Galen: De partium homoeomerium differentia (On the Differences of Uniform Parts)

Work

Galen, De partium homoeomerium differentia (Περὶ τῆς τῶν ὁμοιομερῶν σωμάτων διαφορᾶς)
English: On the Differences of Uniform Parts

Text information

Type: Translation (Arabic)
Translator: ʿĪsā ibn Yaḥyā
Translated from: Syriac (Close)
Date: between 860 and 910

Source

Gotthard Strohmaier. Galen: Über die Verschiedenheit der homoiomeren Körperteile. Corpus Medicorum Graecorum. Supplementum Orientale 3. Berlin (Akademie-Verlag) 1970, 44-84

Download

gal_departhomoeomdiff-transl-ar1.xml [42.75 KB]

كتاب جالينوس في اختلاف الأعضاء المتشابهة الأجزاء نقل حنين بن إسحق المتطبّب

١ قال أمّا إذا أحببت أيّها الحبيب أنطستانس أن تفهم اختلاف جميع الأعضاء التي في بدن الإنسان وهي التي تعرف بالمتشابهة الأجزاء فأنا واصف لك ذلك في هذه المقالة وجاعل ابتداء كلامي القول في ما يستدلّ عليه من هذه اللفظة أعني متشابهة الأجزاء. فأقول إنّ الأمر في أنّ هذا الاسم يدلّ على تشابه ما للأجزاء بيّن ظاهر كما أنّ الاسم أيضاً المقابل له وهو قولك غير متشابه الأجزاء يدلّ على اختلاف الأجزاء. ومع هذا أيضاً فإنّ الذين جرت عادتهم باستعمال هذين الاسمين لمّا قصدوا إلى تحديد كلّ واحد منهما قالوا إنّ المتشابهة الأجزاء هي التي أجزاؤها يشبه بعضها بعضاً ويشبه جميعها وأمّا غير المتشابهة الأجزاء فهي التي أجزاؤها لا تتشابه. والشبه والحديد والذهب والرصاص من الأشياء المتشابهة الأجزاء وأمّا الأجسام المعدنيّة قبل أن تصفّى بالنار وأبدان الحيوان كلّه إلّا الشاذّ منه فلأنّ بين الأجزاء التي منها تركيبها اختلافاً كثيراً جدّاً قالوا إنّها من الأجسام التي أجزاؤها غير متشابهة. ويشبه أن يكون استعمالهم لهذا الاسم لم يجر على

حقيقة ما يدلّ عليه هذا الاسم على أنّهم قد ميّزوا في مواضع كثيرة بين ما يقال إنّه متشابه وبين ما يقال إنّه هو بعينه لأنّه ما يقال فيه إنّه هو بعينه يوجد كذلك إمّا في الجنس وإمّا في النوع وإمّا في الجوهر الذي لا ينقسم. أمّا في الجنس فمثل الإنسان والفرس لأنّهما جميعاً حيوان وأمّا في النوع فمثل سقراط وأبقراط لأنّهما إنسانان وأمّا في الجوهر الخاصّيّ الذي لا ينقسم فمثل قياسك †ٮركورس† إلى نفسه وقد يسمّى أيضاً †ٮوكودٮرس† إذا قيس إلى نفسه الذي هو بعينه في العدد. فأمّا المتشابه فهو المتركّب من الماهيّة والغيريّة إلّا أنّ الغالب في تركيبه الأجزاء الماهيّة وأمّا الأجزاء الغيريّة فتوجد فيه يسيرة لأنّه متى غلبت فيه الأجزاء الغيريّة خرج عن أن يكون متشابهاً ويسمّى ما كانت هذه حاله غير متشابه [الأجزاء]. وقد تجد أشياء كثيرة ليس فيها شيء هو بعينه إذا كانت من أجناس أخر أقدم منها مثل الذي يوجد في المعرفة والبياض. وقد يكثر تعجّبي من أرسطوطاليس وشيعته في تسميتهم الأشياء التي جوهرها بكلّيّتها جوهر واحد بعينه متشابهة الأجزاء وقد عرفوا الشيء بعينه والمتشابه وميّزوا بينهما
في كتبهم اللّهمّ إلّا أن يكونوا هربوا من ذلك بسبب شناعة هذا الاسم. فرأوا أنّ الأولى أن يقال متشابه الأجزاء مكان ما يقال الذي أجزاؤه أجزاء بعينها لأنّه لا يمكن أيضاً أن يسمّى المخالف له باسم واحد كما يقال غير متشابه الأجزاء بل يجب ضرورة أن يضمّ إليه الحرف السالب فيقال الذي أجزاؤه ليست أجزاء بعينها وذلك أنّه لا ينفهم من هذا الاسم أنّ ما يدلّ عليه هو المتغيّر الأجزاء. وإنّما اضطررت إلى هذا الكلام في الأسماء ومن عادتي دائماً ألّا أُعنى بذلك لئلّا يغلط أحد فيخطئ في الاستدلال على الأجسام المتشابهة الأجزاء فيظنّ مثلاً أن العصبة والرباط والوتر شيء واحد في النوع وذلك أنّ تشابه هذه الأجسام في جوهرها إنّما هو من جهة من الجهات وليست في النوع شيئاً واحداً بالحقيقة كما أنّ الحمامة أيضاً والورشان ليس هما شيئاً واحداً في النوع ولا الذئب ولا الكلب ولهذا السبب صار الأولى أن تتدرّب في تعرّف صورة كلّ واحد من هذه الأشياء التي بعضها قريب من بعض حتّى يكون التمييز بين المتجانسة منها وبين المتشابهة فقط تمييزاً مستقصىً ولا ينبغي أن تفهم عنّي في هذا الموضع من قولي متجانسة أنّ في هذا الاسم ما يدلّ على التشابه لكنّ على أنّ فيه اللفظة التي تدلّ على الأشياء التي يقال فيها أنّها معاً وذلك أنّ هذا الاسم إنّما تسمّى به الأشياء التي

