Galen: In Hippocratis De officina medici (On Hippocrates' Surgery)

Work

, (Εἰς τὸ Ἱπποκράτους κατ' ἰητρεῖον βιβλίον ὑπομνήματα)
English:

Text information

Type: Translation (Arabic)
Translator: Ḥubayš ibn al-Ḥasan
Translated from: Syriac (Close)
Date: between 850 and 890

Source

Malcolm C. Lyons. Galeni in Hippocratis De officina medici commentariorum versio arabica. Corpus Medicorum Graecorum. Supplementum Orientale 1. Berlin (Akademie-Verlag) 1963, 10-96

Download

gal_inhippdeoffmed-transl-ar1.xml [159.87 KB]

... العادل المفترض في مداواة الكسر.

(٦) قال أبقراط وأمّا في هذه فأعظم الأمور من الرباط أمّا في الغمز فكيما لا يتبزّأ من العضو ما هو موضوع عليه ولا يضغطه لكن يلقى عليه من غير أن يزيده ضيقاً يكون ذلك في الأطراف الأقاصي أقلّ. وأمّا في المواضع الوسط فإمّا على أقلّ ما يكون وإمّا ألّا يكون أصلاً.

قال جالينوس أبقراط يقول إنّ أعظم الوصايا فيما يتعلّمه الإنسان من نوع شدّة الرباط أن يكون ما هو موضوع على العضو العليل يعني بذلك الخرق ليست متبزّئة من الجلد ولا ضاغطة له لكن تكون لاطئة عليه يعني أن تكون لازمة له لزوماً وثيقاً من غير أن يزيد في لزومها له التضييق عليه إنّما معناه عنده أن تكون الخرق تلتفّ على العضو العليل التفافاً عنيفاً شديداً حتّى يؤلمه ويوجعه وهذه الوصايا التي أوصى بها في مقدار ضغط الخرق للعضو ينبغي أن لا نتواني عنها في الموضع الوسط من الرباط حيث العلّة أصلاً أو إن وقع في شيء منها توانٍ كان ذلك على أقلّ ما يكون وأمّا في أطراف الرباط فينبغي أن نقدّم العناية بذلك هناك أيضاً لا محالة لكن بأقلّ من عنايتنا به في وسط الرباط وذلك أنّ أجمل الأمور وأحمدها أن يكون الصانع معرّى من الغلط والخطاء فإن أخطأ وغلط في بعض الأوقات خطاء وغلطاً يسيراً فينبغي أن يكون غلطه وخطاءه من الأعضاء ومن العلل حيث تكون المضرّة الحادثة عنه أقلّ وأهون وأمّا حيث تكون المضرّة من الغلط والخطاء مضرّة ذات قدر يعتدّ به فإمّا أن لا يكون هناك غلط ولا خطاء أصلاً وإمّا أن يكون ذلك على أقلّ ما يكون.

(٧) قال أبقراط العقد والخيط يكون إمعانه في ذهابه لا إلى ناحية أسفل لكن إلى ناحية فوق في الإعطاء والإمساك وفي الرباط وفي الضغط.

قال جالينوس أمّا السبب الذي مكانه أدخل في الكلام في الرباط الكلام في هذه فينظر فيما بعد وأمّا الآن فأولى الأمور بأن نجعل أوّل ما نلتمس فهم ما قال فإنّ المفسّرين قد اختلفوا فيه وذلك أنّ منهم من فهم عنه قوله إلى ناحية فوق وإلى ناحية أسفل فهماً مطلقاً أنّه إنّما أراد به مسافة الطول ومنهم من فهم عنه أنّه إنّما أراد بذلك مسافة العمق ولم يشرح ولا الواحد من الفريقين ما أراد بقوله إمعان وذهاب لا في العقد ولا في الخيط وأنا أقول إنّ الأمر عند جميع الناس واضح أنّه إنّما عنى

بقوله عقد الشيء الذي يكون من الرباط إذا ربط الواحد من طرفي الخرقة بالآخر أو شقّ أحد طرفيها فصارت منه زاويتان تربط إحداهما بالأخرى وربّما زيد عليهما مراراً كثيرة آخر ثالث وهو الذي يسمّى قيد فربطا به من خارج وكذلك الأمر في قوله خيط إنّما يريد به الشكل الذي يدخل في ثقب الإبرة إمّا لنجمع به جزءي جسم قد تفرّقا بقطعنا له فاحتاج أن يخاط وإمّا لنخيط به طرف الخرقة التي يربط بها العضو مع أجزائها المتقدّمة التي قد صارت على العضو من تحت الطرف وكلامه هذا الخاصّ إنّما هو في الخيط الذي يهيّأ لهذه المنفعة فهو يأمر أن يكون ذهاب هذا الخيط وإمعانه إلى فوق وقد كان ينبغي أن يعلّمنا هو ما معناه في الذهاب والإمعان وما الذي يريد به إذ كان قد نجده مراراً كثيرة يستعمل هذا الاسم ويصرفه على ذهاب الرباط وإمعانه منذ ابتدائه إلى منتهاه من ذلك أنّه في كتاب الكسر قد أمرنا أن نضع مبدأ الرباطين كليهما على نفس الكسر ثمّ نذهب ونمعن بالذي وضعناه أوّلاً إلى فوق ونذهب ونمعن بالرباط الثاني في أوّل الأمر إلى أسفل ثمّ نأخذ به أيضاً إلى فوق فأراد بقوله ذهاب وإمعان الشيء الذي هو بمنزلة المسير للرباط وهو الذي نفعله نحن في بدن المريض بلفّنا عليه الخرق عند أوّل موضع نضعها عليه حتّى ننتهي إلى أقصى موضع يحتاج إلى ذلك منّا وبقياس ذهاب الرباط وإمعانه معنى ذهاب الخيط وإمعانه وذلك أنّه لمّا كانت الإبرة قد يمكن فيها أن تنفذ وتمضي منكّسة من فوق إلى أسفل ويمكن فيها خلاف ذلك وهو أن تنفذ وتمضي قائمة منتصبة إلى فوق ويمكن فيها أيضاً أن لا تميل في نفوذها ومضيها لا إلى واحدة من الناحيتين لكن تمرّ غير زائلة عن الاستقامة إمّا من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن وإمّا من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر يأمر هو أن نمرّ بها في كلّ وقت وفي كلّ موضع إلى ناحية فوق فإن كان الذي يحتاج أن يخاط إنّما هو طرف الرباط بالجزء الذي هو منه تحت الطرف فقط فلا بدّ لنا ضرورة في الرباط الذي لا حاجة بنا فيه إلى أعضاء مخالفة الوضع بمنزلة ما يتهيّأ لنا ذلك في الساعد وفي العضد وفي الفخذ وفي الساق من أن نجعل الإبرة تذهب إمّا من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن وإمّا على خلاف ذلك وفي الوجهين كليهما نروم أن نجعل ذهابها منعرجاً إلى فوق فأمّا الرباط الذي نحتاج فيه إلى أعضاء موضوعة في خلاف الناحية التي فيها العضو الذي يربط بمنزلة ما يتهيّأ ذلك في الكتف وفي الورك فينبغي لنا أن نلتمس تصيير ذلك بطرف الخرقة ومنتهاها ذاهباً إلى فوق ثمّ ندخل الإبرة ونغرزها هناك من أسفل إلى
فوق ونجعل الخياطة خياطة إذا اجتذبنا بها الخيط لا نجذب به الجزء المرتفع من أجزاء الخرقة إلى أسفل بل نجذب به الجزء الأسفل منها إلى فوق لأنّ هذين أمران قد يمكن أن نفعلهما جميعاً في تلفيفنا أجزاء الخرقة معاً بالخياطة ولكن ينبغي لنا من بعد ما ننفذ الإبرة والخيط في الخرق أن نمدّ الجزء الأسفل من الخيط إلى فوق ولا نمدّ الجزء الأعلى منه إلى أسفل ويكون غرضنا في ذلك أن نكون نجتذب ونشيل بالأجزاء العالية من الخرقة الأجزاء التي هي أسفل وهذا شيء يأمرنا أن نفعله في جميع الأوقات أعني في الوقت الذي يدفع المريض عضوه العليل إلى الأطبّاء ليتعرّفوا علّته وفي هذا الوقت الذي يهيّئونه الأطبّاء للعلاج باليد وفي الوقت الثالث وهو وقت عمل ما يعمل باليد ممّا الرباط جزء منه وفي الوقت الرابع فسمّي الوقت الأوّل في الإعطاء وسمّي الثاني في الإمساك وسمّي الثالث في الرابط وسمّي الرابع في الضغط وقد غيّر قوم اسم الضغط باليونانيّة فجعلوه الإمساك فيما بعد وأنا لهذا أكثر استصواباً وذلك أنّ أبقراط أيضاً فيما مضى من هذا الكتاب قد سمّى مثل هذا الوقت إمساكاً فيما بعد وأمر أبقراط معلوم أنّه كما يريد أن يكون الأعضاء المربوطة تحفظ في جميع الأوقات على نصبة واحدة كذلك يريد أن يكون ذهاب الرباط والخيط دائماً إلى فوق فيكون أوّلاً طرف خرقة الرباط يمدّ إلى فوق ويمسك هناك بوثاقة ويكون جميع الرباط على مثل ذلك بما يكتسبه من هذا الطرف ولكن هاهنا شيء يستحقّ أن يستقصى البحث عنه والنظر فيه وهو شيء قد أغفله جميع المفسّرين وتركوه غير مشروح وهو أنّ ذهاب الرباط والخيط وإمعانهما ينبغي أن يكون في الوقت الذي يدفع المرضى أنفسهم إلى الأطبّاء كمثل ما يكون في سائر الأوقات الأخر إلى الناحية العليا من العضو فإنّ الناس الذين يأتون الطبيب منهم قوم يأتونه وهم يمشون بأرجلهم ومنهم قوم يأتونه وهم محمولون بحسب ما يرى كلّ واحد منهم أن يجعل عمله وفي بعض الأوقات يأتونه وأعضاؤهم العليلة معلّقة تعليقاً أو مربوطة فقط وفي بعضها تكون تلك الأعضاء منهم جامعة الأمرين أعني مربوطة معلّقة وإذ كان الأمر على هذا فهم المسلّطون على العقد وعلى الخيوط لا الأطبّاء الذين يريدون أن يتبيّنوا أحوالهم ويعالجوهم وعسى أن يكون أبقراط يرى من الرأي أنّ أصحاب العلل قد يحتاجون مراراً كثيرة إلى الأطبّاء في ذلك الوقت من ذلك أنّ الناس قد يصابون مراراً كثيرة وهم على سفر أو في صحراء من ضربة تنالهم أو جراحة يحتاج فيها إلى جمع عدّة كثيرة من الأطبّاء وإلى نظر شافٍ مستقصى وإلى أبواب أخر أو أدوية أو خرق أو نطولات بها تكون مداواتهم وليس

منها واحد يوجد في الصحراء ولا في السفر فإذا وجدوا في ذلك الوقت ربطوا أعضاءهم العليلة وعلّقوها بما يتهيّأ لهم من الخرق ومن المعلوم أنّه إن احتاج أن يقيّد الرباط بعقد يعقده أو بخياطة يخيطها فعل من ذلك ما يحتاج إليه فعل صواب وكذلك أيضاً إن دفع المريض نفسه في المدينة إلى الأطبّاء المألوفين ليتعرّفوا أوّلاً ما أصابه من العلّة تعرّفاً شافياً ثمّ يردّوا بعد ذلك المفاصل إن كانت انخلعت إلى مواضعها أو ليجبروا ويقوّموا ويصلحوا العظام إن كانت انكسرت أو ليخيطوا جراحة إن كانت وقعت أو ليشدّوا فسخاً إن كان عرض ويعنوا به العناية الموافقة له كان الأمر واضحاً أن الأطبّاء يربطون الرباط الذي ينبغي ثمّ إنّهم من بعد الرباط يحرصون على استبقاء العضو وحفظه بالشكل والنصبة التي أرادوها بعينها.

(٨) قال أبقراط المبادئ ينبغي أن توضع لا على القرحة لكن حيث العقد.

قال جالينوس المبادئ التي أرادها أبقراط وأمر بأن لا توضع على القرحة لكن حيث العقد أيّ المبادئ هي وما الذي أراد بالعقد هو واحد من الأشياء التي قد بحث عنها وطلب معناها وذلك أنّه في القول الذي قاله فيما تقدّم جعل العقد محاذياً في القسمة للخيط وهاهنا إنّما ذكر واحداً منها فقط من طريق أنّ الخيط قد يمكن فيه أن ينتهي عند العقد لأنّ الخيط في جميع ما نخيط لا بدّ له من أن يكون منتهاه لا محالة إلى عقد وذلك أنّ الأشياء التي تخيّط ليس ننفذ فيها الإبرة إنفاذاً ساذجاً بل إنّما تنفذ بعد أن يكون الشيئان المخاطان قد شدّ أحدهما بالآخر بعقد ومراراً كثيرة يكون مبدأ العقد ومبدأ الخيط قريبين واحداً من الآخر بمنزلة ما نجد ذلك إذا نحن خطنا الجلد ومراراً كثيرة يكونان بعيدين واحداً من الآخر كما قد نجد ذلك مراراً كثيرة يعرض في الرباط إذا نحن جمعنا أجزاء للخيط من بعد كثير حتّى نعقدها عقداً واحداً عامّاً وعسى أن يكون أبقراط هاهنا أيضاً إنّما يقول إنّ أوّل الخيط ليس ينبغي أن يجعل في الموضع الذي فيه القرحة ومع وصيّته هذه يقع في الوهم أنّ العقد أيضاً ليس ينبغي أن يكون في موضع القرحة لأنّه إذا كان كذلك نال القرحة ضغط ليس من قبل العقد فقط لكن من الرباط أيضاً إذا ضغطه بالعقد ضغطاً شديداً وذلك أنّ العقد يحتاج أن يشدّ شدّاً له فضل عنيف إن كان يريد أن يضبط الرباط وكذلك أيضاً لو أنّ العقد كان بغير خيط بأن يشدّ طرفا الخيط واحد بالآخر أو يشدّا بقيد يقيّدا به من خارج [و]ليس ينبغي أن يقع ذلك على القرحة وذلك أنّه يعرض من هذا أن يكون العقد إذا وقع على

القرحة ضغطها ولا سيّما إذا كانت خرقة الرباط التي وقعت تحته رقيقة أو كانت قد لفّت على العضو بلا صوف وأنا أرى أنّ أبقراط إنّما ذكر هاهنا الشدّ الذي ينتهي إلى عقد إن كان شدّ الخيوط وإن كان شدّ الخرق وقد ظنّ قوم أنّه إنّما يأمر أن لا يجعل مبدأ الرباط من القرحة وقوم آخر عمدوا إلى نسخة هذا الكلام فجعلوها حقّاً إلّا أنّها لا توافق ولا تشاكل ترتيب هذا القول إذ كان ليس آخر ما يذكر في كلامه هذا أمر الرباط لكنّ أمر الرباطات المخيّطة ونسخة الذين جعلوها ولا يجري الكلام فيها مجرى الصدق ويسلك صاحبها فيها مسلكاً صناعيّاً هي هذه المبادئ توضع لا على القرحة لكن من هذه الناحية وهذه الناحية فذلك من جانبي القرحة أو من الجانب الأيمن أو الجانب الأيسر وهذا قول يعرض بحسبه أن يكون ما هو مكتوب من قول أبقراط في كتابه في الكسر صواباً غير مخالف لما قيل هاهنا وذلك أنّ في ذلك الكتاب يأمر بأن يوضع مبدأ الرباط على الموضع العليل كسراً كان أم قرحة ولا يتجاوز به ذلك الموضع لا إلى فوق ولا إلى أسفل لأنّ قوله في ذلك الكتاب إنّما يصرفه على مسافة الطول وأمّا هاهنا فليس يريد مسافة الطول لكنّ مسافة العرض وإليها نحا بقوله تجعل المبادئ لا على القرحة لكن من [على] هذه الناحية وهذه الناحية أي من جانبي القرحة لأنّ هذا القول موافق مطابق لقوله لا يتجاوز به ذلك الموضع لا إلى فوق ولا إلى أسفل إلّا أنّ هذه نسخة لا يعرفها المفسّرون الذين فسّروا هذا الكتاب وإذ كانوا لا يعرفونها فحقّ لهم أن يتشكّكوا إذا سمعوا أبقراط يقول تجعل المبادئ لا على القرحة لكن حيث العقد وقوم منهم رأوا أنّه ينبغي لهم أن يفهموا عنه قوله مبادئ الرباط أي أطرافه على أنّ الطرف هو اسم أعمّ وأجمع من المبدأ كما قد علّمنا ذلك أفلاطون حيث قال إنّ الطرفين هما المبدأ والمنتهى فإن كان يمكن أن نلقّب الأمور بالأسماء والألقاب الأعمّ التي هي كالأجناس مكان الأسماء والألقاب الأخصّ التي هي كالأنواع فمطلق لنا أن نسمّي المبدأ طرفاً كما نسمّي المنتهى أيضاً طرفاً فأمّا أن نسمّي

