف على حقيقته.

وقد نرى من اقتصر على التجربة من الأطبّاء كأنّهم أعداء لجميع أصحاب القياس في الطبّ يطلبون عثراتهم ويتتبّعون مواضع الذمّ لهم وهم مع ذلك لا يبطلون أيّام البحران ولا البحران لكنّهم يجعلونها في عداد سائر الأشياء التي تظهر للعيان وحسبي من هذيان السوفسطائيّين.

(٨) وأنا راجع إلى ما يتلو ما قلت مجملً قبل ذلك بإيجاز جميع ما قلته قبل فأقول إنّ أقوى أيّام البحران اليوم السابع وينذر به اليوم الرابع وقد جمع الرابع خلّتين إحداهما أنّه يوم بحران وإن كان فيه ضعف والأخر أنّه منذر بالسابع ثمّ من بعد السابع الحادي عشر والرابع عشر وبينهما من التناسب ما بين الرابع والسابع ثمّ من بعد هذين فإنّ السابع عشر يوجد على الأكثر مناسباً ليوم العشرين فهذه المناسبة التي بين السابع والرابع وبين الحادي عشر والرابع عشر وعلى الأقلّ اليوم الثامن عشر واليوم الواحد والعشرين وهذه الأيّام كلّها قال بقراط بزيادة أربعة أربعة حتّى تنتهي إلى العشرين ويقع بين هذه الأيّام البحران في التاسع والخامس والثالث والتاسع يكون فيه البحران أكثر ممّا يكون فيها كلّها وبعده الخامس وبعد هذا الثالث.

وقد قلت قبل إنّ اليوم السادس يوم بحران رديء وأمّا اليوم الثالث عشر وهو أضعف أيّام البحران وأقوى الأيّام التي لا يكون فيها البحران وكأنّه على التحديد في قوّته بين الطبقتين وأشدّ ما تكون المجاهدة في وقت البحران في ما يكون منه إلى الرابع عشر ثمّ تقلّ تلك المجاهدة فيما يكون منه إلى العشرين ثمّ منذ ذلك إلى الأربعين فإنّ قوّة تلك المجاهدة تسترخي ثمّ منذ الأربعين تضعف ضعفاً في الغاية القصوى.

(٩) وأمّا قياس أيّام البحران فيبقى على حال واحدة دائماً وكما أنّ اليوم الرابع عشر هو آخر الأسبوع الثاني وأوّل الأسبوع الثالث كذلك اليوم الرابع والثلثين هو آخر الأسبوع الخامس وابتداء الأسبوع السادس حتّى يكون أبداً كلّ ثلثة أسابيع عشرين يوماً فمن أجل ذلك يتّفق يوم الستّين يوم بحران كما قلنا قبيل لا اليوم الثالث والستّين وكذلك يوم الثمانين ويوم المائة والعشرين وكما أنّ المجاهدة التي تكون في وقت البحران تضعف قليلً قليلً كلّما مرّ الزمان كذلك أيّام البحران الضعيفة تبطل بتّة وتبقى الأيّام التي هي على دور تامّ من أدوار البحران على حالها دائماً وحدها وتشبه على حسب ما يوجد التجربة أنّ أوّل دور تامّ من أدوار أيّام البحران هو دور العشرين.

ولو كان حساب الأسابيع كلّها يجري دائماً على الانفراد كما نحسب الأسبوعين الأوّلين لكان الأسبوع هو الدور التامّ الأوّل لكن لمّا كان الأسبوع الثاني يحسب على الانفراد من الأسبوع الأوّل والأسبوع الثالث يحسب مع الثاني على الاتّصال كان الحساب لا يجري بعد الرابع عشر على قياس ما كان يجري أوّلً وأمّا بعد العشرين فالحساب يجري على طريق واحد دائماً فيكون اليوم الرابع والثلثون نظير اليوم الرابع

عشر وذلك أنّه يحسب من أسبوعين على الانفراد ويصير يوم الأربعين نظير اليوم العشرين ولذلك ينتهي فيه الأسبوع الثالث محسوباً على الاتّصال.

وإلى هذا قصد بقراط في كتاب تقدمة المعرفة حين قال بعد أن ذكر العشرين إنّ من بعد ذلك على هذا النظام وهذه الزيادة يصير الدور الأوّل اليوم الرابع والثلثين وإنّما قال إنّ اليوم الرابع والثلثين بعد العشرين هو الأوّل على أنّه دور أوّل لا على أنّه يوم بحران أوّل ولولا ذلك لكان اليوم الرابع والعشرين هو اليوم الأوّل من أيّام البحران بعد العشرين لكنّه لمّا كان قد فرغ من ذكر أصغر الأدوار وهي أدوار الأربعة ومن ذكر الأسابيع أيضاً أحبّ أن يذكر بعد هذا أيضاً الدورين اللذين بقيا وهو الدور المركّب من أسبوعين والدور المركّب من ثلثة أسابيع إلّا أنّ الدور المركّب من أسبوعين ليس بتامّ والدور المركّب من ثلثة أسابيع تامّ بالحقيقة إذ كنّا نجد يوم الأربعين ويوم الستّين ويوم الثمانين ويوم المائة والعشرين إنّما يكون من تضاعيف يوم العشرين.

وهذه هي علامة الدور التامّ لا غيرها أعني أن تكون كلّما ضاعفته لم يحتج إلى دور غيره وليس هذا لشيء من الأدوار التي من قبل يوم العشرين وذلك أنّ دور الأسبوع إذا ضوعفت دائماً خرج إلى اليوم الواحد والعشرين وإلى اليوم الثامن والعشرين واليوم الخامس والثلثين واليوم الثاني والأربعين وإن ضاعفت دور الأربعة عشر خرج على هذا المثال إلى اليوم الثامن والعشرين واليوم الثاني والأربعين وإن ضاعفت أيضاً دور الأربعة خرج إلى الثامن والثاني عشر والسادس عشر ووجب البحران القويّ لهذه الأيّام فقد تبيّن إذا أنّ هذا الدور ليس هو دور تامّ لكنّه كأنّه نصف

دور وذلك أنّ الأسبوع إذا قسم قسمين متساويين وقعت قسمته في الرابع وصار آخر الأربعة الأولى وأوّل الأربعة الثانية.

ولعلّ ظانّاً يظنّ أنّ الأسبوع هو دور تامّ وذلك لأنّه ليس اليوم السابع هو ابتداء الأسبوع الذي بعده لأنّه لو كان الأمر كذلك لكان ينتهي الأسبوع الثاني في اليوم الثالث عشر لا في اليوم الرابع عشر أيضاً لكن لمّا كان الرابع عشر أيضاً هو آخر الأسبوع الثاني وابتداء الأسبوع الثالث وجب ألّا يكون الأسبوع دوراً تامّاً وذلك أنّه ضوعف مرّة فاحتمل أن يضاعف ثمّ إنّه لم يحتمل أن يضاعف مرّة ثانية فإذ كان يجب من قبل أنّ الأسبوعين الأوّلين حسباً على الانفراد أن يقال إنّ الأسبوع دور تامّ ويجب من قبل أنّ الأسبوع الثالث حسب على الاتّصال ألّا يقال إنّ الأسبوع دور تامّ فلا بدّ إمّا من الوقوع من أمره في حيرة أو أن يقال إنّ الأسبوع هو الدور الأوّل البسيط ويقال إنّ الدور المركّب من العشرين هو دور ثانٍ مركّب تامّ.

(١٠) وقد قارب بقراط هذا القول بالبحث عن اليوم الذي ينتهي فيه بحران الأمراض الحادّة أيّ الأيّام هو وذلك أنّ بقراط لمّا قال في كتاب الفصول إنّ الأمراض الحادّة يأتي فيها البحران في أربعة عشر يوماً وجد السوفسطائيّون السبيل إلى هذيان طويل وقد يمكنك من غير هذا الهذيان أن تتقدّم فتعلم البحران قبل أن يكون وتمتحن البحران الذي قد كان وذلك أنّك إن تقدّمت فعلمت أنّ بحران المرض يكون في يوم العشرين

ثمّ جعلت تدبير المريض على حسب هذا فإنّك تنفع المريض منفعة عظيمة والأمر إليك في تسمية المرض.

فإن شئت سمّيته حادّاً وإن شئت سمّيته مزمناً إذ كان المريض كيف سمّيته لا ينفعه ولا يضرّه فأنزل أنّك سمّيت ذلك المرض حادّاً ثمّ دبّرت ذلك المريض بالتدبير المستقيم فأيّ شيء يضرّ المريض أو ينفعه من هذا ثمّ أنزل أنّك سمّيته مزمناً طويلً وقد دبّرته ذلك التدبير كي تعلم أنّ المريض لا ينتفع بذلك ولا يضرّه.

فكما أنّ السوفسطائيّين في أشياء كثيرة غير هذه يشغلون المتعلّمين بالخصومة بالأسماء ويذهب أيّامهم باطلً كذلك الأمر في تحديد الأمراض المزمنة والحادّة وإن كان بالحقّ فليس ينبغي أن نقول إنّ الأمراض كلّها صنفان لكنّه ينبغي أن نقول إنّها أصناف كثيرة جدّاً إذ كنّا نجد الربع تتطاول كثيراً إلى عدد من السنين وقد ينقضي في مثل ذلك العدد من الأيّام ربع أخرى ونجد أمراضاً أخر غير الربع تتطاول أشهراً كثيرة.

فتكون أصناف الأمراض الأول ثلثة وذلك أنّ من الأمراض ما يكون بحرانه في الأيّام ومنها ما يكون بحرانه في الشهور ومنها ما يكون بحرانه في السنين ثمّ في تلك الأصناف الأوّل أصناف أخر جزئيّة وذلك أنّ في الأمراض التي تطول أشهراً المرض الذي ينقضي في شهرين لا يشبه المرض الذي ينقضي في سبعة أشهر وكذلك إذا كان انقضاء المرض في عدد من السنين أو من الأيّام فأصنافه كثيرة جدّاً وذلك أنّه لا يشبه المرض الذي يكون بحرانه في اليوم الثالث المرض الذي يكون بحرانه في اليوم العشرين ولا المرض الذي يكون انقضاؤه في العشرين يمشبه الذي يكون انقضاؤه في الأربعين.

فإن أنت قصدت قصد أصناف الأمراض من نفس طبائعها وجدت أصناف الأمراض بعدد أدوار أيّام البحران فتجعل طبيعة المرض الذي لا يجاوز الرابع [عشر] غير طبيعة المرض الذي لا يجاوز السابع [عشر] وطبيعة كلّ واحد منها بالحقيقة غير طبيعة الآخر وكذلك يعدّ كلّ واحد من اليوم الحادي عشر والرابع عشر والسابع عشر والعشرين وما بعد ذلك من أيّام البحران مرضاً خاصّاً يكون بحرانه فيه.

(١١) وأمّا في التعليم فالأجود إن تحصر في حدود هي أعظم من هذه لئلّا تكثر ولا ينبغي أن تعظم تلك الحدود جدّاً حتّى توضع أمراض بعيدة بعضها عن بعض على الولاء ولذلك ليس أحمد لا من حصر جميع الأمراض في صنفين ثمّ لم يقسم الصنفين إلى أصناف أخر ولا من قال إنّ عدد أصناف الأمراض كعدد أدوار أيّام البحران.

وأنا واصف لك كيف ينبغي أن يكون أفضل التعليم وأوفقه لما يحتاج إليه في الطبّ وإن آثر أحد من السوفسطائيّين أن يعالج الطبّ بعناية ونزل عن ذلك السرير المرتفع الذي يجلس عليه كأنّه ملك كبير ثمّ يفني أيّام الفتيان في الباطل فنفس المعنى يدلّه على ما تحتاج إليه وبهذا الطريق وصل بقراط إلى حسن العبارة في هذا الباب

لأنّه قصد قصد نفس الفعال فدلّته كيف ينبغي أن يعبّر عنها.