نوعها واحد فيدلّ بذلك على أنّ لها أنواعاً تحصرها لا أنّها محصورة من أنواع متشابهة. وعلى هذه الجهة أيضاً ينبغي أن تفهم عنّا متشابهة الأجزاء وغير متشابهة الأجزاء في جميع قولنا هذا وذلك أنّ المتشابهة الأجزاء هي التي صورة جوهرها بكلّيّتها صورة واحدة بعينها وأمّا غير المتشابهة الأجزاء هي التي صورها ليست صورة واحدة بعينها. ومع هذا أيضاً فقد ينبغي أن نحدّد شيئاً آخر يحتاج إلى تحديده في جميع هذا القول وهو أنّ الحكم في الفرق بين المتشابهة الأجزاء وغير المتشابهة الأجزاء لا يمكن أن يدرك بالحسّ لأنّه من القبيح أن يتوهّم في الشيء المركّب من أجزاء صغار جدّاً لا يشبه بعضها بعضاً أنّ جميعه شيء واحد.

٢ وإذ قد حدّدنا هذه الأشياء فلنبحث الآن عن فصول الأعضاء المتشابهة الأجزاء التي في بدن الإنسان كم هي ومن البيّن أنّ الاستدلال على ذلك إنّما يكون من التشريح. مثال ذلك الجلد فإنّه إذ كان أوّل ما يقع عليه الحسّ من جميع الأعضاء فالأولى أن أجعل كلامي أوّلاً فيه فأقول إنّ جميع الجلد يرى رؤية بيّنة متشابه الأجزاء بسيطاً في طبيعته وذلك أنّ طبيعة الغشاء الذي تحته وهو الذي يسلخ معه طبيعة أخرى. وخليق أن يكون إنّما يمكن الإنسان أن يسلخ من الجلد سطحه الخارج فقط وهو الطبقة الظاهرة منه إلّا أنّه ليس ينبغي أن يكون قشطك هذه الطبقة من الجلد على أنّ طبيعتها طبيعة أخرى غير

طبيعة الجلد كلّه لكنّ كما لو قست بين الجلد من رجل يتعب في الشمس في صيد السمك أو في الفلاحة وبين الجلد من صبيّ يربّى في بعض المنازل فإنّ حال هذين وإن كانت حالاً متضادّة إذ كان أحدهما صلباً يابساً والآخر رطباً ليّناً إلّا أنّهما جميعاً في النوع شيء واحد بعينه. ولأنّ الانتقال من الأجسام التي نوعها واحد بعينه إلى الأجسام القريبة منها في الصورة يكون قليلاً قليلاً وبينها أيضاً في الكثرة والقلّة اختلاف ليس باليسير فيجب ضرورة أن يكون المتشابه الأجزاء قد ينتقل في بعض الأوقات إلى ما حاله غير هذه الحال وهو المتوسّط بين المتشابه 〈الأجزاء〉 وغير المتشابه 〈الأجزاء〉. ولهذا السبب احتجنا إلى النظر في أفعال الأعضاء ومنافعها مثال ذلك الجلد فإنّك إذا نظرت فيه لم تجد له فعلاً من الأفعال لكنّ منفعة فقط لأنّ الطبيعة إنّما خلقته للحيوان بمنزلة الوقاية والستر الغريزيّ ولهذا صار في بعض الحيوان صدفيّاً وفي بعضها فلوسيّاً وفي بعضها خزفيّاً وفي بعضها حجريّاً وفي بعضها ليّناً بمنزلة ما نجده في الناس. وقد جعلت فيه الطبيعة في هذا الجنس من الحيوان شيئاً تفضل به على سائر الحيوان أعني حسّ اللمس إن كان الأولى أن يسمّى ذلك فعلاً أو يسمّى تأثيراً لأنّ الأمر في أنّ الحركات الإراديّة التي تكون بالعضل والحركة التي تتمّ بالقلب وهي حركة النبض فعل من الأفعال بيّن ظاهر وقد