المنتهى مبدأ فلا وإذ كان ليس يمكن أن يفهم هاهنا أنّه يريد بقوله مبدأ شيئاً آخر خلا مبدأ الرباط والخيوط والقمط وكان لا يمكن أن يفهم عنه أنّه أراد مبدأ الرباط فقد يجب ضرورة أن يعتزم على أنّه إنّما أراد مبدأ الخيوط والقمط وإن ترد شبيه مبدأ الدعائم أيضاً فإنّه هو أيضاً يذكر هذه ويقول إنّها تقيّد الرباط كما يفعل ذلك بالخرق من الخرقة الطويلة كالخيط الرقيق أو بالجملة كلّما علّقت أطرافه بعض ببعض من فوق وكلّ شيء أمسك الرباط،

(٩) قال أبقراط وأمّا العقد فلا يكون في موضع المحاكّة ولا في موضع العمل ولا في موضع العطل كيما لا يكون موضوعاً بالباطل

قال جالينوس إنّ أبقراط بعد أن تقدّم إلينا فيما سلف من كلامه قبل هذا أن نضع مبادئ الأشياء التي منها يكون العقد لا في موضع القرحة لكن في موضع آخر يصلح أن يوضع فيه العقد أيضاً قد أخذ الآن في تعليمنا وتعريفنا هذه المواضع التي ينبغي أن يوضع الرباط فيها وقد يكون مراراً كثيرة تعليم الإنسان وما يخبر به عن الأمور لا من الأعراض اللازمة لها لكن من أعراض غير لازمة لها وهي التي يسميّها اليونانيّون أبوسمبابيقا وإنّما يسمّون بهذا الاسم الأعراض التي يمكن أن تلزم الشيء إلّا أنّها لم تلزمه فكلام أبقراط هاهنا إذا صرف إلى المعنى الذي أشار إليه كان بالقوّة على هذا النحو ينبغي لك أن تضع العقد لا على القرحة لكن حيث يمكن أن تجعل ذهابه وإمعانه إلى فوق بعد أن تحذر وتتوقّى من موضع المحاكّة ومن موضع العمل ومن الموضع الثالث العطل وأراد بقوله موضع المحاكّة الموضع الذي يختلّ فيه عضو من أعضاء البدن بشيء يلقاه وأراد بموضع العمل الموضع الذي فيه للعضو عمل وفعل يفعله إمّا بأن ينقبض وإمّا بأن ينبسط وإمّا بأن يزول إلى أحد الجانبين فموضع المحاكّة من الماشي هو أسفل قدميه ومن المستلقي على قفاه جميع ما هو من بدنه من خلف وأكثر ما تناله المحاكّة في الاستلقاء ما كان من الأعضاء باقٍ بارز عن الرأس إلى خلف وأمّا الجالس فموضع المحاكّة منه ما يلي الأليتين الحرقفتين وإذا كان الإنسان يريد أن يعمل بيديه وهو مربوط فتفقّد وانظر أيّ عمل يريد أن يعمل

وفيماذا عمله من الأشياء التي من خارج فإنّك إذا تثبّت في ذلك أمكنك أن تقف على موضع المحاكّة منه والأعمال الأمر فيها بيّن أنّها إنّما تكون بالمفاصل فتوقّى المفاصل دائماً وخاصّة المفاصل التي بها يكون العمل والمريض عليه الرباط والأمر في أنّ أبقراط قد أحسن فيما وضع وأوصى به من أن يكون العقد الضابط لجميع الرباط لا يوضع على الأعضاء التي تتغيّر أشكالها ونصبتها عند الحركات واضح بيّن فإنّه متى كان ذلك وجب ضرورة أن يكون العقد في بعض الأوقات مسترخياً ومرّة يكون شديداً يضغط المفصل الذي وقع عليه أيّ المفاصل كان فأمّا الذي قاله أبقراط في آخر كلامه هذا وسمّاه عطلاً فجميع المفسّرين يفهمون عنه أنّه أراد به الموضع الذي لا عمل له بمنزلة ما لو أنّه قال موضع عديم العمل واليونانيّون يصرفون هذا الاسم أعني العطل على إنسان يظنّ أنّه أصمّ لا يفصح الكلام وكما أنّ من هذه حاله لا يصلح ولا ينتفع به في الأفعال التي يحتاج إليها الناس في تصرّفهم ومعاشهم أصلاً كذلك زعموا سمّى أبقراط ما ليس فيه شيء من المنافع للرباط عطل وقد يمكن أن يكون أبقراط كتب اسم العطل باليونانيّة على غير هذا فكان يدلّ على الفارغ الخالي ولكن وقع في الكتاب غلط من الناسخ في أوّل الأمر وبقي يتداوله الناس على الغلط فيصير عطلاً والمعنى في القول على هذه النسخة أيضاً أعني التي فيها مكان العطل فارغ أو خالٍ هو المعنى الذي تدلّ عليه النسخة التي فيها العطل نفسه لأنّ الفارغ هو هذا الذي نسمّيه نحن معطّلاً ومخلّى وقد يسمّونه أيضاً غير نافع ونحن نعرف قوماً كثيراً يدعوهم الجهل وقلّة المعرفة أو المحبّة لأن يظنّ بهم الناس أنّ معهم فضل عناية إلى أن يعقدوا مراراً كثيرة الرباط عقداً لا ينتفع به فبهذا السبب قال أبقراط كيما لا يكون موضوعاً باطلاً فإنّ ما هو باطل فالأمر فيه معلوم أنّه لا منفعة فيه ولا معنى له وقد ظنّ رجل ممّن فسّر هذا الكتاب أنّ قول أبقراط هاهنا باطل إنّما يريد به الموضع الخالي بمنزلة ما لو أنّ إنساناً لقّب الإبط 〈أو〉 منثنى الركبة أو الأربيّة بهذا اللقب وجعلها تقع في القسمة محاذية للكتفين والركبتين والوركين وذلك زعم لأنّه ينبغي أن يلطأ العقد على البدن ويلزق به ولا يكون كأنّه شيء معلّق فإنّ العقد زعم يكون كذلك في الإبط وفي منثنى الركبة فمن رأى أنّ هذا القول قول قصد فهو متسلّط أن يستعمله فإنّ الكلام الغامض قد يستحسن الناس فيه من الشرح الشيء الذي يقنع اليسير من الإقناع.

(١٠) قال أبقراط وأمّا العقد والخيط فليكن ليّناً ولا يكن عظيماً.

قال جالينوس قد فعل أبقراط هاهنا أيضاً ما فعله أوّلاً في أوّل الأمر فذكر الاسمين كليهما معاً واحداً بعقب الآخر وجعل الأمرين اللذين أرادهما بهذين الاسمين يقعان في القسمة واحداً مقابل الآخر والذي يسبق إلى الظنّ منه هو أنّه يريد بقوله خيط السلك الذي ينفذ مع الإبرة ويكون إمّا من كتّان وإمّا من صوف وإمّا من شيء شبيه بذلك ويريد بقوله عقد ما يكون من ربط الخرقة الرقيقة أو الزاوية التي تكون إذا شقّ طرف الخرقة العريضة بنصفين والأمر في هذين جميعاً بيّن أنّ كلّ واحد منهما ينبغي أن يكون ليّناً متى كان القصد فيه أن لا يضغط العضو وأنّ كلّ واحد منهما ليس ينبغي أيضاً أن يكون عظيماً أعني طويلاً فالذي يحمد من سرعة الفعل إذا لم يكن كذلك يدلّ عليه إذ كان لا يمكن أن يكون الفعل سريعاً بالخيوط الطوال وافهم عنه أنّه يريد أن يكون الأمر على هذا أيضاً في الخيوط التي تخرق من حواشي الخرق وفي أطراف الخرقة العريضة التي هي الرباط إذا شقّ الطرف بنصفين وفي القيود التي يقيّد الرباط بها فإنّ هذه أشياء تسمّى بهذه الأسماء التي سمّيناها بها ومتى كان في شيء منها فضل طول كان الفاضل منه بعد العقد معلّقاً فيجتمع على المريض أمران أحدهما أن يبقى منه معلّقاً فيكون باطلاً لا منفعة له فيه والآخر الشقّة التي تناله من تعلّقه بالأجسام التي تماسّه فإنّ هذا قد يعرض مراراً كثيرة وقد استقصى أبقراط في قوله لا يكون عظيماً ولم يقل لا يكون صغيراً فإنّه كما ينبغي أن تتوقّى وتحذر العظيم وتهرب عنه لما فيه من الخصال القبيحة التي ذكرتها كذلك الصغير ينبغي أن يجتنب لأنّه في وقت العمل قد يعرض له مراراً كثيرة أن يفلت من الأصابع حتّى لا يمكنها ضبطه فيجلب بهذا السبب على العضو محاكّة يد المعالج له في طول المدى ذلك لأنّه مراراً كثيرة يزلق ويفلت من الشيء الذي يربط معه بسبب صغره فيلحقنا إلى معاودة العقد مرّة ثانية وفي بعض الأوقات إذا نحن ظننّا أنّ العقد الصغير [الذى] ارتبط انحلّ بعد ذلك إذا قرّ للعضو مستقرّة وإذ كان الأمر على هذا فالواجب علينا أن نجتنب العقد الكثير الصغر كاجتنابنا العظيم وأن نختار في هذا أيضاً ما لم نزل نختاره في سائر الأشياء وهو الشيء المعتدل وقد يسمّي الناس مراراً كثيرة المعتدل ويدلّون عليه بسلب أحد الطرفين اللذين عن حاشيتيه كما

قد فعل أبقراط هاهنا في قوله لا يكون عظيماً ولو أنّه قال أيضاً لا يكن صغيراً لكان المعنى الذي يدلّ عليه معنى واحداً بعينه.

(١١) قال أبقراط ومن الجيّد الجميل إذا أنت علمته أنّ كلّ رباط فهو يهرب ويزول إلى المواضع الذاهبة إلى أسفل والمواضع التي أطرافها محدّدة.

قال جالينوس لو كان قال أن تعلم ولم يقل إذا أنت علمته لكان قوله قولاً تامّاً وأمّا الآن فقد يسبق إلى الظنّ أنّه قول معّلق بشيء يقتضيه ومن أجل ذلك أضاف إليه ووصّل به قوم القول الذي يتلوه لتكون جملة القول على هذه الحكاية ومن الجيّد الجميل إذا أنت علمت أنّ كلّ رباط فهو يهرب ويزول إلى المواضع الذاهبة إلى أسفل والتي أطرافها محدّدة أن تربط الجانب الأيمن إلى الأيسر والجانب الأيسر إلى الأيمن خلا الرأس لكنّ هذا قول نجده عياناً ليس له شيء من الاتّصال ولزوم السنن لأنّه ليس السبب الداعي إلى أن تربط الأعضاء تلك الرباطات التي ذكرت أنّ العقد من شأنه الهرب في الزوال إلى المواضع الذاهبة إلى أسفل والتي تنتهي إلى أطراف محدّدة بل إنّما يأمر أن يربط الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر والجانب الأيسر إلى الأيمن لمعنى آخر سنذكره فيما نستأنف وأمّا الذي يتّصل بقوله ومن الجيّد الجميل إذا أنت علمت أنّ كلّ رباط فهو يهرب ويزول إلى المواضع الذاهبة إلى أسفل والتي أطرافها محدّدة فهو قول له قاله بهذه الحكاية وينبغي لك أن تزيد في اللفّ لتقيّد بذلك ما حول هذه وتضبط جملة الرباط من الناحية المقابلة له في المواضع الساكنة من البدن والتي هي أخلى وأفرغ وسائر ما يتلو ذلك ممّا سأبيّنه عن قريب إذا أنا فسّرت هذا القول بأوضح ما يكون وأمّا هاهنا فإنّي أريد أن ننظر في الكلام الذي أدخله أبقراط فيما بين القولين على غير ترتيب وغير نظام وأفتّش عن معنى كلّ كلمة منه على حدتها.

(١٢) قال أبقراط ينبغي أن تجعل الرباط للجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر وللجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن خلا رباط الرأس فإنّ هذا ينبغي أن يكون على استقامة.

قال جالينوس أكثر ما نحتاج إلى هذه الوصيّة التي يوصينا بها هاهنا في اليدين والرجلين خاصّة وذلك أنّه ينبغي لنا أبداً أن نردّ الجانب الذي فيه القرحة أو الكسر من هذه الأعضاء إلى الجانب المقابل له فإذا كان الجانب الأيمن منها العليل رددناه

إلى ناحية الجانب الأيسر وإن كانت العلّة في الجانب الأيسر رددناه إلى الجانب المخالف له من طريق أنّه متى كان العظم قد انكسر كسراً نافذاً في بدنه كلّه بالعرض فاندق جعلنا الرباط يأخذه من جميع النواحي بالسواء وندير حوله الرفائد بالشكل المسمّى فأساً والشيء الذي يريده بهذا القول هو هذا ينبغي أن يربط الجانب الأيمن إذا كانت به علّة رباطاً يردّ به إلى الجانب الأيسر ويربط الجانب الأيسر برباط يردّه إلى الجانب الأيمن وإنّما يكون ذلك بأن نضع مبدأ الرباط أعني طرف الخرقة عند موضع العلّة ولا نضعه على نفس الكسر أو نفس القرحة بالحقيقة لكن إلى جانبه من هذه الناحية أو من هذه الناحية ثمّ نمسك بيد واحدة مبدأ الرباط ونردّ باليد الأخرى موضع العلّة إلى الجانب الآخر مع ربطنا إيّاه فإذا بلغ الرباط إلى الجانب المخالف لموضع العلّة عند لفّنا إيّاه على العضو لم نشدّه هناك ولم نغمز عليه كمثل ما فعلنا به في موضع العلّة بل نتوقّى ذلك وممّا نتوقّاه أيضاً أكثر من هذا بكثير ردّ ذلك الجزء من العضو وغمزه فإنّ ذلك ممّا ليس ينبغي أن نفعله حتّى يعود الرباط بعد ما يستدير حول العضو كما يدور إلى مبدئه فإنّا في ذلك الوقت نضع اليد التي كنّا أمسكنا بها أوّلاً مبدأ الرباط على الجزء الذي يلقى المبدأ من الرباط ونمسكه إمساكاً وثيقاً حتّى يكون الرباط يبتدئ من الرأس ابتداء ثانياً فيمرّ على الأنموذج الأوّل بعينه حتّى نغمز على هذا الجانب فنردّه إلى الجانب المخالف له على المثال الأوّل فإذا استوفينا إدارة الرباط في المرّة الثانية على مثل ما أدرناه في المرّة الأولى وصيّرناه أيضاً إلى مبدأ الرباط أمسكنا الخرقة أيضاً بيد واحدة على ذلك المثال ومددناها باليد الأخرى مدّاً نغمز به على موضع العلّة ونردّه إلى الجانب المخالف له وهذا الضرب من الرباط ليس هو شيء نستعمله في اليدين والرجلين فقط بل قد نستعمله أيضاً في الأضلاع وذلك أنّه إن اتّفق أن تكون الضلع التي نالتها الآفة في الجانب الأيمن وضعنا مبدأ الرباط في ذلك الموضع ثمّ ذهبنا به إلى ناحية الجانب الآخر على الأنموذج الذي وصفناه وإن كانت العلّة في الجانب الأيسر والأضلاع وضعنا طرف الرباط ومبدأه في ذلك الموضع وجعلنا ذهابه إلى ناحية الجانب الأيمن على نحو ما وصفنا وأمّا الرأس فليس يمكن أن نربطه برباط يستدير حوله على هذا النحو كما يدور لأنّ العنق يمنع من ذلك إذ كان موصولاً بالرأس فبهذا السبب متى حدثت في هذا علّة تحتاج إلى رباط في

الجانب الأيمن منه كانت أم في الجانب الأيسر اخترنا له الرباط الذاهب على استقامة وهو الذي يكون ذهابه بحذاء موضع العلّة فيمرّ الرباط على أعلى موضع في الرأس ثمّ ننزله من ذلك الموضع إلى طرف اللحي الأسفل ثمّ نصعده أيضاً إلى موضع العلّة ثمّ ننزله ونصعده على ذلك المثال وإن ظننّا أن نكتفي في ذلك بمرّتين أو ثلاث أدرناه إلى آخره وجعلنا منتهاه وطرفه ينقضي لا محالة في أعلى موضع من الرأس فإنّ هذا الموضع كما سمّاه هو موضع ساكن يبقى فيه الشيء على ما نضعه غاية البقاء.

(١٣) قال أبقراط وأمّا المواضع المتخالفة فينبغي أن تربط برباط يبتدئ من وجهين فإن ربطت برباط يبتدئ من وجه واحد فليجعل إلى حيث يشبه إلى موضع باقٍ بمنزلة موضع وسط الرأس وإن كان موضع آخر نظيراً لهذا.

