Hippocrates: De natura hominis (Nature of Man)
Work
Hippocrates, De natura hominis
(Περὶ φύσιος ἀνθρώπου)
English: Nature of Man
Text information
Type: Translation (Arabic)
Translator: Ḥunayn ibn Isḥāq
Translated from: Syriac
(Close)
Date:
between 825 and 873
Source
John N. Mattock, Malcolm C. Lyons. Kitāb Buqrāṭ fī ṭabīʿat al-insān (Hippocrates: On the nature of man). Arabic Technical and Scientific Texts 4. Cambridge (W. Heffer and Sons) 1968, 1-26
المقالة الأولى من كتاب أبقراط في طبيعة الإنسان
(١) قال: أمّا من قد اعتاد أن يسمع من الكلام في طبيعة الإنسان شيئاً خارجاً ممّا يليق من الكلام فيها بالطبّ فليس يوافقه استماع هذا الكلام وذلك أنّي لا أقول إنّ الإنسان في جملته من هواء ولا من نار ولا من ماء ولا من أرض ولا من شيء غير ذلك أصلاً ممّا ليس يظهر مفرداً في الإنسان إلّا أنّي تارك من رأى أن يقول مثل هذا القول وأنّي أرى أنّ الذين يقولون هذا القول لم يصيبوا فيما رأوه وذلك أنّ جميعهم يستعملون معنى واحداً بعينه لكنّهم ليس يدّعون دعوى واحدة بل إنّما يجعلون حججهم في معناهم حجّة واحدة وذلك أنّهم يزعمون أنّ الموجود شيء واحد وذلك هو الواحد وهو الكلّ إلّا أنّه يخالف بعضهم بعضاً في الأسماء فبعضهم يقول إنّ ذلك الشيء الذي هو الواحد والكلّ هو الهواء وبعضهم يزعم أنّه النار وبعضهم يزعم أنّه الماء وبعضهم يزعم أنّه الأرض ويأتي كلّ واحد منهم على قوله بشواهد ودلائل ليست بشيء وذلك
أنّهم يستعملون معنى واحداً بعينه من غير أن يدّعوا دعوى واحدة فيدلّ ذلك منهم على أنّهم لا يعلمون ما يأتون وقد تقدر خاصّة أن تعلم ذلك إذا حضرتهم يناقض بعضهم بعضاً فإنّك تجد قوماً بأعيانهم يناقض بعضهم بعضاً بين يدي قوم بأعيانهم ولا تجد واحداً منهم في وقت من الأوقات يغلب بحجّته ثلاث مرار ولكن تجدهم مرّة يغلب هذا ومرّة هذا وربّما غلب الذي يتهيّأ له منهم أن يبسط لسانه عند العوامّ بأكثر ممّا يبسط غيره لسانه على أنّه يجب على من زعم أنّ قوله صواب أن يكون كلامه هو الغالب في جميع الأوقات إن كان علمه بذلك الشيء الذي يدّعيه علماً صحيحاً موجوداً وحكمه يجري على الصواب والأمر عندي في هؤلاء القوم أنّهم ينقضون قول أنفسهم بألفاظهم بسبب جهلهم ويصوّبون قول مالسس.
(٢) فأمّا الأطبّاء فزعم بعضهم أنّ الإنسان من دم وزعم بعضهم أنّه من مرار وزعم بعضهم أنّه من بلغم وما يحتجّ به أيضاً هؤلاء هو ما احتجّ به أولائك بعينه وذلك
فقد يجب أن يكون وقت من الأوقات يوجد فيه الشيء الذي هو منه وحده مفرداً وهذا قولي أيضاً لمن زعم أنّ الإنسان من بلغم ولمن زعم أنّه من مرار وذلك أنّي أنا أبيّن أنّ الأشياء التي أقول إنّ الإنسان مركّب منها توجد فيه في جميع الأوقات متشابهة إذا كان طفلاً وإذا شاخ وفي الوقت الحارّ من أوقات السنة وفي الوقت البارد وأبيّن ذلك على الاصطلاح وعلى الطبيعة وآتي عليه بدلائل وشواهد اضطراريّة بسببها يزيد في البدن كلّ واحد من هذه وينقص.