اتّفق عليه جميع الناس وإنّما المطالبة هل ينبغي أن يسمّى الإحساس فعلاً أم تأثيراً. إلّا أنّ غرضنا في هذا الوقت ليس هو البحث عن هذا لكنّ الإخبار بأنّا قد نحتاج في الحكم على التشابه في الجوهر وعلى معرفة الهويّة إلى النظر في أفعال الأعضاء ومنافعها لأنّ الأفعال التي حالها حال واحدة بعينها إنّما تكون عن جوهر واحد وأمّا المنفعة فربّما كانت الجواهر التي تتمّ بها مختلفة. فمن الصواب أن يقال في الرباط والعصبة إنّ جوهر كلّ واحد منهما غير جوهر الآخر إذ كان أحدهما لا يحسّ وكانت منفعته في الأعضاء التي يتّصل بها منفعة أخرى غير الحسّ والآخر يحسّ ويعطي مع ذلك الأعضاء التي ينبثّ فيها الحسّ إعطاء بيّناً. لأنّه لو كان إنّما الفصل بين الرباط وبين العصبة في أنّ أحدهما أشدّ بياضاً من الآخر وأصلب لم نكن نضع وضعاً مطلقاً أنّ جوهر أحدهما غير جوهر الآخر بل كنّا نبحث باستقصاء عن مقدار بعده عنه في اللون والصلابة. وكذلك أيضاً العضو المسمّى وتراً فإنّه في طبيعته بين الرباط والعصبة وذلك أنّ تركيبه من هذين جميعاً إلّا أنّ ذلك التركيب إنّما يتبيّن بالقياس فقط وأمّا بالحسّ فإنّما يظهر أنّه جسم متشابه الأجزاء فهذه هي الأعضاء المتشابهة من أعضاء الحيوان.

٣ وأمّا المختلفة في جوهرها فتمييزها سهل جدّاً مثل الدماغ وأمّيه والعظم واللحم وأمّا الغضروف فالفصل أيضاً بينه وبين العظم بيّن في بياضه ولينه. وأمّا عدم الحسّ فيعمّهما جميعاً أو يكون الأولى ألّا نقول ذلك قولاً مطلقاً إذ كان بعض العظام له حسّ مثل الأسنان أو لعلّ الأولى بهذا السبب ألّا يقال في الأسنان إنّها عظام. والبحث عن هذه الأشياء عند من كان معظّماً له مكرّماً يكون في نفس جوهر الشيء المقصود إليه وأمّا عند من يقصد للحقّ فالبحث عليها إنّما هو عمّا يستدلّ عليه من الأسماء فإنّه كما يوجد لكلّ واحد من الأسماء في لغتنا شيء خاصّيّ يدلّ عليه كذلك أيضاً الأمر في العظام. فإنّك لو قصدت لإيضاح ذلك فقلت في الشيء الأصليّ الذي هو الجوهر الأرضيّ ممّا في البدن إنّه يسمّى عظماً كان من البيّن أنّ الأسنان أيضاً تسمّى عظاماً وقلت في العظام أنّ منها ما له حسّ ومنها ما لا حسّ له. وباللّه أقسم أنّ القول بأنّ لبعض العظام حسّاً ليس هو لأنّ لها ذلك في طبيعتها فإنّه لا يوجد ذلك أيضاً للعروق الضوارب وغير الضوارب ولا للحم بل إنّما يقول جميع الناس في هذه الأعضاء إنّها حسّاسة بمنزلة ما يقال في العظام إذ كانت تشترك في الحسّ مع الأعضاء الحسّاسة ومن البيّن أنّ ذلك الحسّ إنّما يكون بالعصبة ومنها يجري إلى هذه الأعضاء.

