Galen: De partibus artis medicativae (On the Parts of the Art of Medicine)
Work
,
(Περὶ τῶν τῆς ἰατρικῆς μερῶν)
English:
Text information
Type: Translation (Arabic)
Translator: Ḥunayn ibn Isḥāq (first half), Isḥāq ibn Ḥunayn (second half)
Translated from: Syriac
(Close)
Date:
between 825 and 910
Source
Malcolm C. Lyons. Galen On the Parts of Medicine, On Cohesive Causes, On Regimen in Acute Diseases in Accordance with the Theories of Hippocrates. Corpus Medicorum Graecorum. Supplementum Orientale 2. Berlin (Akademie-Verlag) 1969, 24-48
Download
gal_departartismed-transl-ar1.xml [46.02 KB]
مقالة جالينوس في أجزاء الطبّ
١ قال جالينوس أظنّ بك يا حبيبي إيوسطس أنّ بالواجب تحيّرت في أمر أجزاء الطبّ لأنّ القدماء قد اختلفوا في قسمتها فترى بعضهم قد قسم صناعة الطبّ كلّها إلى علاج اليد واستعمال الأدوية والتدبير ثمّ إنّهم بعد قسموا كلّ واحد من هذه الأجزاء ليس على مثال واحد وبعضهم قسموا الطبّ قسمين أحدهما الشفاء والآخر حفظ الصحّة وقوم رأوا أنّه ينبغي أن يضاف إلى هذه قسم آخر وهو التقدّم في حفظ الصحّة وقوم آخرون رأوا أنّه ينبغي أن يضاف إلى هذه قسم آخر وهو تلافي الصحّة وبعضهم رأى أنّه ينبغي أن يضاف إليهما الجزآن جميعاً ويضاف إليهما جزء آخر وهو حفظ خصب البدن وقد أضاف قوم إلى هذه الأجزاء تدبير المشايخ لأنّه جزء خاصّ من صناعة الطبّ وبعضهم أضاف إلى ذلك مع تدبير المشايخ تدبير الصبيان وأضاف قوم آخرون إلى هذه التزيّن الطبّيّ وفرقوا بينه وبين التزيّن للتحسين وقد قصد قوم لتكثير أجزاء الطبّ بأكثر ممّا كثّروها هؤلاء فأضافوا إلى هذه الأجزاء التي ذكرنا جزءاً آخر صغيراً منذ أوّل القسمة وهو رياضة الصوت ومنهم من أضاف هذا على الإطلاق وعلى غير تمييز وبعضهم ميّز فبيّن أنّ بعض من يقصد لتخريج الصوت يصلح لمن يناضل في الصوت أعني من يروم أن يغالب غيره فيه وبعضهم إنّما يقصد لأن يكون الصوت فيه باقياً على طبيعته كسائر الأفعال الأخر إلّا أنّه قد يجب على هؤلاء أن يقيموا لكلّ واحد من الأفعال الجزئيّة التي في البدن جزءاً خاصّاً من هذه الصناعة ولو كانوا فعلوا ذلك لكانت قسمتهم واجبة لكنّهم لمّا أغفلوا الأفعال الباقية فيه
كلّها وذكروا فعلاً واحداً كشفوا من خطاء أنفسهم أنّ قسمتهم غير محكمة ولا واجبة ولا الذين قسموا الطبّ إلى أعظم أجزائه بمتّفقين في قسمة تلك الأجزاء إلى الأجزاء التي هي أصغر منها وقد عمد قوم إلى بعض تلك الأجزاء فوضعوها أجزاء للطبّ ونقصوا أجزاء كثيرة منها وأضافوا إليها أجزاء أخر في القسمة الأولى مثل الكلام في الأمور الطبيعيّة والكلام في العلل — قال حنين يعني بالكلام في العلل معرفة الأمراض — وقد أضاف قوم إلى هذه جزءاً آخر سمّوه الموادّيّ — أيّ الأجزاء يعني الموادّيّ سيشرح جالينوس فيما بعد — وأضاف إليه آخرون استخراج الدلائل وأضاف إليه آخرون الكلام في الأسباب.
