Hippocrates: De natura pueri (Nature of the Child)
Work
Hippocrates, De natura pueri
(Περὶ φύσιος παιδίου)
English: Nature of the Child
Text information
Type: Translation (Arabic)
Translator: Ibn Šahdā al-Karḫī
Translated from: Syriac
(Paraphrase)
Date:
between 810 and 830
Source
Malcolm C. Lyons, John N. Mattock. Kitāb al-ajinna li-Buqrāṭ. Hippocrates: On Embryos (On the Sperm and On the Nature of the Child). Arabic Technical and Scientific Texts 7. Cambridge (Pembroke Arabic Texts) 1978, 45-85
(١٢) قال أبقراط إنّ المنى المولد الذي يمكث في الرحم هو من الرجل والمرأة جميعاً يختلطان أوّل ما يقعان في الرحم لأنّ طبيعة المرأة ضعيفة فيجتمع المنى فيغلظ لأنّه يسخن في الرحم.
إنّ المنى الذي من الذكر يختلط بمنى المرأة بالحركة ولا تسكن حركتهما حتّى يتمّ الجنين فيحيا.
ولأنّ الرحم حارّة متنفّسة فإذا كثر الروح في المنى جعل اللّه له طريقاً في وسط المنى والروح وخرج في الأوردة التي تجري إلى الرحم كما تجري إلى البطن وإلى جميع أعضاء الجسد، كذلك الريح تزيد في الروح الحيّ الذي في المنى وتنبهه وقد يكون هذا في الأجساد التامّة أيضاً بالاستنشاء الذي تستنشي لأنّها إذا استنشت ازداد الروح الذي فيها قوّة.
فإذا جعل الروح الحارّ طريقاً في المنى إلى خارج جذب
من ساعته برودة من الرحم وهذا فعله كلّ حين.
إنّ الروح في الرحم يسخن ولأنّه يسخن جعل له هواء بارداً يدخل إليه من استنشاء المرأة ليبرده.
إنّ كلّ شيء يسخن هو يمسك الروح.
إنّ كلّ ما يسخن هو يقني الروح وكذلك المنى أيضاً إذا سخن في الرحم اصطنع روحاً لأنّ الروح إنّما يكون من الحرارة كما أنّ جميع الأشياء الحارّة إذا اشتدّت حرارتها وغلبت تحلّلت بحرارتها وصارت هواء وذلك كما نرى من الماء الحارّ الذي يطبخ مع أشياء كثيرة أيضاً وذلك لأنّ الحرارة هي تجذب الهواء فأمّا في المنى فلم يقل إنّه يتحلّل بالحرارة ولكنّه يغلظ وإنّما يجذب إليه الحرارة الهواء والروح.
إنّ الحطب الرطب إذا استوقد خرج منه الروح يعني رطوبته ظاهرة وترى من حيث تخرج من الشقوق التي تكون في الحطب ويدلّنا أنّه ليس يكون ذلك إلّا بالهواء أنّ من بعد ما تخرج تلك تجذب هواء آخر من الهواء فتشتعل النار من اجتذاب الهواء الذي يجتذب إلى الحطب لأنّ الحطب كلّه إذا استوقد يجذب الهواء كما وصفنا وبخاصّة ما كان فيه رطباً لأنّه نرى الهواء الذي يخرج منه في الشقوق الذي ينشقّ فيه فإذا خرج تردّد وأحاط بالشقوق.
إنّي إنّما أقول البرودة المعتدلة فليس البرودة الشديدة التي تشبه الجليد والثلج بل التي تشبه الريح لأنّ كلامنا إنّما هو في الهواء.
فإذا سخنت الرطوبة التي في الحطب ولطفت كما قلنا فوق جذبت إليها برودة أخرى من خارج لتغتذي بها.
إنّ العلامة التي تخرج وتجذب من الهواء الخارج هي النفس ورطوبة الحطب إنّما هي تفعل هذا الفعل إذا استوقد الحطب لأنّ الهواء يشقّق الحطب بالحرارة ويخرج البخار من الحطب فإذا خرج البخار سمع صوته مثل ما يسمع صوت النفس إذا خرجت.
وكذلك جميع الأشياء الرطبة إذا وضعت على النار فأصابتها حرارة يسمع صوت الهواء كيف يخرج منها مثل الحنطة والحبوب والبلوط وما يشبهها وإذا خرج منه الريح والرطوبة اتّسع الشقّ الذي تخرج منه.
إنّي قائل بموجز وتارك التطويل فقائل إنّ كلّ شيء حارّ هو يدفع الهواء الحارّ الذي فيه ويدخل بدله هواء آخر بارداً ليغتذي منه وإنّما قلت هذه القياسات كلّها لأبيّن أنّ المنى إذا سخن في الرحم يجتذب الهواء ويغتذي منه ثمّ
إنّه يدفعه أيضاً ويخرجه بلا محالة، إنّي قد قلت إنّ المنى يسخن في الرحم فإذا سخن جذب إليه من الهواء ما يغتذي منه فإذا اغتذى منه دفعه عنه ومع هذا أيضاً إذا تنفّست الرحم تنفّس المنى أيضاً وإذا جذبت الرحم إليها البرودة من الهواء بردت حرارة المنى كما ينبغي.
فنقول إنّه من بعد ما اختلط مع الرطوبة فلذلك يصير منه حجاب ولأنّه أيضاً محبوس ممسك مثل ما يكون على الخبز إذا مع نضج فإنّه يكون عليه خارجاً شيء رقيق شبيه بالحجاب وذلك لأنّه يسخن وتكثر فيه الحرارة وينتفخ منها ويرتفع وما يرتفع منه هو الحجاب.
أمّا المنى فإنّه يسخن وينتفخ حتّى يمتدّ فوقه حجاب ويحيط به جميعاً ويكون في وسط المنى للروح طريق إلى داخل وإلى خارج وهذه الريح هي تبعد رقاق الحجب عن المنى وأمّا سائر المنى فإنّه في الحجاب مستدير.
(١٣) إنّي قد رأيت منى وقع من الرحم بعد ستّة أيّام فعرفت
بما رأيت في ذلك المنى أنّ أزكاني في المنى والحبل هو حقّ وأنا أقصّ وأصف كيف رأيت ذلك المنى الذي وقع من بعد ستّة أيّام.
كانت امرأة أمة لجيران لي تعمل المراوح من ريش الطواويس وكانت تلعب للرجال وكانت كريمة على مولاتها ولم يكن يسرّها أن تحبل لئلّا يفسد منظرها وحسنها وكانت قد سمعت بعض النساء تقول لبعض إنّ المرأة إذا حبلت لا يخرج المنى منها إلى خارج ولكنّه يثبت في رحمها فلمّا سمعت هذا الكلام كانت تحفظ نفسها من الحبل فلمّا جومعت وأحسّت أنّ المنى لم يخرج منها أخبرت مولاتها وأتتني في ذلك فلمّا طلبت إليّ أمرتها أن تثب وثباً قويّاً شديداً سريعاً فتقع على العصعص فلمّا وثبت كما أمرتها وقع المنى منها على الأرض وسمعت صوت الموضع كيف تفرقع وتعجّبت هي أيضاً من ذلك.
قال أبقراط ووجدنا في نسخة أخرى أبقراط يقول إنّي إنّما عرفت ذلك من قبل زرع رأيته سقط بعد ستّة أيّام فعرفت ذلك وقست على البقيّة وإنّما عرفت سقوط الزرع في اليوم السادس من قبل
جارية صنّاجة ثمينة كانت تلهي الرجال وكانت فاسدة وكانت تحذر الحبل وقد سمعت النساء وهنّ يلقن إنّ الزرع إذا لم يخرج من المرأة حبلت فلمّا أحسّت بالزرع قد ثبت في رحمها أخبرت بذلك مولاتها وصارت إليّ فأمرتها أن تثب من مكان مرتفع وثباً شديداً سبع مرّات فلمّا فعلت ذلك وقع الزرع على الأرض وسمعت صوته ونظرت إليه.