قال جالينوس هذا قول يمكن أن نتناوله على معنيين كلّ واحد منهما حقّ فنفهمه إمّا على جميع أعضاء البدن وإمّا على أجزاء الرأس فقط وذلك أنّه بعد ما قال إنّه ينبغي أن يذهب بالرباط من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر ومن الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن خلا رباط الرأس فإنّ [رباط] الرأس ينبغي أن يربط برباط يذهب على استقامة بقي عليه من الرأس أجزاء أخر متخالفة الوضع يقابل الواحد منها الآخر أحدها من خلف عند الموضع الذي نسمّيه باليونانيّة إينيون وتفسيره مكان السنّور وهو الجزء المؤخّر من أجزاء الرأس والأجزاء من قدّام في موضع الجبهة وهذه الأجزاء المتخالفة التي بقيت تحتاج أن تربط برباط يبتدئ من وجهين ومعنى الرباط الذي يبتدئ من وجهين هو أن نضع وسط الخرقة التي نربط بها على موضع العلّة ثمّ نأخذ بكلّ واحد من النصفين إلى ناحية الموضع المخالف له وما جرى أمره من الرباط في الرأس على هذا فإنّ منتهى طرفي الخرقة يكون عند الجبهة لأنّ موضع الجبهة يستقرّ فيه الشيء أكثر ممّا يستقرّ في مؤخّر الرأس فإن كان كلام أبقراط هاهنا إنّما هو في جميع أعضاء البدن قلنا إنّه أراد بقوله هاهنا مواضع متخالفة المواضع التي هي في كلّ واحد من الأعضاء على هذا من الحال أعني إمّا الموضع الأيمن والأيسر وإمّا الموضع القدّام والخلف فإنّ هذا ممّا ينبغي لنا أن نتوهّمه 〈يتداخل〉 معها ذكره وذلك أنّه ينبغي لك أن تربط المواضع التي هي في مقدّم البدن برباط تردّها به إلى خلف وتربط المواضع التي هي في مؤخّر البدن برباط تردّها به إلى قدّام فإذا كانت الجهتان كلتاهما قد نالتهما العلّة على مثال واحد بمنزلة ما يعرض في الكسر إذا كان العظم قد اندقّ فأجعل الرباط

يبتدئ من الوجهين كما وصفنا أنّه يكون في الرفائد التي توضع على الشكل المسمّى فأساً وإن أنت زعم ربطت أمثال هذه العلل برباط يبتدئ من وجه واحد فأدر الرباط كمثل ما تدير الرباط الذي يبتدئ من وجهين وامض به حتّى تنتهي إلى موضع ساكن يستقرّ ويبقى فيه فينقضي هناك وقد يمثّل في الموضع الساكن المستقرّ بوسط الرأس واكتفى هاهنا بهذا المثال الواحد يريد أن يرجع بعد قليل فيستوفي القول في هذا الباب كلّه ويستقصيه فيعلّمنا كيف ينبغي أن نضع طرف الرباط من آخره 〈كيما به〉 يكون جميع الرباط يبقى على حاله لا يزول فقوله إلى حيث يشبه ينبغي أن نفهمه على الأمرين كليهما أعني على جميع ذهاب الرباط وإمعانه وعلى طرفه من آخره.

(١٤) قال أبقراط وأمّا الأعضاء التي تتحرّك بمنزلة المفاصل فينبغي أن يلفّ عليها حيث تنقبض خرق أقلّ وأضمر بمنزلة ما يفعل ذلك في موضع منثنى الركبة وحيث تمتدّ وتنبسط فينبغي أن يلفّ عليها خرق ما عراض مبسوطة بمنزلة ما يفعل ذلك في الرحى أعني الرضفة.

قال جالينوس إنّ أبقراط يأمر بأن نلفّ على موضع منثنى الركبة وعلى المواضع الشبيهة به أقلّ ما يكون من الخرق وأشدّها ضموراً ومعنى قوله ضمور الخرق إنّما هو أن يكون الشيء قد اجتمع إلى مقدار يسير وأمّا الموضع الذي وضعه مخالف لوضع موضع منثنى الركبة وهو عين الركبة الذي سمّاه أبقراط هاهنا الرحى يعني الرضفة فيأمرنا أن نربطه بخلاف ذلك الرباط 〈و〉أن يكون قصدنا في جميع الخرق ألّا يكون في شيء منها ضمور وانقباض لكن تكون ممدودة مبسوطة ما أمكن وجميع الأعضاء شبيهة بمنثنى الركبة فيما يعرض لها من الانقباض بمفاصلها وشبيهة بحال الرضفة في انبساطها فالرضفة كما قلت فينبغي أن تبسط عليها خرقة الرباط وهي عريضة حتّى تستدير حولها وتحتوي على جميعها فإنّ الرباط الذي لا يستدير ويحتوي على ما وصفت يزلق ويفلت عن عين الركبة بسبب تحدّبها فيزول ويميل بسهولة إمّا إلى فوق وإمّا إلى أسفل وأمّا مأبض الركبة فينبغي أن تلفّ عليه الرباط بتقبّض لأنّ هذا الموضع ليس يمكن فيه أن يربط برباط ينبسط عليه عرضاً ولا إن ربط به أيضاً يبقى ثابتاً عليه.

(١٥) قال أبقراط وينبغي لك أن تزيد في لفّ الرباط زيادة تقيّد بها ما حول هذه وتضبط بها الرباط كلّه من الجهتين المتخالفتين وتجعل الزيادة في المواضع الساكنة من البدن
والتي هي أخلى من غيرها بمنزلة الموضع الذي فوق الركبة والموضع الذي هو أسفل منها.

قال جالينوس ما كان من الكلام الوجيز على مثل هذا فينبغي لنا أن نحمده إذا كان يدلّ على معنى القول باسم واحد دلالة واضحة بيّنة كما أنّ أبقراط في كلامه هذا قد دلّ بقوله تقيّد على معنى لو استوفى العبارة عنه لاحتاج أن يقول إنّ طرف الرباط من آخره في مواضع المفاصل ينبغي أن يستوثق منه برباط فضل يربط خارجاً عن موضع المفصل فدلّ بقوله ضبط الرباط من الجهتين المتخالفتين على أنّه ينبغي لنا أن نعني عناية كثيرة بأن لا يزول الرباط منحدراً إلى أسفل إلى المواضع الذاهبة إلى أسفل ولا يرتفع صاعداً إلى فوق إلى شيء من المواضع المتحدّبة التي سمّاها هو فيما تقدّم من قوله التي أطرافها محدّدة حيث قال ومن الجيّد الجميل إذا أنت تعلّمته أنّ العقد يبادر ويزول إلى المواضع الذاهبة إلى أسفل والتي أطرافها محدّدة وقد يتبيّن لنا من قوله أنّا قد أصبنا وأحسنّا في قولنا إنّ ما يقوله هاهنا هو متّصل بما قاله من الجيّد الجميل إذا أنت علمته أنّ العقد يهرب ويزول إلى المواضع الذاهبة إلى أسفل والتي أطرافها محدّدة ومع هذا أيضاً فإنّ أبقراط قد ذكر المواضع الموافقة التي ينبغي أن يوضع فيها منتهى الرباط بأوجز ما يكون من القول أحصرها في لفظتين فقال الساكنة والخالية والساكنة هي كلّ المواضع الخارجة عن المفصل ولواحد من العظمين المتّصلين واحد بالآخر بمنزلة ما نجده في مفصل الركبة إمّا في الفخذ وإمّا في الساق وهذه المواضع الساكنة هي أيضاً أخلى من غيرها وأبقراط يعني بقوله خالية الأعضاء الناشزة يريد بذلك الأعضاء المنخفضة المنقبضة اللاطئة فإنّ كلّ شيء خالٍ فهو منقبض وإذا نظرت فيما تدلّ عليه هذه اللفظة على االحقائق أعني قوله خالٍ وجدتها تدلّ على الفارغ كما أنّ قولنا أخلى هذا الشيء إنّما يدلّ على فرغه وكذا وجدنا أوميرش أراد بقوله وإيراقليس الذي من إيليون أخلى المدينة أم فرغها وقول اليونانيّين لابارا وتفسيره الخالي إنّما يريدون من البدن جميع المواضع التي فيما بين عظمي الركب وبين ضلوع الخلف ومن عاداتهم أيضاً أن يسمّوا كلّ شيء منقبض خالياً لأنّ الشيء الفارغ لا محالة منقبض وإنّما سمّوه بهذا الاسم من طريق المشاركة في الاسم على التشبيه وأخذوه من العرض للأمرين.

(١٦) قال أبقراط ومن الإجماع أنّ لفّ الخرق من الكتف يقع حول الإبط الآخر ومن الأربيّة حول المعطّل ومن الساق في الموضع الذي فوق بطن الساق فما كان من
الرباط يخاف عليه الزوال إلى فوق فضبطه من خلاف يكون من أسفل وما كان منه إلى أسفل فبخلاف ذلك.

قال جالينوس كلّ رباط يستعلم لنفسه لا لخدمة أشياء توضع على العضو العليل فللطبيب فيه غرضان هما أوّل شيء يقصد له أحدهما أن يحفظ العضو العليل على ما أصلحه وجبره ويمنعه من الحركة والثاني أن يحفظه من الورم وقد علّمنا أبقراط هذين الأمرين في كتابه في الكسر تعليماً شافياً فلمّا كان الرباط لا يمكن فيه أن يبلغ ما يحتاج إليه في هذين الوجهين دون أن يلبث ويبقى ولا ينتقل ولا يزول إلى موضع آخر من البدن من أسفل أو من فوق اضطررنا بهذا السبب إلى أن نلفّ من الرباط على المواضع الصحيحة شيئاً زائداً على مقدار حاجة الموضع العليل فإذ كنّا نخاف على الرباط أن يزول ويرتفع كلّه إلى فوق جعلنا الزيادة فيه معلّقة من بعض الأعضاء التي هي أسفل منه لنضبطه من خلاف الناحية التي نخاف عليه الزوال إليها وإذا كنّا نخاف عليه أن يزول إلى أسفل علّقناه من بعض الأعضاء التي هي أرفع وفي بعض الأعضاء يكون تعليق الرباط وضبطه من الأعضاء الموضوعة بحذاء العضو العليل أنفع بمنزلة ما نجد ذلك في الكتف وفي الأربيّة وقد استقصى أبقراط في قوله في رباط الكتف إذ لم يقل يلفّ على الكتف وقال يلفّ على الإبط وفي قوله في رباط الأربيّة يلفّ حول المعطّل إذ كان لا الكتف ولا الحرقفة يمكن فيها أن تضبط الرباط إذا لفّ عليها ضبطاً وثيقاً بل الإبط 〈و〉المعطّل أضبط له ومعنى قوله المعطّل إنّما هو الموضع الذي سمّيناه قبل خالياً وفارغاً وهو على ما وصفنا الموضع الذي فيما بين الصدر والركب وإنّما سمّى هذا الموضع خالياً أي فارغاً من أنّه منقبض راجع إلى داخل والأمر في قوله من الإجماع بيّن أنّه إنّما أراد به أنّ هذا شيء موافق مشاكل وذلك أنّ الإجماع على ما يعمل وما يقال معها إنّهم لا خلاف بينهم في شيء ممّا يفعلونه أو ممّا يقولونه بعضهم أيضاً يعضد ويعين بعضاً وكذلك هذه المواضع التي ذكرها أبقراط يعين بعضها بعضاً في لبث الرباط وبقائه على هذا المثال أيضاً لمّا كانت الساق يزلق ويفلت منه الرباط بسرعة وبسهولة بسبب تحدّب بطن الساق وهي خصيلته صار أنفع ما يعمل به في رباطه أن يلفّ عليه من فوق

الخصيلة ومن البيّن أنّ ذلك إنّما ينتفع به في الرباط الذي يضطرّنا الأمر فيه إلى لفّه على خصيلة الساق وذلك أنّ المواضع التي تلي العراقيب إذا ربطت فرباطها يبقى لابثاً بعينه لأنّ ذلك الموضع فيما بين موضعين ناشزين أمّا من أسفل فطرفا قصبتي الساق المتحدّبتين اللذين يسمّيهما قوم الكعبين وقد أساؤوا في ذلك وأمّا من فوق فنفس خصيلة الساق.

(١٧) قال أبقراط ومن الأعضاء التي ليس كما للرأس فليجعل التقييد منها في أكثر المواضع استواء ويستعمل الرباط على أقلّ ما يكون من التوريب كيما إذا لفّ الرباط في آخر الأمر على أجود المواضع لفّاً يمسك أكثرها تقلّقاً.

قال جالينوس ما كان من الأعضاء ليس لها عضو آخر قريب منها كما قال في الساق ولا عضو آخر موضوع بحذائها كما قال في الكتف والأربيّة فأبقراط يعلّمنا كيف ينبغي أن يجعل الرباط في هذه الأعضاء ويذكر الرأس باسمه ويأمرنا أن نتحرّى فيه تصيير الرباط كلّه في أجود المواضع منه استواء وذلك في قوله أن يستعمل الرباط على أقلّ ما يكون من التوريب لأنّ أنفع شيء من الرباط كلّه أن يكون طرفه الأخير يقع على استقامة لا توريب فيه فيكون ينتهي وينقضي إمّا عند الجبهة وإمّا عند وسط الرأس جملة حيث الموضع الذي يسمّيه اليونانيّون برغما وتفسيره موضع التطوّل وهو اليافوخ وذلك أنّ الرباط الذي ينزل به إلى المواضع التي أسفل الذقن حقيق بأن يصار به إلى وسط الرأس إذا ابتدئ به إلى فوق على غير توريب فالرباط الذي يلفّ على الرأس كما يدور يصار به بآخرة إلى موضع الجبهة على ذلك المثال من غير أن يورّب لأنّه إذا لفّ الرباط على هذه الاستدارة مرّ على القفا إلى ناحية الموضع الذي يسمّيه اليونانيّون إينيون وتفسيره موضع السنّور وهو الموضع الذي فيما بين الرقبة والقمحدوة وإنّما قال إنّ آخر لفّات الرباط ينبغي أن تكون إمّا على أقلّ ما يكون من التوريب وإمّا غير مورّبة أصلاً لأنّه كان يعلم أنّ اللفّات التي قبل هذه ربّما اضطرّ الأمر فيها مراراً كثيرة إلى أن تكون مورّبة لتحتوي على الموضع العليل الذي هو في وقت دون وقت في جزء دون جزء من أجزاء الرأس إلّا أنّ هذه اللفّات التي تكون بسبب العلّة مورّبة تضبطها وتمسكها اللفّة الأخيرة التي لا تورّب في شيء من المواضع وإذ كان الأمر على هذا فبيّن أنّ تلك اللفّات الأول تبقى مع هذه اللفّة الأخيرة لوثاقتها

لا تزول وكما يجري أمر هذا الرباط في الرأس كذلك أيضاً ينبغي أن تحفظ اللفّة الأخيرة التي تقع فوق الركبة أو أسفل منها على غاية الاستقامة وأمّا الرباط الذي يقع على الأربيّة وعلى الكتف الذي يضطرّنا إلى أن نقيّد الرباط ونعلّقه من بعض الأعضاء المقابلة للعضو العليل ونربطه معه فنحتاج …

(٢٢) ... جودة الموضع وجودة القنية.

قال جالينوس هذه أشياء قد قالها أبقراط فيما تقدّم من قوله في هذا الكتاب ولو أنّ إنساناً جذبها من الكتاب أصلاً لم يدخل بذلك على هذا التعليم شيء من الضرر وقد يعرض في مثل هذه الكتب التي يشرح فيها صاحبها معاني وأموراً كثيرة بكلام وجيز أن يكون صاحب الكتاب يثبت لنفسه مراراً كثيرة معاني وأموراً بأعيانها بكلام مختلف لينظر فيما بينه وبين نفسه أيّ الكلام أولى وأوفق أن يتكلّم به فإذا وجد الناسخ للكتاب بعد ذلك بعض الكلام مثبتاً في الظهر نسخه كلّه في بطن الكتاب ورتّبه حيث يظنّ أنّ ذلك الترتيب أولى وأحقّ به فأمّا الشيء الذي يدلّ عليه هذا القول الذي قصدنا لشرحه فهو على هذا النحو وقد قلت إنّ للمتعالج أوقاتاً كثيرة أوّلها الوقت الذي يصير فيه إلى الطبيب وعضوه الذي نالته الآفة على نصبة وشكل من الأشكال لا محالة ثمّ من بعده وقت آخر وهو الوقت الذي يدفع فيه نفسه إلى الأطبّاء ليتثبّتوا في عضوه العليل ويعلموا ما العلّة التي عرضت له وما الذي يحتاج إليه من العدّة لمداواته ويقفو هذين الوقتين وقت آخر ثالث فيه تعبئة الأشياء التي بها يداوى وتهيئتها ومن بعده وقت التمديد ومن بعد هذا الوقت وقت العمل وهو في الكسر وقت الجبر والإصلاح والتسوية وفي الخلع وقت ردّ المفصل وإدخاله إلى موضعه وآخر الأوقات كلّها وقت التعليق لما يعلّق ووضع ما يوضع من الأعضاء أمّا التعليق ففي اليد وأمّا الوضع ففي الرجل وفي الصلب وفي الرأس وأبقراط قد ذكر في هذا القول الذي قصدنا لشرحه القنية وإنّما يعني بالقنية الحال التي تبقى عليها الأعضاء المربوطة من بعد ما قد ربطت ووضع بإزاء القنية وحاذاها في القسمة بالوضع وهو ما عليه يكون مستقرّ الأعضاء إذا عزلت عزلاً فيه موقّاة كالمخزونة والأعضاء التي يفعل بها ذلك هي اليدان والرجلان والرأس وجميع الصلب وإنّما سمّى إقرار هذه الأعضاء وضعاً لنفهم نحن عنه أنّ القنية إنّما تكون في سائر الأعضاء التي بمنزلة الترقوة واليدين

والأضلاع والعظم الصغير المعروف برأس الكتف وعظم الكتف وكلّ واحد من اللحيين وإن كان من الأعضاء شيء سبيله هذا السبيل وذلك أنّه يريد أن يكون عند تبديل الأوقات التي ذكرناها والنقلة عن واحد منها إلى الآخر بعض الأعضاء موضوعاً وضعاً جيّداً أعني كلّ ما يمكن فيه منها أن يوضع وبعضها يكون قنية أعني الحال التي يبقى عليها جيّدة وهي جميع الأعضاء التي لا يمكن أن توضع فالجيّدة الوضع إنّما أراد بها الأعضاء التي توضع وتكون كالمخزونة الموقّاة والجيّدة القنية أراد بها سائر الأعضاء الأخر لأنّ للأعضاء التي تعالج [هي] شيء واحد بعينه هو عامّ لجميعها يجري مجرى واحداً وهو الشكل الذي للعضو بالطبع وأمّا في سائر الأشياء الأخر في الأوقات التي ذكرها فبعضها يباين بعضاً فأبقراط يأمرك أن تتفقّد الشكل الذي هو للعضو بالطبع وتقصد فيه نحو الوقت الآخر بأن تستبقي وتحفظ الرباط الذي قد ربط وفرغ منه زماناً طويلاً فإنّا إن ربطنا العضو وهو على نصبة ما ثمّ غيّرناه عن تلك النصبة إلى غيرها تبدّل في آخر الأوقات وضع العضل والعصب والعروق وتغيّر عمّا ربطناه فصارت هذه الأعضاء ليست بجيّدة القنية ولا جيّدة الوضع أعني أنّها لا تكون موضوعة وضعاً جيّداً كالمخزونة الموقّاة ولا معلّقة تعليقاً جيّداً.