٢ وأمّا أصحاب التجارب فكلّهم إلّا الشاذّ منهم متّفقون على أنّ فصول الطبّ الأول الجنسيّة فصلان وذلك أنّهم قالوا إنّ منها أجزاء متمّمة ومنها أجزاء مقوّمة ولم يوافق بعضهم بعضاً في إحصاء هذه الأجزاء وذلك أنّ بعضهم قال إنّ الأجزاء المتمّمة للطبّ هي الاستدلال والشفاء وقد عدّ قوم مع هذه حفظ الصحّة وأضاف إلى هذه معها قوم التزيين الطبّيّ وبعضهم أضاف إليها رياضة الصوت وأمّا الأجزاء المقوّمة للطبّ فجعلوها كلّهم العيان والخبر وقوم منهم لا كلّهم عدّوا النقلة من الشيء إلى نظيره جزءاً من صناعة الطبّ وليس يوافق جميع أصحاب التجارب وأصحاب الرأي بعضهم بعضاً في قسمة كلّ واحد من هذه 〈إلى〉 الأجزاء التي هي أصغر منها لا أهل إحدى الفرقتين ولا أهل الفرقة الواحدة الأخرى — قال حنين إحدى الفرقتين يعني به فرقة أصحاب التجارب وفرقة أصحاب الرأي إذ كانت أهل فرقة أصحاب التجارب ليس يوافق بعضهم بعضاً وكذلك فرقة أصحاب الرأي ويعني بالفرقة الواحدة الأخرى أهل فرقة أصحاب التجارب لا أهل فرقة الرأي — وإن عدّ عادّ هذه النتف الصغار الكثيرة أجزاء من صناعة الطبّ على ما قد يتّسم الآن بروميّة خاصّة حتّى يسمّوا بعض الأطبّاء معالجي الأسنان ويسمّوا بعضهم معالجي الآذان ويسمّوا بعضهم معالجي المقعدة أفضى القول إلى حيرة أعظم من هذه على أنّ أصحاب هذا الشأن أيضاً قد وجدوا فرصة من اسم قد وضع لا منذ قريب
لكن منذ مدّة من الزمان بعيدة جدّاً وهي صناعة أصحاب علاج العين فإنّه إن كانت العينان مفردة بطبيب على حدته لما خرج من الواجب أن يكون للأسنان أيضاً طبيب آخر مفرد على حدته وآخر للأذنين وآخرون لكلّ واحد من أعضاء البدن فيجب من ذلك أن يكون عدد الأطبّاء بعدد أعضاء البدن وإذ كان أيضاً بعض الأطبّاء قد يسمّون قدّاحي الأعين وبعضهم بطّاطي القيل وبعضهم مخرجي الحصى وبعضهم على مثال آخر شبيه بهذا فقد بجب أن تصير عدّة الأطبّاء أكثر كثيراً من عدد أعضاء البدن وذلك أنّه ليس إنّما يوجد لكلّ واحد من الأعضاء طبيب مفرد على حدته فقط لكن قد يوجد لكلّ واحدة من علل كلّ واحد من الأعضاء طبيب مفرد على حدته وخليق ألّا تكون تعجب أن تنقسم هذه الصناعة لعظمها في المدينة العظيمة إلى هذه الأقسام التي هي بهذا العدد الكثير إذ كانت الصناعة لعظمها لا يمكن الأطبّاء كلّهم أن يستوعبوها عن آخرها وكانت هذه المدينة لعظمها يجد فيها جميعهم معاشاً فإنّ المدينة الصغيرة لا يجد فيها معاشاً من يقتدح الأعين ولا من يبطّ القيل فأمّا روميّة وإسكندريّة فلكثرة من بهما من الناس هما ملئان بأن يجد فيهما من يعالج جزءاً واحداً من الطبّ معاشه فضلاً عن من معه من الطبّ أكثر من ذلك فأمّا في المدن الأخر الصغار فقد يضطرّ من كان إنّما يعالج من الطبّ فنّاً واحداً أن ينتقل من مدينة إلى مدينة انتقالاً متواتراً حتّى يكون الشيء الذي هو لأهل إيطاليا بروميّة وحدها لأولائك مثلاً بلد اليونانيّين كلّه.