(٣) أمّا أوّل الأمر فقد يجب ضرورة أن يكون حدوث الكون لا من شيء واحد فكيف يمكن وهو واحد أن يولد شيئاً آخر إن لم يخالطه شيء وليس يمكن أيضاً أن يحدث الكون عن أشياء كثيرة إلّا أن تكون متّفقة في الجنس قوّتها جميعاً قوّة واحدة وربّما لم ننتفع أيضاً بهذه الأشياء في الكون وإن لم يكن أيضاً الحارّ
عند البارد واليابس عند الرطب معتدلة بعضها بقياس بعض مساوياً بعضها لبعض لكن كان الواحد منها يفضل على الآخر فضلاً كثيراً والواحد أقوى والآخر أضعف لم يحدث الكون فكيف يستقيم أن يتولّد عن الواحد شيء آخر ونحن لا نجده يتولّد عن الكثير شيء إذا اتّفق أن يكون امتزاج بعضها مع بعض على غير ما ينبغي فقد يجب ضرورة إذا كانت طبيعة الإنسان كذلك وسائر الأشياء كلّها ألّا يكون الإنسان شيئاً واحداً وأن تكون قوّة كلّ واحد من الأشياء التي ينتفع بها في كونه في بدنه بالحال التي ينتفع بها ويجب ضرورة أن يعود كلّ واحد منها إلى طبيعته إذا مات الإنسان وانحلّ بدنه اليابس والرطب إلى الرطب والحارّ إلى الحارّ والبارد إلى البارد وكذلك طبيعة الحيوان وسائر الأجسام كلّها ويحدث كلّها ويفنى على مثال واحد وذلك أنّ طبيعتها تحدث من جميع هذه التي ذكرنا وتعود إلى جميعها وذلك أنّ كلّ شيء حدث عن شيء فإلى ذلك الشيء يعود.
(٤) وأمّا بدن الإنسان ففيه دم وبلغم ومرّة صفراء ومرّة سوداء وهذه الأربع هي طبيعة بدن الإنسان ومنها يكون سقمه وصحّته وإنّما تكون صحّته في غاية الجودة إذا اعتدلت قواها وكمّيّاتها وخاصّة إذا كانت مختلطة بعضها ببعض وأمّا المرض فيحدث إذا كان بعضها أقلّ من الباقية أو أكثر وإذا انفرد بعضها ولم يكن مختلطاً بالباقية فإنّه عند ذلك يضطرّ إلى أن يمرض الموضع الذي خلا منه والموضع الذي صار إليه لأنّه يملأه ويمدّده ويؤلمه فيمرض لذلك وإذا انصبّ من هذه الأخلاط أيضاً شيء ظاهر البدن انصباباً مفرطاً عرض منه الوجع والضربان وإن هو انصبّ إلى داخل انصاباً كثيراً فإنّ الوجع من ذلك يكون على الضعف ممّا يكون عليه إذا كان انصبابه إلى خارج على نحو ما قلنا في الموضع الذي منه انفصل والموضع الذي إليه صار.
(٥) وقد قلت إنّي أبيّن أنّ الأشياء التي أقول إنّ الإنسان منها هي في جميع الأوقات أشياء واحدة بأعيانها
المرار وإن جرحت موضعاً من بدنه حتّى يحدث فيه جرح سال منه الدم وتجد ذلك كلّه يكون دائماً في كلّ حال نهاراً كان أو ليلاً أو صيفاًّ كان أو شتاء ما دام يمكنه أن يستنشق الهواء ويخرجه بالتنفّس إلى أن يعدم أحد الأشياء التي حدثت مع حدوثه وذلك أنّه يظهر أوّلاً من أمر الإنسان أنّ فيه جميع هذه ما دام حيّاً ثمّ من بعد حدوثه كان عن إنسان فيه هذه كلّها التي دكرتها وبيّنتها.
(٦) والذين قالوا إنّ الإنسان شيء واحد أراهم إنّما قالوا ذلك لهذا المعنى لمّا رأوا الذين يشربون الأدوية ويموتون بسبب إفراط الإسهال عليهم وبعضهم يتقيّأ مراراً وبعضهم بلغماً توهّم كلّ واحد منهم أنّ الإنسان هو ذلك الشيء الذي وجده يموت إذا استفرغ من بدنه ومن قال أيضاً إنّ الإنسان دم إنّما قال ذلك لهذا المعنى لمّا رأى من ينحر ويجري منه الدم يموت
إليه وأكثره الشيء الذي هو أولى الأشياء بأن يكون له طبيعيّاً ثمّ إنّه يجتذب له سائر الأشياء وكذلك تفعل الأدوية في البدن فإنّ الذي يسهل منها المرار يخرج أوّلاً المرّة الصفراء الصرفة التي لا يخالطه شيء ثمّ يخرج بعد ذلك المرار الذي قد خالطه غيره والأدوية التي تسهل البلغم تسهل أوّلاً البلغم الصرف ثمّ من بعده الذي قد خالطه غيرة والذين ينحرون أيضاً يسيل منهم أوّلاً دم في غاية الحرارة وغاية الحمرة ثمّ يجري منهم بعد ذلك دم بلغميّ فإذا كان بآخرة جرى منه الدم الذي الغالب عليه المرار.