إنّي أخبركم كيف كان المنى الذي وقع من تلك المرأة، كان على هذه الحال كما أنّه إن قشر الإنسان قشر البيض الأعلى يرى شبه الحجاب الرقيق على رطوبة البيض كذلك كان على ذلك المنى حجاب رقيق وكان داخله مدوّراً أحمر متحرّك فإذا تحرّك ظهرت الحمرة التي فيه.
إنّي رأيت فيه أعني الحجاب شيئاً يشبه العصب الدقاق البيض التي تسمّى ايناس وأجزاء أيضاً غلاظاً وهي العروق
التي تمتدّ من الرحم فتكبر مع تربية الجنين كما نرى الأعضاء تكبر إذا كبر الصبيان أيضاً إلى أن يصيروا رجالاً فتمتدّ عروقهم وتقبل العنصر.
وأنا أقول أيضاً إنّه ينزل من الأمّ فضول إلى الرحم لتجتذي بها الجنين.
إنّ التي تظهر هي العصب الرقاق البيض التي تسمّى ايناس وهي تلك التي كانت في وسط السرّة وإنّها ليست في موضع آخر غير السرّة لأنّ الروح إنّما يشقّ طريقاً للنفس هنالك وهذا الموضع هو في الحجاب الخارج الأعلى الذي يحيط بالمنى كلّه.
سأقول قولاً فيما بعد أظهر به معرفة المنى لجميع من يطلب معرفة ذلك وأخبر بكلّ شيء قلت في كتابي من يريد ذلك من أصحاب العلم.
إنّي أقول شيئاً آخر ظاهراً يعرفه كلّ من يحرص على العلم وأوضحه بقياسات حتّى يتحقّق ذلك عند السامعين.
(١٤) وأقول إنّ المنى هو في الحجاب وهو يتجذّب إليه استنشاء ويتنفّس أيضاً ويغتذي من الدم الذي يجتمع من أمّه وينزل إلى الرحم.
إنّ المنى هو الذي يجذب الهواء فيتنفّس في هذه الحجب للأسباب التي قلنا ويربو من الدم الذي يغتذي به من أمّه.
إنّ الطمث لا ينزل ما دامت المرأة حبلى إن كان جنينها صحيحاً وذلك منذ أوّل شهر تحبل إلى الشهر التاسع ولكنّ جميع ما ينزل من الدم من الجسد كلّه يجتمع حول الجنين على الحجاب الأعلى ومع استنشاء النفس من السرّة ودخوله إلى الجنين يدخل الغذاء الذي من الدم أيضاً فيغذو الجنين ويزيد في تربيته.
إنّ المرأة إذا حبلت لم تطمث إلّا شيئاً يسيراً في الشهر الأوّل إذا مكث المنى حيناً خلقت له حجب أخر فتمتدّ داخلاً من الحجاب الأوّل وتكون مختلفة الأنواع كثيرة وإنّما كينونتها مثل كينونة الحجاب الأوّل.
إنّ الحجب منها ما يخلق أوّلاً ومنها ما يخلق من بعد ذلك في الشهر الثاني ومنها في الشهر الثالث وهذه كلّها لا
تظهر منافعها من ساعة تخلق ولكنّ بعضها تمتدّ على المنى فتظهر منافعها أوّلاً وبعضها لا تظهر منافعها إلّا أخيراً فلذلك تخلق بعضها في الشهر الأوّل وبعضها في التاني وبعضها في الثالث.
وهي في السرّة كلّها وهي مربوطة بعضها ببعض.
(١٥) فإذا نزل الدم ودخل إلى الجنين فاغتذى منه انعقد له لحم وفي وسط اللحم تكون السرّة التي يتنفّس منها ويربو.
إنّ المرأة إذا حبلت لا تتوجّع من اجتماع الدم الذي يجتمع إلى رحمها ولا تحسّ بضعف كما تحسّ إذا طمثت لأنّه لا يتعكّر دمها كلّ شهر ويثور ولكنّه ينزل إلى الرحم كلّ يوم قليلاً قليلاً نزولاً ساكناً من غير وجع فإذا نزل إلى الرحم غذا الجنين فإذا اغتذا الجنين منه كبر وذلك أنّه ينزل كلّ يوم الدم.
إذا لم تكن المرأة حبلى فأبطأ طمثها هيّج ذلك فيها الأوجاع وذلك لأنّ دمها يتعكّر كلّ شهر ولهذا العكر يتغيّر كلّ شهر بالحرارة والبرودة ويحسّ بذلك جسد المرأة ولذلك يكون جسد المرأة أرطب من جسد الرجل وإذا تعكّر الدم كلّ شهر امتلأت منه الآلات الباردة وما كان منه رديئاً خرج
من قبل نفسها وهذا الفعل هو معروف في الطبيعة قديماً وذلك ليتفرّغ ما في المرأة من فضول الدم وتحبل فإن امتلأت العروق ولم تتفرّغ وكان الدم في الرحم كثيراً لم تحبل المرأة ولكن إنّما تحبل بعد تنقية الطمث للسبب الذي قلنا.
إذا أرغى الدم وتعكّر ونزل إلى الرحم ولم يخرج إلى خارج ولم تسترخي الرحم سخنت جدّاً واشتعلت الحرارة في جميع الجسد وربّما نزل الدم إلى العروق فآذاها حتّى تنتفخ وترم وربّما توجّعت حتّى تضعف أمثالها.
إنّه إن اجتمع وأقام عند المثانة ضغطها وكان منه عسر البول ووجع، ربّما امتلأت الرحم منه فوقعت على الوركين والأعضاء التي عند الحقوين وأوجعتها وإذا مكث الدم خمسث أشهر أو ستّة نتن وصار مدّة وقاحت الرحم وانفجرت أو خرج فيها خراج وربّما اجتمع عند الأربيّتين وأقام عليها حتّى يصير مدّة ثمّ يخرج.
وهذه الأوجاع تكون من حبس الطمث مع الأوجاع الأخر الكثيرة التي تعرض للنساء إذا لم يحضن في كلّ شهر.
ولسنا نحتاج إلى هذه هاهنا وقد وضعناها في كتاب أوجاع النساء.
(١٦) إنّه إذا كوّن اللحم فحينئذ تكوّن الحجب وإذا كبر الجنين كبرت الحجب أيضاً وصار لها تجويف وأحضان خارج من الجنين فإذا نزل الدم من الأمّ جذبه لحم الجنين إذا استنشى ويغتذي به فيزداد لحماً والرديء من الدم الذي لا يصلح للغذاء ينزل إلى مجاري الحجب ولذلك تسمّى الحجب إذا صار لها تجويف يقبل الدم مشيمة.
وقد قلت في هذا إنّه إذا كوّن الجنين وتمّت صورته واجتذب الدم لغذائه بقدر معتدل فهنالك تتّسع الحجب وتظهر المشيمة التي تكوّن من صغير الآلات التي ذكرنا.
فإن اتّسع داخلها فلا محالة أن يتّسع خارجها لأنّ خارجها أولى بذلك لأنّ له موضعاً يمتدّ إليه.
(١٧) أمّا اللحم فإنّه يربو ويزداد مع الروح ويخلق فيه مفاصل ويكون كلّ شيء في الجنين شبيهاً بما يخرج منه فما خرج من الأعضاء المنقبضة يكون منقبضاً وما خرج من الواسعة يكون واسعاً وما خرج من الرطبة يكون رطباً وتقرب الأعضاء كلّها إلى
مواضعها ويلحق كلّ شيء منها بجنسه ومكانه ويكون مثل الذي خرج منه.
إنّ العظام تصلب من الحرارة لأنّ الحرارة تصلب العظام ويربط بعضها ببعض مثل الشجر التي يربط بعضها ببعض ويكون لها مفاصل بالحركات.