٣ وقد رأيت أنّه يحسن أن أبتدئ في هذا الموضع بالمعنى الذي أقصد إليه إذ كان قد بان من أمر أجزاء هذه الصناعة التي هي أقلّ أجزائها كيف الحال في طبيعتها وأن أتقدّم فألخّص تلخيصاً بيّناً أيّ الأجزاء هي التي ينبغي أن تسمّى أقلّ الأجزاء بعد أن أضع لقولي مثالاً ليس من شيء خارج عن الغرض الذي قصدت إليه لكن من شيء نافع فيه ومنفعته ليس بدون منفعة غيره فأقول إنّه كما نقصد في التشريح في أجزاء البدن أن نبلغ أقصى ما يوجد منها في القلّة في الصورة وهي التي نسمّيها الأركان المحسوسة فنفهمها ونقف على حقائقها كذلك ينبغي أن نروم وجود أجزاء الطبّ كلّه حتّى نبلغ أقلّ قليل أجزائه فأقول إنّ
الذي لقّبه قوم بالحشو ومع تلك الأجزاء أيضاً العظام والغضاريف والسمين وسائر ما هو على هذا المثال فبالواجب يسمّى المسمّي هذه أركاناً محسوسة لأبداننا وأمّا الجنس الآخر من الأجزاء الذي هو آليّ فما بأس بذكر هذا أيضاً فهو العروق الضوارب وغير الضوارب والأعصاب والكلى والمعدة والطحال والكبد والرئة والقلب وما كان من غير ذلك على هذا المثال.
٤ وعلى قياس هذا المثال فينبغي أن نتوهّم على صناعة القدح للماء في العين أنّها إنّما هي جزء من صناعة الطبّ كلّها على مثال ما هو جزء من بدن الإنسان كلّه العضو الذي يسمّى آلة من الآلات وكلّ واحد من أجزاء صناعة قدح الماء الذي في العين نظير الأركان المحسوسة من البدن وأجزاء هذه الصناعة هي العلوم التي في النفس منّا وهي التي تسمّى أبواب العلم أوّلها علم جملة صورة المقداح والثاني معرفة الجزء من العين الذي ينبغي يقتدح فيه والثالث معرفة تقدير تعويضه — قال حنين يعني نحو الحدقة — والرابع معرفة تقدير إحالته والخامس معرفة تقدير الماء ونقله من الموضع الذي يثبت فيه — قال حنين يعني الحدقة — والسادس معرفة تقدير إبعاده والسابع معرفة تقدير تغليقه فإنّ هذه الأجزاء هي أقصى العلوم وأقلّ قليلها وأبسطها وما لا يقبل منها القسمة إلى علوم أخر هي أبسط منها وعلوماً قلت أو معارف أو حكماً أو أبواب علم فلا تتوهّمن أنّ بين قولي في هذا فرق أصلاً في هذا الفنّ الذي قصدنا إليه وكذلك أجزاء قلت أو أعضاء أو نتفاً فلا فرق بين ذلك في هذا الفنّ فعلم القدح مركّب من هذه العلوم الجزئيّة التي عددت وأمّا جملة شفاء الماء المتولّد في العين فيحتاج مع هذه الى علمين آخرين أحدهما متقدّم في مرتبته وهو الذي يتقدّم فيهيّئ والآخر هو الذي به يتمّ الشفاء فإنّ الطبيب إذا تضمّن علاج من به ماء في عينيه وكان في بدنه امتلاء كبير أعني كثرة من الأخلاط أو خلط رديء أو صداع فرام قبل أن يصلح من هذه الأشياء أن يعالج عينه بالقدح
