Galen: De optima corporis nostri constitutione (The Best Constitution of our Bodies)

Work

, (Περὶ ἀρίστης κατασκευῆς τοῦ σώματος ἡμῶν)
English:

Text information

Type: Translation (Arabic)
Translator: Ḥunayn ibn Isḥāq
Translated from: Syriac (Close)
Date: between 830 and 870

Source

I = Istanbul, Süleymaniye, Ayasofya 3725 (8), 94v-99r
N = Madrid, Biblioteca Nacional, 5011 (4), 138v-143v
P = Paris, Bibliothèque Nationale, arabe 2847 (4), 114v-118v

بسم اللّه الرحمن الرحيم

مقالة جالينوس في أفضل الهيئات ترجمة حنين بن إسحق

(١) قال جالينوس: قد ظنّ كثير من الأطبّاء والفلاسفة القدماء أنّ أعدل أمزجة البدن أفضل هيئاته. وليس الأمر علی ما ظنّوا لكنّه يجب أن يكون أفضل هيئات البدن أعدل أمزجته وليس أن يكون أعدل أمزجته أفضل هيئاته لا محالة لأنّ المزاج المعتدل من الحارّ والبارد والرطب واليابس إنّما هو صحّة لأعضاء البدن المتشابهة الأجزاء وأمّا تركيب البدن من هذه الأعضاء فإنّما يتمّ من وضعها في مواضعها وتقدير عظمها وعددها وخلقتها. وقد يمكن أن يكون بدن جميع أعضائه التي منها تركيبه معتدل المزاج وفيه آفة في قدر عظمها أو في عددها أو في خلقتها أو في تأليف بعضها إلی بعض.

وأنا ملتمس الإخبار عن جميع هذه المعاني علی الولاء وأبتدئ من الأسماء التي تضطرّني الأمر إلی استعمالها في هذا القول لأنّه قد كثر المراء فيها. فبعض الناس سمّى هذا المعنی الذي قصدت لتبيينه «أفضل هيئات البدن» وبعض سمّاه «أفضل حالاته» وبعض «أفضل بنيته» وبعض «أفضل طبائعه» علی نحو ما رأی كلّ واحد منهم. وأمّا أنا فإنّي لا ألوم من شاء أن يسمّيها كيف شاء ولا أمدح من لام من سمّاها بخلاف ما سمّاها لأنّ أعظم همّنا وأكثره إنّما ينبغي أن نصرفه في المعاني التي

نتكلّم فيها لا في أسمائها. فمن شاء أن يسمّي هذا المعنی «أفضل هيئات البدن» وإن شاء «أفضل حالاته» وإن شاء «أفضل بنيته» وإن شاء «أفضل طبائعه» بعد أن يبتدئ من معنی قد اتّفق الناس عليه ويسلك مسلك وجود جوهره ويكون بحثه علی ترتيب ما وفي طريق البحث فهو عندي أحمد وآثر ممّن رأيته خبيراً بأمر الأسماء حاذقاً بها.

فلنقصد نحن أيضاً قصد هذا الطريق ونبتدئ من المعنی المتّفق عليه فنحدّه ثمّ نسلك في طريق البحث إلی ما ينتظمه.

(٢) فنقول إنّا وجدنا الناس عامّة متّفقين في توهّم هذا المعنی الذي سمّيناه «أفضل الهيئات» وليس يسمّونه كلّهم باسم واحد إلّا أنّهم يذهبون من تلك الأسماء المختلفة إلی معنی واحد بعينه. فكلّهم يحمد أفضل الأبدان صحّة وكلّهم يحمد أفضلها بنية والفريقان يقصدان إلی معنی واحد عليه تقع أوهامه إلّا أنّهم لا يفهمونه فهماً شافياً ولا يحسنون أن يعبّروا عنه تعبيراً صحيحاً واضحاً. إلّا أنّهم يقولون إنّه ينبغي أن تكون أفاعيل جميع أعضاء البدن قويّة ولا تقهره الأسباب الممرضة سريعاً وكون الأفاعيل علی المجری الطبيعيّ هو الصحّة وكونها بقوّة حسن البنية وامتناع البدن من سرعة قبول الأمراض مشترك لهما.