إنّ العصب جعل داخلاً وخارجاً وجعل الرأس بين العاتقين والعضدين والساعدين في الجانبين وفرج ما بين الرجلين أيضاً وجعل في كلّ مفصل من المفاصل عصب يوثقه ويشدّه نعماً وجعل الفم لينفتح من قبل نفسه وركّب الأنف والأذنان من اللحم وثقباً ثمّ تتثقّب العينان بعد هذه وتمتلئان رطوبة صافية ويعرف موضع الذكر ثمّ تتّسع الأمعاء بعد ويصير لها تجويف وترتبط بالمفاصل ويرتفع النفس إلى الفم والأنف ويدخل الاستنشاء في الفم والأنف وينفخ البطن والأمعاء ويخرج النفس إلى فوق ويخرج من الفم بدل السرّة.
فإذا تمّت هذه الخصال حضر الولاد.
وتنزل فضول ما يغتذي من معدته وأمعائه إلى المثانة ويكون أيضاً له طريق من المعدة والأمعاء إلى المثانة ومن
المثانة إلى خارج.
وإنّما تنتفخ هذه كلّها ويتّسع تجويفها بالاستنشاء وبه ينفصل بعضها من بعض على قدر أشكالها.
إنّه إذا اتّسع البطن واستبان تجويف الأمعاء صار فيها طريق إلى المثانة والذكر اضطراراً.
إنّك إن ربطت أنبوبة قصب بمثانة وجعلت في الأنبوبة تراباً وسهلة وبرادة أسرب وقشور أسرب صغار ثمّ صببت عليها ماء ونفخت في الأنبوبة رأيت كيف تدخل هذه الأنواع كلّها في المثانة فتختلط أوّلاً بالماء الذي في المثانة فإذا شددت النفخ طويلاً رأيت كيف يجتمع الأسرب إلى الأسرب والسهلة إلى السهلة والتراب إلى التراب وإذا كففت النفخ فحللت المثانة ونظرت فيها وجدت كلّ شيء منها قد اجتمع إلى ما يشبهه أعني الابار إلى الابار والتراب إلى التراب والسهلة إلى السهلة.
كذلك المنى أيضاً إذا تركّب يجتمع كلّ شيء منه إلى صاحبه العظام إلى العظام والعصب إلى العصب وكذلك جميع الأعضاء (١٨) ثمّ يركّب الجنين ويتمّ الذكر إلى اثنين وثلاثين يوماً والأنثى إلى اثنين وأربعين يوماً وربّما كان زيادة على هذه الأيّام
قليلاً وربّما نقص قليلاً.
إنّ الجنين يتمّ فيتصوّر إن كان ذكراً في اثنين وثلاثين يوماً وإن كانت أنثى في اثنين وأربعين يوماً.
إنّا قد نرى ذلك من قبل طهر المرأة أنّها إذا ولدت جارية فإنّها تطهر إلى اثنين وأربعين يوماً وهو أكثر ما تحتبس المرأة إلى طهرها إذا ولدت جارية وإن كان أمر شديد فهي تطهر في خمسة وعشرين يوماً فأمّا إذا ولدت ذكراً فإنّها تطهر في ثلاثين يوماً إذا احتبست كثيراً فإن كان أمر شديد فهي تطهر في خمسة وعشرين يوماً.
إنّ الطمث ينزل من حيث نزل الجنين وكما أنّ الذكر يتصوّر في اثنين وثلاثين يوماً فكذلك تكون أيّام الطهر من بعد ولادته اثنين وثلاثين يوماً وكذلك الأنثى أيضاً إنّما تطهر والدتها إلى اثنين وأربعين يوماً على عدد أيّام تركيبها.
أمّا الفتيات فإذا طمثن فإنّهنّ يطهرن من طمثهنّ سريعاً وذوات الأسنان تطول أيّام طمثهنّ.
إنّ المرأة إذا ولدت بكرها تتوجّع وجعاً شديداً لأنّه أوّل ما ولدت والنساء اللواتي لا يلدن سريعاً أيضاً يتوجّعن إذا ولدن وجعاً شديداً أكثر ممّا تتوجّع اللواتي يلدن كثيراً وذلك لقلّة ما
يلدن.
وإنّما تطمث النساء أيّاماً كثيرة من بعد ما يلدن لأنّهنّ إذا حبلن لا يحتاج الجنين أوّل ما يحبل به إلى غذاء كثير حتّى يتمّ فإذا تمّ له اثنان وأربعون يوماً اغتذى كما ينبغي وما اجتمع في الأيّام الأربعين من الدم الذي ينزل إلى الجنين مكث إلى ولاد الجنين فإذا ولد الجنين نزل أربعين يوماً.
ونقول أيضاً إنّ المرأة التي لا تطمث أربعين يوماً إذا ولدت أنثى واثنين وثلاثين يوماً إذا ولدت ذكراً ليست بصحيحة الجسد والتي تطهر في خمسة وعشرين يوماً من بعد ما تلد أنثى أو في عشرين يوماً إذا ولدت ذكراً فهي مريضة الجسد.
إنّما يبتدئ الطلق ووجع الولاد على ما أنا واصف وذلك أنّه يتعكّر دم المرأة ويسخن من حركة الجنين فإذا تعكّر فلا محالة أن ينزل منه إذا خرج الجنين شبه القيح الدميّ ويجري على الأرض مثل الماء على الطبق ويخرج من بعد ذلك من الطمث
كلّ يوم قدر قوطل وهو أوقية وربّما كان مثل نصف قوطل أو أقلّ قليلاً أو أكثر والقوطول هو سبعة أواقٍ وهذا قدر حسن حتّى يفنى كلّ شيء في المرأة من الفضول.
وإذا كانت المرأة صحيحة نزل مثل ما ينزل الغبار من الصوف فإذا نقص الطمث قبح لونه ولا ينقطع بمرّة.
وإن مرضت المرأة وهي حبلى ولم تستنق أشرفت على الموت وذلك إن لم تستنق ولم تطمث في أوّل ما تحبل وكانت صحيحة وإن لم تستنق من ساعتها بالأدوية أو من قبل نفسها كما ينبغي فإنّها تتوجّع وجعاً شديداً وتهلك وذلك إن لم يحرص على أن تشتفي سريعاً وأيضاً لأنّه إذا منع طمث المرأة يجب علينا أن نداويها حتّى ينزل.
إنّه إذا امتنع طمثهنّ إذا ولدن مرضن أو هلكن إن لم يسرع المتطبّب أن يعالجهنّ نعماً كما ينبغي.
إنّه قد ينبغي أن تستنقي المرأة من هذه الفضول في بدء حبلها إن كانت صحيحة وإن لم تستنق في أوّل حبلها فلتعالج من ساعتها حتّى تطمث في اليوم الذي ينبغي فإن لم تطمث كما ينبغي
فإنّه يصيبها ما وصفنا آنفاً.
إن كان الدم يغلظ من قبل المواضع التي يجري فيها فيستنقي وتخرج كدورته أو إن كانت تطمث المرأة من قبل فضول غذاء الجنين أو من الفضول التي توزع في مواضع الرحم المفتوحة فلا يتخوّف على المرأة لأنّ ذلك ممّا ينبغي لأنّه إذا استنقى الجسد ازداد لحماً وقوّة وإن لم تستنق تتوجّع الرحم ويتوجّع معها جميع الجسد لأنّ ما كان ينبغي أن ينزل إلى أسفل يرتفع إلى فوق.
إنّه ينبغي للطبيب أن يسرع بحرص شديد إلى علاج المرأة إذا كانت فيها هذه الفضول فإن كانت في الفضول قوّة حادّة مفسدة فإنّ المرأة تتوجّع سريعاً وموتها سريع فإن حرص المتطبّب على علاج المرأة فأعياه أمرها فربّما أفلتت لأنّهنّ ليس كلّهنّ يهلكن واللواتي يستنقين فوق القدر ويخرج منهنّ ما لا ينبغي يخرج معه من الروح أيضاً ويهلكن.
وإنّما تكلّمنا بهذا الكلام وأدخلنا هذه الأشياء هاهنا
لنحرّر ونبيّن كون مفاصل الأعضاء التي تكون في الأنثى من الأجنّة في اثنين وأربعين يوماً وفي الذكر من بعد اثنين وثلاثين يوماً لأنّه مزمن على قدر تنقية الطمث.