إلّا أنّ هذه المطالبات وإن كانت لا تخصّ هذا الكتاب الذي نحن بسبيله إلّا أنّه على حال قد تبيّن منها أنّها مشاركة له لأنّ غرضنا ليس هو وصف الأعضاء التي هي في جوهرها متشابهة الأجزاء فقط لكنّ التمييز بينها أيضاً في الصورة لأنّ ما يظهر في علاج التشريح لا نحتاج فيه إلى بحث. وذلك أنّ الأسنان تتبيّن متشابهة الأجزاء والعظم والغضروف والعصبة والرباط والوتر والدماغ والنخاع والغشاء واللحم المفرد والشظايا التي في العضل والشحم والغدد وما في العين أيضاً وهي الرطوبة الزجاجيّة والرطوبة الجليديّة والطبقة القرنيّة والطبقة العنبيّة والعصبتان المجوّفتان وإن أحببت أيضاً أن تدخل مع ذلك الرطوبة الرقيقة المبثوثة حول الجليديّة لأنّ في أمر هذه الرطوبة مطالبة منطقيّة هل ينبغي أن يسمّى عضواً أم لا وكذلك في الدم والروح.

٤ إلّا أنّه قد ينبغي أن نتجنّب في قولنا هذا النظر في أشباه هذه المطالبات ونجعل قصدنا وصف ما يظهر في علاج التشريح على الحقيقة مثال ذلك أنّا نجد في جميع الأعضاء لا الدماغ ولا العين فقط شيئاً عامّيّاً وهو أنّ لكلّ واحد منها جوهراً خاصّيّاً تأتيه عرق ضارب وعرق غير ضارب وعصبة فتنبثّ هذه الثلثة فيه وتتقسّم تقسّماً كثيراً وتماسّه فقط بمنزلة ما نجده في الرطوبات التي في العين

فقط وفي الغشاء القرنيّ وفي جميع الأغشية. إلّا أنّ حاجة جميع الأعضاء إلى خدمة العروق غير الضوارب تجب ضرورة وقد تبيّن أيضاً لمن استقصى التشريح أنّ العظام تشارك سائر الأعضاء في ذلك وليس الأمر كذلك في العروق الضوارب ولا في العصب أيضاً. إلّا أنّا قد نجده يجري من العروق الضوارب والعصب إلى كلّ واحد من الأعضاء المتشابهة الأجزاء بنسبة ما يجري منها إلى العين إلّا أنّ ظهور ذلك في رطوبات العين ظهور بيّن بسبب عظمها ولونها وأمّا في سائر الأعضاء فليس يتبيّن كما يتبيّن في العين وإن وضعت ذهنك وتفقّدت ما يظهر في علاج التشريح على استقصاء وجدت في جميع الأعضاء هذا الذي وصفته في العين بعينه. وذلك أنّا نجد نقسّم العروق الضوارب وغير الضوارب والعصب في كلّ واحد من الأعضاء المتشابهة الأجزاء شبيهاً بما يظهر في البساتين من تقسّم الرواضع فيها وذلك أنّ الماء يدخل إليها من نهر واحد ثمّ يتقسّم من ذلك النهر في جميع البستان ويتفرّع في رواضع صغار تدور في البستان كلّه إلّا أنّ المواضع التي بين تلك الرواضع ليست الرواضع أنفسها وإنّما تصل إليها فيشبه أن يكون الماء يجري في جميع البستان على جهة الرشح من تلك الرواضع. فالجسم الموجود في العضو وهو الخاصّيّ به والذي به يتمّ
فعله من الأجسام المتشابهة الأجزاء وقد أساء قوم في تسمية هذا الجسم من الكبد وهو اللحم الخاصّيّ بها حشوا وتوهّمهم أنّ منفعته شبيهة بمنفعة الحلفاء التي يجعل فيما بين الأواني التي تتّخذ من الزجاج والخزف إذ كان يملأ المواضع الخالية التي فيما بين العروق والأعصاب التي فيها. وفي الطحال أيضاً لحم آخر شبيه بهذا اللحم الذي في الكبد تخصّه خواصّ غير خواصّ اللحم الذي في الكبد إلّا أنّ منفعته في الطحال أيضاً هذه المنفعة بعينها وكذلك أيضاً لحم الكلى ولحم الرئة. وذلك أنّ العروق والأعصاب تأتي هذه الأعضاء وتنقسّم فيها أعني الأجسام التي تخصّ كلّ واحد من هذه الجواهر وكذلك أيضاً نجد العروق الضوارب وغير الضوارب تنبثّ في الجوهر الخاصّيّ المتشابه الأجزاء الذي للدماغ والذي للنخاع وكذلك أيضاً جسم الأمّ الجافية من أمّي الدماغ فإنّك تجد فيه شيئاً يخصّه دون سائر الأعضاء. وأمّا الأمّ الرقيقة من أمّيه فهي غشاء على الحقيقة لا فصل بينه وبين سائر الأغشية التي جميعها متشابهة الأجزاء في جوهرها وفي منفعتها وأمّا الأمّ الثالثة الموجودة للنخاع فهي وقاية ثالثة تخصّه دون الدماغ ومنشأها من أحد عظام الجمجمة. والأفضل أن يقال في الأمّ الرقيقة إنّها رباط يربط النخاع والدماغ لا وقاية توقّيها لأنّ المنفعة الأولى التي ينتفع بها