فيجب أن يكون حسن البنية هو أفضل الصحّة التي يشتاق إليها جميع الناس. ويتبعه أمران أحدهما صلاح الأفاعيل والآخر بقاؤها وامتناعها من

الانتقاض. فلذلك سمّيت هذه الحال حسن البنية لأنّ في اسم «البنية» دليلاً علی الثبات وعسر الانتقاض وحسن البنية أوكد في الدلالة علی هذا المعنی لأنّ حسن البنية يدلّ علی البنية الفاضلة. فيجب من هذا أن يكون إن سمّينا غاية الصحّة «أفضل الهيئات» أو إن سمّينا «أفضل البنية» بهذا الاسم لم نخطئ ولم نحكم عليه من عسر الانتقاض صلاح الأفاعيل.

وإذ قد فرغنا من تحديد هذا فينبغي أن نبحث عن جوهر هذه البنية لنعلم ما هو والشيء الذي منه يكون ابتداء وجودها ثمّ نبحث عن الحال التي إذا كان عليها البدن فعل أفعاله بأفضل الجودة. ونحتاج في هذا المعنی إلی ذكر أشياء قد بيّنّاها في كتب أخر أوّلها أنّ أبداننا من امتزاج الحارّ والبارد والرطب واليابس وقد بيّنّا ذلك في الكتاب الذي وضعناه في الأسطقسّات علی رأي أبقراط. والثاني تحديد أمزجة أعضاء البدن وقد بيّنّا ذلك في كتاب المزاج. والثالث أنّ كلّ واحد من أعضاء البدن الآليّة فيه جزء واحد هو سبب فعله وسائر ما فيه من الأجزاء التي بها تتمّ جملة العضو الآليّ إنّما جعلت لمكان ذلك الجزء الذي هو علّة الفعل وقد بيّنّا ذلك في كتاب منافع الأعضاء.

فأفضل هيئات البدن هي إذا كان كلّ واحد من الأعضاء المتشابهة الأجزاء علی المزاج الذي يصلح له وكان تركيب

الأعضاء الآليّة من الأعضاء المتشابهة الأجزاء علی أجود الاعتدال في مقادير العظم والعدد والخلقة والتأليف لبعضها عند بعض. وليس العلم بأنّ هذا البدن يفعل أفعاله كلّها بأفضل الجودة وبأنّه أبعد الأبدان من قبول الألم ممّا يعسر لأنّه لمّا كان الفعل إنّما يكون علی غاية الجودة من قبل اعتدال مزاج الأعضاء المتشابهة الأجزاء واعتدال تركيب الأعضاء الآليّة. وكان هذا البدن الذي ذكرنا بهذه الحال فهو أجود الأبدان أفعالاً ويتبيّن أيضاً أنّه أبعد الأبدان من قبول الألم ممّا أقول.

(٣) وهو أنّ الآفات تعرض للبدن إمّا من أسباب من خارج وإمّا من أسباب من داخل أعني من فضول الغذاء. والأسباب التي من خارج هي حرّ الشمس والبرد والرطوبة واليبس التي تلقی البدن بإفراط. والتعب أيضاً والسهر والحزن والغمّ وما شاكل هذه الأشياء من هذا الجنس. وأمّا فضول الغذاء فإنّ الآفة تعرض منها للبدن علی جهتين كلّيّتين لأنّ الفضول تضرّ بالبدن إمّا بكمّيّتها وإمّا بكيفيّتها وأمّا الجهات الجزئيّة التي تعرض بها الآفة من الفضول للبدن فكثيرة مختلفة الأنواع.

فيتبيّن أنّ البدن المعتدل تعسر استحالته من الأسباب التي من خارج من اعتدال مزاجه لأنّ الشيء المعتدل المزاج يعسر خروجه إلی الإفراط لكثرة بعده عن جميع الأطراف. ومن قبل أنّه أيضاً جيّد الفعل فهو بعيد من قبول الألم لأنّه لا يناله الإعياء سريعاً.

والكيموس أيضاً الذي يتولّد في هذا البدن أجود منه في جميع الأبدان فلذلك هو أحمل الأبدان للحزن والغضب والسهر والهمّ ولرطوبة الهواء ويبسه وحرّه وبرده. وبالجملة فإنّه أحمل من جميع الأبدان للأسباب الممرضة لأنّ الأبدان التي يتولّد فيها كيموس رديء هي التي تسرع إليها الآفة من هذه الأسباب بظهور ما هو كامن فيها ممّا هي له في أنفسها قريبة من المرض.