فقال في موضع هذا القول إذا كان المرض حادّاً جدّاً فإنّ الأوجاع التي في الغاية القصوى تكون فيه في وقت قريب ويجب أن تستعمل فيه التدبير الذي هو في غاية اللطافة وقال في موضع آخر هذا القول الأمراض الحادّة يأتي فيها البحران في أربعة عشر يوماً وقال أيضاً في موضع آخر وهذه الزيادات تكون على أربعة أربعة إلى العشرين وقال في موضع آخر قد ينبغي أن تعلم أنّ لجودة التنفّس في الدلالة على النجاة قوّة عظيمة جدّاً في جميع الأمراض الحادّة التي تكون مع حمّى والتي يكون بحرانها في أربعين يوماً وذكر أيضاً يوم الستّين ويوم الثمانين ويوم المائة والعشرين ثمّ ترك ذكر هذه أيضاً فقال الأمراض الصيفيّة تنقضي في الشتاء والأمراض الشتويّة تنقضي في الصيف وقال في موضع آخر أكثر أمراض الصبيان يأتي فيها البحران منها في الأربعين يوماً ومنها في سبعة أشهر ومنها في سبع سنين ومنها إذا قاربوا أي الإدراك فجميع هذه الأصناف تنفع منفعة كافية في شرح التعليم وفيما يحتاج إليه من أمر المرض وذلك أنّ طريق التدبير في كلّ واحد من هذه غيرها في الآخر وتعلم هذا إن أنا وضعت لك في جميع هذه الأصناف مريضاً واحداً ليكون لك مثال.

فأنزل أنّ رجلً شابّاً قويّاً مرض مرضاً يكون بحرانه في الأربعة الأيّام الأول فعند هذا المرض فاذكر قول بقراط في كتاب الفصول إنّه متى كان المرض حادّاً جدّاً فإنّ الأوجاع التي في الغاية القصوى تكون في وقت قريب فينبغي أن تستعمل فيه التدبير الذي هو في غاية اللطافة ولا تغذّ المريض بشيء البتّة وامنعه من شرب ماء العسل

ومن كلّ شراب ومره أن يتحامى شرب الماء ما أمكنه ثمّ أنزل أنّ بحران هذا الشاّب يكون في السابع فعند ذلك تغّير التدبير الذي وصفت قبل قليلً واسقه إمّا ماء العسل وإمّا غيره من أشباهه ممّا يوافق طبيعة المرض كما علّمك بقراط.

واستخبر مع ذلك واستعلم ما أنا واصفه لك وبعضه تجده من علامات تدلّك عليه وبعضه تعرفه إذا سألت عنه المريض وهو هل معدته قويّة وتحتمل أن يلبث طويلً بلا غذاء أو يسرع إليه الضرر عند ذلك ويضعف سريعاً وتبحث أيضاً عن حال بدن الرجل كيف هي وبعض ذلك تعرفه من العلامات التي وصفناها لك في كتاب المزاج وبعضها إذا سألت عنه المريض أخبّرك به فإنّ من الناس من ينحلّل بدنه تحليلً سريعاً جدّاً فلا يمكنه لذلك أن يلبث طويلً بلا غذاء وإن كان قبل ذلك قويّاً جلداً فإن شعرت بشيء من هذه الأشياء بمسئلتك عنه للمريض عن حاله أو باستدلال منك عليها وعلمت أنّ بدن المريض يتحلّل سريعاً ويعرض له في معدته ألم إذا خلت فحسه من ماء الشعير بعد أن تستقصي تصفيته في كلّ يوم شيئاً يسيراً واذكر عند هذا قول بقراط إنّه إنّما ينبغي أن يكون بقدر ما يكون قد وصل إلى البدن شيء من الغذاء ولا تخلو الأوعية جدّاً فإذا كان اليوم السابع فإيّاك أن تغذوه وقبل اليوم السابع بيوم فانقص من مقدار ما كنت تغذوه به قبل.

فقد علّمك بقراط هذا أيضاً باستقصاء في كتابه في تدبير الأمراض الحادّة فإن كنت تتوّقع البحران في اليوم الثالث أو في اليوم الرابع فلا تخف من الضرر الذي يعرض

له في معدته إذا خلت ولا من نهكة في بدنه لسرعة الاستفراغ فإن كان المريض مع أنّه شابّ قويّ مقرّاً بأنّه يحتمل أن يلبث بلا غذاء طويلً ورأيت بدنه ليس من الأبدان التي تتحّلل سريعاً ولم يكن مرضه من الأمراض التي تحتاج إلى السكنجبين أو إلى ماء العسل فقد يمكنك أن تقطعه من الغذاء إلى اليوم السابع فإن كنت تتوقّع البحران فيما بعد السابع إلى الحادي عشر أو إلى الرابع عشر فليس يمكنك أن تدعه بلا غذاء ولا أن تغذوه بماء الشعير وحده فليس إذا الاختلاف في التدبير بين الأمراض بيسير وإذ كان ذلك كذلك فاختلاف الأمراض أيضاً ليس بيسير.

(١٢) فلنسمّ الأمراض التي تبلغ إلى السابع حادّاً جدّاً والمرض الذي يجاوز السبع حادّاً بقول مرسل وأذكر الاختلاف الذي في المرض الحادّ جدّاً وهو أنّ منه ما هو على الاستقصاء والحقيقة كذلك وهو الذي ينقضي في الرابع ومنه ما هو على غير الاستقصاء وهو الذي ينتهي إلى السابع وكذلك أيضاً المرض الحادّ فالذي يسمّى منه بهذا الاسم على الاستقصاء والحقيقة هو الذي ينتهي إلى الرابع عشر والذي يسمّى على المجاز بهذا الاسم هو الذي ينتهي إلى العشرين وهو أيضاً ينسب إلى الحدّة ثمّ

من بعد هذا جنس آخر من الأمراض يسمّى حادّاً عارضاً من التنكّس وإنّما وجب أن يسمّى بهذا الاسم لأنّه متى كان بحران ناقص في واحد من الأمراض الحادّة في يوم العشرين أو فيما قبله وانكسر قوّة ما بقي منه كان انقضاؤه في يوم الأربعين أو فيما قبله.

وأمراض أخر تبتدئ منذ أوّلها بحركة ثقيلة بطيئة ثمّ تتطاول إلى الأربعين من غير أن يعرض فيها فيما بين ذلك تغيّر دفعة وهذه الأمراض صنفان وذلك أنّ منها ما تقلع فيه الحمّى عند انحطاط نوائبها إقلاعاً صحيحاً ومنها ما تلبث الحمّى فيه دائمة فما كان منها على هذه الصفة فهي تحسب في عدد الأمراض الحادّة وأمّا تلك الأخر فبيّن أنّها من الأمراض المزمنة.

وقد يستحقّ أرخيجانس أن يحمد في أشياء كثيرة منها هذا الذي نحن فيه قد تبيّن لك منه عنايته وحرصه على أمور الطبّ وهو أنّه إنّما يسمّي المرض حادّاً أو غير حادّ لا بحسب طولة فقط ولكن بحسب حركته وطبيعته وذلك أنّه إذا كان المرض يتحرّك حركة ثقيلة بطيئة وكانت الحمّى تقلع في نوائبها إقلاعاً صحيحاً تطاولت إلى الأربعين فليس أحد ممّن يعقل يسمّيه حادّاً.

فإن انقضى هذا المرض قبل الأربعين أيضاً فإنّه على حال مزمن وقد يسّمي أمراضاً أخر قصيرة ويقول إنّه لا ينبغي أن تسمّى حادّة ولا مزمنة كالحمّيات الخفيفيّة السليمة فإنّ هذه ليست من الأمراض المزمنة وذلك أمر بيّن مكشوف وهي بعيدة من طبيعة الأمراض الحادّة والمرض الحادّ عنده هو الذي يتحرّك حركة سريعة وفيه خطر فترى أنّ المرض يكون انقضاؤه في مقدار واحد من الزمان فنسمّيه مرّة حادّاً ومرّة

غير حادّ وعلى هذا المثال يسمّى هذا حادّاً وذلك مزمناً وإنّما نفرق بينهماب حركتهما.

وقد رأيت كثيراً من المرضى تطاولت بهم حمّى دائمة إلى اليوم الأربعين وإذا قلت حمّى دائمة فافهم عنّي أنّها لا تقلع إقلاعاً صحيحاً فإذا كان المرض هكذا فلك أن تسمّيه غير مزمن وليس لك أن تسمّيه حادّاً بقول مطلق فلمّا كان أخر حدّ انقضاء الأمراض الحادّة العارضة من التنكّس هو يوم الأربعين وكانت أمراض أخر الحمّى فيها دائمة تنتهي إلى الأربعين فلنجعل هذا الوقت مرّة يكون فيه بحران أمراض مزمنة ومرّة يكون فيه بحران أمراض حادّة.

وعلى هذا الوجه قال بقراط في كتاب تقدمة المعرفة فقد ينبغي أن تعلم أنّ لجودة التنفّس في الدلالة على النجاة قوّة عظيمة في جميع الأمراض الحادّة التي تكون مع حمّى حادّة والتي يكون بحرانها في أربعين يوماً ولم يقتصر على أن قال حادّة وقد كان يمكنه ذلك لكنّه زاد التي يكون بحرانها في الأربعين فدلّ على أنّه قد يكون من الأمراض الحادّة ما يكون انقضاؤه التامّ في يوم الأربعين فالأمراض التي تسمّى حادّة بقول مرسل ليست تجاوز الرابع عشر حتّى يكون لها بحران وأمّا الأمراض التي تنتهي إلى الأربعين فمنها ما هو من تلك الأمراض التي أتى فيها البحران في الرابع عشر أو قبله ولم يكن تامّاً ومنها ما هو من تلك التي ذكرتها قبيل وقليلً ما تعرض وقد يكون أيضاً بحران صنف آخر ثالث من الأمراض وهو بالصحّة مزمن طويل في يوم الأربعين وسنذكر هذه الأمراض فيما بعد.

وأمّا هذا الجنس من الأمراض التي ذكرناه قبيل فليسمّ مرضاً حادّاً عارضاً من التنكّس وقد بيّنت في كتب أخر وخاصّة في المقالة الثالثة من كتابي في تغيّر التنفّس أنّ غرض بقراط في كتاب تقدمة المعرفة ذكر الأمراض التي تسمّى حادّة بقول مرسل والأمراض التي تكون من التنكّس بعدها.

فإذا وجدته في آخر كتابه يقول بالجملة إنّ هذا قولي في الأمراض الحادّة والأمراض التي تكون منها ووجدته عند ذكر واحد واحد من الأمراض المفردة يقول مثل ذلك فقد قال عند ذكره الاستسقاء إنّ كلّ استسقاء يكون من مرض حادّ فهو رديء وكذلك قال في أصحاب السلّ والذين يقذفون المدّة والذين تطاولت بهم العّلة زماناً طويلً دلّ ذلك دلالة بيّنة أنّه لم ينس غرضه لكنّه إنّما تكلّم في الأمراض التي تكون عن الأمراض الحادّة وإن كانت مزمنة طويلة وعلى هذا الطريق قال أيضاً إذا كثرت الخراجات الأخر منها ما ينفجر في اليوم العشرين ومنها في يوم الثلثين ومنها في يوم الأربعين ومنها نحو الستّين.

ونجده أيضاً في تعديد أيّام البحران في كتاب تقدمة المعرفة يتجاوز إلى الستّين وذلك واجب لأنّه لمّا كان لم يقصد إلى ذكر الأمراض الحادّة وحدها دون التي يكون عنها فقد أحسن في ذكره يوم الستّين في تعديد أيّام البحران وفي ذكر انفجار الخراجات فمن لم يفهم كلامه في هذا أخذ في التعلّق عليه بالباطل وظنّ أنّ قوله هذا ينقض قوله في كتاب الفصول حين قال إنّ الأمراض الحادّة يكون بحرانها في أربعة

عشر يوماً كأنّ بقراط نفسه لم يبيّن في هذا القول أنّه يعني بالأمراض الحادّة العارضة من التنكّس.