(٢٣) قال أبقراط التمديد ينبغي أن يكون على أكثر الأمر للتي هي أعظم وأغلظ وحيث يجتمع الأمران ثمّ يبنى بالتى الأسفل منها هو المأوف وأقلّ ما ينبغي أن يكون للتي العلّة في الفوقانيّ منها.

قال جالينوس أبقراط يقول إنّ التمديد ينبغي أن يكون على الأمر الأكثر للأعضاء التي فيها من العظام أعظم ما يكون وأغلظه وكذلك من الأجسام التي حول العظام أعني العضل فإنّ العضل خاصّة هو أحوج إلى التمديد لأنّ من شأنه أن يتقلّص مراراً كثيرة أشدّ التقلّص وينجذب إلى ناحية رؤوسه وأصوله والعضو الذي حاله هذه الحال هو الفخذ وبعدها العضد والساق ومن بعدها الساعد ثمّ العظام التي في الكفّ وفي القدم بعد أن يحذف هاهنا ذكر العظام التي في الصلب ثمّ قال أيضاً إنّ حيث ما كان العظمان كلاهما مؤوفين فينبغي أن يكون التمديد أكثر بمنزلة زندي الساعد

والثانية بعد هذه زعم العظام التي تقع الآفة بأسفلها بمنزلة ما يعرض في الزند الأسفل وأقلّ ما يكون التمديد للعظام التي تكون الآفة إنّما نالت العظم الفوقانيّ منها بمنزلة الزند الأعلى من الساعد وجميع هذه قد محصت على ما وصفت في كتاب الكسر.

(٢٤) قال أبقراط وما كان منه أكثر من المقدار فهو ضارّ ما خلا في الصبيّ.

قال جالينوس إنّ التمديد الذي يكون أقلّ من المقدار المعتدل في الكسر كان ذلك أم في الخلع إنّما يعرض منه أنّ الذي يطلب منه لا يتمّ وهو في الكسر الجبر والتسوية وفي الخلع ردّ المفصل وإدخاله إلى موضعه فأمّا آفة أخرى خاصّيّة فليس تحدث منه كما تحدث في التمديد المجاوز للمقدار المعتدل فإنّ هذا في وقت ما يفعل يوجع ثمّ إنّه في آخر الأمر يجلب أوراماً وحمّيات وتشنّجاً وربّما أحدث استرخاء كما قال أراسسطراطس إنّه رأى في مفصل الكتف لمّا مدّ بأكثر ممّا ينبغي والتمديد المجاوز للاعتدال يضرّ الصبيان أقلّ من إضراره المتكمّلين لرطوبة أبدانهم ولينها وكما أنّ السيور الليّنة الرطبة تتمدّد تمدّداً أكثر من غير أن ينالها من ذلك ضرر والسيور الصلبة تتقطّع كذلك العضل والعصب ما كان منه رطباً ليّناً فهو يطاوع ويجيب إلى التمديد بسهولة وسرعة من غير أن يوجع وجعاً شديداً 〈و〉ينهتك وما كان منه صلباً يابساً فهو يوجع وجعاً شديداً لا في التمديد المجاوز للاعتدال فقط بل في التمديد المعتدل أيضاً وذلك لأنّه ليس يمكن فيه أن ينبسط خلوّاً من الاستكراه العظيم وفي ذلك ما ينهتك وينقطع به ما في العضل والعصب من الليف الرقاق والصبيان لا يصيبهم من هذا شيء ولا تحدث بهم أيضاً الأورام التابعة لما ذكرت ولا الحمّيات واختلاط الذهن والتشنّج والاسترخاء الحادثة من الأورام وأبقراط إنّما صرف قوله هذا على الصبيان فقط وأمّا نحن فينبغي لنا أن نحمل قوله على الخصيان والنساء وغيرهم ممّن هو في طبيعته أو من قبل عادته رطب البدن ليّن اللحم فإنّ ما كان من الأبدان مزاجه هذا المزاج فهو يطاوع ويجيب إلى التمديد بسهولة ولا يحدث به بسبب ذلك شيء من المضارّ ولو أنّ التمديد جاوز الاعتدال فأمّا أصحاب الأبدان الصلبة من قبل الطبع كانت صلابة أبدانهم أم من قبل العادة فأبدانهم لا تجيب ولا تطاوع إلى التمديد إلّا بكدّ وعسر ولذلك قال فيها أبقراط إنّ الأطبّاء قلّ ما يمدّدونها ويحدث بها مع هذا من التمديد الذي وصف أبقراط في المجاوزة للاعتدال مضارّ عظيمة.

(٢٥) قال أبقراط يقيناً ما هو مائل إلى فوق قليلاً.

قال جالينوس هذا القول أيضاً كمثل القول الذي قيل قبله هو معاد ولكن فيه زيادة على ذلك قوله قليلاً وإنّما زاد فيه هذه الزيادة للتحوّز وذلك أنّ الأشكال التي تكون نصبتها مائلة إلى فوق ميلاً عظيماً هي ضارّة بسبب ما تحدثه من الوجع.

قال أبقراط مثال التسوية والإصلاح المشترك في الاسم والقرين والشبيه والصحيح.

قال جالينوس كان الأجود أن لا يقول مشترك في الاسم لكن مشترك في الاسم والحدّ معاً إذ كان أوميرش قد قال إنّ المشترك في الاسم إنّما هو كقولك أياس وأياس لأنّ قولنا إنسان وإنسان وفرس وفرس وكلب برّيّ وكلب برّيّ وكلب بحريّ وكلب بحريّ فهو قول يدلّ على أنّ هذين مشتركان في الاسم وذلك أنّ ما كان من الأسماء يدلّ على نوع واحد في كثير من الأمور الجزئيّة فتلك الأمور توصف من هذه الأسماء بأنّها مشتركة في الاسم والحدّ معاً وكلّ ما كان من الأسماء يقال على أنواع مختلفة فقد جرت العادة بأن نقول فيها إنّها تقال بطريق المشاركة في الاسم وإنّ المعاني التي تسمّى بها وهي دلائل عليها يقال لها باستحقاق إنّها مشتركة في الاسم وإذ كان الأمر على هذا فاليد واليد لمّا كانتا نوعاً واحداً صار القول بأنّهما مشتركتان في الاسم والحدّ معاً أحرى وأوجب من أن يقال إنّهما مشتركتان في الاسم فقط ولكنّ هذا شيء إنّما يقع البحث فيه عن الاسم فهو بهذا السبب لا يسأهل أن يحرص عليه كثير حرص فأمّا الأشياء التي تتلو هذا فهي أشياء ينتفع بها في صناعة الطبّ وذلك أنّ أبقراط يأمرك أن تكون إذا أردت أن تصلح الأعضاء التي قد نالتها آفة تجعل مثالك ودستورك للذي تريد إصلاحه 〈مثالا〉 في الاسم وقريناً له في البدن وشبيهاً به في الحال وسليماً صحيحاً أمّا المثال له في الاسم فمثل أن تقيس عضداً بعضد وساعداً بساعد وفخذاً بفخذ وساقاً بساق وأمّا القرين في البدن فمثل أن تقيس العضو بالعضو هو قرينه في إنسان واحد بعينه لا بعضو في بدن إنسان آخر وهذا هو ما أشار إليه ودلّ عليه في كتاب المفاصل وفي كتاب الخلع حيث قال لا بأن تنظر وتتفقّد مفاصل غريبة وأضاف أبقراط إلى قوله قرين شبيهاً لأنّه قد يمكن أن يكون العضو الذي يقاس قريناً للعضو الذي به يقاس ولكن لا يكون شبيهاً به وذلك أنّه قد

يعرض مراراً كثيرة أن يكون عضد قد أصابته جراحة أو قطع أو علّة أخرى أو تكون رجل قد أصابها تخبّل أو فجج ومن أجل ذلك أتبع قوله شبيه بسليم صحيح ولم ينكل ولم يكسل أن يعيد المعنى الواحد بعينه مرّتين كما لا نغلط نحن في شيء من معنى قوله فلا نفهمه وذلك أنّ العضو القرين هو لا محالة شبيه بقرينه متى كان صحيحاً سليماً إلّا أن يكونا كليهما قد أصابتهما آفة على مثال واحد وهذا شيء لا يكاد يعرض إلّا في الندرة لكن [ان] كنّا بسبب هذا نحتاج أن نضيف إلى قوله شبيه أنّه مع ذلك سليم صحيح وقولنا أنّه صحيح سليم قد دخل فيه أنّه شبيه وعسى أن يكون أبقراط قد كان كتب هذين الاسمين كليهما ليختار أحدهما فعرض للناسخ أنّه لم يكتب أحدهما ويدع الآخر لكن كتبهما جميعاً.

(٢٦) قال أبقراط الدلك يمكن فيه أن يحلّ ويشدّ وأن يزيد في اللحم ويهزل أمّا الصلب فيزيد في اللحم ويشدّ وأمّا الليّن فيحلّ وأمّا الكثير فيقضّف وأمّا المعتدل فيغلّظ.

قال جالينوس قول أبقراط يشدّ إنّما يريد به أنّه يقبّض ويصلّب وقوله يحلّ إنّما يريد به تخلخل وتليّن وقوله يقضّف إنّما يريد به أنّه يهزل ويضمّر والدلك الصلب يشبه أن يكون يليق به لا محالة أن يجعل اللحم الذي يدلك صلباً والليّن يلزمه أن يجعل اللحم شبيهاً به من طريق أنّه يفعل ضدّ ما يفعله الصلب وأمّا الدلك الكثير فلأنّه يحلّل تحليلاً أكثر من الواجب أن يقضّف وأمّا الذي يغدو ويزيد في اللحم فليس هو الدلك المخالف للكثير أعني القليل مطلقاً لكنّ الواجب أن يكون المعتدل كما قال هو في القول الثاني الذي نسخناه قبل حيث ذكر استعمال الماء الحارّ وذلك أنّ الدلك الذي يكون في غاية القلّة هو كمثل الصبّ اليسير من الماء الحارّ لا يفعل شيئاً يتبيّن للحسّ فإذ كان الأمر على هذا فينبغي لمن أراد أن يدلك البدن دلكاً يزيد في لحمه أن لا يزال يدلكه حتّى تظهر العلامات التي ذكرها أبقراط في صبّ الماء الحارّ بمقدار معتدل حيث قال ما دام العضو يزداد ارتفاعاً وانتفاجاً فاقطع الصبّ قبل أن يضمر الموضع وينخفض لأنّه في أوّل الأمر ينتفج ويرتفع ثمّ أنّه يقضف ويضمر وقد قلت في المقالة الثانية من كتاب حفظ الصحّة إنّ أبقراط لمّا

تكلّم بهذا الكلام في الدلك لم يدع ولم يخلّف شيئاً من أعمال الدلك وأفعاله التي تحدث عنه وقد ينبغي لك أن تعلم هذه الواحدة فإنّ كثيراً من الناس لا يعلمونها وهي أنّ اليونانيّين متى قالوا أناطربسس فليس يريدون به الدلك الذي يكون ذاهباً من أسافل البدن إلى أعلاه لكن يريدون به كلّ الدلك مطلقاً في أيّ الجهات كان ذهابه وقلّ ما نجد في كلامهم اسم الاحتكاك وهو طربسيس لأنّهم كانوا إذا قالوا ذلك أرادوا به هذا الذي نسمّيه عن نحن محاكة واحتكاكاً.

(٢٧) قال أبقراط وأمّا الرباط فينبغي أن يكون أوّلاً على هذا يكون المربوط يذكر أنّ أكثر ما يجد من الضغط في موضع العلّة وأنّه يجد في الطرفين أقلّ ما يكون لكنّه يكون هناك مدّعماً ولا يكون يجد له ضغطاً ويكون ذلك بالكثرة لا بالقوّة والشدّة.

قال جالينوس إنّ اليونانيّين يريدون بقولهم في هذا الموضع دعامة التمكّن وهذا بيّن من كلام الشاعر حيث قال إنّهم سلّوا دعائم السفن من أسافلها وفي قياس ما يدلّ عليه قول اليونانيّين في الشيء أنّه مدّعم ما يدلّ قولهم أنّه يلزم وأنّه يستقرّ وأنّه يلبث وأبقراط يأمر أن يكون ذلك للرباط بكثرة الخرق لا بقوّتها لأنّه يخاف من الضغط الحادث عن الغمز وقد قال أبقراط في هذا المعنى وفي سائر المعاني الأخر الداخلة في هذا القول الذي نريد شرحه وفي القول الذي يتلوه أيضاً أتمّ القول وأبلغه في كتابه في الكسر وفي كتابه في الخلع وقد تقدّمت أنا في شرح ذينك الكتابين وفرغت منهما ولست أرى أن أحوّل ما قد قيل هناك أتمّ القول فصار بذلك على أوضح ما يكون وأثبته هاهنا إذ كان أحذق الناس بالعبارة عمّا قد فهمه قد قال إنّه ليسمج بي أن أعيد أشياء قد قيلت قولاً كثير البيان بكلام أشير به إليها إشارة لغزٍ وأنا أقول مثل قوله فلا تظنّ أنّي وحدي أكره إعادة قول قد مرّ على التمام فأنا الآن أتخطّى هذا القول الذي قد قيل في كتاب الكسر وفي كتاب الخلع على الوضوح والبيان وأخذ فيما يتلوه.

(٢٨) قال أبقراط جملة الأمر في الأشكال العادات والطبائع في كلّ واحد من الأعضاء فأمّا
الأنواع فمن قبل العدو ومن قبل المسير في الطريق ومن قبل القيام ومن قبل الاضطجاع ومن قبل العمل ومن قبل الفتور.