أحدث ورماً في الطبقات التي ينقبها ويكسب للرأس كلّه مشاركة في العلّة للعين فكي لا يكون ذلك يحتاج إلى الصناعة التي تتقدّم فتعدّ وتهيّئ والغرض فيها أن ينقّي جملة البدن من الفضل ويسكّن الوجع عن الرأس والعلوم التي منها تكون هذه الأشياء هي أركان صناعة الطبّ وكذلك أيضاً العلوم التي منها من بعد القدح نحفظ العينين حتّى لا يحدث فيها ورم ويحفظ الرأس حتّى لا يحدث فيه وجع هي أركان من أركان الطبّ أعني أجزاء من أقصى أجزائه وما لا يكون أقلّ منه وينبغي أن ينقل هذا القول الذي أجريته على طريق المثال إلى جميع العلل حتّى يكون علم شفاء كلّ واحد منها أيّ علّة كانت جزءاً من الطبّ نظير لما هو جزء من بدن الحيوان ذلك الجزء الذي يسمّى آلة من الآلات وهاهنا أيضاً موضع غلط قبل أن نلخّص جملة هذا المعنى حتّى نستقصي تلخيصها فإنّ ظانّاً لعلّه يظنّ أنّه كما أنّ للماء في العين صناعة تشفيه كذلك للورم على الإطلاق — قال حنين افهم من قوله في هذا الموضع الورم الذي يحدث عن الدم الذي يسمّيه اليونانيّون فلغموني فإنّ هذا وحده يسمّونه ورماً على الإطلاق — صناعة تشفيه وعلى هذا المثال للقرحة أيضاً والكسر والجمرة وسائر العلل وليس كذلك حقيقة الأمر لكن على مثال ما هو جزء من البدن ذلك الذي يقال له آلة — قال حنين افهم عنده قوله آلة في هذا الموضع آلة على الطريق العامّ — كذلك هو جزء من الطبّ معرفة شفاء الورم على مثال ما العين جزء من البدن على ذلك المثال بعينه معرفة شفاء الرمد جزء من الطبّ وأعني بالرمد ورماً ما يحدث في اللباس الخارج عن سائر لباس العين وهذا المرض إذا كان في الرئة يسمّى ذات الرئة وإذا كان في الغشاء المستبطن للأضلاع سمّي ذات الجنب فإنّ هذه العلل إنّما هي أورام ما تحدث في أعضاء ما والحيلة في شفاء الورم الذي يقال على الطريق الجنسيّ غير الحيلة في شفاء الورم المحدود في أيّ عضو هو كما أنّ الآلة التي تقال على الطريق الجنسيّ هي غير الآلة التي تقال على طريق التلخيص إذ كانت الحيلة لمداواة الورم غير الحيلة لمداواة الورم الحادث في هذا العضو المشار إليه كما بيّنت في مقالاتي من كتاب حيلة البرء.
٥ وليس يزعم صاحب التجربة أنّ مداواة ما جنسيّة تعقل للورم على انفراده إلّا أنّه على حال على رأي هذا أيضاً ليس على مثال ما يتوهّم توهّم الورم كذلك
تدبير الصبيان أعني في خلال أجزاء الصناعة التي تعني بالبدن التي شأنها القصد للعناية بحال الأبدان التي ليست بصحيحة ولا مريضة وهاهنا جزء آخر مع هذه يحفظ خصب البدن بعضهم يسمّيه خصب البدن وبعضهم يسمّيه فنّ الدلك حتّى تكون أجزاء الصناعة التي تعني بالبدن الأول التي هي أعظم أجزائها الجزء الشافي وجزء التلافي وجزء التقدّم في الحفظ للصحّة وجزء تدبير المشايخ وجزء تدبير الصبيان وجزء حفظ الصحّة وجزء حفظ خصب البدن وهذه الأجزاء أيضاً كلّها إذا قسمت كما بيّنّا آنفاً من قسمة الجزء الشافي صارت إلى أصناف العلوم المفردة البسيطة التي لا تنقسم إلى غيرها وهي التي قلنا إنّها أركان صناعة الطبّ.