والأمر على ضدّ ما ظنّوا فلولا أنّه علم أنّ الأمراض الحادّة صنفان وأنّ طبيعة الأمراض التي تسمّى حادّة بقول مرسل غير طبيعة الأمراض الحادّة العارضة من التنكّس لما احتاج في قضيّته إلى الزيادة التي زاد لكنّه كان يكتفي بأن يقول إنّه ينبغي أن تعلم بأنّ لجودة التنفّس لها في الدلالة على النجاة قوّة عظيمة جدّاً في جميع الأمراض الحادّة ويمسك لكنّه لمّا علم أنّ هذا الكلام إنّما يدلّ على الأمراض التي تسمّى حادّة بقول مرسل ولم يحبّ أن يدلّ على هذه فقط دون تلك الأخر زاد في قضيّته أوّلً التي تكون مع حمّى ولم يزد في قوله دائماً التي هي من خاصّة الأمراض التي يقال لها حادّة قولً مرسلً ثمّ زاد بعد التي يكون بحرانها في الأربعين فدلّ 〈على〉 أنّ من الأمراض الحادّة أمراض أخر لا يكون بحرانها في الأربعين فهو من جميع الوجوه قد لخّص وبيّن بياناً واضحاً طبيعة الأمراض التي كلامه فيها في كتاب تقدمة المعرفة مفسّرو كتبه يريدون إغلاق ما قد شرحه وبّينه.

والذي زاد في كلام بقراط حرفاً يريد به بعض ما تعلّقوا عليه به معذور والذي فعل ذلك هو من كتّاب نسخته على هذا أنّه ينبغي أن تعلم أنّ لجودة التنفّس في الدلالة على النجاة قوّة عظيمة جدّاً في جميع الأمراض الحادّة التي تكون مع حمّى والتي

يكون بحرانها في الأربعين وقوم وجدوا النسخة على هذا الرسم ينبغي أن تعلم أنّ لجودة التنفّس في الدلالة على النجاة قوّة عظيمة جدّاً في جميع الأمراض الحادّة التي تكون مع حمّى ويكون بحرانها في الأربعين فأقرّوها على حالها ولم يزيدوا فيها التي مرّة ثانية لكنّهم قالوا وإن لم يزد هذا الحرف فينبغي أن يفهم من المعنى حتّى يكون كلامه في نوعين بعضه في الأمراض الحادّة التي قضى عليها في كتاب الفصول بحرانها يكون في الأربعة عشر يوماً وبعضه في الأمراض الأخر التي تكون معها حمّى ويكون بحرانها في الأربعين.

فأمّا من ظنّ أنّ بقراط لم يعن بقوله في كتاب الفصول أنّ بحران الأمراض الحادّة يكون في أربعة عشر يوماً أي بحرانها يكون في اليوم الرابع عشر لكنّه إنّما عنى أنّ جميع أيّام البحران أربعة عشر يوماً وأنّ هذا يؤخذ من مبلغ عددها إذا ابتدأت من اليوم الثالث وهو أوّل يوم من أيّام البحران فعدّدت أيّام البحران إلى الأربعين فمستحقّ للّوم الشديد لأنّ هذا قول من ليس يحسن أن يتطبّب ولا يحسن يحسب ولا يهتدي للفهم وذلك أنّهم لو كانوا أطبّاء لعلموا قبل كلّ شيء أنّه ليس واحد من الأمراض التي هي بالصحّة حادّة ينتهي إلى يوم الأربعين حتّى تنقضي ثمّ كانوا يعلمون بعد أنّ جملة عدد أيّام البحران التي تنتهي إلى الأربعين ليس هي أربعة عشر ومن هذا الوجه للقائل أن يقول فيهم إنّهم ليس يحسنون الحساب وذلك أنّها إن حسبت حساباً صحيحاً على حقّها وصدقها وما يوجد بالعيان وجدت أكثر من أربعة عشر.

وفي كلام بقراط الذي أتينا به قبيل من المقالة الأولى من كتاب أبيذيميا الذي ذكر فيه جميع أيّام البحران إن يجد من يحسن أن يحسب عدد أيّام البحران إلى الأربعين أكثر من أربعة عشر يوماً فإن حسبت أيّام البحران التي تجري على حساب أربعة أربعة فلعلّهم إذا افتضحوا يقرّون أنّ هذه وعدّتها أقلّ من أربعة عشر وقد يمكنك أن تعلم أنّهم مع هذا لا يهتدون لفهم ما يقرؤون ممّا أقول.

وهو أنّه لو كان قال في كتاب تقدمة المعرفة إنّ يوم الأربعين هو يوم بحران الأمراض الحادّة وقال في كتاب الفصول إنّ بحرانها يكون في أربعة عشر يوماً لعلّه كان يمكن متوهّماً أن يتوهّم أنّ الأمر على ما قال هؤلاء [إنّ بحران الأمراض الحادّة يكون على ما قال هؤلاء] فلمّا كان في كتاب تقدمة المعرفة إنّما قال إنّ بحران الأمراض الحادّة يكون في أربعين يوماً وقال في كتاب الفصول أيضاً إنّ بحرانها يكون في أربعة عشر يوماً فالمتأوّل لهذا الكلام وهو نوع واحد تأويلين مختلفين في مستحقّ أن يضحك منه والذين لم يحتاجوا إلى أن يبيّنوا [أنّ] هذا الكلام يوافق بعضه بعضاً من قبل أنّهم قالوا إنّ كتاب الفصول لغير الرجل الذي وضع كتاب تقدمة المعرفة أفضل منهم على أنّ لهؤلاء من كبر النفس أمر عجيب جدّاً.

وقد بيّنّا بياناً كافياً أنّ بقراط إنّما جعل حدّ الأمراض التي يقال لها حادّة قولً مرسلً اليوم الرابع عشر وحدّ الأمراض الحادّة العارضة من التنكّس بعضها يوم الأربعين وبعضها يوم الستّين على حسب ما ينتفع به في تعريفنا أمرها.

(١٣) وبالجملة فينبغي أن تعلم أنّ كلّ ما يكون بقسمه شيء ينسب إلى الكمّيّة إلى ما فيه من الأجزاء فقد يقع فيه العويص اللازم من قبل النقصان والزيادة قليلً قليلً فينبغي إذاً أن نقسم قسمة لا يلزمنا من قبلها أن نضيّف الأجزاء المتباينة جدّاً بعضها إلى بعض وذلك يكون إذا قسمنا ذلك الشيء الذي ينسب إلى الكمّيّة إلى أجزاء كبار ولا يتجاوز الحدّ في القسمة حتّى تكثر الأجزاء جدّاً فتتجاوز المقدار الذي يصلح للتعليم وليس أيّ وجه كانت القسمة يمكن أن تكون به أجود من الوجوه التي وجدنا بقراط قسمها به.

وذلك أنّه قال أوّلً في الأمراض التي هي حادّة جدّاً إنّها تنتهي إلى السابع وقوله ذلك في كتاب الفصول حيث قال إنّه ينبغي أن يغذى بما يغذو في غاية اللطافة ثمّ من بعد فإنّه قال في كتاب تدبير الأمراض الحادّة فمنع قوماً من الطعام البتّة إلى اليوم السابع ثمّ إنّه بعد ذلك جعل اليوم الرابع عشر منتهى الأمراض التي يقال لها حادّة قولً مطلقاً ثمّ تجاوزها إلى اليوم العشرين ثمّ في نوع آخر من المرض إلى يوم الأربعين وفي نوع آخر إلى يوم الستّين ثمّ جعل أقصى حدّ أيّام البحران إلى يوم المائة والعشرين وهو أربعة أشهر.

ثمّ قال من بعد إنّ بعض الأمراض تنقضي في عدد أشهر من الأعداد التي يكون فيها البحران وبعضها ينقضي في عدد سنين من الأعداد التي يكون فيها البحران هذا هو ما ينتفع به في التعليم.

وقد يعرض في هذا الكلام مطالبات كلاميّة تحتاج إلى أن يحتجّ فيها وإحدى تلك المطالبات هي أنّا ربّما رأينا الواحد بعد الواحد من الأمراض المتّفق عليها أنّها حادّة تتجاوز اليوم الرابع عشر ولهذا لم يجعل ذيقليس اليوم الرابع عشر حدّ الأمراض الحادّة لكنّه جعل اليوم الواحد والعشرين وقد أخطأ في أنّه لم يجعل يوم العشرين وجعل اليوم الواحد والعشرين حدّها ولم يخطئ في تجاوزه اليوم الرابع عشر خطاء فاحشا لأنّا قد رأينا قوماً من أصحاب الأمراض الحادّة أصابهم البحران في اليوم السابع عشر وفي يوم العشرين كما وجدنا بقراط قال في كتاب أبيذيميا فإذا كان هذا هكذا وقد نرى بعض الأمراض الحادّة تتجاوز اليوم الرابع عشر فينبغي أن ننظر ما باله وضع حدّها في كتاب الفصول اليوم الرابع عشر وقد يسهل أن نقول لأنّ هذا إنّما يكون في الندرة.

وأمّا الأمر الآخر فتعرض كثيراً ومن عادة بقراط أن يذكر ما رآه كثيراً فقط وليس يذكر في شيء من كلامه ما يعرض في الندرة ولهذه القضيّة إن تدبّرتها على ما ينبغي معنى بعيد الغور وهو أنّ الأمراض الحادّة الصحيحة التي تتجاوز الرابع عشر إلى السابع عشر والعشرين تبتدئ لا محالة وهي كأنّها مدفونة مغمورة وتتحرّك حركة بطيئة ثقيلة ثمّ إنّها من بعد تتحرّك حركة الأمراض الحادّة الصحيحة بعضها في الأربعة الأيّام الأول وبعضها في الأربعة الأيّام الثانية ثمّ إنّها بعد تنتهي إلى السابع عشر أو إلى العشرين وبحران هذه أيضاً إنّما يكون في الرابع عشر أو قبله وذلك أنّ المرض إذا ابتدأ بالحدّة منذ اليوم الرابع ثمّ كان بحرانه في السابع عشر فلم يجاوز الرابع عشر منذ ابتدأت بالحدّة.

وقد يعرف ذلك ديقليس وسائر القدماء كلّهم ونجدهم يقولون إنّ السرسام لا يكاد يكون منذ أوّل يوم فإذا ابتدأ بإنسان السرسام في اليوم الرابع من مرضه ثمّ أتاه البحران في اليوم السابع عشر أو ابتدأ به في اليوم السابع وأتاه البحران في اليوم العشرين فبيّن أنّ البحران إنّما أتاه في اليوم الرابع عشر ومن هذا الطريق فيما أحسب وقع الخلاف في يوم العشرين لأنّه يوجد فيه الأمران جميعاً وذلك أنّه قد يكون فيه كثيراً بحران الأمراض التي تحتدّ بعد أن قد كانت أيّاماً غير حادّة وربّما كان فيه بحران أمراض حادّة قد كان فيها قبل ذلك بحران ناقص.

وأمّا الأمراض التي تبتدئ منذ أوّل يوم حادّة فليس بحران واحد منها يكون في يوم العشرين ومتى انقضى فيه مرض قد كان فيه بحران ناقص في أحد أيّام البحران الذي قبله لم يبطل ذلك أن يكون منتهى الأمراض الحادّة هو اليوم الرابع عشر.

فأمّا الأمراض التي تراها منذ أوّل أمرها مدفونة في قعر البدن ثقيلة بطيئة ثمّ تلبث كذلك إلى يوم الأربعين ثمّ تقوى فتجب أن تسمّى مزمنة وقد يقع الشكّ في الأمراض التي هي بيّنة الحدّة لكنّه يكون فيها بحران قبل العشرين غير صحيح ثمّ تسكن ثمّ تعاود وتعود إلى الحدّة ثمّ يأتي بحرانها التامّ في يوم الأربعين هل ينبغي أن يقال لها حادّة قولً مطلقاً أو حادّة عرضت من التنكّس أو مزمنة ولا ينبغي لنا أن نطلب في الأمور الخفيّة التي يقع فيها الشكّ قضيّة صحيحة لأنّ بحسب طبيعة الشيء تكون القضيّة عليه ومتى كانت طبيعة الشيء بسيطة مفردة على الحقيقة فيجب أن تكون القضيّة عليه مجرّدة بيّنة.