قال جالينوس هذا القول أيضاً ممّا يتبيّن به أنّ هذا الكتاب إنّما كان صاحبه قد رسم رسومه ولم يحكم أمره فوقع إلى الناس من بعد وفاته ومن عادة من ينسخ ما هذا سبيله من الكتب أن يأخذ الشيء الذي أعاده صاحب الكتاب مرّتين لينظر ويتخيّر أيّ العبارتين عن ذلك المعنى أبلغ وأجود فيستعملها ويسقط الأخرى فيدخله في جوف الكتاب وإلّا فمن يمكنه أن يصدّق أنّ إنساناً يحبّ أن يثبت في كتاب واحد بعينه أشياء بأعيانها مرّتين من غير أن يكون هناك شيء يوجب ذلك ضرورة وخاصّة في كتاب قد قصد فيه صاحبه إلى الغاية القصوى من الإيجاز ولكن إذ كان من تقدّمنا من المفسّرين قد رأى من الرأي أن يفسّروا ما هذا سبيله من الكلام فقد رأيت أن أتبعهم وأقتدي بهم في ذلك فأقول إنّه قد بان فيما تقدّم أنّ قوله جملة الأمر في الأشكال هو مساوٍ لقوله لو قال إنّ الأغراض التي نقصد إليها في الأشكال حتّى يستخرج لكلّ واحد من الأعضاء الشكل الموافق له الخاصّ به هي كذا وكذا وقد قال أيضاً في الأقوال المتقدّمة إنّ العادات هي واحد من الأغراض التي هذا سبيلها قال وأمّا الإعطاء والتمديد والمدّ إلى أسفل وسائر الأشياء الأخر فلتكن على ما يجري به الطبع ومجرى الطبع ينبغي أن يتعرّف ما يريده ويقتضيه في الأعمال في مباطشة العمل وأمّا عند هذه فمن الذي يسكن ومن الذي هو عامّ ومن العادة أمّا من الذي يسكن وينزل فاستقامة الحدود بمنزلة ما هو لليد وأمّا من الذي هو عامّ فالبسط والقبض بمنزلة الذي هو قريب من المزوّي للساعد عند العضد وأمّا من العادة فلأنّها لا تطيق ما لم تعتده من الأشكال الأخر أكثر من الذي قد اعتادته مثال ذلك أنّ الرجلين للبسط أحمل لأنّهما في هذا الشكل يمكنان أطول المدّة بأسهل ما يكون من غير أن يبدلا فرجل قد كتب هذا في أوّل كتابه ما كان ليكتب ما هو أخسّ منه في هذا القول الذي قصدنا لشرحه وممّا يدلّك أنّ هذا أخسّ من ذلك أنّه بعد أن قال إنّ العادات والطبائع في كلّ واحد من الأعضاء أراد بعقب ذلك أن يعرف أنواع هذه أعني أصنافها من الأفعال وقد أضاف قوم إلى قوله أنواع وزادوا فيه ذكر الأعضاء ليكون القول على هذا النحو وأمّا أنواع الأعضاء وسائر ما

يتلو ذلك وضرب بالرجلين مثلاً مثل ما يقال من العدو والمسير في الطرق والقيام ثمّ زاد بعد ذكر الاضطجاع وهذا هو القول المتقدّم أعني قوله من الذي يسكن ولمّا قال بعد ذلك أيضاً من الأعمال والفتور إنّما أقام العمل مقام الأفعال الجزئيّة الأفراد أعني العدو والمسير في الطرق والقيام وأراد بقوله الفتور أي يسكن ويستريح وإذ كان الأمر على هذا … شيء على الفعل والسكون وليس ينبغي أن يعبّر بقوله في أوّل هذا الكلام حين ذكر ما يجري عليه طبع الأعضاء فيتوهّم أنّه قد جاء بجملة ثالثة من جمل أمر الأشكال إذ كان لم يأت بشيء من الدلائل عن مجرى الطبع خلا الأفعال وجميع هذا الباب الحال فيه على ما يستجيب لك من قوله المتقدّم هذه الحال أقول إنّ في جميع أوقات مداواة العلل التي تداوى بعلاج اليد قد ينبغي أن يحفظ الشكل واحداً ونصبته واحدة وهو الشكل والنصبة التي للعضو على مجرى طبيعته وهذا زعم يستخرج من الذي يسكن وينزل يشير بذلك إذا كان الإنسان ساكناً لا يتحرّك ومن الذي هو عامّ يعني بذلك من الشكل الذي هو وسط فيما بين الأشكال المجاوزة للاعتدال ويستخرج أيضاً زعم من العادة والأمر في العادة معلوم أنّ الأفعال والراحة داخلان فيها وهذان هما دليلان لنا من أعمّ الدلائل على الشكل الذي هو لكلّ واحد من الأعضاء على مجرى طبيعته أعني أن يكون الشكل وسطاً فيما بين الأشكال المجاوزة الاعتدال وأن يكون عن العادة وقد ذكرت أنا في كتابي في حركات العضل هذين البيانين بكلام أوسع ما يكون وأشرت أنّ هيئة الأعضاء وهي التي تستخرج معرفتها ويوقف عليها من التشريح هي تدلّ على أشكال الأعضاء التي هي على مجرى طبائعها كما علّمنا ذلك أبقراط في كتاب الكسر وقد يمكن إذا تكلّم واحد دون واحد بهذا الكلام بأسماء وكلمات سوى التي يستعملها غيره في العبارة عن هذا المعنى أن يتوهّم عليه أنّه قد قال غير ما قاله الآخر بمنزلة ما لو أنّ إنساناً قال الشكل الذي لا وجع معه ولا ألم فإنّك إذا نظرت في قول هذا لم تجد هاهنا شكلاً حاله هذه الحال خلا الشكل الذي قد جرت العادة باستعماله عند الراحة وهذا الشكل هو أيضاً بعينه وسط فيما بين الأشكال المجاوزة للاعتدال وإذا نظرت أيضاً في هيئات الأعضاء وما تدلّ عليه وجدت الذي يستخرج منها هو هذا الشكل.

(٢٩) قال أبقراط إنّ الاستعمال يصحّ والبطالة تذوّب.

قال جالينوس وهذا أيضاً ممّا تجد صاحب هذا الكتاب قد أثبته إثباتاً كأنّه رسم رسمه مدّغماً وعساه كان يريد أن يشرحه بكلام طويل واسع في الكتاب الذي كان معتزماً على وضعه ليدفعه إلى الناس ومن أجل ذلك قد نجد هذا القول في كثير من النسخ مكتوباً بهذه الحكاية انظر في السبب الذي له صار الاستعمال يصحّ والبطالة تذوّب وهذا القول مخرجه من قائله مخرج مثله تشبيهاً بنفسه لينظر فيها ويبحث عنها لأنّها نافعة جدّاً لا فيما يعالج باليد فقط لكن في الأشياء أيضاً التي تعالج بالتدبير وذلك أنّ كلّ جسم يبطل فهو ضعيف ويصير خامل القوّة وكلّ جسم يستعمل فهو يصحّ ويقوى عند ما يفعل به الفعل الذي هو له وهذا القول يصحّ ويثبت من وجهين أحدهما ما تدلّ عليه التجارب والآخر ما يدلّ عليه القياس أمّا التجارب فتدلّ أنّ جميع من يضع ذهنه فيما يظهر للعيان ويتفقّده يجد الأمر في ذلك على ما وصفت وأمّا القياس فيدلّ على ذلك بما ينبئ عنه المزاج الطبيعيّ وقد ذكرت ما ينبئ عنه المزاج الطبيعيّ في كتاب حفظ الصحّة ومن أجل ذلك ليس ينبغي أن تترك الأعضاء التي تعالج بعلاج اليد مدّة طويلة لا تتحرّك كما يفعل ذلك قوم من الأطبّاء بالتوقّي منهم والحذر بل ينبغي أن تحرّك هذه الأعضاء تحريكاً قصداً متى كانت سليمة من الورم ويكون أوّل ما يفعل ذلك بها عند ما يصبّ على العضو العليل الماء الحارّ ثمّ يفعل بعد ذلك في الحمّام ومن غير حمّام أيضاً.

(٣٠) قال أبقراط الغمز بالكثرة.

قال جالينوس وهذا أيضاً ممّا كان صاحب هذا الكتاب قد أثبته على حدة على طريق الرسم فنقله الناسخ [كان] للكتاب من موضعه وأدخله في حشو الكتاب وهو شيء قد قيل فيما تقدّم قولاً تامّاً كاملاً لا على النقصان كما قيل هاهنا وينبغي أن نفهم عنه ما قد كنّا فهمناه عنه في الخرق لتكون جملة هذا القول ومبناه على هذا الغمز ينبغي أن يكون بكثرة الخرق خاصّة لا بضغطها.

(٣١) قال أبقراط وأمّا كلّ ما يثور عن الضربة من الأثر الحادث عن الدم المحتقن تحت الجلد أو من الرضّ والفسخ أو من الهتك أو من التربّل الذي لا ورم معه فلنجعل جلّ رباطه ذاهباً إلى ناحية أعلى البدن وتجعل معه شيئاً يسيراً ذاهباً إلى أسفل
بعد أن لا تكون اليد أو الرجل منكّسة وبعد أن تضع المبدأ على الضربة وتغمز عليها أكثر الغمز ويكون غمزك على الطرفين أقلّ ما يكون وعلى الموضع الوسط غمزاً وسطاً والطرف الأقصى اجعله ذاهباً إلى أعلى البدن في الرباط والغمز ويحقّ في هذا أيضاً أن يكون بالكثرة أكثر منه بالشدّة والقوّة واجعل الخرق تربط بها هذه العلل خاصّة خرقاً خفيفة رقيقة ليّنة نظيفة واجعلها قويّة خلوّاً من الجبائر واستعمال الصبّ عليها.

قال جالينوس إنّ أبقراط يسمّي الرضّ والفسخ باسم يقع في هجائه باليونانيّة اختلاف ويتهجّاه هو على ما يتهجّاه أهل أيون والفسخ والرضّ يكون عندما يقع على البدن شيء ثقيل فيمزق اللحم في المثل ويفدغه لأنّ الفسخ إنّما يحدث في اللحم فإذا كان اللحم الذي قد تفسّخ وتفذّع يصبّ إلى الموضع الذي تحت الجلد دماً سمّي ذلك باليونانيّة إقخوموما وتفسيره الأثر الحادث عن دم يحتقن تحت الجلد ونحن نسمّي هذه العلّة انصباباً وأثراً والأمر في هذه العلّة معلوم أنّها إنّما تكون إذا لم ينخرق الجلد وقد ينشقّ وينخرق مع اللحم عروق صغار وأمّا الهتك فيحدث في ليف العضل إذا تمدّد فضل تمدّد يمزق به بعضه ومن بعد الهتك ذكر أبقراط التربّل وهذا اسم من عادته أن يسمّي به كلّ غلظ خارج عن الطبع وأمّا من جاء من بعده فقد قسموا هذا الغلط إلى ثلاثة أقسام فسمّوا أحدها فلغموني والآخر ورماً جاسياً والثالث هذا الذي خصّه هو باسم التربّل وأمّا أبقراط فمتى قال فلغموني فإنّما يريد به الالتهاب ومن الالتهاب سمّي الورم الحارّ باليونانيّة فلغموني وهاهنا نوع آخر خارج عن هذه الثلاثة وهو الورم المعروف بالجمر وهو ورم ملتهب أبداً ولكنّه ليس يكون أبداً نافراً فهذه الحال كلّها التي عدّدها أبقراط بأسماءها لها مداواة تدخل في باب التدبير وفي باب استعمال الأدوية وهي غير هذه التي نذكرها هاهنا فأمّا مداواتها الداخلة في باب ما يعالج باليد فإنّما تكون من جهة الرباط ولا سيّما متى كانت إنّما حدثت عن رباط كان متقدّماً فإنّ كلامه هاهنا إنّما هو فيما هذا سبيله منها وذلك أنّ قوله ما يثور عن الضربة إنّما يدلّ على أنّ هذه كأنّها تندفع أو تنتو

وترتفع ومن المفسّرين قوم يكتبون مكان يثور ينتو فيصير قولاً صراحاً لا يحتاج إلى تفسير وأمّا رباط هذه العلل فأبقراط في كتاب الكسر يجعله من العضو الذي فيه التربّل وهاهنا يجعله من الضربة والأمر في قوله ضربة معلوم أنّه إنّما يريد به الآفة النازلة بالعضو وبين هذا الرباط الذي ذكره هاهنا وبين رباط الكسر من المباينة والخلاف أنّ جلّ إمعان الرباط وذهابه في هذا الموضع إنّما يأمر أن يجعل إلى فوق ويجعل منه شيء يسير إلى أسفل وأمّا قوله بعد ألّا تكون اليد أو الرجل منكّسة فهو شيء عامّ لهذا الرباط ولرباط الكسر ولكنّه أعاد ذكره هاهنا أيضاً لأنّه أمر له أعظم القوّة والموقع في هذه العلل التي ذكرها هاهنا فأراد أن ينبّهنا كيما لا نسهو فندع هذين العضوين بالتواني منّا على غير ما ينبغي كما من عادتنا أن نفعل ذلك مراراً كثيرة فنجلب بذلك مضرّة وآفة عظيمة لأنّ من شأنه في جميع ما إذا جرى أمره مجرى جيّداً كانت له منفعة ذات قدر يعتدّ به أو مضرّة أن لا يكسل عن إعادته والتذكرة به دائماً متّصلاً وأمّا كلّ شيء يعلم أنّ منفعته أو مضرّته يسيره فقد يكتفي فيه مراراً كثيرة بأن يذكره مرّة واحدة فالكسر إذا ربط من ساعته قبل أن يتورّم العضو العليل أو تحدث فيه واحدة من العلل التي ذكرها كانت العناية بأمره في أن لا ينصبّ إلى العضو العليل شيء من المادّة شبيهة بهذه العناية التي تكون في أمر الأعضاء التي تحدث بها هذه العلل المذكورة هاهنا فأمّا العناية بأن ينحلّ ما قد احتقن في العضو العليل فليس هي هناك مثلها هاهنا ومن أجل ذلك زاد في ذكره لرباط هذه العلل استعمال الصبّ عليها لا أنّه في مواضع الكسر لا يستعمل الصبّ أصلاً لكن لأنّه هاهنا يستعمله أكثر وذلك لأنّ ما هذا سبيله من العلل الحاجة إلى صبّ الماء الحارّ عليها ليتحلّل ما قد حصل واحتقن فيما هو وارم منها أكثر وكذلك نجد أبقراط في هذا الموضع الذي ذكر فيه أمر العقب إذا كان الإنسان قد ظفر [عليه] من موضع مرتفع فحدث فيه أثر الدم المحتقن تحت الجلد لمّا وصف الأشياء التي ينبغي أن يداوي بها أضاف إليها وزاد معها أيضاً هذا لما فيه من المنفعة أعني أن يصبّ عليه ماء حارّ كثير جدّاً وكذلك أيضاً الاستيثاق من العضو المربوط بكثرة

الخرق لا لشدّة غمزها عليه هو شيء قد قاله في الكسر إلّا أنّ الانتفاع به في هذه العلل التي ذكرها هاهنا أعظم كيما لا يضغطها الرباط ويتحلّل ما قد حصل في العضو العليل وبهذا السبب يجعل الرباط هاهنا خلوّاً من الجبائر حتّى يكون مبايناً لرباط الكسر في شيئين أعني في أنّ هذه الأعضاء العليلة أقلّ من حاجة إلى الغمز عليها بالرباط وفي أنّها أكثر حاجة إلى أن يتحلّل ما قد حصل فيها ولهذا خاصّة أمر أن تكون الخرق التي تستعمل في رباط هذه العلل خفيفة الوزن رقاقاً ليّنة نظافاً لأن الأعضاء التي حاجتها إلى تحليل ما قد حصل فيها أكثر وحاجتها إلى الغمز عليها أقلّ هي إلى مثل هذه الخرق أحوج كثيراً من غيرها وزاد في قوله إنّ العلل التي يراد مداواتها بالرباط الذي ذكره ينبغي أن يكون كلّ واحد منها خلوّاً من الورم لأنّ الأعضاء الوارمة لا تحتمل غمز الرباط عليها إذا كان معتدلاً فدع إذا كان شديداً ومن أجل ذلك إنّما نداويها بالأضمدة ومواصلة صبّ الماء الحارّ عليها وبالأدوية الرطبة التي تنفع الأورام.

(٣٢) قال أبقراط وأمّا ما يزلق أو يلتوي أو يفارق أو يفلت أو يندقّ أو يتخبّل بمنزلة الأعضاء التي قد زمنت ومالت إلى جانب فبأن يطأطأ لها من حيث خرجت ويشدّ عليها إلى جنب كيما تميل إلى ضدّ الناحية إذا ربطت أو قبل أن تربط يكون أكثر قليلاً من الحال المتساوية في الرباط وفي الرفائد وفي التسوية والتقويم ونقصد لهذه أيضاً بالصبّ عليها بمقدار أكثر.