وأنا متهيّئ الآن لأتمّ الخصلتين كلتيهما وأوضحهما فأقول إنّه إنّما يقصّ لأنّه إذا كان المنى في الرحم إنّما ينزل الدم من المرأة إلى رحمها قليلاً قليلاً وإنّما تتمّ خلقة الأنثى في اثنين وأربعين يوماً وإنّما تخلق المفاصل والأعضاء في هذه الأيّام.
يكثر الدم الذي ينزل إلى الرحم من بعد اثنين وأربعين يوماً لأنّ الجنين يحتاج إلى غذاء كثير وكذلك الذكر أيضاً إنّما يتمّ في اثنين وثلاثين يوماً.
إنّ لنا حديثاً وأمراً آخر يحقّق قولنا هذا وذلك أنّه في أوّل ما يقع المنى في الرحم إنّما يجري من المرأة إلى الرحم من أوّل الأيّام دم قليل لأنّه إن كثر أو جرى بغتة سريعاً لم يدع المنى أن يتنفّس ولكنّه يختنق من كثرة الدم فهو يحبس ويجري منه قليلاً قليلاً ويحتبس بعضه إلى حين الولاد فإذا خرج الجنين كان خلاف ذلك فينزل الدم الذي احتبس في تلك الأيّام كثيراً ثمّ إنّه ينقص قليلاً قليلاً حتّى
يفنى.
إنّا قد رأينا كثيراً من النساء قد فسدت الأجنّة فيهنّ ثمّ خرجت من بعد ثلاثين يوماً من غير أن تكون فيها مفاصل متبيّنة.
إنّه إذا سقط الجنين من بعد ثلاثين يوماً رؤيت جميع مفاصله مركّبة.
إنّما يدرك هذا من النظر إلى السقط لأنّ السقط إذا سقط ليس يسقط بحيلنا نحن بل إنّما يسقط من قبل نفسه فأمّا سبب الأنثى فإنّه أخيراً وسبب الذكر أوّلاً وذلك لضعف الأنثى ورطوبتها لأنّها أضعف وأرطب من الذكر وضعفها ورطوبتها سبب بطاء تركيب مفاصلها وسبب نزول الدم الكثير بعد الولاد.
فأمّا الآن فقد ينبغي لنا أن نرجع إلى ما كنّا فيه (١٩) فنقول إنّه إذا تركّب الجنين وتألّفت مفاصله كبرت أعضاؤه وتصلّبت عظامه وتجوّفت مثل الحضون وذلك بالروح فإذا تجوّفت العظام جذبت من الجسم دماً دسماً ويحتبس ذلك ويتحرّك في رؤوس العظام مثل تحرّكه في رؤوس الشجر وأوصال أغصانها وكذلك يتحرّك الجنين ويصلب.
إنّه تستبين أصابعها وتنفصل بعضها من بعض.
إنّ المنى لأنّه حارّ يستنشي الهواء ويتنفّس أيضاً.
إنّي قد قلت هذا أيضاً وبيّنت أنّ المنى إذا سخن في الرحم يجذب إليه الهواء فيستنشي ثمّ إنّه يتنفّس ويدفعه.
وقد قلنا أيضاً من أين يأتيه الهواء الذي يستنشي وأخبرنا أنّه إنّما تجذب الرحم أوّلاً إليها برودة من الهواء الذي تستنشي الأمّ فإذا جذبت الرحم استنشى المنى فلذلك قلنا إنّ المنى ليس إنّما يجذب الروح من الأمّ فقط ولكن فيه داخل من الروح كما يجتذب من خارج أيضاً كما أوضحنا من قبل بقياسات.
وإن كان المنى ليس بتامّ الآلات والمفاصل فإنّ له قوّة يستنشي بها كما يستنشي المولود التامّ لأنّه حارّ وهو في موضع حارّ ولذلك يستنشي الهواء ويتنفّس.
إنّما تفصّل الحرارة الطبيعيّة من المنى شيء يشبه القشر وتشويه بحرارتها وتغلظه ليقوى المنى.
إنّه ليس كلّما انتفخ المنى يصيّر انتفاخه حجباً لأنّه قد يكون في داخله انتفاخ لا يكون منه حجب ولكن إنّما تكون الحجب من الانتفاخ الذي يكون من خارج المنى.
الجزء الثالث
إنّما تكون الأظفار في أطراف الأعضاء لأنّ عروق الإنسان كلّها تتمّ في أصابع اليدين والرجلين.
فأمّا عروق الجسد فهي غلاظ جدّاً وأمّا العروق التي في الرأس والساقين وفي اليدين والرجلين فهي دقاق كثيرة ضيّقة.
إنّ الأظفار هي آخر الآلات والعروق والأوردة وإن كانت هذه تغتذي من الرطوبة والصلابة فليست من الرطوبة والصلابة فقط ولكن من الروح أيضاً فإنّ لها حواسّ أيضاً لأنّ كلّ شيء يغتذي له حسّ يجذب به الغذاء.
(٢٠) إنّما ينبت الشعر كثيراً ويكثر في مواضع واسعة المسامّ وحيث ما كانت رطوبة معتدلة يغتذي بها الموضع وحيث يكون الجلد ضيّق المسامّ أوّلاً ويتّسع أخيراً ينبت فيه الشعر إذا اتّسعت مسامّه مثل اللحية والعانة والمواضع الأخر وذلك لأنّه إذا جرى المنى في الجسد اتّسع اللحم وتقرّح وانفتحت أفواه العروق التي تحت الجلد التي كانت ضيّقة في الصبيّ ولأنّ الجسد مكثّر منقبض في الصبيّ فلذلك لا يقدر المنى أن يخرج ولا دم الطمث في الجواري.
إنّه إنّما ينبت الشعر من سعة المسامّ والمسامّ الواسعة في جلدة الرأس أكثر منها في جميع المواضع الجسد.
إنّ الرطوبة هي سبب التربية وللشعر في الجلدة أصل كأصول الشجر في الأرض وبأصله يجذب الغذاء وهو على مواضع واسعة المسامّ.
إنّ الوقت الذي يجري فيه المنى في الجسد يتّسع فيه مسامّ الجلد وإنّما يمتنع المنى أوّلاً في الصبيان من قبل رقّة العروق وضيقها فإذا اهتاجت حركة الجماع وشهوته تولّد سبب جريان المنى في الجسد والصبيان كلّما كبروا انفتحت آلاتهم واتّسعت أجسادهم وإذا جرى المنى والطمث ارتفعت الرطوبة فوسعت سموم الجسد.
إنّ الرطوبة تنزل في وقت الجماع من الرأس لأنّه قد تحرّكها وتقلقلها كثرة الخيال ليخرج المنى وإن لم يجامع وفي هذا الوقت اجتذب شيئاً من الرطوبة فيغتذي منها الشعر ويربو.
هذا بيان القول الذي قلت إنّه يجري المنى إذا اتّسعت المجاري وإذا جرى المنى ينبت الشعر.
فإذا أراد إنسان أن يعلم ذلك فليحرق موضعاً من الجلد من حيث ينبت الشعر حتّى يتنفّط فإنّه سيرى إذا برئ ذلك التنفّط أنّه ينقبض الجلد في ذلك الموضع وتضيق المسامّ ولا ينبت الشعر.
إذا انقبض الجلد جدّاً لم ينبت الشعر.
فأمّا الخصيان فإنّهم إنّما لا يكون لهم لحى ولا شعر في عاناتهم لأنّهم يخصون في صباهم وتنسدّ طرق المنى فلا يجري فيها منى كما يجري في جميع الأجسام لأنّ مجاري أجسادهم تصير ملساء منقبضة مسدودة كما قلت فوق.
والنساء أيضاً فإنّ مواضع لحاهنّ ملس لأنّهنّ إذا جومعن فتحرّكت الرطوبة فيهنّ مثل ما تتحرّك في الرجال فلذلك لا تكون جلودهنّ واسعة مثل جلود الرجال.
ويكون أوّلاً كثيراً لرطوبة الجسد.
إنّ البلغم سبب الصلع لأنّ البلغم يسخن بالحركات فيتفرّق في الجلد ويحرق أصول الشعر بحرارته أو برودته.