وقد نجد بقراط في كتاب الفصول لمّا جعل اليوم الرابع عشر حدّ الأمراض الحادّة ذكر على المكان اليوم السابع عشر وهذا قوله واليوم السابع عشر أيضاً يوم إنذار من قبل أنّه الرابع من اليوم الرابع عشر وهو السابع من الحادي عشر وهو يشير في هذا القول إلى يوم العشرين كأنّه حدّ ثانٍ للأمراض الحادّة وأمّا إن كانت هذه المقالة قد بلغت من الطول مقداراً كافياً فإنّي أقطعها في هذا الموضع وأذكر كلّ ما بقي على من علم أيّام البحران في المقالة التي بعدها [إن شاء اللّه].

كتاب جالينوس في أيّام البحران

المقالة الثالثة

(١) إنّي واصف مع ما ذكرت من أمر أيّام البحران العلل التي من أجلها لا يكون البحران في الأيّام كلّها للمستحسن للبحث عنها وينبغي للناظر في هذا الباب أن يوافقنا على الأصول التي بها توجد كما قلت في المقالة التي قبل هذه.

وهذه الأصول جنسان أحدهما يؤخذ من التجربة والآخر من القياس أمّا التجربة فتشهد أنّه لا يكون البحران في الأيّام كلّها بالسواء وأنّ أدوار الأسابيع أقوى الأدوار ثمّ من بعدها أدوار الأربعة الأربعة وأنّه يقع بين هذه الأدوار أيّام أخر يكون فيها بحران وأنّ الأسابيع لا تحسب كلّها على الانفراد ولكنّ بعضها يحسب على الاتّصال وأنّ أدوار الأربعة أيضاً لا تحسب كلّها على الانفراد لكنّ بعضها يحسب على الانفراد وبعضها على الاتّصال وأنّ البحران على الأكثر يكون في الأمراض الحادّة في الأفراد وفي الأمراض المزمنة في الأزواج وغير ذلك ممّا أشبهه ممّا قد قلنا قبل إنّ التجربة تشهد على صحّته.

وأمّا القياس فلمّا استعملته في البحث عن علل هذه الأشياء وجدت النظر فيها إنّما يتّسق ويطرّد إذا أنا وضعت لجميع ما يكون أصلين أحدهما مضطرب غير لازم لنظام واحد وطريقة واحدة وهو العنصر الذي فيه الكون والأصل الآخر الأمر الجاري

على نظام واحد وطريقة واحدة من قبل الأجرام السماوية وذلك أنّ جميع ما عندنا إنّما يأتيه النظام من قبل تلك الأجرام فلنرم الآن بأن نأتي بعلل جميع ما يطلب من أمر أيّام البحران على هذين الأصلين جميعاً أعني على ما وجد وعلم بالتجربة وعلى ما دلّ عليه القياس.

(٢) ولنجعل ابتداء قولنا من هذا الموضع فأقول إنّه قد ينالنا شيء من قوّة جميع الكواكب إلّا أنّ أقواها كلّها على نظم ما قبلنا وإلزامه طريقة واحدة مستقيمة هو الشمس وذلك أنّه ليس للربيع والصيف والخريف والشتاء سبب سواه ولا يقوى غيره على ما يقوى عليه من توليد الحيوان ممّا يتولّد منه من أجزاء هذا العالم الخسيسة ومن تبليغ الثمار غايتها ومن تهييج الحيوان إلى السفاد ليبقى نسلها.

وأفعال القمر أيضاً عظيمة في هذا الجوهر الذي قبلنا لكنّها أنقص من أفعال الشمس وهي بعدها في المرتبة الثانية فإنّ نظام الشهور إنّما تكون بالقمر وفعله أظهر

وأبين في الحيوان الذي في البحر إلّا أنّ ذلك أيضاً إنّما يستفيده من الشمس وذلك أنّه إنّما يكون نوره جديداً في أوّل مفارقته للشمس ومقدار ما يستضيء منه أبداً بقدر ما ترى منه الشمس ويعدم النور كلّه إذا حجزت بينها وبينه الأرض فجميع تغاييره إنّما هي من مقدار بعده عن الشمس.

وذلك أنّه يمتلئ ضوءاً إذا صار على القطر حتّى يقابلها وينتصف إذا صار على التربيع ويكون ذا حدبتين إذا صار على التثليث ويصير هلالً إذا صار على التسديس ويكون جديداً في أوّل ما يرى بعد الاجتماع ويخفى بتّة حتّى لا يرى إذا غلب عليه نور الشمس فتعظيمه للثمار وإخصابه لأبدان الحيوان وإجراؤه للطمث على وقت محدود وكذلك أدوار الصرع إنّما هو ممّا ينال من الشمس على حسب قلّته وكثرته وذلك أنّ جميع ما يفعله ما دام شكله هلاليّاً ضعيف وكلّما يفعله إذا صار بدراً قوّي فقد نراه في هذا الوقت ينضج الثمار وينميها أسرع ويعفّن الأبدان الميّتة ويؤثّر أثراً بيّناً فيمن نام في شعاعه أو أطال اللبث فيه بوجه من الوجوه حتّى أنّ الوانهم تحول إلى

الصفرة وتثقل رؤوسهم.

فقد تبيّن أنّ القمر يحتاج إلى الشمس في جميع ما يفعله وأمّا الشمس فلا تحتاج في أعظم أفعالها لا إلى القمر ولا إلى شيء من سائر الكواكب وذلك أنّه لا يقدر شيء منها أن يعوقها عن أن تفعل الصيف إذا سامتت الرؤوس أو قاربت ولا عن أن تأتي بالبرد إذا صار مدارها منحطّاً في غاية الانحطاط عن سمت الرؤوس ولا عن أن تفعل اعتدال الزمان الربيعيّ والخريفيّ إذا مالت ميلً معتدلً وتشبه الشمس الملك العظيم ويشبه القمر الوزير وذلك أنّه لمّا كان في الوسط بيننا وبين الشمس صار مستولياً على ما على الأرض إلّا أنّه في ذلك كالوكيل وليس فضله على سائر الكواكب المتحيّرة بأنّه أقوى منها لكن بقربه منّا ولذلك لا بدّ من أن يغلب البرد على موضعنا إذا صارت الشمس إلى المنقلب الشتويّ ولا بدّ من أن يغلب الحرّ عليه إذا كان دورها على سمت رؤوسنا أو قريباً منه.

فأمّا أيّام كلّ واحد من الشهور فنظامها يأتي من قبل القمر وإنّما سلطانه سلطان يسير إذا قيس إلى الشمس وإنّما سلطانه عليها أيضاً لا من تلقائه لكن من قبل رؤية الشمس له.

(٣) وأقوى آثاره يكون إذا قارب الشمس وإذا صار بدراً ويكون آثاره أضعف من تلك إذا انتصف وأضعف آثاره إذا صار ذا حدبتين أو هلاليّاً وذلك واجب من قبل أنّ أقوى الأشياء على تغيير ما قد كان قبل عن حالة اجتماع القمر مع الشمس حتّى يستغرقه ضياؤها وذلك أنّه كان يرى قبل فصار حينئذ لا يرى ثمّ من بعد ذلك مقابلته إيّاه الأنّها تفصل بين حالات القمر المتضادّة فالمقابلة لذلك أقوى من سائر حالات القمر.

ولست أحتاج أن أبيّن أنّ التنقّص ضدّ التزيّد ثمّ من بعد 〈الاجتماع و〉المقابلة التنصيفين فكلّ واحد منهما يقسم الزمان بنصفين أمّا النصف الأوّل فيقسم زمان التزيّد وأمّا النصف الثاني فيقسم زمان التنقّص.

وأضعف التغيير الحادث في الهواء من قبل القمر إذا صار في الشكل الهلاليّ وفي الشكل ذي الحدبتين والتغيير الذي يحدث من القمر إذا صار ذا حدبتين أضعف لأنّه ليس يتغيّر القمر كبير تغيّر كما يتغيّر إذا صار هلاليّاً فلذلك لست أذمّ أراطس في استخفافه بهذا الشكل لضعفه وأحمد الذين ذكروه لاستقصائهم الأمر وإن قلّ.

وأمّا التغايير التي تحدث من القمر إذا امتلأ وصار بدراً فلها أمر خاصّ لا يوجد لغيرها وأكثر من هذه أيضاً التغايير التي تحدث من القمر إذا اجتمع مع الشمس وذلك أن ّامتلاء القمر يغيّر تغييراً سريعاً جدّاً وأمّا مجامعة القمر للشمس فيحدث منها تغيير

〈غير〉 مستو طويل وذلك أنّه لا يظهر فيه شيء ظهوراً بيّناً حتّى يرى القمر وهذا الزمان أعني زمان خفاء القمر هو زمان طويل وكأنّه مقدار مسير برج تامّ.

فأمّا النقلة من التزيّد إلى التنقّص فسريعة جدّاً وذلك أنّ ليس بينهما إلّا نقطة فبيّن أنّ القمر يجوز تلك النقطة في زمان لا يحتمل القسمة فيجب من هذا أن يكون ما يحدث من التغيير عند امتلاء القمر سريعاً وما يحدث عند اجتماعه بالشمس بطيئاً طويلً وذلك أنّ وقت خفاء القمر يشبه بعضه بعضاً ووقت أوّل رؤيته شبيه بوقت خفائه لقّلة ما يرى من القمر وضعف ضيائه وقلّة الوقت الذي يلبث فيه فوق الأرض.

(٤) فما يحدث من التغيير في الشهر كلّه إنّما يتّصل ويتبيّن بياناً صحيحاً في اليوم الثاني بعد ظهور القمر وهو أوّل وقت يتبيّن فيه القمر ويلبث فوق الأرض مدّة لها قدر وينبعث منه ضياء محسوس ويكون في ضوئه ظلّ بيّن وأمّا في اليوم الأوّل فإنّما لبث القمر فوق الأرض إلى أن يغيب الشفق ففي اليوم الأوّل إنّما مغيب القمر مع ضوء الشمس وربّما غاب قبله وأوّل ظهوره البيّن إنّما يكون في اليوم الثاني وذلك ربّما كان أكثر وربّما كان أقلّ ويكون هذا على حسب بعده من الشمس ومقدار بعده من

الشمس يكون من قبل حركة القمر الخاصّيّة له وذلك أنّه ليس يتحرّك أبداً بالسواء من قبل اختلاف العرض ومن قبل أنّ غروب البروج لا يستوي زمانه ومع ذلك أيضاً من قبل وقت الاجتماع الذي كان قبل فليس إذاً الوقت الذي يظهر فيه القمر ظهوراً بيّناً وقتاً واحداً دائماً لكنّه في أكثر الأمر يلبث القمر ثلثة أيّام عند الاجتماع وهو لا يرى بتّة أو يرى ولكنّه لا يقوى على تغيير ما قبلنا ويصير من جهة الوقتين وقتاً واحداً أعني وقت دور القمر ووقت فعله فينا.

وذلك أنّ دور القمر هو سبعة وعشرون يوماً وقريب من ثلث وذلك أنّه يقطع دائرة البروج كلّها في هذا المقدار من الزمان فأمّا دور رؤية القمر فقد يمكنك أنتعلم أنّ عدد أيّامه موافق لهذا العدد إن نقصت من زمان الشهر كلّه وقت خفاء القمر وقد بيّن إيبرخس في كتاب مفرد أنّ زمان الشهر ليس هو ثلثون يوماً تامّة لكنّه ينقص نحواً من

نصف يوم وقد يعرف عامّة الناس أنّ الشهر الذي يسمّى ناقصاً هو تسعة وعشرون يوماً والشهر الذي يسمّى تامّاً هو ثلثون يوماً وذلك أنّه ينبغي أن تكون جملة أيّام الشهرين تسعة وخمسين يوماً إن صحّ أنّ كلّ واحد منهما ينقص من الثلثين نصف يوم.

(٥) وكما أنّ تدبير السنة كلّها يكون بالشمس كذلك تدبير الشهر يكون بالقمر وتحدث فيه التغايير في الأسابيع وذلك أنّ من أوّل رؤيته حتّى ينتصف ومنذ تراه منتصفاً إلى أن يمتلئ كلّ واحد من الزمانين سبعة أيّام وهما جميعاً أربعة عشر يوماً وإن حسبت أيضاً الأيّام التي من انتصاف الشهر إلى أن ترى القمر قد صار نصف دائرة وجدتها سبعة أيّام ومنذ ذلك أيضاً إلى أن يخفى القمر سبعة وليس يجهل أحد من الناس أنّه يعرض في الهواء تغيير عظيم عند أوّل ما يخفى القمر وأوّل ما يظهر وأعلم الناس بذلك من عني به عناية أكثر وهم أصحاب فلاحة الأرض وتدبير السفن في البحر وإذا رأوا القمر حين يظهر محاذياً لواحدة من الرياح قضوا من ذلك بوقوف الهواء على حال هبوب تلك الريح.