فقد يتبيّن أنّ هذه الحال من حالات البدن يوجب له البعد من الاستحالة من الأسباب التي تعرض من خارج. ويتبيّن لك أيضاً أنّه بعيد من أن تناله الأسقام من فضول الغذاء إذا تفكّرت أنّه لا يجتمع في مثل هذا البدن لا امتلاء ولا كيموس رديء سريعاً وإن اجتمع لم يفسده سريعاً لأنّ اعتدال الأفعال الطبيعيّة بعضها عند بعض وفضيلة كلّ واحد منها في نفسه يمنعان من سرعة تولّد الفضول ويعينان علی سرعة نفيها عن البدن إن هي تولّدت. وإن بقيت الفضول أيضاً زماناً طويلاً في هذا البدن كانت غلبتها غلبة أقلّ منها علی سائر الأبدان لأنّ سرعة غلبة الأسباب الممرضة علی الأبدان إنّما تكون لضعفها ورداءة مزاجها وشدّة احتمال البدن لها. ومقاومته إيّاها إنّما تكون لقوّته واعتدال مزاجه والبدن الفاضل هو علی هذه الحال.

وقد بيّنت علامات اعتدال المزاج في كتاب المزاج وبيّنت اعتدال تركيب الأعضاء الآليّة في المقالة

السابعة عشر من كتاب منافع الأعضاء وسأذكرها في هذا القول أيضاً فيما بعد. ولأنّا قد بيّنّا في الكلام علی الصحّة أنّ الصحّة ليست شيئاً لا عرض له ولا بسيط ولا غير منقسم ولكنّها شيء ذو عرض كثير. فأری أنّه ينبغي لمن قصد أن ينتفع بكلامه من أراد علاج صناعة الطبّ ألّا نقتصر علی ذكر البدن الذي إنّما يوجد في الندرة وكأنّه مثال يوجد في الفكر بمنزلة قانون فولوقليطس دون أن نذكر أيضاً الأبدان التي قد نقصت عن هذا في شيء ولم يظهر بعد فيها لذلك النقصان كثير مضرّة لأنّا بهذا الوجه نصير إلی أن نعرف البدن الذي هو علی أفضل الهيئات إذا نظرنا إليه وإن كان قليلاً ما يوجد وإلی أن نعرف سائر الأبدان التي هي علی غير هذا البدن إذا نحن رأيناها لأنّ البدن الذي هو علی غاية الجودة في جميع أعضائه حتّی لا يزول فيه شيء من الأعضاء المتشابهة الأجزاء ولا من الآليّة لا يكاد أن يوجد إلّا في الندرة وأمّا الأبدان التي تنقص عن هذا البدن نقصاناً يسيراً فقد يوجد كثيراً.

(٤) والبدن الذي هو معتدل المزاج علی الحقيقة هو متوسّط بين الليّن والصلب والأزبّ والأزعر والواسع العروق وضيّقها والعظيم النبض والصغير النبض. والبدن الذي هو معتدل في أعضائه الآليّة هو بالجملة كقانون بولوقليطس وأمّا الأبدان التي هي أسخن ممّا ينبغي بقدر يسير أو أبرد قليلاً أو أرطب أو أجفّ

أو خلقة عضو من أعضائها غير مستوية فإنّا ربّما رأيناها قد فارقت البدن المعتدل في شيء من الأشياء. فقد نری البدن الذي هو أصلب من البدن المعتدل أبعد قبولاً للألم من جميع الأسباب العارضة من خارج والبدن الذي هو ألين من المعتدل أبعد قبولاً للألم من الأسباب التي تتولّد من داخل البدن. وكذلك أيضاً فإنّ البدن الذي هو أكثف من المعتدل هو أحمل منه لما يعرض من خارج والذي هو أسخف أحمل لما يعرض من داخل كقول أبقراط في كتاب الغذاء: «إنّ الأبدان التي يعينها التخلخل معونة كثيرة علی التحلّل هي أصحّ الأبدان والأبدان التي معونة تخلخلها على تحلّلها أقلّ فهي أسقم» إنّما قاله فيما تفعله فضول الغذاء من الصحّة والسقم لأنّه لم يكن غرضه في ذلك الكتاب أن يتكلّم علی الأصحّاء كلّهم جملة ولا علی المرضی كلّهم جملة ولكنّه إنّما كان غرضه أن يخبر بجميع المنافع والمضارّ التي تكون من الغذاء ولذلك ذكر حال الأبدان في الصحّة والسقم التي تلزمها من قبل فضول الغذاء ولأنّ البدن الذي هو أشدّ تخلخلاً فإنّه أصحّ وأقلّ مرضاً من فضول الغذاء والبدن الذي هو أشدّ تكاثفاً فهو أسرع إلی السقم من فضول الغذاء. وأمّا الأسباب العارضة من خارج فالأمر فيها علی خلاف ذلك وذلك لأنّ البدن الذي هو أشدّ تخلخلاً أسرع إلى قبول الألم منها والبدن

الذي هو أشد تكاثفاً أبعد من قبول الألم منها.