٦ فهذا الطريق بأسره من القسمة يجري بحسب حالات الأبدان ولصناعة الطبّ صنف آخر من القسمة يجري بحسب أصناف الأعمال في صناعة الطبّ وذلك متى قالوا إنّ أجزاء صناعة الطبّ الأول التي هي في غاية العظم هي العلاج باليد واستعمال الأدوية والتدبير وقد يظنّ بعض الناس أنّه قد يمكن أن يجري هذا الطريق من القسمة بحسب مادّة الأسباب وذلك أنّ جميع ما من شأنه أن تجلب على البدن المرض أو يفيده الصحّة إنّما يبتدئ إمّا من التدبير وإمّا من الأدوية وإمّا من العلاج باليد لكنّ الأولى أن يقال في ذلك أنّ جميع ما من شأنه أن يفعل ذلك في البدن إنّما هو من الأشياء التي تتناول فترد البدن والأشياء التي تفعل بالبدن والأشياء التي تستفرغ من البدن والأشياء التي تلقاه من خارج فيكون القائل لذلك قد قسم مادّة الأسباب وأنا أختصر القول في ذلك فأجمله فأقول إنّ قوماً جعلوا قسمة جملة الطبّ إلى أجزائه الملائمة من الحالات التي من شأن صناعة الطبّ إصلاحها وشفاؤها وحفظها فحكموا بأنّ عدد أجزاء هذه الصناعة كعدد أصناف حالات البدن وقوماً لم يقتصروا على أن جعلوا قسمة الطبّ إلى أجزائه من هذه فقط لكن من المادّة بأسرها التي عند الطبيب معرفتها فأضافوا إلى الأجزاء التي ذكرناها جزء الكلام الطبيعيّ وجزء الكلام في الأسباب والجزء الذي يخصّ بأن يسمّى الموادّيّ فعدّوها معها وقوماً قسموا أجزاء الطبّ من أفعالها كلّها وأضافوا إلى التدبير واستعمال الأدوية والعلاج باليد استخراج الدلائل أيضاً وقوماً قسموا استخراج
أن يعرف ذلك ممّن يسلك سبيل التجربة فلينظر في تلك المقالة وأمّا أنا فلأنّي أعلم من مذهبك أنّك تقصد السبيل التي تؤدّي إلى الشفاء بطريق الاستدلال والقياس فأنا جاعل ابتداء ذلك شبيهاً بما يبتدئ به أصحاب التجربة ثمّ أقبل على ما يتّصل بذلك.