الدماغ من الأمّ الرقيقة هي بمنزلة ما ينتفع به من الرباط ثمّ الثانية بعدها منفعة الوقاية الغريزيّة وكذلك أيضاً الغشاء المحيط بسائر الأحشاء الباقية وهي الرئة والطحال والكلى والكبد. وأمّا غشاء القلب المعروف بالدائر حوله فأغلظ من أغشية هذه الأعضاء إلّا أنّ جوهره جوهر تلك بعينه وهو أيضاً بحسب ما يدركه الحسّ منه متشابه الأجزاء. وقد خفي أيضاً على أكثر أصحاب التشريح طبيعة الغشاء المعروف بالصفاق فتوهّموا أنّ طبيعته غير طبيعة سائر الاغشية لأنّه تتّصل بأكثر أجزاءه أوتار العضل الممدود على البطن عرضاً إلّا أنّ هذه الأوتار تفارقه في المواضع السفلانيّة من البطن وتتباعد عنه فيبقى وحده معرّىً منها منبسطاً على جميع تلك المواضع ونجده أيضاً في بعض المواضع باقياً على رقّته وفي بعضها أكثر غلظاً قليلاً. إلّا أنّ أكثر أصحاب التشريح لم يفهموا ذلك وقد توهّم أيضاً بعضهم أنّ طبيعة الغشاء المغشّي للبطن والأمعاء والرحم والمثانة من طبيعة هذا الغشاء وسمّوها جميعاً باسم واحد لا يليق بهما إلّا أنّ العادة في الأسماء إذا كانت قد جرت على هذا فيجب ضرورة كما قد علمت أن يكون استعمالنا لها على ما جرت به العادة عند من كان قبلنا. وأمّا الوقاية الملبّسة على كلّ واحد من الأعضاء التي في الصدر فمتشابهة الأجزاء في جوهرها بمنزلة الغشاء المغشّي للبطن المعروف بالصفاق.

٥ وليس تجد الجسم المخصوص بكلّ واحد من الأعضاء مشابه الأجزاء على الحقيقة لأنّ حدوثه إنّما يكون من شظايا لحميّة يتّصل بعضها ببعض بأغشية رقيقة فيجب من ذلك أن يكون في المعدة والرحم والمثانة والأمعاء وسائر الأعضاء الشبيهة بها جسمان أوّليّان وهما الشظايا والأغشية التي تجمعها وتصل بعضها ببعض وأمّا العروق الضوارب وغير الضوارب فتنقسم وتنبثّ في هذه الأعضاء. وإذا قشطت الطبقة الخارجة من المعدة المتّصلة بالصفاق التي من طبيعته وجدت من دونها جسم المعدة الخاصّيّ بها مركّباً من طبقتين أخريين طبيعتهما تلك الطبيعة بعينها مؤلّفاً من أشباه تلك الشظايا التي منها تأليف الطبقة الأولى وكذلك أيضاً الأمعاء. وأمّا جرم المثانة وجرم الرحم فترى كلّ واحد منهما رؤية بيّنة إذا قشطت عنه الغشاء المغشّي له من خارج والمتّصل بالصفاق مركّباً من طبقة واحدة مؤلّفة من شظايا تخصّها. وكذلك أيضاً العرق غير الضارب فإنّ جسمه لا يوجد بسيطاً مفرداً على الحقيقة إلّا أنّه متشابه الأجزاء وذلك أنّه مركّب من أمثال هذه الشظايا وأكبر من ذلك كثيراً العرق الضارب فإنّ له طبقتين إحداهما وهي الداخلة منه قويّة غليظة مؤلّفة من شظايا تمتدّ عرضاً وأمّا الأخرى وهي الخارجة فتركيبها مختلف إلّا أنّ أكثرها مؤلّف من شظايا تمتدّ طولاً بخلاف تأليف جرم المعدة. فإنّ هذا العضو أيضاً مركّب من طبقتين تخصّانه