(٧) والذي يكثر في البدن في الشتاء البلغم لأنّ طبيعة هذا الخلط أشبه بطبيعة الشتاء من جميع ما في البدن وذلك أنّه بارد جدّاً وتقدر أن تعلم أنّ البلغم بارد جدّاً بأن تلمس البلغم والمرّة والدم فإنّك إذا فعلت ذلك وجدت البلغم بارداً جدّاً هذا على أنّه شديد اللزوجة جدّاً وخروجه من البدن في أكثر الأمر بعد المرّة السوداء يكون قّسراً وكلّما كان خروجه من البدن باستكراه كان أسخن إلّا أنّه مع هذا قد يوجد بارداً في طبيعته والدليل على أنّ الشتاء يملأ البدن
نفد منه شيء من الأشياء التي حدثت مع حدوثه لم يمكن أن يبقى حيّاً وأمّا السنة فيقوى فيها في بعض الأوقات الشتاء خاصّة وفي بعضها الربيع وفي بعضها الصيف وفي بعضها الخريف وكذلك أيضاً بدن الإنسان يقوى فيه في بعض الأوقات البلغم وفي بعضها المرار أمّا أوّلاً فالأصفر ثمّ من بعده الذي يسمّى الأسود والدليل على ما قلت أنّك إن سقيت إنساناً واحداً بعينه دواء واحد بعينه أربع مرار في السنة وجدته يتقيّأ في الشتاء أشياء بلغميّة وفي الربيع أشياء رقيقة وفي الصيف أشياء من جنس المرار وفي الخريف أشياء الغالب فيها المرّة السوداء.
(٨) فقد يجب إذ كانت هذه الأشياء كما وصفنا أن تكون الأمراض التي تكثر في الشتاء تقلّ في الصيف والتي تكثر في الصيف تبلغ منتهاها في الشتاء إلّا أن يكون انقضاؤها في الأيّام وإنّا نبيّن الأدوار من الأيّام التي ينقضي فيها الأمراض فيما بعد وأمّا الأمراض التي تحدث في الربيع فينبغي أن ترجو الخلاص
منها في الخريف والأمراض التي تحدث في الخريف يجب ضرورة أن تتخلّص منها في الربيع والمرض الذي يتجاوز هذه الأوقات من السنة فينبغي أن تعلم أنّ من شأنه أن ينقضي في السنين فقد ينبغي للطبيب أن تكون مقاومته للأمراض على مقدار غلبة كلّ واحد من هذه في البدن بحسب الوقت الحاضر من أوقات السنة الذي هو له خاصّة بالطبع.
تمّت المقالة الأولى من كتاب طبيعة الإنسان لأبقراط.
المقالة الثانية من كتاب طبيعة الإنسان لبقراط
(٩) قال: وقد ينبغي أن تعلم مع سائر ما قلته هذه الأشياء أيضاً وهي أنّ الأمراض التي تتولّد عن الشبع يكون شفاؤها بالاستفراغ والأمراض الحادثة عن الاستفراغ يكون شفاؤها بالشبع والأمراض العارضة عن التعب يكون شفاؤها بالراحة والأمراض المتولّدة عن الإفراط في الراحة يكون شفاؤها بالتعب وبالجملة فينبغي للطبيب أن يكون عالماً بمقاومة الأشياء الحاضرة من الأمراض والأنواع وأوقات السنة والأسنان وما كان متمدّداً أرخاه وما كان مسترخياً مدّده وشدّده فإنّ سكون العضو العليل يكون خاصّة على هذه الصفة والطبّ عندي إنّما هو هذا وأمّا الأمراض فمنها ما يحدث عن التدبير ومنها ما يحدث عن الهواء الذي باستنشاقه نحيا وينبغي أن تتعرّف كلّ واحد من هذين الجنسين من الأمراض ممّا أصف وهو أنّه متى اعترض مرض واحد عدّة كثيرة في وقت واحد فينبغي أن توجب السبب في
المواضع التي حدث فيها على العليل المرض بقدر الطاقة وتهزل البدن فإنّ الناس إذا فعل بهم ذلك قلّ ما يحتاجون إلى استنشاق من الهواء جدّاً.
(١٠) وما كان حدوثه من الأمراض عن أقوى أعضاء البدن فهو أصعب الأمراض وذلك أنّه يجب ضرورة إن لبث فيه المرض أو ابتدأ منه أن يتأذّى منه جميع البدن إذا كان أقوى الأعضاء الذي فيه قد ناله الضرر ومتى انتقلت الأمراض من أقوى الأعضاء إلى أضعفها كان انحلالها عسراً ومتى انتقلت من أضعف الأعضاء إلى أقواها كان انحلالها سهلاً وذلك أنّ ما ينصبّ إلى هذه الأعضاء لقوّتها يندفع عنها بسهولة.