٧ فأقول إنّ أجزاء الطبّ بعضها خاصّيّة أول أولى الأجزاء بها وهذه الأجزاء هي التي بها تتمّ الغاية المقصود إليها من هذه الصناعة وبعضها تتقدّم هذه ضرورة وبعضها يتقدّم أيضاً مرتبتها تلك الأجزاء المتقدّمة فالأجزاء الخاصّيّة الأول التي هي أولى الأجزاء فعددها كعدد أصناف مادّة الطبّ وأولى الموادّ بالطبّ حالات أبداننا كانت اثنتين أو ثلث أو أكثر من ذلك وقد بيّنت في المقالة التي وسمتها باسم ثراسوبلس أنّ الأصناف الأول من حالات الأبدان صنفان لهما اسمان يخصّانهما عند جميع الناس فمن عادتنا أن نسمّي أحدهما الصحّة ونسمّي الآخر المرض ولكلّ واحد من هذين الصنفين أيضاً نوعان وذلك أنّ كلّ واحد من الصحّة والمرض إمّا أن يكون موجوداً على طريق الثبات والتمكّن وإمّا أن يكون موجوداً على طريق الإضافة والأجزاء التي تعني بالصحّة الموجودة على طريق الثبات والتمكّن تسمّى الحافظ للصحّة وهذا هو الجزء الذي جعل بعض الناس حفظ خصب البدن جزءاً خاصّيّاً له والأجزاء من صناعة الطبّ التي تعني بالصحّة الموجودة على طريق الإضافة هي الجزء الذي يتقدّم في حفظ الصحّة وجزء تلافي الصحّة وجزء تدبير المشايخ وأمّا أجزاء صناعة الطبّ التي تقصد بعناية المرض الموجود على طريق الثبات والتمكّن والمرض الموجود على طريق الإضافة فليست لها أسماء على أنّ بعض الأمراض قد تسمّى مزمنة وبعضها حادّة فهذه هي أجزاء هذه الصناعة الأول وأولى الأجزاء بها فأمّا الأجزاء التي لا يمكن وجود هذه دونها فأوّلها المستخرجة للدلائل ولهذه جزآن أحدهما المتعرّف للأشياء الحاضرة والآخر المنذر بالأشياء الكائنة وذلك أنّه ليس يمكن أحد من غير أن يكون قد عرف المرض أن يقف على علاجه ولا يمكنه أن يعالجه على ما ينبغي من غير أن يكون قد عرف مدّة إتيان البحران وصورة المرض وقد يتقدّم هذين الجزأين ضرورة أجزاء أخر أحدها العلم بالأعضاء كلّها وذلك يدرك بتشريح الموتى والثاني العلم بأفعالها والثالث العلم بمنافعها وهذان أيضاً يدركان بالعلم
بأمر أسطقسّات البدن ثمّ بعلم أمر أصناف المزاج ثمّ بالعلم ثالثاً بأمر القوى الطبيعيّة والقوى النفسانيّة مع تشريح الأحياء فإنّ استخراج الدلائل إلى هذه المبادئ يمكن أن يحلّ وهي التي قلت إنّها متقدّمة لا محالة للشفاء ولحفظ الصحّة فقد بيّنت ذلك كلّه في الكتب التي خصّصتها لها وهاهنا جزء آخر للطبّ قرين للجزء المستخرج للدليل يتقدّم الجزء الشافي وهو المعرفة بأسباب الصحّة والمرض كلّها وهذا العلم هو الذي يسمّيه بعض الناس الموادّيّ وبه تعرف موادّ الأسباب كلّها وموادّ الأسباب مصوّرة في الأشياء التي ترد البدن والأشياء التي تفعل به والأشياء التي تستفرغ منه والأشياء التي تلقاه من خارج حتّى تنظر في قوّة كلّ واحد من هذه الأشياء التي ذكرناها فتعرفها وقد بيّنت في كتابي في حيلة البرء ما الحاجة إلى هذه في صناعة الطبّ.