وقد قال أراطس أيضاً في بعض كلامه في القمر حين يرى بعد الاجتماع قولً صحيحاً وهو هذا:

إن كان قرن القمر الهلال الأعلى شديد التقويس فينبغي أن تتوقّع أن تهبّ الشمال وإن لم يكن مقوّساً فينبغي أن تتوقّع أن تهبّ الجنوب.

وقد قال أيضاً في الكتاب الذي ذكر فيه ذلك القول إنّه

ليس جميع العلامات التي ترى في القمر تدلّ كلّ واحدة منها على شيء واحد بعينه في جميع أيّام الشهر لكنّ العلامات التي تظهر في اليوم الثالث أو في اليوم الرابع منذ ابتداء الشهر تدلّ على ما يكون إلى أن يصير القمر نصف دائرة والعلامات التي تظهر في القمر وهو نصف دائرة تدلّ على ما يكون إلى نصف الشهر والعلامات التي تظهر في القمر في نصف الشهر تدلّ على ما يكون إلى أن يعود القمر فيصير نصف دائرة في تنصّفه والعلامات التي تظهر في القمر إذا صار نصف دائرة تدلّ على ما يكون إلى أربعة أيّام والعلامات التي تظهر في اليوم الرابع تدلّ على ما يكون إلى تتمّة [وثلثين يوما].

ومعناه في هذا القول أنّه ليس يكتفي بالعلامات التي تظهر في أوّل رؤية القمر في الاستدلال على زمان الشهر كلّه منذ أوّل القمر إلى آخره لكنّ أشكال القمر التي تكون إذا صار نصف دائرة وإذا صار بدراً قد يفعل تغييراً وكلّ تغيير سريع الحركة يسمّى بحراناً والاسم الذي قلت إنّهم يسمّون به الحال التي تكون عند مصير القمر في الشكل الهلاليّ قد يسمّون به أيضاً الحال التي تكون عند تبدّر القمر فيسمّونها وقوف الهواء كما يسمّون تلك بدراً وذلك أنّ البدر أيضاً له قوّة قويّة وأمّا مصير القمر إلى نصف دائرة فإنّه أضعف من البدر وقد يغيّر أيضاً الهواء المحيط بنا فقد تبيّن إذاً أنّ الشهر يتغيّر في الأسابيع من قبل القمر إلّا أنّه لم يتبيّن بعد مثل ما تبيّن هذا لجميع الناس أنّ سائر الأشياء كلّها تتغيّر من القمر في الأسابيع.

لكنّ جميع من عنى بأشباه هذه الأشياء وتفقّدها متّفقون على أنّ تدبير الحمل كلّه من بعد أن تعلق المرأة ونشوء الطفل بعد ولاده وابتداء كلّ فعل من الأفعال إنّما يحدث فيه التغيير العظيم في أدوار الأسابيع وذلك أنّا قد نجد إذا تفقّدنا هذا أنّ جميع ما يحدث في الأعداد من الأيّام في جميع الأشياء إنّما سببه القمر وأنّ أكثر تغييره للأشياء إذا صار في التربيع أو على القطر.

من ذلك أنّ المرأة إذا علقت أو ولدت أو كان ابتداء شيء من الأشياء عند مصير القمر في الثور فالتغيير العظيم يحدث في ذلك الشيء إذا دار القمر دائرة البروج فصار في الأسد أو في العقرب أو في الدلو إلّا أنّ مصيره في الأسد على ربع الدائرة أسبوعاً واحداً ومصيره في العقرب على القطر أسبوعين وكذلك مصيره في الدلو على الربع أيضاً ثلثة أسابيع وذلك يكون ضرورة من قبل أنّ القمر كما قلت قبل يقطع دائرة البروج في سبعة وعشرين يوماً ونحو من ثلث يوم فإذا كان يقطع الدائرة كلّها في هذا المقدار من الزمان فهو يقطع ربعها في سبعة أيّام إلّا شيئاً يسيراً وينبغي أن تحفظ عنّي هذا عندما أريد أن أذكره لك أعني أنّ قطع القمر لربع الدائرة ليس يكون في سبعة أيّام تامّة.

(٦) وأنا راجع إلى شيء قد تفقّدته بعناية واستقصاء شديد فوجدته حقّاً صحيحاً لا يخلّ وهو شيء استخرجه المنجّمون المصريّون وهو أنّ القمر يدلّ على الأيّام كيف تكون حال الإنسان فيها في مرضه وفي صحّته وذلك أنّه إن ضامّ بعض الكواكب المعتدلة من المتحيّرة وهي التي تسمّى السعود كانت تلك الأيّام لذلك الإنسان أيّاماً

صالحة وإن ضامّ بعض الكواكب المتحيّرة الخارجة عن الاعتدال كانت تلك الأيّام لذلك الإنسان أيّام أذى وغمّ.

فأنزل أنّ إنساناً ولد والسعود في الحمل والنحوس في الثور فأقول إنّ هذا الإنسان لا محالة إذا كان القمر في الحمل أو في السرطان أو في الميزان أو في الجدي يحسن حاله ومتى كان في الثور أو في أحد البرجين اللذين عن تربيعه أو في البرج الذي يقابله فإنّ حاله تكون حالً رديئة والأمراض أيضاً التي تعرض له فإنّما ابتدأ منها والقمر في الثور أو في الأسد أو في العقرب أو في الدلو فهي أردى أمراضه وما كان ابتداؤها والقمر يسير في الحمل أو في السرطان أو في الميزان أو في الجدي فهي أسلم أمراضه وأحرى أن ينجو منها والتغايير العظام التي قلنا إنّها تكون في الأسابيع إذا صار القمر على ربع دائرة البروج أو على نصفها فإنّها تكون في الأمراض القتّالة قتّالة وفي الأمراض التي تؤول إلى النجاة صالحة محمودة.

ولذلك يذمّ بقراط كلّ تغيّر يكون للمرض إلى ما هو أردى في أيّام البحران لأنّ هذا من أعراض الأمراض القتّالة وضدّه من علامات المرض الذي يؤول إلى النجاة فإن طالبنا أحد بالعلّة التي من أجلها صار القمر متى كان على ربع دائرة البروج أو على النصف منها كانت قوّته أقوى ما تكون كان قد حاد وبعد جدّاً عن غرضنا الذي قصدنا

أن نخبّر بما يحتاج إليه في هذا العلم والذي يحتاج إليه من ذلك ما يتبيّن لك به أمر طبيعة الأسبوع.

وأنا راجع فيما قلت فأجمله فأقول إنّ القمر إذا صار في التربيع أو على المقابلة ثمّ كان ابتداء المرض ابتداء صالحاً غيّر المرض تغييراً صالحاً وإذا كان ابتداء المرض رديئاً غيّر تغييراً رديئاً وهذا مع ما قد اتّفق عليه المنجّمون فقد تقدر أن تتفقّده وتتعرّفه في المرضى وإن أنت لم تتفقّد هذه الأشياء ولم تصدّق من قد تفقّدها فقد صرت واحداً من هؤلاء السوفسطائين الذين قد امتلأ العالم منهم الذين يريدون منّا أن نبيّن لهم بالقياس ما هو واضح للعيان وإنّما كان ينبغي أن يفعلوا ضدّ هذا فيقيسوا ممّا يظهر للحسّ على ما لا يظهر للحسّ فكلّ ما يحدث من الأشياء فعلى حسب ابتداء حدوثه تكون الأدوار كلّها التي من بعد موافقة له.

(٧) ومن الأدوار ما يكون في عدد الأيّام ومنها في عدد الشهور والأدوار التي تكون في عدد الأيّام هي الأسابيع ومجراها على مجرى القمر وأمّا الأدوار التي تكون في عدد الشهور فإنّ مجراها على مجرى الشمس وتكون على ما أصف وأنا جاعل على مفتاح كلامي ما قال بقراط إنّ الأمراض الصيفيّة تنقضي في الشتاء والأمراض الشتويّة تنقضي في الصيف فاعلم أنّ هذا هو حدّ بحران الأمراض المزمنة كما أنّ اليوم الرابع عشر حدّ الأمراض الحادّة وذلك أنّ الزمان الذي هو في الشهر منذ أوّله إلى

التبّدر وهو نصف دور القمر كلّه نظير الزمان الذي من الشتاء إلى الصيف والزمان أيضاً الذي من التبدّر إلى خفاء القمر نظير الزمان الذي من الصيف إلى الشتاء وكلّ واحد من هذين الزمانين إذا قسم بقسمين متساويين كان قسمه في الأمراض الحادّة أسبوعاً وكان قسمته في الأمراض المزمنة طلوع الكواكب العظيمة وغروبها التي بها يفصل الربيع والصيف والخريف والشتاء وذلك أنّ هذه الأوقات ليس تقسم بعدد أيّام متساوية ولم يرض بذلك أحد من المنجّمين لكنّها إنّما تفصل بتغيّر بيّن يحدث في الهواء وعلى وجه آخر.

كما أنّ الأسبوع وقت بحران الأمراض الحادّة كذلك فصل السنة وقت انقضاء الأمراض المزمنة فإنّ المرض الحادث في الشتاء ينقضي في الربيع 〈والأمراض التي تحدث في الربيع تنقضي في الصيف والأمراض التي تحدث في الصيف تنقضي فيالخريف〉 والأمراض التي تحدث في الخريف تنقضي في الشتاء وإذا قسّمت كلّ واحد من أزمنة السنة قسمين متساويين فإنّ القسم منه نظير نصف الأسبوع من الشهر والمنجّمون يقولون إنّه كما أنّ لكلّ واحد من أزمنة السنة ابتداء ومنتهى يحدّه طلوع الكواكب العظام وغروبها كذلك فإنّ له وسطاً يحدّه طلوع كواكب آخر فكلّ تغيير يكون في الأمراض فلا يخلو أن يكون إمّا على حسب ابتداء حدوثه وإمّا على حسب تغيير الهواء المحيط بنا.

والسبب في تغيير المرض الذي يكون على حسب ابتدائه هو القمر والسبب في تغييره على حسب تغيير الهواء أمّا في السنة كلّها فهو الشمس وأمّا في كلّ واحد من الشهور فهو القمر فيعرض من هذه الأشياء أن يكون أقوى التغيير ما كان خاصّاً لكلّ واحد من الأمراض على مجرى الأسابيع وقد يدخل في ذلك ويخالطه شيء من قبل تغيير الهواء المحيط بالمريض فيجب من ذلك أن يزول التغيير عن أن يكون في جميع الأوقات على حال واحدة إلى أن يصير في أكثر الحالات كذلك.

وقد يغيّر أيضاً نظام هذا ولزوم لطريق واحد تغييراً أكثر من ذلك صعوبة ونوائب الحّمى التي قد تضطرّ الطبيعة إلى أن تفعل البحران قبل وقته كما سنقول بعد قليل والآفات التي تدخل على المرضى من وجوه شتّى بعضها من خطأ الأطبّاء عليهم إن كان ينبغي أن يسمّى من كان كذلك طبيباً ولا يسمّى مفسداً للطبّ وأكثر من في زماننا هذا على هذه الصفة وبعض الآفات تدخل على المريض من خطأ يخطئه على نفسه وبعضها قد يكون من قبل خدمه وبعضها قد يكون من الأشياء التي تعرض من خارج كما قد قلنا قبل فإنّ في قوّة أدوار الأسابيع لعجباً إذا كانت هذه الأسباب على كثرتها تقطع علّتها وتعوقها وهي بعد أبداً توجد أقوى من سائر الأيّام التي ليست على مجرى الأدوار.