إنّ الخصيان لا يصلعون لأنّهم ليس فيهم حركة الجماع ولا يسخن بلغمهم من الجماع كما يسخن في الفحولة ويحرق أصول الشعر.
أمّا الشمط فإنّما يكون على هذه الحال فإذا طال مكث الرطوبة التي في الرأس سال بياضها فوقع على الجلد فيبيضّ الشعر وذلك لأنّه يجذب بياض الرطوبة بغذائه.
وأقول أيضاً إنّ الجلد الذي تحت الشعر الأبيض هو أشدّ بياضاً من جميع المواضع الأخر.
والذي يكون شعره أبيض من أوّل ما يولد فإنّ الجلد الذي فيه الشعر الأبيض أشدّ بياضاً من المواضع الأخر.
على قدر لون الشعر من خارج يكون لون الجلد من داخل لأنّ الموضع الذي يجذب الرطوبة أو البياض أو السواد أو الحمرة يكون على لون ما يجذب.
فأمّا الآن فلست أريد هذا ولكنّي أرجع إلى الكلام الذي كنت فيه أوّلاً.
(٢١) فأقول إنّ أوّل ما تطلع أطراف الجنين أعني الشعر والأظفار تتّخذ أصولاً فيتحرّك الذكر من الأجنّة في ثلاثة أشهر والأنثى في أربعة أشهر لأنّ الأنثى تبطئ في جميع أمورها في الرحم وفي غير الرحم.
وربّما تحرّك الذكر قبل الوقت الذي قلت وذلك أنّه أقوى من الأنثى ولذلك يسبق فيصلب ويقوى لأنّ الذكر إنّما يكون من الصلابة والقوّة فلذلك يكون أصلب من الأنثى.
إذا تحرّك الجنين ظهرت علامة اللبن في أمّه واتّسع ثدياها وارتفعا وتحرّكت حلمتاها ثمّ يصير لها لبن والمرأة التي جسدها منقبض ولحمها مكثّر لا يتحرّك لبنها للخروج إلّا أخيراً وأمّا النساء اللواتي أجسادهنّ رخوة واسعة فتتحرّك ألبانهنّ للخروج أوّل ما يتحرّك الجنين.
إنّه إذا تحرّكت الرحم من حركة الجنين أحسّت به والدته وكثرت الرطوبة التي معه وانحدرت موضعاً واسعاً وتزاحمت كلّها في المواضع التي حوله وضغطت وعصرت حوالي البطن كلّه وجميع ما فيه وما كان سميناً دسماً جرى إلى موضع واسع أعني إلى الثديين فبهذه الحركة يكون اللبن وكما أنّه إذا عصر جلد مدهون يخرج منه دهن كذلك إذا عصر البطن أيضاً يخرج دسم الغذاء إلى خارج وبهذا نبيّن ونقول إن جرى اللبن سريعاً
أحسّت المرأة بالجنين والثدي الواسع يقبل ما يأتيه سريعاً وإن كان الثدي مكثّراً فإنّه يدسم من الغذاء كثيراً على السبب الذي قلنا.
وكذلك الدسم الذي يسخن ويبيضّ وإنّما يحلو ويبيضّ من حرارة الأمّ فيجري إلى الثديين فأمّا الرحم فإنّما يجري إليها قليل من ذلك الغذاء الدسم في العروق الممدودة عليها وإذا نزل إلى الرحم دفعه الجنين عنه قليلاً فأمّا الثديان فإنّهما يقبلان ما يجيئهما من اللبن ويمتلئان سريعاً وإذا ولدت المرأة ينزل اللبن إلى ثدييها في أوّل الحركة ليرضع منهما الصبيّ وكلّما رضع منهما امتدّت العروق وجرى إليهما لبن كثير.
إنّ الرجل إذا جامع كثيراً توسّت عروقه من كثرة جماعه.
(٢٢) إنّه كما تكون الأمّ صحيحة أو مريضة كذلك يكون الجنين أيضاً كما يغتذي النبات من الأرض التي ينبت فيها لأنّ البذر إذا بذر في الأرض قبل الرطوبة منها وذلك لأنّ في الأرض أنواع الرطوبة فلذلك يربو جميع ما يبذر ويزرع فيها وإذا امتلأ البزر من الرطوبة انتفخ وغلظ فتضطرّه الرطوبة حينئذ إلى الخروج لأنّ القوّة التي في البزر خفيفة فينقلب ويخرج ويتحرّك بقوّة الرطوبة وقوّة الهواء ويكون له ورق لأنّه ينفصل بعضه من بعض برطوبته ويخرج ورقه إلى خارج أوّلاً بقدر ما يقدر أن يغذو ورقه من
الرطوبة التي كانت فيه فيوزّع أسفل في الأرض أيضاً وذلك ليضطرّ القوّة ويهيّجها فتبقى أسفل ويكون من الورق الممدود أصل ثابت نعماً.
إنّما سبب قوام الجنين آلات أمّه وغذاؤه من غذاء أمّه أيضاً وإنّما يغتذي بسرّته فأمّا إذا ولد فليس غذاؤه مثل الذي كان يغتذي في البطن ولكنّه يغتذي باللبن ثمّ يطعم الأطعمة ويشرب الأشربة بفمه فأمّا إذا كان في الرحم فإنّما يغتذي بسرّته من غذاء أمّه وإذا ولد واغتذى فإنّما يغتذي بطبيعته وطبيعته التي توزّع غذاءه في جسده فهي تمنحه الغذاء بإذن اللّه تعالى.
إنّ لكلّ غصن من الأغصان عرق في الأرض يغتذي به منها وهذه العروق تمتدّ في الأرض فإذا امتدّت وقويت وثبتت جذبت الغذاء من الأرض فهنالك يتمّ الزرع والغرس ويكمل ويتمّ لبّ البزر كلّه ويفنى بالنبات ما خلا القشر لأنّه صلب وحينئذ يتنتّن القشر في الأرض ولا يعرف.
إذا كبر الزرع كبرت عروقه وصارت له عروق واسعة فوق وأسفل وتحمله عروق أيضاً واسعة تغذوه وله تجويف أيضاً في العروق ليغتذي به غذاء كثيراً دسماً.
ولا يغتذي رطوبة لطيفة كما كان ولكنّه يجذب رطوبة غليظة دسمة ويسخن بحرارة الشمس من فوق وتكون ثماره مثل بزره ويخرج من حبّة واحدة حبوب كثيرة.
(٢٣) والشجر أيضاً إنّما يكون من الغرس على هذه الحال، يؤخذ قضيب من الشجر فيغرس في الأرض فإذا غرس جذب من الأرض رطوبة واغتذى بها وإذا اغتذى أرسل عروقاً في الأرض ولا ينبت إلى فوق عاجلاً ولكنّ الهواء يحرّك الرطوبة في أصل القضيب في الأرض ويثقّله جدّاً حتّى يتشعّب منه عروق ليّنة في الأرض.
إنّه إذا غرس القضيب في الأرض جذب رطوبة من الأرض فجرت الرطوبة فيه حتّى تبلغ إلى رأسه إلى فوق الأرض وينتفخ كلّه ويكون فيه روح حياة الأشجار ومن القوّة الخفيفة التي فيه يصير فيه ورق وينبت وينمو أسفل في الأرض ويصير إلى فوق والزرع مخالف للغرس وما ينبت في الأرض.
إنّ بين الغروس إلى الزروع خلافاً كثيراً لأنّ الزروع أوّل ما ينبت فيها ورق ثمّ ينبت فيها عروق أسفل وأمّا الغرس فإنّما ينبت أوّلاً عروقه في الأرض وينبت منه ورق وقضبان فوق فإذا بلغ الغذاء إلى رأس القضيب وامتلأ القضيب من الغذاء أفرع.
إنّ الزرع إنّما تريد أن تربى قليل فلذلك لا تجذب من الرطوبة كثيراً لأنّها إذا جذبت من الغذاء قليلاً انتفخت بالقوّة التي فيها وينبت ورقها وهي تكتفي برطوبة ورقها حتّى ينبت لها عروق في الأرض.