(١١) والعروق الغلاظ التي في البدن منشأها على هذه الصفة وهي أربعة أزواج أحدها يبتدئ من مؤخّر الرأس وينحدر على الرقبة من خارج ويمتدّ على جنبي عظم الصلب إلى أن يبلغ إلى الوركين والرجلين ثمّ ينحدر من هناك إلى الساق إلى أن يبلغ إلى الكرسوع والقدمين من خارج فقد ينبغي لمن أراد فصد العروق في أوجاع الصلب والأوراك أن يفصد العرق الذي يظهر تحت الركبة
التي من شأن الوجع أن يعرض فيها ويجتمع فيها الدم فإنّك إذا فعلت ذلك كانت الاستحالة العظيمة إلى الضدّ بغتة أقلّ ما يمكن أن يكون جدّاً والانتقال إلى ما جرت به العادة حتّى لا يجتمع أيضاً في ذلك الموضع ما كان يجتمع إليه.
(١٢) جميع ما ينغث مدّة كثيرة من غير أن يكون به حمّى ومن يرسب في بوله مدّة كثيرة من غير أن يكون به وجع ومن برازه دمويّ بمنزلة من به قرحة في الأمعاء متقادمة إذا أتت عليهم خمس وثلاثون سنة أو أكثر من ذلك يعرض لهم هذه الأمراض من سبب واحد بعينه وذلك أنّه يجب أن يكون هؤلاء أصحاب أعمال يحبّون التعب وأصحاب فلاحة في حداثتهم فإذا كان بعد ذلك واستراحوا من أعمالهم تزيّد اللحم منهم وما زاد عليهم حينئذٍ يكون لحماً ليّناً لا يشبه اللحم الذي كان قبله ويكون البدن الذي اقتنوه الآن مبايناً جدّاً للبدن الذي كان لهم قبل ذلك فتكون حالهم غير متشابهة فإذا أصاب من كانت هذه حاله مرض من الأمراض تخلّص منه بسرعه إلّا أنّ بدنه بعد مرضه يذوب على
نحو ما يكون قسراً أن يسخن وذلك أنّ البدن إذا ابتدأ يذبل عند انحطاطه وتوليته يصير أشدّ برداً وبحسب كثرة نشوء الإنسان في أيّامه الأول تكون شدّة حرارته فإن كان في آخر أيّامه وجب ضرورة أن تكون شدّة برده بحسب كثرة ذبوله وأكثر من كانت هذه حاله يصحّ من تلقاء نفسه إذا جاوز الوقت من السنة الذي منه يبتدئ بدنه يذوب أو في خمسة وأربعين يوماً فإن جاوز هذا الوقت صحّ بدنه من تلقاء نفسه في سنة إلّا أن يخطئ الإنسان على نفسه.
(١٤) التقدّم بالقضيّة في جميع الأمراض المتولّدة في زمان يسير التي أسبابها معروفة موثوق بها جدّاً وينبغي أن تجعل علاجك لها بمقابلة السبب المحدث للمرض فإنّك إذا فعلت ذلك بطلت العلّة المولدة للمرض.
(١٤) من يرسب في بوله شبيه بالرمل أو حصى فإنّه إنّما أصابه أوّلاً جراح عند العرق الغليظ ثمّ تقيّح
ثمّ لمّا لم ينفجر ذلك الجراح سريعاً تعقّدت تلك المدّة فصارت حجراً ويندفع ذلك الحجر إلى خارج من العروق مع البول إلى المثانة. من بال بولاً دمويّاً فقط فعروقه نقيّة. من خرج في بوله وهو غليظ قطع لحم صغار شبيه بالشعر فينبغي أن تعلم أنّ ذلك من كلاه. من خرج في بوله وهو صافٍ في بعض الأوقات شبيه النخالة ففي المثانة جرب.
(١٥) أكثر الحمّيات تتولّد عن المرار وأصنافها أربعة خلا التي تحدث مع أوجاع معلومة وتعرف بالدائمة والنائبة في كلّ يوم والغبّ والربع والحمّى التي تعرف بالدائمة تحدث عن مرار صرف كثير جدّاً وبحرانها يكون في مدّة يسيرة جدّاً وذلك أنّ البدن إذا كان لا يتروّح منها في وقت من الأوقات يذوب بسرعة لأنّ سخونته تكون عن حرارة مفرطة وأمّا النائبة في كلّ يوم فتكون عن مرار كثير جدّاً مع الحمّى الدائمة وانقضاؤها أسرع من انقضاء سائر الحمّيات ومدّتها
السنّ أكثر منها في سائر الأسنان ومن أوقات السنة في الخريف وأمّا من تصيبه الربع في غير هذا القوت من أوقات السنة وفي غير هذا السنّ فقد ينبغي أن تعلم أنّ مدّتها لا تطول إلّا أن يخطئ العليل على نفسه.
تمّت المقالة الثانية من كتاب طبيعة الإنسان لبقراط.