فقد تبيّن أنّ الأبدان التي قد زالت عن الاعتدال إلی أحد الطرفين قد تفوق في شيء من الأشياء البدن المعتدل الذي لا يمكن أن يقال إنّه متخلخل ولا متكاثف لكن وسط فيما بين هذين الطرفين وفيما بين جميع الأطراف لأنّ البدن الذي هو أشدّ تكاثفاً أقلّ قبولاً للألم من الأسباب التي تعرض من خارج والبدن الذي هو أشدّ تخلخلاً أقلّ قبولاً للألم من الأسباب التي من داخل وليس نجد شيئاً من الأبدان بعيداً بالحقيقة من قبول الألم من الأسباب التي من داخل ومن خارج. إلّا أنّ البدن الذي هو وسط فيما بين جميع الأطراف قليل القبول للألم من الأسباب الداخلة والخارجة وهذا البدن هو الذي نقول إنّه أصحّ الأبدان. وعلی هذا المثال فإنّ البدن الذي هو أجفّ من المعتدل أبعد من القبول للألم من جميع الأسباب المرطّبة والبدن الذي هو أرطب من المعتدل أبعد قبولاً للألم من الأسباب الميبّسة. فقد تبیّن ممّا قلنا قبيل أنّ البدن الوسط بين الأطراف ليس هو لا محالة أبعد الأبدان من قبول الألم من جميع العلل لكنّه يقصر دون كلّ واحد من الأبدان في شيء واحد ويفوقها جملة.

وقد قلنا في كتاب المزاج إنّ هذا البدن ليس هو باضطرار عظيماً ولا صغيراً ولا وسطاً. وأنا معيد ذكر ذلك في هذا القول فأقول إنّ عظم البدن قد يكون من كثرة المادّة وصغر البدن قد

يكون من قلّة المادّة كما أنّ الصنم العظيم يكون من نحاس كثير والصغير من نحاس قليل وليس شيء مانع من أن يكونا جميعاً معتدلين في أعضائهما. والبدن الذي ليس هو كثيفاً بيّن الكثافة ولا متخلخلاً ولا صلباً ولا ليّناً ولا أزعر ولا أزبّ فهو في غاية الاعتدال في أيّ قدر كان. وإن كانت أيضاً أعضاؤه الآليّة مؤلّفة بعضها إلى بعض علی اعتدال كان حسن المنظر تامّ الخلق.

وأمّا البدن الذي هو أعظم ممّا ينبغي أو أصغر فقد يكون كلّ واحد منهما من إحدی علّتين أمّا الأعظم فمن غلبة الرطوبة أو من غزارة المادّة وأمّا الألطف فمن غلبة اليبس أو من عوز المادّة لأنّ النشوء لا يزال متزيّداً إلى أن تشتدّ العظام وإنّما تشتدّ العظام وقدر البدن بعد صغير إمّا من قلّة المادّة وإمّا من اليبس فيتقدّم انتهاء نشوء البدن ويقف ويتأخّر أيضاً نشوء آخر ويقف من أحد هذين السببين. فلا يجب إذاً أن يكون العظم لا محالة دليل الرطوبة ولا الصغر دليل اليبس لأنّه لو كان العظم يلزمه أبداً اللين والصغر تلزمه الصلابة لكان البدن العظيم أبداً رطباً والصغير أبداً يابساً. فلأنّا نجد العظم يباين اللين والصغر يباين الصلابة فإنّ النظر في عظم البدن وصغره فضل في الاستدلال علی مزاجه لأنّ علامات أمزجة البدن الخاصّيّة بها كافية فقد

أثبتناها في كتاب المزاج.

فإن كان الأمر علی هذا فيجب أن نضع أفضل الهيئات في هذين الشيئين أعني في اعتدال مزاج الأعضاء المتشابهة الأجزاء واعتدال تركيب الأعضاء الآليّة.

تمّت مقالة جالينوس في أفضل الهيئات نقل حنين بن إسحق.