فأمّا الغرس فإنّه مخالف لهذه لأنّه غليظ ليّن جدّاً وإنّما يجذب
الرطوبة بعروقه أوّلاً ثمّ يغتذي أعلاه وهو يحتاج إلى قوى كثيرة لولا ذاك لكان ينبت فيه القضبان والورق قبل العروق.
(٢٤) إنّه إذا صارت فيه الرطوبة التي يجذب من الأرض كثيرة انشعبت منه قضبان وشجون وانقلب الغرس عن ذاته الأولى بكثرتها.
إنّه إنّما ينبت نبات الشجرة بكثرة الرطوبة التي ترتفع وتنفرق في الشجرة أعني غذاءها الذي يغتذي به لأنّ هذا الغذاء مغطّى داخل وهو يخرج إلى خارج وليس يكون خروجه باطلاً ولكنّه يضغط الغرس أوّلاً ضغطاً شديداً حتّى ينخرق منه مواضعاً وينشعب منه شجون وأفنان كثيرة أكثر من العروق التي في الأرض.
فتكبر الشجرة حينئذ وتعرض وتطول وتكثر عروقها في الأرض وذلك لأنّ بطن الأرض حارّ في الشتاء بارد في الصيف لأنّ الأرض رطبة في الشتاء من قبل الماء الذي ينزل من السماء أعني المطر فتعصر بالماء والرطوبة وتنقبض وليس لها مواضع تحلّل وتخرج بخارها لأنّها ليست بواسعة المسامّ فلذلك صار أسفل الأرض حاراً في الشتاء.
إنّ السرقين إذا كسر يكون حارّاً شديد الحرارة وجميع الأشياء التي تدفن وتحبس تسخن سريعاً من قبل الرطوبة التي فيها وتشتعل وتعفن من قبل الحرارة التي فيها لأنّ الهواء لا يصل إليها لأنّها مغطّاة.
وكلّ شيء يكون مغطّى مدفوناً يعفن من الحرارة فلذلك يكون بطن الأرض حارّاً إذ انقبضت مسامّها.
إنّها إذا دفنت واشتعلت فيها حرارة عفنت ونتنت.
إنّ الحرارة التي تكون في بطن الأرض في الشتاء إنّما تكون من قبل انقباض الأرض لأنّ الأرض تنقبض من البرودة ورطوبة
المطر وليس يكون فيها مواضع يتحلّل منها البخار وقد نرى ذلك أنّا إذا أمطرنا فقام الماء على الأرض مجتمعاً لم ينزل في الأرض كثيراً لأنّ الأرض منقبضة وكذلك البخار أيضاً يرجع إلى خلفه لأنّه لا يجد موضعاً يتحلّل فيه فيجتمع على الماء الذي في بطن الأرض.
إنّ الأشياء التي تكون على ضدّ ما قلنا أعني أنّها تكون متفرّقة يصير إليها الهواء لا تعفن سريعاً وتنجو من الرطوبة.
إنّ العيون والآبار والينابيع تكون في الشتاء حارّة لأنّ الأرض التي تحيط بها تكون منقبضة ولانقباض الأرض ترجع الحرارة التي تريد أن تخرج إلى فوق إلى الماء السخن فيسخن الماء لأنّه لا يدخل إليه هواء ببرده وإنّ الماء إذا كثر يجعل له طريق يجري فيه وكذلك الماء القليل أيضاً لأنّ الماء ليس يقوم في موضع واحد من الأرض ولكنّه يجري كلّ حين حيثما وجد طريقاً.
إنّه لو تحلّل البخار في الشتاء من الأرض كان يقلّ الماء ولم يكن يكثر في العيون.
إنّما كان كلامنا وقولنا في الزرع والغرس وقلنا إنّها تغتذي من الأرض ووصفنا صفة الأرض وكيف تكون في الصيف وفي الشتاء ثمّ أخبرنا من بعد هذا سبب تحليل الهواء المحيط بالأرض وقلنا إنّ الشمس بحرارتها قويّة وهي تجذب الرطوبة من الأرض في الصيف وتجعل فيها مواضع لتحليل البخار الذي فيها.
(٢٥) إنّ الريح التي تكون من الماء تحدث أنواع التغيّر وذلك التغيّر مشاكل لها فيجعله مثلها لأنّ الهواء الذي يكون منه الريح مشاكل للماء.
إنّه إن صبّ الإنسان في الزقّ ماء كثيراً وثقب الزقّ ثقباً صغيراً مثل ثقب الإبرة أو أوسع قليلاً ثمّ ضغط الزقّ رأى أنّه لا يخرج من ذلك الثقب شيء من الريح بل إنّما يخرج منه ماء لأنّه ليس للريح سعة أن تخرج وكذلك يكون الماء الذي في الأرض في الشتاء.
وإن وسع الثقب رأى كيف تخرج الريح من الثقب لأنّ الماء إذا علّق الزقّ ينزل ويجعل للريح سعة فلذلك تخرج الريح من الثقب.
إنّ ماء الآبار الذي يتحرّك ويستقى منه هو أبرد من الذي لا يستقى منه فهو يتحلّل أيضاً تحلّلاً لطيفاً لأنّ كلّ حركة تقوى هي تلطّف العنصر وتحلّله.
والماء الذي لا يستقى منه الصيف ولا يتحرّك ولكنّه يبقى على حاله غليظاً يكون حارّاً.
(٢٦) أكتفي الآن بما قلت هاهنا لأنّي إنّما ذكرت هذه الأشياء لأظهر السبب الذي من أجله يكون الماء الذي في بطن الأرض في الصيف بارداً وفي الشتاء سخناً فأمّا ظهر الأرض فإنّه مخالف فذلك
لأنّه حارّ في الصيف وبارد في الشتاء لأنّه لم يكن يستقيم أن تصحّ الشجر وتحمل إذا كانت حرارة فوق الأرض وحرارة تحت الأرض كما أنّه إذا أكل الإنسان أطعمة حارّة ثمّ شرب الماء برّد الماء حرارة الأطعمة.
إنّ الشجر لا توافقها حرارة فوق الأرض وحرارة أسفلها أعني الأرض ولا برودة فوق الأرض وبرودة أسفلها لأنّه إن كان حرارة فوق وأسفل جميعاً عفنت الشجر ويبست من الحرارة التي تجتمع عليها من كلّ ناحية وماتت قواها وإن كانت الحرارة فوق والبرودة أسفل اغتذت الشجر بعروقها غذاء معتدلاً لأنّ الشجر تحتاج إلى غذاء تجذبه بعروقها إلى رؤوس شجرتها وورقها من أجل حرارة الشمس فإذا اغتذى الشجر بعروقها برودة من الأرض في الصيف وأصابتها حرارة الشمس من فوق نضر ورقها وأثمرت وفي الشتاء أيضاً إذا يبس أعلاها بالبرودة التي فوق عاشت عروقها بالحرارة التي أسفل ولكنّها لا تورق ولا تثمر من أجل برودة الهواء الذي يقبضها ولا يدع الغذاء أن يصعد إليها.
إن كان الغذاء في الشجر في أعلاها وأسفلها جميعاً شيئاً واحداً وكانت الشجر رطبة ليّنة فوق القدر لم تثمر،
إنّه ربّما عرض فازداد الشجر تربية أسفلها وأعلاها لأنّ الغذاء ليس إنّما يرتفع من أسفل إلى فوق فقط ولكنّه ينزل من فوق إلى أسفل أيضاً.
ويرتفع في جميع الشجر في الشتاء الغذاء بالعروق من أسفل إلى فوق لأنّها رخوة واسعة للحرارة التي هناك لأنّ الأرض منقبضة من أجل البرودة وينزل في الصيف الغذاء من فوق إلى أسفل.
والشجر لا تثمر حتّى تلين وترطب ولا تجذب غذاء دسماً وقوّة أيضاً من أجل ضيق المسامّ والتجويف الذي فيه تجتذب الغذاء.
إذا أدركت الشجرة وكبرت اتّسعت مسامّها وارتفع إليها غذاء دسم من الأرض.