وأيّام البحران التي تقع بين الأيّام التي تجري على أدوار هي في الأمراض الحادّة أكثر منها في الأمراض المزمنة لأنّ البدن في الأمراض الحادّة مستعدّ متهيّئ للتغيير

لشدّة ما هو فيه من الحركة والاضطراب وأمّا في الأمراض المزمنة فدور الأسابيع ألزم لطريق واحد ونظام واحد.

(٨) فينبغي أن نبتدئ الآن أيضاً من الأمراض الحادّة ونبحث عن علل جميع أيّام البحران على الولاء فأقول إنّ في اليوم الأوّل تنقضي الحمّى التي تسمّى إفيمارس وهي حمّى يوم وليس يكون انقضاؤها مع مجاهدة واضطراب عظيم وقد ظنّ قوم بأبقراط أنّه ذكر في تعديد أيّام البحران في المقالة الأولى من كتاب أبيذيميا اليوم الأوّل وقد اخطأوا في ذلك ضربين من الخطأ وذلك أنّه إنّما قال الدور الأوّل لا اليوم الأوّل في تعديد أيّام الأفراد وفي تعديد أيّام الأزواج وكما أنّه لمّا ذكر في تعديد الأيّام الأزواج الدور الأوّل اتبع ذلك ذكره اليوم الرابع كذلك في تعديد الأيّام الأفراد بعد ما قال الدور الأوّل ذكر اليوم الثالث وقد جهلوا هؤلاء أيضاً أكثر من جهلهم بهذا ما قال بقراط في أوّل كتاب تقدمة المعرفة عند ذكره الوجه الشبيه بوجه الميّت وهو قوله إنّ بحران هذا هل إنّما صار الوجه كذلك من قبل هذه الأسباب أو من غيرها يكون في يوم وليلة ولم يعلموا أنّه إنّما عنى بالبحران في هذا الموضع البيان الفاصل فينبغي أن ندع ذكر هؤلاء.

ونجعل ابتداء الأيّام التي يتغيّر فيها المرض تغيّراً سريعاً مع اضطراب اليوم الثالث منذ أوّل المرض كما قلنا قبل وليس بين هذا اليوم بعد وبين الأسبوع مشاركة ولا نسبة لكنّه من الأيّام الواقعة بين الأدوار وقد قلت قبل إنّ الأسبوع إذا قسم بقسمين متساويين

وقعت القسمة على اليوم الرابع ولذلك اليوم الرابع من كلّ أسبوع له قوّة قويّة وقد يقع البحران في اليوم الثالث والخامس ليس بدون ما يقع في الرابع على أنّ هذين اليومين أيضاً من الأيّام الواقعة بين الأدوار وليس يكون ذلك من قبل شيء سوى أنّ البحران إنّما يكون مع نوبة الحمّى وقد تشهد على ذلك التجربة وإن طلبت ذلك بالقياس لم تخف عليك علّته.

وهي أنّ صعوبة الاضطراب تضطرّ الطبيعة إلى أن تنفي الشيء المؤذي للبدن عنه من قبل الوقت الذي ينبغي وذلك أنّ للطبيعة قوّة تدفع بها كلّ ما خالفها ونافرها كما قد بيّنّا في كتابنا في القوى الطبيعيّة ووقت عمل هذه القوّة هو وقت تمام عمل القوّة المغيّرة وفراغها منه فقد بيّنّا أنّ القوّة الدافعة ليس إنّما تفعل فعلها إذا كانت الأشياء كلّها تجري مجرى الطبيعة إذا فرغت القوّة المغيّرة من فعلها وسكنت لكنّها قد تضطرّ في بعض الأوقات أن تدفع الشيء المؤذي من قبل أن يتمّ النضج وكذلك أيضاً ربّما كان النضج قد تمّ وتؤخّر القوّة دفع الفضل لضعفها.

وقد يظهر لنا هذان الأمران ظهوراً بيّناً في المعدة وذلك أنّا نراها إذا صار فيها شيء يزعجها ويقلقها لم تنتظر لما يقع فيها وقت هضمه ولكنّها تدفع على المكان مع الشيء المؤذي الشيء الذي يحتاج إليه وربّما رأيناها وقد هضمت الطعام هضماً تامّاً وهي تؤخّر دفع فضلته لضعفها فإذا كانت لازمة لحالها الطبيعيّة فإنّ وقت الهضم التامّ

هو حدّوقت دفع الفضل الذي لا تقدّمه ولا تؤخّره إذا بلغت إليه وقد بيّنّا أنّ في كلّ واحد من الأعضاء مثل ما في المعدة قوّة تدفع الأشياء المخالفة له وأنا أقول إنّ هذه القوّة هي التي تفعل البحران في الأمراض وإنّما يكون البحران في وقته إذا كانت الأخلاط التي في البدن قد نضجت.

وأمّا كون البحران قبل وقته فرديء وذلك أنّه يخرج من البدن مع ما يؤذيه الشيء الذي يحتاج إليه ويكون ذلك إذا هيّج الطبيعة مهيّج إمّا من عارض يعرض من خارج البدن وإمّا من شيء في داخل البدن والأشياء التي تعرض من خارج هي خطأ الطبيب على المريض وخطأ المريض على نفسه وخطأ خدمه عليه وأشياء أخر تعرض من خارج تسمّى خاصّة بهذا الاسم وأمّا الأشياء التي من داخل البدن فهي الأمراض وعللها ونوائب الحمّى فافهم أنّه يعرض للطبيعة ما يعرض للإنسان الضعيف إذا آذاه من هو أقوى منه وهو أنّه يهيج بشدّة وحميّه من قبل الوقت الذي ينبغي فيقابل ذلك الذي آذاه وهو لم يستعدّ له بعد فيغلب أو مثل ما يعرض لمن أراد أن يلقي عن نفسه حملً ثقيلً فلم يملك نفسه حتّى سقط مع الحمل أو كما يعرض لمن أحضر إحضاراً شديداً سريعاً ثمّ لم يملك نفسه حتّى سقط وتأذّى.

وجميع هذه المقالات تدلّك على الأمراض الرديئة وقد تكلّمت فيها في كتاب البحران كلاماً واسعاً ودعاني إلى ذكرها أيضاً في هذا الموضع ما أردت من شرح

معنى بقراط في قوله إّن البحران يكون قبل وقته ولم يمكن أحداً أن يتكلّم في أيّام البحران ولا يدخل في كلامه شيئاً من الكلام في البحران ولا أن يتكلّم في البحران ولا يدخل في كلامه شيئاً من الكلام في أيّام البحران لكنّه قد ينبغي أن نردّ كلامنا إلى ما قصدنا إليه ونذكر ممّا يقرب منه ما لا بدّ من ذكره فقط.

فأقول إنّ أحد الأشياء التي تهيّج الطبيعة وتزعجها وتقلقها نوبة الحمّى فإنّها لا تدع الطبيعة إن تسكن وتستقرّ لكنّها تحرّكها وتهيّجها وكأنّها في المثل تستدعيها إلى المخارجة والمحاربة ولذلك يكون البحران في الأمراض الحادّة في الأفراد.

وأمّا العلّة التي من أجلها صارت نوائب الحمّى تكون في الأمراض الحادّة في أكثر الأمر غبّاً وتكون في الأمراض المزمنة إمّا في كلّ يوم وإمّا أن تعود نوبة الحمّى في اليوم الرابع فليس الوصول إليها يسهل ولا أنت مضطرّ إلى البحث عنها في هذا الموضع وأمّا أن كان الأمر كذلك فالعيان يشهد بذلك فأجعل هذا أصلً ومفتاحاً للأمر الذي قصدنا إليه لأنّا إذا أنزلنا الأمر على حسب ما يرى عياناً اتّفقت النوبة الثانية من أوّل المرض في اليوم الثالث والنوبة الثالثة في اليوم الخامس والنوبة الرابعة في اليوم السابع والنوبة الخامسة في اليوم التاسع وكلّها تكون في الأفراد فلمّا كانت الطبيعة لا تهيّج دائماً في الوقت الذي ينبغي لعمل البحران لكنّها قد تهيّجها كثيراً أسباب مختلفة تعرض في وقت دون وقت وبعض تلك الأسباب وهو يعرض كثيراً في الأمراض الحادّة استصعاب

نوبة الحمّى وقد بيّنّا أنّ نوبة الحمّى في الأمراض الحادّة يقع في الأفراد وجب أن يكون البحران في الأمراض الحادّة في الأفراد على أكثر الأمر وليس القوّة على عمل البحران من قبل الأيّام أنفسها وينبغي أن تفهم هذا دائماً ولكنّه إنّما اتّفق لها هذا بالعرض.

وقد بيّنت فيما أرى بياناً واضحاً ما ذلك العرض وهو أنّه لمّا كان البحران إنّما يكون في أوقات نوائب الحمّى ونوائب الحمّى تقع فيها في الأفراد صار البحران يكون فيها في الأفراد ولو كان في نفس عدد الأيّام قوّة على عمل البحران لربّما كان ينبغي أن يكون البحران في الأمراض الحادّة في الأفراد على الأكثر وفي الأزواج على الأقلّ لكن كان ينبغي أن يكون أبداً في الأفراد ولا يكون في وقت من الأوقات في الأمراض الحادّة في الأزواج ولست أقول أيضاً إنّ عدد السبعة والأربعة هو علّة البحران لكنّه لمّا كان القمر في إصلاحه وتجديده لما على الأرض قد اتّفق أن تكون أدوار حركاته في هذه الأعداد وجب أن تكون أوقات التغيير في هذه الأعداد وليس التغيير الحادث فيها على الأرض من تغيير الأعداد لكنّه من القمر لكن لمّا كان الشيء الذي يغيّرها متحّركاً لزم الزمان تغييره لها ضرورة فلزم أيضاً العدد ضرورة.

فليس هو من قبل أنّ كلّ عدد زوج فهو أنثى وكلّ عدد فرد فهو ذكر يكون البحران في الأمراض الحادّة في الأفراد وذلك أنّه لا يجب أن تطلق أنّ الفرد أقوى من الزوج فلو أطلقنا بأنّه أقوى منه وجب أن يكون أضعفهما أنثى وأقواهما ذكر ولا إن قلنا أيضاً إنّ الزوج أنثى والفرد ذكر وجب أن يكون بحران الأمراض الحادّة في عدد ذكر وبحران الأمراض المزمنة في عدد أنثى وكلّ هذيانهم في قوى الأعداد فهو بيّن

الشناعة والقبح وكثيراً ما أذكر فيثاغورس فأعجب منه إذ كان رجلً حكيماً ورضي أن يقول في الأعداد إنّه يبلغ من قوّتها هذا وليس هذا وقت الهذيان مع من يهذي.

ويكفي في هذا الموضع أنّ القمر يغيّر ما على الأرض وأنّ أعظم تغييره يكون في الأسابيع ثمّ من بعد فأنّه يفعل تغييراً دون ذلك في أنصاف الأسابيع وأنّ البحران يحتاج أن يكون مع نوبة الحمّى وأنّ نوبة الحمّى تكون في الأمراض الحادّة غبّاً فإذا وضعنا هذا وجب أن يكون البحران النائب في الأمراض الحادّة في الأفراد أكثر.

فلذلك وجب أن يكون البحران في الثالث والخامس وليس يكون البحران فيها من قبل دور القمر لكنّه يكون إمّا من قبل أنّ البحران المستعدّ لأن يكون في اليوم الرابع يتقدّم فيكون في الثالث لصعوبة نوبة الحمّى وإمّا من قبل أنّ الطبيعة تكلّ ولا يهيّجها مهيّج في اليوم الرابع فتسكن وتتودّع ثمّ تتحرّك في اليوم الخامس وتأخّر هذا بعد اليوم الذي هو بالحقيقة يوم بحران يسيراً وتقدّم الثالث أيضاً عليه يسيراً وصار البحران يأتي فيهما لقربهما من اليوم الذي هو بالصحّة يوم البحران واتّفاق نوائب الحمّى فيهما يأتي اليوم التاسع أيضاً لأنّه متوسّطين يومين من أيّام البحران وهما السابع والحادي عشر فهو إمّا أن يقبل البحران الذي جاوز السابع فلم يكن فيه أو يتقدّم البحران الذي كان يريد أن يكون في الحادي عشر فيكون فيه وأقلّ ما يكون فيه البحران الذي وقته السابع وأمّا بحران اليوم الحادي عشر فكثيراً ما يتقدّم فيكون فيه وذلك أنّ البحران الذي هو خاصّ للسابع لا يتأخّر إلى التاسع إلّا عند دخول الآفة على المريض من وجوه شتّى

وسأبيّن هذا في كتاب البحران وأمّا بحران الحادي عشر فإنّه إنّما يتقدّم فيكون في التاسع إذا كان الأمر على خلاف ذلك أعني متى فعل المريض كلّما يحتاج إليه على ما ينبغي بالحقيقة وكانت نوبة الحمّى في اليوم التاسع شديدة صعبة.