وكذلك أيضاً كلّ واحد من الأمعاء فإنّ تأليفه من طبقتين إلّا أنّ تأليف أكثر هاتين الطبقتين من شظايا تمتدّ عرضاً وقد تجد الشظايا التي منها تركيب هاتين الطبقتين في بعض الحيوان تمتدّ كلّها إلّا اليسير عرضاً ويغشّي هاتين الطبقتين أيضاً غشاء ثالث يبسط عليهما من خارج منشأه من الصفاق الذي على البطن فقد تبيّن أنّ بعض ما في كلّ واحد من الأحشاء من الأعضاء المتشابهة الأجزاء شظايا وبعض ما فيها أغشية وبعض ما فيها اللحم الخاصّيّ بكلّ واحد منها. وكذلك أيضاً كلّ واحد من الأعصاب فإنّ تأليفه من ثلثة أشياء وذلك أنّ الجزء الداخل منه وهو أشرف ما فيه ينبت من الدماغ أو من النخاع وأمّا الجسمان الآخران المحيطان بذلك الجزء فأحدهما ينبت من أمّ الدماغ الرقيقة والآخر من الأمّ الجافية وكلّ واحد من هذه الأجسام بحسب ما يدركه الحسّ متشابه الأجزاء وليس تشابه الأجزاء من العصبة بمنزلتها في الرباط.

٦ وأمّا الغدد فليس جوهر جميعه جوهراً واحداً على الحقيقة لكنّك تجد ما جعل منه لإمساك العروق المتشعّبة في الأعضاء وبينها صلباً متكاثفاً وهذا الجنس من الغدد فقط يسمّيه القدماء على الحقيقة غدداً. فأمّا الجنس الذي يتوّلد منه

خلط من الأخلاط أو رطوبة من الرطوبات ينتفع بها الحيوان فليس يسمّونه على الحقيقة غدداً إلّا أنّ الحدث من الأطباء قد يسمّونه بهذا الاسم على طريق الاستعارة وأمّا من يعنى باستعمال الأسماء على حقيقة ما تدلّ عليه فيسمّي هذا الغدد باسم يدلّ على أنّه يشبه الغدد ولا يسمّيه غدداً فقط وليس نجد الرخاوة والانتفاخ في جميع الغدد بحال واحدة لكنّ ذلك يوجد في بعضه أكثر وفي بعضه أقل. ومن أمثال هذه الأجسام الأنثيان إلّا أنّ للأنثيين اسماً يخصّهما دون سائر الغدد وأمّا الغدد الذي في الثديين وعن جنبتي اللسان وفي الحنك وفي قصبة الرئة وفي الجداول وفي ظرف رقبة المثانة فليس لشيء منه اسم يخصّه على أنّه تتولّد في جميع هذا الغدد رطوبة وليس نجد أيضاً لجميع الرطوبات المتولّدة عنه اسماً يخصّ كلّ واحدة منها وذلك أنّ الرطوبة المتولّدة في الثديين تسمّى لبناً والمتولّدة في الأنثيين تسمّى منيّاً والتي تتولّد في الغدد الذي عن جنبي اللسان تسمّى لعاباً. وأمّا سائر الغدد الذي وصفناه فيولّد رطوبة رقيقة لزجة قليلاً إلّا أنّه ليس لها اسم يخصّها اللّهمّ إلّا أن تكون الرطوبة المتولّدة في الغدد الذي عن جنبي المثانة فإنّ بعض الناس يتوهّم أنّها منيّ فيسمّيها

بهذا الاسم واسمها في لسان العرب الوديّ ومن الناس من يسمّي هذا الغدد باسم مشتقّ من اسم الشهد ولا يسمّيه غدداً ومنهم من يسمّيه باسم يدلّ على الشبه من الغدد. ومنهم من يسمّي بهذا الاسم الأوعية التي تبرز فيها تلك الرطوبة كما قد تسمّى أيضاً الأوعية التي يجري فيها المنيّ من الأنثيين أوعية المنيّ ولجوهر هذه الأوعية خاصّيّة تخصّه وكذلك أيضاً جوهر الأوعية التي يجري فيها البول من الكلى إلى المثانة والتي تنبت من المرارة وتصير إلى الكبد والجداول. وتتّصل بجميع الغدد الذي يولّد رطوبة من الرطوبات عروق ضوارب وغير ضوارب بيّنة للحسّ ومن هذا الجنس أيضاً الغدد الذي في باطن العين وأمّا المجاري التي توجد تحت الأجفان فليس يوجد معها غدد. وأمّا الغدّة التي في الدماغ فهي من الجنس الآخر من جنسي الغدد صلبة متكاثفة ويوجد في وسط منها فيما عظم من الحيوان شيء شبيه بالعظم.