قال جالينوس قد علّمنا أبقراط في كتاب الكسر وكتاب الخلع أمر هذه العلل كلّها بأتمّ القول وإنّما ذكرها هنا جملة منها كما فعل ذلك في أشياء أخر كثيرة ذكرها في هذا الكتاب وهذه الجملة التي ذكرها هاهنا هي في نفسها مفردة على حدة مستغلقة لإيجازها إلّا أنّها بيّنة بياناً جيّداً لمن قد تقدّم فقرأ ذينك الكتابين ونحن أيضاً إذ

كنّا قد تقدّمنا ففسّرنا ذينك الكتابين إنّما نحتاج هاهنا إلى كلام يسير ليكون إذكاراً بما قلناه هناك فإن جعل إنسان أوّل كتاب يقرأه من هذه الثلاثة هذا الكتاب المسمّى قاطيطريون فينبغي لمؤدّبه الذي يقرأه عليه أن يقول له جميع ما قاله أبقراط في كتاب الكسر وفي كتاب الخلع ما يضح به المعنى في هذا الموضع وأمّا أنا إذ كنت إنّما قصدت للتفسير وكان هذا ممّا فسّرته فليس تحويله من ذينك الكتابين إلى هذا الكتاب بصواب ولكنّي أذكر به فأقول إنّ أبقراط أراد بقوله ما يزلق المفاصل التي تنخلع وأراد بقوله ما يلتوي العلل التي تعرض فيها مثل أن يكون المفصل لا علّة به وما يحيط به من الأجسام العصبانيّة قد تمدّدت وأكثر ما يكون ذلك فيمن يريد أن ينفذ — قال حنين وجدنا في نسخة أخرى يونانيّة فيمن يقال إنّه ينفذ في موضع خالٍ — وأمّا قوله ما يفارق فأراد به العظام التي تماسّ أحدها الآخر بالطبع من غير مفصل يعمّها إلّا أنّها قد تباعدت واحداً عن الآخر بسبب آفة أصابتها وقد ذكر هو أيضاً في كتاب الكسر وفي كتاب الخلع العظام التي قد فارق أحدها الآخر وعدّدها بأسمائها فذكر من عظام الساعد الزند الأعلى والزند الأسفل وذكر في طرف اللحي الأسفل العظام التي هو مؤلّف منها وذكر في القدم العظام القريبة من العقب وأمّا انفلات العظام كما وصف هو من أمر العظم الصغير المسمّى رأس الكتف فيكون إذا انهتك وتمزّقت الأجسام التي تربط تلك العظام واحداً بالآخر فيتنحّى بهذا السبب عظم عن عظم حتّى يبعد عنه جدّاً وقد كان قبل ذلك مربوطاً معه وأمّا قوله ما يندقّ فأراد به العلّة التي يسمّيها الأطبّاء القريبو العهد انقصافاً وقد ذكر ذلك هو في كتاب الكسر عند آخره لمّا وصف الآفات الحادثة في المرفق حيث قال إنّه يقصف وصار هذا القول منه سبباً دعا من كان بعده إلى أن يسمّوا بهذا الاسم أعني انقصاف كلّ كسر يكون بالقرب من موضع المفصل نافذاً في ثخن العظم كلّه حتّى ينقدّ العظم ويفارق واحد جزئيّه الآخر وقد يسمّي الأطبّاء الذين هم أقرب عهداً من أولئك ما هذا سبيله من الكسر كسر قصب يندقّ وأمّا قوله وما يتخبّل فبينه وبين ما يلتوي من الفرق أنّ التخبّل كأنّه شيء يماسّ المفصل نفسه فيلويه شيئاً يسيراً ويزيله عن

موضعه وقد يكون أيضاً في عظم واحد وخاصّة في الساق من الصبيان وحينئذ نربط نحن ذلك العظم برباط نضع معه عن جانبيه أشياء مستقيمة مستوية نضمّه بالرباط الواقع عليها ذلك بأن نتّخذ لها ألواحاً رقاقاً من الخشب المسمّى باليونانيّة قيلورا — قال حنين 〈…وا〉 أنّه خشب العرعر — أو خشب آخر له من القوّة مثل هذا ولينه وقد أجاد و〈أحسن〉 أبقراط غاية الإحسان أنّه زاد في ذكر التخبّل أنّه يميل إلى جانب وذلك أنّ هذا إن كتب كما يكتبه قوم بمنزلة ما عليه الأعضاء التي قد زمنت وإن كنت كما يكتبه قوم آخر بمنزلة ما عليه الأعضاء المائلة إلى جانب فهو على جميع ...

... باليونانيّة 〈دروفاقاس〉 وهي التي ليس يقال لواحدها زفت لكنّ 〈دروفيكس〉 وأنت مخيّر أن تسمّيها كيف شئت فإنّي أنا لم أقصد لأعلم الفتيان صحّة لغة الأطيقين بل إنّما قصدي لتعليم أشياء من أعمال الطبّ أنفع ما يكون وأنا أشير عليك أن تستعمل دواء المزفّتين على حسب تلك الأغراض التي وصفتها لك قبل فإن رأيته في أوّل مرّة تستعمله قد صار به العضو حسن الانتفاج أحمر اللون فينبغي أن تقطعه على المكان وإن لم تره فعل ذلك فينبغي أن تطليه مرّة ثانية وثالثة وفي بعض الناس ينبغي أن يطلى في كلّ يوم وفي بعضهم يوماً ويوماً لا ويوماً ويومين لا وذلك بحسب ما ترى أنّ الموضع العليل يحتاج إليه وربّما تركت مراراً كثيرة أن أدخل في عداد الأغراض التي نقصد إليها هاهنا أنّ العضو يصير حارّاً إذا دلك وإذا طلي بالزفت لأنّ هذا شيء يفهم لا محالة مع قولي إنّه يصير أحمر اللون لأنّه إنّما يصير إلى الحمرة وإلى الحرارة في وقت واحد بعينه فهذا سبيل لم أزل أسلكه دائماً في مداواة الهزال الحادث على غير المجرى الطبيعيّ فكنت لا أحتاج معه إلى الرباط إلّا في الندرة فإن احتجت إليه يوماً ما كنت أربطه على ما وصف أبقراط في كتابه لأنّي جعلت ذهني في قوله وتفقّدت ألفاظه حيث قال بالرباط المخالف فإنّه إنّما أراد بقوله مخالف أن يكون بخلاف رباط الكسر وأنّ رباط الكسر يبتدئ من العضو العليل ويرتقي إلى الأعضاء الصحيحة ويكون أشدّ لزومه وضغطه في موضع العلّة فالرباط إذاً المخالف لهذا ينبغي أن يكون في أوّل مرّة إذا وقعت الخرق على البدن مخالفاً لرباط الكسر وذلك بأن تكون الخرق لا يوضع مبدأها على موضع العلّة كما من عادتنا أن نفعل في القروح وفي الكسر وفي الآثار الحادثة عن دم يحتقن تحت

الجلد وفي الفسخ والرضّ وفي سائر العلل التي ذكرناها قبل هذا بقليل ونتحرّى بعد ذلك أن لا نغمز على الموضع العليل فضل غمز بل نرخي الرباط في هذا ونغمزه ونشدّه في الموضع الذي منه ابتدأ الرباط وهو الموضع السليم ثمّ لا نزال كلّما أمعنا أرخينا الرباط في الموضع السليم حتّى نصير إلى الموضع العليل فإذا بلغ الرباط إلى موضع العلّة جعلنا لفّنا للخرق على ذلك الموضع أرخى ما يكون وفي الشتاء أربطه وألفّه على العضو العليل أيضاً ليدفأ ويسخن والأمر في أنّه يكون رخواً ليس معه من الشدّة والغمز شيء ولو أقلّ ما يكون معلوم وأمّا في الصيف فإنّي أربط الموضع السليم رباطاً يعصر ما فيه من الدم إلى الموضع الذي يحتاج أن يغتذي وأمّا الموضع الذي أريد مداواته فليس أربطه لأنّي أتخوّف أن أسخنه بالرباط بأكثر ممّا ينبغي فأحلّل ما فيه من الدم فأمّا إذا كانت اليد أو الرجل قد دقّت وقضفت بأجمعها فإنّي أربط اليد والرجل الأخرى التي بحذائها وأجعل مبدأ الرباط من أسفل وارتقى إلى فوق وأبلغ بالرباط في الرجل إلى الأربيّة وفي اليد إلى الإبط والكتف لأنّ العروق المنقسمة من العرق الأعظم منها ما ينقسم في أسافل البدن عند عظم العجز أقساماً تصير إلى الرجلين على مثال واحد لتغذوها ومنها ما ينقسم في أعالي البدن عند الترقوة أقساماً تصير إلى اليدين على مثال واحد لتغذوها فمتى منع وحصر الدم الجاري إلى اليد أو الرجل الواحدة من أن يجري إليها درّ وجرى في العرق الآخر الذي يأتي اليد أو الرجل الأخرى ومن أجل ذلك ليس ينبغي أن يكون الرباط الذي نربطه الرجل السليمة بشديد ولكن بمقدار ما لا يضغطه ضغطاً يؤلم ويوجع وأمّا الرجل العليلة فينبغي أن تكون إمّا مكشوفة وإمّا مغطّاة بشيء من صوف يبلغ إلى الفخذ وذلك عندما يكون الهواء المحيط بارداً فإذا لم يكن بارداً فالأنفع للعضو أن يكون مكشوفاً وأن يدلك دائماً ويكون الدلك أوّلاً بمناديل ثمّ من بعد ذلك بأدوية حارّة متى كان عسير القبول للحرارة وأمّا إذا كان يسخن سريعاً فحسبه أن يدلك بزيت وحده وقد خلط معه من الشمع شيء فإنّه إذا كان كذلك كان أبقى وأقلّ تحليلاً وعلى هذا القياس تفعل هذه الخصال كلّها في اليدين أيضاً فإنّ اليد السليمة ينبغي أن تربط أيضاً كما ربط الرجل واليد العليلة ينبغي أن تسخن دائماً بالحركة والدلك فإذا لم يكن العليل في غاية الجهل فينبغي أن تسائله وتستعلم منه هل يحسّ بعد بالحرارة في العضو الذي يعالج قائمة على حالها أم يحسّها قد سكنت سكوناً ظاهراً فإن قال إنّها قد
سكنت فينبغي في ذلك الوقت أن تعاود استعمال الأشياء التي تسخن العضو وتقوّيه وهي أربعة أجناس أحدها الدلك بالمناديل والآخر صبّ الماء الحارّ والثالث الدلك بدواء حارّ أو بزيت والرابع طلي الدواء المسمّى دروفقيس البسيط فإن رأيت أنّ العضو الذي تعالجه قد برد برودة كثيرة فليكن هذا الدواء مؤلّفاً من أدوية كثيرة فيقع فيه قفر اليهود وشيء من كبريت لم يقرب النار وعاقر قرحا وهذا الطريق أنا أعلم علم الحقّ به وأتيقّنه أنّ الأعضاء التي قد هزلت ودقّت ينبغي أن تعالج به فإنّي قد عالجت به كثيراً من الناس فبرؤوا فأمّا كلام أبقراط فإنّي لست أثق من نفسي أن أحكم في تفسيره بالشرح البيّن حكم يقين لعلمي بأنّ كلّ تفسير يشرح به قول غامض فهو يبلغ إلى حدّ الإقناع فأمّا علم يقين يوثق به فليس يكون معه وجلّ المفسّرين لهذا الكتاب إنّما فسّروا هذا القول الذي أريد شرحه على هذه النسخة كيما إذا ذابت من الظاهر بأكثر ممّا هزلت وسائر ما بعد ذلك ومعنى هذه النسخة معنى سوء فأنا لا أشرح القول عليها لكن أشرحه على ما يكتبه قوم بزيادة شيء يصحّ به المعنى فتصير جملة القول على هذا كيما تكون تلك التي قد هزلت وذابت من فقد ما يجري إليها وسائر ما بعد ذلك ومعنى أبقراط في قوله تلك التي قد هزلت وذابت أي الأعضاء التي قد نهكت ودقّت بسبب عدمها للحركة وفقدها الغذاء ومعناه في قوله ما يجري إليها من الدم إنّما هو أنّه ينبغي أن تداوى هذه بإجراء الدم إليها وتوفيره عليها ومن البيّن أنّ ذلك إنّما يكون بأن يأتي الأعضاء العليلة دم أكثر ممّا كانت ستحتاج إليه لو أنّها كانت باقية على حالها الطبيعيّة وإذا كان ما يصل إليه من الدم ما له هذه الحال عرض من ذلك أن يميل الهزال إلى الخصب والتزيّد بعد أن يربط الموضع برباط مخالف للذي كان يربط به قبل ذلك وقد بيّنّا قبل هذا بقليل مخالفته التي يجب ضرروة أن تكون قوّته تابعة لها مخالفة لقوّة الرباط الأوّل وإذ كان الرباط الأوّل إنّما كان يدفع الدم من العضو العليل وهذا الرباط الذي أراده هاهنا موصّل إليه من الدم أكثر ممّا كان يصل إليه لو كان على مجرى طبيعته وذلك أنّه ما دام كان يجري على مجرى طبيعته قد كان يكتفي بالدم الذي هو
حاصل فيه فكان لذلك لا يحتاج إلى أن يجري إليه من الدم أكثر من المقدار الذي يستغرقه في غذائه وفيما تحلّل منه وأمّا الآن فإذ كان العضو العليل قد خوى أو فقد الدم فينبغي أن يكون ما يجري إليه من الدم أكثر من ذلك المقدار كيما لا يجري أمره على ما كان قبل ذلك من أنّه يغتذي فقط لكن يعاود الاغتذاء الذي يزيد به مع أنّ ما يتحلّل منه أيضاً في هذا الوقت يجب ضرورة أن يكون أكثر إذ كان العضو أسخن إسخانات متّصلة لأنّ جميع ما يفعل به في مداواته هو ممّا يسخنه أعني الدلك والحركة والأدوية ورقّة الزفت والماء الحارّ الذي يصبّ وعسى أن يكون إنّما نجده يستعمل هذا الماء لأنّ الحمّام كان على عهده عزيزاً وأمّا أنا فلم أزل أكتفي في هذا بالأبزن في الحمّام فإنّه يبلغ لي ما أحتاج إليه من إسخان الأعضاء التي أداويها بالمقدار القصد وفي إذهاب الإعياء الذي ينالها من البسط والحركة لأنّ هذه الأعضاء ينبغي أن تحرّك بأفعالها التي هي معتادة لها وليس ينبغي أن يفعل بها ذلك في مرّة واحدة دفعة كلّ يوم بل مراراً كثيرة ونتحرّى في استعمال الحركة أيضاً ما نتحرّى في الدلك من أن نداوم عليها حتّى تسخن بها الأعضاء ثمّ نمسك عنها ونترك الأعضاء تستريح وهذا هو الوجه في تصييري كلام أبقراط موافقاً مطابقاً للمداواة الحقّ التي قد ثبّتت وأظهرت أنا قوّتها وأثرها بالفعل عند ما عددت وأحصيت أعضاء كثيرة من الناس قد كانت هزلت ودقّت من الرباط والسكون الطويل المدّة فرددتها إلى معاودة الاعتدال والتزيّد وهذا موضع ينبغي لي أن أذكر فيه المعاني التي تأوّلوها في هذا الكلام وذهب إليها المفسّرون لهذا الكتاب وإنّ أكثرهم على ما وصفت إنّما تكلّموا بالهذيان فقط وتركوا قول أبقراط بلا تفسير ونفر منهم يسير تعاطوا أن يشرحوا اللفظة بعد اللفظة منه فخالفوا حاصل معنى القول كلّه على هذا السبيل زعموا أنّ أبقراط يأمرنا أن نجعل أوّل شيء نبتدئ به في مداواة الهزال الرباط كيما تكون الأعضاء التي قد ذابت أي قد هزلت تتغيّر وتنقلب إلى خلاف حالها بأكثر ممّا كانت قبل ذلك تدقّ وتقضف وذلك زعموا لأنّ من العلل عللاً كثيرة تكون مداواتها على هذا الوجه ثمّ يتمثّلون في ذلك بقوم يعرض لهم الغثيان وتقلّب النفس فيداوون بدواء يقيّئ وقوم آخر عرض لهم إسهال من أخلاط حادّة فدوووا بدواء يسهل وقوم ممّن أصابهم السعال دوووا بأدوية تهيج
السعال أشدّ من سعالهم ومنهم طائفة يأتون في هذا الموضع بقول قاله أبقراط في كتاب الفصول حيث قال وربّما كان صبّ الماء البارد الكثير المقدار فيمن به تشنّج من خلف وقدّام إذا لم تكن به قرحة وكان شابّاً خصيب البدن يردّ الحرارة فترجع من قوّة والحرارة يتحرّى بها هؤلاء فيقولون إن كانت المداواة ليس تكون أبداً بالأشياء المضادّة للعلل قد تكون أيضاً بأشياء مشابهة لها فأبقراط هاهنا يأمرنا أيضاً أن نداوي الهزال بأن نبتدئ من ربط العضو برباط يمكن فيه أن يهزله أكثر كيما يكون العضو بسبب ما يجري ومعناه عندهم أي بسبب أنّ الذي يجري إليه يكون يسيراً يذوب ويهزل ثمّ إنّه من بعد ذلك يرخى رباطه فيبتدئ حينئذ في معاودة الاغتذاء والتزيّد ويميل إلى الخصب ولمّا رأى هؤلاء الذين فسّروا هذا القول هذا التفسير أنّ قول أبقراط برباط مخالف ليس يمكن أن يصحّ على تفسيرهم أصلاً ولا له عندهم تأويل غيّروه وكتبوا مكان رباط مخالف حال قنية مخالفة فصارت لهذا القول ثلاث نسخ مختلفة واحدة فيها رباط مخالف والأخرى فيها حال قنية مخالفة والثالثة فيها غمز مخالف فإنّا قد نجد ذلك في بعض النسخ وأمّا الذين يكتبون بحال قنية مخالفة فليس هذا القول عندهم يرجع على الرباط لكن على العضو العليل فيزعمون أنّ هذا العضو إذا كانت حاله في قنيته حالاً مخالفة للحال التي كان عليها قبل ذلك مال إلى الخصب وهذه الحال زعموا أنّها إنّما يكتسبها هذا العضو بالرباط الذي يذوّبه تذويباً يسيراً كأنّ الأعضاء التي هزلت ونحلت بفقدها الغذاء لم يكن السبب فيما نالها من ذلك مثل هذا الرباط فتحتاج لذلك أن نجرّبه في هذا الوقت بل هذا إذا كان الرباط الذي يسمّيه قوم رباط الكسر ويخصّونه بهذا الاسم وهو رباط عامّ للكسر ولعلل أخر كثيرة كما بيّنّا قبل من العلل التي دخل فيها أثر الدم المحتقن تحت الجلد والهتك والفسخ قد تهزل به الأعضاء وتدقّ 〈وأيّ〉 معنى يكون لقول هؤلاء إنّه بهذا الرباط بعينه تكتسب الأعضاء التي قد عدمت الغذاء فتجلب ابتداء معاودة الاغتذاء وكيف يفهم هذا وقد دعا بعضهم إلى أن جعلوا نسخة الكلام على هذا كيما إذا ذابت ممّا يجري أكثر ممّا قضفت من تلقاء أنفسها وسائر ما يتلو ذلك وظنّوا
أنّهم إذا قالوا إنّ الأعضاء قضفت من تلقاء أنفسها وإنّ هذه المداواة التي يعلّمناها أبقراط هاهنا ليست مداواة عامّيّة تشتمل على جميع أنواع الهزال بل إنّما هي مداواة الهزال الحادث من تلقاء نفسه أفلتوا وتخلّصوا من قبح القول وشناعته فأفحشوا القول الكلّيّ العامّ وحصروه في أمر ضيق جدّاً يسير جدّاً وذلك أنّ الأعضاء التي تصير إلى الهزال والقضافة من سبب آخر قليلة جدّاً وأمّا سائر الأعضاء كلّها فإنّما تصير إلى مثل هذه الحال بسبب الرباط الطويل المدّة وبسبب سكون الأعضاء العليلة وأن يكون أبقراط ذكر هاهنا هذه الأعضاء هو أولى وأشبه من أن يكون ذكر غيرها إذ كانت هذه أخصّ بتلك التي ذكرها قبل وأقرب إليها والذي كان في ذكره إلى هذه الغاية إنّما كان الكسر وغيره من بعض العلل المحتاجة على ربط كلّ واحد من الأعضاء التي تحدث فيها برباط شبيه برباط الآخر فهذه العلل خاصّة هي التي تتّصل بها وتعقبها قضافة الأعضاء ونهوكها فلذلك قد أصاب في ذكره لنا وتعليمه إيّانا كيف السبيل في مداواة القضافة والنهوك وأكثر شيء يجد الإنسان السبيل إلى مذمّته من أمر القوم الذين يظنّون أنّ أبقراط يستعمل الرباط المنهك هو ما أصف لك أقول إنّ الذي قصد له أبقراط هاهنا إنّما هو أن يعود إلى الأعضاء التي قد نهكت ودقّت فيغذوها وهذا شيء لا يمكن أن يكون دون أن تقوى قوّتها ويصل إليها من الشيء الذي يغتذي به مقدار غزير وهذا الرباط الذي يظنّ هؤلاء القوم أنّ أبقراط يستعمله هو رباط يقطع جرية الدم ووروده ويضعف القوّة والرباط الذي أقول أنا إنّ أبقراط أراد بقوله رباط مخالف الرباط الذي يحدث عنه القضافة ليس يفعل ولا واحدة من هاتين الخصلتين لأنّه رباط ينبغي أن يكون ابتداؤه من المواضع السليمة لا من المواضع المؤوفة ويكون وقوعه عليها من مسافة بعيدة ثمّ إنّه إذا غمز على المواضع في ابتدائه غمزاً شديداً بمقدار لا يؤلم ولا يوجع بتّة ألماً ووجعاً يمكن أن يحدث عنه ورم أمعن حتّى يصير إلى موضع العلّة ولا يزال في إمعانه يسلس ويقلّ شدّته أوّل فأوّل وهاهنا … أخرى هي ممّا يطعن به على تفسير هؤلاء وهي أنّ ربط الرجل الصحيحة مع الرجل العليلة لا معنى له بحسب تفسيرهم وذلك أنّهم زعموا أنّ أبقراط إنّما يستعمل الرباط هاهنا ليذوّب به الأعضاء التي قد دقّت ونهكت ذوباناً يسيراً وهذا شيء معما أنّ رباط الرجل الأخرى لا ينتفع به فيه قد يضرّ أيضاً لأنّ الدم الذي كان يصل إليها قبل الرباط يندفع ويصير
كلّه في وقت الرباط إلى الرجل العليلة والمثالات التي تمثّلوا بها مثالات سوء والأمر في رداءتها واضح وذلك أنّه ليس منها واحد يشبه المعنى الذي قصد أبقراط ليخبرنا به ويعلّمناه وذلك أنّ المعنى والرأي الذي عليه مبنى الأمر في أصحاب الغثيان وتقلّب النفس قائم صحيح أنّا إنّما نداويهم بدواء القيء لأنّا نريد أن نخرج عن المعدة في دفعة واحدة جميع الرطوبة التي عنها يحدث ذلك الغثيان والتهوّع إذ كانت رطوبة الأمر فيها معلوم أنّها متشبّثة بجرم المعدة تشبّثاً يعسر تخلّصها منه وكذلك متى كانت تتحلّب وتنصبّ إلى المعدة رطوبات حادّة تجري إليها أوّلاً فأوّلاً فتزعجها وتحرّكها إلى الخروج فلاستفراغ هذه الرطوبات معنى قائم يصحّ في القياس كما أنّ الرطوبة التي تحدث سعالاً كثيراً يستنظف وينقّى منها الصدر دفعة بالأدوية تهيج سعالاً أشدّ من ذلك وليس من هذه الخصال واحدة هي الخصلة التي زعموا أنّ أبقراط أرادها نظيرتها ولا شبيهة بها أعني قولهم إنّه قد ينبغي لنا أن نزيد المواضع التي قد دقّت وقضفت هزالاً ونهوكاً بتشديدنا له بالرباط ليصير بذلك إلى معاودة الاغتذاء فإنّ الرباط الذي نقضّف به المواضع قضافة يسيرة ليس ممّا يمكن فيه أن تقوى به قوّة الأعضاء ولا أن يصل به إليها شيء تغتذي به فأمّا ذكرهم للتشنّج من خلف ومن قدّام فهو في غاية البهيميّة وغاية البعد عن الصواب لأنّ هذا ممّا يدلّون به على أنفسهم أنّها ممّن لا أدب له ولا خبر بحذق أبقراط وطريقه الذي يبنى عليه أمره في الطبّ إذ كان أبقراط يقول إنّ الضدّ شفاء لما هو ضدّه وكنت أنا قد بيّنت في كتاب حيلة البرء أنّ الأمر على ما قال إلّا أنّ بعض الناس لمّا لم يفهموا قوله ولم يعرفوا ما قوّته ومعناه أخذوا في مناقضته فعرض لهم العارض العامّ الذي يعرض لجميع من يعجل في الردّ والمناقضة ممّن يلتمس الوقيعة فيما لا خبر له به فلم يتعلّمه قطّ فقول أبقراط ما قاله في التشنّج من خلف وقدّام ليس هو ما ينتقض به قوله إنّ الضدّ شفاء بل إنّما يصحّ ويثبت به وقد قال أبقراط في هذا الفصل نفسه قول صراح إنّ الماء البارد يردّ الحرارة فترجع موفورة والحرارة بها يتحرّى هؤلاء فهذه الحرارة التي تشفي الأمراض الباردة نحن نستدعيها مرّة بالدلك ومرّة بدواء يسخن أو بالرياضة أو باستعمال صبّ الماء الحارّ بمقدار كثير
وخاصّة ماء الحمّات ما كان منها فيه قوّة الكبريت والقار ومراراً كثيرة على ما وصفت قد نستدعي هذه الحرارة بأن نطلي على العضو الذي نريد إسخانه زفتاً وربّما استدعيناها بصبّ الماء البارد إلّا أنّ سائر تلك الأشياء الأخر كلّها لمّا كانت إنّما تسخن بقوّتها صارت نافعة دائماً للأعضاء والعلل المحتاجة إلى الإسخان فأمّا الماء البارد فإنّه بحسب ما يوجبه طبعه إنّما يبرّد البدن فهو بهذا السبب إنّما يقع له أن يكون استعماله في هذه العلل نافعاً في الندرة إذا تهيّأ أن يكون البدن الذي يصبّ عليه حرارته الغريزيّة قويّة ليس إلّا وقد قال أبقراط نفسه إنّ الماء البارد دائماً ربّما يكون في البدن الخصيب ولم يقل أيضاً إنّه نافع لهذا البدن في كلّ الأوقات لكن في وسط الصيف ومن تراه لا يعلم ومن لم يقل حين ذكر أمر الاستحمام بالماء البارد في كتابه أنّ الاستحمام بالماء البارد يفعل أحد أمرين إمّا أن يضرّ بالتبريد وإمّا أن يعود به الحرارة من عمق البدن وهي أكثر ممّا كانت فذلك أنّه إن كان البدن كثير الحرارة عرض له عند صبّ الماء عليه أن تكون حرارته لا تنهزم من برودة الماء ولا تقهرها البرودة فإذا استحصف وتكاثف الجلد واحتقن ما كان يتحلّل منه تزيّدت الحرارة وإن كانت حرارة البدن أقلّ من أن تحتمل ما يلقاها من برودة الماء وأن تثبت لها وصلت قوّة ذلك الماء البارد إلى عمق البدن فحدثت به من ذلك علل باردة وعسى أن يكون قولي ما قلت من هذا في هذا الموضع فضلاً إذ كنت قد بيّنت في موضع آخر على ما وصفت أنّ الأشياء التي تشفي شفاء أوّلاً فينبغي لا محالة أن تكون ضدّاً لما تشفيه والأمر في قولنا إنّ الشيء يشفي شفاء أوّلاً معلوم أنّا إنّما نريد بذلك ما كان يشفي من غير واسط بينه وبين ما يشفيه هو خلاف هذا لأنّه إنّما يشفي بالعرض لا بنفسه وإذ كان الأمر على هذا فالقوم الذين ذكروا القيء والإسهال والأدوية المهيّجة للسعال وصبّ الماء البارد إنّما كان منهم هذياناً إذ كانت هذه أشياء قد تكون مراراً كثيرة صواباً وليس تشبه هذا القول الذي نحن في شرحه في قليل ولا كثير لأنّ الذي يحتاج إليه في هذا القول إنّما هو أن يبيّن كيف صار الرباط الذي ينهك نهكاً معتدلاً يحدث لقوّة الأعضاء صحّة تقوى بها ويجلب إلى الأعضاء من الدم مقداراً أكثر فما داموا لا يقدرون أن يبيّنوا هذا فإثباتهم في كتبهم المثالات التي تمثّلوا بها إنّما كان باطلاً مع أنّ المثال ليس يقوم