وقد يمكنك أن تستدلّ استدلالً بيّناً على أنّ البحران إنّما يقع في هذه الأيّام من قبل صعوبة نوائب الحمّى ومن قبل أنّ هذا لا يعرض إذا تطاول المرض مثل ما يعرض في المرض الحادّ وذلك أنّه على حسب تنقّص شدّة نوائب الحمّى ينقص عدد أيّام البحران التي يقع بين الأدوار ويبلغ من شدّة قوّة صعوبة الأدوار في عمل البحران أنّا نرى البحران في الأمراض التي هي حادّة جدّاً قد يكون في جميع أيّام المرض إلّا القليل وذلك أنّ آخر أيّامها السابع وهو يوم بحران ومن قبله لا الرابع فقط لكنّ الثالث أيضاً والخامس والسادس أيّام بحران.

وقد شكّ الناس في اليوم الأوّل فقال بعضهم إنّه يوم بحران وخالفهم بعض فلم يبق إلّا اليوم الثاني وهو دون سائر الأيّام خارج من أيّام البحران واجعل إن شئت اليوم الأوّل أيضاً خارجاً من أيّام البحران فإنّه وإن كان الأمر كذلك فإنّ الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع كلّها أيّام بحران وكلّ يوم من أيّام المرض بعد أوّله قد نراه يكون فيه بحران في المرض الحادّ جدّاً من قبل صعوبة نوائب الحمّى واليوم السادس على أنّه ليس من أيّام البحران التي تجري على الأدوار ولا هو أيضاً فرد فإنّه قد يقبل البحران كثيراً لأنّه قبل اليوم الأخير من أيّام الأمراض الحادّة جدّاً.

وجميع هذه الأمراض جنسان إمّا أن تكون الحمّى المطبقة التي يسمّيها اليونانيّون سونوخوس وهي التي تلبث من أوّل كونها إلى وقت البحران على شبيه بحال واحدة

لا تكون فيها أوقات تنقّص محسوس وإمّا إن تكون حمّى فيها أوقات ننقّص بيّن وتزيّد ظاهر ولا تكون نوائبها غبّاً فقط لكن يكون لها في الأيّام التي فيما بين كلّ نوبتين من نوائب الغبّ نوبة أخرى كالحمّى التي يسمّيها اليونانيّون ايميطريطاوس والصنف الأوّل من الأمراض الحادّة جدّاً كأنّه إنّما هو نوبة واحدة فليس للأفراد من قبل نوبة الحّمى على الأزواج فيه فضل لأنّ الحمّى في جميع الأيّام بالسواء.

فأمّا الصنف الثاني فإنّه وإن كانت نوبة الحمّى العظيمة وأوائل أدوارها إنّما تكون غبّاً لكنّه قد تكون في اليوم الذي بين كلّ نوبتين في الأمراض الحادّة جدّاً نوبة تبلغ من شدّتها وقوّتها ألّا تكون بدون نوائب الحمّى العظيمة في الأمراض الأخر فإذا كان مجرى المرض يدلّ على أنّ منتهاه يكون في السابع وأنّ بحرانه في هذا اليوم يكون على حسب تغيّر نفس المرض ثمّ كانت نوبة الحمّى قبل السابع عظيمة تضطرّ الطبيعة أن تتحرّك لعمل البحران قبل الوقت الذي ينبغي أو عرض عارض من خارج يهيّجها فإنّ البحران يتقدّم فيكون في السادس وهذا البحران ينقص عن البحران الذي يكون في السابع على حسب تقدّمه إيّاه.

وقد يكون في السادس بحران رديء جدّاً على وجه آخر وسأبيّن ذلك في كتاب البحران بكلام واسع لأنّ تمييز البحران الجيّد من الرديء كتاب البحران أولى به وأمّا في هذا الكتاب فقصدنا فيه أن نخبّر بحال أيّام البحران فقط لكنّ لمّا كنت قد صرت إلى صفة اليوم السادس كلّها فإنّي أزيد في صفة ما ذكرت قبيل باختصار وإيجاز.

فأقول إنّه قد تبتدئ أمراض فتكون في اليوم الثاني أثقل وأصعب منها في اليوم وفي اليوم الرابع من اليوم الثالث وجميع نوائب الحمّى تكون فيها في الأزواج الأمراض كما سأبيّن في كتاب البحران من طبيعة الأمراض المزمنة لكنّ بحرانها يتقدّم كأنّها حادّة لصعوبتها وقد تقتل هذه الأمراض في اليوم الثاني وفي الرابع إلّا أنّ الأكثر يموت في السادس وذلك أنّ الطبيعة في اليوم الثاني تكون بعد قويّة وتكون أيضاً في الرابع قويّة بعد وهي في الرابع أقوى منها في السادس لكنّها لا تتقدّم على المجاهدة والمحاربة للمرض.

وأمّا في السادس فكثيراً ما يدعوها إلى ذلك صعوبة نوبة الحمّى فيعرض للطبيعة عند ذلك أحد أمرين إمّا أن تخور وتطفأ من قبل أن تدفع الشيء المؤذي لها أو تدفع أكثره ثمّ لا تقوى على أن تأتي على آخره حتّى تضعف وتكلّ ويسقط فلا يقدر على الحركة فإنّ هي فيما بعد من الزمان تراجعت وانتعشت وقويت أنضجت ما بقي من الفضل الجالب للمرض قليلً قليلً فإن كان ما بقي من المرض أكثر من مقدار قوّة الطبيعة فإنّ بقاء المريض في الحياة يكون على حسب مقدار احتمال الطبيعة للمرض ثمّ أنّ المريض يموت فقد قلت الآن في أيّام البحران الواقعة بين الأدوار قولً كافياً.

(٩) وأنا قائل في يوم العشرين واليوم الواحد والعشرين لم صار البحران يكون فيهما إلّا أنّه يكون في اليوم العشرين أكثر فأقول إنّ العلّة في ذلك أنّ المرض الذي يكون بحرانه في هذا الوقت مرض مزمن ونوائب الحمّى فيه تكون في الأزواج وأقول أيضاً إنّ الأسبوع ليس هو سبعة أيّام تامّة كما قلت قبل وقد علم ذلك بقراط أيضاً وذلك

أنّه لمّا قال في كتاب تقدمة المعرفة إنّ هذه الزيادات تكون أربعة أربعة حتّى تنتهي إلى العشرين قال في إثر هذا الكلام هذا القول وليس يمكن أن يحسب شيء من هذه على حساب أيّام تامّة على الحقيقة لا كسر فيها ولا حساب السنة أيضاً ولا حساب الشهور يجري على حساب أيّام تامّة لا كسر فيها.

فكما أنّ السنة أيضاً تزيد على ثلث مائة وستّين وخمسة يوماً جزءاًوهو أكثر من ربع يوم والشهور ينقص من الثلثين نصف يوم وكذلك الأسبوع ينقص عن أن يكون سبعة أيّام تامّة سدس يوم فليس تكون ثلثة أسابيع أحداً وعشرين يوماً تامّة ولكنّها تنقص نحواً من نصف يوم فلذلك يصير مثل هذا العدد إلى الجانبين بالسواء لأنّه ليس هو إلى واحد من العشرين والواحد والعشرين أقرب منه إلى الآخر وذلك أنّه لمّا كان دور القمر كلّه سبعة وعشرين يوماً وثلث فصار من قبل ذلك كلّ واحد من الأسابيع سبعة أيّام غير سدس يوم صارت الأسابيع الثلثة عشرين يوماً ونصف يوم فيوم العشرين لمّا صار الدور الصحيح قريباً منه اجترّ البحران إليه لأنّ هذه الأمراض التي يكون بحرانها في هذا الوقت هي أمراض متطاولة ومزمنة وأدوارها تكون في الأزواج.

فأمّا الأمراض التي أدوارها في الأفراد فإنّ بحرانها يتجاوز إلى اليوم الواحد والعشرين ولمّا كان زمان الشهر مع دور القمر أيضاً فإنّ زمان الشهر وهو زمان رؤية القمر فيه قوّة على التأثير فينا كما قلنا قبل وذلك أنّ دور القمر في فلك البروج هو خاصّ لابتداء كون كلّ واحد من الأشياء التي تحدث قبلنا.

فأمّا زمان الشهر وهو زمان رؤية القمر فإنّه إذا كان يغيّر الهواء المحيط بالأرض قد يفعل فينا جميعاً فعلً مشتركاً عامّاً وقد بيّنّا أنّ هذا الزمان يكون نحواً من سبعة وعشرين يوماً فإنّ أسبوعه يكون أقلّ من الأسبوع الأوّل وذلك أنّك إن نقصت من ثلثين يوماً الثلثة الأيّام التي يكون فيها اجتماع الشمس والقمر التي لم يحدث للهواء فيها بعد بحران أو نقصتها من تسعة وعشرين يوماً ونصف يوم فإنّ الزمان الذي يبقى وهو الزمان الذي يكون فيه للقمر ضوء بان من التغيير على الحساب الأوّل سبعة وعشرون يوماً وعلى الحساب الثاني ستّة وعشرون يوماً ونصف.

وقد قلنا إنّه يحدث في أبداننا من التغيّر من قبل القمر ضربان أحدهما خاصّ والآخر عامّ أمّا الخاصّ فعلى حسب ابتداء شيء ممّا يحدث فيها وأمّا العامّ فعلى حسب تأثير الهواء فيها مع الكلّ ويجتمع الضربان جميعاً وزمان التغيّر العامّ أنقص قليلً من زمان التغيير الخاصّ فيجب من قبل هذا أيضاً أن ينقص مقدار الأسبوع شيئاً وذلك أنّ التغيير العامّ إذا خالط التغيير الخاصّ وزمان العامّ أقلّ من زمان الخاصّ وجب من ذلك أيضاً أن ينقص شيئاً من مقدار الأسبوع حتّى يكون متوسّطاً بين مقدار التغيير

العامّ وبين مقدار التغيير الخاصّ.

وإذا قلت التغيير الخاصّ فافهم عنّي التغيير الحادث من قبل دور القمر في فلك البروج وذلك أنّ الأثر في كلّ واحد منّا يكون من قبل هذا غير الأثر الذي يكون في الآخر.

وإذا قلت تغييراً عامّاً فافهم عنّي الأثر الحادث فينا من زمان الشهر الذي قد بيّنت قبيل أنّه ليس يكون سبعة وعشرين يوماً تامّة وذلك أنّك إن نقصت من زمان الشهر الصحيح الذي ينقص عن ثلثين يوماً كما قلنا نصف يوم مع الثلثة الأيّام التي يكون فيها اجتماع الشمس والقمر صارت الأيّام الباقية أقلّ من سبعة وعشرين يوماً بنصف يوم وهذا هو الوقت الذي يقسم إلى الأسابيع لا زمان الشهر كلّه فزمان الأسبوع العامّ إذا الذي يغيّر الهواء المحيط بنا أقلّ من زمان الأسبوع الخاصّ لكلّ واحد منّا.