٨ فهذا هو الطريق إلى إدراك صناعة الطبّ بحسب المادّة التي هي أولى الموادّ بها وأمّا السبيل إلى إدراك أجزائها التي هي بحسب المادّة التي هي أولى بها على الطريق الثاني فتجري على هذا النحو أقول إنّ بدن الإنسان هو مادّة ثانية لصناعة الطبّ وكأنّه مادّة لها على طريق العرض وذلك أنّ الصحّة والمرض إنّما هما حالات البدن فإنّ بدن الإنسان هو مادّة ثانية ومادّة على طريق العرض للفلسفة الطبيعيّة أيضاً إذ كان قابلاً للكون والفساد وكانت الفلسفة الطبيعيّة إنّما شأنها البحث عن ما هو قابل للكون والفساد ولذلك صارت المادّة الأولى لهذه أيضاً الكون ومن قبل ذلك صار مادّتها على طريق العرض الجسم المتكوّن أيضاً فإنّ بدن الإنسان أيضاً إنّما صار مادّة للعلم الطبيعيّ من طريق أنّه قابل للكون والفساد وليس من هذه الطريق صار مادّة لصناعة الطبّ لكن من طريق أنّه قابل للآلام والفساد فلمّا كان بدن الإنسان كأنّه مادّة لصناعة الطبّ فإنّ صناعة الطبّ تنقسم من الأجزاء على قدر ما يحتمل البدن من القسمة فتكون أصنافها الأول الجنسيّة صنفين أحدهما في الأعضاء التي تجري مجرى الأركان والأخرى 〈في〉 الأعضاء الآليّة وإذا قسمنا هذه بأجزائها كانت أجزاء الطبّ على قدر عدد أعضاء البدن التي تجري مجرى الأركان والأعضاء الآليّة وعلى قدر علل كلّ واحد منها وذلك أنّ كلّ واحد من علل كلّ واحد من الأعضاء يصير له من الطبّ جزء يخصّه
وقد بيّنّا أنّ جزءاً من هذه الأجزاء ينقسم إلى العلاجات الجزئيّة في ذكرنا لأمر قدح الماء فإنّ العلم بهذه هو أجزاء هذه الصناعة بأسرها التي تجري مجرى الأركان وأمّا في العلل التي يكون شفاؤها بالأدوية فالعلم بكلّ واحد من الأدوية المفردة وكذلك أيضاً في العلل التي يكون برؤها بالتدبير العلم بأصناف التدبير البسيطة وليس من هذه المادّة وحدها قد تنحطّ القسمة إلى الأجزاء الأواخر التي تجري مجرى الأسطقسّات من هذه الصناعة لكن قد ينحطّ أيضاً إليها من القسمة التي ذكرناها قبيل وكذلك أيضاً إذا أجريت القسمة على وجه آخر أيّ وجه كان فلننزل أنّا قصدنا لأن نقسم جنساً من أجناس الحالات إلى التي تنتهي إلى أجزائها الأواخر ونجعل ذلك الجنس جنس المرض فتكون القسمة الأولى في هذا الجنس أن نقول إنّ بعض الأمراض تعرض في الأعضاء المتشابهة الأجزاء وبعضها في الأعضاء الآليّة على ما بيّنّا في المقالة التي وضعناها في أصناف الأمراض والقسمة الثانية أنّ بعض الأمراض بسيطة وبعضها مركّبة على ما بيّنّا أيضاً من ذلك في تلك المقالة فالعلم بشفاء واحد من هذه الأمراض أيّها كان قد يحتاج فيه إلى العلم بالأجزاء التي ليس وراءها غاية في الصغر الجارية مجرى الأسطقسّات وهي تلك الأجزاء التي تقدّم ذكرها فلننزل مثلاً أنّا قصدنا لشفاء مرض حارّ فلا نعلم أنّا لا محالة نحتاج أوّلاً في شفائه أن نعلم أنّ الأضداد هي شفاء لأضدادها فإنّ ذلك قد تبيّن أنّه هو العلم الشامل العامّ المتقدّم لجميع العلوم بأصناف الشفاء ثمّ من بعد ذلك نحتاج أن نعلم أنّ المرض الحارّ إنّما ينبغي أن يشفى بالأشياء المبرّدة ثمّ من بعد ذلك أنّ المرض الحارّ في الدرجة الأولى مثلاً إنّما ينبغي أن يشفى بما هو بارد في الدرجة الأولى ثمّ من بعد ذلك نحتاج أن نعلم مراتب الأمراض الحارّة في الدرج ومراتب الأدوية المبرّدة على ما بيّنّا في كتبنا في الأدوية فقد يعلّم ذلك أنّ الإنسان من حيث ابتدأ بالقسمة فإنّه إذا سلك فيها سبيل الصواب إلى أن ينتهي إلى العلوم الأواخر التي تجري مجرى الأركان فإنّ القسمة تؤدّيه إلى العلوم التي تقدّم ذكرها.