به برهان يعرفه الإنسان معرفة يقين وقد بيّنت ذلك في المقالة التي ذكرت فيها أمر المثال ومع هذا أيضاً إنّما ينتفع بالمثال أن يكون الإنسان إذا خاطب من لا يفهم أتاه بمثال يفهم به ما يريد إفهامه إيّاه وهاهنا قوم يظنّون أنّا إنّما نستعمل المثالات لنصحّح ونحقّق بها ما يحتاج إلى التثبيت وخاصّة من كان منهم شبيهاً في مذهبه بأصحاب الريطوريقى وهؤلاء في ظنّهم هذا على غلط ومباينة للحقّ كلّه وكذلك القوم الذين يدّعون أنّ فلاطن يجعل أكثر براهينه باستقراء الأمور الجزئيّة فإنّا نحن قد بيّنّا أنّ فلاطن أيضاً إنّما كان يستعمل استقراء الأمور الجزئيّة ليوضح بذلك ما يريد فمن أحبّ أن يعرف قوّة استقراء الأمور الجزئيّة وقوّة المثال باستقصاء فلينظر فيما ذكرناه من أمر كلّ واحد من هذين في غير هذا الكتاب وأمّا أنا فأعود إلى ما قصدت له وأسأل جميع من ينظر في كتابي هذا أن يستوفي قراءة جميع ما قلته إلى هذه الغاية بعناية وفهم ثمّ آخذ في تفسير القول الذي يتلو القول المتقدّم فإنّه يكون شاهداً لصحّة هذا التفسير الذي فرغت منه وكيما يكون جميع هذا القول واضحاً ليس أنسخه كلّه في موضع واحد بل أقطعه أجزاء وأفسّر كلّ جزء منه على حدة.

(٣٤) قال أبقراط والأجود أن تتحرّى في الموضع الأرفع بمنزلة ما هو أرفع من الساق وفي الفخذ وفي الرجل الأخرى أن تربطها معاً كيما تكون أكثر مماسّة ويكون هدوءها على مثال واحد وحبسها من الغذاء وقبولها إيّاه على مثال واحد.

قال جالينوس إنّ أبقراط قد قال قبل هذا بقليل إنّ ربط الأعضاء المنهوكة يحتاج أن يكون مخالفاً لرباط الكسر لأنّ غرض رباط الكسر كان أن يمنع الدم من أن يجري إلى الأعضاء العليلة ويدفع أيضاً ما فيها من الدم إلى فوق أو إلى أسفل وتكون الأعضاء مع ذلك ساكنة لا تتحرّك لأنّ بهذا الطريق كان يرجى للأعضاء العليلة أن تسلم من الورم حتّى لا يعرض لها أصلاً وأمّا هاهنا فغرضه ليس هو أن يمنع الدم من أن يجري إلى الأعضاء العليلة ولا أن يجري ما هو منه حاصل فيها ولا أن يستبقيها ساكنة لا تتحرّك بل غرضه أن يفعل ضدّ ذلك كلّه فالرباط هاهنا على ما قلت قبل

ينبغي أن يبتدئ من الأعضاء السليمة فيغمز عليها حتّى يعصر ما فيها من الدم إلى الأعضاء المنهوكة ويمنعها من أن تحظى منه بما كانت تحظى على التمام فإذا كانت العلّة في الساق أو في الساعد فحسبك أن تبتدئ بالرباط من الأربيّة أو من الإبط وأمّا إذا كانت العلّة في الفخذ أو في العضد فلا بدّ ضرورة من أن تربط الرجل واليد الأخرى وتجعل مبدأ الرباط من أسفل وترتقي به إلى الأربيّة أو إلى الإبط فإن عرضت هذه العلّة في وقت ما في الساعد أو في الساق وكان أمرها ضابطاً فالأجود أن تربط الرجل أو اليد الأخرى وتربط أيضاً من تلك الرجل أو اليد العليلة ما هو فوق موضع العلّة كيما يتعطّل ولا يغتذي ومن أجل ذلك قال أبقراط إنّه ينبغي لك أن تتحرّى في الموضع الأرفع بمنزلة ما هو أرفع من الساق وفي الفخذ وفي الرجل الأخرى السليمة أن تربطهما معاً وقال كيما يكون هدوءها على مثال واحد يريد بذلك أن تسكن الرجل الأخرى كسكون فخذ الرجل العليلة ويكون حسمها من الغذاء على مثال واحد ولم يقنع بذكر حسم الغذاء حتّى زاد معه ذكر قبول الغذاء لأنّه يريد منّا أن لا نحسم العضو الذي نربطه هذا الرباط من الغذاء حسماً لا يقبل معه من الغذاء شيئاً أصلاً فإنّ إنساناً لو استوثق من شدّ الرباط استيثاقاً يحسم به العضو من الغذاء جملة كان أوّل ما في ذلك أنّ العضو يكون به على شرف فساد يعطب به فإن سلم من ذلك في بعض الأوقات لم يسلم من أن يكون الغذاء لا محالة كما يرتفع ويقلّ من الفخذ كذلك يرتفع ويقلّ من الساق ونحن ليس قصدنا أن ننهك الفخذ بل إنّما نريد أن نردّ الساق ونصيّرها إلى معاودة الاغتذاء ولكنّا نعلم مع هذا أنّ هذا الضرب من الرباط ينهك الفخذ لا محالة إلّا أنّا نرضى بذلك ونصبر على هذا المقدار من المضرّة إلى وقت ما ثمّ من بعد ذلك في آخر الأمر إذا كانت الساق قد اكتسبت اللحم وخصبت عنيناً بأمر الفخذ والساق عناية تعمّها جميعاً وإذ كان الأمر في هذا على ما وصفت فقد ينبغي لنا في هذا الموضع أيضاً أن نجانب تفسير القوم الذين يظنّون أنّ أبقراط يلتمس أن ينهك مع العضو المنهوك الأعضاء الموضوعة في موضع أرفع منه واليد والرجل التي في الشقّ ليخفى بذلك نهوك الأعضاء التي قد تحشّفت

ولا يظهر فيفتضح به العضو إذا قيس إلى الأعضاء الخصيبة فإنّ هذا باب ليس أبقراط فقط لم يكن ليأمرنا به ولا واحد من سفل الأطبّاء أيضاً كان يرضى أن يأمرنا أن نداوي مداواة سوء.

(٣٥) قال أبقراط بكثرة الخرق لا بشدّة الغمز.

قال جالينوس قد فرغ من هذا وأمرنا أن نفعله فيمن نريد أن نحفظه ونوقّيه من الوجع بالحقيقة وأعاده مراراً كثيرة.