وقد قلنا إنّ للأسبوع العامّ أيضاً قوّة على التأثير فينا فمن قبل هذا ينقص شيء من زمان ذلك الأسبوع الآخر حتّى يكون الأسبوع المتوسّط بينهما الذي كأنّه مختلط منهما أقلّ من سبعة أيّام بأكثر من سدس يوم وليس يعرف حقيقة ذلك الاختلاط والنقصان إلّا اللّه [عزّ وجلّ] وأمّا على حسب فكر الإنسان وحدسه فأشبه الأشياء

وأولاها أن يجعل الأسبوع المشترك من الأسبوعين متوسّطاً بينهما فلمّا كان زمان رؤية القمر البيّنة القويّة منه ستّة وعشرين يوماً ونصف يوم وزمان دوره في فلك البروج سبعة عشرون يوماً وثلث صار الزمان المتوسّط بينهما ستّة وعشرين يوماً ونصف يوم وثلث وجزء من اثنى عشر وإنّما تقف على الزمان المتوسّط بينهما إذا جمعت الزمانين وأخذت النصف وهذا الزمان المتوسّط أقلّ من سبعة وعشرين يوماً بجزء من اثني عشر جزءاً من يوم فإن أنت قسمت هذا إلى أرباع وجدت أنّ مقدار الأسبوع الصحيح ينقص عن سبعة أيّام أكثر من سدس يوم فخذ ربع ستّة وعشرين يوماً ونصف وثلث وجزءاً من اثني عشر فيكون هذا الزمان ستّة أيّام ونصف وخمس وجزء من ستّين وجزء من مائة وعشرين وجزء من مائتي وأربعين وقد يمكنك أنّ تصف هذا الزمان بكلام آخر وهو أن تقول ستّة أيّام ونصف يوم وسدس وجزء من أربعة وعشرين وجزء من ثمانية أربعين.

وهذا الزمان ينقص من سبعة أيّام ربع يوم وشيء يكون على الحساب الصحيح جزءاً من ستّين 〈وجزءاً من مائة وعشرين〉 وجزءاً من مائتين وأربعين فإذا كان الأمر هكذا كانت ثلثة أسابيع عشرين يوماً وسدس يوم وجزءاً من ثمانية وأربعين فإذا نحن

حسبنا الحساب الصحيح على هذا الوجه وجدنا فضل الثلثة الأسابيع على العشرين فضلً يسيراً وصار البحران أولى بيوم العشرين جدّاً من يوم الواحد والعشرين.

أمّا أنا فقد بيّنت على حقائق الأمور على رأي بقراط أنّه لا يمكن أن يحسب شيء من هذه الأشياء على حساب أيّام تامّة لا كسر فيها لا الأسبوع ولا دور الأربعة ولا الشهر ولا السنة ولا شيء غير هذه من جميع الأشياء.

(١٠) ومن عسر عليه هذا الاستقصاء فيالكلام فما أحد يضطرّه إلى تعليمه ويقتصر على المقالة الأولى من هذا الكتاب فإن لم يغلب عليه الكسل جدّاً فليقرأ مع الأولى الثانية فإنّي لأعلم واستيقن أنّي إنّما كتبت هذا الذي كتبت ليسير من الناس وما كتبت ذلك بإرادتي واللّه [عزّ وجّله] يعلم ذلك وهو [تعالى] شاهدي عليه أنّه ما دعاني إلى أن أكتب ما كتبت إلّا قوم من أصحابي حملوني عليه وسألوني ذلك.

(١١) ولو كنت أظنّ أنّ هذا الكلام يحتمله العوامّ لكنت جاهلً وإنّي لأعلم أنّ الألذّ عند أكثر الناس أن يقال له في علل أيّام البحران إنّ الواحد لا أثر له وإنّ الاثنين طلقاً

ومن وجه آخر إنّ الواحد صورة والاثنين عنصر غير متناهٍ والثلثة عنصر متناهٍ أو نظام أو عدد تامّ أوّل أو متجسّم أو بسيط فقد نجدهم يقولون كلّما خطر لهم ببال وكّل واحد منهم يذكر شيئاً ويسّمون بعض الأعداد أثينا وبعضها أرطامس وبعضها أفلون وما يمنعني أن أقول هذا 〈لا〉 أنّي لا أحسنه ولكنّي لا أرضى أن أقوله لأنّي لا أجد السبيل إلى أن آتي على كلامهم هذا ببرهان.

وقد بيّنّا لإخواننا مراراً كثيرة بالفعال أنّ من استعمل هذا الكلام البارد فقد يسهل عليه أن يحمد أيّ عدد شاء أو يذمّه وقد يخرج أصحاب هذا الهذيان تماديهم في هذا الجنون أنّهم إذا ذكروا الأسبوع أو غيره من الأعداد لا يكتفون بأشباه هذه الأقاصيص البغيضة حتّى يقولوا إنّ الثريّا سبعة كواكب وإنّ الدبّ الأصغر والأكبر كلّ واحد منها سبعة كواكب وحتّى يقولوا إنّ مدينة ثبين لها سبعة أبواب وإنّ الأبواب إلى مدينة ثبين سبعة.

ولا أدري ما بال ديون لمّا أصابته الشوصة إذ كانت كواكب الثريّا سبعة كان بحرانه في اليوم السابع وقد نجده في وقت آخر قد كان بحرانه في التاسع وفي وقت آخر في اليوم الحادي عشر وأيّ شيء يشبه إن النيل ذو سبعة أفواه أن يكون بحران ثاونٍ من حمّى عرضت له مع ورم في الرئة كان في اليوم السابع وقد نجده في وقت آخر أتاه البحران في الخامس وفي وقت آخر في الرابع.

لكن كما في سائر الأشياء نجد الرداءة ضربين وهما الزيادة والنقصان كذلك في هذا الأمر نجد بعض الناس يمقتون ويشنؤون من رام الأخبار بالحقّ في أيّام البحران لمقتهم الكلام جملة واستثقالهم له ونجد بعضهم يغرق في الهذيان حتّى يذكر ما لا ينبغي ذكره ويقول إنّ كواكب كلّ واحد من الدبّ الأكبر والأصغر سبعة وقبل كلّ شيء فهذا ليس هو حقّ وهذا يدلّك على جهلهم وإن أنزلنا أنّه حقّ فقد نجد العوّاء ليس هو سبعة كواكب ولا التنّين الذي يمرّ بالدبّ الأكبر والأصغر ولا الجاثي ولا الممسك للحيّة ولا السرطان ولا الأسد ولا شيء من الاثني عشر برجاً التي تسير فيها الكواكب المتحيّرة على أنّ الفلاسفة فضلً عن المنجّمين متّفقون على أنّ تدبير هذا العالم ونظامه من قبلها

فقد ينبغي ألّا يقبل هذيان من يهذي في هذا الباب ولا يضطرّ من يفرّ منه إلى النظر فيه.

(١٢) فأمّا أنا فأرى أنّي قد وصلت من هذا الباب إلى حقيقة ما يمكن الإنسان أن يصل إليه وهو أمر قد كان عرفه بقراط قبلي كما قد بيّنت كلامه الذي وضعته قبل لكن لمّا أغفله الكثير درس وما أجد شيئاً قاله بقراط باطلً ولا قوله أيضاً إنّه لا يمكن أن يحسب شيء من هذه الأشياء على حساب أيّام تامّة لا كسر فيها وأخذت أصلً قد أجمع عليه مع المنجّمين وجميع الفلاسفة الناظرين في الطبائع أصحاب الفلاحة والملاحة وسائر الناس وهو أّن تدبير ما على الأرض يأتي من قبل القمر وأنّه من الشمس بمنزلة وزير لملك عظيم فتبيّنت من ذلك أنّ أيّام البحران لازمة لأدوار القمر وتبيّنت أيضاً العلّة في وقوع الأيّام التي تقع بينها وأوضحت السبب الذي دعا بقراط إلى أن يحسب ثلثة أسابيع عشرين يوماً لا أحداً وعشرين يوماً.

وإذ قد تبيّن هذا فليس يعسر أن تعلم أيضاً السبب الذي دعاه إلى أن يقرّر الأسبوع الأوّل من الثاني وأن يصل الثالث بالثاني وهو أنّه لم يكن ينبغي أن يصل الأسبوع الثاني بالأوّل إذ كان البحران إنّما يكون في الرابع عشر ولا كان ينبغي أن يقرّر الأسبوع الثالث من الثاني إذ كان البحران يكون في العشرين أكثر ممّا يكون في واحد وعشرين ولأنّ هذين الأسبوعين الأوّلين حسبا على الانفراد وحسب الثالث على الاتّصال وجب أن تكون أيضاً أدوار الأربعة بعضها يحسب على الانفراد

وبعضها على الاتّصال فالأربعة الثانية موصولة بالأولى لأنّ الأسبوع الأوّل إذا قسم بقسمين متساويين كان كلّ واحد منهما نصفه والأربعة الثالثة مفرودة من الثانية لأنّ الأسبوع الثاني مفرود من الأوّل والأربعة الثالثة موصولة بالرابعة لأنّهما نصفا الأسبوع الثاني والأربعة الرابعة موصولة بالخامسة لأنّ الأسبوع الثالث موصول بالثاني والأربعة السادسة أيضاً موصولة بالخامسة في اليوم السابع عشر لأنّ كلّ واحد منهما نصف الأسبوع الثالث.

(١٣) ومن أنفع الأشياء في حسن تدبير المريض وتقدير غذائه أن تتقدّم فتعلم متى وقت البحران فأمّا نظرك في المرض الذي يكون فيه البحران في المثل في يوم العشرين كيف ينبغي أن يسمّى أحادّاً أو مزمناً فلن ينفع المريض شيئاً.

وقد يمكنك من غير أن تنطق في هذا الحرف ولا تتفكّر البتّة كيف ينبغي أن يسمّى المرض أو تدبّر المريض تدبيراً مستقيماً إن لم تدع شيئاً من الأشياء التي تصلح لهذا فقد قلت الآن الحقّ وهو الشيء الذي ينتفع به وأنا مقتّل هذيان السوفسطائيّين ومبيّن مبلغ غلط كثير من الأطبّاء وبعدهم عمّا ينبغي وقد يظنّ كثير من الأطبّاء أنّ المرض الحادّ هو الذي يأتي بحرانه بسرعة وأنّ المرض المزمن ضدّه وليس هذا حقّاً وذلك أنّا نجد مرضاً قصيراً وليس هو بحادّ وضدّ هذا المرض المزمن إن شئت أن تسمّيه مزمناً أو طويلً أو كيف شئت وضدّ المرض الحادّ مرض آخر ليس له اسم خاصّ.

وذلك واجب من قبل أنّ المرض الحادّ لمّا كان في قول أرخيجانس هو الذي يتحرّك

بسرعة وفيه خطر وفي قول بقراط هو الذي يكون والحمّى فيه دائمة لزمه ضرورة أن يأتي فيه البحران بسرعة فهو لطريق حركته يسمّى حادّاً وينقضي بسرعة لمبادرته إلى منتهاه وهذا معنى سرعة حركته أن يكون خبيثاً مبادراً إلى منتهاه فهو لا محالة يكون قصيراً لكنّه ليس من جهة ما يقال إنّه حادّ يقال إنّه قصير لكنّه يقال إنّه حادّ من قبل سرعة حركته ويقال إنّه قصير لأنّه لا يمكن أن يتطاول إذا كان يتحرّك بسرعة وقد نجد مرضاً آخر قريباً من هذا وهو قصير إلّا أنّه ليس بحادّ فقد نجد كثيراً من أصناف الحمّى التي يقال لها حمّى يوم التي تكون إمّا من حرّ شمس وإمّا من برد وإمّا من تعب يسير وإمّا من سهر وإمّا من غمّ وإمّا من شرب نبيذ وإمّا من عصب وإمّا من سبب آخر شبيه بهذه تكون يسيرة قصيرة معراة من الخطر وليس من عادة أحد من العوامّ فضلً عن الأطبّاء أن يسمّوا هذا مرضاً حادّاً فهذا الفرق بين المرض الحادّ والمرض القصير وهو بيّن.

فأمّا المرض البطيء والمرض المزمن فمختلطان إلّا أنّ المعنى ليس بواحد إذ كان البطيء إنّما هو ضدّ الحادّ والطويل ضدّ القصير فكلّ مرض حادّ فهو لا محالة قصير وكلّ مرض طويل فهو لا محالة بطيء وليس متى كان المرض قصيراً فهو لا محالة حادّ ولا متى كان المرض بطيئاً فهو لا محالة طويل فمن قبل هذه التراكيب والتزاويج إذ كانت ليست بالبيّنة لكثير من الأطبّاء غلطوا في أسماء هذه المعانى ثمّ غلطوا أيضاً في تعرّف أنفس المعاني.