٧ فقد تبيّن لك من قولنا هذا بياناً ظاهراً عدد جميع الأعضاء المتشابهة الأجزاء وأنّ منها ما له صورة تخصّه ومنها ما يشترك في الجنس فالرطوبة الزجاجيّة

والرطوبة الجليديّة من الأعضاء التي لكلّ واحد منها صورة تخصّه وهما في عضو واحد من أعضاء الحيوان وكذلك أيضاً الدماغ والرئة. وأمّا لحم الكبد فيشبه لحم الطحال ولحم الكلى بعض الشبه إلّا أنّه ليس يمكن إدخال هذه اللحوم الثلثة في نوع واحد. وكذلك أيضاً جرم القلب وجرم العضل فقد قلت إنّهما جميعاً لحم وإنّ صورتهما تخيّل أنّها صورة واحدة ولهذا اضطررت بسبب الإعواز في الأسماء الملائمة لكلّ واحد منهما أن ألقبّهما بلقب واحد يعمّهما على أنّ هذا الاسم إنّما يعرف به على الحقيقة اللحم الذي في العضل فقط وإنّما قلت في جرم القلب إنّه يشبه اللحم لا أنّ صورتهما واحدة. وكذلك أيضاً طبيعة الغدد الذي يشدّ العروق ويمسكها فإنّك إن تفقّدته نعماً على الاستقصاء وجدته في صورته شبيهاً بالغدد المسمّى بهذا الاسم على طريق الاستعارة من غير أن يكون مساوياً له في الصورة وكذلك أيضاً الرباطات فإنّها تشبه العصب إلّا أنّها مباينة له في صورتها. وأمّا العظام فالأمر في أنّها من جنس آخر بيّن ظاهر وكذلك أيضاً الغضاريف. وأمّا طبيعة الأغذية والغدد فلكلّ واحد منهما خاصّيّة تخصّها غريزيّة فيها كما قلت أمّا طبيعة الأغشية فواحدة على الحقيقة وأمّا طبيعة الغدد فتختلف اختلافاً كثيراً في كلّ واحد من

الأعضاء المتّفقة معها في الصورة والمتّفقة في الجنس. وأمّا الأمّ الجافية من أمّي الدماغ فلها صورة تخصّها كما قلت وكذلك أيضاً الأمّ الثانية التي تحيط بالنخاع لأنّ طبيعتها طبيعة تلك بعينها وأمّا الغشاء الثالث المحيط بالنخاع فهو من جنس الرباطات. وأمّا الأوعية وهي التي يجري فيها البول والتي يجري فيها المذى والتي يجري فيها المنيّ وأوعية المرارة والتي يجري فيها اللعاب والتي في العينين فمتشابهة كلّها في الطبع إلّا أنّ صورتها ليست صورة واحدة بعينها وخليق أيضاً ألّا يكون جنسها جنساً واحداً يعمّها. وطبيعة اللسان أيضاً الذي في الحنجرة مخالفة لطبيعة سائر الأعضاء وكذلك أيضاً قضيب الذكر وأمّا الطبقة القرنيّة التي في العين والطبقة العنبيّة والأجفان فلها شيء يخصّها. وخليق أيضاً أن يكون الواجب أن يقال في العضو الشبيه بالترمسة الموضوع على قاعدة الدماغ إنّ صورته خلاف صورة الغدد إلّا أنّه أيضاً قد يسمّى غدّة وصورة جرم اللسان أيضاً تخصّه دون سائر الأعضاء والفرق بينه وبينها عظيم وهذا العضو من الأعضاء المتشابهة الأجزاء الأول.

٨ فاسم جميع هذه الأعضاء اسم واحد يعمّها وأمّا جوهرها فيختلف في صورته والذي ينتفع به في التحفّظ هو ما عمّ الأسماء وذلك أنّا إذا قلنا إنّ في كلّ واحد من الأعضاء المتشابهة الأجزاء جوهراً يخصّه وإنّ الشيء الذي هو