(٣٦) قال أبقراط وحلّ أوّلاً الأحوج إلى الحلّ واستعمل من الدلك ما يزيد في اللحم وصبّ من الماء خلوّاً …

قال جالينوس قول أبقراط هاهنا أوّلاً يقع إمّا على ما هو أوّل في الزمان وإمّا على ما هو أوّل في القوّة والأوّل في الزمان هو إمّا رباط واحد وإمّا الأوّل من رباطات كثيرة إذا قيست بعضاً إلى بعض وهذه خصال كلّها حقّ يقين فقوله بهذا السبب هو قول بيّن اللّهمّ إلّا أن يكون إنّما قال أوّلاً وهو يريد منّا أن نفهم عنه هذه الخصال كلّها وأنت إذا ما نظرت في ذلك وجدت أنّ الرباط الأوّل إنّما ينبغي أن يبتدئ به من مسافة بعيدة ويغمز على الموضع بالشدّ في أوّل ما تقع الخرق عليه ثمّ لا يزال الشدّ فيما بعد ذلك أسلس وتزداد سلاسته أوّل فأوّل وخاصّة في العضو الذي يحتاج إلى معاودة الاغتذاء وأنّه إذا كان الأمر فيه على هذا فمن المقنع أن يقال إنّ قول أبقراط أوّلاً بحسب ما هو أوّل في القوّة إنّما أراد به العضو الذي يداوى وقوله أوّلاً بحسب ما هو أوّل في الزمان إنّما يريد الرباط الأوّل فإن نحن فهمنا قوله أوّلاً على الأوّل من جميع الرباطات إذا قيست واحداً بالآخر صار معناه هذا المعنى إن أنت ربطت العضو العليل مع العضو الصحيح بالرباطات الأول فإنّك لا محالة تكشفها عنه في وقت ما حتّى يبقى عارياً فإذا أردت ذلك فافعله أوّلاً بالمواضع المحتاجة إلى معاودة الاغتذاء وذلك لأنّه إذا كان الموضع الصحيح مربوطاً فهو بهذا السبب لا يغتذي اغتذاء جيّداً وكان الدم يتوفّر على الموضع العليل ويجذب إليه بالدلك 〈و〉بالأشياء الأخر التي ذكرناها قبل أن زاد لحم العضو العليل وخصب في مدّة أسرع ومقدار أكثر وقد ذكر أبقراط من هذه الأشياء الدلك وصبّ الماء الحار وأمّا الأدوية فلم يذكرها لأنّه إنّما يعلّمنا ما ينتفع به من العلاج باليد فقط ولا تظنّ أنّه قصر في ذكر تحريك مثل هذه الأعضاء باعتدال ما دامت لم تصر إلى

الإعياء وأغفل ذلك وتركها إذ كان هو قد علّمك أن تفهم عنه مع الأشياء التي يذكرها لك ما هو داخل في جنسها وكان قد ذكر لك هاهنا الدلك وكانت كلّ حركة تتحرّكها الأعضاء التي قد حسمت الغذاء فنهكت لذلك ودقّت فهي داخلة في جنس الدلك مع أنّه إذا وجدناه يأمر بإراحة الرجل الأخرى على مثال ما يراح الجزء السليم من الرجل العليلة فقد علمنا أنّه لم يأمر بهذا إلّا وهو يريد أن يحرّك العضو الذي يدلك ليجتمع له الدلك والحركة معاً وذلك أنّه قد يمكن أن يحرّك الساعد خلوّاً من العضد والساق خلوّة من الفخذ فأمّا إذا أنت داويت نهوك العضد ونهوك الفخذ فليس بك حاجة أن يكون الساعد والساق ساكناً لا يتحرّك كما يحتاج إلى ذلك من العضد والفخذ في مداواة نهوك الساعد والساق لأنّ الساعد والساق يجتذبان إليهما من الأعضاء التي فوقهما الدم إذا أسخنتهما الحركة ولأنّ ممرّ ذلك الدم يكون في العضد والفخذ العليلين هما يأخذان منه أوّلاً حاجتهما وكذلك أيضاً في الدلك وفي الحركات وفي لطوخ الزفت وفي استعمال الأدوية المسخنة هذه الأعضاء أغلب ومن أعظم الدلائل على أنّ الأطراف إذا سخنت جرى إلى الرجل واليد فضل دم ما يحدث فيها من الحرارة مع الحمرة فقد استفدت يا هذا هاهنا مداواة نهوك الأعضاء تامّة كلّها وفرغت منها إذ كنت أنا قد زدت على ما ذكر أبقراط استعمال الأدوية المسخنة التي استعمال الزفت داخل في جنسها فأمّا أبقراط فلم يذكر في كتابه هذا دواء أصلاً على أنّه قد ذكر عللاً تحتاج إلى المداواة بالأدوية مثل الأثر الحادث عن دم يحتقن تحت الجلد والالتواء والهتك لكنّه تعمّد وترك ذكر الأدوية لأنّه قصد في هذا الكتاب لذكر ما ينتفع به من العلاج باليد فقط ولم يقصد أيضاً لذكر جميع العلاج باليد كما قلت قبل بل إنّما قصد ليذكر منه الشيء الذي المبتدؤون لتعلّم صناعة الطبّ أشدّ اضطراراً إليه وهو لهم أنفع وعليهم أعود.

(٣٧) قال أبقراط فأمّا الدعائم والمساند بمنزلة ما للقصّ والأضلاع والرأس ولغير هذه من سائر نظائرها فبعضها يجعل بسبب الضربان كيما لا يهتزّ وبعضها يدعم تفرّق عظام
الرأس التي على اتّصال وبعضها يجعل سدّاً للعطاس والسعال وغير ذلك من الحركات الأخر بمنزلة ما في الصدر والرأس والحدّ في اعتدال هذه هو ذلك الحدّ بعينه وذلك أنّ الموضع المؤوف ينبغي أن يغمز عليه أشدّ الغمز وينبغي أن يوضع تحتها شيء ليّن ملائم للعلّة وأن يكون الرباط لا يغمز فضل عمّن يمنع من اهتزاز ما يضرب ولا تلتقي به الأطراف الأقاصي من التي قد تفرّق اتّصالها حتّى تصير معاً ولا في العطاس والسعال أيضاً ومن وجه آخر ينبغي أن يكون المسند لا يضغط ولا يضرب.

قال جالينوس قد علمنا من هذا الذي أمر به أبقراط في الرباط أن يلطأ ويلزم من غير أن يضغط والذي أمر به الدعائم التي تحيط به من خارج أن يجري أمرها على ذلك المثال وفي جميع الرباط نفسه الذي نفعله بالخرق أنّه إنّما استخرج واشتقّ هذه اللفظة أعني قوله أدعم من الدعائم وهي التي لمّا ذكرها الشاعر قال إنّهم سلّوا ودفعوا دعائم السفن ولا فرق بين قولنا دعائم وقولنا مساند وقد وجدنا أبقراط مراراً كثيرة يسمّي الرباطات والرفائد دعائم ويسمّي أيضاً المساند دعائم التي تكون من خارج ولكنّا لم نجده يسمّي المساند دعائم وجميع المفسّرين فهموا من قوله في جميع هذا الكلام دعامة أنّه إنّما أراد به المعنى الذي يدلّ عليه المسند ولكنّا نجده هاهنا إذ كان قد ذكر اللفظتين معاً وأتبع واحدة منهما بالأخرى أعني الدعامة والمسند أنّه يدلّ بذلك على أنّ هذين اسمان لمعنيين مختلفين فعساه يكون إنّما أراد بقوله دعائم الأشياء التي في وقت الرباط الذي يحفظ به العضو العليل ساكناً لا يتحرّك تلقى من أسفل وتجعل حوله كما يدور أوّلها الرباطات التي من أسفل فإنّ لهذه منافع أخر وهي أيضاً تقوم مقام الدعامة ثمّ من بعد ذلك الرفائد فإنّ هذه أيضاً هي دعائم ليس للكسر فقط بل للرباطات التي من أسفل أيضاً ثمّ الرباطات التي تلفّ على الرفائد من خارج والجبائر والأشياء التي توطّأ من خارج وذلك أنّ جميع هذه لمّا كانت إنّما تدار حول العضو لتمسك وتضبط ما وراءها صارت تقوم مقام الدعائم لا لهذه فقط لكن للكسر أيضاً وأمّا قوله مساند فأحسبه يريد بذلك جميع الأشياء التي توضع خلوّاً من الرباط إلى جانب العضو العليل كلّه عن يمينه أو عن شماله أو من فوقه أو من تحته بحسب الذهاب في طول البدن فإنّ المسافة في

عمق البدن يكون فيها الفراش من أسفل وجميع ما يغطّي به من الدثار وغيره من فوق كائناً ما كان وقد يسند القوم مراراً كثيرة بخشبة تنصب إلى جانبها قائمة على استواء وأمّا الرأس فيسند بالوسائد والمرافق والمخادّ الصغار التي توضع تحت العنق وبالصوف وبالخرق الليّنة والمثاعب أيضاً وغيرها من القوالب والأجسام التي توضع إلى جانب الرجل المكسورة من الجانبين هي مساند وأمّا الصوف المدوّر الذي يوضع تحت الإبط إذا عرض لمفصل الكتف أن ينخلع فيجعل تحته هذا من بعد ما يردّ الخلع ويربط فقد يمكن أن يسمّى بالاسمين كليهما أعني دعامة ومسند لأنّه يسند الأعضاء التي فوق ذلك الموضع فهو مسند وأمّا لأنّه هو أيضاً يربط فيصير جزء من جملة الرباط فهو دعامة وأمّا الأشياء التي توضع من تحت الصدر وتحت الرأس ومن جانبهما فينبغي أن تسمى خاصّة مساند لا دعائم وهذه أشياء احتالها الأطبّاء بسبب الحركات اللازمة للأعضاء باضطرار وهذه الحركات بعضها هو في الطبع بمنزلة حركة التنفّس للصدر وحركة النبض لأغشية الدماغ وبعضها خارج عن الطبع بمنزلة السعال والعطاس والفواق وأمّا جميع ما يحدث من الضربان في الأعضاء الوارمة وما يكون منها أيضاً عند الصداع الشديد المبرّح في عروق الصدغين الضوارب وكذلك أيضاً الاختلاج الذي قد يكون مراراً كثيرة فيما دون الشراسيف وربّما كان أيضاً في أعضاء أخر يحتاج كلّه إلى المساند فنحن نسند هذه مرّة بالرباط نفسه فقط بمنزلة ما نفعل ذلك في عروق الصدغين الضوارب إذا كان بالإنسان صداع شديد مبرّّح ونفعله أيضاً إذا كان اختلاج شديد فيما دون الشراسيف وفي الجراحات التي يتوقّع منها انبثاق الدم وربّما أسندناها مراراً كثيرة بصوف نضعه إلى جانب الرباط مطلقاً ومن غير رباط أيضاً وقد نسند الصدر والعنق والرأس مراراً كثيرة بالصوف وبالمخادّ الليّنة التي توضع تحت العنق وبأكياس خفيفة الوزن فيها جاورس قد أسخن وذلك عند ما يحتاج إلى تكميدها وتسنيدها معاً واللحي أيضاً إذا انقلب وانخلع ثمّ رددنا فأدخلناه قد نشدّه مراراً كثيرة من خارج بمساند ليّنة فإذا كانت الأشياء التي تسمّى دعائم والأشياء التي تسمّى مساند إنّما الغرض فيها كلّها
غرض واحد عامّ فحقّ للمفسّرين أن يظنّوا أنّ المعنى الذي يدلّ عليه كلّ واحد من هذين أعني الدعامة والمسند هو معنى شيء واحد وقد أصبنا نحن أيضاً في استعمالنا هذين الاسمين مراراً كثيرة في طريق واحد لا خلاف فيه والغرض العامّ فيها الذي ذكرته قبل هو أن تكون الأعضاء عند الحركات لا تهتزّ ولا ترتجّ ولكن لمّا كان بينهما فرق في النوع هو هذا الذي ذكرته قريباً صرنا متى استقصينا في إعطاء الكلام حقوقه قلنا إنّ المساند هي جميع الأشياء الخارجة عن الرباط والدعائم هي الأشياء الداخلة في الرباط وقد يفرق بينهما أيضاً من هذا الوجه أنّ الأشياء التي ترفق بها الأعضاء التي تتحرّك حركة اضطراريّة وهي التي ليس الأمر إلينا في تسكين حركتها نحن نسمّيها مساند والأشياء التي ترفق بها الأشياء التي لا حركة لها نحن نسمّيها دعائم من ذلك أنّ الرجل واليد الأمر إلينا في تحريكها وأمّا الصدر وأغشية الدماغ فليس الأمر لنا في حركتهما وكذلك أيضاً الاختلاج الحادث في الأعضاء ليس أمره إلينا كما ليس الأمر إلينا في السعال ولا في العطاس ولا في الفوارق وإن كان قد يمكننا أن نتصابر لهذه وندافع بها مدّة طويلة فإنّها على حال إذا كانت الأسباب الفاعلة لها قويّة قهرتنا واضطرّتنا في آخر الأمر إليها وليس يقدر على ضبط نفسه عند حدوثها ويحتملها ويدفعها حتّى لا تكون إلّا من كان من الرجال في غاية الصبر على الشدائد وقد وجدنا أبقراط في هذا الكلام الذي نحن في شرحه لمّا ذكر الضربان فقال كيما لا تهتزّ ثمّ أضاف إلى ذلك ذكر تفرّق عظام الرأس إنّما أتبع ذلك باسم الدعامة صراحاً ولمّا ذكر السعال والعطاس وبالجملة الحركات التي تكون في الصدر وفي الرأس استعمل اسم المسند صراحاً فتفرّق عظام الرأس المتّصلة يكون في الدروز وهذه الدروز تسمّى منها موضع ملتقى العظمين عند حقائق الأسماء اتّصالاً ويسمّى جميع موضع الوصل بطريق الاستعارة والتشبيه درزاً لأنّ عظام الجمجمة هي متّصلة واحد بالآخر على الحقيقة ومن أجل ذلك استحقّت أن يقال إنّ تركيبها تركيب اتّصال ولكن لمّا كان تركيبها تركيب الخرق التي تخاط ويلفق بعضها مع بعض سمّي من هذا الوجه درزاً فهذه الدروز قد تتفرّق مراراً كثيرة فيصير بين العظم والعظم فرجة وربّما حدث عنها وجع وذلك عند ما تتورّم الأغشية التي تصل بين الغشاء المحيط بالقحف وبين الغشاء الصلب عند

حركة هذه الأعضاء الوارمة وما كان من الأعضاء على هذا من الحال فهو يحتاج بأكثر الاستقصاء في تعديل مسانده كيما لا يكون لقاء الأعضاء المتحرّكة ومصاكّتها للأعضاء العليلة والمساند 〈برخوة〉 فيزعجها ذلك حتّى يهتزّ سريعاً فيحدث من ذلك وجع ولا تكون المساند أيضاً تزحم العضو بأكثر ممّا ينبغي فتضغطه فيهيج الوجع وقد ذكر فيما تقدّم من كتابه هذا اعتدال الرباط في العلل الأخر التي تحتاج إلى رباط الكسر ومن أجل ذلك قال هاهنا إنّ الحدّ في اعتدال هذه هو ذلك الحدّ بعينه فإنّما أراد بقوله ذلك الحدّ بعينه أي حدّ الاعتدال الذي ذكرته فيما تقدّم ثمّ أتبع هذا بذكر الاعتدال نفسه فقال وذلك أنّ الموضع المؤوف ينبغي أن يغمز عليه أشدّ الغمز وكذلك أيضاً أمر أن يوضع على العضو شيء يصلح للعلّة ويوافقها ممّا يدعم أو يسند ويشدّ وقال إنّ اعتدال الرباط ينبغي أن يجعل بمقدار لا يغمز على العضو غمزاً يمنع من اهتزاز ما يضرب ومعنى ذلك هو أنّ الضيق والضغط يمنع الأعضاء النابضة من الحركة وهذا شيء يورث ألماً ووجعاً ووضع مع هذا الحدّ حدّاً آخر هو موجود في تفرّق الدروز خاصّة فقال فيه ولا تلتقي فيه الأطراف الأقاصي من التي قد تفرّق اتّصالها فأراد بقوله أطراف الأقاصي مواضع الملتقى الذي لا يمكن بعده ملتقى وهذا يدلّ على الضغط الشديد المفرط وذلك أنّه كما ينبغي ألّا يسترخي اتّصال العظام ويسلس كذلك ليس ينبغي أيضاً أن يشدّ ويضيّق غاية الضيق فإنّ ذلك أيضاً هو خارج عن الطبع فهذا هو الضغط الشديد وأمّا حدّ الضغط اليسير فهو يذكره بعد هذا حيث يقول ولا في العطاس والسعال أيضاً فينبغي أن تهتزّ وتزعج الأعضاء العليلة 〈… ما لسنا〉 ندعمها ونسندها وذلك لأنّ الحركات الشديدة إذا هزّت الأعظام العليلة قلّقتها وعنفت بها بأكثر ممّا يليق بالأعضاء العليلة فنتجت وأثارت عليها الوجع فالاعتدال في المساند هو ما ذكره في آخر كلامه حيث قال ينبغي أن يكون المسند لا يضغط ولا يضطرب ومعنى ذلك أن تكون الأعضاء العليلة لا ينالها ضغط عنيف ولا تكون عند حركاتها في حدّ يظنّ بها الظانّ أنّ رباطها رخو.

تمّت المقالة الثالثة وبها تمّ الكتاب والحمد للّه على ذلك.