إنّ الشجر التي لا تثمر إنّما لا تثمر لأنّها ليست لها قوّة تلائم اجتذاب دسم الغذاء ولا قوّة للقوّة التي توفي الشجر الثمار.
وهذا معنى القول الذي قلت إنّه قد ينبغي لنا أن نعلم أنّ الشجر التي تثمر والتي لا تثمر طبيعتهما واحدة إنّما تثمر بعضها ولا تثمر بعضها من قبل خلقتهما لأنّه إذا كانت الشجرة منقبضة الجسد لا تثمر وإن كانت واسعة المسامّ أثمرت.
فإذا مرّ بها حين طويل كفّت عن اجتذاب الغذاء ولم تجتذب البتّة ولا تربى أيضاً.
فأمّا ما يؤخذ من الشجرة فيغرس في شجرة أخرى مثل المطعم الذي يقنح موضع الغصن في شجرة فيجعل كأنّه 〈من〉 أصل غصن شجرة أخرى فيطعم منه ويثمر ثماراً لا تشبه ثمار الشجرة التي هو فيها فذلك لأنّ فيها غذاء من الأصل الذي أخذ من وهو يغتذي أيضاً من الشجرة التي 〈هو〉 فيها فيصير منه عروق دقاق في الشجرة التي هو فيها ويجتذب رطوبة من الشجرة التي هو فيها أوّلاً ثمّ إنّه تطول عروقه فتصل إلى الأرض، إذا استمسك فتجذب حينئذ الغذاء من الأرض ولا ينبغي لنا أن نعجب من تغيّر الثمار التي يثمر ذلك الغصن في الشجرة التي هو فيها لأنّه قد يغتذي من الأرض كما يغتذي من الشجرة.
أكتفي بهذه الأقاويل التي قلت في الشجر والثمار لأنّه لا يستقيم لي أن أتمّ الكتاب بالقول في الشجر والنبات لأنّي إن أردت أن أتمّ الكلام الذي ينبغي أن يتكلّم به في الشجر طال القول.
(٢٧) ولكنّي أرجع إلى ما كنت فيه فأقول في جميع ما ينبت في الأرض وأخبر أنّ جميع الزروع لها في طبائعها أن تجذب الرطوبة من الأرض.
إنّه كما أنّ هذه تجذب الرطوبة من الأرض كذلك الجنين أيضاً يغتذي من الأمّ ويربى في الرحم وإنّما يكون الجنين الصحيح والمريض من قبل صحّة أمّه ومرضها.
وإن أراد الإنسان أن يفهم هذه الأقاويل التي قلنا من ابتداء
الكتاب إلى هاهنا كلّها فليتفرّس في طبائع جميع الزروع والغروس فإنّه يجدها طبيعة الناس وقد قلت في هذا في كتاب آخر.
(٢٨) إنّ يدي الجنين في الرحم تكونان عند فكّه ورأسه قريباً من رجليه.
إنّه لا يقدر أحد من الناس أن ينظر إلى الجنين في الرحم حتّى يعلم أين رأسه فوق أو أسفل لأنّ الحجب تحتويه من السرّة.
(٢٩) وأنا قائل الآن بياناً يظهر به هذا الأمر قليلاً على قدر ما يحتمل علم الناس وما تدرك عقولهم وأخبر أنّ المنى هو في الحجاب وفي وسط الحجاب السرّة وبها يستنشي ويتنفّس أوّلاً ويدفع إلى خارج والحجب التي تكون في السرّة هي في الجوهر الآخر أيضاً كما هي في الناس كما جزمت وحددت فوق.
وإن أراد الإنسان أن يحدّ هذه الأشياء فلينظر في المقاييس التي أنا مزمع أن أقولها.
إنّ المنى الذي قذف به في الرحم يجذب من الرحم رطوبة فيكمل حجباً تحفظه وبها يجعل شقّ يستنشي ويتنفّس منه.
ومن أراد أن يعرف تحقيق قياسيّاً بتجربة فإنّه سيجده حقّاً كما قلنا وليفعل هكذا، ليأخذ عشرين بيضة أو أكثر فيجعلها
تحت دجاجين فليبدأ بها من بعد يومين فيأخذ منها كلّ يوم بيضة ويكسرها ويتفرّس فيها ولا يزال يفعل هذا الفعل حتّى لا يبقى من البيض إلّا واحدة فإن فعل هذا الفعل رأى تحقّق كلامي كما يستقيم بطبيعة الدجاج وكيانه ويرى الحجب تمتدّ من السرّة ويجد في البيض جميع الأشياء التي قلنا في الجنين ومن لم ير أمور الجنين فليتفرّس في بيض الدجاج لأنّ للفرّوج سرّة وهي على هذه الحال.
(٣٠) أمّا المرأة إذا حضر الولاد فإنّ الجنين يتحرّك ويضرب بيديه ورجليه ضرباً شديداً حتّى يشقّ الحجاب الداخل الذي هو فيه فإذا انشقّ الحجاب الأوّل انشقّت الحجب الأخر معه لأنّها ضعيفة وإنّما ينشقّ الحجاب القريب منه أوّلاً ثمّ تنشقّ الحجب الأخر الخارجة بعد ذلك وإذا انشقّت الحجب انحلّت رباطات الجنين وخرج إلى خارج لأنّ الحجب لا تقوى على أن تمسكه ولا تقوى الرحم أيضاً على حبسه لأنّ الحجب قد انقشّت وخرجت من الرحم أيضاً مع الجنين بقوّته.
إن خرج الجنين خروجاً شديداً عسراً فإنّ الرحم تتحرّك وتتزعزع من مكانها لأنّها ليّنة.
إذا خرج الجنين فإنّما يخرج رأسه أوّلاً إن كان يخرج خروجاً طبيعيّاً.
وتميل آلات الرحم كلّها إلى أسفل وإنّما يخرج رأسه أوّلاً لأنّ
الأعضاء التي فوق السرّة تثقل حتّى تتنكّس إلى أسفل وذلك لأنّ رأسه أثقل من جميع أعضائه والجنين إنّما نمسكه الحجب.
فإن عرض له وجع قبل ولاده فانشقّت الحجب سقط وخرج وهو ناقص وإن نقص الغذاء الذي يأتيه من أمّه قبل وقت ولاده سقط أيضاً ناقصاً فأمّا الوقت التامّ فهو الشهر التاسع ولكن ربّما احتبس وخرج في العاشر وقد يرى أيضاً بعض الناس رأياً آخر فيقولون إنّه ربّما خرج من بعد عشرة أشهر ولكنّهم عيروا عند هذا القول الذي أريد أن أقول.
إنّ بعض الناس إنّما يرون رأياً آخر ويقولون إنّه ربّما مكث الجنين في الرحم أحد عشر شهراً وقد كذب رأيهم وأخطأ لأنّه ليس يمكث الجنين في الرحم أحد عشر شهراً.
ولكن إنّما يظنّون ذلك لأنّه ربّما نزلت الريح من البطن إلى الرحم في وقت الجماع وتنفخها وإذا نزلت تلك الريح ظنّت المرأة أنّها حبلى وأصابها مغص وربّما منعت الطمث من النزول فيتردّد ذلك الدم في الرحم ويؤذي الرحم أيّاماً كثيرة وربّما أيضاً كان مع الريح حرارة فتظنّ المرأة أنّها حبلى لأنّ رحمها تكون ساكنة ولا ينزل طمثها وربّما نزل الطمث وانفجر من قبل نفسه أو من قبل شيء ينزل من الجسد إلى الرحم والأوّل يخرج بالطمث
ويكون ذلك من رداءة الجماع وتظنّ المرأة أنّها حبلى.
إنّ الذين ليس لهم حذق بهذه الأفعال يحسبون أنّ وقت الحبل الأوان الذي ينقطع فيه الطمث عن الرحم.
إذا لم يكتف الجنين بالقوت والتربية من الرحم من بعد عشرة أشهر وربا الجنين جذب إليه من الدم الحلو ومن اللبن أيضاً قليلاً.