٩ وكيما تقف على هذا المعنى فيضح لك بأكثر ممّا هو وضح فأنا ذاكر شيئاً من الأقسام الأخر وخاصّة القسمة التي استعملناها مراراً كثيرة فأقول إنّ الأشياء الموجودة في بدن الحيوان بعضها طبيعيّة وبعضها خارجة عن الطبيعة والأشياء الخارجة عن الطبيعة بعضها هي أمراض وبعضها أعراض لازمة للأمراض وبعضها
أسباب الأمراض فأمّا الأشياء الطبيعيّة فينبغي أن يكون عند الطبيب العلم بحفظها وأمّا الأشياء الخارجة عن الطبيعة فينبغي أن يكون عنده العلم بإزالتها وصرفها وليس هذا موضع ذكر السبل التي يوصل بها إلى كلّ واحد من هذين الأمرين إذ كنّا قد بيّنّا ذلك في مواضع أخر وغرضي في هذا الموضع أن أعدّد كلّ واحد من الأشياء التي ذكرتها فأقسمه القسمة التي هي أولى به إلّا أنّي قد كتبت في كلّ واحد منها فكتبت في الأمراض في المقالة التي رسمتها في أصناف الأمراض وكتبت في الأسباب أيضاً على انفرادها مقالة أخرى وكذلك أيضاً فإنّي كتبت في الأعراض مقالة أخرى وذكرت أصناف الأبدان الصحيحة كلّها في كتابي في حفظ الأصحّاء وذكرت فيه أيضاً كيف ينبغي أن يعني بكلّ واحد منها وحللناها إلى أن بلغنا إلى العلوم المفردة التي تجري مجرى الأركان وكذلك أيضاً فعلنا في أمر الأمراض والأسباب والأعراض في كتابنا في حيلة البرء فإنّ في هذه القسمة أيضاً الأجزاء الأول لهذه الصناعة والتي هي أولى الأجزاء بها ليس توجد غير تلك التي ذكرناها آنفاً وكذلك أيضاً الأجزاء التي هي أول على الطريق الثاني والتي هي أول على الطريق الثالث على ما ذكرنا وأنّ هذه أيضاً قد ينبغي أن تقسم إلى أن نبلغ بها إلى البسيطة المفردة التي ليس وراءها غاية فإنّ الإنسان من حيث ابتدأ بالقسمة إذا سلك فيها سبيل الصواب فقسمته تؤدّي لا محالة إلى العلوم التي تجري مجرى الأركان وأمّا أنّ للإنسان أن يقسم كلّ واحد من الأمور التي توضع للقسمة على وجوه كثيرة فلم يقتصر الحذّاق من الفلاسفة ومن يتقدّم سائرهم في البلاغة على أن قالوا ذلك قولاً مجرّداً لكن قد مثّله قوم منهم كما فعل فلاطن في مقالتين بأسرهما إحداهما موسومة بسوفسطيس والأخرى فوليطيقوس فليس ينبغي لك أن ترتاب لكثرة التقسيم ولا تجعل نظرك وتفقّدك من أمر من تقدّمنا هل قسموا الطبّ بطرق مختلفة بل هل أتوا على جميع ما يحتوي عليه فلم يبقوا شيئاً فإنّ من لزم ذلك كان قد سلك في القسمة سبيل القصد والأفضل على ما قلت آنفاً أن تجعل مبدأ القسمة من المادّة التي هي أولى الموادّ ثمّ عند ذلك تضيف إليها سائر أصناف القسمة على الطريق والسبيل التي ذكرناها.
تمّت مقالة جالينوس في أجزاء الطبّ.