بمنزلة اللحم في كلّ واحد من الأحشاء من الأعضاء المتشابهة الأجزاء تذكّرنا بذلك على المكان الفصول الجزئيّة التي فيها. وكذلك أيضاً الأنواع التي في كلّ واحدة من الآلات فإنّا إذا ذكرنا اللقب العامّيّ الذي يعمّها جميعاً تذكّرنا بذلك على المكان الخواصّ التي تخصّ كلّ واحد منها. وكذلك أيضاً إذا ذكر الإنسان اسم الغدد تذكّر بذلك على المكان جميع الغدد الذي يسمّى منه على الحقيقة بهذا الاسم والذي يسمّى به على طريق الاستعارة وهو الذي ذكرته فيما تقدّم على أنّ فيما بينهما اختلافاً كثيراً وكذلك أيضاً الأوعية فإنّ الاسم الذي يعمّها واحد إلّا أنّ أنواعها كثيرة وتذكّر جميعها يكون عند ذكر اللقب الذي يعمّها. فكل هذه الأعضاء يشترك في الاسم بسبب التشابه الذي فيما بينها من غير أن يكون جوهرها جوهراً واحداً أعني الأوعية والغدد والشظايا وأمّا التي تشترك في الاسم على طريق الاستعارة فاللحوم وليس الأمر كذلك في العظم والغضروف والغشاء والرباط لأنّ كلّ واحد من هذه يسمّى بهذا الاسم على الحقيقة وإنّما يعرف به واحد منها. وأمّا جسم العصبة والوتر من غير أن تدخل مع ذلك الأغشية التي تغشّيها فمن الأعضاء المتشابهة الأجزاء. وكذلك أيضاً جميع الأمخاخ وإن أحببت أن تدخل فيها الدماغ

والنخاع فكن حافظاً للفصل بينهما وبين سائر الأمخاخ وإذا كانا غير متشابهين في الصورة لسائر الأمخاخ فهما لا محالة في موضع من البدن بمنزلة الرطوبات التي في العين وهي الرطوبة الزجاجيّة والرطوبة الجليديّة فإنّ هذه ليست في مواضع كثيرة من البدن بمنزلة الغدد واللحم والأغشية والرباطات والغضاريف. وفي موضع واحد أيضاً من البدن الطبقة القرنيّة والطبقة العنبيّة وليس تجد عضواً واحداً آخر في البدن طبيعته هذه الطبيعة بعينها ولا عضواً آخر أيضاً طبيعته مثل طبيعة القضيب من الذكر وخليق ألّا يسيء قائل إن قال إنّ في رقبة الرحم عضواً له صورة تخصّه. وقد تكلّمت أيضاً في أمّ الدماغ الجافية وكذلك أيضاً في الغشاء الدائر حول القلب وفي اللسان الذي في الحنجرة وذلك أنّ كلّ واحد من هذه الأعضاء من البدن في موضع واحد.

٩ وبالجملة فلا أحسبه يوجد في بدن الإنسان عضو من الأعضاء المتشابهة الأجزاء لم نذكره وتركيب هذه الأعضاء يكون على نحوين أمّا الأوّل منهما فتركيب العروق الضوارب وغير الضوارب والطبقات وذلك أنّ تركيب هذه الأعضاء كما قلت من أغشية دقاق يتّصل بعضها ببعض. وأمّا المعدة والأمعاء والرحم فإنّ لقائل أن يقول إنّ تركيبها ليس هو من شظايا مفردة بسيطة فقط لكنّ

من شظايا ومن لحم مفرد بسيط ينبت حول تلك الشظايا فإنّ لهذا القول بعض الإقناع وذلك أنّ حقيقته تتبيّن بياناً أكثر من ذلك في العضل لأنّه ينبت فيها حول الشظايا المتقسّمة من الرباطات والأعصاب اللحم الذي يسمّى على الحقيقة بهذا الاسم وذلك هو جرم العضلة الخاصّيّ بها وأمّا العروق الضوارب وغير الضوارب فتأتي العضل لحفظ جوهره. وقد قلت أيضاً فيما تقدّم في العصب أنّ جرمه الخاصّيّ به متشابه الأجزاء وأمّا إذا أضفت إليه الوقايات التي توقّيه دخل في الجنس الذي قلنا إنّه يعمّ العروق الضوارب وغير الضوارب إلّا أنّ تركيب ذلك في العصب على غير الجهة التي يتركّب عليها في العروق. ثمّ التركيب الثاني من تركيبي الأعضاء التركيب الذي يكون للآلات العظيمة من هذه الآلات المفردة البسيطة وإلى هذه الآلات العظيمة ينقسم البدن كلّه وهي الدماغ والنخاع والعينان واللسان والحنجرة والرئة والمريء والمعدة والأمعاء والصدر والكبد والكلى والطحال والمثانة والرحم واليدان والرجلان. وذلك أنّ الطبقات والعروق الضوارب وغير الضوارب والعصب والوترات والعضل التي في جميع الأعضاء هي من الآلات الأول. وأمّا العظام والغضاريف والأغشية والغدد واللحم

وكلّ ما أشبه ذلك فمن الأجسام المتشابهة الأجزاء وهي الأسطقسّات المحسوسة التي منها تركيب بدن الإنسان.

تمّ كتاب جالينوس في اختلاف الأعضاء المتشابهة الأجزاء نقل حنين بن إسحق.