إنّ الغذاء الذي يأتي الرحم للجنين إنّما يأتيه من الرحم ومنه تكون تربيته وليس يكتفي بذلك في مثل هذا الوقت لأنّه قد كان كمل حتّى يجذب من اللبن أيضاً قليلاً.
فأمّا الثديان فإنّهما من حجب تمكن وتقدر على الإمساك.
فإذا كان هذا الغذاء قليلاً وقوي الجنين طلب من الغذاء أكثر ممّا كان يأتيه وارتكض وطلب اللبن فشقّ الحجب وفتح الرحم وأمّا البكر من الأولاد فإنّه يتوجّع بهذه الصفة لأنّ الغذاء ينقص فلا يكتفي به فيخرج قبل وفاء عشرة أشهر.
الأطفال إذا كملوا احتاجوا من الغذاء إلى فضل قليل ممّا كانوا يحتاجون إليه فإذا كان ذلك لم يجذبوا الدم فقط بل قد يجذبون اللبن أيضاً فإذا ارتكض للجذب هاج من ذلك وجع لامتداد الجنين ويحتمل الوجع بشبه ذلك أيضاً ويرتكض
بقوّة وقلّة اعتدال.
إنّ من النساء من لها من الطمث ما يكتفي به في التنقية ومنهنّ من لا تنقّى كذلك وكثير منهنّ ربّما صرن بلا لبن.
فأمّا النساء القليلات الطمث فإنّ أجسادهنّ تكون يابسة منقبضة وإنّ اللواتي يكنّ قليلات الطمث يبقين بلا لبن.
وأمّا كثرة المادّة واندفاق اللبن في الثديين فإنّ ذلك كما ذكرنا فوق، إنّ من كان من النساء يابسة قليلة المادّة فإنّهنّ يكنّ منقبضات المجاري يابسة اضطراراً.
وهذه الصفة تدلّ على نقصان الغذاء وخروج الجنين إلى خارج أو يكون ذلك من عرض يضطرّه إلى ذلك.
وقد نرى مثل ذلك في نوع الطيران، الأمّ إذا حضنت على البيضة سخنت وإذا وصلت السخونة إلى الذي في البيضة اقتنى روحه فاجتذبت البيضة من الهواء شيئاً بارداً لأنّها متّسعة المسامّ كان ذلك كجذب الاستنشاق فأولجته جوفها، يربى بذلك الطير الذي في البيضة ويركّب بالمفاصل وعلى هذه الحال أيضاً يركّب الجنين كما ذكرنا أوّلاً فأمّا الطير فيكون من الصفرة التي في البيضة وأمّا الغذاء والتربية فمن بياضها وقد ذكرنا ذلك آنفاً ووضح لمن يتفرّس في الأشياء برأي أصيل.
فإذا باد الغذاء من البيضة ولم يكن فيها ما يحيا به الفرخ
تحرّك بقوّة من جوف البيضة لطلب غذاء يكفيه فينشقّ لذلك الحجب فإذا أحسّت أمّ الفرخ بشدّة حركته كسرت البيضة وهذا كلّه يكون في عشرين يوماً وقد أوضح أنّه على ما ذكرنا لأنّا قد نرى على قشر البيضة التي كان فيها الفرخ من بعد خروجه رطوبة يسيرة وكذلك الجنين أيضاً إذا ربا ثمّ لم تقدر أمّه على أن تغذوه بقدر ما يكفيه فإذا احتاج من الغذاء إلى أكثر ممّا يأتيه وثب وارتكض وشقّق الحجب فصار إلى خارج وهذه الأشياء تكون في عشرة أشهر وكذلك الحيوان لها وقت تلد فيه لا في غيره لأنّه لا محالة أن يكون لكلّ نوع من الحيوان وقت ينقص فيه غذاء الجنين فإذا نقص الغذاء ارتكض الجنين للخروج وما نقص غذاؤه من الأجنّة أسرع الحركة إلى الخروج وما كثر غذاؤه أبطأ ولاده.
وهذا وصف الأشياء التي قلنا من قبل الآن على الحيوان التي لا تنطق.
فإن كانت حركة الجنين قويّة إذا شقّت الحجب ومال رأسه إلى أسفل فإنّ الولاد يكون يسيراً هيّناً وإن نزل على جانبه أو مالت رجلاه إلى أسفل بدل رأسه فإنّه يدعو إلى الموت وإنّما يقبل الجنين بهذه الصفة من سعة رحم أمّه ومن قلّة سكونها في أوان المخاض وإن كان الجنين بكراً ونزل بهذه الصفة فإنّ ولادها يكون عسراً جدّاً وكثيراً من الأجنّة أيضاً يخرج كبيراً ولذلك صار النساء يحسسن بشدّة وجع في مثل هذا الولاد
وبخاصّة في ظهورهنّ وأوراكهنّ.
فأمّا اللواتي اعتدن الولاد مراراً فإنّهنّ لا يحسسن بالوجع كما يحسّ به الأبكار لأنّ اللواتي ولدن لن يحسسن بالوجع جدّاً فإن أتى الجنين من الرحم على رأسه فواضح أنّ الرأس يخرج أوّلاً فمن بعد ذلك تخرج الأعضاء المؤلّفة معه ثمّ يخرج من بعد ذلك السرّة التي هي معلّقة بالمشيمة ثمّ ينفرغ من بعد ذلك من الرحم ماء دميّ من رأس الجنين ومن سائر أعضائه وذلك من شدّة الوجع والاضطراب والحرارة التي تكون في الرحم وقد ينفرغ أيضاً مع هذا شيء من الطمث ومن بعد خروج المشيمة يخرج الطمث كما قلنا فوق وينفجر الثديان وجميع الأعضاء الرطبة ولا يكثر الانفجار من الأعضاء الرطبة في أولاد الأبكار وكلّما طال بها الزمان ازداد الانفجار الذي ينفجر من العروق ومن استنقاء الرحم.
(٣١) التؤمان إنّما يكونان من منى واحد وجماع واحد وإنّما يكونان لأنّ في الرحم حضنين وزوائد كثيفة وبعضها فوق وبعضها عند فم الرحم والحيوان التي تلد أولاداً كثيرة في بطن واحد مثل الخنازير في أرحامهنّ أحضان كثيرة أكثر من التي لا تلد كثيراً وكذلك النعاج وسائر الحيوان والطير فإذا اتّفق ووقع المنى في حضني الرحم وقبلاه ولم ينفرغ أحدهما في صاحبه فإنّه يبقى في المجرايين جميعاً ويصير لهما حجب كما
وصفنا فقد بيّنّا أنّ التؤمين إنّما يكونان من جماع واحد وأخبرنا بذلك من قياس الكلاب والخنازير وسائر الحيوان لأنّهم يلدون من جماع مرّة واحدة وبعضهم اثنين وبعضهم ثلاثة وبعضهم كثيراً لأنّ كلّ نوع من الحيوان لإناثه أحضان كثيرة في أرحامهنّ ويكون في كلّ حضن واحد وقد نراها تضع ما في بطنها من الأولاد في يوم واحد.
كما في أرحام الحيوان أيضاً كذلك في رحم المرأة وإنّما يكون التؤمان في رحمها من جماع مرّة واحدة لأنّ المنى يقع في الحضنين جميعاً فيتصوّر منه جنينان وكلاهما يولدان في ساعة واحدة، يخرج الأوّل منهما هو ومشيمته ثمّ يخرج الثاني على إثره وقد يكون التؤمان من الذكورة والإناث جميعاً من قبل منى الرجل ومن قبل منى المرأة أيضاً وكذلك جميع الحيوان أيضاً من قبل ضعف منيها وقوّته لأنّ المنى القويّ إذا وقع في الرحم بقوّته حيثما وقع إنّما يكون منه ذكراً إن كان غليظاً قويّاً جدّاً والمنى الرطب الضعيف حيثما وقع إنّما يكون منه أنثى وإن كان المنى كلّه قويّاً فجميع ما يحبل به منه اثنين كانا أو ثلاثة فإنّما يكونون ذكورة وإن كان المنى ضعيفاً فإنّما يكون منه إناث واحدة كانت أو اثنتين.